تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
عند سماعه إياها.. ذكر هنا ما يخفف عنه ما يلاقيه منهم من سوء الأدب ومن الهزء والسخرية، فأبان له أنك لست ببدع من الرسول، فإن كثيرًا منهم لاقوا من أقوامهم مثل ما لاقيت، بل أشد من ذلك وأنكى، فأنزل الله بهم من العذاب ما يستحقونه كفاء أفعالهم الشنيعة، وجرأتهم على من اصطفاهم ربهم من خلقه، ثم أمر هؤلاء المكذبين بأن يسيروا في الأرض ليروا كيف كان عاقبة المكذبين لأنبيائه.
أسباب النزول
وأما الأسباب: فلم يكن لهذه الآيات سبب لنزولها؛ لأنها إنما نزلت لتعليم العباد كيف يحمدونه فكأنه قال: قولوا يا عبادي عند حمدي وثنائي: الحمد لله. وقال أهل المعاني: لفظه خبر، ومعناه أمر، والمعنى: احمدوا الله سبحانه وتعالى لذاته، وعلى نعمه.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: جنس الحمد بأنواعه، وكل الشكر على نعمه مستحق لله ﴿الَّذِي﴾ خلقكم أيها الناس من نفس واحدة و ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: أوجد وأبدع السموات السبع والأرضين السبعة على غير مثال، فهو سبحانه وتعالى هو المستحق عليكم الحمد والشكر على نعمه، لا ما تعبدون من دونه وتجعلونه شريكًا له من خلقه. والمراد بالسموات والأرض: العوالم العلوية التي يرى كثير منها فوقنا، وهذا العالم السفلي الذي نعيش فيه.
وإنما قدم (١) السموات على الأرض لشرفها؛ لأنها متعبد الملائكة، ولم تقع فيها معصية، والأرض وإن كان فيها الأنبياء، لكنها احتوت على الأشرار والمفسدين، ولتقدم وجودها على وجود الأرض كما قاله القاضي. ومراده أن السموات على هذه الهيئة مقدمة على الأرض الكائنة على هذه الهيئة الموجودة؛ لأنه تعالى قال في سورة النازعات: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)﴾، فإنه صريح في أن بسط الأرض
أسباب النزول
وأما الأسباب: فلم يكن لهذه الآيات سبب لنزولها؛ لأنها إنما نزلت لتعليم العباد كيف يحمدونه فكأنه قال: قولوا يا عبادي عند حمدي وثنائي: الحمد لله. وقال أهل المعاني: لفظه خبر، ومعناه أمر، والمعنى: احمدوا الله سبحانه وتعالى لذاته، وعلى نعمه.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: جنس الحمد بأنواعه، وكل الشكر على نعمه مستحق لله ﴿الَّذِي﴾ خلقكم أيها الناس من نفس واحدة و ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: أوجد وأبدع السموات السبع والأرضين السبعة على غير مثال، فهو سبحانه وتعالى هو المستحق عليكم الحمد والشكر على نعمه، لا ما تعبدون من دونه وتجعلونه شريكًا له من خلقه. والمراد بالسموات والأرض: العوالم العلوية التي يرى كثير منها فوقنا، وهذا العالم السفلي الذي نعيش فيه.
وإنما قدم (١) السموات على الأرض لشرفها؛ لأنها متعبد الملائكة، ولم تقع فيها معصية، والأرض وإن كان فيها الأنبياء، لكنها احتوت على الأشرار والمفسدين، ولتقدم وجودها على وجود الأرض كما قاله القاضي. ومراده أن السموات على هذه الهيئة مقدمة على الأرض الكائنة على هذه الهيئة الموجودة؛ لأنه تعالى قال في سورة النازعات: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)﴾، فإنه صريح في أن بسط الأرض
(١) الفتوحات.
192
مؤخر عن تسوية السماء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاحه في تلك السورة. اهـ "كرخي". ولا منافاة بين آية فُصِّلَت وبين آية النازعات فإن الأرض خلقت أولًا كرة ثم خلقت السموات من دخان كما دلت عليه آية فُصلت، ثم بنى السماء ورفعها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها. وإنما جمع السموات وأفرد الأرض؛ لاختلاف أجناسها، فإن الأولى على ما قيل من موج مكفوف، والثانية من مرمرة بيضاء، والثالثة من حديد، والرابعة من نحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوتة حمراء، والأرض وإن كانت سبعًا أيضًا إلا أنها من جنس واحد، واختلف هل الأرض واحدة؟ وهو الصحيح، فالتعدد باعتبار أقطارها، وقيل: طباق كالسماء، وأما السماء: فهي طباق باتفاق ذكره "الصاوي"، ولكن هذا كله إسرائيليات لا مستند له.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى بدأ هذه السورة بالحمد لنفسه تعليمًا لعباده أن يحمدوه بهذه الصيغة الجامعة لصنوف التعظيم والتبجيل والكمال، وإعلامًا بأنه المستحق لجميع المحامد، فلا ندّ له ولا شريك ولا نظير ولا مثيل. ومعنى الآية: احمدوا الله ربكم المفضل عليكم بصنوف الإنعام والإكرام، الذي أوجد وأنشأ وأبدع خلق السموات والأرض بما فيهما من أنواع البدائع وأصناف الروائع، وبما اشتملا عليه من عجائب الصنعة وبدائع الحكمة بما يدهش العقول والأفكار تذكرة وذكرى لأولي الأبصار. والحمد (١): هو الثناء الحسن والذكر الجميل، والفرق بينه وبين المدح: أن المدح أعم من الحمد؛ لأن المدح يكون للعاقل ولغير العاقل، فكما يمدح العاقل على أنواع فضائله كذلك يمدح اللؤلؤ لحسن شكله، والياقوت على نهاية صفائه وصقالته. والحمد لا يكون إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإحسان، والحمد أعم من الشكر؛ لأن الحمد تعظيم المنعم لأجل ما صدر عنه من الإنعام واصلًا إليك أو إلى غيرك، والشكر: تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك وحصل عندك، والمقصود من الآية: ذكر الدلالة على وجود الصانع.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى بدأ هذه السورة بالحمد لنفسه تعليمًا لعباده أن يحمدوه بهذه الصيغة الجامعة لصنوف التعظيم والتبجيل والكمال، وإعلامًا بأنه المستحق لجميع المحامد، فلا ندّ له ولا شريك ولا نظير ولا مثيل. ومعنى الآية: احمدوا الله ربكم المفضل عليكم بصنوف الإنعام والإكرام، الذي أوجد وأنشأ وأبدع خلق السموات والأرض بما فيهما من أنواع البدائع وأصناف الروائع، وبما اشتملا عليه من عجائب الصنعة وبدائع الحكمة بما يدهش العقول والأفكار تذكرة وذكرى لأولي الأبصار. والحمد (١): هو الثناء الحسن والذكر الجميل، والفرق بينه وبين المدح: أن المدح أعم من الحمد؛ لأن المدح يكون للعاقل ولغير العاقل، فكما يمدح العاقل على أنواع فضائله كذلك يمدح اللؤلؤ لحسن شكله، والياقوت على نهاية صفائه وصقالته. والحمد لا يكون إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإحسان، والحمد أعم من الشكر؛ لأن الحمد تعظيم المنعم لأجل ما صدر عنه من الإنعام واصلًا إليك أو إلى غيرك، والشكر: تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك وحصل عندك، والمقصود من الآية: ذكر الدلالة على وجود الصانع.
(١) المراح.
193
﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾؛ أي: والذي أوجد وأنشأ الظلمات والنور الحسيين والمعنويين، كظلمة الليل ونور النهار وظلمة الكفر ونور الإيمان. واختلف (١) العلماء في المراد منهما: فمن قائل: إن المقصود منهما ظلمة الليل ونور النهار، وإلى هذا جنح ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي، وفي ذلك ردٌّ على المجوس - الثنوية - الذين زعموا أن للعالم ربين، أحدهما: النور، وهو الخالق للخير، والثاني: الظلمة، وهو الخالق للشر. ومن قائل: إن المراد منهما الكفر والإيمان، وروي هذا عن ابن عباس.
والفرق (٢) بين الخلق والجعل: أن كلًّا منهما هو الإنشاء والإبداع إلا أن الخلق مختص بالإنشاء التكويني، وفيه معنى التقدير والتسوية، والجعل عام له، كما في هذه الآية الكريمة، وللتشريعي أيضًا كما في قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ الآية. وإنما جمع الظلمات دون النور؛ لكثرة محالها؛ إذ ما من جرم إلا وله ظل، والظل هو الظلمة بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار، وهذا إذا حملا على الكيفيتين المحسوستين بحاسة البصر وإن حمل النور على الإِسلام والإيمان واليقين والنبوة، والظلمات على ظلمة الشرك والكفر والنفاق.. فنقول: لأن الحق واحد والباطل كثير. وفي "البيضاوي" (٣): وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها، وفي "شيخ الإِسلام " قوله: لكثرة أسبابها؛ إذ ما من جرم إلا وله ظل، والظل هو الظلمة بخلاف النور، فإنه من جنس واحد وهو النار، ولا ترد الأجرام النيرة كالكواكب؛ لأن مرجع كل نير إلى النار على ما قيل: إن الكواكب أجرام نورية نارية، وإن الشهب تنفصل من نار الكواكب، فصح أن النور من جنس النار. اهـ.
وإنما قدم الظلمات على النور؛ لأن الظلمة عدم النور عن الجسم الذي يقبله وعدم المحدثات متقدم على وجودها. ﴿ثُمَّ﴾ بعد قيام هذه الأدلة {الَّذِينَ
والفرق (٢) بين الخلق والجعل: أن كلًّا منهما هو الإنشاء والإبداع إلا أن الخلق مختص بالإنشاء التكويني، وفيه معنى التقدير والتسوية، والجعل عام له، كما في هذه الآية الكريمة، وللتشريعي أيضًا كما في قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ الآية. وإنما جمع الظلمات دون النور؛ لكثرة محالها؛ إذ ما من جرم إلا وله ظل، والظل هو الظلمة بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار، وهذا إذا حملا على الكيفيتين المحسوستين بحاسة البصر وإن حمل النور على الإِسلام والإيمان واليقين والنبوة، والظلمات على ظلمة الشرك والكفر والنفاق.. فنقول: لأن الحق واحد والباطل كثير. وفي "البيضاوي" (٣): وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها، وفي "شيخ الإِسلام " قوله: لكثرة أسبابها؛ إذ ما من جرم إلا وله ظل، والظل هو الظلمة بخلاف النور، فإنه من جنس واحد وهو النار، ولا ترد الأجرام النيرة كالكواكب؛ لأن مرجع كل نير إلى النار على ما قيل: إن الكواكب أجرام نورية نارية، وإن الشهب تنفصل من نار الكواكب، فصح أن النور من جنس النار. اهـ.
وإنما قدم الظلمات على النور؛ لأن الظلمة عدم النور عن الجسم الذي يقبله وعدم المحدثات متقدم على وجودها. ﴿ثُمَّ﴾ بعد قيام هذه الأدلة {الَّذِينَ
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الفتوحات.
(٢) المراح.
(٣) الفتوحات.
194
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} وجحدوا به ﴿يَعْدِلُونَ﴾؛ أي: يميلون عن عبادته إلى عبادة غيره من الأصنام والأحجار، فهو من العدول (١) بمعنى الميل، ولا مفعول له حينئذ. والجار والمجرور في قوله: ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾، ويجوز أن يتعلق بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾، وقدم عليه للفاصلة، وفي ﴿الباء﴾ حينئذ احتمالان:
أحدهما: أن تكون بمعنى: ﴿عن﴾ وبعدلون من العدول أيضًا؛ أي: يعدلون عن ربهم إلى غيره.
والثاني: أنها للتعدية، ويعدلون من العدل بمعنى التسوية بين الشيئين، والمعنى: ثم الذين كفروا يسوون بربهم غيره من المخلوقين، فيكون المفعول محذوفًا. اهـ "سمين".
وعبارة "المراح" هنا: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾؛ أي (٢): يشركون به غيره، وهذه الجملة إما معطوفة على قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، والباء متعلقة بـ ﴿كَفَرُوا﴾، فيكون ﴿يَعْدِلُونَ﴾ من العدول بمعنى الميل، ولا مفعول له، والمعنى: إن الله تعالى حقيق بالحمد على ما خلقه؛ لأنه تعالى ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا بربهم يميلون عنه فيكفرون نعمته، أو متعلقة بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾، وهو من العدل، ويوضع الرب موضع الضمير العائد إليه تعالى، والمعنى: إنه مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ذاته، وباعتبار شؤونه العظيمة الخاصة، ثم هؤلاء الكفرة يسوون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد، وإما معطوفة على قوله: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾، والباء متعلقة بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾ وقدمت لأجل الفاصلة، وهي إما بمعنى: عن، ويعدلون من العدول، والمعنى: إن الله تعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم الذين كفروا يعدلون عن ربهم إلى غيره، أو للتعدية و ﴿يَعْدِلُونَ﴾ من العدل، وهو التسوية، والمعنى: أنه تعالى خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه، ثم إنهم يعدلون به جمادًا لا يقدر على شيء أصلًا، فيكون المفعول
أحدهما: أن تكون بمعنى: ﴿عن﴾ وبعدلون من العدول أيضًا؛ أي: يعدلون عن ربهم إلى غيره.
والثاني: أنها للتعدية، ويعدلون من العدل بمعنى التسوية بين الشيئين، والمعنى: ثم الذين كفروا يسوون بربهم غيره من المخلوقين، فيكون المفعول محذوفًا. اهـ "سمين".
وعبارة "المراح" هنا: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾؛ أي (٢): يشركون به غيره، وهذه الجملة إما معطوفة على قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، والباء متعلقة بـ ﴿كَفَرُوا﴾، فيكون ﴿يَعْدِلُونَ﴾ من العدول بمعنى الميل، ولا مفعول له، والمعنى: إن الله تعالى حقيق بالحمد على ما خلقه؛ لأنه تعالى ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا بربهم يميلون عنه فيكفرون نعمته، أو متعلقة بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾، وهو من العدل، ويوضع الرب موضع الضمير العائد إليه تعالى، والمعنى: إنه مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ذاته، وباعتبار شؤونه العظيمة الخاصة، ثم هؤلاء الكفرة يسوون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد، وإما معطوفة على قوله: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾، والباء متعلقة بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾ وقدمت لأجل الفاصلة، وهي إما بمعنى: عن، ويعدلون من العدول، والمعنى: إن الله تعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم الذين كفروا يعدلون عن ربهم إلى غيره، أو للتعدية و ﴿يَعْدِلُونَ﴾ من العدل، وهو التسوية، والمعنى: أنه تعالى خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه، ثم إنهم يعدلون به جمادًا لا يقدر على شيء أصلًا، فيكون المفعول
(١) الفتوحات.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
195
محذوفًا، وكلمة ﴿ثُمَّ﴾ لاستبعاد الشرك بعد وضوح آيات قدرته تعالى.
والمعنى: ثم بعد تلك الدلائل الباهرة والبراهين القاطعة على وجود الله ووحدانيته يشرك الكافرون بربهم، فيساوون به أصنامًا نحتوها بأيديهم، وأوهامًا ولدوها بخيالهم، ففي ذلك تعجيب من فعلهم وتوبيخ لهم. قال (١) ابن عطية: والآية دالة على قبح فعل الكافرين؛ لأن المعنى أن خلقه السموات والأرض والظلمات والنور وغيرها قد تقرر، وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم؟ فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك، ثم تشتمني؟ أي: بعد وضوح هذا كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو.. لم يلزم التوبيخ كلزومه بـ ﴿ثُمَّ﴾ انتهى.
وعبارة "الفتوحات" هنا: و ﴿ثُمَّ﴾ في قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ليست للترتيب الزماني، وإنما هي للتراخي بين الرتبتين، والمراد: استبعاد أن يعدلوا به غيره مع ما أوضح من الدلالات.
وقال الزمخشري: فإن قلتَ: فما معنى: ﴿ثُمَّ﴾ هنا؟
قلت: استبعاد أن يعدلوا به مع وضوح آيات قدرته، وكذلك: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ استبعاد أن يمتروا بعد ما ثبت أنه يحييهم ويميتهم ويبعثهم اهـ "سمين" انتهت.
٢ - وبعد أن وصف الخالق سبحانه وتعالى نفسه بما دل على توحيده واستحقاقه.. انتقل إلى خطاب المشركين الذين عدلوا به غيره في العبادة، مذكرًا لهم بدلائل التوحيد والبعث فقال و ﴿هُوَ﴾؛ أي: المعبود الذي يستحق منكم العبادة أيها المشركون، الإله ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾؛ أي: خلق آباكم آدم من طين؛ أي: من تراب مخلوط بالماء؛ أي: من جميع أنواعه الأحمر والأبيض والأسود فلذلك اختلفت ألوان بني آدم، وعجن طينته بالماء العذب والملح والمر، فلذلك اختلفت أخلاقهم؛ أي: أخذ قبضة من جميع أنواع التراب وعجنها
والمعنى: ثم بعد تلك الدلائل الباهرة والبراهين القاطعة على وجود الله ووحدانيته يشرك الكافرون بربهم، فيساوون به أصنامًا نحتوها بأيديهم، وأوهامًا ولدوها بخيالهم، ففي ذلك تعجيب من فعلهم وتوبيخ لهم. قال (١) ابن عطية: والآية دالة على قبح فعل الكافرين؛ لأن المعنى أن خلقه السموات والأرض والظلمات والنور وغيرها قد تقرر، وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم؟ فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك، ثم تشتمني؟ أي: بعد وضوح هذا كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو.. لم يلزم التوبيخ كلزومه بـ ﴿ثُمَّ﴾ انتهى.
وعبارة "الفتوحات" هنا: و ﴿ثُمَّ﴾ في قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ليست للترتيب الزماني، وإنما هي للتراخي بين الرتبتين، والمراد: استبعاد أن يعدلوا به غيره مع ما أوضح من الدلالات.
وقال الزمخشري: فإن قلتَ: فما معنى: ﴿ثُمَّ﴾ هنا؟
قلت: استبعاد أن يعدلوا به مع وضوح آيات قدرته، وكذلك: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ استبعاد أن يمتروا بعد ما ثبت أنه يحييهم ويميتهم ويبعثهم اهـ "سمين" انتهت.
٢ - وبعد أن وصف الخالق سبحانه وتعالى نفسه بما دل على توحيده واستحقاقه.. انتقل إلى خطاب المشركين الذين عدلوا به غيره في العبادة، مذكرًا لهم بدلائل التوحيد والبعث فقال و ﴿هُوَ﴾؛ أي: المعبود الذي يستحق منكم العبادة أيها المشركون، الإله ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾؛ أي: خلق آباكم آدم من طين؛ أي: من تراب مخلوط بالماء؛ أي: من جميع أنواعه الأحمر والأبيض والأسود فلذلك اختلفت ألوان بني آدم، وعجن طينته بالماء العذب والملح والمر، فلذلك اختلفت أخلاقهم؛ أي: أخذ قبضة من جميع أنواع التراب وعجنها
(١) البحر المحيط.
196
بجميع أنواع المياه، فاختلاف الألوان لاختلاف ألوان تلك القبضة، واختلاف الأخلاق لاختلاف أنواع تلك المياه، وعلى هذا فالكلام على حذف مضاف كما قدرنا. وقيل: لا حذف، بل (١) كل فرد من أفراد البشر من سلالة من طين، فإنَّ بنيته مكونة من الغذاء، ومن ذلك البويضات التي في الأنثى، والحيوان المنوي الذي في الذكر، فكلها مكونة من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء من نبات الأرض أو من لحوم الحيوان المتولدة من النبات، فالمرجع إلى النبات، والنبات إلى الطين، فثبت (٢) أن الإنسان مخلوق من الأغذية النباتية، ولا شك أنها متولدة من الطين، فثبت أن كل إنسان متولد من طين. وقال المهدوي: إن الإنسان مخلوق ابتداءً من طين؛ لخبر: "ما من مولود يولد إلا ويُذَرُّ على النطفة من تراب حفرته". وأيًّا ما كان الإنسان ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى على البعث ما لا يخفى، فإن من قدر على إحياء ما لم يشم رائحة الحياة قط، كما على إحياء ما قارنها مدةً أظهرُ قدرة.
﴿ثُمَّ﴾ بعد خلقكم من طين ﴿قَضَى﴾؛ أي: كتب وقدر وحدد لكم ﴿أَجَلًا﴾؛ أي: مدة معينة من وقت الولادة إلى وقت الموت لجلوسكم في الدنيا، وتسمى تلك المدة العمر؛ أي: خصص الله موت كل أحد بوقت معين، وذلك التخصيص تعلق مشيئته تعالى بإيقاع ذلك الموت في ذلك الوقت ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾؛ أي: حد معين ووقت معلوم من موتكم إلى بعثكم، وتسمى تلك المدة مدة البرزخ مكتوبة ﴿عِنْدَهُ﴾ سبحانه وتعالى (٣). ويروى عن ابن عباس أنه قال: لكل أحد أجلان: أجل من وقت الولادة إلى وقت الموت، وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان الإنسان تقيًّا وَصُولًا للرحم.. زيد له من أَجل البعث في أجل العمر، وإن كان فاجرًا قاطعًا للرحم.. نقص من أجل العمر، وزِيد في أجل البعث، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾.
والآية (٤) ترشد إلى أنه تعالى قضى لعباده أجلين: أجلًا لحياة كل فرد منهم
﴿ثُمَّ﴾ بعد خلقكم من طين ﴿قَضَى﴾؛ أي: كتب وقدر وحدد لكم ﴿أَجَلًا﴾؛ أي: مدة معينة من وقت الولادة إلى وقت الموت لجلوسكم في الدنيا، وتسمى تلك المدة العمر؛ أي: خصص الله موت كل أحد بوقت معين، وذلك التخصيص تعلق مشيئته تعالى بإيقاع ذلك الموت في ذلك الوقت ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾؛ أي: حد معين ووقت معلوم من موتكم إلى بعثكم، وتسمى تلك المدة مدة البرزخ مكتوبة ﴿عِنْدَهُ﴾ سبحانه وتعالى (٣). ويروى عن ابن عباس أنه قال: لكل أحد أجلان: أجل من وقت الولادة إلى وقت الموت، وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان الإنسان تقيًّا وَصُولًا للرحم.. زيد له من أَجل البعث في أجل العمر، وإن كان فاجرًا قاطعًا للرحم.. نقص من أجل العمر، وزِيد في أجل البعث، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾.
والآية (٤) ترشد إلى أنه تعالى قضى لعباده أجلين: أجلًا لحياة كل فرد منهم
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.
(٤) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.
(٤) المراغي.
197
ينتهي بموته، وأجلًا لإعادتهم وبعثهم بعد موت الجميع وانقضاء مدة الدنيا. ومعنى كونه مسمى عنده: أنه لا يعلمه غيره؛ لأنه لم يُطلع أحدًا على يوم القيامة لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلًا، والمراد بقوله: ﴿عِنْدَهُ﴾: في اللوح المحفوظ الذي لا يطلع عليه غيره ﴿ثُمَّ﴾ بعد ظهور مثل هذه الحجة الباهرة ﴿أَنْتُمْ﴾ أيها المشركون ﴿تَمْتَرُونَ﴾؛ أي: تشكون في البعث، وتكذبون به بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم من طين، ومن قدر على الابتداء.. فهو أقدر على الإعادة، وهذا (١) استبعاد لامترائهم بعد ما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم، ومحييهم إلى آجالهم، فإن من قدر على خلق المواد وجمعها، وإيداع الحياة فيها وإبقائها ما يشاء.. كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيًا، فالآية الأولى دليل التوحيد، والثانية دليل البعث، ويؤخذ منه صحة الحشر والنشر.
٣ - والضمير في قوله: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ مبتدأ، ولفظ الجلالة خبره، والجار والمجرور متعلق بلفظ الجلالة؛ لأنه بمعنى المعبود، والضمير عائد الإله الموصوف بالصفات السابقة، وهي: خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وخلق الناس من طين إلى آخرها، فكان في الإخبار بذلك فائدة، وهذا ما عليه الجمهور.
والمعنى: ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور إلخ ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق للعبادة ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾، والمتصرف فيهما لا غير، وقوله: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ﴾ في القلوب من الدواعي والصوارف ﴿وَجَهْرَكُمْ﴾ في الجوارح من الأعمال، خبر بعد خبر جيء به تقريرًا وتوكيدًا لما قبله؛ لأن الذي يستوي في علمه السر والجهر هو الله وحده، والمراد بالسر: ما يخفيه الإنسان في ضميره، فهو من أعمال القلوب وبالجهر ما يظهره الإنسان فهو من أعمال الجوارح. والمعنى: إن الله لا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾؛ أي: مكتسبكم؛ أي: ما تستحقون على فعلكم من الثواب والعقاب.
بقي في الآية سؤال (٢)، وهو أن الكسب، إما أن يكون من أعمال القلوب،
٣ - والضمير في قوله: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ مبتدأ، ولفظ الجلالة خبره، والجار والمجرور متعلق بلفظ الجلالة؛ لأنه بمعنى المعبود، والضمير عائد الإله الموصوف بالصفات السابقة، وهي: خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وخلق الناس من طين إلى آخرها، فكان في الإخبار بذلك فائدة، وهذا ما عليه الجمهور.
والمعنى: ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور إلخ ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق للعبادة ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾، والمتصرف فيهما لا غير، وقوله: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ﴾ في القلوب من الدواعي والصوارف ﴿وَجَهْرَكُمْ﴾ في الجوارح من الأعمال، خبر بعد خبر جيء به تقريرًا وتوكيدًا لما قبله؛ لأن الذي يستوي في علمه السر والجهر هو الله وحده، والمراد بالسر: ما يخفيه الإنسان في ضميره، فهو من أعمال القلوب وبالجهر ما يظهره الإنسان فهو من أعمال الجوارح. والمعنى: إن الله لا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾؛ أي: مكتسبكم؛ أي: ما تستحقون على فعلكم من الثواب والعقاب.
بقي في الآية سؤال (٢)، وهو أن الكسب، إما أن يكون من أعمال القلوب،
(١) البيضاوي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
وهو المسمى بالسر، أو من أعمال الجوارح، وهو المسمى بالجهر، فالأفعال لا تخرج عن هذين النوعين يعني: السر والجهر، فقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ يقتضي عطف الشيء على نفسه، وذلك غير جائز، فما معنى ذلك؟ وأجيب عنه: بأنه يجب حمل قوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ على ما يستحقه الإنسان على فعله وكسبه من الثواب والعقاب.
والحاصل فيه: أنه محمول على المكتسب كما فسرناه آنفًا، كذلك فهو نظير قولهم: هذا المال كسب فلان؛ أي: مكتسبه، ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه، ذكره الإِمام فخر الدين الرازي.
٤ - قوله: ﴿وَمَا تَأتِيهِمْ﴾ يعني: أهل مكة، كلام مستأنف وارد لبيان كفرهم بآيات الله تعالى، وإعراضهم عنها بالكلية بعد ما بين في الآية الأولى إشراكهم بالله تعالى وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد، وفي الآية الثانية امتراءهم في البعث، وإعراضهم عن بعض آياته، و ﴿ما﴾: نافية، وصيغة المضارع لحكاية الماضية، أو للدلالة على الاستمرار التجددي. و ﴿من﴾ في قوله: ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ زائدة في الفاعل؛ لاستغراق الجنس، ومعنى زيادتها: أن ما بعدها معمول لما قبلها فاعل لقوله: ﴿تَأتِيهِمْ﴾، وفي قوله: ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ تبعيضية صفة لـ ﴿آيَةٍ﴾؛ أي: وما يظهر لأهل مكة دليل من الأدلة التي يجب النظر فيها، والاستدلال والاعتبار بها من الآيات التكوينية كالسموات والأرض والظلمات والنور، أو ما يظهر لهم معجزة من المعجزات الباهرات التي جاء بها رسول الله - ﷺ - كانشقاق القمر، أو ما تنزل عليهم آية من آيات القرآن ﴿إِلَّا كَانُوا﴾؛ أي: كان أهل مكة ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن النظر فيها أو عن تصديقها أو عن سماعها وقبولها ﴿مُعْرِضِينَ﴾؛ أي: تاركين للنظر فيها ومكذبين بها، لا يلتفتون إليها ولا يرفعون بها رأسًا لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب. قيل: الآية هنا: العلامة على وحدانية الله وانفراده بالألوهية. وقيل: الرسالة. وقيل: المعجز الخارق. وقيل: القرآن، ومعنى: ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن قبولها أو سماعها والإعراض ضد الإقبال كما أشرنا إلى هذه الأقوال في الحل.
والحاصل فيه: أنه محمول على المكتسب كما فسرناه آنفًا، كذلك فهو نظير قولهم: هذا المال كسب فلان؛ أي: مكتسبه، ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه، ذكره الإِمام فخر الدين الرازي.
٤ - قوله: ﴿وَمَا تَأتِيهِمْ﴾ يعني: أهل مكة، كلام مستأنف وارد لبيان كفرهم بآيات الله تعالى، وإعراضهم عنها بالكلية بعد ما بين في الآية الأولى إشراكهم بالله تعالى وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد، وفي الآية الثانية امتراءهم في البعث، وإعراضهم عن بعض آياته، و ﴿ما﴾: نافية، وصيغة المضارع لحكاية الماضية، أو للدلالة على الاستمرار التجددي. و ﴿من﴾ في قوله: ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ زائدة في الفاعل؛ لاستغراق الجنس، ومعنى زيادتها: أن ما بعدها معمول لما قبلها فاعل لقوله: ﴿تَأتِيهِمْ﴾، وفي قوله: ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ تبعيضية صفة لـ ﴿آيَةٍ﴾؛ أي: وما يظهر لأهل مكة دليل من الأدلة التي يجب النظر فيها، والاستدلال والاعتبار بها من الآيات التكوينية كالسموات والأرض والظلمات والنور، أو ما يظهر لهم معجزة من المعجزات الباهرات التي جاء بها رسول الله - ﷺ - كانشقاق القمر، أو ما تنزل عليهم آية من آيات القرآن ﴿إِلَّا كَانُوا﴾؛ أي: كان أهل مكة ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن النظر فيها أو عن تصديقها أو عن سماعها وقبولها ﴿مُعْرِضِينَ﴾؛ أي: تاركين للنظر فيها ومكذبين بها، لا يلتفتون إليها ولا يرفعون بها رأسًا لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب. قيل: الآية هنا: العلامة على وحدانية الله وانفراده بالألوهية. وقيل: الرسالة. وقيل: المعجز الخارق. وقيل: القرآن، ومعنى: ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن قبولها أو سماعها والإعراض ضد الإقبال كما أشرنا إلى هذه الأقوال في الحل.
وتضمنت (١) هذه الآية مذمة هؤلاء الذين كفروا بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم،
٥ - ولما تقدم الكلام أولًا في التوحيد، وثانيًا في المعاد، وثالثًا في تقرير هذين المطلوبين.. ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتقرير النبوة، وبيَّن فيه أنهم أعرضوا عن تأمل الدلائل، ويدل ذلك على أن التقليد باطل، وأن التأمل في الدلائل واجب، ولذلك ذموا بإعراضهم عن "الدلائل" فقال: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾؛ أي: فقد كذب أهل مكة ﴿بِالْحَقِّ﴾ الذي هو تلك الآية السابقة بتفصيلها ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ﴾؛ أي: حين جاءهم وأتاهم ذلك الحق؛ أي: فقد كذب أهل مكة بالمعجزات كانشقاق القمر بمكة وانفلاقه فلقتين، فذهبت فلقة وبقيت فلقة، أو بالقرآن، أو بمحمد - ﷺ -. وظاهر (٢) قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ أن الفاء للتعقيب، وأن إعراضهم عن الآية أعقبه التكذيب ﴿فَسَوْفَ يَأتِيهِمْ﴾؛ أي: يأتي أهل مكة ﴿أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي: أخبار (٣) عاقبة الشيء الذي كانوا به يستسخرون، وهو القرآن، أو محمد - ﷺ - على أن ﴿مَا﴾ عبارة عن ذلك الشيء، أبهمه تهويلًا للأمر وتعظيمًا له؛ أي: سيعرفون أن هذا الشيء الذي استهزؤوا به ليس بموضع للاستهزاء، وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم، أو المعنى: سوف يأتيهم أخبار عاقبة كونهم مستهزئين بذلك الحق يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب على أن ﴿مَا﴾ مصدرية. والأنباء (٤): جمع نبأ، وهو الخبر العظيم المزعج، وجمعه إشارة إلى تكرر الجزاء لهم في الدنيا ويوم القيامة.
والخلاصة: فسوف يأتيهم جزاء استهزاء الذي كانوا يستهزئون به في العاجل بالقتل والأسر، والآجل بالعذاب الدائم في النار، وهذه الجملة معطوفة على محذوف تقديره: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم واستهزئوا به، فسوف يأتيهم إلخ.
ولما هددهم وأوعدهم على إعراضهم وتكذيبهم واستهزائهم.. أتبع ذلك بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة، وحض على الاعتبار بالقرون الماضية،
٥ - ولما تقدم الكلام أولًا في التوحيد، وثانيًا في المعاد، وثالثًا في تقرير هذين المطلوبين.. ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتقرير النبوة، وبيَّن فيه أنهم أعرضوا عن تأمل الدلائل، ويدل ذلك على أن التقليد باطل، وأن التأمل في الدلائل واجب، ولذلك ذموا بإعراضهم عن "الدلائل" فقال: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾؛ أي: فقد كذب أهل مكة ﴿بِالْحَقِّ﴾ الذي هو تلك الآية السابقة بتفصيلها ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ﴾؛ أي: حين جاءهم وأتاهم ذلك الحق؛ أي: فقد كذب أهل مكة بالمعجزات كانشقاق القمر بمكة وانفلاقه فلقتين، فذهبت فلقة وبقيت فلقة، أو بالقرآن، أو بمحمد - ﷺ -. وظاهر (٢) قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ أن الفاء للتعقيب، وأن إعراضهم عن الآية أعقبه التكذيب ﴿فَسَوْفَ يَأتِيهِمْ﴾؛ أي: يأتي أهل مكة ﴿أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي: أخبار (٣) عاقبة الشيء الذي كانوا به يستسخرون، وهو القرآن، أو محمد - ﷺ - على أن ﴿مَا﴾ عبارة عن ذلك الشيء، أبهمه تهويلًا للأمر وتعظيمًا له؛ أي: سيعرفون أن هذا الشيء الذي استهزؤوا به ليس بموضع للاستهزاء، وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم، أو المعنى: سوف يأتيهم أخبار عاقبة كونهم مستهزئين بذلك الحق يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب على أن ﴿مَا﴾ مصدرية. والأنباء (٤): جمع نبأ، وهو الخبر العظيم المزعج، وجمعه إشارة إلى تكرر الجزاء لهم في الدنيا ويوم القيامة.
والخلاصة: فسوف يأتيهم جزاء استهزاء الذي كانوا يستهزئون به في العاجل بالقتل والأسر، والآجل بالعذاب الدائم في النار، وهذه الجملة معطوفة على محذوف تقديره: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم واستهزئوا به، فسوف يأتيهم إلخ.
ولما هددهم وأوعدهم على إعراضهم وتكذيبهم واستهزائهم.. أتبع ذلك بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة، وحض على الاعتبار بالقرون الماضية،
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني بتصرف.
(٤) الصاوي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني بتصرف.
(٤) الصاوي.
٦ - فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ ويروا هنا بمعنى: يعلموا؛ لأنهم لم يبصروا هلاك القرون السالفة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري، لا للإنكار كما قاله الشوكاني؛ لأن الاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، فلا يدخل على حرف النفي، ونظير ما هنا قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾، وكم خبرية بمعنى: عدد كثير؛ أي: ألم يعلم هؤلاء الكفار المعرضون عن آياتنا المكذبون لرسولنا محمد - ﷺ - يعني: أهل مكة؛ أي: لم يعلموا بسماع الأخبار ومعاينة الآثار في أسفارهم للتجارة إلى الشام في الصيف، وإلى اليمن في الشتاء، كم من قرن أهلكنا من قبلهم؛ أي: أهلكنا من قبل زمان أهل مكة كثيرًا من الأمم السالفة قرنًا بعد قرن؛ بسبب تكذيبهم الرسل، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم.
والقرن (١): يطلق على أهل كل عصر سموا بذلك؛ لاقترانهم، وقيل: القرن مدة من الزمان، وهي: ستون عامًا أو سبعون أو ثمانون أو مئة على اختلاف الأقوال، فيكون ما في الآية على تقدير مضاف محذوف؛ أي: من أهل قرن. وقوله: ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾؛ أي: القرن، وجمع الضمير باعتبار كون القرن جمعًا في المعنى، وجملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾، والجملتان بعدها نعوت لـ ﴿قَرْنٍ﴾؛ أي: قرنًا موصوفًا بالصفات الثلاث، وقيل: مستأنفة؛ أي: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من القرون الموصوفين بكونهم ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ يا أهل مكة؛ أي: أعطينا أولئك القرون والجماعة من البسطة في الأجساد والامتداد في الأعمار والسعة في الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا ما لم نعطكم يا أهل مكة، ومع ذلك فقد أهلكناهم بذنوبهم، ولم ينفعهم ولم يدفع عنهم التمكين وما بعده من الصفات عذاب الله حين جاءهم، فيخاف على أهل مكة أن ينزل بهم الهلاك مثل ما نزل بمن قبلهم مع أن من قبلهم كانوا أعظم شأنًا منهم، لكن لما كذبوا الرسل.. استحقوا الهلاك، فكذلك أهل مكة، إن استمروا على تكذيب محمد - ﷺ - يخشى عليهم الهلاك مثلهم. وفي قوله: ﴿لَكُمْ﴾ التفات إلى الخطاب عن الغيبة التي في
والقرن (١): يطلق على أهل كل عصر سموا بذلك؛ لاقترانهم، وقيل: القرن مدة من الزمان، وهي: ستون عامًا أو سبعون أو ثمانون أو مئة على اختلاف الأقوال، فيكون ما في الآية على تقدير مضاف محذوف؛ أي: من أهل قرن. وقوله: ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾؛ أي: القرن، وجمع الضمير باعتبار كون القرن جمعًا في المعنى، وجملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾، والجملتان بعدها نعوت لـ ﴿قَرْنٍ﴾؛ أي: قرنًا موصوفًا بالصفات الثلاث، وقيل: مستأنفة؛ أي: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من القرون الموصوفين بكونهم ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ يا أهل مكة؛ أي: أعطينا أولئك القرون والجماعة من البسطة في الأجساد والامتداد في الأعمار والسعة في الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا ما لم نعطكم يا أهل مكة، ومع ذلك فقد أهلكناهم بذنوبهم، ولم ينفعهم ولم يدفع عنهم التمكين وما بعده من الصفات عذاب الله حين جاءهم، فيخاف على أهل مكة أن ينزل بهم الهلاك مثل ما نزل بمن قبلهم مع أن من قبلهم كانوا أعظم شأنًا منهم، لكن لما كذبوا الرسل.. استحقوا الهلاك، فكذلك أهل مكة، إن استمروا على تكذيب محمد - ﷺ - يخشى عليهم الهلاك مثلهم. وفي قوله: ﴿لَكُمْ﴾ التفات إلى الخطاب عن الغيبة التي في
(١) الشوكاني.
201
قوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ والمعنى: ألم يعلم هؤلاء الكفار المكذبون بالحق أنا أهلكنا كثيرًا من الأقوام الذين كذبوا الرسل قبلهم بعد أن أعطيناهم من التمكين والاستقلال في الأرض وأسباب التصرف فيها ما لم نعطهم مثله، ثم لم تكن تلك النعم بمانعة لهم من عذابنا لما استحقوه بذنوبهم وعتوهم واستكبارهم.
ثم ذكر بعد هذا ما امتازت به تلك القرون عن كفار قريش من النعم الإلهية التي اقتضتها طبيعة بلادهم، وخصب تربتها، فقال: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ﴾؛ أي: أنزلنا المطر ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على أولئك القرون حالة كونه ﴿مِدْرَارًا﴾؛ أي: كثيرًا متتابعًا كلما احتاجوا إليه، وهذه الجملة والتي بعدها معطوفتان على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾ كما مرَّ؛ أي: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من القرون الموصوفين بكونهم مكناهم في الأرض، وبكونهم أرسلنا السماء عليهم مدرارًا ﴿و﴾ بكونهم ﴿جَعَلْنَا الْأَنْهَارَ﴾ والمياه ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ﴾؛ أي: تسيل من تحت بساتينهم وزروعهم فعاشوا في الخصب والريف بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾؛ أي: فأهلكنا أولئك القرون ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾؛ أي: بتكذيبهم الأنبياء، وبكونهم باعوا الدين بالدنيا؛ أي: أهلكنا (١) كل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب، فما أغنت عنهم تلك العدد والأسياب، فسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب.
والخلاصة: أن من مضى من قبلكم من الأمم أعطيناهم القوة الشديدة في الجسم، والسعة في الأموال والأولاد، ومع ذلك فلم ينفعهم من ذلك شيء، فلا تأمنوا سطوتي بالأولى منهم، قال الشاعر:
وهذا كما ترى آخر ما به الاستشهاد والاعتبار.
وأما قوله تعالى: ﴿وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾؛ أي: أحدثنا من بعد إهلاك كل قرن ﴿قَرْنًا آخَرِينَ﴾؛ أي: قومًا آخرين بدلًا من الهالكين يعمرون البلاد، ويكونون أجدر
ثم ذكر بعد هذا ما امتازت به تلك القرون عن كفار قريش من النعم الإلهية التي اقتضتها طبيعة بلادهم، وخصب تربتها، فقال: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ﴾؛ أي: أنزلنا المطر ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على أولئك القرون حالة كونه ﴿مِدْرَارًا﴾؛ أي: كثيرًا متتابعًا كلما احتاجوا إليه، وهذه الجملة والتي بعدها معطوفتان على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾ كما مرَّ؛ أي: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من القرون الموصوفين بكونهم مكناهم في الأرض، وبكونهم أرسلنا السماء عليهم مدرارًا ﴿و﴾ بكونهم ﴿جَعَلْنَا الْأَنْهَارَ﴾ والمياه ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ﴾؛ أي: تسيل من تحت بساتينهم وزروعهم فعاشوا في الخصب والريف بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾؛ أي: فأهلكنا أولئك القرون ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾؛ أي: بتكذيبهم الأنبياء، وبكونهم باعوا الدين بالدنيا؛ أي: أهلكنا (١) كل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب، فما أغنت عنهم تلك العدد والأسياب، فسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب.
والخلاصة: أن من مضى من قبلكم من الأمم أعطيناهم القوة الشديدة في الجسم، والسعة في الأموال والأولاد، ومع ذلك فلم ينفعهم من ذلك شيء، فلا تأمنوا سطوتي بالأولى منهم، قال الشاعر:
لاَ يَأمَنُ الدَّهْرَ ذُو بَغْيٍ وَلَوْ مَلِكَا | جُنُوْدُهُ ضَاقَ عَنْهُ السَّهْلُ وَالْجَبَلُ |
وأما قوله تعالى: ﴿وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾؛ أي: أحدثنا من بعد إهلاك كل قرن ﴿قَرْنًا آخَرِينَ﴾؛ أي: قومًا آخرين بدلًا من الهالكين يعمرون البلاد، ويكونون أجدر
(١) الفتوحات.
202
بشكران النعمة، فلبيان كمال قدرته تعالى وسعة سلطانه، وأن ما ذكر من إهلاك الأمم الكثيرة، فلم ينقص من ملكه شيئًا، بل كلما أهلك أمة.. أنشأ بدلها أخرى، فإنه تعالى يهلك من يشاء، ويوجد من يشاء. وإنما قال هنا: قرنًا بالإفراد، وفي موضع آخر قرونًا بالجمع، للتفنن؛ لأن المعنى واحد؛ لأنه أفرد هنا نظرًا للجنس، وجمع في موضع آخر نظرًا للمعنى. اهـ "أبو السعود".
وفي هذه (١) الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية، فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة الرزق وكثرة الأتباع.. أهلكناهم لما كفروا وطغوا وظلموا، فكيف حال من هو أضعف منهم وأقل عددًا وعددًا؟ وهذا يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، فكأنه قال: فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه، ذكره الحافظ ابن كثير.
والذنوب (٢) التي تدعو إلى الهلاك ضربان:
١ - معاندة الرسل والاستكبار، والعتو والتكذيب.
٢ - كفران النعم بالبطر وغمط الحق، وظلم الضعفاء ومحاباة الأقوياء، والإسراف في الفسق والفجور، والغرور بالغنى والثروة، كما جاء في قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)﴾. وفي هذه الآية ردٌّ على كفار مكة، وهدم لغرورهم بقوتهم وثروتهم بإزاء ضعف أصحاب النبي - ﷺ - وفقرهم، كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ وهؤلاء القوم الذين يخلفون من نزل بهم عذاب الله لا بد أن يخلفوا عنهم في صفاتهم، وإن كانوا من أبناء جنسهم، فالعبر والحوادث واختلاف الزمن لها تأثير كبير في النفوس تخفف من غلواء الناس، وتقلل من
وفي هذه (١) الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية، فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة الرزق وكثرة الأتباع.. أهلكناهم لما كفروا وطغوا وظلموا، فكيف حال من هو أضعف منهم وأقل عددًا وعددًا؟ وهذا يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، فكأنه قال: فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه، ذكره الحافظ ابن كثير.
والذنوب (٢) التي تدعو إلى الهلاك ضربان:
١ - معاندة الرسل والاستكبار، والعتو والتكذيب.
٢ - كفران النعم بالبطر وغمط الحق، وظلم الضعفاء ومحاباة الأقوياء، والإسراف في الفسق والفجور، والغرور بالغنى والثروة، كما جاء في قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)﴾. وفي هذه الآية ردٌّ على كفار مكة، وهدم لغرورهم بقوتهم وثروتهم بإزاء ضعف أصحاب النبي - ﷺ - وفقرهم، كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ وهؤلاء القوم الذين يخلفون من نزل بهم عذاب الله لا بد أن يخلفوا عنهم في صفاتهم، وإن كانوا من أبناء جنسهم، فالعبر والحوادث واختلاف الزمن لها تأثير كبير في النفوس تخفف من غلواء الناس، وتقلل من
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
203
بطشهم وعتوهم، وفي المشاهدة أكبر دليل على صحة ذلك.
ولما كان الرسول - ﷺ - يَعْجب مِن كُفْر قومه به، وبما أنزل عليه مع وضوح برهانه وإظهار إعجازه، وكان يضيق صدره لذلك، ويبلغ منه الحزن والأسف كل مبلغ كما قال في سورة هود ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾.. بيَّن الله سبحانه وتعالى أسباب ذلك ومناشئه من طباع البشر وأخلاقهم؛ ليعلم أن الحجة مهما تكن ناهضة.. فإنها لا تجدي إلا عند من كان مستعدًا لها، وزالت عنه موانع الكبر والعناد،
فقال:
٧ - ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿كِتَابًا﴾ من السماء دفعة واحدة مجموعًا ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾؛ أي: في أوراق مجمعة ﴿فَـ﴾ ـرأوه نازلًا فيها بأعينهم و ﴿لَمَسُوهُ﴾؛ أي: لمسوا ذلك الكتاب والقرطاس عند وصوله إلى الأرض ﴿بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ منهم ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: ما هذا الذي رأيناه ولمسناه إلا سحر بيّن في نفسه، وإنما خيل إلينا أننا رأينا كتابًا ولمسناه بأيدينا، وما ثَمَّ كتاب نزل، ولا قرطاس رُئي، ولا لُمس، وتلك مقالة أمثالهم في آيات الأنبياء من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلًا. والمعنى (١): لم يعملوا بما شاهدوا ولمسوا، وإذا كان هذا حالهم في المرئي المحسوس، فكيف فيما هو مجرد وحي إلى رسول الله - ﷺ - بواسطة ملك لا يرونه ولا يحسونه، وإنما قال: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾؛ لأن اللمس أقوى اليقينيات الحسية وأبعدها من الخداع؛ لأن البصر يخدع بالتخيل، وقال في سورة الحجر: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ - حبست ومنعت - أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)﴾.
والحاصل: أن (٢) علة تكذيبهم بالحق هي إعراضهم عن الآيات، وإقفال باب النظر والاستدلال - لإخفاء الآيات في أنفسها وقوة الشبهات التي تحوم حولها.
٨ - ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال كفار مكة ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾؛ أي: هلا أنزل على
ولما كان الرسول - ﷺ - يَعْجب مِن كُفْر قومه به، وبما أنزل عليه مع وضوح برهانه وإظهار إعجازه، وكان يضيق صدره لذلك، ويبلغ منه الحزن والأسف كل مبلغ كما قال في سورة هود ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾.. بيَّن الله سبحانه وتعالى أسباب ذلك ومناشئه من طباع البشر وأخلاقهم؛ ليعلم أن الحجة مهما تكن ناهضة.. فإنها لا تجدي إلا عند من كان مستعدًا لها، وزالت عنه موانع الكبر والعناد،
فقال:
٧ - ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿كِتَابًا﴾ من السماء دفعة واحدة مجموعًا ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾؛ أي: في أوراق مجمعة ﴿فَـ﴾ ـرأوه نازلًا فيها بأعينهم و ﴿لَمَسُوهُ﴾؛ أي: لمسوا ذلك الكتاب والقرطاس عند وصوله إلى الأرض ﴿بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ منهم ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: ما هذا الذي رأيناه ولمسناه إلا سحر بيّن في نفسه، وإنما خيل إلينا أننا رأينا كتابًا ولمسناه بأيدينا، وما ثَمَّ كتاب نزل، ولا قرطاس رُئي، ولا لُمس، وتلك مقالة أمثالهم في آيات الأنبياء من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلًا. والمعنى (١): لم يعملوا بما شاهدوا ولمسوا، وإذا كان هذا حالهم في المرئي المحسوس، فكيف فيما هو مجرد وحي إلى رسول الله - ﷺ - بواسطة ملك لا يرونه ولا يحسونه، وإنما قال: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾؛ لأن اللمس أقوى اليقينيات الحسية وأبعدها من الخداع؛ لأن البصر يخدع بالتخيل، وقال في سورة الحجر: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ - حبست ومنعت - أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)﴾.
والحاصل: أن (٢) علة تكذيبهم بالحق هي إعراضهم عن الآيات، وإقفال باب النظر والاستدلال - لإخفاء الآيات في أنفسها وقوة الشبهات التي تحوم حولها.
٨ - ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال كفار مكة ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾؛ أي: هلا أنزل على
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
204
محمد ملك نراه يخبرنا بصدقه في دعوى النبوة والرسالة، ويشهد له بما يقول حتى نؤمن به ونتبعه كقولهم: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ والمعنى: إن منكري النبوات يقولون: لو بعث الله إلى الخلق رسولًا.. لوجب أن يكون ذلك الرسول واحدًا من الملائكة؛ لأن علومهم أكثر، وقدرتهم أشد، ومهابتهم أعظم، وامتيازهم عن الخلق أكمل، ووقوع الشبهات في نبوتهم أقل، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة من وجهين:
الأول: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾؛ أي: لو أنزلنا ملكًا على الصفة التي اقترحوها بحيث يشاهدونه ويخاطبونه ويخاطبهم ﴿لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾؛ أي: لفرغ من إهلاكهم؛ أي: لأهلكناهم؛ إذ لم يؤمنوا عند نزوله ورؤيتهم له؛ لأن مثل هذه الآية البينة - وهي نزول الملك على تلك الصفة - إذا لم يقع الإيمان بعدها.. فقد استحقوا الإهلاك والمعاجلة بالعقوبة ﴿ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: لا يمهلون بعد نزوله ومشاهدتهم له طرفة عين، وكلمة: ﴿ثُمَّ﴾ للتنبيه على أن عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر؛ لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة وأشق. وقيل: إن المعنى: أن الله سبحانه لو أنزل ملكًا مشاهدًا.. لم تطق قواهم البشرية أن يبقوا بعد مشاهدته أحياء، بل تزهق أرواحهم عند ذلك، فيبطل ما أرسل الله له رسله وأنزل به كتبه من هذا التكليف الذي كلف به عباده ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، وذلك أن الآدمي إذا رأى الملك فإمَّا أن يراه على صورته الأصلية، أو على صورة البشر، فإن رآه على صورته الأصلية.. لم يبق الآدمي حيًّا، فإن رسول الله - ﷺ - لما رأى جبريل على صورته الأصلية.. غشي عليه، وإنَّ جميع الرسل عاينوا الملائكة في صورة البشر كأضياف إبراهيم وأضياف لوط وخصم داود وغير أولئك، وحيث كان شأنهم كذلك وهم مؤيدون بالقوى القدسية، فما ظنك بمن عداهم من العوام؟ وأيضًا إذا رآه.. يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف، فيجب إهلاكهم، وذلك مخل بصحة التكليف، وإن رآه على صورة البشر.. فلا يتفاوت الحال سواء كان هو في نفسه ملكًا، أو بشرًا، وأيضًا إن إنزال الملك يقوي الشبهات؛ لأن كل معجزة ظهرت عليه ردوها وقالوا: هذا فعلك فعلته باختيارك وقدرتك، ولو حصل لنا مثل ما حصل لك من القوة والعلم.. لفعلنا مثل ما فعلته.
الأول: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾؛ أي: لو أنزلنا ملكًا على الصفة التي اقترحوها بحيث يشاهدونه ويخاطبونه ويخاطبهم ﴿لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾؛ أي: لفرغ من إهلاكهم؛ أي: لأهلكناهم؛ إذ لم يؤمنوا عند نزوله ورؤيتهم له؛ لأن مثل هذه الآية البينة - وهي نزول الملك على تلك الصفة - إذا لم يقع الإيمان بعدها.. فقد استحقوا الإهلاك والمعاجلة بالعقوبة ﴿ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: لا يمهلون بعد نزوله ومشاهدتهم له طرفة عين، وكلمة: ﴿ثُمَّ﴾ للتنبيه على أن عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر؛ لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة وأشق. وقيل: إن المعنى: أن الله سبحانه لو أنزل ملكًا مشاهدًا.. لم تطق قواهم البشرية أن يبقوا بعد مشاهدته أحياء، بل تزهق أرواحهم عند ذلك، فيبطل ما أرسل الله له رسله وأنزل به كتبه من هذا التكليف الذي كلف به عباده ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، وذلك أن الآدمي إذا رأى الملك فإمَّا أن يراه على صورته الأصلية، أو على صورة البشر، فإن رآه على صورته الأصلية.. لم يبق الآدمي حيًّا، فإن رسول الله - ﷺ - لما رأى جبريل على صورته الأصلية.. غشي عليه، وإنَّ جميع الرسل عاينوا الملائكة في صورة البشر كأضياف إبراهيم وأضياف لوط وخصم داود وغير أولئك، وحيث كان شأنهم كذلك وهم مؤيدون بالقوى القدسية، فما ظنك بمن عداهم من العوام؟ وأيضًا إذا رآه.. يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف، فيجب إهلاكهم، وذلك مخل بصحة التكليف، وإن رآه على صورة البشر.. فلا يتفاوت الحال سواء كان هو في نفسه ملكًا، أو بشرًا، وأيضًا إن إنزال الملك يقوي الشبهات؛ لأن كل معجزة ظهرت عليه ردوها وقالوا: هذا فعلك فعلته باختيارك وقدرتك، ولو حصل لنا مثل ما حصل لك من القوة والعلم.. لفعلنا مثل ما فعلته.
205
٩ - والوجه الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: ولو جعلنا الرسول ﴿مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: لجعلنا الملك ﴿رَجُلًا﴾؛ أي: على صورة الرجل؛ لأن البشر لا يستطيعون أن ينظروا إلى الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها، ولو نظر إلى الملك ناظر من الآدميين لصعق عند رؤيته. ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ أي (١): ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدروا أملك هو أم آدمي؟ فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان؛ لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان.. قالوا: هذا إنسان مثلكم وليس بملك، فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه. قال الزجاج: المعنى: للبسنا عليهم؛ أي: على رؤوسائهم كما يلبسون على ضعفتهم، وكانوا يقولون لهم: إنما محمد بشر وليس بينكم وبينه فرق، فيلبسون عليهم بهذا، ويشككونهم، فأعلم الله عَزَّ وَجَلَّ أنه لو نزل ملكًا في صورة رجل.. لوجدوا سبيلًا إلى اللبس كما يفعلون. وفي "تنوير المقباس": ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على الملائكة ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ أي: مثل ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ من الثياب، ويقال: وللبسنا عليهم؛ أي: خلطنا عليهم صورة الملك ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ أي: كما يخلطون على أنفسهم صفة محمد ونعته انتهى.
والحاصل (٢): أنه كان لكفار مكة اقتراحان تقدموا بهما إلى النبي - ﷺ - في مواطن مختلفة:
١ - أن ينزل على الرسول ملك من السماء يكون معه نذيرًا يرونه ويسمعون كلامه، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾.
٢ - أن ينزل الملك عليهم بالرسالة من ربهم، والاقتراح الأول مبني على اعتقاد أنَّ أرقى البشر عقلًا وأخلاقًا وآدابًا - وهم الرسل عليهم السلام - ليسوا بأهل لأن يكونوا رسلًا بين الله وبين عباده؛ لأنهم بشر يأكلون ويشربون كما جاء في سورة المؤمنين: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ
والحاصل (٢): أنه كان لكفار مكة اقتراحان تقدموا بهما إلى النبي - ﷺ - في مواطن مختلفة:
١ - أن ينزل على الرسول ملك من السماء يكون معه نذيرًا يرونه ويسمعون كلامه، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾.
٢ - أن ينزل الملك عليهم بالرسالة من ربهم، والاقتراح الأول مبني على اعتقاد أنَّ أرقى البشر عقلًا وأخلاقًا وآدابًا - وهم الرسل عليهم السلام - ليسوا بأهل لأن يكونوا رسلًا بين الله وبين عباده؛ لأنهم بشر يأكلون ويشربون كما جاء في سورة المؤمنين: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ
(١) الواحدي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
206
أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٤)}.
وقد ردَّ الله الاقتراحين من وجهين:
١ - ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: ولو أنزلنا ملكًا كما اقترحوا.. لقضي الأمر بإهلاكهم، ثم لا يؤخرون ولا يمهلون ليؤمنوا، بل يأخذهم العذاب عاجلًا كما مضت به سنة الله فيمن قبلهم، قال ابن عباس: ولو أتاهم ملك في صورته.. لأهلكناهم، ثم لا يؤخرون.
٢ - ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)﴾؛ أي: ولو جعل الرسول ملكًا.. لجعل متمثلًا في صورة بشر ليمكنهم رؤيته وسماع كلامه الذي يبلغه عن ربه، ولو جعله ملكًا في صورة بشر.. لاعتقدوا أنه بشر؛ لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاته البشرية التي تمثل بها، وحينئذ يقعون في نفس اللبس والاشتباه الذي يلبسون على أنفسهم باستنكار جعل الرسول بشرًا، ولا ينفكون يقترحون جعله ملكًا وهم قد كانوا في غنى عن ذلك، وهذا شأن كثير من الناس يوقعون أنفسهم في المشكلات بسوء صنيعهم، ثم يحارون في المخلص منها.
وذكر البخاري (١) في تفسير قضاء الأمر عدة وجوه:
١ - أن سنة الله قد جرت بأن أقوام الرسل إذا اقترحوا آية، ثم لم يؤمنوا بها يعذبهم الله عذاب الاستئصال، والله لا يريد أن يستأصل هذه الأمة التي بعث فيها خاتم رسله نبي الرحمة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾.
٢ - أنهم لو شاهدوا الملك بصورته الأصلية.. لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
٣ - أن رؤية الملك بصورته آية ملجئة، يزول بها الاختيار الذي هو قاعدة التكليف.
وقد ردَّ الله الاقتراحين من وجهين:
١ - ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: ولو أنزلنا ملكًا كما اقترحوا.. لقضي الأمر بإهلاكهم، ثم لا يؤخرون ولا يمهلون ليؤمنوا، بل يأخذهم العذاب عاجلًا كما مضت به سنة الله فيمن قبلهم، قال ابن عباس: ولو أتاهم ملك في صورته.. لأهلكناهم، ثم لا يؤخرون.
٢ - ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)﴾؛ أي: ولو جعل الرسول ملكًا.. لجعل متمثلًا في صورة بشر ليمكنهم رؤيته وسماع كلامه الذي يبلغه عن ربه، ولو جعله ملكًا في صورة بشر.. لاعتقدوا أنه بشر؛ لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاته البشرية التي تمثل بها، وحينئذ يقعون في نفس اللبس والاشتباه الذي يلبسون على أنفسهم باستنكار جعل الرسول بشرًا، ولا ينفكون يقترحون جعله ملكًا وهم قد كانوا في غنى عن ذلك، وهذا شأن كثير من الناس يوقعون أنفسهم في المشكلات بسوء صنيعهم، ثم يحارون في المخلص منها.
وذكر البخاري (١) في تفسير قضاء الأمر عدة وجوه:
١ - أن سنة الله قد جرت بأن أقوام الرسل إذا اقترحوا آية، ثم لم يؤمنوا بها يعذبهم الله عذاب الاستئصال، والله لا يريد أن يستأصل هذه الأمة التي بعث فيها خاتم رسله نبي الرحمة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾.
٢ - أنهم لو شاهدوا الملك بصورته الأصلية.. لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
٣ - أن رؤية الملك بصورته آية ملجئة، يزول بها الاختيار الذي هو قاعدة التكليف.
(١) المراغي.
207
٤ - أنهم اقترحوا ما لا يتوقف عليه الإيمان، فلو أعطوه ولم يجد ذلك معهم نفعًا.. دل ذلك على منتهى العناد الذي يستدعي الإهلاك وعدم النظرة.
وقرأ ابن محيصن (١): ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بلام واحدة، والزهري: ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بتشديد الباء.
١٠ - ثم قال سبحانه وتعالى مؤنسًا لنبيه - ﷺ - ومسليًا له. ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد استسخر واستحقر برسل أولي شأن خطير وذوي عدد كثير كائنين في زمان قبل زمانك؛ أي: استهزأ بهم قومهم كما استهزأ بك قومك أهل مكة. ﴿فَحَاقَ﴾؛ أي: أحاط ونزل وحل ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ﴾؛ أي: بالكفار الذين سخروا من أولئك الرسل ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي: العذاب الذي كانوا يستهزئون به وينكرونه حينما أخبرتهم به الرسل؛ لأن الكفار كانوا يستهزئون بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى أخبر (٢) رسوله - ﷺ - بأن الكفار قد استهزؤا برسل كرام قبلك، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١)﴾ فما تراه من استهزاء كفار قريش بك ليس ببدع منهم، بل هم جروا فيه على آثار أعداء الرسل قبلك، وقد حل بأولئك الساخرين العذاب الذي أنذرهم إياه أولئك الرسل جزاء على سوء صنيعهم.
وفي الآية وجوه من العبر:
١ - تعليم النبي - ﷺ - سنن الله في الأمم مع رسلهم.
٢ - تسلية له عن إيذاء قومه له.
٣ - بشارة له بحسن العاقبة، وما سيكون له من الغلبة والسلطان، وما سيحل بأولئك المستهزئين من الخزي والنكال، وقد أهلكهم الله تعالى، وامتن على نبيه بذلك في سورة الحجر: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾ والمشهور أنهم كانوا خمسة من رؤساء قريش هلكوا كلهم يوم أحد.
وقرأ ابن محيصن (١): ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بلام واحدة، والزهري: ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بتشديد الباء.
١٠ - ثم قال سبحانه وتعالى مؤنسًا لنبيه - ﷺ - ومسليًا له. ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد استسخر واستحقر برسل أولي شأن خطير وذوي عدد كثير كائنين في زمان قبل زمانك؛ أي: استهزأ بهم قومهم كما استهزأ بك قومك أهل مكة. ﴿فَحَاقَ﴾؛ أي: أحاط ونزل وحل ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ﴾؛ أي: بالكفار الذين سخروا من أولئك الرسل ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي: العذاب الذي كانوا يستهزئون به وينكرونه حينما أخبرتهم به الرسل؛ لأن الكفار كانوا يستهزئون بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى أخبر (٢) رسوله - ﷺ - بأن الكفار قد استهزؤا برسل كرام قبلك، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١)﴾ فما تراه من استهزاء كفار قريش بك ليس ببدع منهم، بل هم جروا فيه على آثار أعداء الرسل قبلك، وقد حل بأولئك الساخرين العذاب الذي أنذرهم إياه أولئك الرسل جزاء على سوء صنيعهم.
وفي الآية وجوه من العبر:
١ - تعليم النبي - ﷺ - سنن الله في الأمم مع رسلهم.
٢ - تسلية له عن إيذاء قومه له.
٣ - بشارة له بحسن العاقبة، وما سيكون له من الغلبة والسلطان، وما سيحل بأولئك المستهزئين من الخزي والنكال، وقد أهلكهم الله تعالى، وامتن على نبيه بذلك في سورة الحجر: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾ والمشهور أنهم كانوا خمسة من رؤساء قريش هلكوا كلهم يوم أحد.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
208
وخلاصة المعنى. هوّن عليك يا محمد ما تلقى من هؤلاء المستخفين بحقك فيَّ وفي طاعتي، وامضِ لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيِّهم.. نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم، ونعجل النقمة لهم وتحل بهم المثلات.
وقال أبو حيان (١): هذه الآية تسلية لرسول الله - ﷺ - على ما كان يلقى من قومه، وإشارة له بالتأسي بمن سبق من الرسل، وهو نظير: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ لأن ما كان مشتركًا من الشدائد أهون على النفس مما يكون فيه الانفراد، وفي التسلية والتأسي من التخفيف ما لا يخفى. وقالت الخنساء:
قال بعض المولدين:
ولما كان الكفار لا ينفعهم الاشتراك في العذاب، ولا يتسلون بذلك.. نفى تعالى ذلك عنهم فقال: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ انتهى بتصرف.
وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة بكسر دال (٢) ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ﴾ على أصل التقاء الساكنين، وقرأ باقي السبعة بالضم اتباعًا ومراعاة لضم التاء؛ إذ الحاجز بينهما ساكن، وهو حاجز غير حصين.
ولما (٣) كان ما يحل بالمستهزئين بالرسل من الهلاك بموجب سنة الله المطردة فيهم قد يكون موضعًا للريبة والشك لدى المخاطبين بذلك؛ إذ هم أمة أميّة لم تدرس الكتب والتواريخ، ولم تجالس العلماء فتعرف الأخبار بهلاك من
وقال أبو حيان (١): هذه الآية تسلية لرسول الله - ﷺ - على ما كان يلقى من قومه، وإشارة له بالتأسي بمن سبق من الرسل، وهو نظير: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ لأن ما كان مشتركًا من الشدائد أهون على النفس مما يكون فيه الانفراد، وفي التسلية والتأسي من التخفيف ما لا يخفى. وقالت الخنساء:
وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِيْنَ حَوْلِي | عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِيْ |
وَمَا يُبْكُوْنَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ | أَسُلِّيْ النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّيْ |
وَلاَ بُدَّ مِنْ شَكْوَى إلى ذِيْ مُرُءَةٍ | يُوَاسِيْكَ أَوْ يُسْلِيْكَ أَوْ يَتَوَجَّعُ |
وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة بكسر دال (٢) ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ﴾ على أصل التقاء الساكنين، وقرأ باقي السبعة بالضم اتباعًا ومراعاة لضم التاء؛ إذ الحاجز بينهما ساكن، وهو حاجز غير حصين.
ولما (٣) كان ما يحل بالمستهزئين بالرسل من الهلاك بموجب سنة الله المطردة فيهم قد يكون موضعًا للريبة والشك لدى المخاطبين بذلك؛ إذ هم أمة أميّة لم تدرس الكتب والتواريخ، ولم تجالس العلماء فتعرف الأخبار بهلاك من
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
209
أهلك بذنوبهم.. أمر الله تعالى نبيه بأن يرشدهم إلى الطريق الذي يوصلهم إلى علم ذلك بأنفسهم، وهو السير في الأرض، والنظر فيما حلَّ بالمكذبين ليعتبروا بذلك، فللرؤية من الاعتبار ما لا يكون في السماع كما قال بعض العصريين:
١١ - فقال ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المستهزئين من قومك ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: قل لهم لا تغتروا بما وجدتم من الدنيا وطيباتها، ووصلتم إليه من لذاتها وشهواتها، بل سيروا في نواحي الأرض لتعرفوا صحة ما أخبرتكم به من نزول العذاب على الذين كذبوا الرسل في الأزمنة السالفة قيل: المراد بالسير: سير الأفكار، وقيل: سير الأقدام ﴿ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ فالنظر على القول الأول: نظر فكرة وعبرة، وهو بالبصيرة لا بالبصر، وعلى القول الثاني نظر العين والبصر، والمعنى على الأول: ثم تفكروا في أنهم كيف أهلكوا بعذاب الاستئصال، وعلى الثاني: ثم انظروا بأعينكم إلى آثار الأمم الخالية والقرون الماضية السالفة، فإنكم عند السير في الأرض والسفر في البلاد لا بد وأن تشاهدوا تلك الآثار، فيكمل الاعتبار ويقوى الاستبصار، والمعنى (١): قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سافروا في الأرض وانظروا آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حل بهم من العقوبات، وكيف كانت عاقبتهم بعد ما كانوا فيه من النعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم فيه، فهذه ديارهم خاربة وجناتهم مغبرة وأراضيهم مكفهرة، فإذا كانت عاقبتهم هذه العاقبة.. فأنتم بهم لاحقون وبعد هلاكهم هالكون.
وفي "الفتوحات" (٢) قوله: ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾؛ أي: تفكروا وكلمة ﴿ثُمَّ﴾ إما لأن النظر في آثار الهالكين لا يتم إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم، فالتراخي المفاد بـ ﴿ثُمَّ﴾ من حيث أن انتهاء السير بعيد عن ابتدائه، وإما لإظهار ما بين وجوب السير ووجوب النظر من التفاوت، فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة
لَطَائِفُ مَعْنَىً في الْعِيَانِ وَلَمْ تَكُنْ | لِتُدْرَكَ إلا بِالتَّزَاوُرِ وَاللِّقَا |
وفي "الفتوحات" (٢) قوله: ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾؛ أي: تفكروا وكلمة ﴿ثُمَّ﴾ إما لأن النظر في آثار الهالكين لا يتم إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم، فالتراخي المفاد بـ ﴿ثُمَّ﴾ من حيث أن انتهاء السير بعيد عن ابتدائه، وإما لإظهار ما بين وجوب السير ووجوب النظر من التفاوت، فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة
(١) الشوكاني.
(٢) الجمل.
(٢) الجمل.
210
إلى النظر كما يفصح عنه العطف بالفاء في قوله: (﴿فَانْظُرُوا﴾ في آية آخرى بخلاف وجوب النظر فإنه ذاتي مقصود في نفسه. انتهى.
وقال النسفي: والفرق بين (١) ﴿فَاَنظُرُوا﴾ وبين ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ أن النظر جعل مسببًا عن السير في ﴿فَانْظُرُوا﴾، فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين. ومعنى ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾ إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بـ ﴿ثُمَّ﴾ لتباعد ما بين الواجب والمباح انتهى.
قال أبو حيان (٢): والظاهر أن السير المأمور به هو الانتقال من مكان إلى مكان، وإن النظر المأمور به هو نظر العين، وإن الأرض هي ما قرب من بلادهم من ديار الهالكين بذنوبهم، كأرض عاد ومدين ومدائن قوم لوط وثمود وقال قوم الأرض هنا عام؛ لأن في كل قطر منها آثار الهالكين وعبرًا للناظرين.
والخلاصة (٣): قل يا محمد لأولئك المكذبين الجاحدين حقيقة ما جئتهم به: سيروا في الأرض كما هو دأبكم وعادتكم، وتنقلوا في ديار أولئك القرون الذين مكناهم في الأرض ومكنا لهم ما لم نمكن لكم، ثم انظروا في أثناء رحلاتكم آثار ما حل بهم من الهلاك، وتأملوا كيف كانت عاقبتهم بما تشاهدون من آثارهم وما تسمعون من أخبارهم، ثم اعتبروا إن لم تنهكم حلومكم ولم تزجركم حجج الله عليكم، واحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحل بكم مثل ما حل بهم.
الإعراب
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾.
﴿الْحَمْدُ﴾: مبتدأ. ﴿لِلَّهِ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل الجر صفة للجلالة. ﴿خَلَقَ﴾: فعل ماضٍ. ﴿السَّمَاوَاتِ﴾: مفعول به. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف عليه، والفاعل ضمير يعود على الموصول،
وقال النسفي: والفرق بين (١) ﴿فَاَنظُرُوا﴾ وبين ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ أن النظر جعل مسببًا عن السير في ﴿فَانْظُرُوا﴾، فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين. ومعنى ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾ إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بـ ﴿ثُمَّ﴾ لتباعد ما بين الواجب والمباح انتهى.
قال أبو حيان (٢): والظاهر أن السير المأمور به هو الانتقال من مكان إلى مكان، وإن النظر المأمور به هو نظر العين، وإن الأرض هي ما قرب من بلادهم من ديار الهالكين بذنوبهم، كأرض عاد ومدين ومدائن قوم لوط وثمود وقال قوم الأرض هنا عام؛ لأن في كل قطر منها آثار الهالكين وعبرًا للناظرين.
والخلاصة (٣): قل يا محمد لأولئك المكذبين الجاحدين حقيقة ما جئتهم به: سيروا في الأرض كما هو دأبكم وعادتكم، وتنقلوا في ديار أولئك القرون الذين مكناهم في الأرض ومكنا لهم ما لم نمكن لكم، ثم انظروا في أثناء رحلاتكم آثار ما حل بهم من الهلاك، وتأملوا كيف كانت عاقبتهم بما تشاهدون من آثارهم وما تسمعون من أخبارهم، ثم اعتبروا إن لم تنهكم حلومكم ولم تزجركم حجج الله عليكم، واحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحل بكم مثل ما حل بهم.
الإعراب
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾.
﴿الْحَمْدُ﴾: مبتدأ. ﴿لِلَّهِ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل الجر صفة للجلالة. ﴿خَلَقَ﴾: فعل ماضٍ. ﴿السَّمَاوَاتِ﴾: مفعول به. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف عليه، والفاعل ضمير يعود على الموصول،
(١) النسفي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
211
والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، وهي صلة حقيقية لرفعها ضمير الموصول ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالنُّورَ﴾: معطوف عليه، وفاعله ضمير يعود على الموصول أيضًا، والجملة معطوفة على جملة ﴿خَلَقَ﴾ على كونها صلة الموصول.
﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ولكن المراد منها استبعاد أن يعدلوا به غيره مع ما أوضح من الدلالات؛ أي: استبعاد لما صنعوه من العدل مع ما تبين من أن الله سبحانه حقيق بالحمد على خلقه السموات والأرض والظلمات والنور، فإن هذا يقتضي الإيمان به وصرف الثناء الحسن إليه، لا الكفر واتخاذ شريك له. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِرَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾، وتقديمه على عامله للاهتمام به ولرعاية الفواصل. ﴿يَعْدِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)﴾.
﴿هُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿خَلَقَكُمْ﴾: فعل ومفعول ﴿مِنْ طِينٍ﴾: متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، وأتى بكلمة ﴿ثُمَّ﴾ لما بين خلقهم وبين موتهم من التفاوت ﴿قَضَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول. ﴿أَجَلًا﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ على كونها صلة الموصول. ﴿وَأَجَلٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده ﴿مُسَمًّى﴾: صفة له ﴿عِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ولكن المراد منها استبعاد صدور الشك منهم مع وجود المقتضى لعدمه. ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿تَمْتَرُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة
﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ولكن المراد منها استبعاد أن يعدلوا به غيره مع ما أوضح من الدلالات؛ أي: استبعاد لما صنعوه من العدل مع ما تبين من أن الله سبحانه حقيق بالحمد على خلقه السموات والأرض والظلمات والنور، فإن هذا يقتضي الإيمان به وصرف الثناء الحسن إليه، لا الكفر واتخاذ شريك له. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِرَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَعْدِلُونَ﴾، وتقديمه على عامله للاهتمام به ولرعاية الفواصل. ﴿يَعْدِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)﴾.
﴿هُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿خَلَقَكُمْ﴾: فعل ومفعول ﴿مِنْ طِينٍ﴾: متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، وأتى بكلمة ﴿ثُمَّ﴾ لما بين خلقهم وبين موتهم من التفاوت ﴿قَضَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول. ﴿أَجَلًا﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ على كونها صلة الموصول. ﴿وَأَجَلٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده ﴿مُسَمًّى﴾: صفة له ﴿عِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب، ولكن المراد منها استبعاد صدور الشك منهم مع وجود المقتضى لعدمه. ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿تَمْتَرُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة
212
قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾ على كونها مستأنفة.
﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)﴾.
﴿وَهُوَ﴾ الواو: عاطفة. ﴿هُوَ﴾ مبتدأ. ﴿اللَّهُ﴾: خبره، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور متعلق بلفظ الجلالة بتأويله؛ لأنه بمعنى المعبود. ﴿وَفِي الْأَرْضِ﴾: معطوف على الجار والمجرور ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿سِرَّكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿وَجَهْرَكُمْ﴾: معطوف على ﴿سِرَّكُمْ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثان لـ ﴿هُوَ﴾، أو في محل النصب حال من الضمير المستتر في المعبود الذي هو بمعنى الجلالة. ﴿وَيَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل الرفع، أو في محل النصب معطوفة على جملة ﴿يَعْلَمُ﴾ الأول. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به لـ ﴿يَعْلَمُ﴾؛ لأنه بمعنى: عرف. ﴿تَكْسِبُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تكسبونه.
﴿وَمَا تَأتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤)﴾.
﴿وَمَا﴾ الواو: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿تَأتِيهِمْ﴾: فعل ومفعول به. ﴿مِنْ آيَةٍ﴾: ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿آيَةٍ﴾: فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿آيَةٍ﴾، والتقدير: وما تأتيهم آية كائنة من آيات ربهم. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ؛ ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿عَنْهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُعْرِضِينَ﴾ قدم عليه لرعاية الفاصلة. ﴿مُعْرِضِينَ﴾: خبر ﴿كَانُوا﴾، وجملة كان في محل النصب حال من ضمير ﴿تَأتِيهِمْ﴾، والتقدير: وما تأتيهم آية من آيات ربهم إلا حالة كونهم معرضين عنها.
فائدة: واعلم (١) أن الفعل الماضي لا يقع بعد ﴿إِلَّا﴾ إلا بأحد شرطين: إما وقوعه بعد فعل كهذه الآية الكريمة، أو اقترانه بـ ﴿قد﴾ نحو: ما زيد إلا قد قام.
﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)﴾.
﴿وَهُوَ﴾ الواو: عاطفة. ﴿هُوَ﴾ مبتدأ. ﴿اللَّهُ﴾: خبره، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور متعلق بلفظ الجلالة بتأويله؛ لأنه بمعنى المعبود. ﴿وَفِي الْأَرْضِ﴾: معطوف على الجار والمجرور ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿سِرَّكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿وَجَهْرَكُمْ﴾: معطوف على ﴿سِرَّكُمْ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثان لـ ﴿هُوَ﴾، أو في محل النصب حال من الضمير المستتر في المعبود الذي هو بمعنى الجلالة. ﴿وَيَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل الرفع، أو في محل النصب معطوفة على جملة ﴿يَعْلَمُ﴾ الأول. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به لـ ﴿يَعْلَمُ﴾؛ لأنه بمعنى: عرف. ﴿تَكْسِبُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تكسبونه.
﴿وَمَا تَأتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤)﴾.
﴿وَمَا﴾ الواو: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿تَأتِيهِمْ﴾: فعل ومفعول به. ﴿مِنْ آيَةٍ﴾: ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿آيَةٍ﴾: فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿آيَةٍ﴾، والتقدير: وما تأتيهم آية كائنة من آيات ربهم. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ؛ ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿عَنْهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُعْرِضِينَ﴾ قدم عليه لرعاية الفاصلة. ﴿مُعْرِضِينَ﴾: خبر ﴿كَانُوا﴾، وجملة كان في محل النصب حال من ضمير ﴿تَأتِيهِمْ﴾، والتقدير: وما تأتيهم آية من آيات ربهم إلا حالة كونهم معرضين عنها.
فائدة: واعلم (١) أن الفعل الماضي لا يقع بعد ﴿إِلَّا﴾ إلا بأحد شرطين: إما وقوعه بعد فعل كهذه الآية الكريمة، أو اقترانه بـ ﴿قد﴾ نحو: ما زيد إلا قد قام.
(١) الجمل.
213
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥)﴾.
﴿فَقَدْ﴾ الفاء: حرف عطف وتعقيب. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿لَمَّا﴾: ظرف بمعنى: حين في محل النصب على الظرفية مبني على السكون، والظرف متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿جَاءَهُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الحق، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿لَمَّا﴾، والتقدير: فقد كذبوا بالحق حين مجيئه
إياهم. ﴿فَسَوْفَ﴾: الفاء: عاطفة على محذوف تقديره: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم واستهزؤوا به، وذلك المحذوف معطوف على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿سوف﴾: حرف تنفيس واستقبال. ﴿يَأتِيهِمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿أَنْبَاءُ﴾ فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على ذلك المحذوف، ﴿أَنْبَاءُ﴾ مضاف. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر مضاف إليه. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾، ويصح أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، والضمير حينئذ يعود على الحق لا على ﴿مَا﴾؛ لأنها حينئذ حرف، فالضمير لا يعود إليها، قاله ابن عطية بخلاف الأخفش.
﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦)﴾.
﴿أَلَمْ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري مبنية على الفتح.
فائدة: والاستفهام التقريري: هو (١) حمل المخاطب على الإقرار بما بعد حرف النفي، وهو هنا: لم، والهمزة خرجت عن الاستفهام إليه، ولا يجاب إلا
﴿فَقَدْ﴾ الفاء: حرف عطف وتعقيب. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿لَمَّا﴾: ظرف بمعنى: حين في محل النصب على الظرفية مبني على السكون، والظرف متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿جَاءَهُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الحق، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿لَمَّا﴾، والتقدير: فقد كذبوا بالحق حين مجيئه
إياهم. ﴿فَسَوْفَ﴾: الفاء: عاطفة على محذوف تقديره: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم واستهزؤوا به، وذلك المحذوف معطوف على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿سوف﴾: حرف تنفيس واستقبال. ﴿يَأتِيهِمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿أَنْبَاءُ﴾ فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على ذلك المحذوف، ﴿أَنْبَاءُ﴾ مضاف. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر مضاف إليه. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾، ويصح أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، والضمير حينئذ يعود على الحق لا على ﴿مَا﴾؛ لأنها حينئذ حرف، فالضمير لا يعود إليها، قاله ابن عطية بخلاف الأخفش.
﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦)﴾.
﴿أَلَمْ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري مبنية على الفتح.
فائدة: والاستفهام التقريري: هو (١) حمل المخاطب على الإقرار بما بعد حرف النفي، وهو هنا: لم، والهمزة خرجت عن الاستفهام إليه، ولا يجاب إلا
(١) الحامدي على الآجرومية.
214
ببلى نظير قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ اهـ "قليوبي على الآجرومية".
وما في "الشوكاني" هنا من أن الاستفهام للإنكار غير صواب. ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم. ﴿يَرَوْا﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾، والواو فاعل، وهي إما بصرية تتعدى إلى مفعول واحد، وهو أولى، أو علمية فتتعدى إلى مفعولين.. ﴿كَمْ﴾: خبرية بمعنى عدد كثير في محل النصب معفول مقدم وجوبًا لـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾، وهي معلقة ما قبلها عن العمل فيما بعدها. ﴿أَهْلَكْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿قَرْنٍ﴾ تمييز لـ ﴿كم﴾ مجرور بـ ﴿مِن﴾ الزائدة، وجملة ﴿أَهْلَكْنَا﴾ في محل النصب سادة مسد مفعول رأى البصرية، أو مسد مفعولي رأى العلمية، وجملة ﴿يَرَوْا﴾ من الفعل والفاعل جملة إنشائية مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة في محل الجر صفة لـ ﴿قَرْنٍ﴾، ولكنها سببية. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مكنا﴾. ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ﴾ ﴿مَا﴾: نكرة موصوفة في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾؛ لأن مكنا بمعنى: أعطينا، فيتعدى إلى مفعولين. ﴿لَمْ نُمَكِّنْ﴾: فعل وجازم، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني لـ ﴿مكنا﴾، ومفعوله الأول محذوف تقديره: ما لم نمكنه لكم، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ ﴿ما﴾ الموصوفة، والتقدير: مكناهم وأعطيناهم في الأرض شيئًا لم نمكنه ولم نعطه لكم.
وفي "الفتوحات" قوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ في (١) ﴿مَا﴾ هو هذه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موصولة بمعنى الذي، وهي حينئذ صفة لمصدر محذوف، والتقدير: التمكين الذي لم نمكن لكم، والعائد محذوف؛ أي: الذي لم نمكنه لكم.
والثاني: أن تكون مفعولًا بها، لكن على المعنى؛ لأن معنى ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾: أعطيناهم ما لم نعطكم، ذكره أبو البقاء، قال الشيخ: هذا تضمين، والتضمين لا يقاس.
وما في "الشوكاني" هنا من أن الاستفهام للإنكار غير صواب. ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم. ﴿يَرَوْا﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾، والواو فاعل، وهي إما بصرية تتعدى إلى مفعول واحد، وهو أولى، أو علمية فتتعدى إلى مفعولين.. ﴿كَمْ﴾: خبرية بمعنى عدد كثير في محل النصب معفول مقدم وجوبًا لـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾، وهي معلقة ما قبلها عن العمل فيما بعدها. ﴿أَهْلَكْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿قَرْنٍ﴾ تمييز لـ ﴿كم﴾ مجرور بـ ﴿مِن﴾ الزائدة، وجملة ﴿أَهْلَكْنَا﴾ في محل النصب سادة مسد مفعول رأى البصرية، أو مسد مفعولي رأى العلمية، وجملة ﴿يَرَوْا﴾ من الفعل والفاعل جملة إنشائية مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة في محل الجر صفة لـ ﴿قَرْنٍ﴾، ولكنها سببية. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مكنا﴾. ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ﴾ ﴿مَا﴾: نكرة موصوفة في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾؛ لأن مكنا بمعنى: أعطينا، فيتعدى إلى مفعولين. ﴿لَمْ نُمَكِّنْ﴾: فعل وجازم، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني لـ ﴿مكنا﴾، ومفعوله الأول محذوف تقديره: ما لم نمكنه لكم، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ ﴿ما﴾ الموصوفة، والتقدير: مكناهم وأعطيناهم في الأرض شيئًا لم نمكنه ولم نعطه لكم.
وفي "الفتوحات" قوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ في (١) ﴿مَا﴾ هو هذه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موصولة بمعنى الذي، وهي حينئذ صفة لمصدر محذوف، والتقدير: التمكين الذي لم نمكن لكم، والعائد محذوف؛ أي: الذي لم نمكنه لكم.
والثاني: أن تكون مفعولًا بها، لكن على المعنى؛ لأن معنى ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾: أعطيناهم ما لم نعطكم، ذكره أبو البقاء، قال الشيخ: هذا تضمين، والتضمين لا يقاس.
(١) الجمل.
215
الثالث: أن تكون نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها، والعائد محذوف؛ أي: شيئًا لم نمكنه لكم، ذكره أبو البقاء أيضًا. قال الشيخ: وهذا أقرب إلى الصواب اهـ "سمين".
﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.
﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به. ﴿مِدْرَارًا﴾: حال من ﴿السَّمَاءَ﴾، والجملة في محل النصب أو الجر معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾. ﴿وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْأَنْهَارَ﴾. ﴿مِنْ تَحْتِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾، والجملة في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿جعلنا﴾ إن جعلنا (١) جعل تصييرية، وإن جعلناها اتخاذية.. كانت حالًا من ﴿الْأَنْهَارَ﴾. ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾: الفاء: عاطفة. ﴿أهلكنا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾: عطف مسبب على سبب. ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أهلكنا﴾. ﴿وَأَنْشَأنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أنشأنا﴾. ﴿قَرْنًا﴾: مفعول به لـ ﴿أَنْشَأنَا﴾. ﴿آخَرِينَ﴾ صفة لـ ﴿قَرْنًا﴾؛ لأنه اسم جمع كقوم ورهط، فلذلك اعتبر معناه في صفته.
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)﴾.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿نَزَّلْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿كِتَابًا﴾ مفعول ﴿نَزَّلْنَا﴾. ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾: متعلق بـ ﴿كِتَابًا﴾؛ لأنه مصدر
﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.
﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به. ﴿مِدْرَارًا﴾: حال من ﴿السَّمَاءَ﴾، والجملة في محل النصب أو الجر معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾. ﴿وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْأَنْهَارَ﴾. ﴿مِنْ تَحْتِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾، والجملة في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿جعلنا﴾ إن جعلنا (١) جعل تصييرية، وإن جعلناها اتخاذية.. كانت حالًا من ﴿الْأَنْهَارَ﴾. ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾: الفاء: عاطفة. ﴿أهلكنا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾: عطف مسبب على سبب. ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أهلكنا﴾. ﴿وَأَنْشَأنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أنشأنا﴾. ﴿قَرْنًا﴾: مفعول به لـ ﴿أَنْشَأنَا﴾. ﴿آخَرِينَ﴾ صفة لـ ﴿قَرْنًا﴾؛ لأنه اسم جمع كقوم ورهط، فلذلك اعتبر معناه في صفته.
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)﴾.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿نَزَّلْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿كِتَابًا﴾ مفعول ﴿نَزَّلْنَا﴾. ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾: متعلق بـ ﴿كِتَابًا﴾؛ لأنه مصدر
(١) الفتوحات.
216
بمعنى اسم المفعول أو نعت له. ﴿فَلَمَسُوهُ﴾: الفاء: عاطفة. ﴿لمسوه﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَزَّلْنَا﴾. ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿لمسوه﴾. ﴿لَقَالَ﴾ اللام رابطة لجواب ﴿لو﴾ الشرطية. ﴿قال﴾: فعل ماض. ﴿الَّذِينَ﴾: فاعل، والجملة الفعلية جواب ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿إنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾: مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنْ﴾ نافية. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿سِحْرٌ﴾ خبر. ﴿مُبِينٌ﴾: صفة له، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قال﴾.
﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ الواو: استئنافية. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بفرط تعنتهم وتصلبهم في كفرهم. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض. ﴿أُنزِلَ﴾: فعل ماض مغيَّر الصيغة. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿مَلَكٌ﴾: نائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿وَلَو﴾: الواو: عاطفة أو استئنافية. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَقُضِيَ﴾: ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿قضي الأمر﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية جواب ﴿لو﴾ الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿قالوا﴾ أو مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُنْظَرُونَ﴾: فعل ونائب فاعل معطوف على ﴿قُضِيَ﴾.
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)﴾.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: عاطفة أو استئنافية. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾. ﴿لَجَعَلْنَاهُ﴾: لـ ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿جعلناه رجلًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة جواب ﴿لو﴾، وجملة ﴿لو﴾ معطوفة على الجملة التي قبلها، أو مستأنفة. ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾:
﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ الواو: استئنافية. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بفرط تعنتهم وتصلبهم في كفرهم. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض. ﴿أُنزِلَ﴾: فعل ماض مغيَّر الصيغة. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿مَلَكٌ﴾: نائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿وَلَو﴾: الواو: عاطفة أو استئنافية. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَقُضِيَ﴾: ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿قضي الأمر﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية جواب ﴿لو﴾ الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿قالوا﴾ أو مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُنْظَرُونَ﴾: فعل ونائب فاعل معطوف على ﴿قُضِيَ﴾.
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)﴾.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: عاطفة أو استئنافية. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾. ﴿لَجَعَلْنَاهُ﴾: لـ ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿جعلناه رجلًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة جواب ﴿لو﴾، وجملة ﴿لو﴾ معطوفة على الجملة التي قبلها، أو مستأنفة. ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾:
217
الواو: عاطفة، واللام: رابطة لجواب ﴿لو﴾ مؤكدة للام الأولى، وقرىء بحذف لام الجواب اكتفاء بما في المعطوف عليه. ﴿لبسنا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة الجواب. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول "لبسنا". ﴿يَلْبِسُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يلبسونه. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾ في ﴿مَا﴾ هذه قولان:
أحدهما: أنها موصولة بمعنى: الذي؛ أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم، أو على غيرهم، قاله أبو البقاء، وتكون ﴿مَا﴾ حينئذ مفعولًا بها.
الثاني: أنها مصدرية؛ أي: وللبسنا عليهم مثل ما يلبسون على غيرهم ويشكلونهم.
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾.
﴿وَلَقَدِ﴾: الواو: استئنافية، اللام: موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿اسْتُهْزِئَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة ﴿بِرُسُلٍ﴾: جار ومجرور نائب فاعل ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور صفة ﴿رسل﴾، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، والجملة القسمية مع جوابها مستأنفة استئنافًا نحويًّا لا محل لها من الإعراب. ﴿فَحَاقَ﴾: الفاء: عاطفة. ﴿حاق﴾: فعل ماض. ﴿بِالَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿سَخِرُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْهُمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿سَخِرُوا﴾ صلة الموصول. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل ﴿حاق﴾. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾، وجملة ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ من اسمها وخبرها صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضميره ﴿بِهِ﴾.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت:
أحدهما: أنها موصولة بمعنى: الذي؛ أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم، أو على غيرهم، قاله أبو البقاء، وتكون ﴿مَا﴾ حينئذ مفعولًا بها.
الثاني: أنها مصدرية؛ أي: وللبسنا عليهم مثل ما يلبسون على غيرهم ويشكلونهم.
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾.
﴿وَلَقَدِ﴾: الواو: استئنافية، اللام: موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿اسْتُهْزِئَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة ﴿بِرُسُلٍ﴾: جار ومجرور نائب فاعل ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور صفة ﴿رسل﴾، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، والجملة القسمية مع جوابها مستأنفة استئنافًا نحويًّا لا محل لها من الإعراب. ﴿فَحَاقَ﴾: الفاء: عاطفة. ﴿حاق﴾: فعل ماض. ﴿بِالَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿سَخِرُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْهُمْ﴾: متعلق به، وجملة ﴿سَخِرُوا﴾ صلة الموصول. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل ﴿حاق﴾. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾، وجملة ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ من اسمها وخبرها صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضميره ﴿بِهِ﴾.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت:
218
﴿سِيرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿انْظُرُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿سِيرُوا﴾. ﴿كَيْفَ﴾ اسم استفهام في محل النصب خبر مقدم لـ ﴿كَانَ﴾. ﴿كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾: فعل ناقص واسمه ومضاف إليه، ولم يؤنث ﴿كَانَ﴾ مع كون اسمها مؤنثًا؛ لأن تأنيثه غير حقيقي، أو لأنه بمعنى: المآل والمنتهى، فهو في معنى المذكر، وجملة ﴿كَانَ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مفعول ﴿انْظُرُوا﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: الحمد لغة: الوصف بالجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل ظاهرًا وباطنًا، فخرج بقولهم على جهة التعظيم نحو قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)﴾ فإنه كان على جهة التهكم، لا على جهة التعظيم. واصطلاحًا: فعل ينبىء عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا.
﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ والجعل: هو الإنشاء والإبداع كالخلق، وذكره بعد الخلق للتفنن؛ لأنه هنا بمعنى: خلق. و ﴿الظُّلُمَاتِ﴾: جمع ظلمة، والظلمة: هي الحال التي يكون عليها مكان لا نور فيه، والنور ضدها، وهو قسمان: حسي: وهو ما يدرك بالبصر كنور الشمس والقمر، ومعنوي: وهو ما يدرك بالبصيرة كنور الإيمان والعلم.
﴿يَعْدِلُونَ﴾: يقال: عدل به غيره إذا جعله مساويًا له في العبادة والدعوة لكشف الضر وجلب النفع، فهو من العدل بمعنى التسوية بين الشيئين، ويصح أن يكون من العدول بمعنى: الميل، بمعنى: يميلون عن عبادته إلى عبادة غيره.
﴿مِنْ طِينٍ﴾: والطين: التراب المندى يقال (١) منه: طان الكتان يطينه وطنه يا هذا، فهو من باب باع.
التصريف ومفردات اللغة
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: الحمد لغة: الوصف بالجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل ظاهرًا وباطنًا، فخرج بقولهم على جهة التعظيم نحو قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)﴾ فإنه كان على جهة التهكم، لا على جهة التعظيم. واصطلاحًا: فعل ينبىء عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا.
﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ والجعل: هو الإنشاء والإبداع كالخلق، وذكره بعد الخلق للتفنن؛ لأنه هنا بمعنى: خلق. و ﴿الظُّلُمَاتِ﴾: جمع ظلمة، والظلمة: هي الحال التي يكون عليها مكان لا نور فيه، والنور ضدها، وهو قسمان: حسي: وهو ما يدرك بالبصر كنور الشمس والقمر، ومعنوي: وهو ما يدرك بالبصيرة كنور الإيمان والعلم.
﴿يَعْدِلُونَ﴾: يقال: عدل به غيره إذا جعله مساويًا له في العبادة والدعوة لكشف الضر وجلب النفع، فهو من العدل بمعنى التسوية بين الشيئين، ويصح أن يكون من العدول بمعنى: الميل، بمعنى: يميلون عن عبادته إلى عبادة غيره.
﴿مِنْ طِينٍ﴾: والطين: التراب المندى يقال (١) منه: طان الكتان يطينه وطنه يا هذا، فهو من باب باع.
(١) البحر المحيط.
219
﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾: قضى بمعنى: كتب وقدر كما مر، والأجل: هو المدة المضروبة للشيء؛ أي: المقدار المحدود له من الزمان.
﴿تَمْتَرُونَ﴾ من الامتراء بمعنى: الشك، لا من المماراة بمعنى الجدال.
﴿وَمَا تَأتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾: الآيات (١) هنا: آيات القرآن المرشدة إلى آيات الأكوان، والمثبتة لنبوة محمد - ﷺ -.
﴿مُعْرِضِينَ﴾: اسم فاعل من الإعراض وهو التولي عن الشيء والإدبار عنه.
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾: والحق هو دين الله الذي جاء به خاتم رسله محمد - ﷺ - من عقائد صحيحة ومعاملات شرعية وآداب كريمة.
﴿أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾: الأنباء: المراد بها (٢) في القرآن: وعد الله بنصر رسله وإظهار دينه ووعيده لأعدائه بخذلانهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة، وهو جمع: نبأ؛ كأسباب جمع سبب، والنبأ: ما يعظم وقعه من الأخبار.
﴿مِنْ قَرْنٍ﴾: والقرن من الناس: القوم المقترنون في زمن واحد، وجمعه: قرون، وقد جاء في القرآن مفردًا وجمعًا. وقيل: القرن: القوم المجتمعون في زمن قلت السنون أو كثرت، لقوله عليه السلام: "خير القرون قرني" يعني: أصحابه، وقال قس بن ساعدة:
وقال آخر:
سموا بذلك لكون بعضهم يقرن ببعض، فهو من قرنت الشيء بالشيء جعلته بجانبه أو مواجهًا له.
﴿تَمْتَرُونَ﴾ من الامتراء بمعنى: الشك، لا من المماراة بمعنى الجدال.
﴿وَمَا تَأتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾: الآيات (١) هنا: آيات القرآن المرشدة إلى آيات الأكوان، والمثبتة لنبوة محمد - ﷺ -.
﴿مُعْرِضِينَ﴾: اسم فاعل من الإعراض وهو التولي عن الشيء والإدبار عنه.
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾: والحق هو دين الله الذي جاء به خاتم رسله محمد - ﷺ - من عقائد صحيحة ومعاملات شرعية وآداب كريمة.
﴿أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾: الأنباء: المراد بها (٢) في القرآن: وعد الله بنصر رسله وإظهار دينه ووعيده لأعدائه بخذلانهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة، وهو جمع: نبأ؛ كأسباب جمع سبب، والنبأ: ما يعظم وقعه من الأخبار.
﴿مِنْ قَرْنٍ﴾: والقرن من الناس: القوم المقترنون في زمن واحد، وجمعه: قرون، وقد جاء في القرآن مفردًا وجمعًا. وقيل: القرن: القوم المجتمعون في زمن قلت السنون أو كثرت، لقوله عليه السلام: "خير القرون قرني" يعني: أصحابه، وقال قس بن ساعدة:
في الذَّاهِبِيْنِ الأوَّليْنَ | مِنَ الْقُرُوْنِ لَنَا بَصَائِرْ |
إِذَا ذَهَبَ الْقَوْمُ الَّذِيْ كُنْتَ فِيْهِمُ | وَخُلِّفْتَ فِي قَوْمٍ فَأَنْتَ غَرِيْبُ |
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
220
﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يقال: مكنه في الأرض أو في الشيء جعله متمكنًا من التصرف فيه، ومكن له: أعطاه أسباب التمكن في الأرض، وقال أبو عبيدة: مكناهم ومكنا لهم لغتان فصيحتان بمعنىً، نحو نصحته ونصحت له كذا قاله أبو علي والجرجاني.
﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾: السماء: المطر، والمدرار: الغزير. وقال أبو حيان: المدرار (١): المتتابع، يقال: مطر مدرار وعطاء مدرار، وهو في المطر أكثر، ومدرار مفعال من الدر للمبالغة، كمذكار ومئناث ومهذار للكثير ذلك منه.
﴿وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾: الإنشاء: الخلق والإحداث من غير سبب، وكل من ابتدأ شيئًا فقد أنشأه، والنشء: الأحداث واحدهم ناشئ كخادم وخدم.
﴿قَرْنًا آخَرِينَ﴾: صفة لقرنًا؛ لأنه اسم جمع كقوم ورهط فجمع الصفة اعتبارًا لمعناه. ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾: الكتاب: الصحيفة المكتوبة ومجموعة الصحف في غرض واحد، والقرطاس - مثلث القاف -: اسم (٢) لما يكتب عليه من رق أو ورق أو غير ذلك قال زهير:
ولا يسمى قرطاسًا إلا إذا كان مكتوبًا، وإن لم يكن مكتوبًا فهو طرس وكاغد وورق، وكسر القاف أكثر استعمالًا وأشهر من ضمها، وهو اسمٌ أعجمي يجمع على قراطيس.
﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ اللمس كالمس: إدراك الشيء بظاهر البشرة، وقد يستعمل بمعنى طلب الشيء والبحث عنه، ويقال: لمسه والتمسه وتلمسه، ومنه: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾.
﴿إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: خداع وتمويه يُري ما لا حقيقة له في صورة
﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾: السماء: المطر، والمدرار: الغزير. وقال أبو حيان: المدرار (١): المتتابع، يقال: مطر مدرار وعطاء مدرار، وهو في المطر أكثر، ومدرار مفعال من الدر للمبالغة، كمذكار ومئناث ومهذار للكثير ذلك منه.
﴿وَأَنْشَأنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾: الإنشاء: الخلق والإحداث من غير سبب، وكل من ابتدأ شيئًا فقد أنشأه، والنشء: الأحداث واحدهم ناشئ كخادم وخدم.
﴿قَرْنًا آخَرِينَ﴾: صفة لقرنًا؛ لأنه اسم جمع كقوم ورهط فجمع الصفة اعتبارًا لمعناه. ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾: الكتاب: الصحيفة المكتوبة ومجموعة الصحف في غرض واحد، والقرطاس - مثلث القاف -: اسم (٢) لما يكتب عليه من رق أو ورق أو غير ذلك قال زهير:
لَهَا أَخَادِيْدُ مِنْ آثَارِ سَاكِنِهَا | كَمَا تَرَدَّدَ فِيْ قِرْطَاسِهِ الْقَلَمُ |
﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ اللمس كالمس: إدراك الشيء بظاهر البشرة، وقد يستعمل بمعنى طلب الشيء والبحث عنه، ويقال: لمسه والتمسه وتلمسه، ومنه: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾.
﴿إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: خداع وتمويه يُري ما لا حقيقة له في صورة
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
221
الحقائق. ﴿لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾؛ أي: لتم أمر هلاكهم ﴿لَا يُنْظَرُونَ﴾ من الإنظار بمعنى: الإمهال؛ أي: لا يمهلون. ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ﴾: اللبس: الستر والتغطية، يقال: لبس الثوب يلبسه بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المضارع من باب سمع إذا استتر به، ولبسه في عنقه، ولبَس الحق بالباطل يلبِسه بفتح الباء في الماضي، وكسرها في المضارع من باب ضرب إذا ستره به؛ أي: جعله مكانه ليظن أنه الحق، ولبست عليه أمره؛ أي: جعلته بحيث يلتبس عليه فلا يعرفه، ولبست الأمر على القوم ألبسه من باب ضرب إذا شبهته وجعلته مشكلًا عليهم، وأصله: الستر بالثوب.
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ﴾: من الهزؤ - بضمتين أو بضم وسكون، والاستهزاء (١): السخرية، والاستهزاء بالشخص: احتقاره وعدم الاهتمام بأمره.
﴿فَحَاقَ﴾: يقال: حاق به المكروه يحيق من باب باع حيقً وحيوقًا وحيقانًا إذا نزل به وأحاط عليه فلم يكن له منه مخلص.
وفي "الفتوحات": ﴿فَحَاقَ﴾ ألفه منقلبة عن ياء، بدليل قولهم، في المضارع: يحيق كباع يبيع، والمصدر: حيق وحوق وحيقان كالغليان والنزوان. انتهت.
﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا﴾ يقال: سخر منه إذا هَزَأ به، والسخري (٢) والاستهزاء والتهكم معناها متقارب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحصر في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ لأن لام الجنس (٣) إذا دخلت على المبتدأ تفيد حصره في الخبر كما قال علي الأجهوري:
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ﴾: من الهزؤ - بضمتين أو بضم وسكون، والاستهزاء (١): السخرية، والاستهزاء بالشخص: احتقاره وعدم الاهتمام بأمره.
﴿فَحَاقَ﴾: يقال: حاق به المكروه يحيق من باب باع حيقً وحيوقًا وحيقانًا إذا نزل به وأحاط عليه فلم يكن له منه مخلص.
وفي "الفتوحات": ﴿فَحَاقَ﴾ ألفه منقلبة عن ياء، بدليل قولهم، في المضارع: يحيق كباع يبيع، والمصدر: حيق وحوق وحيقان كالغليان والنزوان. انتهت.
﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا﴾ يقال: سخر منه إذا هَزَأ به، والسخري (٢) والاستهزاء والتهكم معناها متقارب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحصر في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ لأن لام الجنس (٣) إذا دخلت على المبتدأ تفيد حصره في الخبر كما قال علي الأجهوري:
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات القيومية.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات القيومية.
222
مُبَتَدَأٌ بِلاَمِ جِنْسٍ عُرِّفَا | مُنْحَصِرٌ فِيْ مُخْبَرٍ بِهِ وَفَا |
وَإِنْ عَرَا عَنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرْ | بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَبِالْعَكْس اسْتَقَرّ |
ومنها: الطباق في قوله: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، وفي قوله: ﴿سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾.
ومنها: رعاية الفاصلة بتقديم الجار والمجرور على متعلقه في قوله: ﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: ﴿وَمَا تَأتِيهِمْ﴾؛ لأن الإتيان بصيغة المضارع دون الماضي لحكاية الحال الماضية، أو للدلالة على الاستمرار التجددي.
ومنها: التفخيم في قوله: ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾؛ لأن في إضافة آيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضمير: ﴿هم﴾ تفخيمًا لشأنها المستتبع لتهويل ما اجترؤوا عليه في حقها.
ومنها: الالتفات من خطابهم بقوله: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ إلى الغيبة في قوله: ﴿وَمَا تَأتِيهِمْ﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ إلى الخطاب في قوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾؛ لأنه خطاب لأهل مكة؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: ما لم نمكن لهم.
فائدة: والالتفات (١) له فوائد، منها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، وهذه فائدته العامة، ويختص كل موقع بنكت ولطائف باختلاف محله كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه هنا حث السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه وأعطاه فضل عنايته، وخصصه بالمواجهة. اهـ "كرخي".
(١) الجمل.
223
ومنها: إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾؛ إذ الأصل: فقد كذبوا بها؛ أي: بالآية؛ لأن المراد بالحق نفس الآية، وفي قوله: ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ لأن فيه إظهارًا في مقام الإضمار شهادة عليهم بالكفر؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: لقالوا.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾؛ أي: أهل قرن، وفي قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾؛ أي: المطر، عبر عنه بالسماء؛ لأنه ينزل من السماء فهو مجاز.
ومنها: تنكير رسل في قوله: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ﴾ للتفخيم والتكثير.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
فائدة: ومن الأمور الاتفاقية في القرآن خمس سور منه بدئت بالحمد لله، وخمس منها ختمت به، فالخمس التي بدئت بالحمدلة: سورة الفاتحة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾، وسورة الأنعام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، وسورة الكهف: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾، وسورة سبأ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، وسورة فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
والخمس التي ختمت بها سورة الإسراء: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾، وسورة النمل: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾، وسورة الصافات: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾، وسورة الزمر: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وسورة الجاثية: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾؛ أي: أهل قرن، وفي قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾؛ أي: المطر، عبر عنه بالسماء؛ لأنه ينزل من السماء فهو مجاز.
ومنها: تنكير رسل في قوله: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ﴾ للتفخيم والتكثير.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
فائدة: ومن الأمور الاتفاقية في القرآن خمس سور منه بدئت بالحمد لله، وخمس منها ختمت به، فالخمس التي بدئت بالحمدلة: سورة الفاتحة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾، وسورة الأنعام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، وسورة الكهف: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾، وسورة سبأ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، وسورة فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
والخمس التي ختمت بها سورة الإسراء: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾، وسورة النمل: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾، وسورة الصافات: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾، وسورة الزمر: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وسورة الجاثية: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
224
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ الله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ...﴾ الآية، مناسبة هذه (١) الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر تصرفه فيمن أهلكهم بذنوبهم.. أمر نبيه - ﷺ - بسؤالهم ذلك، فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك لله تعالى، فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير، ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك.
قوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أن الله
﴿قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ الله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ...﴾ الآية، مناسبة هذه (١) الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر تصرفه فيمن أهلكهم بذنوبهم.. أمر نبيه - ﷺ - بسؤالهم ذلك، فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك لله تعالى، فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير، ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك.
قوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أن الله
(١) البحر المحيط.
225
سبحانه وتعالى لما ذكر أنه موجد العالم، المتصرف فيهم بما يريد، ودل ذلك على نفاذ قدرته.. أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق.
قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر أن له ملك ما حوى المكان من السموات والأرض.. ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار، وأن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية، وقدم المكان؛ لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان.
قوله تعالى: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما قدم أنه خلق السموات والأرض، وأنه مالك لما تضمنه المكان والزمان.. أمر تعالى نبيه أن يقول لهم ذلك على سبيل التوبيخ لهم؛ أي: من هذه صفاته هو الذي يتخذ وليًّا وناصرًا ومعينًا، لا الآلهة التي لكم؛ إذ هي لا تنفع ولا تضر؛ لأنها بين جماد أو حيوان مقهور.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر تعالى انفراده بتصرفه بما يريده من ضر وخير وقدرته على الأشياء.. ذكر قهره وغلبته، وأن العالم مقهورون ممنوعون من بلوغ مرادهم، بل يقسرهم ويجبرهم على ما يريده هو تعالى.
وعبارة "المراغي " هنا: قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: لما ذكر (١) سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أصول الدين الثلاثة: التوحيد، والبعث والجزاء، ورسالة محمد - ﷺ -، ثم ذكر شبهات الكافرين على الرسالة، وبين ما يدحضها، ثم أرشد إلى سننه تعالى في أقوام الرسل المكذبين، وأن عاقبتهم الهلاك والاستئصال والخزي والنكال تسليةً لرسوله - ﷺ - وتثبيتًا لقلبه، وإعانةً له على المضي في تبليغ رسالته.. ذكر هنا هذه الأصول الثلاثة بأسلوب آخر - أسلوب
قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر أن له ملك ما حوى المكان من السموات والأرض.. ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار، وأن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية، وقدم المكان؛ لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان.
قوله تعالى: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما قدم أنه خلق السموات والأرض، وأنه مالك لما تضمنه المكان والزمان.. أمر تعالى نبيه أن يقول لهم ذلك على سبيل التوبيخ لهم؛ أي: من هذه صفاته هو الذي يتخذ وليًّا وناصرًا ومعينًا، لا الآلهة التي لكم؛ إذ هي لا تنفع ولا تضر؛ لأنها بين جماد أو حيوان مقهور.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر تعالى انفراده بتصرفه بما يريده من ضر وخير وقدرته على الأشياء.. ذكر قهره وغلبته، وأن العالم مقهورون ممنوعون من بلوغ مرادهم، بل يقسرهم ويجبرهم على ما يريده هو تعالى.
وعبارة "المراغي " هنا: قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: لما ذكر (١) سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أصول الدين الثلاثة: التوحيد، والبعث والجزاء، ورسالة محمد - ﷺ -، ثم ذكر شبهات الكافرين على الرسالة، وبين ما يدحضها، ثم أرشد إلى سننه تعالى في أقوام الرسل المكذبين، وأن عاقبتهم الهلاك والاستئصال والخزي والنكال تسليةً لرسوله - ﷺ - وتثبيتًا لقلبه، وإعانةً له على المضي في تبليغ رسالته.. ذكر هنا هذه الأصول الثلاثة بأسلوب آخر - أسلوب
(١) المراغي بتصرف.
226
السؤال والجواب - بهرهم فيه بالحجة، ودلهم على واضح المحجة تفننًا في الحجاج في المواضع الهامة، فإن الأدلة إذا تضافرت على مطلوب واحد.. كان لها في النفس قبول أيما قبول، وكذلك أساليب الحجاج إذا تنوعت دفعت عن السامع السأم، وجعلته ينشط لسماع ما يلقى إليه، فهو إذا لم يعقل الدليل الأول أو عمي عليه أسلوبه.. رأى في الدليل الثاني ما ينير له طريق المطلوب، أو رأى في الأسلوب الثاني ما يكفيه مؤنة البحث في الدليل الأول، فهو في غنى بما يكون أمامه عن أن يبحث عن فائت، أو يلجأ إلى غائب، ومن ثم نرى الخطباء المفلقين، والعلماء المبرزين ينوعون أساليب حجاجهم، ويكثرون البراهين على المطلوب الواحد، ليكون ذلك أدعى إلى الإقناع، وأقرب إلى الاقتناع انتهت.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما بيَّن في الآية السابقة أن شهادة الله على صحة نبوة رسوله - ﷺ - كافية في تحققها.. ذكر هنا كذبهم في ادعائهم أنهم لا يعرفون محمدًا - ﷺ -، فهم يعرفون نبوته ورسالته كما يعرفون أبنائهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (٢) ابن إسحاق وابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: جاء النحام بن زيد، وقردم بن كعب، ومجزىء بن عمرو، فقالوا: يا محمد، ما تعلم مع الله إلهًا غيره؟ فقال: "لا إله إلا الله، بذلك بعثت، وإلى ذلك أدعو" فأنزل الله في قولهم: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
١٢ - ﴿قُل﴾ يا محمد لهؤلاء المكذبين لرسالتك العادلين بربهم المعرضين عن دعوتك، يعني: كفار مكة ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ملكًا وخلقًا وعبيدًا
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ...﴾ مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما بيَّن في الآية السابقة أن شهادة الله على صحة نبوة رسوله - ﷺ - كافية في تحققها.. ذكر هنا كذبهم في ادعائهم أنهم لا يعرفون محمدًا - ﷺ -، فهم يعرفون نبوته ورسالته كما يعرفون أبنائهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (٢) ابن إسحاق وابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: جاء النحام بن زيد، وقردم بن كعب، ومجزىء بن عمرو، فقالوا: يا محمد، ما تعلم مع الله إلهًا غيره؟ فقال: "لا إله إلا الله، بذلك بعثت، وإلى ذلك أدعو" فأنزل الله في قولهم: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
١٢ - ﴿قُل﴾ يا محمد لهؤلاء المكذبين لرسالتك العادلين بربهم المعرضين عن دعوتك، يعني: كفار مكة ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ملكًا وخلقًا وعبيدًا
(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
227
وتصرفًا؛ أي: من الذي كانت له هذه المخلوقات علويها وسفليها، وقد كانت العرب تؤمن بأن الله خالق السموات والأرض، وأن كل ما فيهما ملك وعبيد له كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله﴾، والمقصود من السؤال: التبكيت والتوبيخ، فإن أجابوك.. فذاك وإلا فـ ﴿قُل﴾ لهم يا محمد إن ذلك كله ﴿لِلَّهِ﴾ فإنه لا جواب غيره؛ أي: فأخبرهم أن ذلك لله الذي قهر كل شيء، وملك كل شيء، واستعبد كل شيء، لا للأصنام التي تعبدونها أنتم، فإنها أموات لا تملك شيئًا ولا تملك لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، وإنما أمره بالجواب عقب السؤال.. ليكون أبلغ في التأكيد، وآكد في الحجة.
وعبارة "المراغي" هنا قوله: ﴿قُلِ لِلَّهِ﴾ هذا تقرير للجواب نيابة عنهم، أو إلجاء لهم إلى الإقرار بأن الكل له سبحانه وتعالى، ولا خلاف بيني وبينكم في ذلك، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئًا آخر إليه. وإتيان السائل بالجواب يحسن إذا كان ما يأتي به هو عين ما يعتقده المسؤول أو يغفل عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه لازمًا لما يعرفه ويعتقده انتهت.
ولما بين الله تعالى كمال قدرته وتصرفه في سائر مخلوقاته.. أردفه بكمال رحمته وإحسانه إليهم، فقال تعالى: ﴿كَتَبَ﴾ الله سبحانه وتعالى وأوجب ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾؛ أي: على ذاته العلية إيجاب الفضل والكرم، وإيجاب إنجاز الوعد ﴿الرَّحْمَةَ﴾ والإحسان إلى خلقه؛ إذ أفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن لا يعجل بالعقوبة لمن استحقها، بل يقبل التوبة والإنابة ممن تاب وأناب إليه، فالمراد بإيجابها على نفسه أنه وعد ذلك وعدًا مؤكدًا منجزًا لا محالة؛ إذ لا يجب على الله شيء لعباده، والمراد بالرحمة: ما يعم الدارين، ومن ذلك: الهداية إلى معرفته، والعلم بتوحيده، والإمهال على الكفار.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - "لما خلق الله الخلق.. كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي". متفق عليه.
وعبارة "المراغي" هنا قوله: ﴿قُلِ لِلَّهِ﴾ هذا تقرير للجواب نيابة عنهم، أو إلجاء لهم إلى الإقرار بأن الكل له سبحانه وتعالى، ولا خلاف بيني وبينكم في ذلك، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئًا آخر إليه. وإتيان السائل بالجواب يحسن إذا كان ما يأتي به هو عين ما يعتقده المسؤول أو يغفل عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه لازمًا لما يعرفه ويعتقده انتهت.
ولما بين الله تعالى كمال قدرته وتصرفه في سائر مخلوقاته.. أردفه بكمال رحمته وإحسانه إليهم، فقال تعالى: ﴿كَتَبَ﴾ الله سبحانه وتعالى وأوجب ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾؛ أي: على ذاته العلية إيجاب الفضل والكرم، وإيجاب إنجاز الوعد ﴿الرَّحْمَةَ﴾ والإحسان إلى خلقه؛ إذ أفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن لا يعجل بالعقوبة لمن استحقها، بل يقبل التوبة والإنابة ممن تاب وأناب إليه، فالمراد بإيجابها على نفسه أنه وعد ذلك وعدًا مؤكدًا منجزًا لا محالة؛ إذ لا يجب على الله شيء لعباده، والمراد بالرحمة: ما يعم الدارين، ومن ذلك: الهداية إلى معرفته، والعلم بتوحيده، والإمهال على الكفار.
فصل في ذكر الأحاديث المناسبة للآية
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - "لما خلق الله الخلق.. كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي". متفق عليه.
228
وفي "البخاري": "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش". وفي رواية لهما: "إن الله لما خلق الخلق - وعند مسلم: لما قضى الله الخلق - كتب في كتاب كتبه على نفسه، فهو موضوع عنده - زاد البخاري: على العرش، ثم اتفقا -: إن رحمتي تغلب غضبي".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "جعل الله الرحمة مئه جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" متفق عليه. زاد البخاري في رواية له: "ولو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة.. لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب.. لم يأمن من العذاب"، ولمسلم "إن لله مئه رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مئه رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة.. أكملها بهذه الرحمة" رواه مسلم.
وعن عمر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله - ﷺ - سبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي إذ وجدت صبيًّا في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله - ﷺ -: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا واللهِ، وهي تقدر أن لا تطرحه، فقال - ﷺ -: "لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها". متفق عليه.
و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لام قسم، وجملة القسم مستأنفة مسوقة للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر، فلا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب، وإن تعلقت به من حيث المعنى؛ أي: وعزتي وجلالي ليجمعنكم الله سبحانه وتعالى في القبور محشورين إلى يوم القيامة الذي لا شك في مجيئه لوضوح أدلته وسطوع براهينه، فيجازيكم على شرككم وسائر
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "جعل الله الرحمة مئه جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" متفق عليه. زاد البخاري في رواية له: "ولو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة.. لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب.. لم يأمن من العذاب"، ولمسلم "إن لله مئه رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مئه رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة.. أكملها بهذه الرحمة" رواه مسلم.
وعن عمر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله - ﷺ - سبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي إذ وجدت صبيًّا في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله - ﷺ -: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا واللهِ، وهي تقدر أن لا تطرحه، فقال - ﷺ -: "لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها". متفق عليه.
و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لام قسم، وجملة القسم مستأنفة مسوقة للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر، فلا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب، وإن تعلقت به من حيث المعنى؛ أي: وعزتي وجلالي ليجمعنكم الله سبحانه وتعالى في القبور محشورين إلى يوم القيامة الذي لا شك في مجيئه لوضوح أدلته وسطوع براهينه، فيجازيكم على شرككم وسائر
229
معاصيكم، أو المعنى: ليجمعنكم إلى المحشر في يوم القيامة؛ لأن الجمع إنما يكون إلى المكان لا إلى الزمان.
والحاصل: أن الله (١) الذي تقرون معنى بأنه مالك السموات والأرض قد أوجب على ذاته العلية الرحمة بخلقه؛ إذ أفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن مقتضى هذه الرحمة أن يجمعكم إلى يوم القيامة، ذلك اليوم الذي لا شك في مجيئه لوضوح أدلته وسطوع براهينه للحساب والجزاء على الأعمال، إذ إنه وازع نفسي لا يتم تهذيب النفوس إلا به، فهو يمنع الظلم وهضم الحقوق وإيذاء الناس وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن خوفًا من هول ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها.
ولما كان مقتضى الرحمة والفضل أعم وأسبق من مقتضى العدل.. كان جزاء الظالمين المسيئين على قدر استحقاقهم، ومنهم من يعفو الله عنه، فالجزاء على الإساءة قد ينقص منه بالعفو والمغفرة ولا يزاد فيه، وإنما الزيادة في الجزاء على الإحسان ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾.
وبيان الدين لهذا النوع من الجزاء رحمة أيضًا، فما مثله إلا مثل الحكومة العادلة تبيِّن للأمة ما تؤاخذ عليه من الأعمال الضارة، وما تكافىء به من يصدق في خدمتها ويرقى إلى سماء العزة والكرامة. وقد سبق حديث الشيخين وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال: "إن الله لما خلق الخلق كتب كتابًا عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي" والمراد بالسبق هنا: كثرة الرحمة وشمولها، كما يقال: غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثرا فيه.
والخلاصة: أنه لما قال: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ فكأنه قيل: وما تلك الرحمة؟ فقيل: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ذلك أنه لولا خوف العذاب يوم القيامة لحصل الفساد في الأرض، واختلت نظم الاجتماع، وأكل القوي
والحاصل: أن الله (١) الذي تقرون معنى بأنه مالك السموات والأرض قد أوجب على ذاته العلية الرحمة بخلقه؛ إذ أفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن مقتضى هذه الرحمة أن يجمعكم إلى يوم القيامة، ذلك اليوم الذي لا شك في مجيئه لوضوح أدلته وسطوع براهينه للحساب والجزاء على الأعمال، إذ إنه وازع نفسي لا يتم تهذيب النفوس إلا به، فهو يمنع الظلم وهضم الحقوق وإيذاء الناس وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن خوفًا من هول ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها.
ولما كان مقتضى الرحمة والفضل أعم وأسبق من مقتضى العدل.. كان جزاء الظالمين المسيئين على قدر استحقاقهم، ومنهم من يعفو الله عنه، فالجزاء على الإساءة قد ينقص منه بالعفو والمغفرة ولا يزاد فيه، وإنما الزيادة في الجزاء على الإحسان ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾.
وبيان الدين لهذا النوع من الجزاء رحمة أيضًا، فما مثله إلا مثل الحكومة العادلة تبيِّن للأمة ما تؤاخذ عليه من الأعمال الضارة، وما تكافىء به من يصدق في خدمتها ويرقى إلى سماء العزة والكرامة. وقد سبق حديث الشيخين وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال: "إن الله لما خلق الخلق كتب كتابًا عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي" والمراد بالسبق هنا: كثرة الرحمة وشمولها، كما يقال: غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثرا فيه.
والخلاصة: أنه لما قال: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ فكأنه قيل: وما تلك الرحمة؟ فقيل: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ذلك أنه لولا خوف العذاب يوم القيامة لحصل الفساد في الأرض، واختلت نظم الاجتماع، وأكل القوي
(١) المراغي.
230
الضعيف، ولا وازع ولا زاجر، فصار التهديد بهذا اليوم من أسباب الرحمة.
وقوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ في محل النصب على الذم، أو في محل الرفع على الابتداء، والخبر قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ والفاء (١) فيه للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم، فإن إبطال العقل وإتباع الحواس والوهم، والانهماك في التقليد، وإغفال النظر.. أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان.
فإن قيل (٢): ظاهر اللفظ يدل على أن خسرانهم سبب لعدم إيمانهم، والأمر بالعكس.
أجيب: بأن سبق القضاء بالخسران والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان بحيث لا سبيل لهم أصلًا. اهـ "كرخي"؛ أي: فمعنى ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: قضى عليهم بالخسران، فصح السبب في قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
ومعنى خسران الأنفس: إفساد فطرتها، وعدم اهتدائها بما منحها الله تعالى من أسباب الهدايات، فالمقلدون خسروا أنفسهم باتخاذهم الأصنام، وعرضوها لسخط الله تعالى وأليم عذابه؛ لأنهم حرموها استعمال نعمتي العقل والعلم، فكانوا كمن خسر شيئًا من متاع الدنيا، وأصل الخسار: الغبن، يقال: خسر الرجل إذا غبن في بيعه.
والمعنى على النصب؛ أي: أخص هؤلاء الذين خسروا أنفسهم بالتذكير والذم والتوبيخ من بين من يجمعون إلى يوم القيامة؛ إذ هم لخسرانهم أنفسهم في الدنيا لا يؤمنون بالآخرة، فهم قلما ينظرون ويستدلون، وإن هم فعلوا ذلك.. قعد بهم ضعف الإرادة عن احتمال لوم اللائمين واحتقار الأهل والمعاشرين.
والمعنى على الرفع: الذين سبق عليهم خسران أنفسهم في علم الله تعالى، فهم لا يؤمنون في الدنيا لسبق الخسران عليهم في علمه.
وقوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ في محل النصب على الذم، أو في محل الرفع على الابتداء، والخبر قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ والفاء (١) فيه للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم، فإن إبطال العقل وإتباع الحواس والوهم، والانهماك في التقليد، وإغفال النظر.. أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان.
فإن قيل (٢): ظاهر اللفظ يدل على أن خسرانهم سبب لعدم إيمانهم، والأمر بالعكس.
أجيب: بأن سبق القضاء بالخسران والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان بحيث لا سبيل لهم أصلًا. اهـ "كرخي"؛ أي: فمعنى ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: قضى عليهم بالخسران، فصح السبب في قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
ومعنى خسران الأنفس: إفساد فطرتها، وعدم اهتدائها بما منحها الله تعالى من أسباب الهدايات، فالمقلدون خسروا أنفسهم باتخاذهم الأصنام، وعرضوها لسخط الله تعالى وأليم عذابه؛ لأنهم حرموها استعمال نعمتي العقل والعلم، فكانوا كمن خسر شيئًا من متاع الدنيا، وأصل الخسار: الغبن، يقال: خسر الرجل إذا غبن في بيعه.
والمعنى على النصب؛ أي: أخص هؤلاء الذين خسروا أنفسهم بالتذكير والذم والتوبيخ من بين من يجمعون إلى يوم القيامة؛ إذ هم لخسرانهم أنفسهم في الدنيا لا يؤمنون بالآخرة، فهم قلما ينظرون ويستدلون، وإن هم فعلوا ذلك.. قعد بهم ضعف الإرادة عن احتمال لوم اللائمين واحتقار الأهل والمعاشرين.
والمعنى على الرفع: الذين سبق عليهم خسران أنفسهم في علم الله تعالى، فهم لا يؤمنون في الدنيا لسبق الخسران عليهم في علمه.
(١) البيضاوي.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
231
والخلاصة (١): أن الفوز والفلاح في الدين والدنيا لا يتم إلا بالعلم الصحيح والعزيمة الحافزة إلى العمل بالعلم، فمن خسر إحدى الفضيلتين.. فقد خسر نفسه، فردًا كان أو أمة، فما بال من خسرهما معًا؟
١٣ - ﴿وَلَهُ﴾ سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿مَا سَكَنَ﴾؛ أي: حل واستقر ووجد ﴿في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ إن قلنا: إنه من السكنى بمعنى: الحلول والاستقرار في المكان، أو: له سبحانه وتعالى ما سكن وتحرك في جميع الأزمان، إن قلنا: إنه من السكون ضد الحركة، وقال مقاتل: من المخلوقات ما يستقر بالنهار وينتشر بالليل، ومنها ما يستقر بالليل وينتشر بالنهار.
فإن قيل (٢): لِمَ خصَّ السكون بالذِّكر دون الحركة؟
فعن ابن العربي ثلاثة أوجه:
أحدها: أن السكون أعم وجودًا من الحركة؛ لأن الساكن من المخلوقات أكثر عددًا من المتحرك.
والثاني: أن كل متحرك قد يسكن وليس كل ساكن يتحرك.
والثالث: أن في الآية إضمارًا، والمعنى: وله ما سكن وتحرك كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد، فيكون من باب الاكتفاء.
والمعنى: لله ما في السموات وما في الأرض، وله ما سكن في الليل والنهار، وخص هذا بالذكر وإن كان داخلًا في عموم ما في السموات والأرض تنبيهًا إلى تصرفه تعالى بهذه الخفايا، ولا سيما إذا حسن الليل وهدأ الخلق.
وقال ابن جرير (٣): كل ما طلعت عليه الشمس وغربت، فهو من ساكن الليل والنهار، فيكون المراد منه: جميع ما حصل في الأرض من الدواب والحيوانات والطير وغير ذلك مما في البر والبحر، وهذا يفيد الحصر، والمعنى: إن جميع الموجودات ملك لله تعالى لا لغيره.
١٣ - ﴿وَلَهُ﴾ سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿مَا سَكَنَ﴾؛ أي: حل واستقر ووجد ﴿في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ إن قلنا: إنه من السكنى بمعنى: الحلول والاستقرار في المكان، أو: له سبحانه وتعالى ما سكن وتحرك في جميع الأزمان، إن قلنا: إنه من السكون ضد الحركة، وقال مقاتل: من المخلوقات ما يستقر بالنهار وينتشر بالليل، ومنها ما يستقر بالليل وينتشر بالنهار.
فإن قيل (٢): لِمَ خصَّ السكون بالذِّكر دون الحركة؟
فعن ابن العربي ثلاثة أوجه:
أحدها: أن السكون أعم وجودًا من الحركة؛ لأن الساكن من المخلوقات أكثر عددًا من المتحرك.
والثاني: أن كل متحرك قد يسكن وليس كل ساكن يتحرك.
والثالث: أن في الآية إضمارًا، والمعنى: وله ما سكن وتحرك كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد، فيكون من باب الاكتفاء.
والمعنى: لله ما في السموات وما في الأرض، وله ما سكن في الليل والنهار، وخص هذا بالذكر وإن كان داخلًا في عموم ما في السموات والأرض تنبيهًا إلى تصرفه تعالى بهذه الخفايا، ولا سيما إذا حسن الليل وهدأ الخلق.
وقال ابن جرير (٣): كل ما طلعت عليه الشمس وغربت، فهو من ساكن الليل والنهار، فيكون المراد منه: جميع ما حصل في الأرض من الدواب والحيوانات والطير وغير ذلك مما في البر والبحر، وهذا يفيد الحصر، والمعنى: إن جميع الموجودات ملك لله تعالى لا لغيره.
(١) المراغي.
(٢) زاد المسير بزيادة.
(٣) الخازن.
(٢) زاد المسير بزيادة.
(٣) الخازن.
وبعد أن ذكر سبحانه تصرفه في الخلق دقيقه وجليله كما هو شأن الربوبية الكاملة.. ذكر أنه هو السميع العلم، فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه تعالى ﴿السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم وأصواتهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بسرائرهم وأحوالهم؛ أي: وهو سبحانه وتعالي المحيط سمعه بكل ما من شأنه أن يسمع، فمهما يكن خفيًّا عن غيره.. فهو يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، والمحيط علمه بكل شيء ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)﴾.
والخلاصة: أنه تعالى لا تدق عن سمعه دعوة داعٍ، ولا يعزب عن علمه حاجة محتاجٍ حتى يخبره بها الأولياء، أو يقنعه بها الشفعاء؟!
١٤ - وبعد هذا القول الذي أمر فيه رسوله للتذكير بأنه المالك لكل شيء والمدبر لكل شيء إذ هو سميع لكل شيء، ولا يعزب عن علمه شيء أمره هنا بقول آخر لازم لما سبق، وهو وجوب ولايته تعالى وحده والتوجه إليه دون سواه في كل ما هو فوق كسب البشر، والاعتماد على توفيقه فيما هو من كسبهم، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿أَغَيْرَ اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَتَّخِذُ﴾ وأجعل ﴿وَلِيًّا﴾ ومعبودًا لنفسي ومتوليًا لأموري؛ أي: لا أتخذ غير الله تعالى وليًّا لنفسي كما اتخذتموهم أولياء لأنفسكم. والاستفهام فيه إنكاري بمعنى النفي، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عباده الأصنام، ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليًّا لا لاتخاذ الولي مطلقًا.. دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل، والمراد بالولي هنا: المعبود؛ أي: كيف اتخذ غير الله معبودًا؟ ذكره "الشوكاني".
والمعنى (١): قل لهم: لا أطلب من غيره تعالى نفعًا ولا ضرًّا، لا فعلًا ولا منعًا، فيما هو فوق كسبه وتصرفه الذي منحه الله لأبناء جنسه، أما تناصر المخلوقين وتولي بعضهم بعضًا فيما هو من كسبهم العادي: فلا يدخل في عموم الإنكار الذي يفهم من الآية، فقد أثنى الله على المؤمنين بأن بعضهم أولياء بعض. وقد كان المشركون من الوثنيين ومن طرأ عليهم الشرك من أهل الكتاب يتخذون
والخلاصة: أنه تعالى لا تدق عن سمعه دعوة داعٍ، ولا يعزب عن علمه حاجة محتاجٍ حتى يخبره بها الأولياء، أو يقنعه بها الشفعاء؟!
١٤ - وبعد هذا القول الذي أمر فيه رسوله للتذكير بأنه المالك لكل شيء والمدبر لكل شيء إذ هو سميع لكل شيء، ولا يعزب عن علمه شيء أمره هنا بقول آخر لازم لما سبق، وهو وجوب ولايته تعالى وحده والتوجه إليه دون سواه في كل ما هو فوق كسب البشر، والاعتماد على توفيقه فيما هو من كسبهم، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿أَغَيْرَ اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَتَّخِذُ﴾ وأجعل ﴿وَلِيًّا﴾ ومعبودًا لنفسي ومتوليًا لأموري؛ أي: لا أتخذ غير الله تعالى وليًّا لنفسي كما اتخذتموهم أولياء لأنفسكم. والاستفهام فيه إنكاري بمعنى النفي، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عباده الأصنام، ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليًّا لا لاتخاذ الولي مطلقًا.. دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل، والمراد بالولي هنا: المعبود؛ أي: كيف اتخذ غير الله معبودًا؟ ذكره "الشوكاني".
والمعنى (١): قل لهم: لا أطلب من غيره تعالى نفعًا ولا ضرًّا، لا فعلًا ولا منعًا، فيما هو فوق كسبه وتصرفه الذي منحه الله لأبناء جنسه، أما تناصر المخلوقين وتولي بعضهم بعضًا فيما هو من كسبهم العادي: فلا يدخل في عموم الإنكار الذي يفهم من الآية، فقد أثنى الله على المؤمنين بأن بعضهم أولياء بعض. وقد كان المشركون من الوثنيين ومن طرأ عليهم الشرك من أهل الكتاب يتخذون
(١) المراغي.
233
معبوداتهم وأنبياءهم وصلحاءهم أولياء من دون الله يتوجهون إليهم بالدعاء، ويستغيثون بهم، ويستشفعون بهم عند الله في قضاء حاجاتهم من نصر على عدو، وشفاء من مرض وسعة في رزق إلى نحو ذلك. وهذا بلا شك عبادة لغير الله وشرك بالله؟ لاعتقادهم أن حصول المطلوب من غير أسبابه العادية قد كان بمجموع إرادة هؤلاء الأولياء وإرادة الله، ويلزم هذا أن إرادة الله ما تعلقت بفعل ذلك المطلب إلا تبعًا لإرادة الولي الشافع أو المتخذ وليًّا وشفيعًا.
وقوله: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بدل من (١) الله أو صفة له، وقد تعرف بالإضافة؛ لأنه بمعنى الماضي بدليل قراءة ﴿فطر﴾ بصيغة الفعل الماضي فاتفقت الصفة والموصوف في التعريف؛ أي: موجد السموات والأرض ومنشئهما على غير مثال سبق.
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما عرفت ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ أي: ابتدعتها. وقد كانت المادة التي خلقت منها السموات والأرض كتلة واحدة دخانية، ففتق رتقها، وفصل منها أجرام السموات والأرض، وهذا ولا شك ضرب من الفطر والشق قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ وفي ذلك تعريض بأن من فطر السموات والأرض بمحض إرادته بدون تأثير مؤثر ولا شفاعة شافع ينبغي أن لا يتوجه إلى غيره بالدعاء، ولا يستعان بسواه في كل ما وراء الأسباب.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَاطِرِ﴾ بالجر على أنه بدل من الجلالة، أو صفة له كما مر. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضمار: هو. وقرىء شاذًا بالنصب، والأحسن أن يكون نصبه على المدح. وقرأ الزهري: ﴿فطر﴾ على صيغة الفعل الماضي. وقد أكد ما تقدم وزاده تثبيتًا بقوله: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُطْعِمُ﴾ ويرزق ﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾ ولا يُرزق كقوله تعالى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)﴾
وقوله: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بدل من (١) الله أو صفة له، وقد تعرف بالإضافة؛ لأنه بمعنى الماضي بدليل قراءة ﴿فطر﴾ بصيغة الفعل الماضي فاتفقت الصفة والموصوف في التعريف؛ أي: موجد السموات والأرض ومنشئهما على غير مثال سبق.
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما عرفت ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ أي: ابتدعتها. وقد كانت المادة التي خلقت منها السموات والأرض كتلة واحدة دخانية، ففتق رتقها، وفصل منها أجرام السموات والأرض، وهذا ولا شك ضرب من الفطر والشق قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ وفي ذلك تعريض بأن من فطر السموات والأرض بمحض إرادته بدون تأثير مؤثر ولا شفاعة شافع ينبغي أن لا يتوجه إلى غيره بالدعاء، ولا يستعان بسواه في كل ما وراء الأسباب.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَاطِرِ﴾ بالجر على أنه بدل من الجلالة، أو صفة له كما مر. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضمار: هو. وقرىء شاذًا بالنصب، والأحسن أن يكون نصبه على المدح. وقرأ الزهري: ﴿فطر﴾ على صيغة الفعل الماضي. وقد أكد ما تقدم وزاده تثبيتًا بقوله: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُطْعِمُ﴾ ويرزق ﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾ ولا يُرزق كقوله تعالى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)﴾
(١) الجمل.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
234
والمعنى (١): إن المنافع كلها من عند الله تعالى، وخص الإطعام من بين أنواع الانتفاعات؛ لأن الحاجة إليه أمس، كما خص الربا بالأكل، وإن كان المقصود الانتفاع بالربا.
والحاصل: أنه (٢) يرزق الناس الطعام وليس هو بحاجة إلى من يرزقه ويطعمه؛ لأنه منزه عن الحاجة إلى كل ما سواه أيًّا كان نوعها. وفي هذا إيماء إلى أن من اتخذوا أولياء من دونه من البشر محتاجون إلى الطعام، ولا حياة لهم بدونه، وأن الله هو الذي خلق لهم الطعام، فهم عاجزون عن خلقه وعاجزون عن البقاء بدونه، فأحرى بهم؛ أي: لا يتخذوا أولياء مع الغني الرزاق الفعال لما يريد. وإذا كان الإنكار توجه إلى البشر فأولى به أن يتوجه إلى الأصنام والأوثان؛ لأنها أضعف من البشر؛ إذ قد اتفق العقلاء على تفضيل الحيوان على الجماد، والإنسان على جميع أنواع الحيوان.
وقرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأول، وضمها وفتح العين في الثاني؛ أي: يرزق ولا يرزق كما فسرناه كذلك أولًا. وقرأ (٣) مجاهد وابن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو في رواية عنه: ﴿ولا يطعم﴾ بفتح الياء والعين في الثاني، والمعنى: أنه تعالى منزه عن الأكل، ولا يشبه المخلوقين. وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة: ﴿ولا يطعم﴾ بضم الياء وكسر العين مثل الأول، فالضمير في ﴿وهو يطعم﴾ عائد على الله، وفي ﴿ولا يطعم﴾ عائد على ﴿الولي﴾. وروى ابن المأمون عن يعقوب: ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ علي بناء الأول للمفعول، والثاني للفاعل، فالضمير لغير الله. وقرأ الأشهب، ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ علي بنائهما للفاعل، وفسر بأن معناه: وهو يطعم غيره ولا يستطعم لنفسه، وحكى الأزهري: أطعمت بمعنى: استطعمت. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى على هذه القراءة: ﴿وهو يطعم﴾ تارة ﴿ولا يطعم﴾ أخرى على حسب المصالح. وقرىء (٤) بفتح الياء والعين في الأول
والحاصل: أنه (٢) يرزق الناس الطعام وليس هو بحاجة إلى من يرزقه ويطعمه؛ لأنه منزه عن الحاجة إلى كل ما سواه أيًّا كان نوعها. وفي هذا إيماء إلى أن من اتخذوا أولياء من دونه من البشر محتاجون إلى الطعام، ولا حياة لهم بدونه، وأن الله هو الذي خلق لهم الطعام، فهم عاجزون عن خلقه وعاجزون عن البقاء بدونه، فأحرى بهم؛ أي: لا يتخذوا أولياء مع الغني الرزاق الفعال لما يريد. وإذا كان الإنكار توجه إلى البشر فأولى به أن يتوجه إلى الأصنام والأوثان؛ لأنها أضعف من البشر؛ إذ قد اتفق العقلاء على تفضيل الحيوان على الجماد، والإنسان على جميع أنواع الحيوان.
وقرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأول، وضمها وفتح العين في الثاني؛ أي: يرزق ولا يرزق كما فسرناه كذلك أولًا. وقرأ (٣) مجاهد وابن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو في رواية عنه: ﴿ولا يطعم﴾ بفتح الياء والعين في الثاني، والمعنى: أنه تعالى منزه عن الأكل، ولا يشبه المخلوقين. وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة: ﴿ولا يطعم﴾ بضم الياء وكسر العين مثل الأول، فالضمير في ﴿وهو يطعم﴾ عائد على الله، وفي ﴿ولا يطعم﴾ عائد على ﴿الولي﴾. وروى ابن المأمون عن يعقوب: ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ علي بناء الأول للمفعول، والثاني للفاعل، فالضمير لغير الله. وقرأ الأشهب، ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ علي بنائهما للفاعل، وفسر بأن معناه: وهو يطعم غيره ولا يستطعم لنفسه، وحكى الأزهري: أطعمت بمعنى: استطعمت. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى على هذه القراءة: ﴿وهو يطعم﴾ تارة ﴿ولا يطعم﴾ أخرى على حسب المصالح. وقرىء (٤) بفتح الياء والعين في الأول
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.
235
وضمها وكسر العين في الثاني على أن الضمير يعود إلى الولي المذكور.
وفي قراءة من قرأ باختلاف الفعلين تجنيس التشكيل، وهو أن يكون الشكل فرقًا بين الكلمتين، وسماه أسامة بن منقذ في بديعته: تجنيس التحريف، وهو بتجنيس التشكيل أولى كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث البلاغة، ذكره أبو حيان في "البحر".
﴿قُلْ﴾ يا محمد لكفار قومك ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ من جناب الله تعالى ﴿أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ من هذه الأمة؛ أي: استسلم لأمر الله وانقاد إلى طاعته ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ أي: وقيل لي: ولا تكونن يا محمد من المشركين بالله تعالى في أمر من الأمور، والمعنى: أمرت بالإسلام، ونهيت عن الإشراك؛ أي: قل (١) لهم بعد أن استبانت لديكم الأدلة على وجوب عبادة الله وحده، وعدم اتخاذ غيره وليًّا: إني أمرت من ربي الموصوف بجليل الصفات أن أكون أول من أسلم إليه، وانقاد لديه من هذه الأمة التي بعثت فيها، فلا أدعو إلى شيء إلا كنت أول مؤمن به سائر على نهجه. ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ أي: وقيل لي بعد إسلام الوجه له: لا تكونن من المشركين الذين اتخذوا من دونه أولياء ليقربوهم إليه زلفى.
١٥ - وبعد أن أمره بهذا القول المبين لأساس الدِّين، وبين أنه مأمورًا به كغيره.. أمره بقول آخر فيه بيان لجزاء من خالف الأمر والنهي السالفين، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى عبادة غيري: إن ربي أمرني أن أكون أول من أسلم، ونهاني عن عبادة شيء سواه، و ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ﴾ وخالفت ﴿رَبِّي﴾ فيما أمرني به ونهاني عنه فعبدت شيئًا سواه ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: عذابًا عظيمًا شديدًا في يوم عظيم شديد هوله وهو يوم القيامة؛ أي: إني (٢) أخاف عذاب يوم عظيم - وهو يوم القيامة - إن عصيت ربي، فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به، محذوف الجواب كما سيأتي في مبحث الإعراب إن شاء الله تعالى.
وفي قراءة من قرأ باختلاف الفعلين تجنيس التشكيل، وهو أن يكون الشكل فرقًا بين الكلمتين، وسماه أسامة بن منقذ في بديعته: تجنيس التحريف، وهو بتجنيس التشكيل أولى كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث البلاغة، ذكره أبو حيان في "البحر".
﴿قُلْ﴾ يا محمد لكفار قومك ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ من جناب الله تعالى ﴿أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ من هذه الأمة؛ أي: استسلم لأمر الله وانقاد إلى طاعته ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ أي: وقيل لي: ولا تكونن يا محمد من المشركين بالله تعالى في أمر من الأمور، والمعنى: أمرت بالإسلام، ونهيت عن الإشراك؛ أي: قل (١) لهم بعد أن استبانت لديكم الأدلة على وجوب عبادة الله وحده، وعدم اتخاذ غيره وليًّا: إني أمرت من ربي الموصوف بجليل الصفات أن أكون أول من أسلم إليه، وانقاد لديه من هذه الأمة التي بعثت فيها، فلا أدعو إلى شيء إلا كنت أول مؤمن به سائر على نهجه. ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ أي: وقيل لي بعد إسلام الوجه له: لا تكونن من المشركين الذين اتخذوا من دونه أولياء ليقربوهم إليه زلفى.
١٥ - وبعد أن أمره بهذا القول المبين لأساس الدِّين، وبين أنه مأمورًا به كغيره.. أمره بقول آخر فيه بيان لجزاء من خالف الأمر والنهي السالفين، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى عبادة غيري: إن ربي أمرني أن أكون أول من أسلم، ونهاني عن عبادة شيء سواه، و ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ﴾ وخالفت ﴿رَبِّي﴾ فيما أمرني به ونهاني عنه فعبدت شيئًا سواه ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: عذابًا عظيمًا شديدًا في يوم عظيم شديد هوله وهو يوم القيامة؛ أي: إني (٢) أخاف عذاب يوم عظيم - وهو يوم القيامة - إن عصيت ربي، فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به، محذوف الجواب كما سيأتي في مبحث الإعراب إن شاء الله تعالى.
(١) المراغي.
(٢) النسفي.
(٢) النسفي.
والخلاصة: قل لهم يا محمد: إنْ فُرض وقوع العصيان مني.. فإنني أخاف أن يصيبني عذاب ذلك اليوم العظيم - وهو يوم القيامة - الذي يتجلى فيه الرب على عباده ويحاسبهم الحساب العسير على أعمالهم ويجازيهم بما يستحقون. وفي الآية إشارة إلى أن هذا يوم لا محاباة فيه لأحد مهما كان عظيمًا، وأنه لا تنفع فيه شفاعة الشافعين، بل الأمر يومئذ لله، فلا سلطان لغيره يتكل عليه من يعصيه ظنًّا منه أنه يخفف عنه العذاب أو ينجيه، وإذا كان خوف النبي - ﷺ - من العذاب على المعصية منتفيًا لوجود العصمة.. فخوف الإجلال والتعظيم ثابت له في جميع الأحوال.
١٦ - ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ العذاب ويدفع ﴿عَنْهُ يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم العذاب العظيم، وهو يوم القيامة؛ أي: من يصرف الله سبحانه وتعالى عنه العذاب يومئذ ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾؛ أي: قد أنجاه الله مما يخاف، وأكرمه بما يحب، وأدخله الجنة دار كرامته. والإشارة في قوله: ﴿ذلك﴾ إلى الصرف، أو إلى الرحمة؛ أي: ذلك الصرف أو الرحمة ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الفلاح العظيم والنجاة الظاهرة، يعني: أن صرف العذاب وحصول الرحمة هو النجاة والفلاح المبين، وإنما ذكر الرحمة بعد صرف العذاب، لئلا يتوهم أن الحاصل له صرف العذاب فقط، بل حصلت له الرحمة مع صرف العذاب عنه.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم (١): ﴿من يصرف﴾ مبنيًّا للفاعل فـ ﴿من﴾ مفعول مقدم، والضمير في ﴿يصرف﴾ عائد على الله، ويؤيده قراءة أُبي: ﴿من يصرف الله﴾. وقرأ باقي السبعة: ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ مبنيًّا للمفعول، ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز. والمعنى: أنه من يدفع الله عنه العذاب في ذلك اليوم.. فقد رحمه؛ إذ أنجاه من الهول الأكبر، ومن نجا منه.. فقد دخل الجنة، والنجاة من العذاب والتمتع بالنعيم في دار البقاء هو الفوز المبين الظاهر الذي لا فوز أعظم منه.
واعلم: أن الفوز إنما ينال بحصول مطلوبين:
١٦ - ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ العذاب ويدفع ﴿عَنْهُ يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم العذاب العظيم، وهو يوم القيامة؛ أي: من يصرف الله سبحانه وتعالى عنه العذاب يومئذ ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾؛ أي: قد أنجاه الله مما يخاف، وأكرمه بما يحب، وأدخله الجنة دار كرامته. والإشارة في قوله: ﴿ذلك﴾ إلى الصرف، أو إلى الرحمة؛ أي: ذلك الصرف أو الرحمة ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الفلاح العظيم والنجاة الظاهرة، يعني: أن صرف العذاب وحصول الرحمة هو النجاة والفلاح المبين، وإنما ذكر الرحمة بعد صرف العذاب، لئلا يتوهم أن الحاصل له صرف العذاب فقط، بل حصلت له الرحمة مع صرف العذاب عنه.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم (١): ﴿من يصرف﴾ مبنيًّا للفاعل فـ ﴿من﴾ مفعول مقدم، والضمير في ﴿يصرف﴾ عائد على الله، ويؤيده قراءة أُبي: ﴿من يصرف الله﴾. وقرأ باقي السبعة: ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ مبنيًّا للمفعول، ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز. والمعنى: أنه من يدفع الله عنه العذاب في ذلك اليوم.. فقد رحمه؛ إذ أنجاه من الهول الأكبر، ومن نجا منه.. فقد دخل الجنة، والنجاة من العذاب والتمتع بالنعيم في دار البقاء هو الفوز المبين الظاهر الذي لا فوز أعظم منه.
واعلم: أن الفوز إنما ينال بحصول مطلوبين:
(١) البحر المحيط والبيضاوي.
أحدهما: سلبي، وهو النجاة من العذاب،
والثاني: إيجابي، وهو الظفر بالنعيم المقيم في الجنة.
١٧ - وبعد أن بين أن صرف العذاب والفوز بالنعيم المقيم من رحمته في الآخرة.. بيَّن أن الأمر كذلك في الدنيا، وأن التصرف فيها له تعالى وحده، فقال: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾؛ أي: وإن يصبك الله تعالى ببلية كمرض وفقر ونحو ذلك، والضر: اسم جامع لما ينال الإنسان من ألم ومكروه وغير ذلك مما هو في معناه: ﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: فلا رافع له عنك إلا هو وحده؛ أي: وإن يصبك أيها الإنسان ضر كمرض وفقر وحزن وذل اقتضته سنة الله.. فلا كاشف له ولا صارف يصرفه عنك إلا هو سبحانه وتعالى دون الأولياء الذين يتخذون من دونه ويتوجه إليهم المشرك بكشفه، وهو سبحانه وتعالى؛ إما أن يكشفه عنك بتوفيقك للأسباب الكسبية التي تزيله، وإما أن يكشفه بغير عمل منك، بل بلطفه وكرمه، فله الحمد على نعمه المتظاهرة التي لا حد لها.
فائدة: فالضر (١) إما في النفس كقلة العلم والفضل والعفة، وإما في البدن كعدم جارحة ونقص ومرض، وإما في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه. اهـ "كرخي".
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾؛ أي: وإن يصبك الله سبحانه وتعالى أيها الإنسان بخير ويعطكه؛ كصحة وغنى وقوة وجاه، والخير: اسم جامع لما ينال الإنسان من لذة وفرح وسرور ونحو ذلك: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ أي: فهو قادر على حفظه عليك كما قدر على إعطائك إياه، وهو القدير على كل شيء، أما أولئك الأولياء الذين اتخذوا من دونه فلا يقدرون على مسِّك بخير ولا ضر. وعبارة "الخازن" هنا: وهذه الآية خطاب للنبي - ﷺ -، والمعنى: لا تتخذ وليًّا سوى الله؛ لأنه هو القادر على أن يمسك بضر، وهو القادر على دفعه عنك، وهو القادر على إيصال الخير إليك، وأنه لا يقدر على ذلك إلا هو فاتخذه وليًّا وناصرًا
والثاني: إيجابي، وهو الظفر بالنعيم المقيم في الجنة.
١٧ - وبعد أن بين أن صرف العذاب والفوز بالنعيم المقيم من رحمته في الآخرة.. بيَّن أن الأمر كذلك في الدنيا، وأن التصرف فيها له تعالى وحده، فقال: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾؛ أي: وإن يصبك الله تعالى ببلية كمرض وفقر ونحو ذلك، والضر: اسم جامع لما ينال الإنسان من ألم ومكروه وغير ذلك مما هو في معناه: ﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: فلا رافع له عنك إلا هو وحده؛ أي: وإن يصبك أيها الإنسان ضر كمرض وفقر وحزن وذل اقتضته سنة الله.. فلا كاشف له ولا صارف يصرفه عنك إلا هو سبحانه وتعالى دون الأولياء الذين يتخذون من دونه ويتوجه إليهم المشرك بكشفه، وهو سبحانه وتعالى؛ إما أن يكشفه عنك بتوفيقك للأسباب الكسبية التي تزيله، وإما أن يكشفه بغير عمل منك، بل بلطفه وكرمه، فله الحمد على نعمه المتظاهرة التي لا حد لها.
فائدة: فالضر (١) إما في النفس كقلة العلم والفضل والعفة، وإما في البدن كعدم جارحة ونقص ومرض، وإما في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه. اهـ "كرخي".
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾؛ أي: وإن يصبك الله سبحانه وتعالى أيها الإنسان بخير ويعطكه؛ كصحة وغنى وقوة وجاه، والخير: اسم جامع لما ينال الإنسان من لذة وفرح وسرور ونحو ذلك: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ أي: فهو قادر على حفظه عليك كما قدر على إعطائك إياه، وهو القدير على كل شيء، أما أولئك الأولياء الذين اتخذوا من دونه فلا يقدرون على مسِّك بخير ولا ضر. وعبارة "الخازن" هنا: وهذه الآية خطاب للنبي - ﷺ -، والمعنى: لا تتخذ وليًّا سوى الله؛ لأنه هو القادر على أن يمسك بضر، وهو القادر على دفعه عنك، وهو القادر على إيصال الخير إليك، وأنه لا يقدر على ذلك إلا هو فاتخذه وليًّا وناصرًا
(١) الفتوحات.
ومعينًا، وهذا الخطاب وإن كان للنبي - ﷺ -، فهو عام لكل أحد، والمعنى: وإن يمسسك الله بضر أيها الإنسان.. فلا كاشف لذلك الضر إلا هو، وإن يمسسك بخير أيها الإنسان.. فهو على كل شيء قدير من دفع الضر وإيصال الخير.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله - ﷺ - يومًا، فقال لي: "يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإنْ اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف" أخرجه الترمذي، زاد فيه رزين "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، وفيه: "وإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا واعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسر يسرين". قال ابن الأثير: وقد جاء نحو هذا أو مثله بطوله في "مسند" أحمد بن حنبل انتهت.
فعلى (١) المؤمن الصادق في إيمانه أن لا يطلب شيئًا من أمور الدنيا والآخرة من كشف ضر، وصرف عذاب، أو إيجاد خير، ومنح ثواب إلا من الله تعالى وحده دون غيره من الشفعاء والأولياء الذين لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا. وهذا الطلب من الله؛ إما بالعمل ومراعاة الأسباب التي اقتضتها سنته في الخلق، ودل عليها الشرع وهدى إليها العقل؛ وإما بالتوجه إليه ودعائه كما ندب إلى ذلك كتابه الكريم، وسنة نبيه - ﷺ - قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
١٨ - وبعد أن أثبت سبحانه وتعالى لنفسه كمال القدرة.. أثبت لها كمال السلطان والتسخير لجميع عباده، والاستعلاء عليهم مع كمال الحكمة والعلم المحيط بخفايا الأمور؛ ليرشدنا إلى أن من اتخذ الأولياء.. فقد ضل ضلالًا بعيدًا فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾؛ أي (٢): الغالب
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله - ﷺ - يومًا، فقال لي: "يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإنْ اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف" أخرجه الترمذي، زاد فيه رزين "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، وفيه: "وإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا واعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسر يسرين". قال ابن الأثير: وقد جاء نحو هذا أو مثله بطوله في "مسند" أحمد بن حنبل انتهت.
فعلى (١) المؤمن الصادق في إيمانه أن لا يطلب شيئًا من أمور الدنيا والآخرة من كشف ضر، وصرف عذاب، أو إيجاد خير، ومنح ثواب إلا من الله تعالى وحده دون غيره من الشفعاء والأولياء الذين لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا. وهذا الطلب من الله؛ إما بالعمل ومراعاة الأسباب التي اقتضتها سنته في الخلق، ودل عليها الشرع وهدى إليها العقل؛ وإما بالتوجه إليه ودعائه كما ندب إلى ذلك كتابه الكريم، وسنة نبيه - ﷺ - قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
١٨ - وبعد أن أثبت سبحانه وتعالى لنفسه كمال القدرة.. أثبت لها كمال السلطان والتسخير لجميع عباده، والاستعلاء عليهم مع كمال الحكمة والعلم المحيط بخفايا الأمور؛ ليرشدنا إلى أن من اتخذ الأولياء.. فقد ضل ضلالًا بعيدًا فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾؛ أي (٢): الغالب
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
لعباده، العالي فوقهم، القاهر لهم وهم مقهورون تحت قدرته، والقاهر والقهار معناه: الذي يدبر خلقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشق عليهم ويثقل ويغم ويحزن ويفقر ويميت ويذل خلقه، فلا يستطيع أحد من خلقه ردَّ تدبيره والخروج من تحت قهره وتقديره، وهذا معنى القاهر في صفة الله تعالى؛ لأنه القادر، والقاهر: الذي لا يعجزه شيء أراده. ومعنى فوق عباده هنا: أن قهره قد استعلى على خلقه، فهم تحت التسخير والتذليل بما علاهم به من الاقتدار والقهر الذي لا يقدر أحد على الخروج منه، ولا ينفك عنه، فكل من قهر شيئًا فهو مستعلٍ عليه بالقهر والغلبة. وقال "الشوكاني": ومعنى: ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم، لا فوقية المكان، كما تقول: السلطان فوق رعيته؛ أي: بالمنزلة والرفعة، وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة وهو: منع غيره عن بلوغ المراد. انتهى.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أمره وتدبيره عباده ﴿الْخَبِيرُ﴾؛ أي: العالم بأعمالهم وما يصلحهم.
وخلاصة المعنى: أنه تعالى هو الغالب لعباده العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم، فهو فوقهم بالقهر وهم دونه، وهو الحكيم في تدبيره، الخبير بمصالح الأشياء ومضارها؛ ولا تخفى عليه خوافي الأمور ولا يقع في تدبيره خلل ولا في حكمته دخل.
١٩ - وقد ختم سبحانه هذه الأوامر القولية المبينة لحقيقة الدين وأدلته بشهادة الله لرسوله، وشهادة رسوله له، فقال: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾.
روى ابن عباس: أن رؤساء أهل مكة قالوا: يا محمد، ما وجد الله غيرك رسولًا، وما ترى أحدًا يصدقك، وقد سألنا اليهود والنصارى عنك، فزعموا أنه لا ذكر لك عندهم بالنبوة، فأرنا من يشهد لك بالنبوة؟ فأنزل الله قوله هذا: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾؛ أي: قل لهؤلاء المشركين من قومك الذين يكذبونك ويجحدون نبوتك أيُّ شهيد أكبر شهادة وأعظمها وأجدر أن تكون شهادته أصحها وأصدقها؟ ثم أمره بأن يجيب عن هذا السؤال بأن أكبر الشهداء
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أمره وتدبيره عباده ﴿الْخَبِيرُ﴾؛ أي: العالم بأعمالهم وما يصلحهم.
وخلاصة المعنى: أنه تعالى هو الغالب لعباده العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم، فهو فوقهم بالقهر وهم دونه، وهو الحكيم في تدبيره، الخبير بمصالح الأشياء ومضارها؛ ولا تخفى عليه خوافي الأمور ولا يقع في تدبيره خلل ولا في حكمته دخل.
١٩ - وقد ختم سبحانه هذه الأوامر القولية المبينة لحقيقة الدين وأدلته بشهادة الله لرسوله، وشهادة رسوله له، فقال: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾.
روى ابن عباس: أن رؤساء أهل مكة قالوا: يا محمد، ما وجد الله غيرك رسولًا، وما ترى أحدًا يصدقك، وقد سألنا اليهود والنصارى عنك، فزعموا أنه لا ذكر لك عندهم بالنبوة، فأرنا من يشهد لك بالنبوة؟ فأنزل الله قوله هذا: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾؛ أي: قل لهؤلاء المشركين من قومك الذين يكذبونك ويجحدون نبوتك أيُّ شهيد أكبر شهادة وأعظمها وأجدر أن تكون شهادته أصحها وأصدقها؟ ثم أمره بأن يجيب عن هذا السؤال بأن أكبر الشهداء
240
وأصدقهم وأعظمهم شهادة هو: الله سبحانه وتعالى، فقال ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد إن لم يجيبوا لك ﴿الله﴾ سبحانه وتعالى أكبر شهادة؛ لأنه لا جواب غيره؛ أي: أحب لهم بأن أكبر الأشياء شهادة هو من لا يجوز أن يقع في شهادته كذب ولا زور ولا خطأ، وذلك هو الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى ﴿شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ يشهد لي بالحق، وعليكم بالباطل الذي تقولونه. والمراد (١) بشهادة الله: إظهار المعجزة على يد النبي - ﷺ -، فإن حقيقة الشهادة ما بُيِّن به المدعى، وهو كما يكون بالقول يكون بالفعل، ولا شك أن دلالة الفعل أقوى من دلالة القول لعروض الاحتمالات في الألفاظ دون الأفعال، فإن دلالتها لا يعرض لها الاحتمال، وإن المعجزة نازلة منزلة قوله تعالى صدق عبدي في كل ما يبلغ عني انتهى "كرخي".
والحاصل (٢): أنهم طلبوا شاهدًا مقبول القول يشهد له بالنبوة، فبين الله تعالى بهذه الآية أن أكبر الأشياء شهادة هو الله تعالى، ثم بيَّن أنه يشهد له بالنبوة وهو المراد بقوله: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ فهو بمنزلة التعليل لما قبله؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى يشهد لي بالنبوة؛ لأنه أوحى إليَّ هذا القرآن، وهو معجزة لأنكم أنتم الفصحاء البلغاء وأصحاب اللسان وقد عجزتم عن معارضته، فكان معجزًا، وإذا كان معجزًا.. كان نزوله عليَّ شهادة من الله تعالى بأني رسوله، وهو المراد بقوله: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ يعني: أوحي إليَّ هذا القرآن لأخوفكم به وأحذركم مخالفة أمر الله عز وجل ولأبشركم، فحذف المعطوف لدلالة المعنى عليه، أو اقتصر على الإنذار؛ لأنه في مقام تخويف لهؤلاء المكذبين بالرسالة المتخذين غير الله إلهًا. وقوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ في محل النصب معطوف على الكاف في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾؛ أي: ولأنذر به من بلغه القرآن ممن يأتي بعدي إلى يوم القيامة من العرب والعجم وغيرهم من سائر الأمم من الإنس والجن، فكل من بلغ إليه القرآن وسمعه فالنبي - ﷺ - نذير له. قال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي - ﷺ - وكلمه. وقال أنس بن مالك: لما نزلت هذه الآية.. كتب رسول الله - ﷺ - إلى كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل. وعن
والحاصل (٢): أنهم طلبوا شاهدًا مقبول القول يشهد له بالنبوة، فبين الله تعالى بهذه الآية أن أكبر الأشياء شهادة هو الله تعالى، ثم بيَّن أنه يشهد له بالنبوة وهو المراد بقوله: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ فهو بمنزلة التعليل لما قبله؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى يشهد لي بالنبوة؛ لأنه أوحى إليَّ هذا القرآن، وهو معجزة لأنكم أنتم الفصحاء البلغاء وأصحاب اللسان وقد عجزتم عن معارضته، فكان معجزًا، وإذا كان معجزًا.. كان نزوله عليَّ شهادة من الله تعالى بأني رسوله، وهو المراد بقوله: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ يعني: أوحي إليَّ هذا القرآن لأخوفكم به وأحذركم مخالفة أمر الله عز وجل ولأبشركم، فحذف المعطوف لدلالة المعنى عليه، أو اقتصر على الإنذار؛ لأنه في مقام تخويف لهؤلاء المكذبين بالرسالة المتخذين غير الله إلهًا. وقوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ في محل النصب معطوف على الكاف في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾؛ أي: ولأنذر به من بلغه القرآن ممن يأتي بعدي إلى يوم القيامة من العرب والعجم وغيرهم من سائر الأمم من الإنس والجن، فكل من بلغ إليه القرآن وسمعه فالنبي - ﷺ - نذير له. قال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي - ﷺ - وكلمه. وقال أنس بن مالك: لما نزلت هذه الآية.. كتب رسول الله - ﷺ - إلى كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل. وعن
(١) الجمل.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
241
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - ﷺ - قال: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا.. فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "نضر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فربَّ مبلغ أوعى له من سامع" أخرجه الترمذي، وله عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم أخرجه أبو داود موقوفًا، وقالت فرقة: الفاعل ببلغ عائد على ﴿من﴾ لا على القرآن، والمفعول محذوف والتقدير: ومن بلغ الحلم.
وشهادة (١) الله بين الرسول وقومه ضربان: شهادته برسالة الرسول، وشهادته بصدق ما جاء به.
والأول أنواع ثلاثة:
١ - إخباره بها في كتابه بنحو قوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ﴾، وقوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾.
٢ - تأييده بالآيات الكثيرة التي من أعظمها القرآن، فهو المعجزة الدائمة بما ثبت من عجز البشر عن الإتيان بسورة من مثله، وبما اشتمل عليه من أخبار الغيب ووعد الرسول والمؤمنين بنصر الله وإظهارهم على أعدائهم.
٣ - وشهادة كتبه السابقة له، وبشارة الرسل السابقين به، ولا تزال هذه الشهادة في كتب اليهود والنصارى.
والثاني ثلاثة أنواع أيضًا:
١ - شهادة كتبه بذلك كقوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "نضر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فربَّ مبلغ أوعى له من سامع" أخرجه الترمذي، وله عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم أخرجه أبو داود موقوفًا، وقالت فرقة: الفاعل ببلغ عائد على ﴿من﴾ لا على القرآن، والمفعول محذوف والتقدير: ومن بلغ الحلم.
وشهادة (١) الله بين الرسول وقومه ضربان: شهادته برسالة الرسول، وشهادته بصدق ما جاء به.
والأول أنواع ثلاثة:
١ - إخباره بها في كتابه بنحو قوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ﴾، وقوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾.
٢ - تأييده بالآيات الكثيرة التي من أعظمها القرآن، فهو المعجزة الدائمة بما ثبت من عجز البشر عن الإتيان بسورة من مثله، وبما اشتمل عليه من أخبار الغيب ووعد الرسول والمؤمنين بنصر الله وإظهارهم على أعدائهم.
٣ - وشهادة كتبه السابقة له، وبشارة الرسل السابقين به، ولا تزال هذه الشهادة في كتب اليهود والنصارى.
والثاني ثلاثة أنواع أيضًا:
١ - شهادة كتبه بذلك كقوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو
(١) المراغي.
242
الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ}.
٢ - ما أقامه من الآيات في الأنفس والآفاق مما يدل على توحيده واتصافه بصفات الكمال.
٣ - ما أودعه جل شأنه في الفطرة البشرية من الإيمان بإله واحد له صفات الكمال وببقاء النفس.
والخلاصة: أن شهادته تعالى هي شهادة آياته في القرآن، وآياته في الأكوان، وآياته في العقل والوجدان اللذين أودعهما في نفس الإنسان.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَأُوحِيَ﴾ مبنيًّا للمفعول، ﴿الْقُرْآنُ﴾ هو مرفوع به. وقرأ عكرمة وأبو نهيك وابن السميقع والجحدري: ﴿وأوحي﴾ مبنيًّا للفاعل، و ﴿القرآن﴾ منصوب به. والمعنى (٢): أوحى الله سبحانه وتعالى إليَّ هذا القرآنَ الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه؛ أي: كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة إلى يوم القيامة.
والاستفهام في قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾ للتوبيخ والتقريع لهم والإنكار عليهم على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل، أو بقلب الثانية؛ أي: لا تنبغي ولا تصح منكم هذه الشهادة؛ لأن المعبود واحد لا تعدد فيه. وأما من قرأ على الخبر.. فقد حقق عليهم شركهم؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جحدوا نبوتك واتخذوا آلهة غيري: هل إنكم أيها المشركون لتشهدون وتثبتون وتعتقدون وتقرون ﴿أَنَّ مَعَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿آلِهَةً أُخْرَى﴾ يعني: الأصنام، إن كان الخطاب لأهل مكة، فإنهم أصحاب أوثان، وإن كان لجميع المشركين، فالآلهة كل ما عبد من دون الله تعالى من وثن أو كوكب أو نار أو آدمي، وإنما قال: ﴿أُخْرَى﴾ بتأنيث الصفة وإفرادها؛ لأن ما لا يعقل يعامل جمعه معاملة المؤنثة الواحدة، كما قال بعضهم:
٢ - ما أقامه من الآيات في الأنفس والآفاق مما يدل على توحيده واتصافه بصفات الكمال.
٣ - ما أودعه جل شأنه في الفطرة البشرية من الإيمان بإله واحد له صفات الكمال وببقاء النفس.
والخلاصة: أن شهادته تعالى هي شهادة آياته في القرآن، وآياته في الأكوان، وآياته في العقل والوجدان اللذين أودعهما في نفس الإنسان.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَأُوحِيَ﴾ مبنيًّا للمفعول، ﴿الْقُرْآنُ﴾ هو مرفوع به. وقرأ عكرمة وأبو نهيك وابن السميقع والجحدري: ﴿وأوحي﴾ مبنيًّا للفاعل، و ﴿القرآن﴾ منصوب به. والمعنى (٢): أوحى الله سبحانه وتعالى إليَّ هذا القرآنَ الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه؛ أي: كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة إلى يوم القيامة.
والاستفهام في قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾ للتوبيخ والتقريع لهم والإنكار عليهم على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل، أو بقلب الثانية؛ أي: لا تنبغي ولا تصح منكم هذه الشهادة؛ لأن المعبود واحد لا تعدد فيه. وأما من قرأ على الخبر.. فقد حقق عليهم شركهم؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جحدوا نبوتك واتخذوا آلهة غيري: هل إنكم أيها المشركون لتشهدون وتثبتون وتعتقدون وتقرون ﴿أَنَّ مَعَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿آلِهَةً أُخْرَى﴾ يعني: الأصنام، إن كان الخطاب لأهل مكة، فإنهم أصحاب أوثان، وإن كان لجميع المشركين، فالآلهة كل ما عبد من دون الله تعالى من وثن أو كوكب أو نار أو آدمي، وإنما قال: ﴿أُخْرَى﴾ بتأنيث الصفة وإفرادها؛ لأن ما لا يعقل يعامل جمعه معاملة المؤنثة الواحدة، كما قال بعضهم:
وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لاَ يَعْقِلُ | الأَفْصَحُ الإِفْرَادُ فِيْهِ يَا فُلُ |
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
243
نظير قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾، ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ ولم يقل: الأول، ولا الأولين.
﴿قُل﴾ لهم يا محمد ﴿لَا أَشْهَدُ﴾ بما تشهدون به من أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكر ﴿قُلْ﴾ لهم ﴿إِنَّمَا هُوَ﴾؛ أي: ما المستحق العبادة مني ومنكم إلا ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ ومعبود منفرد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له، وبذلك أشهد لا بما شهدتم، بل أتبرأ من ذلك، وكرر: ﴿قُلْ﴾ تأكيدًا للكلام. ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ به؛ أي: وأنا بريء من كل شيء تعبدونه سوى الله تعالى، وهذه الجملة كالتوكيد لما قبلها. وفي هذه (١) الآية دليل على إثبات التوحيد لله عز وجل وإبطال كل معبود سواه؛ لأن كلمة: ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر، ولفظة الواحد صريح في التوحيد، ونفي الشريك، فثبت بذلك إيجاب التوحيد وسلب كل شريك، والتبرؤ من كل معبود سوى الله تعالى. قال العلماء: يستحب لكل من أسلم أن يأتي بالشهادتين، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾. ونص (٢) الشافعي على استحباب ضمِّ التبرؤ إلى الشهادة؛ لأن الله تعالى لما صرح بالتوحيد.. قال: ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾.
٢٠ - ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾؛ أي: الذين أعطيناهم الكتب السالفة، وهم علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن النبي - ﷺ - ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾؛ أي: يعرفون محمدًا - ﷺ - من جهة الكتابين بصفته المذكورة فيهما ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ بصفاتهم، فإنهم كذبوا في قولهم: إنا لا نعرف محمدًا في كتابنا. وذلك أن كفار مكة لما قالوا للنبي - ﷺ -: إنا سألنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، وأنكروا معرفته.. بين الله عز وجل أن شهادته كافية على صحة نبوته، وبين في هذه الآية أنهم يعرفونه، وأنهم كذبوا في قولهم: إنهم لا يعرفونه. وروي أن النبي - ﷺ - لما قدم المدينة، وأسلم عبد الله بن سلام.. قال له عمر بن الخطاب: إن الله عز وجل أنزل على نبيه محمد - ﷺ - بمكة ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا
﴿قُل﴾ لهم يا محمد ﴿لَا أَشْهَدُ﴾ بما تشهدون به من أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكر ﴿قُلْ﴾ لهم ﴿إِنَّمَا هُوَ﴾؛ أي: ما المستحق العبادة مني ومنكم إلا ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ ومعبود منفرد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له، وبذلك أشهد لا بما شهدتم، بل أتبرأ من ذلك، وكرر: ﴿قُلْ﴾ تأكيدًا للكلام. ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ به؛ أي: وأنا بريء من كل شيء تعبدونه سوى الله تعالى، وهذه الجملة كالتوكيد لما قبلها. وفي هذه (١) الآية دليل على إثبات التوحيد لله عز وجل وإبطال كل معبود سواه؛ لأن كلمة: ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر، ولفظة الواحد صريح في التوحيد، ونفي الشريك، فثبت بذلك إيجاب التوحيد وسلب كل شريك، والتبرؤ من كل معبود سوى الله تعالى. قال العلماء: يستحب لكل من أسلم أن يأتي بالشهادتين، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾. ونص (٢) الشافعي على استحباب ضمِّ التبرؤ إلى الشهادة؛ لأن الله تعالى لما صرح بالتوحيد.. قال: ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾.
٢٠ - ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾؛ أي: الذين أعطيناهم الكتب السالفة، وهم علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن النبي - ﷺ - ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾؛ أي: يعرفون محمدًا - ﷺ - من جهة الكتابين بصفته المذكورة فيهما ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ بصفاتهم، فإنهم كذبوا في قولهم: إنا لا نعرف محمدًا في كتابنا. وذلك أن كفار مكة لما قالوا للنبي - ﷺ -: إنا سألنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، وأنكروا معرفته.. بين الله عز وجل أن شهادته كافية على صحة نبوته، وبين في هذه الآية أنهم يعرفونه، وأنهم كذبوا في قولهم: إنهم لا يعرفونه. وروي أن النبي - ﷺ - لما قدم المدينة، وأسلم عبد الله بن سلام.. قال له عمر بن الخطاب: إن الله عز وجل أنزل على نبيه محمد - ﷺ - بمكة ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا
(١) الخازن.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني، ولأنا أشد معرفة بمحمد - ﷺ - مني بابني، فقال عمر: وكيف ذاك؟ قال: أشهد أنه رسول الله حقًّا ولا أدري ما يصنع النساء.
﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وغبنوا ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وأوبقوها وأهلكوها في نار جهنم بإنكارهم نبوة محمد - ﷺ - من جميع المشركين وكفار أهل الكتاب، والموصول مبتدأ خبره قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، ودخلت الفاء عليه لشبه المبتدأ بالشرط في العموم؛ أي: فهم يؤثرون مالهم من الجاه والمكانة والرياسة في قومهم على الإيمان بالرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم، علمًا منهم بأنهم إذا آمنوا.. سلبوا الرياسة، وجعلوا مساوين لسائر المسلمين في سائر الأحكام والمعاملات. وكذلك كان بعض رؤساء قريش يعز عليه أن يؤمن فيكون تابعًا ومرؤوسًا، ويكون مثله مثل بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وغيرهما من فقراء المسلمين. فهؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية خسروا أنفسهم لضعف إرادتهم، لا لفقدان العلم والمعرفة؛ لأن الله أخبر عنهم أنهم على علم ومعرفة. ومعنى (١) هذا الخسران كما قاله جمهور المفسرين: أن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلًا في الجنة، ومنزلًا في النار، فإذا كان يوم القيامة جعل الله سبحانه وتعالى للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار.
٢١ - وبعد أن ذكر أن إنكار نبوة محمد - ﷺ - خسران للنفس.. ذكر أن الافتراء على الله ظلم لها ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾، والاستفهام في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ للإنكار بمعنى النفي؛ أي: لا أحد أشد ظلمًا وأكثر عنادًا وأخطأ فعلًا وأعظم كفرًا ﴿مِمَّنِ افْتَرَى﴾ واختلق ﴿عَلَى اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كَذِبًا﴾ كمن زعم أن له ولدًا أو شريكًا أو أن غيره يدعى معه أو من دونه أو يتخذ وليًّا له يقربه إليه زلفى ويشفع للناس عنده، أو زاد في دينه ما ليس منه ﴿أَوْ﴾ ممن ﴿كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ سبحانه وتعالى المنزلة كالقرآن، أو آياته الكونية الدالة على وحدانيته أو التي يؤيد بها رسله. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا﴾ هم مشركو العرب،
﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وغبنوا ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وأوبقوها وأهلكوها في نار جهنم بإنكارهم نبوة محمد - ﷺ - من جميع المشركين وكفار أهل الكتاب، والموصول مبتدأ خبره قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، ودخلت الفاء عليه لشبه المبتدأ بالشرط في العموم؛ أي: فهم يؤثرون مالهم من الجاه والمكانة والرياسة في قومهم على الإيمان بالرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم، علمًا منهم بأنهم إذا آمنوا.. سلبوا الرياسة، وجعلوا مساوين لسائر المسلمين في سائر الأحكام والمعاملات. وكذلك كان بعض رؤساء قريش يعز عليه أن يؤمن فيكون تابعًا ومرؤوسًا، ويكون مثله مثل بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وغيرهما من فقراء المسلمين. فهؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية خسروا أنفسهم لضعف إرادتهم، لا لفقدان العلم والمعرفة؛ لأن الله أخبر عنهم أنهم على علم ومعرفة. ومعنى (١) هذا الخسران كما قاله جمهور المفسرين: أن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلًا في الجنة، ومنزلًا في النار، فإذا كان يوم القيامة جعل الله سبحانه وتعالى للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار.
٢١ - وبعد أن ذكر أن إنكار نبوة محمد - ﷺ - خسران للنفس.. ذكر أن الافتراء على الله ظلم لها ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾، والاستفهام في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ للإنكار بمعنى النفي؛ أي: لا أحد أشد ظلمًا وأكثر عنادًا وأخطأ فعلًا وأعظم كفرًا ﴿مِمَّنِ افْتَرَى﴾ واختلق ﴿عَلَى اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كَذِبًا﴾ كمن زعم أن له ولدًا أو شريكًا أو أن غيره يدعى معه أو من دونه أو يتخذ وليًّا له يقربه إليه زلفى ويشفع للناس عنده، أو زاد في دينه ما ليس منه ﴿أَوْ﴾ ممن ﴿كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ سبحانه وتعالى المنزلة كالقرآن، أو آياته الكونية الدالة على وحدانيته أو التي يؤيد بها رسله. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا﴾ هم مشركو العرب،
(١) المراح.
وقوله: ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ هم أهل الكتابين الذين أنكروا معرفته، وكذبوا قوله: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾. وإذا كان كل من التكذيب والكذب والافتراء قد بلغ غاية القبح، وصاحبه يعد مفتريًا ظالمًا.. فما حال من جمع بينهما فكذب على الله، وكذب بآياته المثبتة للتوحيد والمثبتة للرسالة. ثم بيَّن سبحانه وتعالى عاقبة الظالمين وسوء منقلبهم، فقال: ﴿إِنَّهُ﴾ أي إن الشأن والحال ﴿لَا يُفْلِحُ﴾ ولا يظفر ﴿الظَّالِمُونَ﴾ عامة؛ أي: إن الظالمين عامة لا يفوزون في عاقبة أمرهم يوم الحساب والجزاء بالنجاة من عذاب الله تعالى، ولا بالفوز بنعيم الجنة بمعنى: أنهم لا ينجون من مكروه، ولا يفوزون بمطلوب، فكيف تكون عاقبة من افترى على الله الكذب وكذب بآياته، فكان أظلم الظالمين.
والخلاصة: أنه لا ينجح القائلون على الله الكذب، والمفترون على الله الباطل، كقول كفار مكة: هذه الأصنام شركاء لله، والله أمرنا بعبادتها، وقولهم: إن الملائكة بنات الله، وقولهم: أمرنا الله بتحريم البحائر والسوائب، وكقول اليهود والنصارى: حصل في التوراة والإنجيل أن هاتين الشريعتين لا يتطرق إليهما النسخ، ولا يجيء بعدهما نبي، وكقول المشركين: القرآن سحر، أو شعر، أو كهانة.
٢٢ - ثم بين الله سبحانه وتعالى أن المفترين على الله الكذب يسألون يوم القيامة سؤال توبيخ وإنكار على ما اجترحوا، فقال: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾؛ أي: واذكر لهم يا محمد قصة يوم نحشر ونجمع العابدين والمعبودين جميعًا وسائر الناس على اختلاف درجاتهم في ظلم أنفسهم وظلم غيرها، وهو يوم القيامة. ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ خاصة على رؤوس الأشهاد للتوبيخ وهم أشدهم ظلمًا ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَزْعُمُونَ﴾ وتظنون أنها أولياؤكم من دون الله تعالى، تستعينون بهم كما يستعان به، ويدعون كما يدعى، وأنهم يقربونكم إليه زلفى، ويشفعون لكم عنده، فأين ضلوا عنكم، فلا يرون معكم كما جاء في آية أخرى: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾. ولعله (١) يحال بينهم وبين آلهتهم حينئذ ليفقدوها في الساعة
والخلاصة: أنه لا ينجح القائلون على الله الكذب، والمفترون على الله الباطل، كقول كفار مكة: هذه الأصنام شركاء لله، والله أمرنا بعبادتها، وقولهم: إن الملائكة بنات الله، وقولهم: أمرنا الله بتحريم البحائر والسوائب، وكقول اليهود والنصارى: حصل في التوراة والإنجيل أن هاتين الشريعتين لا يتطرق إليهما النسخ، ولا يجيء بعدهما نبي، وكقول المشركين: القرآن سحر، أو شعر، أو كهانة.
٢٢ - ثم بين الله سبحانه وتعالى أن المفترين على الله الكذب يسألون يوم القيامة سؤال توبيخ وإنكار على ما اجترحوا، فقال: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾؛ أي: واذكر لهم يا محمد قصة يوم نحشر ونجمع العابدين والمعبودين جميعًا وسائر الناس على اختلاف درجاتهم في ظلم أنفسهم وظلم غيرها، وهو يوم القيامة. ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ خاصة على رؤوس الأشهاد للتوبيخ وهم أشدهم ظلمًا ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَزْعُمُونَ﴾ وتظنون أنها أولياؤكم من دون الله تعالى، تستعينون بهم كما يستعان به، ويدعون كما يدعى، وأنهم يقربونكم إليه زلفى، ويشفعون لكم عنده، فأين ضلوا عنكم، فلا يرون معكم كما جاء في آية أخرى: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾. ولعله (١) يحال بينهم وبين آلهتهم حينئذ ليفقدوها في الساعة
(١) البيضاوي.
التي علقوا بها الرجاء فيها، ويحتمل أنهم يشاهدونهم، ولكن لما لم ينفعوهم.. فكأنهم غيب عنهم. وقال ابن (١) عباس: وكل زعم في كتاب الله، فهو كذب.
وعطف (٢) بـ ﴿ثم﴾ الدالة على التراخي نظرًا للتراخي الحاصل بين مقامات يوم القيامة في المواقف، فإن فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخٍ على حسب طول ذلك اليوم.
وقرأ الجمهور: ﴿نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ﴾ بالنون فيهما. وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء. وقرأ أبو هريرة: ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾ بكسر الشين.
٢٣ - ثم أخبر سبحانه وتعالى بأنهم يوم القيامة ينكرون ذلك الشرك، فقال: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾، والفتنة هنا: الشرك، ولكنه على حذف مضاف؛ أي: ثم لم تكن عاقبة فتنتهم وشركهم ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾؛ أي: إلا أن أقسموا بالله يوم القيامة بقولهم ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾، وذلك إذا شاهدوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى لأهل التوحيد، فيقول بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجو مع أهل التوحيد، فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم، وتشهد عليهم جوارحهم بالشرك والكفر. وظاهر (٣) الآيات يدل على أنهم كانوا ينكرون في بعض مواقف الحشر شركهم بالله توهمًا منهم أن ذلك ينفعهم كما جاء في هذه الآية، ويعترفون به في بعض آخر كما جاء في قوله: ﴿هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ﴾، وفي قوله: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾؛ لأن معناهما متعارضان، فقال: أما قوله: ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا: تعالوا لنجحد إشراكنا فـ ﴿قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم، وذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾.
قال الزجاج: تأويل هذه الآية حسن في اللغة العربية، لا يعرفه إلا من
وعطف (٢) بـ ﴿ثم﴾ الدالة على التراخي نظرًا للتراخي الحاصل بين مقامات يوم القيامة في المواقف، فإن فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخٍ على حسب طول ذلك اليوم.
وقرأ الجمهور: ﴿نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ﴾ بالنون فيهما. وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء. وقرأ أبو هريرة: ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾ بكسر الشين.
٢٣ - ثم أخبر سبحانه وتعالى بأنهم يوم القيامة ينكرون ذلك الشرك، فقال: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾، والفتنة هنا: الشرك، ولكنه على حذف مضاف؛ أي: ثم لم تكن عاقبة فتنتهم وشركهم ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾؛ أي: إلا أن أقسموا بالله يوم القيامة بقولهم ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾، وذلك إذا شاهدوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى لأهل التوحيد، فيقول بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجو مع أهل التوحيد، فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم، وتشهد عليهم جوارحهم بالشرك والكفر. وظاهر (٣) الآيات يدل على أنهم كانوا ينكرون في بعض مواقف الحشر شركهم بالله توهمًا منهم أن ذلك ينفعهم كما جاء في هذه الآية، ويعترفون به في بعض آخر كما جاء في قوله: ﴿هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ﴾، وفي قوله: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾؛ لأن معناهما متعارضان، فقال: أما قوله: ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا: تعالوا لنجحد إشراكنا فـ ﴿قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم، وذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾.
قال الزجاج: تأويل هذه الآية حسن في اللغة العربية، لا يعرفه إلا من
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
وقف على معاني كلام العرب، وذلك أنه تعالى بيَّن كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين في حبه، فذكر أن عاقبة كفرهم وشركهم الذي لزموه طول أعمارهم، وقاتلوا عليه، وافتخروا به، وقالوا: إنه دين آبائنا، لم تكن إلا جحوده، والتبرؤ منه، والحلف على عدم التدين به، ونظير هذا في اللغة أنك ترى إنسانًا يحب شخصًا غاويًا مذموم الطريقة، فإذا وقع في هلكة بسببه.. تبرأ منه فيقال له: ما كانت محبتك - عاقبة محبتك - لفلان إلا أن تبرأت منه وتركته انتهى. وعلى هذا فالفتنة: هي شركهم في الدنيا كما فسرها ابن عباس، ويكون في الكلام تقدير مضاف هو كلمة: عاقبة كما قدمنا ذلك. وقيل (١): المراد بالفتنة هنا: جوابهم؛ أي: لم يكن جوابهم إلا الجحود والتبرؤ، فكان هذا الجواب فتنة لكونه كذبًا.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي بالياء: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾. وقرأ أبي وابن مسعود والأعمش: ﴿وما كان فتنتهم﴾. وقرأ طلحة وابن مطرف: ﴿ثم ما كان﴾. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص: ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾ بالرفع. وقرأت فرقة: ﴿ثم لم يكن﴾ بالياء، و ﴿فتنتهم﴾ بالرفع، وإعراب هذه القراءات واضح، والبخاري منها على الأشهر قراءة: ﴿ثم لم يكن فتنتهم﴾ بالياء بالنصب؛ لأن أن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى المضمر، وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف.. فذكروا أن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم، وما دونه هو الخبر، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ وفي قوله: ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾. وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين: ﴿وَاللهِ رَبِّنَا﴾ برفع الاسمين، قال ابن عطية: وهذا على التقديم والتأخير؛ أي: قالوا: ما كنا مشركين، والله ربنا. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: ﴿ربَّنا﴾ بنصبه على النداء، أو المدح، والباقون بالكسر.
٢٤ - ﴿انْظُرْ﴾ يا محمد؛ أي: فكر وتأمل بعين البصيرة إلى حال هؤلاء المشركين
وقرأ الجمهور (٢): ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي بالياء: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾. وقرأ أبي وابن مسعود والأعمش: ﴿وما كان فتنتهم﴾. وقرأ طلحة وابن مطرف: ﴿ثم ما كان﴾. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص: ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾ بالرفع. وقرأت فرقة: ﴿ثم لم يكن﴾ بالياء، و ﴿فتنتهم﴾ بالرفع، وإعراب هذه القراءات واضح، والبخاري منها على الأشهر قراءة: ﴿ثم لم يكن فتنتهم﴾ بالياء بالنصب؛ لأن أن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى المضمر، وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف.. فذكروا أن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم، وما دونه هو الخبر، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ وفي قوله: ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾. وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين: ﴿وَاللهِ رَبِّنَا﴾ برفع الاسمين، قال ابن عطية: وهذا على التقديم والتأخير؛ أي: قالوا: ما كنا مشركين، والله ربنا. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: ﴿ربَّنا﴾ بنصبه على النداء، أو المدح، والباقون بالكسر.
٢٤ - ﴿انْظُرْ﴾ يا محمد؛ أي: فكر وتأمل بعين البصيرة إلى حال هؤلاء المشركين
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
248
﴿كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ الكذب الصريح بإنكار صدور الإشراك منهم في الدنيا؛ حيث قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾؛ أي: وانظر أيضًا كيف ضل وغاب عنهم ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي: يختلقون ويكذبون بألوهيته وشفاعته لهم من شركائهم وأصنامهم، فلم تغنِ عنهم شيئًا، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم، وهذا على جعل ﴿مَا﴾ موصولًا اسميًّا واقعة على الآلهة. ويحتمل أن تكون مصدرية، والمعنى عليه: انظر يا محمد كيف كذبوا باليمين الفاجرة بإنكار صدور ما صدر منهم في الدنيا من الإشراك، وكيف ضل وذهب عنهم افتراؤهم، وتلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من أن الشركاء يقربونهم إلى الله حتى نفوا صدوره منهم بتاتًا، وتبرؤوا منه غاية البراءة؟
وهذا تعجيب لرسول الله - ﷺ - من حالهم المختلفة ودعواهم المتناقضة.
وقال (١) مجاهد: إذا جمع الله الخلائق، ورأى المشركون سعة رحمة الله تعالى، وشفاعة رسوله - ﷺ - للمؤمنين قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد، فهذا قال الله لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ قالوا: واللهِ ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم، فتشهد عليهم جوارحهم.
فإن قلت (٢): كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟
قلتُ: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرةً ودهشًا، ألا تراهم يقولون: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا.. فإنا ظالمون، وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه، وقالوا: يا مالك ليقض علينا ربك، وقد علموا أنه لا يقضى عليهم.
الإعراب
{قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى
وهذا تعجيب لرسول الله - ﷺ - من حالهم المختلفة ودعواهم المتناقضة.
وقال (١) مجاهد: إذا جمع الله الخلائق، ورأى المشركون سعة رحمة الله تعالى، وشفاعة رسوله - ﷺ - للمؤمنين قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد، فهذا قال الله لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ قالوا: واللهِ ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم، فتشهد عليهم جوارحهم.
فإن قلت (٢): كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟
قلتُ: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرةً ودهشًا، ألا تراهم يقولون: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا.. فإنا ظالمون، وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه، وقالوا: يا مالك ليقض علينا ربك، وقد علموا أنه لا يقضى عليهم.
الإعراب
{قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى
(١) النسفي.
(٢) البحر المحيط. [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نقله في البحر عن "الزمخشري" في الكشاف، ثم إنه قد وقع خلل طباعي في عزو الحواشي في هذه القطعة، وأصلحناه قدر الطاقة]
(٢) البحر المحيط. [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نقله في البحر عن "الزمخشري" في الكشاف، ثم إنه قد وقع خلل طباعي في عزو الحواشي في هذه القطعة، وأصلحناه قدر الطاقة]
249
يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢)}.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لِمَنْ﴾: ﴿اللام﴾ حرف جر. ﴿من﴾: اسم استفهام في محل الجر باللام، الجار والمجرور متعلق بمحذوف وجوبًا خبر مقدم لـ ﴿مَا﴾ الموصولة. ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿في السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور خبر لمحذوف تقديره: هو الله، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿كَتَبَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿كَتَبَ﴾. ﴿الرَّحْمَةَ﴾: مفعول به لـ ﴿كَتَبَ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة، أو في محل النصب حال من الجلالة. ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾: ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿يجمعن﴾: فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على الله، والكاف: ضمير المخاطبين في محل النصب مفعول به. ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بيجمع، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. وقيل (١): موضعه نصب بدلًا من ﴿الرَّحْمَةَ﴾. ﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن. ﴿رَيْبَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل النصب حال من ﴿يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ أول. ﴿خَسِرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿فَهُمْ﴾: الفاء: رابطة الخبر بالمبتدأ لشبه المبتدأ بالشرط، ﴿هم﴾: مبتدأ ثانٍ، وجملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ الثاني،
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لِمَنْ﴾: ﴿اللام﴾ حرف جر. ﴿من﴾: اسم استفهام في محل الجر باللام، الجار والمجرور متعلق بمحذوف وجوبًا خبر مقدم لـ ﴿مَا﴾ الموصولة. ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿في السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور خبر لمحذوف تقديره: هو الله، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿كَتَبَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿كَتَبَ﴾. ﴿الرَّحْمَةَ﴾: مفعول به لـ ﴿كَتَبَ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة، أو في محل النصب حال من الجلالة. ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾: ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿يجمعن﴾: فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على الله، والكاف: ضمير المخاطبين في محل النصب مفعول به. ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بيجمع، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. وقيل (١): موضعه نصب بدلًا من ﴿الرَّحْمَةَ﴾. ﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن. ﴿رَيْبَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل النصب حال من ﴿يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ أول. ﴿خَسِرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿فَهُمْ﴾: الفاء: رابطة الخبر بالمبتدأ لشبه المبتدأ بالشرط، ﴿هم﴾: مبتدأ ثانٍ، وجملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ الثاني،
(١) العكبري.
250
والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره جملة كبرى في ضمنها جملة صغرى مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)﴾.
﴿وَلَهُ﴾ الواو: استئنافية. ﴿له﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة وفي (١) "السمين ": قوله: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾ جملة اسمية فيها قولان: أظهرهما: أنها مستأنفة إخبارًا بذلك، والثاني: أنها في محل النصب معطوفة على قوله: ﴿لله﴾؛ أي: على الجملة المحكية بـ ﴿قل﴾؛ أي: قل: هو لله، وقيل: له ما سكن. ﴿سَكَنَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿في اللَّيْلِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿سَكَنَ﴾. ﴿وَالنَّهَارِ﴾: معطوف على الليل، ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿السَّمِيعُ﴾ خبر أول. ﴿الْعَلِيمُ﴾: خبر ثانٍ، أو صفة لـ ﴿السَّمِيعُ﴾، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، أو مستأنفة.
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَغَيْرَ اللهِ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري حقها أن تدخل على اتخذ، ولكن (٢) لما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليًّا، لا لاتخاذ الولي مطلقًا.. دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل، والمراد بالولي هنا: المعبود؛ أي: كيف اتخذ غير الله معبودًا. ﴿غير الله﴾: مفعول أول ومضاف إليه. ﴿أَتَّخِذُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿وَلِيًّا﴾: مفعول ثانٍ له، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ويجوز (٣) أن يكون اتخذ متعديًا إلى واحد، وهو: وليًّا، و ﴿غير الله﴾ صفة له قدمت عليه فصارت حالًا، ولا يجوز
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)﴾.
﴿وَلَهُ﴾ الواو: استئنافية. ﴿له﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة وفي (١) "السمين ": قوله: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾ جملة اسمية فيها قولان: أظهرهما: أنها مستأنفة إخبارًا بذلك، والثاني: أنها في محل النصب معطوفة على قوله: ﴿لله﴾؛ أي: على الجملة المحكية بـ ﴿قل﴾؛ أي: قل: هو لله، وقيل: له ما سكن. ﴿سَكَنَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿في اللَّيْلِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿سَكَنَ﴾. ﴿وَالنَّهَارِ﴾: معطوف على الليل، ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿السَّمِيعُ﴾ خبر أول. ﴿الْعَلِيمُ﴾: خبر ثانٍ، أو صفة لـ ﴿السَّمِيعُ﴾، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، أو مستأنفة.
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَغَيْرَ اللهِ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري حقها أن تدخل على اتخذ، ولكن (٢) لما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليًّا، لا لاتخاذ الولي مطلقًا.. دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل، والمراد بالولي هنا: المعبود؛ أي: كيف اتخذ غير الله معبودًا. ﴿غير الله﴾: مفعول أول ومضاف إليه. ﴿أَتَّخِذُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿وَلِيًّا﴾: مفعول ثانٍ له، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ويجوز (٣) أن يكون اتخذ متعديًا إلى واحد، وهو: وليًّا، و ﴿غير الله﴾ صفة له قدمت عليه فصارت حالًا، ولا يجوز
(١) الفتوحات.
(٢) الشوكاني.
(٣) العكبري.
(٢) الشوكاني.
(٣) العكبري.
251
أن تكون غير هنا استثناء. ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ﴾: بدل من الجلالة ومضاف إليه، أو صفة له، وقد تعرف بالإضافة؛ لأنه بمعنى الماضي. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾. ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿يُطْعِمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في مجل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُطْعِمُ﴾.
﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنِّي﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿أُمِرْتُ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾ تقديره: إني مأمور بأن أكون، وجملة ﴿إنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُل﴾. ﴿أنْ أَكُونَ﴾: ناصب وفعل مضارع، واسمه ضمير يعود على محمد. ﴿أَوَّلَ مَنْ﴾: خبر ﴿أَكُونَ﴾، ومضاف إليه، وجملة ﴿أَنْ أَكُونَ﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء المقدرة تقديره: قل إني أمرت بكوني أول من أسلم. ﴿أَسْلَمَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿وَلَا﴾: الواو: عاطفة. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿لا﴾ الناهية مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير يعود على محمد. ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿تَكُونَنَّ﴾، وجملة ﴿تَكُونَنَّ﴾ في محل الجر معطوفة على جملة قوله: ﴿أَنْ أَكُونَ﴾، والتقدير: إني مأمور بكوني أول من أسلم، وبعدم كوني من المشركين. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ﴾ معطوف على ﴿أُمِرْتُ﴾ بتقدير عامل؛ أي: وقيل لي: ولا تكونن من المشركين، والمعني: إني أمرت بما ذكر، ونهيت عن الإشراك. اهـ شيخنا.
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {إِنِّي
﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنِّي﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿أُمِرْتُ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾ تقديره: إني مأمور بأن أكون، وجملة ﴿إنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُل﴾. ﴿أنْ أَكُونَ﴾: ناصب وفعل مضارع، واسمه ضمير يعود على محمد. ﴿أَوَّلَ مَنْ﴾: خبر ﴿أَكُونَ﴾، ومضاف إليه، وجملة ﴿أَنْ أَكُونَ﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء المقدرة تقديره: قل إني أمرت بكوني أول من أسلم. ﴿أَسْلَمَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿وَلَا﴾: الواو: عاطفة. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿لا﴾ الناهية مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير يعود على محمد. ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿تَكُونَنَّ﴾، وجملة ﴿تَكُونَنَّ﴾ في محل الجر معطوفة على جملة قوله: ﴿أَنْ أَكُونَ﴾، والتقدير: إني مأمور بكوني أول من أسلم، وبعدم كوني من المشركين. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ﴾ معطوف على ﴿أُمِرْتُ﴾ بتقدير عامل؛ أي: وقيل لي: ولا تكونن من المشركين، والمعني: إني أمرت بما ذكر، ونهيت عن الإشراك. اهـ شيخنا.
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {إِنِّي
252
أَخَافُ} إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إنّ﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنْ﴾ وجملة ﴿إِنْ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿إِنْ﴾ حرف شرط. ﴿عَصَيْتُ رَبِّي﴾: فعل وفاعل ومفعول ومضاف إليه، في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها، وجواب ﴿إِنْ﴾ معلوم مما قبلها تقديره: إن عصيت ربي.. أخاف عذاب يوم عظيم، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية جملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين الفعل الذي هو أخاف ومفعوله الذي هو عذاب يوم عظيم. ﴿عَذَابَ﴾ مفعول ﴿أَخَافُ﴾، وهو مضاف. و ﴿يَوْمٍ﴾: مضاف إليه. ﴿عَظِيمٍ﴾: صفة لـ ﴿يَوْمٍ﴾.
﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)﴾.
﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما ﴿يُصْرَفْ﴾: فعل مضارع مجهول أو معلوم، مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ونائب فاعله ضمير يعود على العذاب، أو فاعله ضمير يعود على الله؛ أي: أيُّ شخص يصرف العذاب عنه، أو: أيَّ شخص يصرف الله العذاب عنه ﴿عَنْهُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُصْرَفْ﴾. وكذا الظرف في قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ متعلق به. ﴿فَقَدْ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكونه مقرونًا بـ ﴿قد﴾. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿رَحِمَهُ﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿وَذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الْفَوْزُ﴾: خبره. ﴿الْمُبِينُ﴾: صفة لـ ﴿الْفَوْزُ﴾، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة ﴿من﴾ الشرطية على كونها مستأنفة.
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿يَمْسَسْكَ الله﴾: فعل ومفعول وفاعل، مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها. ﴿بِضُرٍّ﴾:
﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)﴾.
﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما ﴿يُصْرَفْ﴾: فعل مضارع مجهول أو معلوم، مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ونائب فاعله ضمير يعود على العذاب، أو فاعله ضمير يعود على الله؛ أي: أيُّ شخص يصرف العذاب عنه، أو: أيَّ شخص يصرف الله العذاب عنه ﴿عَنْهُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُصْرَفْ﴾. وكذا الظرف في قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ متعلق به. ﴿فَقَدْ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكونه مقرونًا بـ ﴿قد﴾. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿رَحِمَهُ﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿وَذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الْفَوْزُ﴾: خبره. ﴿الْمُبِينُ﴾: صفة لـ ﴿الْفَوْزُ﴾، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة ﴿من﴾ الشرطية على كونها مستأنفة.
﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿يَمْسَسْكَ الله﴾: فعل ومفعول وفاعل، مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها. ﴿بِضُرٍّ﴾:
253
جار ومجرور متعلق به. ﴿فَلَا﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿لا﴾: نافية للجنس تعمل عمل إن. ﴿كَاشِفَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿لا﴾ تقديره: فلا كاشف له موجود. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر ﴿لا﴾ تقديره: فلا كاشف له موجود هو إلا هو سبحانه وتعالى. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿إِلَّا هُوَ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنه بدل من محل ﴿لا كاشف﴾، فإن محله الرفع على الابتداء.
والثاني: أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر اهـ "كرخي". وجملة ﴿لا﴾ النافية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ﴾: الواو: عاطفة ﴿يَمْسَسْكَ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿بِخَيْرٍ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿فَهُوَ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿هو﴾: مبتدأ. ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾. ﴿قَدِيرٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إن﴾ الأولى. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾ جوابه محذوف تقديره: فلا راد له غيره كما في آية يونس: ﴿وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾، وقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تعليل لكل من الجوابين المذكور في الشرطية الأولى، والمحذوف في الثانية. اهـ.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف إما متعلق بـ ﴿الْقَاهِرُ﴾، أو متعلق بمحذوف خبر ثانٍ لـ ﴿وَهُوَ﴾، أو حال من الضمير في ﴿الْقَاهِرُ﴾، والتقدير: وهو القاهر حالة كونه مستعليًا أو غالبًا فوق عباده ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾: مبتدأ وخبر أول ﴿الْخَبِيرُ﴾ خبر ثانٍ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.
أحدهما: أنه بدل من محل ﴿لا كاشف﴾، فإن محله الرفع على الابتداء.
والثاني: أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر اهـ "كرخي". وجملة ﴿لا﴾ النافية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ﴾: الواو: عاطفة ﴿يَمْسَسْكَ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿بِخَيْرٍ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿فَهُوَ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿هو﴾: مبتدأ. ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾. ﴿قَدِيرٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إن﴾ الأولى. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾ جوابه محذوف تقديره: فلا راد له غيره كما في آية يونس: ﴿وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾، وقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تعليل لكل من الجوابين المذكور في الشرطية الأولى، والمحذوف في الثانية. اهـ.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف إما متعلق بـ ﴿الْقَاهِرُ﴾، أو متعلق بمحذوف خبر ثانٍ لـ ﴿وَهُوَ﴾، أو حال من الضمير في ﴿الْقَاهِرُ﴾، والتقدير: وهو القاهر حالة كونه مستعليًا أو غالبًا فوق عباده ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾: مبتدأ وخبر أول ﴿الْخَبِيرُ﴾ خبر ثانٍ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.
254
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد والجملة مستأنفة. ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَيُّ﴾: اسم استفهام مبتدأ مرفوع. و ﴿شَيْءٍ﴾: مضاف إليه لـ ﴿أَيُّ﴾ ﴿أَكْبَرُ﴾: خبر المبتدأ. ﴿شَهَادَةً﴾: تمييز محول عن المبتدأ، والأصل: شهادة أي شيء أكبر، أو: أي شيء شهادته أكبر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ إلى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، خبره محذوف؛ أي: الله أكبر شهادة، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلِ﴾. ﴿شَهِيدٌ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو شهيد، والجملة في محل النصب مقول لي ﴿قُلِ﴾. ﴿بَيْنِي﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿شَهِيدٌ﴾. ﴿وَبَيْنَكُمْ﴾: معطوف على ﴿بَيْنِي﴾. ﴿وَأُوحِيَ﴾: الواو: عاطفة ﴿أوحي﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿إِلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿هَذَا الْقُرْآنُ﴾: نائب فاعل لـ ﴿أوحي﴾ وبدل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية على كونها مقولا لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾: اللام: لام كي. ﴿أنذركم﴾ فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنذر﴾. ﴿وَمَنْ﴾: الواو: عاطفة. ﴿من﴾: اسم موصول في محل النصب معطوف على الكاف في ﴿أنذركم﴾. ﴿بَلَغَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على القرآن، والعائد محذوف تقديره: ومن بلغه القرآن، وجملة ﴿بَلَغَ﴾ صلة ﴿من﴾ الموصولة، وجملة ﴿أنذر﴾ من الفعل والفاعل صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي تقديره: لإنذاري إياكم به، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿أوحى﴾. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه في محل نصب عطفًا على المنصوب في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾ وتكون ﴿من﴾ موصولة، والعائد عليها من صلتها محذوف؛ أي: ولأنذر الذي بلغه القرآن.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد والجملة مستأنفة. ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَيُّ﴾: اسم استفهام مبتدأ مرفوع. و ﴿شَيْءٍ﴾: مضاف إليه لـ ﴿أَيُّ﴾ ﴿أَكْبَرُ﴾: خبر المبتدأ. ﴿شَهَادَةً﴾: تمييز محول عن المبتدأ، والأصل: شهادة أي شيء أكبر، أو: أي شيء شهادته أكبر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ إلى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ، خبره محذوف؛ أي: الله أكبر شهادة، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلِ﴾. ﴿شَهِيدٌ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو شهيد، والجملة في محل النصب مقول لي ﴿قُلِ﴾. ﴿بَيْنِي﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿شَهِيدٌ﴾. ﴿وَبَيْنَكُمْ﴾: معطوف على ﴿بَيْنِي﴾. ﴿وَأُوحِيَ﴾: الواو: عاطفة ﴿أوحي﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿إِلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿هَذَا الْقُرْآنُ﴾: نائب فاعل لـ ﴿أوحي﴾ وبدل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية على كونها مقولا لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾: اللام: لام كي. ﴿أنذركم﴾ فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنذر﴾. ﴿وَمَنْ﴾: الواو: عاطفة. ﴿من﴾: اسم موصول في محل النصب معطوف على الكاف في ﴿أنذركم﴾. ﴿بَلَغَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على القرآن، والعائد محذوف تقديره: ومن بلغه القرآن، وجملة ﴿بَلَغَ﴾ صلة ﴿من﴾ الموصولة، وجملة ﴿أنذر﴾ من الفعل والفاعل صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي تقديره: لإنذاري إياكم به، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿أوحى﴾. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه في محل نصب عطفًا على المنصوب في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾ وتكون ﴿من﴾ موصولة، والعائد عليها من صلتها محذوف؛ أي: ولأنذر الذي بلغه القرآن.
255
والثاني: أن في ﴿بَلَغَ﴾ ضميرًا مرفوعًا يعود على ﴿من﴾، ويكون المفعول محذوفًا وهو منصوب المحل أيضًا عطفًا على مفعول ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾، والتقدير: ولأنذر الذي بلغ الحلم، والعائد هنا مستقر في الفعل.
والثالث: أن ﴿من﴾ مرفوعة المحل عطفًا على الضمير المرفوع في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾، وجاز ذلك؛ لأن الفصل بالمفعول، والجار والمجرور أغنى عن تأكيده، والتقدير: لأنذركم به ولينذركم الذي بلغه القرآن. اهـ "سمين".
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩)﴾.
﴿أَئِنَّكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري كما سبق في بحث التفسير. ﴿إنكم﴾: ناصب ومنصوب. ﴿لَتَشْهَدُونَ﴾: اللام: لام الابتداء المؤكدة زحلقت إلى خبر ﴿إن﴾ ﴿تشهدون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ التقدير: أئنكم لشاهدون، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب. ﴿مَعَ اللهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، خبر مقدم لـ ﴿أن﴾. ﴿آلِهَةً﴾: اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر عن الخبر. ﴿أُخْرَى﴾: صفة لـ ﴿آلِهَةً﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿لَتَشْهَدُونَ﴾؛ أي: لتشهدون كون آلهة أخرى مع الله. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لا أَشْهَدُ﴾: مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَشْهَدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر. ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿إِلَهٌ﴾: خبره. ﴿وَاحِدٌ﴾: صفة لـ ﴿إله﴾، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿وَإِنَّنِي﴾: الواو: عاطفة. ﴿إن﴾: حرف نصب، والنون للوقاية، والياء ضمير المتكلم في محل النصب اسمها. ﴿بَرِيءٌ﴾: خبر ﴿إن﴾. ﴿مِمَّا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بَرِيءٌ﴾. ﴿تُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية أو الموصولة، والعائد حينئذ
والثالث: أن ﴿من﴾ مرفوعة المحل عطفًا على الضمير المرفوع في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾، وجاز ذلك؛ لأن الفصل بالمفعول، والجار والمجرور أغنى عن تأكيده، والتقدير: لأنذركم به ولينذركم الذي بلغه القرآن. اهـ "سمين".
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩)﴾.
﴿أَئِنَّكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري كما سبق في بحث التفسير. ﴿إنكم﴾: ناصب ومنصوب. ﴿لَتَشْهَدُونَ﴾: اللام: لام الابتداء المؤكدة زحلقت إلى خبر ﴿إن﴾ ﴿تشهدون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ التقدير: أئنكم لشاهدون، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب. ﴿مَعَ اللهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، خبر مقدم لـ ﴿أن﴾. ﴿آلِهَةً﴾: اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر عن الخبر. ﴿أُخْرَى﴾: صفة لـ ﴿آلِهَةً﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿لَتَشْهَدُونَ﴾؛ أي: لتشهدون كون آلهة أخرى مع الله. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لا أَشْهَدُ﴾: مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَشْهَدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر. ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿إِلَهٌ﴾: خبره. ﴿وَاحِدٌ﴾: صفة لـ ﴿إله﴾، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿وَإِنَّنِي﴾: الواو: عاطفة. ﴿إن﴾: حرف نصب، والنون للوقاية، والياء ضمير المتكلم في محل النصب اسمها. ﴿بَرِيءٌ﴾: خبر ﴿إن﴾. ﴿مِمَّا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بَرِيءٌ﴾. ﴿تُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية أو الموصولة، والعائد حينئذ
256
محذوف تقديره: مما تشركونه، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قل﴾.
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان؛ لأن آتى بمعنى: أعطى، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿كَمَا﴾: الكاف: حرف جر وتنبيه. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿يَعْرِفُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿أَبْنَاءَهُمُ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدرية ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كمعرفتهم أبناءهم، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: معرفة كائنة كمعرفتهم أبناءهم. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول ﴿فَهُمْ﴾: الفاء: رابطة الخبر لشبه المبتدأ بالشرط. ﴿هم﴾: مبتدأ ثان. وجملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره خبر للأول، وجملة الأول مستأنفة.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿من﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَظْلَمُ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿مِمَّنِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَظْلَمُ﴾. ﴿افْتَرَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَى اللهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿افْتَرَى﴾. ﴿كَذِبًا﴾: مفعول ﴿افْتَرَى﴾. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل. ﴿كَذَّب﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿افْتَرَى﴾. ﴿بِآيَاتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبَ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب ومنصوب. ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ من اسمها وخبرها مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان؛ لأن آتى بمعنى: أعطى، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿كَمَا﴾: الكاف: حرف جر وتنبيه. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿يَعْرِفُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿أَبْنَاءَهُمُ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدرية ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كمعرفتهم أبناءهم، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: معرفة كائنة كمعرفتهم أبناءهم. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول ﴿فَهُمْ﴾: الفاء: رابطة الخبر لشبه المبتدأ بالشرط. ﴿هم﴾: مبتدأ ثان. وجملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره خبر للأول، وجملة الأول مستأنفة.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿من﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَظْلَمُ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿مِمَّنِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَظْلَمُ﴾. ﴿افْتَرَى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَى اللهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿افْتَرَى﴾. ﴿كَذِبًا﴾: مفعول ﴿افْتَرَى﴾. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل. ﴿كَذَّب﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿افْتَرَى﴾. ﴿بِآيَاتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبَ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب ومنصوب. ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ من اسمها وخبرها مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
257
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.
﴿وَيَوْمَ﴾: الواو: استئنافية. ﴿يوم﴾: منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف جوازًا تقديره: واذكر لهم يا محمد قصة يوم نحشرهم. ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿جَمِيعًا﴾: حال من ضمير ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾، أو توكيد له عند من يقول التأكيد، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يوم﴾؛ ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿نَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة نحشرهم. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نَقُولُ﴾، ﴿أَشْرَكُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾: مقول محكي لـ ﴿نقول﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَيْنَ﴾: اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم. ﴿شُرَكَاؤُكُمُ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿نَقُولُ﴾. ﴿لِلَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع صفة لـ ﴿شُرَكَاؤُكُمُ﴾. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿تَزْعُمُونَ﴾: فعل، وفاعله ومفعولاه محذوفان تقديرهما: تزعمونهم شركائكم، وجملة ﴿تَزْعُمُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد الضمير المحذوف من ﴿تَزْعُمُونَ﴾.
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿تَكُنْ﴾: فعل ناقص مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾. ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾: اسمها ومضاف إليه. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ قَالُوا﴾: ناصب وفعل وفاعل، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على كونه اسمًا لـ ﴿تَكُنْ﴾ تقديره: ثم لم تكن عاقبة فتنتهم وشركهم إلا قولهم: واللهِ ربنا، وجملة ﴿لَمْ تَكُنْ﴾ معطوفة على جملة قوله ﴿ثم نقول﴾، ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾ وإن شئت قلت: ﴿وَاللهِ﴾: الواو: حرف جر وقسم. ﴿اللهِ﴾: مقسم به مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف تقديره: نقسم والله، وجملة القسم المحذوف في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿رَبِّنَا﴾: بدل من الجلالة أو عطف بيان منه. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿مُشْرِكِينَ﴾: خبر كان،
﴿وَيَوْمَ﴾: الواو: استئنافية. ﴿يوم﴾: منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف جوازًا تقديره: واذكر لهم يا محمد قصة يوم نحشرهم. ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿جَمِيعًا﴾: حال من ضمير ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾، أو توكيد له عند من يقول التأكيد، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يوم﴾؛ ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿نَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة نحشرهم. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نَقُولُ﴾، ﴿أَشْرَكُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾: مقول محكي لـ ﴿نقول﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَيْنَ﴾: اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم. ﴿شُرَكَاؤُكُمُ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿نَقُولُ﴾. ﴿لِلَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع صفة لـ ﴿شُرَكَاؤُكُمُ﴾. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿تَزْعُمُونَ﴾: فعل، وفاعله ومفعولاه محذوفان تقديرهما: تزعمونهم شركائكم، وجملة ﴿تَزْعُمُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد الضمير المحذوف من ﴿تَزْعُمُونَ﴾.
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿تَكُنْ﴾: فعل ناقص مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾. ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾: اسمها ومضاف إليه. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ قَالُوا﴾: ناصب وفعل وفاعل، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على كونه اسمًا لـ ﴿تَكُنْ﴾ تقديره: ثم لم تكن عاقبة فتنتهم وشركهم إلا قولهم: واللهِ ربنا، وجملة ﴿لَمْ تَكُنْ﴾ معطوفة على جملة قوله ﴿ثم نقول﴾، ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾ وإن شئت قلت: ﴿وَاللهِ﴾: الواو: حرف جر وقسم. ﴿اللهِ﴾: مقسم به مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف تقديره: نقسم والله، وجملة القسم المحذوف في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿رَبِّنَا﴾: بدل من الجلالة أو عطف بيان منه. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿مُشْرِكِينَ﴾: خبر كان،
258
وجملة كان في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ على كونها جواب القسم.
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب على الحال من فاعل ﴿كَذَبُوا﴾ والعامل فيه ﴿كَذَبُوا﴾ وصاحب الحال الواو في ﴿كَذَبُوا﴾ أي: جاحدين كذبوا على أنفسهم ﴿كَذَبُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَبُوا﴾، وجملة ﴿كَذَبُوا﴾ في محل النصب على أنها مفعول لـ ﴿انْظُرْ﴾، وكيف علقته عن العمل في لفظه. ﴿وَضَلَّ﴾: فعل ماضٍ. ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به. ﴿مَا﴾: موصولة أو مصدرية في محل الرفع فاعل لـ ﴿ضل﴾. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْتَرُونَ﴾ خبره، وجملة كان من اسمها وخبرها صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما كانوا يفترونه، أو صلة لما المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر على الفاعلية تقديره: وضل عنهم افتراؤهم، وجملة ﴿ضل﴾ معطوفة على جملة ﴿كَذَبُوا﴾. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿وَضَلَّ﴾ يجوز أن يكون نسقًا على كذبوا، فيكون داخلًا في حيز النظر، ويجوز أن يكون استئناف إخبار، فلا يدخل في حيز المنظور إليه، وقوله: ﴿مَا كَانُوا﴾ يجوز في ﴿مَا﴾ أن تكون مصدرية؛ أي: وضل عنهم افتراؤهم، وهو قول ابن عطية، ويجوز أن تكون موصولة اسمية؛ أي: وضل عنهم الذي كانوا يفترونه اهـ "سمين".
التصريف ومفردات اللغة
﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: يقال: كتب على نفسه يكتب من باب نصر؛ أي: أوجب إيجاب فضل وكرم، لا إيجاب لزوم، وقيل: كتب هنا بمعنى: وعد فضلًا وكرمًا، وقيل: بمعنى: سطر وخط؛ أي: أمر بالكتب في اللوح المحفوظ. وقال الزجاج: الرحمة: إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا، فلم يعاجلهم على كفرهم، وقيل: الرحمة لمن آمن وصدق الرسل.
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ قال السدي: سكن هنا من السكنى يقال: سكن في المكان يسكن من باب دخل سكنى إذا حل واستقر فيه، ولم يذكر الزمخشري
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب على الحال من فاعل ﴿كَذَبُوا﴾ والعامل فيه ﴿كَذَبُوا﴾ وصاحب الحال الواو في ﴿كَذَبُوا﴾ أي: جاحدين كذبوا على أنفسهم ﴿كَذَبُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَبُوا﴾، وجملة ﴿كَذَبُوا﴾ في محل النصب على أنها مفعول لـ ﴿انْظُرْ﴾، وكيف علقته عن العمل في لفظه. ﴿وَضَلَّ﴾: فعل ماضٍ. ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به. ﴿مَا﴾: موصولة أو مصدرية في محل الرفع فاعل لـ ﴿ضل﴾. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْتَرُونَ﴾ خبره، وجملة كان من اسمها وخبرها صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما كانوا يفترونه، أو صلة لما المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر على الفاعلية تقديره: وضل عنهم افتراؤهم، وجملة ﴿ضل﴾ معطوفة على جملة ﴿كَذَبُوا﴾. وفي "الفتوحات": قوله: ﴿وَضَلَّ﴾ يجوز أن يكون نسقًا على كذبوا، فيكون داخلًا في حيز النظر، ويجوز أن يكون استئناف إخبار، فلا يدخل في حيز المنظور إليه، وقوله: ﴿مَا كَانُوا﴾ يجوز في ﴿مَا﴾ أن تكون مصدرية؛ أي: وضل عنهم افتراؤهم، وهو قول ابن عطية، ويجوز أن تكون موصولة اسمية؛ أي: وضل عنهم الذي كانوا يفترونه اهـ "سمين".
التصريف ومفردات اللغة
﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: يقال: كتب على نفسه يكتب من باب نصر؛ أي: أوجب إيجاب فضل وكرم، لا إيجاب لزوم، وقيل: كتب هنا بمعنى: وعد فضلًا وكرمًا، وقيل: بمعنى: سطر وخط؛ أي: أمر بالكتب في اللوح المحفوظ. وقال الزجاج: الرحمة: إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا، فلم يعاجلهم على كفرهم، وقيل: الرحمة لمن آمن وصدق الرسل.
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ قال السدي: سكن هنا من السكنى يقال: سكن في المكان يسكن من باب دخل سكنى إذا حل واستقر فيه، ولم يذكر الزمخشري
259
غيره، قال: وتعديه بفي كما في قوله: ﴿وَسَكَنْتُمْ في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم﴾ وقيل: هو من السكون المقابل للحركة، وعلى هذا ففي المقام حذف؛ أي: وله ما سكن وتحرك، وحذف مقابله للاكتفاء كما في قوله: ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد، واقتصر على ذكر السكون؛ لأن كل متحرك قد يسكن، ولأنه أكثر وجودًا. ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾: الولي: الناصر ومتولي الأمر المتصرف فيه.
﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وفي "المصباح" (١): فطر الله الخلق فطرًا من باب قتل: خلقهم، والاسم: الفطرة اهـ. وفي "السمين": والفطر: الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال، ومنه: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: موجدهما على غير مثال يحتذى. وعن ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى فطر وفاطر حتى اختصم إليَّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ أي: أنشأتها وابتدأتها، ويقال: فطرت كذا وفطر هو فطورًا، وانفطر انفطارًا، وفطرت الشاة: حلبتها بإصبعين، وفطرت العجين: خبزته من وقته. وفي "الكرخي": والفطير ضد الخمر، وهو العجين الذي لم يختمر، وكل شيء أعجلته عن إدراكه فهو فطير، ويقال: إياك والرأي الفطير، ويقال: عندي خبز خمير وخبز فطير. اهـ. وأصل الفطر: الشق، ومنه: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١)﴾، ويقال: فطر ناب البعير، ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾، وقوله: ﴿يتفطرن منه﴾.
﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾؛ أي: هو الرازق لغيره ولا يرزقه أحد. ﴿يُصْرَفْ عَنْهُ﴾: يبعد عنه، ويقال: صرف الله عنه الأذى من باب ضرب إذا أبعده ونجاه عنه.
﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾؛ أي: بإنجائه من الهول الأكبر. ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾: المس أعم من اللمس، وحقيقة المس تلاقي جسمين يقال: مسه السوء والكبر والعذاب والتعب إذا أصابه ونزل به، والضر: الألم والحزن والخوف وما يفضي إليها أو إلى أحدها.
﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ﴾ يقال: كشف التفسير إذا أزاله، وكشفَتْ عن ساقيها:
﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وفي "المصباح" (١): فطر الله الخلق فطرًا من باب قتل: خلقهم، والاسم: الفطرة اهـ. وفي "السمين": والفطر: الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال، ومنه: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: موجدهما على غير مثال يحتذى. وعن ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى فطر وفاطر حتى اختصم إليَّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ أي: أنشأتها وابتدأتها، ويقال: فطرت كذا وفطر هو فطورًا، وانفطر انفطارًا، وفطرت الشاة: حلبتها بإصبعين، وفطرت العجين: خبزته من وقته. وفي "الكرخي": والفطير ضد الخمر، وهو العجين الذي لم يختمر، وكل شيء أعجلته عن إدراكه فهو فطير، ويقال: إياك والرأي الفطير، ويقال: عندي خبز خمير وخبز فطير. اهـ. وأصل الفطر: الشق، ومنه: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١)﴾، ويقال: فطر ناب البعير، ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾، وقوله: ﴿يتفطرن منه﴾.
﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾؛ أي: هو الرازق لغيره ولا يرزقه أحد. ﴿يُصْرَفْ عَنْهُ﴾: يبعد عنه، ويقال: صرف الله عنه الأذى من باب ضرب إذا أبعده ونجاه عنه.
﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾؛ أي: بإنجائه من الهول الأكبر. ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾: المس أعم من اللمس، وحقيقة المس تلاقي جسمين يقال: مسه السوء والكبر والعذاب والتعب إذا أصابه ونزل به، والضر: الألم والحزن والخوف وما يفضي إليها أو إلى أحدها.
﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ﴾ يقال: كشف التفسير إذا أزاله، وكشفَتْ عن ساقيها:
(١) الفتوحات.
260
أزالت ما يسترهما.
والخير (١): ما كان فيه منفعة حاضرة أو مستقبلة، والنفع: اللذة والسرور وما يفضي إليهما أو إلى أحدهما، والشر: ما لا منفعة فيه ألبتة، أو ما كان ضره أكبر من نفعه، قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ من القهر، والقهر: الغلبة والحمل على الشيء من غير اختيار؛ أي: فالقهر؛ إما أن يراد به الغلبة، أو التذليل، وما هنا من الأول، وكذا قوله: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ ومن الثاني قوله: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)﴾.
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ وشهادة الشيء حضوره ومشاهدته، والشهادة به: الإخبار به عن علم ومعرفة واعتقاد مبني على المشاهدة بالبصر أو بالعقل والوجدان.
﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾: مأخوذ من الإنذار، والإنذار: التخويف، واكتفى به عن ذكر البشارة لمناسبته للمقام؛ أي: لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه القرآن، ووصل إليه من الأسود والأحمر، أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن سيوجد إلى يوم القيامة مما تشركون به؛ أي: من الأصنام.
﴿آلِهَةً أُخْرَى﴾ ﴿أُخْرَى﴾ صفة لآلهة، وصفه بالصفة المفردة. ولم يقل: آلهة أُخر بالجمع ليطابق الوصف موصوفه في الجمعية؛ لأن الآلهة مما لا يعقل يعامل جمعه معاملة المؤنثة الواحدة كما سبق، ولما كانت الآلهة حجارةً وخشبًا.. أجريت هذا المجرى.
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ من آتى الرباعي فهو بمعنى: أعطى، فيتعدى إلى مفعولين.
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ قرأ الجمهور بضم الشين من ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾، وأبو هريرة بكسرها، وهما لغتان في المضارع من بابي: ضرب وقتل.
والخير (١): ما كان فيه منفعة حاضرة أو مستقبلة، والنفع: اللذة والسرور وما يفضي إليهما أو إلى أحدهما، والشر: ما لا منفعة فيه ألبتة، أو ما كان ضره أكبر من نفعه، قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ من القهر، والقهر: الغلبة والحمل على الشيء من غير اختيار؛ أي: فالقهر؛ إما أن يراد به الغلبة، أو التذليل، وما هنا من الأول، وكذا قوله: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ ومن الثاني قوله: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)﴾.
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ وشهادة الشيء حضوره ومشاهدته، والشهادة به: الإخبار به عن علم ومعرفة واعتقاد مبني على المشاهدة بالبصر أو بالعقل والوجدان.
﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾: مأخوذ من الإنذار، والإنذار: التخويف، واكتفى به عن ذكر البشارة لمناسبته للمقام؛ أي: لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه القرآن، ووصل إليه من الأسود والأحمر، أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن سيوجد إلى يوم القيامة مما تشركون به؛ أي: من الأصنام.
﴿آلِهَةً أُخْرَى﴾ ﴿أُخْرَى﴾ صفة لآلهة، وصفه بالصفة المفردة. ولم يقل: آلهة أُخر بالجمع ليطابق الوصف موصوفه في الجمعية؛ لأن الآلهة مما لا يعقل يعامل جمعه معاملة المؤنثة الواحدة كما سبق، ولما كانت الآلهة حجارةً وخشبًا.. أجريت هذا المجرى.
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ من آتى الرباعي فهو بمعنى: أعطى، فيتعدى إلى مفعولين.
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ قرأ الجمهور بضم الشين من ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾، وأبو هريرة بكسرها، وهما لغتان في المضارع من بابي: ضرب وقتل.
(١) المراغي.
261
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ الله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ إذا قلنا كتب بمعنى: أوجب؛ لأنه استعار الكتابة بمعنى: الخط والتسطير للكتابة بمعنى: الإلزام والإيجاب بجامع الإثبات في كل.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ﴾ إذا قلنا من السكون ضد التحرك، والاكتفاء: ذكر أحد متقابلين وحذف الآخر لعلمه من المذكور، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: المبالغة في قوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾؛ لأنه بمعنى: أهلكوا، فالخسران حقيقة في البيوع.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾؛ أي: لا ينبغي لي ولا يمكن مني أن أعبد غيره.
ومنها: تجنيس (١) التشكيل في قوله: ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾، وضابطه: أن يكون الشكل فرقًا بين الكلمتين، وسماه أسامة بن منقذ في بديعته: تجنيس التحريف، وهو بتجنيس التشكيل أولى.
ومنها: الاعتراض في قوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ لاعتراض الجملة الشرطية بين الفعل ومفعوله اللذين هما: ﴿أَخَافُ﴾ و ﴿عَذَابَ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾، وقوله: {وَإِنْ
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ الله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ إذا قلنا كتب بمعنى: أوجب؛ لأنه استعار الكتابة بمعنى: الخط والتسطير للكتابة بمعنى: الإلزام والإيجاب بجامع الإثبات في كل.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ﴾ إذا قلنا من السكون ضد التحرك، والاكتفاء: ذكر أحد متقابلين وحذف الآخر لعلمه من المذكور، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: المبالغة في قوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾؛ لأنه بمعنى: أهلكوا، فالخسران حقيقة في البيوع.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾؛ أي: لا ينبغي لي ولا يمكن مني أن أعبد غيره.
ومنها: تجنيس (١) التشكيل في قوله: ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾، وضابطه: أن يكون الشكل فرقًا بين الكلمتين، وسماه أسامة بن منقذ في بديعته: تجنيس التحريف، وهو بتجنيس التشكيل أولى.
ومنها: الاعتراض في قوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ لاعتراض الجملة الشرطية بين الفعل ومفعوله اللذين هما: ﴿أَخَافُ﴾ و ﴿عَذَابَ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾، وقوله: {وَإِنْ
(١) البحر المحيط.
262
يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ}.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿بِضُرٍّ﴾. وفي قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾.
ومنها: التعليق بأمر مستحيل في قوله: ﴿إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾؛ لأن العصيان ممتنع في حقه - ﷺ - لعصمته. وقال (١) أبو عبد الله الرازي: نظير هذه الآية قولك: إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة إلى متساويتين.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾، وفيه الحذف أيضًا تقديره: فلا كاشف له عنك إلا هو.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾.
ومنها: الجناس المغاير والمماثل في قوله: ﴿أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾، وفي قوله: ﴿قُلِ الله شَهِيدٌ﴾، وفي قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ لَا أَشْهَدُ﴾، وفيه أيضًا الجمع بين الأسئلة والأجوبة، والجناس المغاير في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ﴾، وفي قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ﴾.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾.
ومنها: القسم في قوله: ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
ومنها: الاستفهام التعجيبي في قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾.
ومنها: الحذف في مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الطباق في قوله: ﴿بِضُرٍّ﴾. وفي قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾.
ومنها: التعليق بأمر مستحيل في قوله: ﴿إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾؛ لأن العصيان ممتنع في حقه - ﷺ - لعصمته. وقال (١) أبو عبد الله الرازي: نظير هذه الآية قولك: إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة إلى متساويتين.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾، وفيه الحذف أيضًا تقديره: فلا كاشف له عنك إلا هو.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾.
ومنها: الجناس المغاير والمماثل في قوله: ﴿أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾، وفي قوله: ﴿قُلِ الله شَهِيدٌ﴾، وفي قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ لَا أَشْهَدُ﴾، وفيه أيضًا الجمع بين الأسئلة والأجوبة، والجناس المغاير في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ﴾، وفي قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ﴾.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾.
ومنها: القسم في قوله: ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
ومنها: الاستفهام التعجيبي في قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾.
ومنها: الحذف في مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) البحر المحيط.
263
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٢٦) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بين أحوال الكفار في الآخرة، وذكر ما يكون منهم من تلجلج واضطراب، فتارة ينكرون شركهم بالله، وأخرى يعترفون بها، وذكر ما يواجهون به من اللوم والتقريع على الشركاء الذين اتخذوهم أولياء وشفعاء.. ذكر هنا ما يوجب اليأس من إيمان بعض منهم لوجود الموانع الصادة عنه، فمهما توالت الآيات والنذر لا تجدي معهم شيئًا؛ إذ الحجب كثيفة، والأغطية سميكة، فاختراقها عسير، والوصول إليها في حكم المستحيل.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٢٦) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بين أحوال الكفار في الآخرة، وذكر ما يكون منهم من تلجلج واضطراب، فتارة ينكرون شركهم بالله، وأخرى يعترفون بها، وذكر ما يواجهون به من اللوم والتقريع على الشركاء الذين اتخذوهم أولياء وشفعاء.. ذكر هنا ما يوجب اليأس من إيمان بعض منهم لوجود الموانع الصادة عنه، فمهما توالت الآيات والنذر لا تجدي معهم شيئًا؛ إذ الحجب كثيفة، والأغطية سميكة، فاختراقها عسير، والوصول إليها في حكم المستحيل.
(١) المراغي.
264
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بيَّن في الآيات السابقة حال طائفة من المشركين تلقي السمع مصغية للقرآن، لكن لا يدخل القلب شيء مما تسمع؛ لما عليه من أكنة التقليد والاستنكار لكل شيء جديد، فهم يستمعون ولا يسمعون.. بين في هاتين الآيتين بعض ما يكون من أمرهم يوم القيامة، وتمنيهم العودة إلى الدنيا ليعملوا صالح العمل، ويكونوا من المؤمنين حقًّا، ثم كذبهم فيما يقولون، وأنهم لو ردوا.. لعادوا لما كانوا فيه؛ لفقد استعدادهم للإيمان، وأن حالهم بلغ مبلغًا لا يؤثر فيه كشف الغطاء ورؤية الأهوال.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا...﴾ مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) ذكر في الآيات السالفة إنكارهم في الدنيا للبعث والجزاء.. بين هنا حالهم في الآخرة يوم يكشف عنهم الغطاء، فيتحسرون ويندمون على تفريطهم السابق، وغرورهم بذلك المتاع الزائل، ثم أردفه ذكر حقيقة الدنيا مقابلًا بينها وبين الآخرة، وموازنًا بين حاليهما لدى المتقين والعاصين.
قوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل هذه السورة في دعوة مشركي مكة إلى الإسلام ومحاجتهم في التوحيد والنبوة والبعث، وكثر فيها حكاية أقوالهم بلفظ: وقالوا، نحو: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ إلى نحو ذلك، وتلقين الرسول - ﷺ - الرد عليهم مع إقامة الحجة والبرهان بلفظ: قل، نحو: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بعد هذا الحجاج كله ذكر في هذه الآيات تأثير كفرهم في نفس النبي - ﷺ -، وحزنه مما يقولون في نبوته، وما يراه منهم من الإعراض عن دعوته، وسلاه على ذلك ببيان سنته سبحانه في الرسل مع أقوامهم، وأن كثيرًا منهم كذبوا
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا...﴾ مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) ذكر في الآيات السالفة إنكارهم في الدنيا للبعث والجزاء.. بين هنا حالهم في الآخرة يوم يكشف عنهم الغطاء، فيتحسرون ويندمون على تفريطهم السابق، وغرورهم بذلك المتاع الزائل، ثم أردفه ذكر حقيقة الدنيا مقابلًا بينها وبين الآخرة، وموازنًا بين حاليهما لدى المتقين والعاصين.
قوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل هذه السورة في دعوة مشركي مكة إلى الإسلام ومحاجتهم في التوحيد والنبوة والبعث، وكثر فيها حكاية أقوالهم بلفظ: وقالوا، نحو: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ إلى نحو ذلك، وتلقين الرسول - ﷺ - الرد عليهم مع إقامة الحجة والبرهان بلفظ: قل، نحو: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بعد هذا الحجاج كله ذكر في هذه الآيات تأثير كفرهم في نفس النبي - ﷺ -، وحزنه مما يقولون في نبوته، وما يراه منهم من الإعراض عن دعوته، وسلاه على ذلك ببيان سنته سبحانه في الرسل مع أقوامهم، وأن كثيرًا منهم كذبوا
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
265
فصبروا حتى جاءهم النصر المبين، وخذل الله أعداءهم الكافرين.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...﴾ الآية، سبب (١) نزولها: ما رواه أبو صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: حضر عند النبي - ﷺ - أبو سفيان، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، والحارث بن عامر، وأبو جهل في جمع كثير من قريش، واستمعوا إلى النبي - ﷺ - وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: يا أبا قتيبة، ما يقول محمد، فقال: والذي جعلها - الكعبة - بيته ما أدري ما يقول إلا أني أراه يحرك شفتيه، ويتكلم بأساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى، يحدث قريشًا بما يستملحونه، قال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقًّا، فقال أبو جهل: كلا لا تقر بشيء من هذا وقال: الموت أهون من هذا، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ...﴾ الآية، سبب (٢) نزولها: ما رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله - ﷺ -، ويتباعد عما جاء به، وكان يدعوه إلى الإسلام، فاجتمعت قريش بأبي طالب يريدون أن يفعلوا السوء برسول الله - ﷺ - فقال أبو طالب شعرًا:
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...﴾ الآية، سبب (١) نزولها: ما رواه أبو صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: حضر عند النبي - ﷺ - أبو سفيان، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، والحارث بن عامر، وأبو جهل في جمع كثير من قريش، واستمعوا إلى النبي - ﷺ - وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: يا أبا قتيبة، ما يقول محمد، فقال: والذي جعلها - الكعبة - بيته ما أدري ما يقول إلا أني أراه يحرك شفتيه، ويتكلم بأساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى، يحدث قريشًا بما يستملحونه، قال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقًّا، فقال أبو جهل: كلا لا تقر بشيء من هذا وقال: الموت أهون من هذا، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ...﴾ الآية، سبب (٢) نزولها: ما رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله - ﷺ -، ويتباعد عما جاء به، وكان يدعوه إلى الإسلام، فاجتمعت قريش بأبي طالب يريدون أن يفعلوا السوء برسول الله - ﷺ - فقال أبو طالب شعرًا:
وَاللهِ لَنْ يَصِلُوْا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ | حَتَّى أُوَسَّدَ فِيْ التُّرَابِ دَفِيْنَا |
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ | وَابْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُوْنَا |
وَدَعَوْتَنِيْ وَزَعَمْتَ أَنَّكَ نَاصِحِيْ | وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِيْنَا |
وَعَرَضْتَ دِيْنًا لاَ مَحَالَةَ أَنَّهُ | مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِيْنَا |
(١) المراغي والبحر المحيط.
(٢) لباب النقول مع زيادة من البحر المحيط.
(٢) لباب النقول مع زيادة من البحر المحيط.
266
لَوْلا الْمَلاَمَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ | لَوَجَدْتَنِيْ سَمْحًا بِذَاكَ مُبِيْنَا |
قوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ...﴾ الآية، روى الترمذي والحاكم عن علي أن أبا جهل قال للنبي - ﷺ -: وإنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾.
وروى ابن جرير عن السدي أن الأخنس بن شريق، وأبا جهل التقيا، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، فإنه ليس ها هنا أحد يسمع كلامك غيري، قال أبو جهل: واللهِ إن محمدًا لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل الله هذه الآية: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ...﴾ الآية، سبب (٢) نزولها: ما رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنه: أن الحارث بن عامر أتى النبي - ﷺ - في نفر من قريش، فقال: يا محمد، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات، فإن فعلت آمنا بك، فنزلت هذه الآية: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ...﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٢٥ - ﴿وَمِنْهُمْ﴾؛ أي: ومن أولئك الكافرين من أهل مكة ﴿مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾؛ أي: فريق يستمع إليك يا محمد إذا أنت تلوت القرآن داعيًا إلى توحيد الله مبشرًا ومنذرًا ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾؛ أي: والحال أنا قد جعلنا على قلوب هؤلاء المستمعين أغطية تمنعهم عن أن يفقهوه ويفهموه؛ أي: تحولهم دون فقهه وفهمه.
﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾؛ أي: وقد جعلنا أيضًا في آذانهم وأسماعهم وقرًا؛ أي:
(١) لباب النقول.
(٢) زاد المسير.
(٢) زاد المسير.
267
ثقلًا وصممًا يمنعهم عن سماعه، ويحولهم دون سماعه بقصد التدبر والوصول إلى ما فيه من الهداية والرشد، وذلك كما مرَّ في أسباب النزول: أنه اجتمع أبو سفيان صخر بن حرب، وأبو جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأمية وأبي ابنا خلف، والحارث بن عامر يستمعون القرآن، فقالوا للنضر: يا أبا قتيبة، ما يقول محمد؟ قال: ما أدري ما يقول، إلا أني أراه يحرك ويقول أساطير الأولين. وفي هذا (١) الكلام تشبيه للحجب والموانع المعنوية بالحجب والموانع الحسية، فالقلب الذي لا يفقه الحديث ولا يتدبره، كالوعاء الذي وضع عليه الغطاء، فلا يدخل فيه شيء، والآذان التي لا تسمع الكلام سماع فهمٍ وتدبر كالآذان المصابة بالثقل أو بالصمم، فسمعها وعدمه سواء.
بيان هذا: أن الله سبحانه وتعالى جعل التقليد الذي يختاره الإنسان لنفسه مانعًا من النظر والاستدلال والبحث عن الحقائق، فالمقلد لا يستمع إلى متكلم ليميز الحق من الباطل، وإذا وصل إلى سمعه ما هو مخالف لما يدين به لا يتدبره، ولا يراه جديرًا بالموازنة بينه وبين ما عنده من عقيدةٍ أو رأي ليختار أقربهما إلى الصحة، وأجدرهما بالصدق، وأكثرهما هداية ورشادًا، وأبعثهما إلى اطمئنان النفس الموصل لها إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
وقال (٢) ابن عطية: وهذه عبارة عن ما جعل الله في نفوس هؤلاء القوم من الغلظ والبعد عن قبول الخير، كأنهم لم يكونوا سامعين لأقواله.
وقرأ الجمهور: ﴿وَقْرًا﴾ بفتح الواو وسكون القاف. وقرأ طلحة بن مصرف: ﴿وقرًا﴾ بكسر الواو وسكون القاف، كأنه ذهب إلى أن آذانهم وقِّرت بالصمم، كما تُوقَّر الدابة من الحمل.
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾؛ أي: وإن يرى هؤلاء المشركون كل آية من الآيات، وعلامة من العلامات الدالة على صحة نبوتك وصدق دعوتك، كانشقاق القمر،
بيان هذا: أن الله سبحانه وتعالى جعل التقليد الذي يختاره الإنسان لنفسه مانعًا من النظر والاستدلال والبحث عن الحقائق، فالمقلد لا يستمع إلى متكلم ليميز الحق من الباطل، وإذا وصل إلى سمعه ما هو مخالف لما يدين به لا يتدبره، ولا يراه جديرًا بالموازنة بينه وبين ما عنده من عقيدةٍ أو رأي ليختار أقربهما إلى الصحة، وأجدرهما بالصدق، وأكثرهما هداية ورشادًا، وأبعثهما إلى اطمئنان النفس الموصل لها إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
وقال (٢) ابن عطية: وهذه عبارة عن ما جعل الله في نفوس هؤلاء القوم من الغلظ والبعد عن قبول الخير، كأنهم لم يكونوا سامعين لأقواله.
وقرأ الجمهور: ﴿وَقْرًا﴾ بفتح الواو وسكون القاف. وقرأ طلحة بن مصرف: ﴿وقرًا﴾ بكسر الواو وسكون القاف، كأنه ذهب إلى أن آذانهم وقِّرت بالصمم، كما تُوقَّر الدابة من الحمل.
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾؛ أي: وإن يرى هؤلاء المشركون كل آية من الآيات، وعلامة من العلامات الدالة على صحة نبوتك وصدق دعوتك، كانشقاق القمر،
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
268
ونبع الماء من بين أصابعك، وحنين الجذع، وتصيير الطعام القليل كثيرًا ﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾؛ أي: لا يصدقوا بتلك الآيات أنها من الله تعالى، بل يقولون: إنها سحر ولا يفعلون بموجبها من الإيمان بك؛ إذ هم لا يفقهونها ولا يدركون المراد منها؛ لوقوف أسماعهم عند ظواهر الألفاظ، فحظهم كحظ الصم من سماع أصوات البشر، وكلمة: ﴿حَتَّى﴾ في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ﴾ ابتدائية بمعنى الفاء، وإن لم يقع بعدها مبتدأ؛ لأن حتى الابتدائية هي الداخلة على الجمل التي يبتدأ بها، وإن لم يقع بعدها مبتدأ في الظاهر.
وقوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾ حال من الواو في ﴿جَاءُوكَ﴾، وقوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ جواب إذا، وهو العامل فيها؛ أي: فإذا جاءك يا محمد هؤلاء المشركون من أهل مكة حال كونهم مجادلين ومنازعين ومنكرين لك في دعوتك إلى التوحيد.. قالوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: ما هذا الذي يقرؤه محمد ويتلوه إلا أكاذيب الأولين وخرافاتهم، فليست من عند الله تعالى.
والمعنى (١): أنهم بلغوا من الكفر والعناد، أنهم إذا جاؤوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان، بل يقولون: إن هذا إلا أساطير الأولين.
وقال أبو (٢) حيان: وحتى إذا وقعت بعدها إذا يحتمل أن تكون بمعنى الفاء، ويحتمل أن تكون بمعنى: إلى أن، فيكون التقدير: فإذا جاءوك يجادلونك.. يقول الذين كفروا، أو يكون التقدير: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا؛ أي: منعناهم من فهم القرآن وتدبره إلى أن يقولوا: إن هذا إلا أساطير الأولين في وقت مجيئهم مجادليك؛ لأن الغاية لا تؤخذ إلا من جواب الشرط لا من الشرط، وعلى هذين المعنيين يستخرج جميع ما في القرآن من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا﴾ انتهى.
وقوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾ حال من الواو في ﴿جَاءُوكَ﴾، وقوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ جواب إذا، وهو العامل فيها؛ أي: فإذا جاءك يا محمد هؤلاء المشركون من أهل مكة حال كونهم مجادلين ومنازعين ومنكرين لك في دعوتك إلى التوحيد.. قالوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: ما هذا الذي يقرؤه محمد ويتلوه إلا أكاذيب الأولين وخرافاتهم، فليست من عند الله تعالى.
والمعنى (١): أنهم بلغوا من الكفر والعناد، أنهم إذا جاؤوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان، بل يقولون: إن هذا إلا أساطير الأولين.
وقال أبو (٢) حيان: وحتى إذا وقعت بعدها إذا يحتمل أن تكون بمعنى الفاء، ويحتمل أن تكون بمعنى: إلى أن، فيكون التقدير: فإذا جاءوك يجادلونك.. يقول الذين كفروا، أو يكون التقدير: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا؛ أي: منعناهم من فهم القرآن وتدبره إلى أن يقولوا: إن هذا إلا أساطير الأولين في وقت مجيئهم مجادليك؛ لأن الغاية لا تؤخذ إلا من جواب الشرط لا من الشرط، وعلى هذين المعنيين يستخرج جميع ما في القرآن من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا﴾ انتهى.
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
269
ذاك (١) أنهم لم يعقلوا مما في القرآن من أنباء الغيب إلا أنها حكايات وخرافات تسطر وتكتب كغيرها من الأنباء والخرافات، فلا علم فيها، ولا فائدة منها، وهذه حال من يسمع جرس الكلام ولا يتدبره ولا يفقه أسراره، أو من ينظر إلى الشيء نظرة جميلة لا يستنبط منها علمًا، ولا يستفيد منها عقيدة ولا رأيًا، وما مثلهما إلا مثل من يشاهد ألعاب الصور المتحركة - السينما - مفسرة بلغةٍ هو لا يعرفها، فكل همه مما يرى من المناظر والكتابة لا يعدو التسلية وشغل الوقت. فلو عقل هؤلاء قصص القرآن وتدبروا معانيها.. لكان لهم من ذلك آيات بينات تدل على صدق الرسول - ﷺ -، وعبر ومواعظ ونذر تبيِّن سنن الله تعالى في خلقه مع الأقوام الذين كذبوا وكان عاقبة أمرهم الدمار والنكال،
٢٦ - ثم بين أن أمرهم لم يقتصر على حد الضلال، بل تعدوه إلى الإضلال، وساروا قدمًا، فقال: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾؛ أي: وأولئك المشركون المعاندون للنبي - ﷺ - الجاحدون لنبوته لا يقنعون بتكذيبهم له، وعده حديث خرافة، بل ينهون الناس عن استماعه؛ لئلا يقفوا على حقيقته فيؤمنوا به ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾؛ أي: ويتباعدون عنه بأنفسهم إظهارًا لاشمئزازهم ونفورهم منه، وتأكيدًا لنهيهم فيكونون ناهين منتهين، يعني: أن كفار مكة كانوا يمنعون الناس عن الإيمان بمحمد - ﷺ -، وعن الاجتماع به وينهونهم عن استماع القرآن، وكانوا هم كذلك، أو المعنى: ينهون عن التعرض لرسول الله - ﷺ - وينأون عنه، فلا يؤمنون به كأبي طالب. ثم ذكر أن عاقبة ذلك الوبال والنكال لهم، فقال: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ﴾؛ أي: وما يهلكون بما فعلوا من النهي والنأي ﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ بإقبالها لأشد العذاب ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: وما يعلمون أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يفعلون من الكفر والمعصية.
والخلاصة (٢): وما يهلكون إلا أنفسهم بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه، وهو عذاب الضلال والإضلال، وما يشعرون بذلك، بل يظنون أنهم يبغون الغوائل لرسول الله - ﷺ -، وهذا من معجزات القرآن وإخباره بالغيب، فقد هلك جميع الذين أصروا على عداوته - ﷺ - بعضهم في نِقمَ خاصة، وبعضهم في وقعة
٢٦ - ثم بين أن أمرهم لم يقتصر على حد الضلال، بل تعدوه إلى الإضلال، وساروا قدمًا، فقال: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾؛ أي: وأولئك المشركون المعاندون للنبي - ﷺ - الجاحدون لنبوته لا يقنعون بتكذيبهم له، وعده حديث خرافة، بل ينهون الناس عن استماعه؛ لئلا يقفوا على حقيقته فيؤمنوا به ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾؛ أي: ويتباعدون عنه بأنفسهم إظهارًا لاشمئزازهم ونفورهم منه، وتأكيدًا لنهيهم فيكونون ناهين منتهين، يعني: أن كفار مكة كانوا يمنعون الناس عن الإيمان بمحمد - ﷺ -، وعن الاجتماع به وينهونهم عن استماع القرآن، وكانوا هم كذلك، أو المعنى: ينهون عن التعرض لرسول الله - ﷺ - وينأون عنه، فلا يؤمنون به كأبي طالب. ثم ذكر أن عاقبة ذلك الوبال والنكال لهم، فقال: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ﴾؛ أي: وما يهلكون بما فعلوا من النهي والنأي ﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ بإقبالها لأشد العذاب ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: وما يعلمون أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يفعلون من الكفر والمعصية.
والخلاصة (٢): وما يهلكون إلا أنفسهم بتعريضها لأشد العذاب وأفظعه، وهو عذاب الضلال والإضلال، وما يشعرون بذلك، بل يظنون أنهم يبغون الغوائل لرسول الله - ﷺ -، وهذا من معجزات القرآن وإخباره بالغيب، فقد هلك جميع الذين أصروا على عداوته - ﷺ - بعضهم في نِقمَ خاصة، وبعضهم في وقعة
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
بدر وغيرها من الغزوات، ويتبع هذا الهلاك الدنيوي هلاك الآخرة، واللفظ يشملهما معًا.
وقرأ (١) الحسن: ﴿وينون﴾ بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على النون، وهو تسهيل قياسي.
٢٧ - ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾؛ أي: ولو تبصر يا محمد أو أيها السامع ما يحل بهؤلاء الكفار الذين ينهون عنك وينأون عنك من الفزع والهول والشدة والندم على كفرهم، والحسرة على ما فرط منهم في جنب الله حين وقفوا وعرضوا على النار الأخروي؛ أي: حين تعرضهم ملائكة العذاب من أرض الموقف على النار.. لرأيت أمرًا عجيبًا، وموقفًا فظيعًا، فجواب لو محذوف كما قدرنا، و ﴿تَرَى﴾ بصرية تتعدى إلى مفعول واحد كما قدرنا أيضًا؛ أي: لو رأيت ما يحل بهم في تلك الحالة.. لرأيت ما لا يحيط به الوصف، ولا يقدر على التعبير عنه اللسان، ولا يبلغ تصويره البيان، ولو أؤتِيَ المتكلم بلاغة سحبان.
ثم ذكر ما يحدث منهم حينئذ، فقال: ﴿فَقَالُوا﴾ معطوف على ﴿وُقِفُوا﴾؛ أي: فيقول هؤلاء المشركون بربهم إذا حبسوا على النار ﴿يَا لَيْتَنَا﴾؛ أي: يا قومنا نتمنى أن ﴿نُرَدُّ﴾ ونرجع إلى الدنيا حتى نتوب إلى الله، ونعمل صالحًا، ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ وحججه التي نصبها دلالة على وحدانيته، وصدق رسله ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من المصدقين به وبرسله، ومن المتبعين لأمره ونهيه.
والخلاصة: أنهم حين عاينوا الشدائد والأهوال بسبب تقصيرهم.. تمنوا الردَّ إلى الدنيا ليسعوا في إزالة ذلك التقصير، ويتركوا التكذيب بالآيات، ويعملوا صالح العمل، وتمني هذا الرد إلى الدنيا بناء على جهلهم أنه محال، أو أنهم مع علمهم باستحالته لا مانع من تمنيه على سبيل التحسر؛ لأنه يصح أن يتمنى ما لا يكون.
وقرأ (٢) الجمهور: ﴿وُقِفُوا﴾ مبنيًّا للمفعول، ومعناه عند الجمهور: حبسوا
وقرأ (١) الحسن: ﴿وينون﴾ بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على النون، وهو تسهيل قياسي.
٢٧ - ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾؛ أي: ولو تبصر يا محمد أو أيها السامع ما يحل بهؤلاء الكفار الذين ينهون عنك وينأون عنك من الفزع والهول والشدة والندم على كفرهم، والحسرة على ما فرط منهم في جنب الله حين وقفوا وعرضوا على النار الأخروي؛ أي: حين تعرضهم ملائكة العذاب من أرض الموقف على النار.. لرأيت أمرًا عجيبًا، وموقفًا فظيعًا، فجواب لو محذوف كما قدرنا، و ﴿تَرَى﴾ بصرية تتعدى إلى مفعول واحد كما قدرنا أيضًا؛ أي: لو رأيت ما يحل بهم في تلك الحالة.. لرأيت ما لا يحيط به الوصف، ولا يقدر على التعبير عنه اللسان، ولا يبلغ تصويره البيان، ولو أؤتِيَ المتكلم بلاغة سحبان.
ثم ذكر ما يحدث منهم حينئذ، فقال: ﴿فَقَالُوا﴾ معطوف على ﴿وُقِفُوا﴾؛ أي: فيقول هؤلاء المشركون بربهم إذا حبسوا على النار ﴿يَا لَيْتَنَا﴾؛ أي: يا قومنا نتمنى أن ﴿نُرَدُّ﴾ ونرجع إلى الدنيا حتى نتوب إلى الله، ونعمل صالحًا، ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ وحججه التي نصبها دلالة على وحدانيته، وصدق رسله ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من المصدقين به وبرسله، ومن المتبعين لأمره ونهيه.
والخلاصة: أنهم حين عاينوا الشدائد والأهوال بسبب تقصيرهم.. تمنوا الردَّ إلى الدنيا ليسعوا في إزالة ذلك التقصير، ويتركوا التكذيب بالآيات، ويعملوا صالح العمل، وتمني هذا الرد إلى الدنيا بناء على جهلهم أنه محال، أو أنهم مع علمهم باستحالته لا مانع من تمنيه على سبيل التحسر؛ لأنه يصح أن يتمنى ما لا يكون.
وقرأ (٢) الجمهور: ﴿وُقِفُوا﴾ مبنيًّا للمفعول، ومعناه عند الجمهور: حبسوا
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
على النار، ووقف في هذه القراءة متعد، ومصدره: الوقف، وقد سمع في المتعدي: أوقف، وهي لغة قليلة، وقرأ ابن السميقع وزيد بن علي ﴿وُقِفُوا﴾ مبنيًّا للفاعل من وقف اللازم، ومصدره: الوقوف، والمعنى (١): على هذه القراءة؛ أي: ولو تراهم حين يكونون في جوف النار، وتكون النار محيطةً بهم ويكونون غائصين فيها مقدار عذابها.. لرأيت منظرًا هائلًا، وحالًا فظيعًا، وإنما صح على هذا التقدير أن يقال: وقفوا على النار؛ لأنها دركات وطبقات بعضها فوق بعض، فيصح هناك معنى الاستعلاء.
وقرأ (٢) الكسائي وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأهل المدينة برفع الأفعال الثلاثة: ﴿نُرَدُّ﴾، ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ و ﴿نكونُ﴾.
والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني؛ أي: تمنوا الرد وأن لا يكذبوا، وأن يكونوا من المؤمنين. وقرأ حفص وحمزة بنصب: ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ بإضمار: أن بعد الواو على جواب التمني. واختار سيبويه الأقطع في ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ ويكون غير داخل في التمني، والتقدير: ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب؛ أي: لا نكذب رددنا أو لم نرد، قال: وهو مثل دعني ولا أعود؛ أي: لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني، واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾؛ لأن الكذب لا يكون في التمني. وقرأ ابن عامر: ﴿ونكونَ﴾ بالنصب، وأدخل الفعلين الأولين في التمني. وقرأ أبي: ﴿ولا نكذب بآيات ربنا أبدا﴾. وقرأ هو وابن مسعود: ﴿ياليتنا نرد فلا نكذب﴾ بالفاء والنصب، والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو.
٢٨ - ثم بيَّن أن (٣) هذا التمني لم يكن لتغيير حالهم، بل لأنه بدا لهم ما كان خفيًّا عنهم، فقال: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: بدا لهم سوء عاقبة ما كانوا يخفونه من الكفر والسيئات، ونزل بهم عقابه، فتبرموا وتضجروا وتمنوا
وقرأ (٢) الكسائي وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأهل المدينة برفع الأفعال الثلاثة: ﴿نُرَدُّ﴾، ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ و ﴿نكونُ﴾.
والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني؛ أي: تمنوا الرد وأن لا يكذبوا، وأن يكونوا من المؤمنين. وقرأ حفص وحمزة بنصب: ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ بإضمار: أن بعد الواو على جواب التمني. واختار سيبويه الأقطع في ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ ويكون غير داخل في التمني، والتقدير: ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب؛ أي: لا نكذب رددنا أو لم نرد، قال: وهو مثل دعني ولا أعود؛ أي: لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني، واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾؛ لأن الكذب لا يكون في التمني. وقرأ ابن عامر: ﴿ونكونَ﴾ بالنصب، وأدخل الفعلين الأولين في التمني. وقرأ أبي: ﴿ولا نكذب بآيات ربنا أبدا﴾. وقرأ هو وابن مسعود: ﴿ياليتنا نرد فلا نكذب﴾ بالفاء والنصب، والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو.
٢٨ - ثم بيَّن أن (٣) هذا التمني لم يكن لتغيير حالهم، بل لأنه بدا لهم ما كان خفيًّا عنهم، فقال: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: بدا لهم سوء عاقبة ما كانوا يخفونه من الكفر والسيئات، ونزل بهم عقابه، فتبرموا وتضجروا وتمنوا
(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
272
الخلاص منه بالرد إلى الدنيا، وترك ما أفضى إليه من التكذيب بالآيات وعدم الإيمان، كما يتمنى الموت من أنهكه المرض وأضناه الداء العضال؛ لأنه ينقذه من الآلام، لا لأنه محبوب في نفسه، ولا مرجو لذاته؛ بيان هذا: أنه إذا جاء ذلك اليوم الذي تبتلى فيه السرائر، وتنكشف فيه جميع الحقائق، وتشهد على الناس الأعضاء والجوارح، وتتمثل لكل فرد أعماله النفسية والبدنية في كتابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، كما تتمثل الوقائع مصورة في آلة الصور المتحركة - فلم السينما - فكل أحد يظهر له في الآخرة ما كان خافيًا عليه من خير في نفسه وشر: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)﴾؛ أي: فهي لا تخفى على أنفسكم فضلًا عن خفائها على ربكم.
والخلاصة: أنه تعالى بين لنا أن تمني أولئك الكفار لما تمنوا به، لا يدل على تبدل حقيقتهم، بل بدا لهم ما كان خافيًا عليهم من أحوالهم بإخفائهم إياه على الناس أو عليهم: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٤٨)﴾ فتمنوا الخروج مما حاق بهم، ولكن الحقيقة لا تتغير، وإنما يكون للنفوس أطوار وأحوال.
وعبارة "الشوكاني" هنا: قوله: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ هذا (١) إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق؛ أي: لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد، بل هو لسبب آخر: وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون؛ أي: يجحدون من الشرك، وعرفوا أنهم هالكون بشركهم، فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة، وقيل: بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم، وقيل: بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة، كما قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، وقال المبرد: ﴿وَبَدَا لَهُمْ﴾ هو جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه، وهو مثل القول الأول، وقيل: المعنى: أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث
والخلاصة: أنه تعالى بين لنا أن تمني أولئك الكفار لما تمنوا به، لا يدل على تبدل حقيقتهم، بل بدا لهم ما كان خافيًا عليهم من أحوالهم بإخفائهم إياه على الناس أو عليهم: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٤٨)﴾ فتمنوا الخروج مما حاق بهم، ولكن الحقيقة لا تتغير، وإنما يكون للنفوس أطوار وأحوال.
وعبارة "الشوكاني" هنا: قوله: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ هذا (١) إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق؛ أي: لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد، بل هو لسبب آخر: وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون؛ أي: يجحدون من الشرك، وعرفوا أنهم هالكون بشركهم، فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة، وقيل: بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم، وقيل: بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة، كما قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، وقال المبرد: ﴿وَبَدَا لَهُمْ﴾ هو جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه، وهو مثل القول الأول، وقيل: المعنى: أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث
(١) فتح القدير.
273
والقيامة. ثم بيَّن أنهم كاذبون في هذا الندم، فقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا﴾ إلى الدنيا حسبما تمنوا ﴿لَعَادُوا﴾؛ أي: لرجعوا ﴿لـ﴾ فعل ﴿ما نهوا عنه﴾ من الكفر والنفاق والكيد والمكر والمعاصي، فإن ذلك من أنفسهم ثابت فيها؛ لخبث طينتهم وسوء استعدادهم، ومن ثم لا ينفعهم مشاهدة ما شاهدوا، ولا سوء ما رأوا، كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله تعالى ثم عاند ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي: متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، ولو شاهدوا ما شاهدوا؛ أي: لأن دينهم الكذب؛ لأن قضاء الله جرى عليهم في الأزل بالشرك، وقيل: المعنى: وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان؛ أي: لكاذبون فيما تضمنه تمنيهم من الوعد بترك التكذيب بآيات الله، وبالكون من المؤمنين بالله ورسوله، فلو ردوا إلى الدنيا لرُد المعاند المستكبر منهم مشتملًا بكبره وعناده، والمنافق مرتدًا بمكره ونفاقه، والشهواني ملوثًا بشهواته القابضة على زمامه. وأما ما ظهر لهم إذ وقفوا على النار من حقيقة ما جاء به الرسول، فما مثله إلا مثل ما يلوح لهم في الدنيا من الآيات والعبر، فهم يكابرون فيها أنفسهم، ويغالطون عقولهم ووجداناتهم، ألا ترى شارب الخمر والمقامر يريان ما حل بغيرهما من الشقاء، فيظهران الندم على ما فرط منهما، ويتوبان ويعزمان على أن لا يعود إلى مثل ما عملا، ثم لا يلبثان أن يرجعا سيرتهما الأولى خضوعًا لما اعتادا وألفا، وترجيحًا للذة العاجلة على المنفعة الآجلة؟
وقرأ إبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش: ﴿ولو ردوا﴾ بكسر على نقل حركة الدال من ردد إلى الراء؛ لأن الأصل: رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء.
وجملة قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ معترضة (١) بين المعطوف وهو: ﴿وَقَالُوا﴾ وبين المعطوف عليه، وهو ﴿لَعَادُوا﴾؛ أي: لعادوا إلى ما نهوا عنه.
٢٩ - ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾؛ أي: ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ بعد الموت، وهذا من شدة تمردهم وعنادهم؛ حيث يقولون هذه المقالة
وقرأ إبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش: ﴿ولو ردوا﴾ بكسر على نقل حركة الدال من ردد إلى الراء؛ لأن الأصل: رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء.
وجملة قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ معترضة (١) بين المعطوف وهو: ﴿وَقَالُوا﴾ وبين المعطوف عليه، وهو ﴿لَعَادُوا﴾؛ أي: لعادوا إلى ما نهوا عنه.
٢٩ - ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾؛ أي: ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ بعد الموت، وهذا من شدة تمردهم وعنادهم؛ حيث يقولون هذه المقالة
(١) فتح القدير.
على تقدير أنهم رجعوا إلى الدنيا بعد مشاهدتهم للبعث، ويجوز أن تكون جملة ﴿وَقَالُوا﴾ مستأنفة؛ أي: وقال كفار مكة ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾؛ أي: ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ بعد أن فارقنا هذه الحياة، وليس لنا بعد هذه الحياة ثواب ولا عقاب.
٣٠ - ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ وتبصر يا محمَّد ﴿إِذْ وُقِفُوا﴾ وحبسوا ﴿عَلَى رَبِّهِمْ﴾؛ أي: عند ربهم لأجل السؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب.. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: وقفوا على جزاء ربهم؛ أي: على ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين، وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخرة، والمعنى: ولو ترى هؤلاء الضالين المكذبين حين تقفهم الملائكة في الموقف الذي يحاسبهم فيه ربهم، ويمسكونهم إلى أن يحكم الله فيهم بما يشاء.. لأفظعك أمرهم، واستبشعت منظرهم، ورأيت ما لا يحيط به وصف، وجعلهم موقوفين على ربهم؛ لأن من تقفهم الملائكة وتحبسهم في موقف الحساب إمتثالًا لأمر الله فيهم، كما قال: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)﴾ يكون أمرهم مقصورًا عليه تعالى، لا يتصرف فيهم غيره، كما قال: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾.
﴿قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾؛ أي: يقول لهم ربهم حينئذ: أليس هذا الذي أنتم فيه من البعث هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب لا باطل كما تزعمون، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ. ﴿قَالُوا﴾ جوابًا للرب جل جلاله ﴿بَلَى﴾ هو حق لا يحوم حوله الباطل، أقسمنا لك ﴿وَرَبِّنَا﴾ وهذا إقرار مؤكد باليمين؛ لانجلاء الأمر غاية الانجلاء، وهم يطمعون في نفع ذلك الإقرار، وينكرون الإشراك فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين. ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾؛ أي: يقول لهم الرب سبحانه وتعالى: إذا كان الأمر كما اعترفتم.. فذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون. ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾؛ أي: بسبب كفركم وجحدكم في الدنيا بالبعث بعد الموت الذي دأبتم عليه، واتخذتموه شعارًا لكم لا تتركونه. وعبَّر بالذوق عن ألم العذاب للإشارة إلى أنهم يجدونه وجدان الذائق في قوة الإحساس به.
٣١ - ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾؛ أي: قد خسر أولئك الكفار الذين كذبوا
٣٠ - ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ وتبصر يا محمَّد ﴿إِذْ وُقِفُوا﴾ وحبسوا ﴿عَلَى رَبِّهِمْ﴾؛ أي: عند ربهم لأجل السؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب.. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: وقفوا على جزاء ربهم؛ أي: على ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين، وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخرة، والمعنى: ولو ترى هؤلاء الضالين المكذبين حين تقفهم الملائكة في الموقف الذي يحاسبهم فيه ربهم، ويمسكونهم إلى أن يحكم الله فيهم بما يشاء.. لأفظعك أمرهم، واستبشعت منظرهم، ورأيت ما لا يحيط به وصف، وجعلهم موقوفين على ربهم؛ لأن من تقفهم الملائكة وتحبسهم في موقف الحساب إمتثالًا لأمر الله فيهم، كما قال: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)﴾ يكون أمرهم مقصورًا عليه تعالى، لا يتصرف فيهم غيره، كما قال: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾.
﴿قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾؛ أي: يقول لهم ربهم حينئذ: أليس هذا الذي أنتم فيه من البعث هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب لا باطل كما تزعمون، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ. ﴿قَالُوا﴾ جوابًا للرب جل جلاله ﴿بَلَى﴾ هو حق لا يحوم حوله الباطل، أقسمنا لك ﴿وَرَبِّنَا﴾ وهذا إقرار مؤكد باليمين؛ لانجلاء الأمر غاية الانجلاء، وهم يطمعون في نفع ذلك الإقرار، وينكرون الإشراك فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين. ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾؛ أي: يقول لهم الرب سبحانه وتعالى: إذا كان الأمر كما اعترفتم.. فذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون. ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾؛ أي: بسبب كفركم وجحدكم في الدنيا بالبعث بعد الموت الذي دأبتم عليه، واتخذتموه شعارًا لكم لا تتركونه. وعبَّر بالذوق عن ألم العذاب للإشارة إلى أنهم يجدونه وجدان الذائق في قوة الإحساس به.
٣١ - ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾؛ أي: قد خسر أولئك الكفار الذين كذبوا
275
بما وعد الله به من البعث والقيامة ولقاء الله كلَّ ما ربحه وفاز به المؤمنون من ثمرات الإيمان في الدنيا، كرضا الله وشكره حين النعمة والعزاء وقت المصيبة، ومن ثمرات الإيمان في الآخرة من الحساب اليسير والثواب الجسيم، والرضوان الأكبر، والنعيم المقيم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب. وما سبب هذا إلا أن إنكار البعث والجزاء يفسد الفطرة البشرية، ويفضي إلى الشرور والآثام، فإن الاعتقاد بأن لا حياة بعد هذه الحياة.. يجعل همَّ الكافرين محصورًا في الاستمتاع بلذات الدنيا وشهواتها البدنية والنفسية، كالجاه والرياسة والعلو في الأرض - ولو بالباطل - ومن كانوا كذلك.. كانوا شرًّا من الشياطين، يكيد بعضهم لبعض، ويفترس بعضهم بعضًا، لا يصدهم عن الشر إلا العجز، ولا تحكم بينهم إلا القوة. وشاهِدنا على ذلك أنَّ أرقى أهل الأرض في الحضارة والعلوم والفلسفة هم الذين يقوضون صروح المدنية بمدافعهم ودباباتهم وطياراتهم، وبكل ما أوتوا من فن واختراع، ويهلكون الحرث والنسل، ويخربون العامر من المدن ودور الصناعات بمنتهى القسوة والشدة، ويهلكون ملايين الأنفس ما بين قتيل وجريح دون أن تستشعر قلوبهم عاطفة رحمة ولا رحمة، ولو كانوا يؤمنون بالله واليوم الاخر وما فيه من الحساب والجزاء.. لما انتهوا في الطغيان إلى هذا الحد الذي نراه الآن.
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾؛ أي: كذبوا بلقاء الله إلى أن جاءتهم الساعة والقيامة مباغتةً مفاجئةً لهم من غير شعور منهم لها، وقد ورد في الكتاب والسنة أنَّ الله تعالى أخفى علمها على كل أحد حتى الرسل والملائكة، فلا يعلم أحد متى يكون مجيئها، وفي أي وقت يكون حصولها. ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾؛ أي: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله، وأصروا على هذا التكذيب حتى إذا جاءتهم منيتهم - وهي بالنسبة إليهم مبدأ الساعة، ومقدمات القيامة - مفاجئةً لهم من حيث لم يكونوا ينظرونها، ولا يعدون العدة لمجيئها.. قالوا: يا حسرتنا على تفريطنا في الحياة الدنيا التي كنا نزعم أن لا حياة بعدها؛ أي: أصروا على التكذيب حتى قالوا وقت مجيء الساعة لهم بغتةً: يا ندامتنا على تفريطنا وتقصيرنا في تحصيل الزاد للساعة في الدنيا، هذا أوانك فاحضري إلينا لنتعجب منك. ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ﴾؛
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾؛ أي: كذبوا بلقاء الله إلى أن جاءتهم الساعة والقيامة مباغتةً مفاجئةً لهم من غير شعور منهم لها، وقد ورد في الكتاب والسنة أنَّ الله تعالى أخفى علمها على كل أحد حتى الرسل والملائكة، فلا يعلم أحد متى يكون مجيئها، وفي أي وقت يكون حصولها. ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾؛ أي: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله، وأصروا على هذا التكذيب حتى إذا جاءتهم منيتهم - وهي بالنسبة إليهم مبدأ الساعة، ومقدمات القيامة - مفاجئةً لهم من حيث لم يكونوا ينظرونها، ولا يعدون العدة لمجيئها.. قالوا: يا حسرتنا على تفريطنا في الحياة الدنيا التي كنا نزعم أن لا حياة بعدها؛ أي: أصروا على التكذيب حتى قالوا وقت مجيء الساعة لهم بغتةً: يا ندامتنا على تفريطنا وتقصيرنا في تحصيل الزاد للساعة في الدنيا، هذا أوانك فاحضري إلينا لنتعجب منك. ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ﴾؛
276
أي: والحال أنهم يحملون ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ وذنوبهم وخطاياهم ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ وعواتقهم؛ أي: يقاسون عذاب ذنوبهم مقاساة ثقل ذلك عليهم، فلا تفارقهم ذنوبهم، وخص الظهر بالذكر؛ لأنه يطيق من الحمل ما لا يطيقه غيره من الأعضاء، كالرأس والكاهل، وهذا كما تقدم في قوله: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِم﴾؛ لأن اليد أقوى في الإدراك اللمسي من غيرها، وفي ذلك إيماء إلى أن عذابهم ليس مقصورًا على الحسرة والندامة على ما فات وزال، بل يقاسون مع ذلك تحمُّل الأوزار الثقال، وإشارة إلى أن تلك الحسرة من الشدة والهول بحيث لا تزول ولا تنسى بما يكابدونه من صنوف العقوبات.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي: أن الأعمال القبيحة تتمثل بصورة رجل قبيح، يحمله صاحبها يوم القيامة، والصالحة بصورة رجل حسن، يحمل صاحبها يوم القيامة.
والخلاصة: أنهم ينادون الحسرة التي أحاطت بهم أسبابها وهم في أسوأ حال بما يحملون من أوزارهم على ظهورهم، وقد بيَّن الله تعالى سوء تلك الحال التي تلابسهم حينما يلهجون ويتكلمون بذلك المقال، فقال: ﴿أَلَا﴾؛ أي: انتبهوا واعرفوا ما سأذكره لكم وهو قوله: ﴿سَاءَ﴾ وقبح ﴿مَا يَزِرُونَ﴾ ويحملون على ظهورهم يوم القيامة؛ أي: ما أسوأ تلك الأثقال التي يحملونها وما أقبحها، والمخصوص بالذم ذنوبهم.
٣٢ - ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾؛ أي: وما هذه الحياة الدنيا التي قال الكفار فيها أنه لا حياة غيرها ﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ فهي دائرة بين عمل لا يفيد في العاقبة، كعب الأطفال، وعمل له فائدة عاجلة سلبية؛ كفائدة اللهو وهو دفع الهموم والآلام، ومن ثمَّ قال بعض الحكماء: إن جميع لذات الدنيا سلبية إذ هي إزالة للآلام، فلذة الطعام في إزالة ألم الجوع، وبقدر هذا الألم تعظم اللذة في إزالته، ولذة شرب الماء هي إزالة العطش، وهكذا، أو المعنى: وما الأشغال التي تشغلك في الحياة الدنيا عن خدمة الله وطاعته ﴿إِلَّا لَعِبٌ﴾؛ أي: عمل لا فائدة ولا عاقبة له؛ كعب الأطفال ﴿وَلَهْوٌ﴾؛ أي: عمل فائدته عاجلة لا آجلة، وليس المراد أن
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي: أن الأعمال القبيحة تتمثل بصورة رجل قبيح، يحمله صاحبها يوم القيامة، والصالحة بصورة رجل حسن، يحمل صاحبها يوم القيامة.
والخلاصة: أنهم ينادون الحسرة التي أحاطت بهم أسبابها وهم في أسوأ حال بما يحملون من أوزارهم على ظهورهم، وقد بيَّن الله تعالى سوء تلك الحال التي تلابسهم حينما يلهجون ويتكلمون بذلك المقال، فقال: ﴿أَلَا﴾؛ أي: انتبهوا واعرفوا ما سأذكره لكم وهو قوله: ﴿سَاءَ﴾ وقبح ﴿مَا يَزِرُونَ﴾ ويحملون على ظهورهم يوم القيامة؛ أي: ما أسوأ تلك الأثقال التي يحملونها وما أقبحها، والمخصوص بالذم ذنوبهم.
٣٢ - ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾؛ أي: وما هذه الحياة الدنيا التي قال الكفار فيها أنه لا حياة غيرها ﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ فهي دائرة بين عمل لا يفيد في العاقبة، كعب الأطفال، وعمل له فائدة عاجلة سلبية؛ كفائدة اللهو وهو دفع الهموم والآلام، ومن ثمَّ قال بعض الحكماء: إن جميع لذات الدنيا سلبية إذ هي إزالة للآلام، فلذة الطعام في إزالة ألم الجوع، وبقدر هذا الألم تعظم اللذة في إزالته، ولذة شرب الماء هي إزالة العطش، وهكذا، أو المعنى: وما الأشغال التي تشغلك في الحياة الدنيا عن خدمة الله وطاعته ﴿إِلَّا لَعِبٌ﴾؛ أي: عمل لا فائدة ولا عاقبة له؛ كعب الأطفال ﴿وَلَهْوٌ﴾؛ أي: عمل فائدته عاجلة لا آجلة، وليس المراد أن
277
مطلق الحياة لعب ولهو، بل ما قرب منها إلى الله.. فهو مزرعة للآخرة، فليست من أشغال الدنيا، وما أبعد منها عنه.. فهو حسرة وندامة، واللعب: هو كل ما يشغل النفس عما تنتفع به، واللهو: صرفها عن الجد إلى الهزل، وقيل: المعنى أي: وما اللذات والمستحسنات الحاصلة في هذه الدنيا إلا فرح يشغل النفس عما تنتفع به، وباطل يصرف النفس عن الجد في الأمور إلى الهزل.
وفي الآية وجه آخر، وهو أن متاع هذه الدنيا متاع قليل قصير الأجل، لا ينبغي أن يغتر العاقل به، فما هو إلا كلعب الأطفال قصير المدة، فإن الطفل سريع الملل لكل ما يقدم إليه من أصناف اللعب، أو أن زمن الطفولة قصير، كله غفلة، أو كلهو المهموم في قصر مدته على كونه غير مقصود لذاته، والقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾.
واللام في قوله: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ لام (١) قسم؛ أي: وعزتي وجلالي للدار التي هي محل الحياة الأخرى، وهي الجنة - جعلنا الله سبحانه وتعالى من أهله - ﴿خَيْرٌ﴾، وأفضل ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ ويجتنبون الكفر والمعاصي لخلو لذاتها من المضار والآلام، وسلامتها من التقضِّي والانصرام من هذه الدار للمشركين المنكرين للبعث الذين لا حظَّ لهم من حياتهم إلا التمتع الذي هو من قبيل اللعب في قصر مدته وعدم فائدته، أو من قبيل اللهو في كونه دفعًا لألم الهم والكدر.
والخلاصة: أن نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا، كما قال الشاعر:
فالبدني منه أعلى وأكمل من نعيم الدنيا في ذاته وفي دوامه وثباته، وفي كونه إيجابيًّا لا سلبيًّا، وفي كونه غير مشوب ولا منغص بشيء من الآلام، وفي كونه لا يعقبه ثقل ولا مرض ولا إزالة أقذار، بخلاف نعيم الدنيا؛ لأن لذاتها يشوبها مكدرات، وسرورها يعقبه غم وحزن كما قال الشاعر:
وفي الآية وجه آخر، وهو أن متاع هذه الدنيا متاع قليل قصير الأجل، لا ينبغي أن يغتر العاقل به، فما هو إلا كلعب الأطفال قصير المدة، فإن الطفل سريع الملل لكل ما يقدم إليه من أصناف اللعب، أو أن زمن الطفولة قصير، كله غفلة، أو كلهو المهموم في قصر مدته على كونه غير مقصود لذاته، والقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾.
واللام في قوله: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ لام (١) قسم؛ أي: وعزتي وجلالي للدار التي هي محل الحياة الأخرى، وهي الجنة - جعلنا الله سبحانه وتعالى من أهله - ﴿خَيْرٌ﴾، وأفضل ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ ويجتنبون الكفر والمعاصي لخلو لذاتها من المضار والآلام، وسلامتها من التقضِّي والانصرام من هذه الدار للمشركين المنكرين للبعث الذين لا حظَّ لهم من حياتهم إلا التمتع الذي هو من قبيل اللعب في قصر مدته وعدم فائدته، أو من قبيل اللهو في كونه دفعًا لألم الهم والكدر.
والخلاصة: أن نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا، كما قال الشاعر:
لِلَّهِ أَيَّامُ نَجْدٍ وَالنَّعِيْمُ بِهَا | قَدْ كَانَ دَارًا لَنَا أَكْرِمْ بِهِ دَارَا |
أشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِيْ فِيْ سُرُوْرٍ | تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ زَوَالا |
(١) الخازن.
278
والروحاني منه كلقاء الله ورضوانه وكمال معرفته، يجل عنه الوصف والتحديد، ولا شبيه له في نعيم الدنيا.
وقرأ (١) ابن عامر وحده: ﴿ولدار الآخرة﴾ بالإضافة، فقيل: من إضافة الموصوف إلى صفته؛ كمسجد الجامع، وقيل: من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: ولدار الآخرة. وقراءة ابن عامر موافقة لمصحفه، فإنها رسمت في مصاحف الشاميين بلام واحدة، واختارها بعضهم لموافقتها لما أجمع عليه في يوسف: ﴿وَلَدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾، وفي مصاحف الناس بلامين. وقرأ باقي السبعة: ﴿وللدار الآخرة﴾ بتعريف الدار بأل ورفع الآخرة نعتًا لها.
والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: قل لهم: أتغفلون أيها المخاطبون المنكرون للبعث عن هذا المذكور، فلا تعقلون وتفهمون أن الحياة الدنيا لعب ولهو، وأنها فانية، والآخرة باقية، وأنتم ترون من يموت، ومن تنوبه النوائب وتفجعه الفواجع؟ ففي ذلك مزدجر عن الركون إليها، واستبعاد النفوس لها، ودليل على أن لها مدبِّرًا يلزم الخلق عبادته وعدم إشراك غيره معه في ذلك التدبير والنظام، وإخلاص العبادة والطاعة له.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص (٢): ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بالتاء، خطابًا لمن كان في حضرة الرسول - ﷺ - من منكري البعث كما فسرنا. وقرأ الباقون بالياء على الغيبة؛ أي: أيغفل الذين يتقون، فلا يعقلون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار، فيعملون لما ينالون به الدرجة الرفيعة والنعيم الدائم، فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك.
٣٣ - وقوله: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ كلام مستأنف مسوق لتسلية رسول الله - ﷺ - عما ناله من الغم والحزن بتكذيب الكفار له. والضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ للشأن والحال، والجملة بعده مفسرة له، وما ذكره "الشوكاني" وغيره هنا من أن
وقرأ (١) ابن عامر وحده: ﴿ولدار الآخرة﴾ بالإضافة، فقيل: من إضافة الموصوف إلى صفته؛ كمسجد الجامع، وقيل: من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: ولدار الآخرة. وقراءة ابن عامر موافقة لمصحفه، فإنها رسمت في مصاحف الشاميين بلام واحدة، واختارها بعضهم لموافقتها لما أجمع عليه في يوسف: ﴿وَلَدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾، وفي مصاحف الناس بلامين. وقرأ باقي السبعة: ﴿وللدار الآخرة﴾ بتعريف الدار بأل ورفع الآخرة نعتًا لها.
والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: قل لهم: أتغفلون أيها المخاطبون المنكرون للبعث عن هذا المذكور، فلا تعقلون وتفهمون أن الحياة الدنيا لعب ولهو، وأنها فانية، والآخرة باقية، وأنتم ترون من يموت، ومن تنوبه النوائب وتفجعه الفواجع؟ ففي ذلك مزدجر عن الركون إليها، واستبعاد النفوس لها، ودليل على أن لها مدبِّرًا يلزم الخلق عبادته وعدم إشراك غيره معه في ذلك التدبير والنظام، وإخلاص العبادة والطاعة له.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص (٢): ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بالتاء، خطابًا لمن كان في حضرة الرسول - ﷺ - من منكري البعث كما فسرنا. وقرأ الباقون بالياء على الغيبة؛ أي: أيغفل الذين يتقون، فلا يعقلون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار، فيعملون لما ينالون به الدرجة الرفيعة والنعيم الدائم، فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك.
٣٣ - وقوله: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ كلام مستأنف مسوق لتسلية رسول الله - ﷺ - عما ناله من الغم والحزن بتكذيب الكفار له. والضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ للشأن والحال، والجملة بعده مفسرة له، وما ذكره "الشوكاني" وغيره هنا من أن
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
279
﴿قَدْ﴾ للتكثير غير ظاهر كما ذكره أبو حيان؛ لأن علمه تعالى لا يمكن فيه التكثير والزيادة. والظاهر أن يقال: إنها هنا للتحقيق والتوكيد، نظير قوله تعالى: ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾، وقوله الشاعر:
أي: حقًّا علمنا يا محمد أنه ليحزنك ويهمك القول الذي يقولونه لك في الظاهر في طعنك وتكذيب نبوتك، ورد دعوتك إلى التوحيد، وتنفير العرب عنك من قولهم: إنك ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون.
قال ابن كثير (١): يقول تعالى مسليًّا لنبيه - ﷺ - في تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه: قد أحطنا علمًا بتكذيبهم لك وحزنك وأسفك عليهم، كما جاء في قوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، وفي قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾. قرأ (٢) نافع: ﴿ليُحزنك﴾ بضم الياء وكسر الزاي من أحزن الرباعي، والباقون بفتح الياء وضم الزاي من حزن الثلاثي.
ثم بين أن هذا التكذيب منشؤه العناد والجحود لإخفاء الدليل، فقال: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾؛ أي: فلا تحزن لما يقولون فيك وفي دينك في الظاهر؛ لأنهم لا يكذبونك في السر، فإنهم قد علموا صدقك. ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ القرآنية والإعجازية ﴿يَجْحَدُونَ﴾ ـها ويعاندونها، ويدفعونها بصدودهم عنها وتنفير الناس عنها بعد معرفة حقيقتها. وفي قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ وضع الظاهر موضع المضمر.
وقرأ علي ونافع والكسائي (٣): ﴿يكذبونك﴾ بسكون الكاف من أكذب الرباعي؛ أي: لا يجدونك كاذبًا؛ لأنهم يعرفون صدقك وأمانتك. وقرأ باقي السبعة وابن عباس: ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ بفتح الكاف وتشديد الذال من كذب المضعف؛
وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ | وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سَبْعِيْنَ وَادِيَا |
قال ابن كثير (١): يقول تعالى مسليًّا لنبيه - ﷺ - في تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه: قد أحطنا علمًا بتكذيبهم لك وحزنك وأسفك عليهم، كما جاء في قوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، وفي قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾. قرأ (٢) نافع: ﴿ليُحزنك﴾ بضم الياء وكسر الزاي من أحزن الرباعي، والباقون بفتح الياء وضم الزاي من حزن الثلاثي.
ثم بين أن هذا التكذيب منشؤه العناد والجحود لإخفاء الدليل، فقال: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾؛ أي: فلا تحزن لما يقولون فيك وفي دينك في الظاهر؛ لأنهم لا يكذبونك في السر، فإنهم قد علموا صدقك. ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ القرآنية والإعجازية ﴿يَجْحَدُونَ﴾ ـها ويعاندونها، ويدفعونها بصدودهم عنها وتنفير الناس عنها بعد معرفة حقيقتها. وفي قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ وضع الظاهر موضع المضمر.
وقرأ علي ونافع والكسائي (٣): ﴿يكذبونك﴾ بسكون الكاف من أكذب الرباعي؛ أي: لا يجدونك كاذبًا؛ لأنهم يعرفون صدقك وأمانتك. وقرأ باقي السبعة وابن عباس: ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ بفتح الكاف وتشديد الذال من كذب المضعف؛
(١) ابن كثير.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
280
أي: لا ينسبونك إلى الكذب بالاعتقاد واللسان. فقيل: هما بمعنى واحد نحو: كثر وأكثر، وقيل: بينهما فرق كما فسرنا. حكى الكسائي أن العرب تقول: كذَّبت الرجل إذا نسبت إليه الكذب، وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دون أن تنسبه إليه.
والمعنى (١): أنهم يقولون في كل معجزة: إنها سحر، وينكرون دلالة المعجزة على الصدق على الإطلاق، أو المعنى: أن القوم ما كذبوك، وإنما كذبوني؛ لأنك رسولي؛ كقول السيد لعبده وقد أهانه بعض الناس: أيها العبد، إنه ما أهانك، وإنما أهانني، والمقصود تعظيم الشأن لا نفي الإهانة عن العبد، ونظيره قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾. روى سفيان الثوري عن علي قال: قال أبو جهل للنبي - ﷺ -: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
وروي أن الحارث بن عامر من قريش قال: يا محمد، واللهِ ما كذبتنا قط، ولكنا إن اتبعناك.. نتخطف من أرضنا، فنحن لا نؤمن بك لهذا السبب.
والخلاصة (٢): أنهم لا ينسبون النبي - ﷺ - إلى افتراء الكذب، ولا يجدونه كاذبًا في خبر يخبر به؛ بأن يتبين أنه غير مطابق للواقع، وإنما يدعون أن ما جاء به من أخبار الغيب التي من أهمها البعث والجزاء كذبٌ غير مطابق للواقع، ولا يقتضي ذلك أن يكون هو الذي افتراه، فإن التكذيب قد يكون للكلام دون المتكلم الناقل له، وذكر الرازي في نفي التكذيب مع إثبات الجحود أربعة أوجه:
١ - أنهم ما كانوا يكذبونه في السر، ولكنهم كانوا يكذبونه في العلانية، ويجحدون القرآن والنبوة.
٢ - أنهم لا يقولون له: إنك كذاب؛ لأنهم جربوه الدهر الطويل، فلم يكذب فيه قط، ولكن جحدوا صحة النبوة والرسالة، واعتقدوا أنه تخيل أنه نبي، وصدق ما تخيله فدعا إليه.
والمعنى (١): أنهم يقولون في كل معجزة: إنها سحر، وينكرون دلالة المعجزة على الصدق على الإطلاق، أو المعنى: أن القوم ما كذبوك، وإنما كذبوني؛ لأنك رسولي؛ كقول السيد لعبده وقد أهانه بعض الناس: أيها العبد، إنه ما أهانك، وإنما أهانني، والمقصود تعظيم الشأن لا نفي الإهانة عن العبد، ونظيره قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾. روى سفيان الثوري عن علي قال: قال أبو جهل للنبي - ﷺ -: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
وروي أن الحارث بن عامر من قريش قال: يا محمد، واللهِ ما كذبتنا قط، ولكنا إن اتبعناك.. نتخطف من أرضنا، فنحن لا نؤمن بك لهذا السبب.
والخلاصة (٢): أنهم لا ينسبون النبي - ﷺ - إلى افتراء الكذب، ولا يجدونه كاذبًا في خبر يخبر به؛ بأن يتبين أنه غير مطابق للواقع، وإنما يدعون أن ما جاء به من أخبار الغيب التي من أهمها البعث والجزاء كذبٌ غير مطابق للواقع، ولا يقتضي ذلك أن يكون هو الذي افتراه، فإن التكذيب قد يكون للكلام دون المتكلم الناقل له، وذكر الرازي في نفي التكذيب مع إثبات الجحود أربعة أوجه:
١ - أنهم ما كانوا يكذبونه في السر، ولكنهم كانوا يكذبونه في العلانية، ويجحدون القرآن والنبوة.
٢ - أنهم لا يقولون له: إنك كذاب؛ لأنهم جربوه الدهر الطويل، فلم يكذب فيه قط، ولكن جحدوا صحة النبوة والرسالة، واعتقدوا أنه تخيل أنه نبي، وصدق ما تخيله فدعا إليه.
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
281
٣ - أنهم لما أصروا على التكذيب مع ظهور المعجزات القاهرة وفق دعواه.. كان تكذيبهم تكذيبًا لآيات الله المؤيدة له، أو تكذيبًا له سبحانه وتعالى، فكأن الله قال له: إن القوم ما كذبوك، ولكن كذبوني، وذلك أن تكذيب الرسول كتكذيب المرسل المصدِّق له بتأييده على حد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾.
٤ - أن المراد أنهم لا يخصونك بالتكذيب، بل ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقًا، ويقولون في كل معجزة إنها سحر، فكأن الخلاصة أنهم لا يكذبونك على التعيين، ولكن يكذبون جميع الأنبياء والرسل.
٣٤ - ثم لفت وصرف نظر رسوله - ﷺ - لأن يقتدي بالرسل قبله في الصبر على التكذيب، فقال: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد كذب الرسل الذين من قبلك - كنوح ومن بعده - قومهم، كما كذبك قومك ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾؛ أي: فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم لهم ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ بإهلاك قومهم فاصبر يا أشرف الخلق كما صبروا.. تظفر على أعدائك كما ظفروا، بل أنت أولى بالتزام الصبر؛ لأنك مبعوث إلى جميع العالمين.
وقرأ (١) الجمهور: ﴿وَأُوذُوا﴾ بواو بعد الهمزة من آذى يؤذي رباعيًّا. وقرأ ابن عامر في رواية شاذة: ﴿وأذوا﴾ من غير واو بعد الهمزة، وهو من أذيت الرجل ثلاثيًّا لا من آذيت رباعيًّا. اهـ "سمين". وفي الآية تسلية للرسول - ﷺ - بعد تسلية، وإرشاد إلى سننه تعالى في الرسل والأمم، وقد صرح بوجوب الصبر على هذا الإيذاء في قوله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾، وفي قوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)﴾. وقد دلت التجارب على أن التأسي يهون المصاب، ويفيد شيئًا من السلوى، ومن هذا تعلم حكمة تكرار التسلية بأمثال هذه الآية مع الأمر بالصبر المرة بعد المرة؛ لأن الحزن والأسف اللذين كانا يعرضان له - ﷺ - من شأنهما أن يتكررا بتكرر سببهما وبتذكره.
٤ - أن المراد أنهم لا يخصونك بالتكذيب، بل ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقًا، ويقولون في كل معجزة إنها سحر، فكأن الخلاصة أنهم لا يكذبونك على التعيين، ولكن يكذبون جميع الأنبياء والرسل.
٣٤ - ثم لفت وصرف نظر رسوله - ﷺ - لأن يقتدي بالرسل قبله في الصبر على التكذيب، فقال: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد كذب الرسل الذين من قبلك - كنوح ومن بعده - قومهم، كما كذبك قومك ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾؛ أي: فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم لهم ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ بإهلاك قومهم فاصبر يا أشرف الخلق كما صبروا.. تظفر على أعدائك كما ظفروا، بل أنت أولى بالتزام الصبر؛ لأنك مبعوث إلى جميع العالمين.
وقرأ (١) الجمهور: ﴿وَأُوذُوا﴾ بواو بعد الهمزة من آذى يؤذي رباعيًّا. وقرأ ابن عامر في رواية شاذة: ﴿وأذوا﴾ من غير واو بعد الهمزة، وهو من أذيت الرجل ثلاثيًّا لا من آذيت رباعيًّا. اهـ "سمين". وفي الآية تسلية للرسول - ﷺ - بعد تسلية، وإرشاد إلى سننه تعالى في الرسل والأمم، وقد صرح بوجوب الصبر على هذا الإيذاء في قوله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾، وفي قوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)﴾. وقد دلت التجارب على أن التأسي يهون المصاب، ويفيد شيئًا من السلوى، ومن هذا تعلم حكمة تكرار التسلية بأمثال هذه الآية مع الأمر بالصبر المرة بعد المرة؛ لأن الحزن والأسف اللذين كانا يعرضان له - ﷺ - من شأنهما أن يتكررا بتكرر سببهما وبتذكره.
(١) الفتوحات.
282
وفي الآية بشارة للرسول - ﷺ - مؤكدة للتسلية بأن الله تعالى سينصره على المكذبين الظالمين من قومه، وعلى كل من يكذبه ويؤذيه من أمة الدعوة، كما أنَّ فيها إيماءً إلى حسن عاقبة الصبر، فمن كان أصبر.. كان حقيقًا بالنصر إذا تساوت بين الخصمين وسائل الغلب والقهر.
والمعنى: أن (١) هذا الذي وقع من هؤلاء إليك ليس هو بأول ما صنعه الكفار مع من أرسله الله إليهم، بل وقع التكذيب لكثير من الرسل المرسلين من قبلك، فاقتد بهم، ولا تحزن، واصبر كما صبروا على ما كذبوا به وأوذوا، حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم، فإنا لا نخلف الميعاد، ولكل أجل كتاب ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: لا مغير ولا ناقض لحكمه وقضائه تعالى، وقد حكم الله سبحانه وتعالى بنصر الأنبياء في نحو قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ وقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾، وقوله: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)﴾؛ أي: فإن وعد الله إياك بالنصر حق وصدق، ولا يمكن تطرق الخلف والتبديل إليه، بل وعده كائن، وأنت منصور على المكذبين ظاهر عليهم، وقد كان ذلك فللَّه الحمد.
والحاصل: أن كلمات الله لا يمكن أن يبدلها مبدل، فنصر الرسل حتم لا بد منه، والتبديل: جعل شيء بدلًا من شيء آخر، وتبديل الكلمات والأقوال نوعان:
١ - تبديل ذاتها بجعل قول مكان قول، وكلمة مكان أخرى، ومن هذا قوله تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾.
٢ - تبديل مدلولها ومضمونها، كمنع نفاذ الوعد والوعيد، أو وقوعه على خلاف القول الذي سبق، وهذا الأخير هو المراد هنا.
ثم أكد سبحانه عدم التبديل بقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي قد جاءك يا محمد من خبر المرسلين الذي قصصناه عليك من قبل
والمعنى: أن (١) هذا الذي وقع من هؤلاء إليك ليس هو بأول ما صنعه الكفار مع من أرسله الله إليهم، بل وقع التكذيب لكثير من الرسل المرسلين من قبلك، فاقتد بهم، ولا تحزن، واصبر كما صبروا على ما كذبوا به وأوذوا، حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم، فإنا لا نخلف الميعاد، ولكل أجل كتاب ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: لا مغير ولا ناقض لحكمه وقضائه تعالى، وقد حكم الله سبحانه وتعالى بنصر الأنبياء في نحو قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ وقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾، وقوله: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)﴾؛ أي: فإن وعد الله إياك بالنصر حق وصدق، ولا يمكن تطرق الخلف والتبديل إليه، بل وعده كائن، وأنت منصور على المكذبين ظاهر عليهم، وقد كان ذلك فللَّه الحمد.
والحاصل: أن كلمات الله لا يمكن أن يبدلها مبدل، فنصر الرسل حتم لا بد منه، والتبديل: جعل شيء بدلًا من شيء آخر، وتبديل الكلمات والأقوال نوعان:
١ - تبديل ذاتها بجعل قول مكان قول، وكلمة مكان أخرى، ومن هذا قوله تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾.
٢ - تبديل مدلولها ومضمونها، كمنع نفاذ الوعد والوعيد، أو وقوعه على خلاف القول الذي سبق، وهذا الأخير هو المراد هنا.
ثم أكد سبحانه عدم التبديل بقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي قد جاءك يا محمد من خبر المرسلين الذي قصصناه عليك من قبل
(١) الشوكاني.
283
في القرآن ما فيه كفاية وتأس لك بهم، كيف كذبهم قومهم وكيف أنجيناهم ودمرنا قومهم. فقد روي أن سورة الأنعام نزلت بين سورة الشعراء والنمل والقصص وهود والحجر المشتملة على نبأ المرسلين بالتفصيل. وأنت ستكون عاقبة هؤلاء المكذبين لك، كعاقبة المكذبين للرسل، فيرجعون إليك، ويدخلون في الدين الذي أنت تدعوهم إليه طوعًا أو كرهًا.
وكما وعد الله رسله بالنصر.. وعد المؤمنين به في نحو قوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)﴾، وفي قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فما بالنا نرى كثيرًا ممن يدَّعون الإيمان في هذا الزمان غير منصورين، فلا بد إذًا من أن يكونوا في إيمانهم غير صادقين، ولأهوائهم متبعين، ولسنته في أسباب جاهلين، فالله لا يخلف وعده ولا يبطل سننه، بل ينصر المؤمن الصادق الذي يتحرى الحق والعدل في حربه، لا الظالم الباغي من خلقه، والذي يقصد إعلاء كلمة الله ونصر دينه، كما جاء في قوله: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)﴾.
٣٥ - ﴿وَإِنْ كَانَ﴾ الشأن ﴿كَبُرَ﴾ وشق وعظم ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾ وإبائهم عن الإيمان بما جئت به من القرآن، وأحببت أن تجيبهم إلى ما سألوه. ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾ وقدرت ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ﴾ وتطلب ﴿نَفَقًا﴾ ومنفذًا وسربًا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أن تتخذ منفذًا تنفذ به إلى جوف الأرض، والنفق: سرب في الأرض تخلص منه إلى مكان آخر.
وقرأ نبيح الغنوي: ﴿أن تبتغي نافقاء﴾ والنافقاء ممدودًا: هو أحد مخارج جحر اليربوع.
﴿أَوْ﴾ تبتغي ﴿سُلَّمًا﴾ ومصعدًا ترتقي به ﴿فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾ ومعجزة من جنس ما اقترحوه وطلبوه منك من تحت الأرض، أو من فوق السماء.. فأفعل ذلك، ولكنك لا تستطيع ذلك، فدع الحزن: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.
وكما وعد الله رسله بالنصر.. وعد المؤمنين به في نحو قوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)﴾، وفي قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فما بالنا نرى كثيرًا ممن يدَّعون الإيمان في هذا الزمان غير منصورين، فلا بد إذًا من أن يكونوا في إيمانهم غير صادقين، ولأهوائهم متبعين، ولسنته في أسباب جاهلين، فالله لا يخلف وعده ولا يبطل سننه، بل ينصر المؤمن الصادق الذي يتحرى الحق والعدل في حربه، لا الظالم الباغي من خلقه، والذي يقصد إعلاء كلمة الله ونصر دينه، كما جاء في قوله: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)﴾.
٣٥ - ﴿وَإِنْ كَانَ﴾ الشأن ﴿كَبُرَ﴾ وشق وعظم ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾ وإبائهم عن الإيمان بما جئت به من القرآن، وأحببت أن تجيبهم إلى ما سألوه. ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾ وقدرت ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ﴾ وتطلب ﴿نَفَقًا﴾ ومنفذًا وسربًا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أن تتخذ منفذًا تنفذ به إلى جوف الأرض، والنفق: سرب في الأرض تخلص منه إلى مكان آخر.
وقرأ نبيح الغنوي: ﴿أن تبتغي نافقاء﴾ والنافقاء ممدودًا: هو أحد مخارج جحر اليربوع.
﴿أَوْ﴾ تبتغي ﴿سُلَّمًا﴾ ومصعدًا ترتقي به ﴿فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾ ومعجزة من جنس ما اقترحوه وطلبوه منك من تحت الأرض، أو من فوق السماء.. فأفعل ذلك، ولكنك لا تستطيع ذلك، فدع الحزن: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.
284
والمعنى: وإن كان إتيانك بآية مما اقترحوا يدحض حجتهم ويكشف شبهتهم، فيؤمنون عن بينة وبرهان، فإن استطعت أن تبتغي لنفسك نفقًا تطلبه في الأرض، فتذهب في أعماقها، أو سلمًا في جو السماء ترقى فيه إلى ما فوقها، فتأتيهم بآية مما اقترحوا عليك.. فأت بما يدخل تحت طوع قدرتك من ذلك، كتفجير ينبوع لهم من الأرض، أو تنزيل كتاب تحمله من السماء، وقد كانوا طلبوا ذلك كما حكى الله عنهم بقوله: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠)﴾ إلى قوله: ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ وقد أمره الله أن يجيبهم عن ذلك بقوله عقب هذا: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾؛ أي: وليس ذلك في قدرة البشر، وإن كان رسولًا فالرسل لا يقدرون على شيء مما يعجز عنه البشر، ولا يستطيع إيجاده غير الخالق.
وخلاصة ذلك: أنك لن تستطيع الإتيان بشيء من تلك الآيات، ولا ابتغاء السبل إليها في الأرض ولا في السماء، ولا اقتضت مشيئة ربك أن يؤتيك ذلك؛ لعلمه أنه لن يكون سببًا لما تحبه من هدايتهم. والمقصود من هذا الكلام: أن يقطع الرسول طمعه عن إيمانهم، وأن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الإيمان وإقبالهم على الكفر، وهذا دليل على مبالغة حرصه - ﷺ - على إسلام قومه إلى حيث لو قدر على أن يأتي بآية من تحت الأرض، أو من فوق السماء.. لفعل رجاءً لإيمانهم.
ثم أكد عدم إيمانهم، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى جمعهم على ما جئت به من الهدى ﴿لَجَمَعَهُمْ﴾؛ أي: لجمع هؤلاء المكذبين لك ﴿عَلَى الْهُدَى﴾ جمع إلجاء وقسر، ولكنه لم يشأ ذلك، ولله الحكمة البالغة؛ أي: ولو شاء الله تعالى جمعهم على ما جئت به من الهدى لجمعهم عليه؛ إما بأن يجعل الإيمان ضروريًّا لهم كالملائكة، وإما بأن يخلقهم على استعداد واحد للحق والخير، لا متفاوتي الاستعداد مختلفي الاختيار باختلاف العلوم والأفكار والأخلاق والعادات، ولكنه شاء أن يجعلهم على ما هم عليه من الاختلاف والتفاوت، وما يترتب على ذلك من أسباب الاختيار.
﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾ يا محمَّد ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾؛ أي: إذا عرفت سننه تعالى في خلق
وخلاصة ذلك: أنك لن تستطيع الإتيان بشيء من تلك الآيات، ولا ابتغاء السبل إليها في الأرض ولا في السماء، ولا اقتضت مشيئة ربك أن يؤتيك ذلك؛ لعلمه أنه لن يكون سببًا لما تحبه من هدايتهم. والمقصود من هذا الكلام: أن يقطع الرسول طمعه عن إيمانهم، وأن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الإيمان وإقبالهم على الكفر، وهذا دليل على مبالغة حرصه - ﷺ - على إسلام قومه إلى حيث لو قدر على أن يأتي بآية من تحت الأرض، أو من فوق السماء.. لفعل رجاءً لإيمانهم.
ثم أكد عدم إيمانهم، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى جمعهم على ما جئت به من الهدى ﴿لَجَمَعَهُمْ﴾؛ أي: لجمع هؤلاء المكذبين لك ﴿عَلَى الْهُدَى﴾ جمع إلجاء وقسر، ولكنه لم يشأ ذلك، ولله الحكمة البالغة؛ أي: ولو شاء الله تعالى جمعهم على ما جئت به من الهدى لجمعهم عليه؛ إما بأن يجعل الإيمان ضروريًّا لهم كالملائكة، وإما بأن يخلقهم على استعداد واحد للحق والخير، لا متفاوتي الاستعداد مختلفي الاختيار باختلاف العلوم والأفكار والأخلاق والعادات، ولكنه شاء أن يجعلهم على ما هم عليه من الاختلاف والتفاوت، وما يترتب على ذلك من أسباب الاختيار.
﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾ يا محمَّد ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾؛ أي: إذا عرفت سننه تعالى في خلق
285
الإنسان، وأنه لا تبديل لخلق الله.. فلا تكونن من الجاهلين لسننه في ذلك، فتتمنى ما تراه حسنًا نافعًا، وإن كان حصوله ممتنعًا؛ لكونه مخالفًا لتلك السنن التي اقتضتها الحكمة الإلهية. فإن شدة الحرص والحزن لإعراض الكفار عن الإجابة قبل أن يأذن الله بذلك، هو صنيع أهل الجهل، ولست منهم، فدع الأمور مفوضة إلى عالم الغيب والشهادة، فهو أعلم بما فيه المصلحة، ولا تحزن لعدم حصول ما يطلبونه من الآيات التي لو بدا لهم بعضها.. لكان إيمانهم بها اضطرارًا، أو المعنى: ولا تجزع على إعراضهم عنك، ولا يشتد تحزنك على تكذيبهم بك، فإن فعلت ذلك.. فتقارب حالك من حال الجاهلين الذين لا صبر لهم.
وخلاصة ذلك: لا تكونن بالحرص على إسلامهم والميل إلى الإتيان بمقترحاتهم من الجاهلين بدقائق شؤونه تعالى في خلقه.
الإعراب
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾.
﴿وَمِنْهُمْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿منهم﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿يَسْتَمِعُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، ووحد الضمير في الفعل حملًا على لفظ ﴿مَنْ﴾ وما جاء منه على لفظ الجمع فعلى معنى ﴿مَنْ﴾ نحو: ﴿مَّن يَسْتَمِعُونَ﴾ و ﴿مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به. ﴿وَجَعَلْنَا﴾: الواو: عاطفة. ﴿جعلنا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية المذكورة قبلها، أو مستأنفة مسوقة للإخبار بما تضمنته من الختم على قلوبهم وسمعهم، وجعلنا بمعنى: صيرنا يتعدى إلى مفعولين. ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف مفعول ثانٍ لـ ﴿جعلنا﴾. ﴿أَكِنَّةً﴾: مفعول أول لـ ﴿جعلنا﴾، والتقدير: وجعلنا أكنة مستقرة على قلوبهم. ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾: ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المنصوب على كونه
وخلاصة ذلك: لا تكونن بالحرص على إسلامهم والميل إلى الإتيان بمقترحاتهم من الجاهلين بدقائق شؤونه تعالى في خلقه.
الإعراب
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾.
﴿وَمِنْهُمْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿منهم﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿يَسْتَمِعُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، ووحد الضمير في الفعل حملًا على لفظ ﴿مَنْ﴾ وما جاء منه على لفظ الجمع فعلى معنى ﴿مَنْ﴾ نحو: ﴿مَّن يَسْتَمِعُونَ﴾ و ﴿مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به. ﴿وَجَعَلْنَا﴾: الواو: عاطفة. ﴿جعلنا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية المذكورة قبلها، أو مستأنفة مسوقة للإخبار بما تضمنته من الختم على قلوبهم وسمعهم، وجعلنا بمعنى: صيرنا يتعدى إلى مفعولين. ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف مفعول ثانٍ لـ ﴿جعلنا﴾. ﴿أَكِنَّةً﴾: مفعول أول لـ ﴿جعلنا﴾، والتقدير: وجعلنا أكنة مستقرة على قلوبهم. ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾: ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المنصوب على كونه
286
مفعولًا لأجله تقديره: وجعلنا على قلوبهم أكنة كراهية فقههم إياه. ﴿وَفِي آذَانِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه معطوف على قوله: ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿جعلنا﴾. ﴿وَقْرًا﴾: معطوف على ﴿أَكِنَّةً﴾ على كونه مفعولًا أولًا لـ ﴿جعلنا﴾، ولا يعد الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف فصلًا، والتقدير: وجعلنا وقرًا مستقرًا في آذانهم.
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.
﴿وَإِنْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. (يَرَوْا}: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿كُلَّ آيَةٍ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ورأى بصرية تتعدى لمفعول واحد ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُؤْمِنُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿بِهَا﴾: جار ومجرور متعلقان بالفعل ﴿يُؤْمِنُوا﴾ ﴿حَتَّى﴾: ابتدائية تبتدأ بعدها الجمل، أو غائية لا عمل لها. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءُوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿جَاءُوكَ﴾. ﴿يَقُولُ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ مستأنفة. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿يقول﴾، وإن شئت قلت: ﴿إنْ﴾ نافية لا عمل لها لانتقاض نفيها بـ ﴿إلا﴾. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر واستثناء لا عمل لها. ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿يَقُولُ﴾.
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
﴿وَهُمْ﴾ الواو: حالية. ﴿هم﴾: مبتدأ. ﴿يَنهَوْنَ﴾: فعل وفاعل، والمفعول محذوف تقديره: ينهون الناس. ﴿عَنْهُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من الفاعل
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.
﴿وَإِنْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. (يَرَوْا}: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿كُلَّ آيَةٍ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ورأى بصرية تتعدى لمفعول واحد ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُؤْمِنُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿بِهَا﴾: جار ومجرور متعلقان بالفعل ﴿يُؤْمِنُوا﴾ ﴿حَتَّى﴾: ابتدائية تبتدأ بعدها الجمل، أو غائية لا عمل لها. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءُوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿جَاءُوكَ﴾. ﴿يَقُولُ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ مستأنفة. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿يقول﴾، وإن شئت قلت: ﴿إنْ﴾ نافية لا عمل لها لانتقاض نفيها بـ ﴿إلا﴾. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر واستثناء لا عمل لها. ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿يَقُولُ﴾.
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
﴿وَهُمْ﴾ الواو: حالية. ﴿هم﴾: مبتدأ. ﴿يَنهَوْنَ﴾: فعل وفاعل، والمفعول محذوف تقديره: ينهون الناس. ﴿عَنْهُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من الفاعل
287
في قوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. ﴿وَيَنْأَوْنَ﴾: فعل وفاعل. ﴿عَنْهُ﴾: متعلق به، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يَنْهَوْنَ﴾. ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ﴾: الواو: عاطفة على محذوف. ﴿إن﴾: نافية لا عمل لها. ﴿يُهْلِكُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: وهم ينهون عنه وينأون عنه؛ أي: عن الرسول، أو القرآن قاصدين تخلي الناس عن الرسول فيلهلكونه، وهم في الحقيقة يهلكون أنفسهم، ذكره أبو حيان. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾: الواو: حالية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿يَشْعُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يُهْلِكُونَ﴾.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لو﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿تَرَى﴾: فعل مضارع، وهي بصرية، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أيِّ مخاطب، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب، ومفعول ترى محذوف تقديره: ولو ترى حالهم إذ وقفوا على النار، وجواب ﴿لو﴾ محذوف أيضًا تقديره: ولو ترى حالهم إذ وقفوا على النار.. لرأيت أمرًا عجيبًا، وشأنًا فظيعًا، وجملة ﴿لو﴾ من فعل شرطها وجوابها مستأنفة. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، وعبر بـ ﴿إذ﴾ عما في المستقبل إشعارًا بتحقق وقوعه، والظرف متعلق بـ ﴿ترى﴾. ﴿وُقِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿عَلَى النَّارِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿فَقَالُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قالوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿وُقِفُوا﴾: ﴿يَا لَيْتَنَا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قومنا ليتنا، أو ﴿يا﴾: حرف تنبيه، فلا حذف. ﴿ليتنا﴾: ﴿ليت﴾: حرف تمنٍ ونصب، ونا: ضمير المتكلمين في محل النصب اسمها. ﴿نُرَدُّ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير المتكلمين، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿ليت﴾، وجملة ﴿ليت﴾ في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾: الواو: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿نُكَذِّبَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾ مضمرة وجوبًا بعد الواو العاطفة، وفاعله ضمير المتكلمين.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لو﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿تَرَى﴾: فعل مضارع، وهي بصرية، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أيِّ مخاطب، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب، ومفعول ترى محذوف تقديره: ولو ترى حالهم إذ وقفوا على النار، وجواب ﴿لو﴾ محذوف أيضًا تقديره: ولو ترى حالهم إذ وقفوا على النار.. لرأيت أمرًا عجيبًا، وشأنًا فظيعًا، وجملة ﴿لو﴾ من فعل شرطها وجوابها مستأنفة. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، وعبر بـ ﴿إذ﴾ عما في المستقبل إشعارًا بتحقق وقوعه، والظرف متعلق بـ ﴿ترى﴾. ﴿وُقِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿عَلَى النَّارِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿فَقَالُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قالوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿وُقِفُوا﴾: ﴿يَا لَيْتَنَا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قومنا ليتنا، أو ﴿يا﴾: حرف تنبيه، فلا حذف. ﴿ليتنا﴾: ﴿ليت﴾: حرف تمنٍ ونصب، ونا: ضمير المتكلمين في محل النصب اسمها. ﴿نُرَدُّ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير المتكلمين، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿ليت﴾، وجملة ﴿ليت﴾ في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾: الواو: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿نُكَذِّبَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾ مضمرة وجوبًا بعد الواو العاطفة، وفاعله ضمير المتكلمين.
288
﴿بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿نكذب﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيَّد من الجملة التي قبلها من غير سابك؛ لإصلاح المعنى تقديره: يا قومنا نتمنى ردنا إلى الدنيا، وعدم تكذيبنا بآيات ربنا. ﴿وَنَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص معطوف على ﴿نُكَذِّبَ﴾ منصوب بأن مضمرة، واسمها ضمير المتكلمين. ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿نكون﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿نُكَذِبَ﴾ على كونها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد تقديره: يا قومنا نتمنى ردنا إلى الدنيا، وعدم تكذيبنا بآيات ربنا، وكوننا من المؤمنين. هذا على قراءة النصب في الفعلين، وأما على قراءة رفعهما ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾: الواو: حالية، وجملة ﴿نكذِّبُ﴾ في محل الرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا، والجملة الإسمية في محل النصب حال من نائب فاعل ﴿نُرَدُّ﴾، وجملة ﴿نكون﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿نكذِّبُ﴾ على كونها خبر المبتدأ المحذوف، والجملة الإسمية في محل النصب حال من نائب فاعل ﴿نُرَدُّ﴾، والتقدير: يا ليتنا نرد غير مكذبين، وكائنين من المؤمنين، فيكون تمني الرد مقيدًا بهاتين الحالتين، فيكون الفعلان داخلين في المتمنى، ويحتمل كون الرفع في الفعلين بالعطف على الفعل قبلهما، وهو ﴿نُرَدُّ﴾، ويكونون قد تمنوا ثلاثة أشياء: الرد إلى دار الدنيا، وعدم تكذيبهم بآيات ربهم، وكونهم من المؤمنين.
﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
﴿بَلْ﴾: حرف عطف وإضراب عما يدل عليه التمني من رغبتهم في الإيمان؛ أي: ليس الأمر كما يدل عليه تمنيهم من خلوص رغبتهم في الإيمان، بل بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون من قبل من الشرك؛ لأنهم قالوا أولًا: والله ربنا ما كنا مشركين. ﴿بَدَا﴾: فعل ماضٍ. ﴿لهَمُ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل ﴿بَدَا﴾، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة التي قدرناها سابقًا بقولنا: ليس الأمر كما يدل عليه تمنيهم على كونها مستأنفة. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿يُخْفُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق به، وجملة ﴿يُخْفُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾،
﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
﴿بَلْ﴾: حرف عطف وإضراب عما يدل عليه التمني من رغبتهم في الإيمان؛ أي: ليس الأمر كما يدل عليه تمنيهم من خلوص رغبتهم في الإيمان، بل بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون من قبل من الشرك؛ لأنهم قالوا أولًا: والله ربنا ما كنا مشركين. ﴿بَدَا﴾: فعل ماضٍ. ﴿لهَمُ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل ﴿بَدَا﴾، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة التي قدرناها سابقًا بقولنا: ليس الأمر كما يدل عليه تمنيهم على كونها مستأنفة. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿يُخْفُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق به، وجملة ﴿يُخْفُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾،
289
وجملة ﴿كان﴾ من اسمها وخبرها صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كانوا يخفونه من قبل. ﴿وَلَوْ رُدُّوا﴾: الواو: عاطفة. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿رُدُّوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَعَادُوا﴾: اللام: رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿عادوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ من فعل شرطها وجوابها معطوفة على جملة قوله: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ على كونها مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿لِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عادوا﴾. ﴿نُهُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿عَنْهُ﴾: متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿عَنْهُ﴾. ﴿وَإِنَّهُمْ﴾: الواو: استئنافية أو اعتراضية. ﴿إنّ﴾: حرف نصب، والهاء في محل النصب اسمها. ﴿لَكَاذِبُونَ﴾: اللام: حرف ابتداء زحلقت عن محلها. ﴿كاذبون﴾: خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ مستأنفة، أو معترضة لاعتراضها بين المعطوف الذي هو ﴿وَقَالُوا﴾، والمعطوف عليه الذي هو، قوله: ﴿لَعَادُوا﴾.
﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ الواو: استئنافية أو عاطفة. ﴿قالوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة قوله: ﴿لَعَادُوا﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿لو﴾. ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنْ﴾: نافية. ﴿هِىَ﴾: مبتدأ. ﴿إلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿حَيَاتُنَا﴾: خبر ومضاف إليه. ﴿الدُّنْيَا﴾: صفة لـ ﴿حياتنا﴾، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: نافية حجازية تعمل عمل ليس. ﴿نَحْنُ﴾ في محل الرفع اسمها. ﴿بِمَبْعُوثِينَ﴾: الباء: زائدة في خبر ﴿ما﴾. ﴿مبعوثين﴾: خبرها منصوب، وعلامة نصبه الياء المقدرة الممنوع ظهورها بالياء المجلوبة لأجل حرف جر زائد، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قالوا﴾.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ
﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ الواو: استئنافية أو عاطفة. ﴿قالوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة قوله: ﴿لَعَادُوا﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿لو﴾. ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنْ﴾: نافية. ﴿هِىَ﴾: مبتدأ. ﴿إلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿حَيَاتُنَا﴾: خبر ومضاف إليه. ﴿الدُّنْيَا﴾: صفة لـ ﴿حياتنا﴾، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿وَمَا﴾: الواو: عاطفة، ﴿ما﴾: نافية حجازية تعمل عمل ليس. ﴿نَحْنُ﴾ في محل الرفع اسمها. ﴿بِمَبْعُوثِينَ﴾: الباء: زائدة في خبر ﴿ما﴾. ﴿مبعوثين﴾: خبرها منصوب، وعلامة نصبه الياء المقدرة الممنوع ظهورها بالياء المجلوبة لأجل حرف جر زائد، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قالوا﴾.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ
290
بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠)}.
﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿تَرَى﴾: فعل مضارع، وهي بصرية تتعدى إلى مفعول واحد وهو محذوف تقديره: ولو ترى حالهم إذ وقفوا، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أيِّ مخاطب، وجواب ﴿لو﴾ محذوف تقديره: لرأيت أمرًا فظيعًا، وجملة ﴿لو﴾ مع جوابها المحذوف مستأنفة استئنافًا نحويًّا. ﴿إذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان بحسب الأصل، ولكنها مضمنة هنا معنى الاستقبال في محل النصب على الظرفية، مبنية على السكون، والظرف متعلق بـ ﴿ترى﴾. ﴿وُقِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿عَلَى رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿وقفوا﴾، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، أو حال من ربهم. وفي "الفتوحات": في (١) هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها استئنافية في جواب سؤال مقدر تقديره: ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه؟ قال: قال لهم: أليس هذا بالحق؟
والثاني: أن تكون الجملة حالية، وصاحب الحال ربهم، كأنه قيل: وقفوا عليه قائلًا لهم أليس هذا بالحق؟ اهـ "سمين".
﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: الهمزة: للاستفهام التوبيخي. ﴿ليس﴾ هو: فعل ماض ناقص. ﴿هَذَا﴾ في محل الرفع اسمها. ﴿بِالْحَقِّ﴾ الباء: زائدة في خبر ﴿ليس﴾. ﴿الحق﴾: خبرها، وجملة ﴿ليس﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالوُا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿بَلَى وَرَبِّنَا﴾ مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿بَلَى﴾: حرف جواب لإثبات النفي المفهوم من السؤال. ﴿وَرَبِّنَا﴾: الواو: حرف جر وقسم. ﴿ربنا﴾: مقسم به ومضاف إليه مجرور بواو القسم، الجار والمجرور
﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿تَرَى﴾: فعل مضارع، وهي بصرية تتعدى إلى مفعول واحد وهو محذوف تقديره: ولو ترى حالهم إذ وقفوا، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أيِّ مخاطب، وجواب ﴿لو﴾ محذوف تقديره: لرأيت أمرًا فظيعًا، وجملة ﴿لو﴾ مع جوابها المحذوف مستأنفة استئنافًا نحويًّا. ﴿إذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان بحسب الأصل، ولكنها مضمنة هنا معنى الاستقبال في محل النصب على الظرفية، مبنية على السكون، والظرف متعلق بـ ﴿ترى﴾. ﴿وُقِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿عَلَى رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿وقفوا﴾، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، أو حال من ربهم. وفي "الفتوحات": في (١) هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها استئنافية في جواب سؤال مقدر تقديره: ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه؟ قال: قال لهم: أليس هذا بالحق؟
والثاني: أن تكون الجملة حالية، وصاحب الحال ربهم، كأنه قيل: وقفوا عليه قائلًا لهم أليس هذا بالحق؟ اهـ "سمين".
﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: الهمزة: للاستفهام التوبيخي. ﴿ليس﴾ هو: فعل ماض ناقص. ﴿هَذَا﴾ في محل الرفع اسمها. ﴿بِالْحَقِّ﴾ الباء: زائدة في خبر ﴿ليس﴾. ﴿الحق﴾: خبرها، وجملة ﴿ليس﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالوُا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿بَلَى وَرَبِّنَا﴾ مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿بَلَى﴾: حرف جواب لإثبات النفي المفهوم من السؤال. ﴿وَرَبِّنَا﴾: الواو: حرف جر وقسم. ﴿ربنا﴾: مقسم به ومضاف إليه مجرور بواو القسم، الجار والمجرور
(١) الفتوحات.
291
متعلق بفعل قسم محذوف تقديره: أقسم وربنا، والجملة القسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿فَذُوقُوا﴾: الفاء: حرف موضوع للدلالة (١) على ترتيب التعذيب على اعترافهم بحقية ما كفروا به في الدنيا. ﴿ذوقوا﴾: فعل وفاعل. ﴿الْعَذَابَ﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿بِمَا﴾ الباء: حرف جر وسبب. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَكفُرُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: فذوقوا العذاب بسبب كفركم في الدنيا، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿ذوقوا﴾، ويصح أن تكون ﴿ما﴾ موصولًا اسميًّا عائده محذوف تقديره: فذوقوا العذاب بسبب شرككم الذي كنتم تكفرون به في بعض المواقف بقولكم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾.
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾.
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿خَسِرَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿بَغْتَةً﴾: منصوب على الحالية من الساعة، ولكن على تأويله بالمشتق تقديره: مباغتة ومفاجئة لهم. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿بَغْتَةً﴾ في نصبها أربعة أوجه:
أحدها: أنها مصدر في موضع الحال من فاعل ﴿جَاءَتْهُمُ﴾؛ أي: مباغتة، أو من مفعوله؛ أي: مبغوتين.
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾.
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿خَسِرَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿بَغْتَةً﴾: منصوب على الحالية من الساعة، ولكن على تأويله بالمشتق تقديره: مباغتة ومفاجئة لهم. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿بَغْتَةً﴾ في نصبها أربعة أوجه:
أحدها: أنها مصدر في موضع الحال من فاعل ﴿جَاءَتْهُمُ﴾؛ أي: مباغتة، أو من مفعوله؛ أي: مبغوتين.
(١) الجمل.
292
الثاني: أنها مصدر معنوي لـ ﴿جَاءَتْهُمُ﴾؛ لأن معنى جاءتهم: بغتتهم بغتة، فهو كقولهم: أتيته ركضًا.
الثالث: أنها منصوبة بفعل محذوف من لفظها؛ أي: تبغتهم بغتة.
الرابع: بفعل من غير لفظها؛ أي: أتتهم بغتة انتهى. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾، وجملة ﴿إِذَا﴾ من فعل شرطها وجوابها في محل الجر بـ ﴿حتى﴾ الغائية تقديره: استمروا على التكذيب إلى قولهم: يا حسرتنا على ما فرطنا في الساعة وقت مجيئها إياهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿كذبوا﴾. ﴿يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾: مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء. ﴿حسرتنا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿عَلَى﴾: حرف جر. ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾: ﴿مَا﴾: مصدرية. ﴿فَرَّطْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَرَّطْنَا﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿على﴾ تقديره: على تفريطنا فيها، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿حسرتنا﴾؛ لأنه في الأصل مصدر لفرَّط المضعف، والتفريط: التقصير مع القدرة على تركه.
﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.
﴿وَهُمْ﴾: الواو: حالية. ﴿هم﴾: مبتدأ. ﴿يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالوا يا حسرتنا في حالة حملهم أوزارهم. ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَحْمِلُونَ﴾. ﴿أَلَا﴾: حرف استفتاح وتنبيه. ﴿سَاءَ﴾: فعل ماض من أفعال الذم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل، وجملة ﴿يَزِرُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ساء الذي يزرونه، أو ساء شيء يزرونه، ويصح أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، والجملة الفعلية صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، وهي مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية تقديره؛ ألا ساء وزرهم، والمخصوص بالذم حملهم ذلك.
الثالث: أنها منصوبة بفعل محذوف من لفظها؛ أي: تبغتهم بغتة.
الرابع: بفعل من غير لفظها؛ أي: أتتهم بغتة انتهى. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾، وجملة ﴿إِذَا﴾ من فعل شرطها وجوابها في محل الجر بـ ﴿حتى﴾ الغائية تقديره: استمروا على التكذيب إلى قولهم: يا حسرتنا على ما فرطنا في الساعة وقت مجيئها إياهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿كذبوا﴾. ﴿يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾: مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء. ﴿حسرتنا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿عَلَى﴾: حرف جر. ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾: ﴿مَا﴾: مصدرية. ﴿فَرَّطْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَرَّطْنَا﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿على﴾ تقديره: على تفريطنا فيها، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿حسرتنا﴾؛ لأنه في الأصل مصدر لفرَّط المضعف، والتفريط: التقصير مع القدرة على تركه.
﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.
﴿وَهُمْ﴾: الواو: حالية. ﴿هم﴾: مبتدأ. ﴿يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالوا يا حسرتنا في حالة حملهم أوزارهم. ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَحْمِلُونَ﴾. ﴿أَلَا﴾: حرف استفتاح وتنبيه. ﴿سَاءَ﴾: فعل ماض من أفعال الذم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل، وجملة ﴿يَزِرُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ساء الذي يزرونه، أو ساء شيء يزرونه، ويصح أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، والجملة الفعلية صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، وهي مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية تقديره؛ ألا ساء وزرهم، والمخصوص بالذم حملهم ذلك.
293
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
﴿وَمَا﴾ الواو: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿الْحَيَاةُ﴾: مبتدأ. ﴿الدُّنْيَا﴾: صفة لها. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿لَعِبٌ﴾: خبر المبتدأ ﴿وَلَهْوٌ﴾: معطوف عليه، والجملة مستأنفة. ﴿وَلَلدَّارُ﴾: الواو: استئنافية. اللام: موطئة لقسم محذوف. ﴿الدار﴾: مبتدأ. ﴿الْآخِرَةُ﴾: صفة الدار؛ لأنه في الأصل صفة بمعنى المتأخرة. ﴿خَيْرٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الإسمية جواب القسم لا محل لها من الإعراب. ﴿لِلَّذِينَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾. ﴿يَتَّقُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، و ﴿خَيْرٌ﴾ أفعل التفضيل، وحسن حذف المفضل عليه لوقوعه خبرًا، والتقدير: خير من الحياة الدنيا. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: الهمزة، للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف تقديره: أتغفلون عن خيرية الدار الآخرة من الدنيا، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَعْقِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على الجملة المحذوفة، والمحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾.
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿نَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّهُ﴾: ﴿إنّ﴾ حرف نصب وتوكيد، وكسرت همزتها لدخول اللام المعلقة لنعلم عن العمل في خبرها قال ابن مالك:
والهاء ضمير الشأن في محل النصب اسمها. ﴿لَيَحْزُنُكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء زحلقت للخبر؛ لئلا يتوالى حرفا تأكيد. ﴿يحزنك﴾: فعل ومفعول. ﴿الَّذِي﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ من اسمها وخبرها سادة مسد مفعولي ﴿نَعْلَمُ﴾. ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يقولونه.
﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
﴿فَإِنَّهُمْ﴾ الفاء: تعليلية. ﴿إنّ﴾: حرف نصب، والهاء: اسمها ﴿لَا﴾:
﴿وَمَا﴾ الواو: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿الْحَيَاةُ﴾: مبتدأ. ﴿الدُّنْيَا﴾: صفة لها. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿لَعِبٌ﴾: خبر المبتدأ ﴿وَلَهْوٌ﴾: معطوف عليه، والجملة مستأنفة. ﴿وَلَلدَّارُ﴾: الواو: استئنافية. اللام: موطئة لقسم محذوف. ﴿الدار﴾: مبتدأ. ﴿الْآخِرَةُ﴾: صفة الدار؛ لأنه في الأصل صفة بمعنى المتأخرة. ﴿خَيْرٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الإسمية جواب القسم لا محل لها من الإعراب. ﴿لِلَّذِينَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾. ﴿يَتَّقُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، و ﴿خَيْرٌ﴾ أفعل التفضيل، وحسن حذف المفضل عليه لوقوعه خبرًا، والتقدير: خير من الحياة الدنيا. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: الهمزة، للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف تقديره: أتغفلون عن خيرية الدار الآخرة من الدنيا، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَعْقِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على الجملة المحذوفة، والمحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾.
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿نَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّهُ﴾: ﴿إنّ﴾ حرف نصب وتوكيد، وكسرت همزتها لدخول اللام المعلقة لنعلم عن العمل في خبرها قال ابن مالك:
وَكَسَرُوْا مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا | بِاللَّامِ كَاعْلَمْ إِنَهُ لَذُوْ تُقَى |
﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
﴿فَإِنَّهُمْ﴾ الفاء: تعليلية. ﴿إنّ﴾: حرف نصب، والهاء: اسمها ﴿لَا﴾:
294
نافية. ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل محذوف معلوم من السياق تقديره: لا تحزن لتكذيبهم إياك في الظاهر؛ لأنهم لا يكذبونك في السر. ﴿وَلَكِنَّ﴾: الواو: عاطفة. ﴿لكن﴾: حرف نصب واستدراك. ﴿الظَّالِمِينَ﴾: اسمها منصوب بالياء. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يجحدون﴾، وجملة ﴿يَجْحَدُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكن﴾، وجملة ﴿لكن﴾ معطوفة على جملة ﴿إن﴾.
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾: الواو: استئنافية. اللام: موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كذبت﴾، ولا يجوز أن يكون صفة لـ ﴿رُسُلٌ﴾؛ لأنه زمان، والجثة لا توصف بالزمان ذكره أبو البقاء، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. ﴿فَصَبَرُوا﴾: الفاء: عاطفة. ﴿صبروا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿كُذِّبَتْ﴾ على كونها جواب قسم لا محل لها من الإعراب. ﴿عَلَى﴾: حرف جر. ﴿مَا﴾: مصدرية. ﴿كُذِّبُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿على﴾، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿صبروا﴾، والتقدير: فصبروا على تكذيب الكافرين إياهم. ﴿وَأُوذُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ﴾؛ أي: كذبت الرسل وأوذوا فصبروا على كل ذلك. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجر بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿صبروا﴾؛ أي: فصبروا إلى إتيان نصرنا إياهم. ﴿وَلَا مُبَدِّلَ﴾: الواو: استئنافية. ﴿لا﴾: نافية. ﴿مُبَدِّلَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿مُبَدِّلَ﴾، وخبر ﴿لا﴾ محذوف تقديره: ولا مبدل لكلمات الله موجود، وجملة ﴿لا﴾ مستأنفة. ﴿وَلَقَدْ﴾: الواو: استئنافية،
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾: الواو: استئنافية. اللام: موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كذبت﴾، ولا يجوز أن يكون صفة لـ ﴿رُسُلٌ﴾؛ لأنه زمان، والجثة لا توصف بالزمان ذكره أبو البقاء، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. ﴿فَصَبَرُوا﴾: الفاء: عاطفة. ﴿صبروا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿كُذِّبَتْ﴾ على كونها جواب قسم لا محل لها من الإعراب. ﴿عَلَى﴾: حرف جر. ﴿مَا﴾: مصدرية. ﴿كُذِّبُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية صلة ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿على﴾، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿صبروا﴾، والتقدير: فصبروا على تكذيب الكافرين إياهم. ﴿وَأُوذُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ﴾؛ أي: كذبت الرسل وأوذوا فصبروا على كل ذلك. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجر بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿صبروا﴾؛ أي: فصبروا إلى إتيان نصرنا إياهم. ﴿وَلَا مُبَدِّلَ﴾: الواو: استئنافية. ﴿لا﴾: نافية. ﴿مُبَدِّلَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿مُبَدِّلَ﴾، وخبر ﴿لا﴾ محذوف تقديره: ولا مبدل لكلمات الله موجود، وجملة ﴿لا﴾ مستأنفة. ﴿وَلَقَدْ﴾: الواو: استئنافية،
295
واللام موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جَاءَكَ﴾: فعل ومفعول. ﴿مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿جاء﴾، وفاعل ﴿جاء﴾ محذوف تقديره: ولقد جاءك من نبأ المرسلين ما فيه كفاية، كما سبق في مبحث التفسير، ويحتمل كون الفاعل من نبأ المرسلين على جعل ﴿مِن﴾ زائدة، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾.
﴿وَإِنْ﴾: الواو: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿كاَنَ﴾: فعل ماضٍ، شأنية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونها فعل شرط لها، واسمها ضمير الشأن. ﴿كَبُرَ﴾: فعل ماض، ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به. ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾: فاعل، ومضاف إليه وجملة ﴿كَبُرَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كاَنَ﴾ مفسرة لاسمها الذي هو ضمير الشأن، ولا حاجة إلى تقدير: قد، وقيل: اسم كان ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾، و ﴿كَبُرَ﴾ جملة فعلية في محل النصب على أنها خبر لـ ﴿كان﴾ مقدم على اسمها؛ لأنها فعل رافع لضمير مستتر كما هو المشهور. اهـ "أبو السعود"، والإتيان بلفظ ﴿كاَنَ﴾ مع استقامة المعنى بدونها ليبقى الشرط على مضيه، ولا تقلبه إن للاستقبال؛ لأن ﴿كَانَ﴾ لقوة دلالتها على المضي لا تقلبها كلمة ﴿إن﴾ إلى الاستقبال بخلاف سائر الأفعال. اهـ "كرخي". ﴿فَإِنِ﴾: الفاء: رابطة الجواب جوازًا. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿اسْتَطَعْتَ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها، وجواب ﴿إن﴾ الثانية محذوف تقديره: فافعل ذلك، وجملة ﴿إن﴾ الثانية مع جوابها المحذوف جواب لـ ﴿إن﴾ الأولى وجملة ﴿إن﴾ الأولى مستأنفة استئنافًا نحويًّا. ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ﴾: ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تَبْتَغِيَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على محمد ﴿نَفَقًا﴾: مفعول به. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نَفَقًا﴾، أو متعلق بـ ﴿تَبْتَغِيَ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: فإن استطعت ابتغاء نفق في الأرض أو سلم في السماء. ﴿أَوْ سُلَّمًا﴾: معطوف على نفقًا. ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: صفة لـ ﴿سُلَّمًا﴾، أو متعلق بـ ﴿تَبْتَغِيَ﴾.
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾.
﴿وَإِنْ﴾: الواو: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿كاَنَ﴾: فعل ماضٍ، شأنية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونها فعل شرط لها، واسمها ضمير الشأن. ﴿كَبُرَ﴾: فعل ماض، ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به. ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾: فاعل، ومضاف إليه وجملة ﴿كَبُرَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كاَنَ﴾ مفسرة لاسمها الذي هو ضمير الشأن، ولا حاجة إلى تقدير: قد، وقيل: اسم كان ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾، و ﴿كَبُرَ﴾ جملة فعلية في محل النصب على أنها خبر لـ ﴿كان﴾ مقدم على اسمها؛ لأنها فعل رافع لضمير مستتر كما هو المشهور. اهـ "أبو السعود"، والإتيان بلفظ ﴿كاَنَ﴾ مع استقامة المعنى بدونها ليبقى الشرط على مضيه، ولا تقلبه إن للاستقبال؛ لأن ﴿كَانَ﴾ لقوة دلالتها على المضي لا تقلبها كلمة ﴿إن﴾ إلى الاستقبال بخلاف سائر الأفعال. اهـ "كرخي". ﴿فَإِنِ﴾: الفاء: رابطة الجواب جوازًا. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿اسْتَطَعْتَ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها، وجواب ﴿إن﴾ الثانية محذوف تقديره: فافعل ذلك، وجملة ﴿إن﴾ الثانية مع جوابها المحذوف جواب لـ ﴿إن﴾ الأولى وجملة ﴿إن﴾ الأولى مستأنفة استئنافًا نحويًّا. ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ﴾: ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تَبْتَغِيَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على محمد ﴿نَفَقًا﴾: مفعول به. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نَفَقًا﴾، أو متعلق بـ ﴿تَبْتَغِيَ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أَن﴾ المصدرية، ﴿أَن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: فإن استطعت ابتغاء نفق في الأرض أو سلم في السماء. ﴿أَوْ سُلَّمًا﴾: معطوف على نفقًا. ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: صفة لـ ﴿سُلَّمًا﴾، أو متعلق بـ ﴿تَبْتَغِيَ﴾.
296
﴿فَتَأتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾: الفاء: عاطفة ﴿تأتي﴾: فعل مضارع معطوف على ﴿تَبْتَغِيَ﴾ والهاء: مفعول به، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿بِآيَةٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تأتي﴾.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
﴿وَلَوْ﴾: الواو: استئنافية. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿شَاءَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾، ﴿لَجَمَعَهُمْ﴾: اللام رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿جمعهم﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جواب ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ من فعل شرطها وجوابها مستأنفة. ﴿عَلَى الْهُدَى﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جمع﴾. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت سننه تعالى في خلق الإنسان، وأنه لا تبديل لخلق الله، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول لك ﴿لا تكونن﴾ ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص في محل الجزم بـ ﴿لا﴾ مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير مستتر فيها تقديره: أنت يعود على محمد ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾: جار ومجرور، وخبر ﴿تَكُونَنَّ﴾، وجملة ﴿تَكُونَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، لا محل لها من الإعراب.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ جمع كنان، كأزمة جمع زمام، وأعنة جمع عنان، وفي "المصباح": كننته أكنه من باب ردَّ سترته في كنه بالكسر، وهو: السترة، وأكننته: أخفيته. وقال أبو زيد: الثلاثي والرباعي لغتان في الستر، وفي الإخفاء جميعًا واكتن الشيء واستكن: استتر، والكنان: الغطاء وزنًا، ومعنى، والجمع: أكنة مثل: أغطية انتهى.
وقال بعضهم: الكنُّ بالكسر ما يحفظ فيه الشيء، وبالفتح: المصدر، يقال: كننته كنًّا؛ أي: جعلته في كن، ويجمع على أكنان، قال تعالى: ﴿مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾، والكنان: الغطاء الساتر والوعاء الجامع قال الشاعر:
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
﴿وَلَوْ﴾: الواو: استئنافية. ﴿لو﴾: حرف شرط. ﴿شَاءَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لو﴾، ﴿لَجَمَعَهُمْ﴾: اللام رابطة لجواب ﴿لو﴾. ﴿جمعهم﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جواب ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ من فعل شرطها وجوابها مستأنفة. ﴿عَلَى الْهُدَى﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جمع﴾. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾: الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت سننه تعالى في خلق الإنسان، وأنه لا تبديل لخلق الله، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول لك ﴿لا تكونن﴾ ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص في محل الجزم بـ ﴿لا﴾ مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير مستتر فيها تقديره: أنت يعود على محمد ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾: جار ومجرور، وخبر ﴿تَكُونَنَّ﴾، وجملة ﴿تَكُونَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، لا محل لها من الإعراب.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ جمع كنان، كأزمة جمع زمام، وأعنة جمع عنان، وفي "المصباح": كننته أكنه من باب ردَّ سترته في كنه بالكسر، وهو: السترة، وأكننته: أخفيته. وقال أبو زيد: الثلاثي والرباعي لغتان في الستر، وفي الإخفاء جميعًا واكتن الشيء واستكن: استتر، والكنان: الغطاء وزنًا، ومعنى، والجمع: أكنة مثل: أغطية انتهى.
وقال بعضهم: الكنُّ بالكسر ما يحفظ فيه الشيء، وبالفتح: المصدر، يقال: كننته كنًّا؛ أي: جعلته في كن، ويجمع على أكنان، قال تعالى: ﴿مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾، والكنان: الغطاء الساتر والوعاء الجامع قال الشاعر:
297
إِذَا مَا انْتَضَوْهَا في الْوَغَى مِنْ أَكِنَّةٍ | حَسِبْتَ بُرُوْقَ الْغَيْثِ هَاجَتْ غُيُوْمُهَا |
﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ في "المصباح": الوقر بالكسر: حمل البغل والحمار، ويستعمل في البعير، وأوقر بعيره بالألف، وقرت الأذن توقر من باب تعب ووقرت تقر من باب وعد: ثقل سمعها، ووقرها الله وقرًا من باب وعد، يستعمل لازمًا ومتعديًا، والوقار: الحمل والرزانة، وهو مصدر وقر بالضم مثل: جمل جمالًا، ويقال أيضًا: وقر يقر من باب وعد فهو وقور مثل رسول، والمرأة وقور أيضًا فعول بمعنى فاعل، مثل صبور وشكور، والوقار: العظمة أيضًا والوقر بالفتح الثقل في السمع.
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ والآية: العلامة الدالة على صدق الرسول - ﷺ - ﴿إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وفي "المختار": والأساطير: الأباطيل، والواحد: أسطورة بالضم وإسطارة بالكسر انتهى.
وفي "السمين": وأساطير فيه أقوال:
أحدها: أنه جمع لواحد مقدر، واختلف في ذلك المقدر فقيل: أسطورة، وقيل: أسطور، وقيل: أسطار، وقيل: أسطير، وقال بعضهم: بل لُفظ بهذه المفردات.
والثاني: أنه جمع جمع، فأساطير جمع: أسطار، وأسطار جمع: سطر بفتح الطاء، وأما سطر بسكونها فجمعه في القلة على أسطر، وفي الكثرة على سطور، كفلس وأفلس وفلوس، وبقية الأقوال ليس بشيء، فلا نطيل الكلام بذكرها، فراجعها في "الفتوحات".
298
ومعنى الأساطير: الأحاديث الباطلة والخرافات والترهات.
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ أصله: ينهيون، استثقلت الضمة على الياء، ثم حذفت فالتقى ساكنان وهما: الياء والواو، ثم حذفت الياء فصار: ينهون.
﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ وفي "المصباح": نأى نأيًا من باب سعى يتعدى بنفسه وبالحرف، وهو الأكثر، فيقال: نأيته ونأيت عنه، ويتعدى بالهمزة إلى الثاني فيقال: أنأيته عنه انتهى. والنأي عنه يشمل الإعراض عن سماعه، والإعراض عن هدايته، وأصله: ينأيون كينهيون فعل به ما فيه فعل آنفًا.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا﴾ ووقف يتعدى، ولا يتعدى، وفرقت العرب بينهما بالمصدر، فمصدر اللازم على فعول، ومصدر المتعدي على فعل، ولا يقال: أوقفت، قال أبو عمرو بن العلاء: لم أسمع في شيء من كلام العرب: أوقفت فلانًا إلا أني لو رأيت رجلًا واقفًا فقلت له: ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسنًا، وإنما كان حسنًا؛ لأن تعدي الفعل بالهمزة مقيس نحو: ضحك وأضحكته أنا، ولكن سمع غيره في وقف المتعدي أوقفته اهـ "سمين". ويقال: وقف الرجل على الأرض وقوفًا إذا قام، ووقف المال على كذا وقفًا إذا حبسه عليه، وجعل منفعته له، كوقف العقار على الفقراء.
﴿إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾: والساعة في اللغة: الزمن القصير المعين، ثم أطلق على الوقت الذي ينقضي به أجل هذه الحياة، ويخرب العالم وما يتبع ذلك من البعث والحساب، سُمي بذلك لسرعة الحساب فيه، كأنه ساعة، والألف واللام في الساعة للغلبة كالنجم والثريا؛ لأنها غلبت على يوم القيامة. والبغتة: الفجأة، يقال: بغته بغتة إذا هجم عليه من غير شعور، والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من غير اعتدادٍ له، وجعل بال منه، حتى لو استشعر الإنسان به، ثم جاءه بسرعة لا يقال فيه: بغتة.
﴿يَا حَسْرَتَنَا﴾ والحسرة: الغم على ما فات، والندم عليه، وشدة التلهف والتألم عليه، كأن المتحسر قد انحسر وانكشف عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكب.
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ أصله: ينهيون، استثقلت الضمة على الياء، ثم حذفت فالتقى ساكنان وهما: الياء والواو، ثم حذفت الياء فصار: ينهون.
﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ وفي "المصباح": نأى نأيًا من باب سعى يتعدى بنفسه وبالحرف، وهو الأكثر، فيقال: نأيته ونأيت عنه، ويتعدى بالهمزة إلى الثاني فيقال: أنأيته عنه انتهى. والنأي عنه يشمل الإعراض عن سماعه، والإعراض عن هدايته، وأصله: ينأيون كينهيون فعل به ما فيه فعل آنفًا.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا﴾ ووقف يتعدى، ولا يتعدى، وفرقت العرب بينهما بالمصدر، فمصدر اللازم على فعول، ومصدر المتعدي على فعل، ولا يقال: أوقفت، قال أبو عمرو بن العلاء: لم أسمع في شيء من كلام العرب: أوقفت فلانًا إلا أني لو رأيت رجلًا واقفًا فقلت له: ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسنًا، وإنما كان حسنًا؛ لأن تعدي الفعل بالهمزة مقيس نحو: ضحك وأضحكته أنا، ولكن سمع غيره في وقف المتعدي أوقفته اهـ "سمين". ويقال: وقف الرجل على الأرض وقوفًا إذا قام، ووقف المال على كذا وقفًا إذا حبسه عليه، وجعل منفعته له، كوقف العقار على الفقراء.
﴿إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾: والساعة في اللغة: الزمن القصير المعين، ثم أطلق على الوقت الذي ينقضي به أجل هذه الحياة، ويخرب العالم وما يتبع ذلك من البعث والحساب، سُمي بذلك لسرعة الحساب فيه، كأنه ساعة، والألف واللام في الساعة للغلبة كالنجم والثريا؛ لأنها غلبت على يوم القيامة. والبغتة: الفجأة، يقال: بغته بغتة إذا هجم عليه من غير شعور، والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من غير اعتدادٍ له، وجعل بال منه، حتى لو استشعر الإنسان به، ثم جاءه بسرعة لا يقال فيه: بغتة.
﴿يَا حَسْرَتَنَا﴾ والحسرة: الغم على ما فات، والندم عليه، وشدة التلهف والتألم عليه، كأن المتحسر قد انحسر وانكشف عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكب.
299
﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا﴾ التفريط: التقصير في الشيء مع القدرة على فعله، والتقصير ممن قدر على الجد والتشمير من الفرط، وهو السبق، ومنه الفارط والفرط، وهو الذي يسبق المسافرين لإعداد الماء لهم ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ جمع وزر بكسر أوله كحمل وأحمال وعدل وأعدال، والوزر في الأصل: الحمل الثقيل، ومنه وزره بزنة وعده: حمله على ظهره ووزرته حملته شيئًا ثقيلًا ووزير الملك من هذا؛ لأنه يتحمل أعباء ما قلده الملك من مؤونة رعيته وحشمه، ومنه: أوزار الحرب لسلاحها وآلها، ثم أطلق في الدين على الإثم والذنب، كأنه لثقله على صاحبه كالحمل الذي يثقل الظهر.
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ واللعب: الفعل الذي لا يقصد به فاعله مقصدًا صحيحًا من تحصيل منفعة، أو دفع مضرة، كأفعال الصبيان التي يتلذذون بها، واللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه، وقد يسمى كل ما به استمتاع لهوًا، ويقال: لهوت بالشيء ألهو به لهوًا وتلهيت به إذا تشاغلت وغفلت به عن غيره. ﴿لَيَحْزُنُكَ﴾ الحزن: ألم يحل بالنفس عند فقد محبوب، أو امتناع مرغوب، أو حدوث مكروه، ولا سبيل لعلاجه إلا التسلي والتأسي كما قالت الخنساء:
﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ يقال: كذبه إذا رماه بالكذب والجحود، والجحد: نفي ما في القلب إثباته، أو إثبات ما في القلب نفيه، ويقال: جحده حقه وبحقه.
﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ وكلمات الله هي وعده ووعيده، ومن ذلك وعده للرسل بالنصر، ووعيده لأعدائهم بالغلب والخذلان، كقوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
﴿مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ النبأ: الخبر ذو الشأن العظيم يجمع على: أنباء كسبب وأسباب.
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ يقال: كبر على فلان الأمر إذا عظم عنده وشق
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ واللعب: الفعل الذي لا يقصد به فاعله مقصدًا صحيحًا من تحصيل منفعة، أو دفع مضرة، كأفعال الصبيان التي يتلذذون بها، واللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه، وقد يسمى كل ما به استمتاع لهوًا، ويقال: لهوت بالشيء ألهو به لهوًا وتلهيت به إذا تشاغلت وغفلت به عن غيره. ﴿لَيَحْزُنُكَ﴾ الحزن: ألم يحل بالنفس عند فقد محبوب، أو امتناع مرغوب، أو حدوث مكروه، ولا سبيل لعلاجه إلا التسلي والتأسي كما قالت الخنساء:
وَلَوْلاَ كَثْرَةُ البَاكِيْنَ حَوْلِيْ | عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِيْ |
وَمَا يَبْكُوْنَ مِثْلَ أَخِيْ وَلَكِنْ | أُسَلِّيْ النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّيْ |
﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ وكلمات الله هي وعده ووعيده، ومن ذلك وعده للرسل بالنصر، ووعيده لأعدائهم بالغلب والخذلان، كقوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
﴿مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ النبأ: الخبر ذو الشأن العظيم يجمع على: أنباء كسبب وأسباب.
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ يقال: كبر على فلان الأمر إذا عظم عنده وشق
300
عليه وقعه، والإعراض: التولي والانصراف عن الشيء رغبة عنه أو احتقارًا له.
﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾ استطاع من باب استغفل السداسي كاستعان واستقام يقال: استطعت الشيء إذا صار في طوعك منقادًا لك باستيفاء الأسباب التي تمكنك من فعله. ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ﴾ ابتغى من باب افتعل الخماسي، والابتغاء: طلب ما في طلبه كلفة ومشقة من البغي، وهو تجاوز الحد، ويكون في الخير كابتغاء رضوان الله تعالى، وهو غاية الكمال، وفي الشر كابتغاء الفتنة، وهو غاية الضلال.
﴿نَفَقًا﴾ والنفق: السرب في الأرض، وهو حفرة نافذة لها مدخل ومخرج، وفي "السمين" النفق: السرب النافذ في الأرض، وأصله في حجرة اليربوع، ومنه: النافقاء والقاصعاء انتهى.
﴿أَوْ سُلَّمًا﴾ والسلم: المصعد والمرقاة، وقيل: الدرج، وقيل: السبب تقول العرب: اتخذني سلمًا لحاجتك؛ أي: سببًا، وهو مشتق من السلامة؛ لأنه هو الذي يسلمك إلى مصعدك وتذكيره أفصح من تأنيثه.
﴿بِآيَةٍ﴾ الآية: المعجزة ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ جمع: جاهل من الجهل، والجهل هنا ضد العلم، وليس كل جهل عيبًا؛ لأن المخلوق لا يحيط بكل شيء علمًا، وإنما يذم الإنسان بجهل ما يجب عليه، ثم بجهل ما ينبغي له، ويعدله كمالًا إذا لم يكن معذورًا في جهله.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة والبلاغة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية أو التمثيلية في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾؛ لأن الظاهر أن الغطاء والصمم هنا ليسا حقيقة؛ بل ذلك من باب استعارة المحسوس للمعقول حتى يستقر في النفس، استعار الأكنة لصرف قلوبهم عن تدبر آيات الله، والثقل في الأذن لتركهم الإصغاء إلى سماعها.
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لتسجيل الكفر عليهم، وفي قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ لتسجيل الظلم عليهم.
﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾ استطاع من باب استغفل السداسي كاستعان واستقام يقال: استطعت الشيء إذا صار في طوعك منقادًا لك باستيفاء الأسباب التي تمكنك من فعله. ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ﴾ ابتغى من باب افتعل الخماسي، والابتغاء: طلب ما في طلبه كلفة ومشقة من البغي، وهو تجاوز الحد، ويكون في الخير كابتغاء رضوان الله تعالى، وهو غاية الكمال، وفي الشر كابتغاء الفتنة، وهو غاية الضلال.
﴿نَفَقًا﴾ والنفق: السرب في الأرض، وهو حفرة نافذة لها مدخل ومخرج، وفي "السمين" النفق: السرب النافذ في الأرض، وأصله في حجرة اليربوع، ومنه: النافقاء والقاصعاء انتهى.
﴿أَوْ سُلَّمًا﴾ والسلم: المصعد والمرقاة، وقيل: الدرج، وقيل: السبب تقول العرب: اتخذني سلمًا لحاجتك؛ أي: سببًا، وهو مشتق من السلامة؛ لأنه هو الذي يسلمك إلى مصعدك وتذكيره أفصح من تأنيثه.
﴿بِآيَةٍ﴾ الآية: المعجزة ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ جمع: جاهل من الجهل، والجهل هنا ضد العلم، وليس كل جهل عيبًا؛ لأن المخلوق لا يحيط بكل شيء علمًا، وإنما يذم الإنسان بجهل ما يجب عليه، ثم بجهل ما ينبغي له، ويعدله كمالًا إذا لم يكن معذورًا في جهله.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة والبلاغة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية أو التمثيلية في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾؛ لأن الظاهر أن الغطاء والصمم هنا ليسا حقيقة؛ بل ذلك من باب استعارة المحسوس للمعقول حتى يستقر في النفس، استعار الأكنة لصرف قلوبهم عن تدبر آيات الله، والثقل في الأذن لتركهم الإصغاء إلى سماعها.
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لتسجيل الكفر عليهم، وفي قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ لتسجيل الظلم عليهم.
301
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾؛ لأن فيه التفاتًا من الخطاب إلى الغيبة، فإن قوله: ﴿جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ﴾ خطاب للرسول - ﷺ -.
ومنها: جناس التصريف في قوله: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ وهو (١) أن تنفرد كل كلمة عن الأخرى بحرف، ﴿فينهون﴾ انفردت بالهاء، ﴿وينأون﴾ انفردت بالهمزة، ومنه: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ﴾ و ﴿يفرحون﴾ و ﴿يمرحون﴾، "والخيل معقود في نواصيها الخير"، وفي كتاب "التحبير" سماه تجنيس التحريف، وهو أن يكون الحرف فرقًا بين الكلمتين، وأنشد عليه قوله:
وذكر غيره أن تجنيس التحريف هو أن يكون الشكل فرقًا بين الكلمتين، كقول بعض العرب وقد مات له ولد: اللهم إني مسلم ومسلم.
ومنها: إبراز الآتي بصورة الماضي في قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ إشعارًا بتحقق الوقوع.
ومنها: الإتيان بضمير مبهم يفسره خبره في قوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾؛ إذ لا يعلم ما يراد به إلا بذكر خبره، وهو من الضمائر التي يفسرها ما بعدها لفظًا ورتبة اهـ "سمين".
ومنها: تأكيد الجواب بالقسم في قوله: ﴿بَلَى وَرَبِّنَا﴾؛ أكدوا اعترافهم باليمين إظهارًا لكمال يقينهم بحقيته، وإيذانًا بصدور ذلك عنهم للرغبة والنشاط..
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾؛ لأنه شبه من استعاض الكفر عن الإيمان بمن خسر في صفقته العادم الربح ورأس ماله.
ومنها: الإضافة للتفخيم والتعظيم لشأن المضاف في قوله: ﴿بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾؛
ومنها: جناس التصريف في قوله: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ وهو (١) أن تنفرد كل كلمة عن الأخرى بحرف، ﴿فينهون﴾ انفردت بالهاء، ﴿وينأون﴾ انفردت بالهمزة، ومنه: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ﴾ و ﴿يفرحون﴾ و ﴿يمرحون﴾، "والخيل معقود في نواصيها الخير"، وفي كتاب "التحبير" سماه تجنيس التحريف، وهو أن يكون الحرف فرقًا بين الكلمتين، وأنشد عليه قوله:
إِنْ لَمْ أَشِنَّ عَلَى ابْنِ هِنْدٍ غَارَةً | لَهَّابَ مَالٍ أَوَ ذَهَّابَ نُفُوْسِ |
ومنها: إبراز الآتي بصورة الماضي في قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ إشعارًا بتحقق الوقوع.
ومنها: الإتيان بضمير مبهم يفسره خبره في قوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾؛ إذ لا يعلم ما يراد به إلا بذكر خبره، وهو من الضمائر التي يفسرها ما بعدها لفظًا ورتبة اهـ "سمين".
ومنها: تأكيد الجواب بالقسم في قوله: ﴿بَلَى وَرَبِّنَا﴾؛ أكدوا اعترافهم باليمين إظهارًا لكمال يقينهم بحقيته، وإيذانًا بصدور ذلك عنهم للرغبة والنشاط..
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾؛ لأنه شبه من استعاض الكفر عن الإيمان بمن خسر في صفقته العادم الربح ورأس ماله.
ومنها: الإضافة للتفخيم والتعظيم لشأن المضاف في قوله: ﴿بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾؛
(١) البحر المحيط.
302
أي: جزائه تعظيمًا لشأن الجزاء، وهو نظير قوله - ﷺ -: "لقى الله وهو عليه غضبان"؛ أي: لقي جزاءه.
ومنها: تعريف العهد في قوله: ﴿إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾ بدون تقدم ذكر لها لشهرتها واستقرارها في النفوس.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿يَا حَسْرَتَنَا﴾ تنزيلًا لها منزلة العاقل؛ لأنه لا ينادى حقيقة إلا العاقل.
ومنها: تصدير الجملة الحالية بالضمير في قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾؛ لأنه أبلغ في النسبة؛ إذ صار صاحب الحال مذكورًا مرتين من حيث المعنى.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾؛ لأنه شبه ما يجدونه من المشقة والآلام بسبب ذنوبهم يحمل الوزر الثقيل؛ أي: الحمل الثقيل.
ومنها: الجناس المغاير بين قوله: ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾، وقوله: ﴿يَزِرُونَ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾، وقوله: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾.
ومنها: القصر في مواضع كقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾، وقوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾، وقوله: ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾، وقوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله: ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾؛ إذ قبله بآيات الله، فلو جاء على طبق ذلك لقيل: حتى أتاهم نصره. وفائدة هذا الالتفات: إسناد النصر إلى ضمير المتكلم المشعر بالعظمة.
ومنها: جمع المؤكدات في قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾؛ حيث أكدت الصيغة بإن وباللام وباسمية الجملة، للتنبيه على أن الكذب كان طبيعتهم.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ حيث جعل الدنيا نفس اللعب واللهو مبالغة، كقول الخنساء:
ومنها: تعريف العهد في قوله: ﴿إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾ بدون تقدم ذكر لها لشهرتها واستقرارها في النفوس.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿يَا حَسْرَتَنَا﴾ تنزيلًا لها منزلة العاقل؛ لأنه لا ينادى حقيقة إلا العاقل.
ومنها: تصدير الجملة الحالية بالضمير في قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾؛ لأنه أبلغ في النسبة؛ إذ صار صاحب الحال مذكورًا مرتين من حيث المعنى.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾؛ لأنه شبه ما يجدونه من المشقة والآلام بسبب ذنوبهم يحمل الوزر الثقيل؛ أي: الحمل الثقيل.
ومنها: الجناس المغاير بين قوله: ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾، وقوله: ﴿يَزِرُونَ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾، وقوله: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾.
ومنها: القصر في مواضع كقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾، وقوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾، وقوله: ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾، وقوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله: ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾؛ إذ قبله بآيات الله، فلو جاء على طبق ذلك لقيل: حتى أتاهم نصره. وفائدة هذا الالتفات: إسناد النصر إلى ضمير المتكلم المشعر بالعظمة.
ومنها: جمع المؤكدات في قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾؛ حيث أكدت الصيغة بإن وباللام وباسمية الجملة، للتنبيه على أن الكذب كان طبيعتهم.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ حيث جعل الدنيا نفس اللعب واللهو مبالغة، كقول الخنساء:
303
فَإِنَّمَا هِي إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
ومنها: التفخيم والتكثير بتنوين رسل في قوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾.
ومنها: تصدير الجملة بالقسم لتأكيد التسلية في قوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾؛ لأن عموم البلوى مما يهون أمرها بعض تهوين.
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
فائدة: قال الإِمام فخر الدين الرازي: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ يقتضي (١) له جوابًا، وقد حذف تفخيمًا للأمر وتعظيمًا للشأن، وأشباهه كثير في القرآن والشعر، وحذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، ألا ترى أنك لو قلت لغلامك: واللهِ لئن قمت إليك، وسكت عن الجواب ذهب فكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر، وعظم خوفه؛ لأنه لم يدر أيَّ الأقسام تبغي، ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك، فأتيت بالجواب لعلم أنك لم تبلغ شيئًا غير الضرب، فثبت أن حذف الجواب أقوى تأثيرًا في حصول الخوف.
وقال (٢) أبو حيان: وجواب ﴿لو﴾ محذوف لدلالة المعنى عليه تقديره: لرأيت أمرًا شنيعًا وهولًا عظيمًا، وحذف جواب ﴿لو﴾ لدلالة الكلام عليه جائز، فيصح، ومنه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ الآية، وقول الشاعر:
أي: لو شيء أتانا رسوله سواك لدفعناه.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
ومنها: التفخيم والتكثير بتنوين رسل في قوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾.
ومنها: تصدير الجملة بالقسم لتأكيد التسلية في قوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾؛ لأن عموم البلوى مما يهون أمرها بعض تهوين.
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
فائدة: قال الإِمام فخر الدين الرازي: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ يقتضي (١) له جوابًا، وقد حذف تفخيمًا للأمر وتعظيمًا للشأن، وأشباهه كثير في القرآن والشعر، وحذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، ألا ترى أنك لو قلت لغلامك: واللهِ لئن قمت إليك، وسكت عن الجواب ذهب فكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر، وعظم خوفه؛ لأنه لم يدر أيَّ الأقسام تبغي، ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك، فأتيت بالجواب لعلم أنك لم تبلغ شيئًا غير الضرب، فثبت أن حذف الجواب أقوى تأثيرًا في حصول الخوف.
وقال (٢) أبو حيان: وجواب ﴿لو﴾ محذوف لدلالة المعنى عليه تقديره: لرأيت أمرًا شنيعًا وهولًا عظيمًا، وحذف جواب ﴿لو﴾ لدلالة الكلام عليه جائز، فيصح، ومنه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ الآية، وقول الشاعر:
وَجَدَّكَ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُوْلُهُ | سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا |
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) التفسير الكبير للرازي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
304
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ.....﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما بين في الآية السابقة أنه لو شاء لجمع الناس على الهدى، ولكنه لم يشأ أن يجعل البشر مفطورين على ذلك، ولا أن يلجئهم إلجاءً بالآيات التي تقسرهم على ذلك، بل اقتضت حكمته أن يكون البشر متفاوتين في الاستعداد، مختارين في تصرفاتهم وأعمالهم، ومنهم من يختار الهدى على الضلال، ومنهم من يستحب العمى على الهدى.. ذكر هنا أن
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ.....﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما بين في الآية السابقة أنه لو شاء لجمع الناس على الهدى، ولكنه لم يشأ أن يجعل البشر مفطورين على ذلك، ولا أن يلجئهم إلجاءً بالآيات التي تقسرهم على ذلك، بل اقتضت حكمته أن يكون البشر متفاوتين في الاستعداد، مختارين في تصرفاتهم وأعمالهم، ومنهم من يختار الهدى على الضلال، ومنهم من يستحب العمى على الهدى.. ذكر هنا أن
(١) المراغي.
305
الأولين هم الذين ينظرون في الآيات، ويفقهون ما يسمعون من الحجج والبينات، وأن الآخرين لا يفقهون ولا يسمعون، فهم والأموات سواء.
قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين فيما سلف أنه قادر على أن ينزل الآيات إذا رأى من الحكمة والمصلحة إنزالها، ولا ينزلها للتشهي والهوى كما يراه المقترحون من أولئك الظالمين المكذبين.. ذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك، فأرشد إلى عموم قدرته تعالى وشمول علمه وتدبيره، وأن كل ما يدب على وجه الأرض أو يطير في الهواء فهو مشمول بفضله ورحمته، فلو كان في إظهار هذه المعجزات مصلحة للمكلفين.. لفعلها، ولامتنع أن يبخل بها، إذ أنكم ترون أنه لم يبخل على شيء من الحيوان بمنافعها ومصالحها.
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بيَّن فيما سلف للمشركين أن علمه محيط بحسب في الأرض والسماء، وأن عنايته تعم كل ما درج على الأرض أو طار في الهواء، وأن أمم الحيوان مشابهة لأمم الإنسان، وقد أوتيت من الإلهام والمعرفة ما تميِّز به بين ما ينفعها ويضرها.. أمر نبيه - ﷺ - أن يوجه إليهم هذا السؤال، مذكرًا لهم بما أودع في فطرتهم من توحيده عزَّ اسمه، ليعلموا أن ما تقلدوه من الشرك عارض شاغل يفسد أذهانهم وقت الرخاء وارتفاع اللأواء، حتى إذا جد الجد ونزل بهم ما لا يطاق حمله من الشدائد.. ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾، وضل عنهم ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان، وما وضعوا رمزًا له من ملك أو إنسان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ...﴾ الآية، مناسبة (٢) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما هددهم في الآيات السالفة بإتيان
قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين فيما سلف أنه قادر على أن ينزل الآيات إذا رأى من الحكمة والمصلحة إنزالها، ولا ينزلها للتشهي والهوى كما يراه المقترحون من أولئك الظالمين المكذبين.. ذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك، فأرشد إلى عموم قدرته تعالى وشمول علمه وتدبيره، وأن كل ما يدب على وجه الأرض أو يطير في الهواء فهو مشمول بفضله ورحمته، فلو كان في إظهار هذه المعجزات مصلحة للمكلفين.. لفعلها، ولامتنع أن يبخل بها، إذ أنكم ترون أنه لم يبخل على شيء من الحيوان بمنافعها ومصالحها.
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بيَّن فيما سلف للمشركين أن علمه محيط بحسب في الأرض والسماء، وأن عنايته تعم كل ما درج على الأرض أو طار في الهواء، وأن أمم الحيوان مشابهة لأمم الإنسان، وقد أوتيت من الإلهام والمعرفة ما تميِّز به بين ما ينفعها ويضرها.. أمر نبيه - ﷺ - أن يوجه إليهم هذا السؤال، مذكرًا لهم بما أودع في فطرتهم من توحيده عزَّ اسمه، ليعلموا أن ما تقلدوه من الشرك عارض شاغل يفسد أذهانهم وقت الرخاء وارتفاع اللأواء، حتى إذا جد الجد ونزل بهم ما لا يطاق حمله من الشدائد.. ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾، وضل عنهم ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان، وما وضعوا رمزًا له من ملك أو إنسان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ...﴾ الآية، مناسبة (٢) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما هددهم في الآيات السالفة بإتيان
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
(٢) البحر المحيط بتصرف.
306
العذاب أو الساعة.. هددهم هنا بأخذ سمعهم وأبصارهم، والختم على قلوبهم، ولما كان هذا التهديد أخف من التهديد السابق.. لم يؤكد هنا بحرف الخطاب، واكتفى بخطاب الضمير فقال: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ بلا كاف، ولما كان السابق أعظم من هذا.. أكد خطاب الضمير بحرف الخطاب فقال: ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾، وفي تلك وهذه الاستدلال على توحيد الله تعالى، وأنه المتصرف في العالم، الكاشف للعذاب والراد لما شاء بعد الذهاب، وأن آلهتهم لا تغني عنهم شيئًا.
التفسير وأوجه القراءة
٣٦ - ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ لله ولرسوله - ﷺ - دعوته إلى الإيمان والتوحيد ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾؛ أي: المؤمنون الذين يسمعون كلام الله تعالى، وسنة رسوله - ﷺ - سماع تفهم وتدبر، فيعقلون الآيات، ويذعنون لما عرفوا بها من الحق، لسلامة فطرتهم، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم دون الذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، كالمقلدين الذين لا يفكرون في الأشياء بعقولهم، ودون الذين قالوا: سمعنا وعصينا من المستكبرين الجاحدين، فهؤلاء من موتى القلوب، وأبعد الناس عن الانتفاع بما يسمعون، لما جعلنا على قلوبهم من الأكنة، وفي آذانهم من الوقر. ﴿وَالْمَوْتَى﴾؛ أي: الكفار الذين هم كموتى الأجساد الذين لا يسمعون صوتًا، ولا يعقلون دعاءً، ولا يفقهون قولًا؛ إذ كانوا لا يتدبرون حجج الله تعالى، ولا يعتبرون بآياته، ولا يتذكرون فينزجرون عن تكذيب رسل الله ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: يترك أمرهم في الدنيا إلى أن يبعثهم الله تعالى من قبورهم مع سائر الناس ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾؛ أي: ثم إلى موقف حسابه يرجعون، ويحشرون إليه للمجازاة، فحينئذ يسمعون فينالون ما يستحقون على كفرهم وسيىء أعمالهم، وأما قبل ذلك.. فلا يسمعون فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إذ ليس في استطاعتك هدايتهم ولا إرجاعهم إلى محجة الرشاد.
وفي "الفتوحات" قوله: ﴿وَالْمَوْتَى﴾ إلخ مقابل لقوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ إلخ كأنه قال: والذين لا يستجيبون ولا يسمعون يبعثهم الله اهـ "خازن".
التفسير وأوجه القراءة
٣٦ - ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ لله ولرسوله - ﷺ - دعوته إلى الإيمان والتوحيد ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾؛ أي: المؤمنون الذين يسمعون كلام الله تعالى، وسنة رسوله - ﷺ - سماع تفهم وتدبر، فيعقلون الآيات، ويذعنون لما عرفوا بها من الحق، لسلامة فطرتهم، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم دون الذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، كالمقلدين الذين لا يفكرون في الأشياء بعقولهم، ودون الذين قالوا: سمعنا وعصينا من المستكبرين الجاحدين، فهؤلاء من موتى القلوب، وأبعد الناس عن الانتفاع بما يسمعون، لما جعلنا على قلوبهم من الأكنة، وفي آذانهم من الوقر. ﴿وَالْمَوْتَى﴾؛ أي: الكفار الذين هم كموتى الأجساد الذين لا يسمعون صوتًا، ولا يعقلون دعاءً، ولا يفقهون قولًا؛ إذ كانوا لا يتدبرون حجج الله تعالى، ولا يعتبرون بآياته، ولا يتذكرون فينزجرون عن تكذيب رسل الله ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: يترك أمرهم في الدنيا إلى أن يبعثهم الله تعالى من قبورهم مع سائر الناس ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾؛ أي: ثم إلى موقف حسابه يرجعون، ويحشرون إليه للمجازاة، فحينئذ يسمعون فينالون ما يستحقون على كفرهم وسيىء أعمالهم، وأما قبل ذلك.. فلا يسمعون فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إذ ليس في استطاعتك هدايتهم ولا إرجاعهم إلى محجة الرشاد.
وفي "الفتوحات" قوله: ﴿وَالْمَوْتَى﴾ إلخ مقابل لقوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ إلخ كأنه قال: والذين لا يستجيبون ولا يسمعون يبعثهم الله اهـ "خازن".
وقرىء (١): ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يَرجعون﴾ بفتح الياء وكسر الجيم من رجع اللازم.
٣٧ - ثم ذكر شيئًا من عنادهم الدال على عظيم جحودهم، فقاِل: ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال الظالمون لأنفسهم الذين يجحدون بآيات ربهم، ويعاندون رسوله إليهم، يعني: من رؤساء مكة، كالحارث بن عامر وأصحابه، وأبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وأمية، وأبي بن خلف، والنضر بن الحارث. ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾؛ أي: هلا أنزل على محمد آية ومعجزة من ربه دالة على نبوته من الآيات التي اقترحناها عليه، وجعلناها شرطًا لإيماننا به، كجعل الصفا ذهبًا، وتوسيع أرض مكة، وتفجير الأنهار خلالها، أو من المعجزات التي أعطيها الأنبياء من قبله، كفلق البحر وإظلال الجبل، وإحياء الموتى، وإنزال الملائكة، وقلب العصا حية. ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾؛ أي: على تنزيل آية مما اقترحوا؛ أي: على أن يوجد خوارق للعادة كما طلبوا إذا اقتضت الحكمة تنزيلها، لا ما تتعلق شهواتهم بتعجيز الرسول بطلبها، فقد مضت سنة الله تعالى بأن إجابة المعاندين إلى ما اقترحوا لم تكن سببًا للهداية في أمة من الأمم، بل كانت سببًا في عقاب المعاجزين للرسل بعذاب الاستئصال، وتنزيل الآية لا يكون خيرًا لهم، بل هو شر لهم. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ شيئًا من حكم الله تعالى في أفعاله، ولا من سننه في خلقه؛ أي: لا يدرون (٢) أن في تنزيلها قلعًا لأساس التكليف المبنيِّ على قاعدة الاختيار، وأن الله تعالى لو أعطاهم ما طلبوه من المعجزات القاهرة، فلم يؤمنوا عند ظهورها.. لاستحقوا عذاب الاستئصال، ولم يبق لهم عذر ولا علة، كما هو سنة الله، فاقتضت رحمة الله بهم صونهم عن هذا البلاء، فما أعطاهم هذا المطلوب رحمة منه تعالى عليهم، وإن لم يعلموا كيفية هذه الرحمة.
والخلاصة: أن طلبهم للآية أو الآيات مع وجود هذه الآيات البينات إنما هو محاولة تعجيز الرسول، لا أنه هو الدليل الذي يوصلهم إلى صدقه، يرشد إلى
٣٧ - ثم ذكر شيئًا من عنادهم الدال على عظيم جحودهم، فقاِل: ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال الظالمون لأنفسهم الذين يجحدون بآيات ربهم، ويعاندون رسوله إليهم، يعني: من رؤساء مكة، كالحارث بن عامر وأصحابه، وأبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وأمية، وأبي بن خلف، والنضر بن الحارث. ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾؛ أي: هلا أنزل على محمد آية ومعجزة من ربه دالة على نبوته من الآيات التي اقترحناها عليه، وجعلناها شرطًا لإيماننا به، كجعل الصفا ذهبًا، وتوسيع أرض مكة، وتفجير الأنهار خلالها، أو من المعجزات التي أعطيها الأنبياء من قبله، كفلق البحر وإظلال الجبل، وإحياء الموتى، وإنزال الملائكة، وقلب العصا حية. ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾؛ أي: على تنزيل آية مما اقترحوا؛ أي: على أن يوجد خوارق للعادة كما طلبوا إذا اقتضت الحكمة تنزيلها، لا ما تتعلق شهواتهم بتعجيز الرسول بطلبها، فقد مضت سنة الله تعالى بأن إجابة المعاندين إلى ما اقترحوا لم تكن سببًا للهداية في أمة من الأمم، بل كانت سببًا في عقاب المعاجزين للرسل بعذاب الاستئصال، وتنزيل الآية لا يكون خيرًا لهم، بل هو شر لهم. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ شيئًا من حكم الله تعالى في أفعاله، ولا من سننه في خلقه؛ أي: لا يدرون (٢) أن في تنزيلها قلعًا لأساس التكليف المبنيِّ على قاعدة الاختيار، وأن الله تعالى لو أعطاهم ما طلبوه من المعجزات القاهرة، فلم يؤمنوا عند ظهورها.. لاستحقوا عذاب الاستئصال، ولم يبق لهم عذر ولا علة، كما هو سنة الله، فاقتضت رحمة الله بهم صونهم عن هذا البلاء، فما أعطاهم هذا المطلوب رحمة منه تعالى عليهم، وإن لم يعلموا كيفية هذه الرحمة.
والخلاصة: أن طلبهم للآية أو الآيات مع وجود هذه الآيات البينات إنما هو محاولة تعجيز الرسول، لا أنه هو الدليل الذي يوصلهم إلى صدقه، يرشد إلى
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)﴾.
٣٨ - وقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ كلام (١) مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته تعالى وشمول علمه وسعة تدبيره؛ ليكون كالدليل على أنه قادر على تنزيل الآية، وإنما لم ينزلها محافظة على الحكم البالغة؛ أي: وما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ﴿وَلَا﴾ من ﴿طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ في أي ناحية من نواحي الأرض ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾؛ أي: إلا جماعات أمثالكم، خلقهم الله كما خلقكم، ورزقهم كما رزقكم، داخلة تحت علمه وتدبيره وتقديره وإحاطته بكل شيء. قال (٢) العلماء: ما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ في الأرض لا يخرج عن هاتين الحالتين؛ إما أن يدب على الأرض أو يطير في الهواء، حتى ألحقوا حيوان الماء بالطير؛ لأن الحيتان تسبح في الماء كما أن الطير يسبح في الهواء، وإنما خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء، وإن كان ما في السماء مخلوقًا له؛ لأن الاحتجاج بالمشاهد أظهر وأولى مما لا يشاهد، وإنما ذكر الجناح في قوله: ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ للتوكيد كقولك: كتبت بيدي، ونظرت بعيني.
﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قال مجاهد؛ أي: إلا أصناف مصنفه تعرف بأسمائها، يريد أن كل جنس من الحيوان أمة، فالطير أمة، والدواب أمة، والسباع أمة، تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم، كما يقال: الإنس والناس، ويدل على أن كل جنس من الدواب أمة ما روي عن عبد الله بن مغفل عن النبي - ﷺ - قال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم.. لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم". أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
فإن قلت: ثبت بالآية والحديث أن الدواب والطير أمم أمثالنا، وهذه المماثلة لم تحصل من كل الوجوه فيما يظهر لنا، فما وجه هذه المماثلة؟.
٣٨ - وقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ كلام (١) مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته تعالى وشمول علمه وسعة تدبيره؛ ليكون كالدليل على أنه قادر على تنزيل الآية، وإنما لم ينزلها محافظة على الحكم البالغة؛ أي: وما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ﴿وَلَا﴾ من ﴿طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ في أي ناحية من نواحي الأرض ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾؛ أي: إلا جماعات أمثالكم، خلقهم الله كما خلقكم، ورزقهم كما رزقكم، داخلة تحت علمه وتدبيره وتقديره وإحاطته بكل شيء. قال (٢) العلماء: ما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ في الأرض لا يخرج عن هاتين الحالتين؛ إما أن يدب على الأرض أو يطير في الهواء، حتى ألحقوا حيوان الماء بالطير؛ لأن الحيتان تسبح في الماء كما أن الطير يسبح في الهواء، وإنما خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء، وإن كان ما في السماء مخلوقًا له؛ لأن الاحتجاج بالمشاهد أظهر وأولى مما لا يشاهد، وإنما ذكر الجناح في قوله: ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ للتوكيد كقولك: كتبت بيدي، ونظرت بعيني.
﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قال مجاهد؛ أي: إلا أصناف مصنفه تعرف بأسمائها، يريد أن كل جنس من الحيوان أمة، فالطير أمة، والدواب أمة، والسباع أمة، تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم، كما يقال: الإنس والناس، ويدل على أن كل جنس من الدواب أمة ما روي عن عبد الله بن مغفل عن النبي - ﷺ - قال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم.. لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم". أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
فإن قلت: ثبت بالآية والحديث أن الدواب والطير أمم أمثالنا، وهذه المماثلة لم تحصل من كل الوجوه فيما يظهر لنا، فما وجه هذه المماثلة؟.
(١) أبو السعود.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
309
قلتُ: اختلف العلماء في وجه هذه المماثلة، فقيل: إن هذه الحيوانات تعرف الله وتوحده وتسبحه وتصلي له، كما أنكم تعرفون الله وتوحدونه وتسبحونه وتصلون له، وقيل: إنها مخلوقة لله كما أنكم مخلوقون لله عَزَّ وَجَلَّ، وقيل: إنها يفهم بعضها عن بعض، ويألف بعضها بعضًا، كما أن جنس الإنسان يألف بعضهم بعضًا ويفهم بعضهم عن بعض، وقيل: أمثالكم في طلب الرزق، وتوقي المهالك، ومعرفة الذكر والأنثى، وقيل: أمثالكم في الخلق والموت والبعث بعد الموت للحساب، حتى يقتص للجماء من القرناء، وقال سفيان بن عيينة؛ أي: ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه، فمنهم من يعدو كالأسد، ومنهم من يشره كالخنزير، ومنهم من يعوي كالكلب، ومنهم من يزهو كالطاوس، والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنًا ما كان. وعبارة "المراغي" هنا: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ إلخ؛ أي: لا يوجد (١) نوع من أنواع الأحياء التي تدب على الأرض، ولا نوع من أنواع الطير التي تسبح في الهواء إلا وهي أمم مماثلة لكم أيها الناس، وقد أثبت الإحصائيون الباحثون في طباع الحيوان الذين تفرغوا لدرس غرائزها وأعمالها، أن النمل مثلًا يغزو بعضه بعضًا، وأن المنتصر يسترق المنكسر ويسخره في حمل قوته وبناء قراه إلى نحو أولئك من الأعمال التي تخصه.
وخص دواب الأرض بالذكر؛ لأنها هي التي يراها المخاطبون عامة ويدركون فيها معنى المماثلة دون دواب الأجرام السماوية القابلة للحياة الحيوانية التي أعلمنا بوجودها في قوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩)﴾ وهذا من أخبار الغيب التي دل العلم الحديث على صدقها، فقد أثبت الباحثون من علماء الفلك أن بعض الكواكب كالمريخ فيه ماء ونبات، فلا بد أن يكون أنواع من الحيوان، بل فيه أمارات على وجود عالم اجتماعي صناعي كالإنسان، منها ما يرى على سطحه بالمرقب - التلسكوب - من جداول منظمة، وخلجان وجبال ووديان إلى نحو أولئك.
وخص دواب الأرض بالذكر؛ لأنها هي التي يراها المخاطبون عامة ويدركون فيها معنى المماثلة دون دواب الأجرام السماوية القابلة للحياة الحيوانية التي أعلمنا بوجودها في قوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩)﴾ وهذا من أخبار الغيب التي دل العلم الحديث على صدقها، فقد أثبت الباحثون من علماء الفلك أن بعض الكواكب كالمريخ فيه ماء ونبات، فلا بد أن يكون أنواع من الحيوان، بل فيه أمارات على وجود عالم اجتماعي صناعي كالإنسان، منها ما يرى على سطحه بالمرقب - التلسكوب - من جداول منظمة، وخلجان وجبال ووديان إلى نحو أولئك.
(١) المراغي.
310
وهذه (١) الآية الكريمة ونحوها ترشدنا إلى البحث في طباع الأحياء لنزداد علمًا بسنن الله تعالى وأسراره في خلقه، ونزداد بآياته فيها إيمانًا وحكمة وكمالًا وعلمًا، ونعتبر بحال المكذبين بها الذين لم يستفيدوا بما فضلهم الله به على الحيوان، فكانوا أضلَّ من جميع أنواعه التي لا تجني على نفسها ما يجنيه الكافر على نفسه.
﴿مَا فَرَّطْنَا﴾؛ أي: ما تركنا وما أهملنا ﴿فِي الْكِتَابِ﴾؛ أي: في اللوح المحفوظ من الشيطان، ومن تغيير شيء منه ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: شيئًا من الكائنات، ما كان منها وما سيكون بحسب السنن الإلهية، فإن الله سبحانه وتعالى أثبت فيه جميع الحوادث، وهو خلق من عالم الغيب، وقيل: المراد بالكتاب هنا: علم الله المحيط بكل شيء، شبه بالكتاب لكونه ثابتًا لا ينسى. قال الحافظ ابن كثير: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: الجميع علمهم عند الله تعالى لا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه، سواء كان بريًّا أو بحريًّا، كقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)﴾؛ أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ونظامها، وحاصر لحركاتها وسكناتها. انتهى.
وقيل: هو القرآن؛ أي: ما تركنا شيئًا من ضروب الهداية التي نرسل من أجلها الرسل إلا بيناه فيه، فقد ذكرت فيه أصول الدين وأحكامه، وحكمها، والإرشاد إلى استعمال القوى البدنية والعقلية التي سخرها الله للإنسان.
﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: ما تركنا في القرآن شيئًا من الأشياء المهمة من أمور الدين؛ إما (٢) تفصيلًا، أو إجمالًا، ومثله قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾، ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله - ﷺ -، وكل حكم سنه الرسول لأمته فقد ذكره الله سبحانه وتعالى في
﴿مَا فَرَّطْنَا﴾؛ أي: ما تركنا وما أهملنا ﴿فِي الْكِتَابِ﴾؛ أي: في اللوح المحفوظ من الشيطان، ومن تغيير شيء منه ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: شيئًا من الكائنات، ما كان منها وما سيكون بحسب السنن الإلهية، فإن الله سبحانه وتعالى أثبت فيه جميع الحوادث، وهو خلق من عالم الغيب، وقيل: المراد بالكتاب هنا: علم الله المحيط بكل شيء، شبه بالكتاب لكونه ثابتًا لا ينسى. قال الحافظ ابن كثير: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: الجميع علمهم عند الله تعالى لا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه، سواء كان بريًّا أو بحريًّا، كقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)﴾؛ أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ونظامها، وحاصر لحركاتها وسكناتها. انتهى.
وقيل: هو القرآن؛ أي: ما تركنا شيئًا من ضروب الهداية التي نرسل من أجلها الرسل إلا بيناه فيه، فقد ذكرت فيه أصول الدين وأحكامه، وحكمها، والإرشاد إلى استعمال القوى البدنية والعقلية التي سخرها الله للإنسان.
﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: ما تركنا في القرآن شيئًا من الأشياء المهمة من أمور الدين؛ إما (٢) تفصيلًا، أو إجمالًا، ومثله قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾، ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله - ﷺ -، وكل حكم سنه الرسول لأمته فقد ذكره الله سبحانه وتعالى في
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
311
كتابه العزيز بهذه الآية، وبنحو قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾، وبقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؛ أي (١): إن القرآن وافٍ ببيان جميع الأحكام، فليس لله على الخلق بعد ذلك تكليف آخر، وإن القرآن دلَّ على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة في الشريعة، فكل ما دل عليه أحد هذه الأصول الثلاثة. كان ذلك في الحقيقة موجودًا في القرآن.
روي أن ابن مسعود كان يقول: ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه، فقرأت امرأة جميع القرآن، فأتته فقالت: يا ابن أم عبد، تلوت البارحة ما بين الدفتين، فلم أجد فيه لعن الواشمة والمستوشمة، فقال: لو تلوتيه لوجدتيه، قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، وإن مما أتانا به رسول الله - ﷺ - أنه قال: "لعن الله الواشمة والمستوشمة".
وذُكر أن الشافعي كان جالسًا في المسجد الحرام فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى، فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور، فقال: لا شيء عليه، فقال: أين هذا من كتاب الله، فقال: قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، وقال - ﷺ -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، وقال عمر رضي الله عنه للمحرم الذي قتل الزنبور: لا شيء عليك.
وروي أن أبا العسيف قال للنبي - ﷺ -: اقضِ بيننا بكتاب الله، فقال - ﷺ -: "والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة. وهذا يدل على أن كل ما حكم به النبي - ﷺ - هو عين كتاب الله؛ لأنه ليس في نص الكتاب ذكر الجلد والتغريب. ﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء مدة الدنيا ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾؛ أي: إلى موقف حسابهم يجمعون؛ أي: يبعث الخلائق والأمم المذكورة من الإنس والدواب والطيور، ويساقون إلى موقف حسابهم حالة كونهم محشورين ومجموعين في صعيد واحد للمجازاة، وفيه
روي أن ابن مسعود كان يقول: ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه، فقرأت امرأة جميع القرآن، فأتته فقالت: يا ابن أم عبد، تلوت البارحة ما بين الدفتين، فلم أجد فيه لعن الواشمة والمستوشمة، فقال: لو تلوتيه لوجدتيه، قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، وإن مما أتانا به رسول الله - ﷺ - أنه قال: "لعن الله الواشمة والمستوشمة".
وذُكر أن الشافعي كان جالسًا في المسجد الحرام فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى، فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور، فقال: لا شيء عليه، فقال: أين هذا من كتاب الله، فقال: قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، وقال - ﷺ -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، وقال عمر رضي الله عنه للمحرم الذي قتل الزنبور: لا شيء عليك.
وروي أن أبا العسيف قال للنبي - ﷺ -: اقضِ بيننا بكتاب الله، فقال - ﷺ -: "والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة. وهذا يدل على أن كل ما حكم به النبي - ﷺ - هو عين كتاب الله؛ لأنه ليس في نص الكتاب ذكر الجلد والتغريب. ﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء مدة الدنيا ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾؛ أي: إلى موقف حسابهم يجمعون؛ أي: يبعث الخلائق والأمم المذكورة من الإنس والدواب والطيور، ويساقون إلى موقف حسابهم حالة كونهم محشورين ومجموعين في صعيد واحد للمجازاة، وفيه
(١) المراح.
312
دلالة على أن البهائم تحشر كما يحشر بنو آدم. وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء منهم: أبو ذر، وأبو هريرة، والحسن وغيرهم، وذهب ابن عباس إلى أن حشرها: موتها، وبه قال الضحاك. والأول أرجح لهذه الآية، ولما صح في السنة المطهرة من أنه "يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)﴾ قال بعضهم: إن الله سبحانه وتعالى بعد توفير القصاص عليها يجعلها ترابًا، وعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا، كما رواه الحاكم عن أبي هريرة وصححه.
وقرأ (١) ابن أبي عبلة ﴿وَلَا طَائِرٌ﴾ بالرفع عطفًا على موضع ﴿دَابَّةٍ﴾، وقرأ الأعرج وعلقمة: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ بتخفيف الراء، والمعنى واحد.
٣٩ - ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: والكافرون الذين كذبوا بآياتنا المنزلة الدالة على وحدانيتنا وصدق ما جاء به رسولنا تكذيب جحودٍ واستكبارٍ، أو تكذيب جحود على تقليد الأباء ﴿صُمٌّ﴾ آذانهم، لا يسمعون دعوة الحق والهدى سماع قبول ﴿بكم﴾؛ أي: خرس ألسنتهم، لا ينطقون بما عرفوا من الحق تائهون ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾؛ أي: في ظلمات الكفر والجهل والحيرة، لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم، وهم يتخبطون في تلك الظلمات الحالكة: ظلمة الوثنية، وظلمة تقليد الجاهلية، وظلمة الجهل والأمية. والمعنى: هم كائنون في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات، وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار؛ لتراكم الظلمة عليهم، فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال.
ثم بين سبحانه وتعالى أن الأمر بيده، ما شاء يفعل، فقال: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: من تعلقت مشيئته تعالى بإضلاله ﴿يُضْلِلْهُ﴾ عن طريق الهدى، كما أضل هؤلاء الذين استحبوا العمى على الهدى، وإضلاله إياهم جاء على مقتضى سننه في البشر أن يُعرِض المستكبر عن دعوة من يراه دونه - وإن ظهر له أنه الحق - وأن يعرض المقلد عن النظر في الآيات والدلائل التي تنصب لبيان
وقرأ (١) ابن أبي عبلة ﴿وَلَا طَائِرٌ﴾ بالرفع عطفًا على موضع ﴿دَابَّةٍ﴾، وقرأ الأعرج وعلقمة: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ بتخفيف الراء، والمعنى واحد.
٣٩ - ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: والكافرون الذين كذبوا بآياتنا المنزلة الدالة على وحدانيتنا وصدق ما جاء به رسولنا تكذيب جحودٍ واستكبارٍ، أو تكذيب جحود على تقليد الأباء ﴿صُمٌّ﴾ آذانهم، لا يسمعون دعوة الحق والهدى سماع قبول ﴿بكم﴾؛ أي: خرس ألسنتهم، لا ينطقون بما عرفوا من الحق تائهون ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾؛ أي: في ظلمات الكفر والجهل والحيرة، لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم، وهم يتخبطون في تلك الظلمات الحالكة: ظلمة الوثنية، وظلمة تقليد الجاهلية، وظلمة الجهل والأمية. والمعنى: هم كائنون في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات، وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار؛ لتراكم الظلمة عليهم، فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال.
ثم بين سبحانه وتعالى أن الأمر بيده، ما شاء يفعل، فقال: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: من تعلقت مشيئته تعالى بإضلاله ﴿يُضْلِلْهُ﴾ عن طريق الهدى، كما أضل هؤلاء الذين استحبوا العمى على الهدى، وإضلاله إياهم جاء على مقتضى سننه في البشر أن يُعرِض المستكبر عن دعوة من يراه دونه - وإن ظهر له أنه الحق - وأن يعرض المقلد عن النظر في الآيات والدلائل التي تنصب لبيان
(١) البحر المحيط.
بطلانها وإثبات خلافها ما دام مغرورًا بها مكبرًا لمن جرى من الإباء عليها، والمعنى: ومن يشاء الله إضلاله.. يخلق الله الضلال فيه ويمته على الكفر، فيضل يوم القيامة عن طريق الجنة، وعن وجدان الثواب. ﴿وَمَنْ يَشَأْ﴾ هدايته ﴿يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ هو طريق الحق الذي لا يضل سالكه؛ بأن يوفقه لاستعمال سمعه وبصره وعقله استعمالًا يعرف به الحق، ويعرف به الخير، ويعمل به بحسب سننه تعالى في الارتباط بين الأعمال البدنية والعقائد النفسية. والمعنى: ومن يشأ أن يجعله على طريق يرضاه وهو الإِسلام.. يجعله عليه، ويهده إليه، ويمته عليه، فلا يضل من مشى إليه، ولا يزل من ثبت قدمه عليه،
٤٠ - والاستفهام في قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ﴾ استفهام (١) تعجيب، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإعراب. وقال الكرماني (٢): ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ كلمة استفهام وتعجب، وليس لها نظير؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين العادلين بالله الأوثان والأصنام على سبيل التخويف والتوبيخ: أخبروني ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ في الدنيا كالذي نزل بمن قبلكم من الأمم الذين كذبوا بالرسل، فقد هلك بعضهم بريح عاتية، وبعض آخر بالصاعقة، أو بمياه الطوفان المغرقة ﴿أَوْ أَتَتْكُمُ﴾ وجاءتكم ﴿السَّاعَةُ﴾ والقيامة بأهوالها وخزيها ونكالها، وبعثتم لموقف الحساب ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى في هذه الأحوال ﴿تَدْعُونَ﴾ وتستغيثون لكشف ما نزل بكم من النبلاء، أم إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في دعواكم ألوهية هؤلاء الشركاء الذين اتخذتموهم أولياء، وزعمتم أنهم فيكم شفعاء، فأخبروني: أغير الله تدعون إذا أتاكم أحد هذين الأمرين؟.
والخلاصة: قل (٣) يا أكرم الخلق لكفار مكة: يا أهل مكة، أخبروني إن أتاكم عذاب الله في الدنيا؛ كالغرق أو الخسف أو المسخ أو نحو ذلك، أو أتاكم العذاب عند قيام الساعة، أترجعون إلى غير الله في دفع ذلك البلاء، أو ترجعون
٤٠ - والاستفهام في قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ﴾ استفهام (١) تعجيب، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإعراب. وقال الكرماني (٢): ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ كلمة استفهام وتعجب، وليس لها نظير؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين العادلين بالله الأوثان والأصنام على سبيل التخويف والتوبيخ: أخبروني ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ في الدنيا كالذي نزل بمن قبلكم من الأمم الذين كذبوا بالرسل، فقد هلك بعضهم بريح عاتية، وبعض آخر بالصاعقة، أو بمياه الطوفان المغرقة ﴿أَوْ أَتَتْكُمُ﴾ وجاءتكم ﴿السَّاعَةُ﴾ والقيامة بأهوالها وخزيها ونكالها، وبعثتم لموقف الحساب ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى في هذه الأحوال ﴿تَدْعُونَ﴾ وتستغيثون لكشف ما نزل بكم من النبلاء، أم إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في دعواكم ألوهية هؤلاء الشركاء الذين اتخذتموهم أولياء، وزعمتم أنهم فيكم شفعاء، فأخبروني: أغير الله تدعون إذا أتاكم أحد هذين الأمرين؟.
والخلاصة: قل (٣) يا أكرم الخلق لكفار مكة: يا أهل مكة، أخبروني إن أتاكم عذاب الله في الدنيا؛ كالغرق أو الخسف أو المسخ أو نحو ذلك، أو أتاكم العذاب عند قيام الساعة، أترجعون إلى غير الله في دفع ذلك البلاء، أو ترجعون
(١) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.
فيه إلى الله تعالى إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهة، فأجيبوا سؤالي؟ أو المعنى: إن كنتم قومًا صادقين.. فأخبروني أإلهًا غير الله تدعون إلخ.
٤١ - ثم أجاب عن ذلك بقوله: ﴿بَلْ إِيَّاهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿تَدْعُونَ﴾ وتستغيثون ﴿فَيَكْشِفُ﴾ ويزيل ﴿مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾؛ أي: إنكم لا ترجعون في طلب دفع البلية إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فيكشف التفسير الذي من أجله دعوتم بمحض مشيئته ﴿وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾؛ أي: وتتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع. أي: ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأندادَ إن أتاكم عذاب الله، أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيء غير الله من وثن أو صنم إذا اشتد بكم الهول، بل تدعونه وحده، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون دون كل شيء غيره، فيفرج عنكم ويزيل البلاء عند استغاثتكم به وتضرعكم إليه إن شاء ذلك؛ لأنه وحده القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء دون ما تدعونه إلهًا من صنم أو وثن؛ لأن الفزع إليه تعالى عند الشدائد مما ركز في فطرة البشر، تنبعث إليه بذاتها، كما تنبعث إلى الماء عند العطش، فلا يذهب به ما يتلقَّى بالتعليم الباطل من مسائل الدين، فهم به يجنون على غريزة التوجه إلى خالقهم وخالق العالم كله بما يتخذونه من الأنداد والأولياء والشفعاء الذين يتوجهون إليهم، كما يتوجهون إلى الله تعالى، ويحبونهم كحب الله، وما منشأ ذلك التقديس إلا اعتقاد القدرة على النفع والضر من غير طريق الأسباب المعروفة، لكنهم عند الشدائد وتراكم الأهوال والكروب ينسونهم، ويدعون الله وحده، ولهذا الحب والتعظيم ثلاث درجات:
١ - أعرقها في الجهل: أن يعتقد المرء في شيء من المخلوقات أنه إله ينفع ويضر بذاته، فيتوجه إليه ويدعوه ويتضرع إليه.
٢ - المرتبة الوسطى: أن يعتقد أن الإله قد حل في بعض المخلوقات واتحد بها، كما تحل الروح في البدن وتدبره، فيكونان شيئًا واحدًا.
٣ - أضعف درجاته: أن يعتقد أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء القادر على كل شيء المتصرف في كل شيء، ولكن له وسطاء بينه وبين عباده يقربونهم
٤١ - ثم أجاب عن ذلك بقوله: ﴿بَلْ إِيَّاهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿تَدْعُونَ﴾ وتستغيثون ﴿فَيَكْشِفُ﴾ ويزيل ﴿مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾؛ أي: إنكم لا ترجعون في طلب دفع البلية إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فيكشف التفسير الذي من أجله دعوتم بمحض مشيئته ﴿وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾؛ أي: وتتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع. أي: ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأندادَ إن أتاكم عذاب الله، أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيء غير الله من وثن أو صنم إذا اشتد بكم الهول، بل تدعونه وحده، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون دون كل شيء غيره، فيفرج عنكم ويزيل البلاء عند استغاثتكم به وتضرعكم إليه إن شاء ذلك؛ لأنه وحده القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء دون ما تدعونه إلهًا من صنم أو وثن؛ لأن الفزع إليه تعالى عند الشدائد مما ركز في فطرة البشر، تنبعث إليه بذاتها، كما تنبعث إلى الماء عند العطش، فلا يذهب به ما يتلقَّى بالتعليم الباطل من مسائل الدين، فهم به يجنون على غريزة التوجه إلى خالقهم وخالق العالم كله بما يتخذونه من الأنداد والأولياء والشفعاء الذين يتوجهون إليهم، كما يتوجهون إلى الله تعالى، ويحبونهم كحب الله، وما منشأ ذلك التقديس إلا اعتقاد القدرة على النفع والضر من غير طريق الأسباب المعروفة، لكنهم عند الشدائد وتراكم الأهوال والكروب ينسونهم، ويدعون الله وحده، ولهذا الحب والتعظيم ثلاث درجات:
١ - أعرقها في الجهل: أن يعتقد المرء في شيء من المخلوقات أنه إله ينفع ويضر بذاته، فيتوجه إليه ويدعوه ويتضرع إليه.
٢ - المرتبة الوسطى: أن يعتقد أن الإله قد حل في بعض المخلوقات واتحد بها، كما تحل الروح في البدن وتدبره، فيكونان شيئًا واحدًا.
٣ - أضعف درجاته: أن يعتقد أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء القادر على كل شيء المتصرف في كل شيء، ولكن له وسطاء بينه وبين عباده يقربونهم
إليه زلفى، ويشفعون لهم عنده، فهو لأجلهم يعطي ويمنع، ويضر ينفع، وهذه هي الدرجة التي كان عليها مشركو قريش، فقد حكى الله عنهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾، ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾. والتوحيد الخالص هو: الإيمان بأن الله يفعل ما يشاء، ويختار، وأن جميع الخلائق مسخرون لإرادته وتدبيره، خاضعون لسننه وتقديره، لا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره شيئًا إلا في دائرة الأسباب التي شرعها لعباده، وأن الوساطة بينه وبين عباده محصورة في تبليغ الرسول رسالته إليهم دون تصرفه فيهم، وأن شفاعة الآخرة لله وحده، يأذن بها إن شاء لمن شاء ممن ارتضى، يرشد إلى ذلك قوله تعالى لخاتم رسله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾، وقوله: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾، وقوله: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾. وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أن تلك الوساطة الشركية تنسى عند اشتداد الكروب والأهوال فقال: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)﴾، وقال: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)﴾.
٤٢ - ثم بين سبحانه وتعالى أن من سننه أخذ عباده بالشدائد لعلهم يرعوون عن غيهم، ويثوبون إلى رشدهم، فقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد بعثنا رسلًا إلى أمم كثيرة كائنة في زمان قبل زمانك، فدعوهم إلى توحيدنا وعبادتنا، فلم يستجيبوا لهم وخالفوهم. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ أخذ ابتلاء واختبار، وعاقبناهم ﴿بِالْبَأْسَاءِ﴾؛ أي: بشدة الفقر والخوف من بعضهم ﴿وَالضَّرَّاءِ﴾؛ أي: بالأمراض والأوجاع ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾؛ أي: لكي يدعوا الله تعالى في كشفها بالتذلل، ويتوبوا إليه من كفرهم ومعاصيهم؛ أي: ليكون ذلك مفيدًا لهم لأن سنتنا قد جرت بأنهم في مثل هذه الحال يتضرعون ويجأرون بالدعاء إلى ربهم، فالشدائد تربي النفوس وتهذب الأخلاق، فترجع المغرورين عن غرورهم، وتكف الفجار عن فجورهم، فأخلق بها أن ترجع أهل الأوهام عن دعاء أمثالهم من البشر، بل من دونهم من الأصنام والأوثان. ولكن كثيرًا من الناس يصلون إلى حال من الشرك والفجور لا يغيرها بأس، ولا يحولها بؤس، فلا تجدي معهم
٤٢ - ثم بين سبحانه وتعالى أن من سننه أخذ عباده بالشدائد لعلهم يرعوون عن غيهم، ويثوبون إلى رشدهم، فقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد بعثنا رسلًا إلى أمم كثيرة كائنة في زمان قبل زمانك، فدعوهم إلى توحيدنا وعبادتنا، فلم يستجيبوا لهم وخالفوهم. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ أخذ ابتلاء واختبار، وعاقبناهم ﴿بِالْبَأْسَاءِ﴾؛ أي: بشدة الفقر والخوف من بعضهم ﴿وَالضَّرَّاءِ﴾؛ أي: بالأمراض والأوجاع ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾؛ أي: لكي يدعوا الله تعالى في كشفها بالتذلل، ويتوبوا إليه من كفرهم ومعاصيهم؛ أي: ليكون ذلك مفيدًا لهم لأن سنتنا قد جرت بأنهم في مثل هذه الحال يتضرعون ويجأرون بالدعاء إلى ربهم، فالشدائد تربي النفوس وتهذب الأخلاق، فترجع المغرورين عن غرورهم، وتكف الفجار عن فجورهم، فأخلق بها أن ترجع أهل الأوهام عن دعاء أمثالهم من البشر، بل من دونهم من الأصنام والأوثان. ولكن كثيرًا من الناس يصلون إلى حال من الشرك والفجور لا يغيرها بأس، ولا يحولها بؤس، فلا تجدي معهم
العبر والمواعظ، ولا تؤثر فيهم صروف الدهر وغيره، ومنهم أولئك الأمم الذين أرسل إليهم هؤلاء الأنبياء،
٤٣ - ومن ثَمَّ قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ إلى آخر ما سيأتي. وفي هذه الآية تسلية للرسول (١) - ﷺ -، وأن عادة الأمم مع رسلهم التكذيب والمبالغة في قسوة القلوب حتى هم إذا أخذوا بالبلايا.. لا يتذللون لله ولا يسألونه كشفها، وهؤلاء الأمم الذين بعث الله تعالى إليهم الرسل أبلغ انحرافًا، وأشد شكيمةً، وأجلد من الذين بعث إليهم رسول الله - ﷺ -، إذ خاطبهم تعالى بقوله: ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ الآية، وأخبر أنهم عند الأزمات لا يدعون لكشفها إلا الله تعالى.
وكلمة ﴿لولا﴾ في قوله: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ حرف تحضيض، وهو الطلب بحث وإزعاج؛ أي: فهلا تضرعوا وتذللوا إلينا خاشعين تائبين حين جاءهم بأسنا وعذابنا؛ أي: حين جاءتهم مقدمات العذاب وبوادره، وحذروا عواقبه وأواخره لنكشفه عنهم قبل أن يحيط بهم. ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: صلبت وصبرت على ملاقاة العذاب لما أراد الله من كفرهم وخذلانهم، فكانت الحجارة أو أشد قسوة، فلم تؤثر فيهم النذر.
وعبارة "الفتوحات" هنا: قوله: ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ استدراك وقع بين الضدين؛ أي: فلم يتضرعوا إليه تعالى برقة القلب والخضوع، ولكن ظهر منهم نقيضه، حيث قست قلوبهم؛ أي: استمرت على ما هي عليه من القساوة، أو ازدادت قساوة اهـ "أبو السعود". فهذا من أحسن مواقع الاستدراك اهـ شيخنا. انتهت.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي؛ أي: فلم يؤمنوا حين جاءهم بأسنا وعذابنا ووسوس إليهم بأن يثبتوا على ما كان عليه أباؤهم، ولا ينقادوا إلى رجال منهم ضعاف الأحلام، سفهاء العقول، لا ميزة لهم عليهم بعقل راجح ولا فكر ثاقب، وقال لهم: إن حال الدنيا هكذا تكون
٤٣ - ومن ثَمَّ قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ إلى آخر ما سيأتي. وفي هذه الآية تسلية للرسول (١) - ﷺ -، وأن عادة الأمم مع رسلهم التكذيب والمبالغة في قسوة القلوب حتى هم إذا أخذوا بالبلايا.. لا يتذللون لله ولا يسألونه كشفها، وهؤلاء الأمم الذين بعث الله تعالى إليهم الرسل أبلغ انحرافًا، وأشد شكيمةً، وأجلد من الذين بعث إليهم رسول الله - ﷺ -، إذ خاطبهم تعالى بقوله: ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ الآية، وأخبر أنهم عند الأزمات لا يدعون لكشفها إلا الله تعالى.
وكلمة ﴿لولا﴾ في قوله: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ حرف تحضيض، وهو الطلب بحث وإزعاج؛ أي: فهلا تضرعوا وتذللوا إلينا خاشعين تائبين حين جاءهم بأسنا وعذابنا؛ أي: حين جاءتهم مقدمات العذاب وبوادره، وحذروا عواقبه وأواخره لنكشفه عنهم قبل أن يحيط بهم. ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: صلبت وصبرت على ملاقاة العذاب لما أراد الله من كفرهم وخذلانهم، فكانت الحجارة أو أشد قسوة، فلم تؤثر فيهم النذر.
وعبارة "الفتوحات" هنا: قوله: ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ استدراك وقع بين الضدين؛ أي: فلم يتضرعوا إليه تعالى برقة القلب والخضوع، ولكن ظهر منهم نقيضه، حيث قست قلوبهم؛ أي: استمرت على ما هي عليه من القساوة، أو ازدادت قساوة اهـ "أبو السعود". فهذا من أحسن مواقع الاستدراك اهـ شيخنا. انتهت.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي؛ أي: فلم يؤمنوا حين جاءهم بأسنا وعذابنا ووسوس إليهم بأن يثبتوا على ما كان عليه أباؤهم، ولا ينقادوا إلى رجال منهم ضعاف الأحلام، سفهاء العقول، لا ميزة لهم عليهم بعقل راجح ولا فكر ثاقب، وقال لهم: إن حال الدنيا هكذا تكون
(١) البحر المحيط.
شدة ثم نعمة، فلم يخطروا ببالهم أن ما أصابهم من الشدائد، ما أصابهم إلا لأجل عملهم الفاسد.
٤٤ - ثم ذكر ما حل بهم من الوبال والنكال بعد أن ابتلاهم بالحسنات، فقال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾؛ أي: فلما (١) أعرضوا عما أنذرهم به رسلهم، وتركوا الاهتداء به، وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، وأصروا على كفرهم وعنادهم، وجمدوا على تقليد من قبلهم.. بلوناهم بالحسنات، و ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أي: بسطنا عليهم أنواع الرزق، ورخاء العيش وصحة الأجسام، والأمن على الأنفس والأرواح استدراجًا لهم، فلم تربِّهم تلك النعم، ولا شكروا الله على ما أنعم، بل أفادتهم النعمة بطرًا وكبرًا، كما أفادتهم الشدائد عتوًا وقسوة.
والمعنى (٢): فلما تركوا الاتعاظ والازدجار بما ذكروا به من البأس.. استدرجناهم بتيسير مطالبهم الدنيوية وعبر عن ذلك بقوله: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ إذ يقتضي شمول الخيرات وبلوغ الطلبات.
والخلاصة (٣): أنه تعالى سلط عليهم المكاره والشدائد ليعتبروا ويتعظوا، فلما لم تجد معهم شيئًا.. نقلهم إلى حال هي ضدها، ففتح عليهم أبواب الخيرات، وسهل لهم سبل الرزق والرخاء، فلم ينتفعوا أيضًا. وما مثل هذا إلا مثل الأب المشفق على ولده، يخاشنه تارة ويلاينه أخرى طلبًا لصلاحه واستقامة حاله، وإرجاعًا له عن غيه وطغيانه.
﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾؛ أي: حتى إذا اطمأنوا بما فتح لهم من الخيرات، وظنوا أن الذي أوتوا إنما هو باستحقاقهم، ولم يزدهم ذلك إلا بطرًا وغرورًا بأن ظنوا أن الذي نزل بهم من الشدائد ليس على سبيل الانتقام من الله ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾؛ أي: أنزلنا بهم عذابنا فجأة ليكون لهم أشد وقعًا وأكثر تحسرًا؛ أي: أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كونهم مبغوتين، إذ فاجأهم على غرة من
٤٤ - ثم ذكر ما حل بهم من الوبال والنكال بعد أن ابتلاهم بالحسنات، فقال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾؛ أي: فلما (١) أعرضوا عما أنذرهم به رسلهم، وتركوا الاهتداء به، وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، وأصروا على كفرهم وعنادهم، وجمدوا على تقليد من قبلهم.. بلوناهم بالحسنات، و ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أي: بسطنا عليهم أنواع الرزق، ورخاء العيش وصحة الأجسام، والأمن على الأنفس والأرواح استدراجًا لهم، فلم تربِّهم تلك النعم، ولا شكروا الله على ما أنعم، بل أفادتهم النعمة بطرًا وكبرًا، كما أفادتهم الشدائد عتوًا وقسوة.
والمعنى (٢): فلما تركوا الاتعاظ والازدجار بما ذكروا به من البأس.. استدرجناهم بتيسير مطالبهم الدنيوية وعبر عن ذلك بقوله: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ إذ يقتضي شمول الخيرات وبلوغ الطلبات.
والخلاصة (٣): أنه تعالى سلط عليهم المكاره والشدائد ليعتبروا ويتعظوا، فلما لم تجد معهم شيئًا.. نقلهم إلى حال هي ضدها، ففتح عليهم أبواب الخيرات، وسهل لهم سبل الرزق والرخاء، فلم ينتفعوا أيضًا. وما مثل هذا إلا مثل الأب المشفق على ولده، يخاشنه تارة ويلاينه أخرى طلبًا لصلاحه واستقامة حاله، وإرجاعًا له عن غيه وطغيانه.
﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾؛ أي: حتى إذا اطمأنوا بما فتح لهم من الخيرات، وظنوا أن الذي أوتوا إنما هو باستحقاقهم، ولم يزدهم ذلك إلا بطرًا وغرورًا بأن ظنوا أن الذي نزل بهم من الشدائد ليس على سبيل الانتقام من الله ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾؛ أي: أنزلنا بهم عذابنا فجأة ليكون لهم أشد وقعًا وأكثر تحسرًا؛ أي: أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كونهم مبغوتين، إذ فاجأهم على غرة من
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
غير سبق أمارات ولا إمهال للاستعداد أو للهرب ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾؛ أي: آيسون من النجاة، متحزنون غاية الحزن، منقطع رجاؤهم من كل خير. وفي الآية إيماء إلى أن البأساء والضراء وما يقابلها من السراء والنعماء مما يتهذَّب به من وفقهم الله للهداية، وألهمهم الرشاد والاختبار أكبر شاهد على صدق هذه القضية، فالشدائد مصلحة للفساد، مهذِّبة للنفوس، والمؤمن أجدر الناس بالاستفادة من الحوادث.
روى مسلم عن صهيب مرفوعًا: "عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له". وروى أحمد أن النبي - ﷺ - قال "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب.. فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ الآية.
٤٥ - ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾؛ أي: استؤصل آخر القوم الذين ظلموا أنفسهم بإهلاكهم بالكلية حتى لم يبق منه أحد؛ أي: فهلك أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الرسل والإصرار على الشرك، وأعمالهم الخبيثة بالكلية أصلًا وفرعًا بسبب ظلمهم بإقامة المعاصي مقام الطاعات. ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: والثناء الكامل، والشكر التام لله ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على إنعامه على رسله وأهل طاعته بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر، وتحقيق ما وعدهم به من إهلاك المشركين وإراحة الأرض من شركهم وظلمهم، فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثة، نعمةٌ جليلة مستحقة للحمد. قال الصاوي: هذا حمد من الله لنفسه على هلاك الكفار ونصر الرسل، وفيه تعليم المؤمنين أنهم يشكرون الله على ذلك إذ هو نعمة عظيمة انتهى.
والخلاصة: أن في الضراء والسراء للمتقين عبرة ونعمة ظاهرة أو باطنة.
وقرأ (١) ابن عامر: ﴿فتَّحنا﴾ بتشديد التاء والتشديد لتكثير الفعل. وقرأ عكرمة: ﴿فقَطع دابر﴾ بفتح القاف والطاء والراء؛ أي: فقطع الله، وهو التفات إذ
روى مسلم عن صهيب مرفوعًا: "عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له". وروى أحمد أن النبي - ﷺ - قال "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب.. فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ الآية.
٤٥ - ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾؛ أي: استؤصل آخر القوم الذين ظلموا أنفسهم بإهلاكهم بالكلية حتى لم يبق منه أحد؛ أي: فهلك أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الرسل والإصرار على الشرك، وأعمالهم الخبيثة بالكلية أصلًا وفرعًا بسبب ظلمهم بإقامة المعاصي مقام الطاعات. ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: والثناء الكامل، والشكر التام لله ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على إنعامه على رسله وأهل طاعته بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر، وتحقيق ما وعدهم به من إهلاك المشركين وإراحة الأرض من شركهم وظلمهم، فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثة، نعمةٌ جليلة مستحقة للحمد. قال الصاوي: هذا حمد من الله لنفسه على هلاك الكفار ونصر الرسل، وفيه تعليم المؤمنين أنهم يشكرون الله على ذلك إذ هو نعمة عظيمة انتهى.
والخلاصة: أن في الضراء والسراء للمتقين عبرة ونعمة ظاهرة أو باطنة.
وقرأ (١) ابن عامر: ﴿فتَّحنا﴾ بتشديد التاء والتشديد لتكثير الفعل. وقرأ عكرمة: ﴿فقَطع دابر﴾ بفتح القاف والطاء والراء؛ أي: فقطع الله، وهو التفات إذ
(١) البحر المحيط.
فيه الخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب. وفي هذه الجملة إرشاد من الله تعالى لعباده المؤمنين بتذكيرهم بما يجب عليهم من حمده على نصر المرسلين المصلحين، وقطع دابر الظالمين المفسدين، وإيماء إلى وجوب ذكره في عاقبة كل أمر وخاتمة كل عمل، كما قال تعالى في وصف عباده المتقين: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
٤٦ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لكفار مكة ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾؛ أي: أخبروني إن أزال الله سمعكم وأبصاركم، فأصمكم وأعماكم، وطبع على قلوبكم، وأزال عقولكم حتى لا تعرفوا شيئًا، يعني: أذهب عنكم هذه الأعضاء أصلًا ﴿مَنْ إِلَهٌ﴾؛ أي: أيُّ فرد من الآلهة الثابتة بزعمكم ﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ تعالى ﴿يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾؛ أي: بما أخذ عنكم من هذه الأعضاء ويردها لكم، والاستفهام فيه إنكاري؛ أي: ليس لكم إله يردها لكم، وإنما أفرد السمع وجمع ما بعده؛ لأن السمع مصدر لا يثنى ولا يجمع، بخلاف ما بعده. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت به من التوحيد والهدى: أخبروني ماذا يكون من أمركم مع آلهتكم الذين تدعونهم مع الله، وترجون شفاعتهم إن أصمكم الله تعالى، فذهب بسمعكم وأعماكم، فذهب بأبصاركم وختم على قلوبكم، وطبع عليها فأصبحتم لا تسمعون قولًا، ولا تبصرون طريقًا، ولا تعقلون نفعًا ولا ضرًّا، ولا تدركون حقًّا ولا باطلًا؛ ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ بما ذكر مما أخذه الله منكم؛ أي: لا إله غيره يقدر على إتيانكم بما سلب، ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك، وإذا كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون، فلماذا تدعونهم؟ وما الدعاء إلا عبادة، والعبادة لا تكون إلا للإله القادر. ﴿انْظُرْ﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ نُصَرِّفُ﴾ لهم ونكرر عليهم ﴿الْآيَاتِ﴾ الدالة على وحدانيتنا، ونتابع عليهم الحجج، ونضرب لهم الأمثال والعبر، ونجعلها على وجوه شتى متغيرة من نوع إلى نوع آخر، فتارة بترتيب المقدمات العقلية، وتارة بطريق الترغيب والترهيب، وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين ليعتبروا ويتذكروا، فينيبوا ويرجعوا إلى ربهم، فكل واحد يقوي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب ﴿ثُمَّ هُمْ﴾؛ أي: كفار مكة بعد تصريف الآيات
٤٦ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لكفار مكة ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾؛ أي: أخبروني إن أزال الله سمعكم وأبصاركم، فأصمكم وأعماكم، وطبع على قلوبكم، وأزال عقولكم حتى لا تعرفوا شيئًا، يعني: أذهب عنكم هذه الأعضاء أصلًا ﴿مَنْ إِلَهٌ﴾؛ أي: أيُّ فرد من الآلهة الثابتة بزعمكم ﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ تعالى ﴿يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾؛ أي: بما أخذ عنكم من هذه الأعضاء ويردها لكم، والاستفهام فيه إنكاري؛ أي: ليس لكم إله يردها لكم، وإنما أفرد السمع وجمع ما بعده؛ لأن السمع مصدر لا يثنى ولا يجمع، بخلاف ما بعده. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت به من التوحيد والهدى: أخبروني ماذا يكون من أمركم مع آلهتكم الذين تدعونهم مع الله، وترجون شفاعتهم إن أصمكم الله تعالى، فذهب بسمعكم وأعماكم، فذهب بأبصاركم وختم على قلوبكم، وطبع عليها فأصبحتم لا تسمعون قولًا، ولا تبصرون طريقًا، ولا تعقلون نفعًا ولا ضرًّا، ولا تدركون حقًّا ولا باطلًا؛ ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ بما ذكر مما أخذه الله منكم؛ أي: لا إله غيره يقدر على إتيانكم بما سلب، ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك، وإذا كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون، فلماذا تدعونهم؟ وما الدعاء إلا عبادة، والعبادة لا تكون إلا للإله القادر. ﴿انْظُرْ﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ نُصَرِّفُ﴾ لهم ونكرر عليهم ﴿الْآيَاتِ﴾ الدالة على وحدانيتنا، ونتابع عليهم الحجج، ونضرب لهم الأمثال والعبر، ونجعلها على وجوه شتى متغيرة من نوع إلى نوع آخر، فتارة بترتيب المقدمات العقلية، وتارة بطريق الترغيب والترهيب، وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين ليعتبروا ويتذكروا، فينيبوا ويرجعوا إلى ربهم، فكل واحد يقوي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب ﴿ثُمَّ هُمْ﴾؛ أي: كفار مكة بعد تصريف الآيات
وتكريرها عليهم ﴿يَصْدِفُونَ﴾ ويعرضون عن تلك الآيات، ويتجنبون عن التأمل والتفكر فيها، ويلقونها وراء ظهورهم، و ﴿ثُمَّ﴾ لاستبعاد إعراضهم عنها بعد ذكرها على الوجوه المختلفة، والغرض من هذه الجملة: تعجيب رسول الله - ﷺ - من عدم تأثرهم بما عاينوا من الآيات الباهرة.
وروى أبو قرة إسحاق بن محمد المسيبي عن نافع (١): ﴿به انظر﴾ بضم الهاء، وهي قراءة الأعرج. وقرأ الجمهور بكسر هاء ﴿بِهِ﴾ في ﴿بِهِ انْظُرْ﴾. وقرأ بعض القراء: ﴿كيف نصرف﴾ من صرف الثلاثي.
٤٧ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾؛ أي: أخبروني يا أهل مكة عن شأنكم ﴿إِنْ أَتَاكُمْ﴾ وجاءكم ﴿عَذَابُ اللَّهِ﴾ الذي مضت سنة الله في الأولين بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين ﴿بَغْتَةً﴾ وفجأة؛ أي: مباغتًا ومفاجئًا لكم، فأخذكم على غرة لم تتقدمه أمارات تشعركم بقرب نزوله بكم ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾؛ أي: أو أتاكم مجاهرًا ومعاينًا لكم وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه بحيث ترون مبادئه ومقدماته بأبصاركم ﴿هَلْ يُهْلَكُ﴾ حينئذ ﴿إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: هل يهلك الله به إلا القوم الظالمين منكم، الذين أصروا على الشرك والعناد والجحود، إذ قد مضت سنته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين. والاستفهام هنا إنكاري.
والخلاصة: أنه لا يهلك بهذا العذاب غيركم لظلمكم أنفسكم وجنايتكم عليها بما اخترتم لها من الشرك والفجور، وعبادة من لا يستحق العبادة، وترك عبادة من هو بها حقيق وجدير. فإن قلت: إن المصيبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، فلِمَ خص الكافر هنا بالهلاك؟
قلتُ: الجواب: إن هلاك الكفار سخط وغضب، وهلاك المؤمن إثابة ورفع درجات، فلا يسمى في الحقيقة هلاكًا.
وقرأ ابن محيصن (٢): ﴿هل يهلك﴾ مبنيًّا للفاعل.
وروى أبو قرة إسحاق بن محمد المسيبي عن نافع (١): ﴿به انظر﴾ بضم الهاء، وهي قراءة الأعرج. وقرأ الجمهور بكسر هاء ﴿بِهِ﴾ في ﴿بِهِ انْظُرْ﴾. وقرأ بعض القراء: ﴿كيف نصرف﴾ من صرف الثلاثي.
٤٧ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾؛ أي: أخبروني يا أهل مكة عن شأنكم ﴿إِنْ أَتَاكُمْ﴾ وجاءكم ﴿عَذَابُ اللَّهِ﴾ الذي مضت سنة الله في الأولين بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين ﴿بَغْتَةً﴾ وفجأة؛ أي: مباغتًا ومفاجئًا لكم، فأخذكم على غرة لم تتقدمه أمارات تشعركم بقرب نزوله بكم ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾؛ أي: أو أتاكم مجاهرًا ومعاينًا لكم وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه بحيث ترون مبادئه ومقدماته بأبصاركم ﴿هَلْ يُهْلَكُ﴾ حينئذ ﴿إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: هل يهلك الله به إلا القوم الظالمين منكم، الذين أصروا على الشرك والعناد والجحود، إذ قد مضت سنته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين. والاستفهام هنا إنكاري.
والخلاصة: أنه لا يهلك بهذا العذاب غيركم لظلمكم أنفسكم وجنايتكم عليها بما اخترتم لها من الشرك والفجور، وعبادة من لا يستحق العبادة، وترك عبادة من هو بها حقيق وجدير. فإن قلت: إن المصيبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، فلِمَ خص الكافر هنا بالهلاك؟
قلتُ: الجواب: إن هلاك الكفار سخط وغضب، وهلاك المؤمن إثابة ورفع درجات، فلا يسمى في الحقيقة هلاكًا.
وقرأ ابن محيصن (٢): ﴿هل يهلك﴾ مبنيًّا للفاعل.
(١) البحر المحيط وزاد المسير.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
٤٨ - ثم بين وظيفة الرسل، فقال: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا﴾ حالة كونهم ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ من آمن بهم بالجنة ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ من كفر بالعذاب، ولا قدرة لهم على إظهار المعجزات، بل ذلك مفوض إلى مشيئة الله تعالى؛ أي: وما نرسل المرسلين إلا ببشارة أهل الطاعة بالفوز بالجنة جزاء وفاقًا على طاعتهم، وبإنذار من أصر على الشرك والإفساد في الأرض بالعذاب؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حييَّ عن بينة. ﴿فَمَنْ آمَنَ﴾ وصدق من أرسلناه إليه من رسلنا ﴿وَأَصْلَحَ﴾؛ أي: أصلح اعتقاده وعمله بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من عذاب الدنيا الذي ينزل بالمكذبين الجاحدين، ولا من عذاب الآخرة الذي أعده الله تعالى للكافرين ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بفوات ما بشروا به من الثواب العاجل والآجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحفظهم من كل فزع وهول، كما قال سبحانه: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)﴾، وكذلك هم لا يحزنون في الدنيا كحزن المشركين في شدته وطول مدته، فإذا عرض لهم الحزن بسبب صحيح؛ لموت ولد أو قريب، أو فقد مال أو قلة نصير، يكون حزنهم مقرونًا بالصبر وحسن الأسوة، فلا يضرهم في أنفسهم ولا في أبدانهم، ولا يغير شيئًا من أخلاقهم وعاداتهم، فالإيمان يعصمهم من عنت البأساء وبطر النعماء، مسترشدين بنحو قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)﴾.
٤٩ - ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ التي أرسلنا بها رسلنا، ويبلغونها إلى الأمم ﴿يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ أي: يصيبهم العذاب في الدنيا أحيانًا عند الجحود والعناد، وفي الآخرة على سبيل الدوام والاطراد ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾؛ أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعتنا جزاء كفرهم وإفسادهم وخروجهم عن أمر الله وطاعته، وارتكابهم مناهيه ومحارمه، وهذه الجملة مقابل لقوله: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ فكأنه قال: ومن لم يؤمن يمسهم العذاب.
٤٩ - ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ التي أرسلنا بها رسلنا، ويبلغونها إلى الأمم ﴿يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ أي: يصيبهم العذاب في الدنيا أحيانًا عند الجحود والعناد، وفي الآخرة على سبيل الدوام والاطراد ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾؛ أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعتنا جزاء كفرهم وإفسادهم وخروجهم عن أمر الله وطاعته، وارتكابهم مناهيه ومحارمه، وهذه الجملة مقابل لقوله: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ فكأنه قال: ومن لم يؤمن يمسهم العذاب.
322
وقرأ علقمة (١): ﴿نمسهم العذاب﴾ بالنون المضمومة من أمس الرباعي، وأدغم الأعمش: ﴿العذاب بما﴾ كأبي عمرو. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش: ﴿يفسقون﴾ بكسر السين.
الإعراب
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر. ﴿يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿يَسْمَعُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَالْمَوْتَى﴾: مبتدأ ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ على كونها مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿إِلَيْهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُرْجَعُونَ﴾. ﴿يُرْجَعُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ على كونها خبر المبتدأ. وفي المقام أوجه كثيرة من الإعراب تركتها خوف الإطالة.
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ الواو: استئنافية. ﴿قالوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض. ﴿نُزِّلَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿آيَةٌ﴾: نائب فاعل. ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، صفة لـ ﴿آيَةٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿نُزِّلَ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب.
الإعراب
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر. ﴿يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿يَسْمَعُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَالْمَوْتَى﴾: مبتدأ ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ على كونها مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿إِلَيْهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُرْجَعُونَ﴾. ﴿يُرْجَعُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ على كونها خبر المبتدأ. وفي المقام أوجه كثيرة من الإعراب تركتها خوف الإطالة.
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾ الواو: استئنافية. ﴿قالوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض. ﴿نُزِّلَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿آيَةٌ﴾: نائب فاعل. ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، صفة لـ ﴿آيَةٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿نُزِّلَ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب.
(١) البحر المحيط.
323
﴿اللَّهَ﴾: اسمها. ﴿قَادِرٌ﴾: خبرها، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿عَلَى﴾ حرف جر. ﴿أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿عَلَى﴾ تقديره: على تنزيله آية، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿قَادِرٌ﴾. ﴿وَلَكِنَّ﴾ الواو: استئنافية. ﴿لكن﴾: حرف نصب واستدراك. ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾: اسمها ومضاف إليه. وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكن﴾، وجملة ﴿لكن﴾ مستأنفة.
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾.
﴿وَمَا﴾ الواو: استئنافية. ما: نافية. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿دَابَّةٍ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة دخول ﴿مِنْ﴾ الاستغراقية عليه، أو وصفه بما بعده. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿دَابَّةٍ﴾. ﴿وَلَا طَائِر﴾: معطوف على ﴿دَابَّةٍ﴾ تابع للفظه، وقرىء بالرفع تبعًا لمحله. ﴿يَطِيرُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿طَائِرٍ﴾، والجملة صلة له. ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَطِيرُ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أُمَمٌ﴾: خبر المبتدأ. ﴿أَمْثَالُكُمْ﴾: صفة لـ ﴿أُمَمٌ﴾، والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة.
﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾.
﴿مَا﴾: نافية. ﴿فَرَّطْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿فِي الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَرَّطْنَا﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿فَرَّطْنَا﴾ على تضمينه معنى ما أغفلنا، وما تركنا في الكتاب شيئًا يحتاج إليه من دلائل الإلهية؛ لأن فرطنا لا يتعدى إلا بواسطة حرف الجر إذا كان على معناه الأصلي، كما ذكره أبو حيان في "البحر". ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾. ﴿يُحْشَرُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾ الواو: استئنافية. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾.
﴿وَمَا﴾ الواو: استئنافية. ما: نافية. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿دَابَّةٍ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة دخول ﴿مِنْ﴾ الاستغراقية عليه، أو وصفه بما بعده. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿دَابَّةٍ﴾. ﴿وَلَا طَائِر﴾: معطوف على ﴿دَابَّةٍ﴾ تابع للفظه، وقرىء بالرفع تبعًا لمحله. ﴿يَطِيرُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿طَائِرٍ﴾، والجملة صلة له. ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَطِيرُ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أُمَمٌ﴾: خبر المبتدأ. ﴿أَمْثَالُكُمْ﴾: صفة لـ ﴿أُمَمٌ﴾، والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة.
﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾.
﴿مَا﴾: نافية. ﴿فَرَّطْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿فِي الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَرَّطْنَا﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿فَرَّطْنَا﴾ على تضمينه معنى ما أغفلنا، وما تركنا في الكتاب شيئًا يحتاج إليه من دلائل الإلهية؛ لأن فرطنا لا يتعدى إلا بواسطة حرف الجر إذا كان على معناه الأصلي، كما ذكره أبو حيان في "البحر". ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾. ﴿يُحْشَرُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾ الواو: استئنافية. ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق
324
بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿صُمٌّ﴾: خبر المبتدأ. ﴿وَبُكْمٌ﴾: معطوف عليه، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثانٍ للمبتدأ تقديره: ضالون في الظلمات، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم كائنون في الظلمات. ﴿مَن﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. ﴿يَشَإِ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿مَن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: إضلاله. ﴿يُضْلِلْهُ﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿من﴾ على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
﴿وَمَن﴾ الواو: عاطفة. ﴿من﴾: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. ﴿يَشَأْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: هدايته. ﴿يَجْعَلْهُ﴾: فعل ومفعول أول مجزوم بـ ﴿من﴾ على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني. ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾: صفة لـ ﴿صِرَاطٍ﴾، وجملة ﴿من﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿من﴾ الأولى.
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ الهمزة للاستفهام التعجبي. ﴿رأيت﴾: فعل وفاعل، وحد الفعل رأى، والتاء ضمير المخاطبين في محل الرفع فاعل مبني على الفتح، والكاف: حرف قال على خطاب الجماعة مبني على الضم، والميم علامة الجمع، والمفعول (١)
﴿وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
﴿وَمَن﴾ الواو: عاطفة. ﴿من﴾: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. ﴿يَشَأْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: هدايته. ﴿يَجْعَلْهُ﴾: فعل ومفعول أول مجزوم بـ ﴿من﴾ على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني. ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾: صفة لـ ﴿صِرَاطٍ﴾، وجملة ﴿من﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿من﴾ الأولى.
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ الهمزة للاستفهام التعجبي. ﴿رأيت﴾: فعل وفاعل، وحد الفعل رأى، والتاء ضمير المخاطبين في محل الرفع فاعل مبني على الفتح، والكاف: حرف قال على خطاب الجماعة مبني على الضم، والميم علامة الجمع، والمفعول (١)
(١) الفتوحات.
325
الأول لـ ﴿رأيت﴾، والجملة الاستفهامية التي سدت مسد المفعول الثاني لها محذوفان، والتقدير: أرأيتكم عبادتكم الأصنام، هل تنفعكم؟ أو: اتخاذكم غير الله إلهًا هل يكشف ضركم؟ ونحو ذلك، فعبادتكم أو اتخاذكم مفعول أول، والجملة الاستفهامية سادة مسد الثاني، والمعنى: أخبروني عن حال عبادتكم الأصنام، هل تنفعكم إن أتاكم عذاب الله أم لا؟ وجملة ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾: فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها. ﴿أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾: فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية معطوف على ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾، وجواب الشرط محذوف دل عليه الاستفهام في قوله: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾، والتقدير: إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة.. دعوتم الله تعالى لا غيره، والجملة الشرطية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري. ﴿غَيْرَ اللَّهِ﴾: مفعول مقدم لـ ﴿تَدْعُونَ﴾. ولفظ الجلالة مضاف إليه. ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾؛ أي: قل لهم: لا تدعون غير الله حينئذ. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص، واسمه، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿صَادِقِينَ﴾: خبر كان، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كنتم صادقين في أن غير الله ينفع.. فادعوه، والجملة الشرطية في محل النصب مقول القول.
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾.
﴿بَلْ﴾: حرف للإضراب الانتقالي عن النفي الذي علم من الاستفهام. ﴿إِيَّاهُ﴾: ضمير نصب في محل النصب مفعول مقدم. ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿فَيَكْشِفُ﴾: الفاء: حرف عطف وسبب. ﴿يكشف﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَدْعُونَ﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿يكشف﴾. ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿إِلَيْهِ﴾. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿شَاءَ﴾: فعل شرط في محل الجزم بـ ﴿إن﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، وجواب الشرط
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾.
﴿بَلْ﴾: حرف للإضراب الانتقالي عن النفي الذي علم من الاستفهام. ﴿إِيَّاهُ﴾: ضمير نصب في محل النصب مفعول مقدم. ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿فَيَكْشِفُ﴾: الفاء: حرف عطف وسبب. ﴿يكشف﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَدْعُونَ﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿يكشف﴾. ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿إِلَيْهِ﴾. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿شَاءَ﴾: فعل شرط في محل الجزم بـ ﴿إن﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، وجواب الشرط
326
محذوف تقديره: إن شاء يكشف، والجملة الشرطية في محل النصب مقول القول ﴿وَتَنْسَوْنَ﴾: فعل وفاعل ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول. ﴿تُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما تشركونه، وجملة ﴿تنسون﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قل﴾.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿لقد﴾ اللام موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب لقسم محذوف تقديره: وأقسم والله لقد أرسلنا، وجملة القسم المحذوف مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿إِلَى أُمَمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾. ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿أُمَمٍ﴾. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿أخذناهم﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلْنَا﴾ على كونها جواب القسم. ﴿بِالْبَأْسَاءِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أخذنا﴾. ﴿وَالضَّرَّاءِ﴾: معطوف على ﴿بِالْبَأْسَاءِ﴾. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: لعل: حرف ترج ونصب، والهاء: اسمها، وجملة ﴿يَتَضَرَّعُونَ﴾ خبر لعل، وجملة لعل مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)﴾.
﴿فَلَوْلَا﴾: ﴿الفاء﴾: استئنافية. ﴿لو﴾: حرف تحضيض. ﴿إذْ﴾ ظرف لما مضى. ﴿جَاءَهُم﴾: فعل ومفعول. ﴿بَأْسُنَا﴾: فاعل ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿تَضَرَّعُوا﴾ فصل به بين حرف التحضيض وما دخل عليه، وهو جائز. ﴿تَضَرَّعُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، والتقدير: فلولا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا. ﴿وَلَكِنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿لكن﴾: حرف استدراك. ﴿قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾. ﴿وَزَيَّنَ﴾: فعل ماض. ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به. ﴿الشَّيْطَانُ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قَسَتْ﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿لقد﴾ اللام موطئة للقسم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب لقسم محذوف تقديره: وأقسم والله لقد أرسلنا، وجملة القسم المحذوف مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿إِلَى أُمَمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾. ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿أُمَمٍ﴾. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿أخذناهم﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلْنَا﴾ على كونها جواب القسم. ﴿بِالْبَأْسَاءِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أخذنا﴾. ﴿وَالضَّرَّاءِ﴾: معطوف على ﴿بِالْبَأْسَاءِ﴾. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: لعل: حرف ترج ونصب، والهاء: اسمها، وجملة ﴿يَتَضَرَّعُونَ﴾ خبر لعل، وجملة لعل مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)﴾.
﴿فَلَوْلَا﴾: ﴿الفاء﴾: استئنافية. ﴿لو﴾: حرف تحضيض. ﴿إذْ﴾ ظرف لما مضى. ﴿جَاءَهُم﴾: فعل ومفعول. ﴿بَأْسُنَا﴾: فاعل ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿تَضَرَّعُوا﴾ فصل به بين حرف التحضيض وما دخل عليه، وهو جائز. ﴿تَضَرَّعُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، والتقدير: فلولا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا. ﴿وَلَكِنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿لكن﴾: حرف استدراك. ﴿قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾. ﴿وَزَيَّنَ﴾: فعل ماض. ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به. ﴿الشَّيْطَانُ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قَسَتْ﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول
327
به لـ ﴿زين﴾. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَعْمَلُونَ﴾ خبر ﴿كَانُوا﴾، وجملة كان صلة لـ ﴿ما﴾، أو صف لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كانوا يعملونه.
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: استئنافية. ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿نَسُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. ﴿ذُكِّرُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾، وجملة ﴿نَسُوا﴾ فعل شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿فَتَحْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به. ﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾: مفعول به ومضاف إليه، وجملة ﴿فَتَحْنَا﴾ جواب ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لما﴾ مستأنفة.
﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.
﴿حَتَّى﴾: حرف ابتداء لدخولها على الجملة، وحرف غاية؛ لكون ما بعدها غاية لما قبلها. ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان مضمَّن معنى الشرط في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿فَرِحُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿إذا﴾ في محل الخفض بها. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿أُوتُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما أوتوه. ﴿أَخَذْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿بَغْتَةً﴾: منصوب على المفعولية المطلقة؛ أي: أخذ بغتة، أو حال من الفاعل؛ أي: أخذناهم باغتين، أو من المفعول؛ أي: مبغوتين، والجملة الفعلية جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ في محل الجر بـ ﴿حَتَّى﴾ على كونها غاية لما قبلها، والتقدير: فتحنا عليهم أبواب كل شيء إلى أخذنا إياهم وقت فرحهم بما أوتوا. ﴿فَإِذَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿إذا﴾: حرف فجأة. ﴿هُم﴾: مبتدأ. ﴿مُبْلِسُونَ﴾: خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة ﴿أَخَذْنَاهُمْ﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب وقال أبو البقاء: ﴿إذا﴾ هنا
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: استئنافية. ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿نَسُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. ﴿ذُكِّرُوا﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾، وجملة ﴿نَسُوا﴾ فعل شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿فَتَحْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به. ﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾: مفعول به ومضاف إليه، وجملة ﴿فَتَحْنَا﴾ جواب ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لما﴾ مستأنفة.
﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.
﴿حَتَّى﴾: حرف ابتداء لدخولها على الجملة، وحرف غاية؛ لكون ما بعدها غاية لما قبلها. ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان مضمَّن معنى الشرط في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿فَرِحُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿إذا﴾ في محل الخفض بها. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿أُوتُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما أوتوه. ﴿أَخَذْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿بَغْتَةً﴾: منصوب على المفعولية المطلقة؛ أي: أخذ بغتة، أو حال من الفاعل؛ أي: أخذناهم باغتين، أو من المفعول؛ أي: مبغوتين، والجملة الفعلية جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ في محل الجر بـ ﴿حَتَّى﴾ على كونها غاية لما قبلها، والتقدير: فتحنا عليهم أبواب كل شيء إلى أخذنا إياهم وقت فرحهم بما أوتوا. ﴿فَإِذَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿إذا﴾: حرف فجأة. ﴿هُم﴾: مبتدأ. ﴿مُبْلِسُونَ﴾: خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة ﴿أَخَذْنَاهُمْ﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب وقال أبو البقاء: ﴿إذا﴾ هنا
328
للمفاجأة، وهي ظرف مكان، وهي مبتدأ ﴿مُبْلِسُونَ﴾: خبره، وهو العامل في ﴿إذا﴾.
﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)﴾.
﴿فَقُطِعَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قطع دابر﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿الْقَوْمِ﴾: مضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿أخذنا﴾. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾. ﴿ظَلَمُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: صفة للجلالة، والجملة الإسمية مستأنفة.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والميم علامة جمع المخاطبين، والمفعول الأول محذوف تقديره: أرأيتم سمعكم وأبصاركم إن أخذهما الله، والجملة الاستفهامية الآتية في موضع المفعول الثاني، والجملة الفعلية، في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾، ولم يؤتَ (١) هنا بكاف الخطاب وأتى به هناك؛ لأن التهديد هناك أعظم، فناسب التأكيد بالإتيان بكاف الخطاب، ولما لم يؤت بالكاف.. وجب ثبوت علامة الجمع في التاء؛ لئلا يلتبس، ولو جيء معها بالكاف لاستغني بها. ﴿إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ﴾: حرف شرط وفعل وفاعل ومفعول. ﴿وَأَبْصَارَكُمْ﴾: معطوف على ﴿سَمْعَكُمْ﴾. ﴿وَخَتَمَ﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم معطوف على ﴿أَخَذَ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾: متعلق به، وجواب الشرط محذوف تقديره: أغير الله يأتيكم به، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿إِلَهٌ﴾: خبره. ﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ صفة أولى لـ ﴿إِلَهٌ﴾. ﴿يَأْتِيكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِلَهٌ﴾،
﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)﴾.
﴿فَقُطِعَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قطع دابر﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿الْقَوْمِ﴾: مضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿أخذنا﴾. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾. ﴿ظَلَمُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: صفة للجلالة، والجملة الإسمية مستأنفة.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والميم علامة جمع المخاطبين، والمفعول الأول محذوف تقديره: أرأيتم سمعكم وأبصاركم إن أخذهما الله، والجملة الاستفهامية الآتية في موضع المفعول الثاني، والجملة الفعلية، في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾، ولم يؤتَ (١) هنا بكاف الخطاب وأتى به هناك؛ لأن التهديد هناك أعظم، فناسب التأكيد بالإتيان بكاف الخطاب، ولما لم يؤت بالكاف.. وجب ثبوت علامة الجمع في التاء؛ لئلا يلتبس، ولو جيء معها بالكاف لاستغني بها. ﴿إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ﴾: حرف شرط وفعل وفاعل ومفعول. ﴿وَأَبْصَارَكُمْ﴾: معطوف على ﴿سَمْعَكُمْ﴾. ﴿وَخَتَمَ﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم معطوف على ﴿أَخَذَ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾: متعلق به، وجواب الشرط محذوف تقديره: أغير الله يأتيكم به، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿إِلَهٌ﴾: خبره. ﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ صفة أولى لـ ﴿إِلَهٌ﴾. ﴿يَأْتِيكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِلَهٌ﴾،
(١) الجمل.
329
والجملة صفة ثانية لـ ﴿إِلَهٌ﴾. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يأتي﴾، والجملة الاستفهامية في محل النصب واقعة موضع المفعول الثاني لرأيت، كما مرَّ. ﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب على الحال، والعامل فيه ﴿نُصَرِّفُ﴾ أو منصوب على التشبيه بالظرف، وهي معلقة لـ ﴿انْظُرْ﴾ فهي في محل نصب بإسقاط حرف الجر. ﴿نُصَرِّفُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿الْآيَاتِ﴾: مفعول به، وجملة ﴿نُصَرِّفُ﴾ في محل النصب مفعول ﴿انْظُرْ﴾ معلقة عنها باسم الاستفهام. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَصْدِفُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة ﴿نُصَرِّفُ﴾.
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام التعجبي. ﴿رأيت﴾: فعل وفاعل، والكاف: حرف خطاب، والميم: علامة الجمع، والمفعول الأول لها محذوف تقديره: أخبروني حالكم وشأنكم إن أتاكم عذاب الله، والمفعول الثاني جملة الاستفهام الآتية، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿أَتَاكُمْ﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾. ﴿عَذَابُ اللَّهِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً﴾: حالان من ﴿عَذَابُ اللَّهِ﴾؛ أي: مباغتًا أو مجاهرًا، أو منصوبان على المفعولية المطلقة، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن أتاكم عذاب الله ما يهلك إلا القوم الظالمون، وجملة الشرط في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿هَلْ﴾: حرف للاستفهام الإنكاري. ﴿يُهْلَكُ﴾: فعل مضارع مغيَّر الصيغة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿الْقَوْمُ﴾: فاعل. ﴿الظَّالِمُونَ﴾: صفته، وجملة الاستفهام في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾.
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨)﴾.
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام التعجبي. ﴿رأيت﴾: فعل وفاعل، والكاف: حرف خطاب، والميم: علامة الجمع، والمفعول الأول لها محذوف تقديره: أخبروني حالكم وشأنكم إن أتاكم عذاب الله، والمفعول الثاني جملة الاستفهام الآتية، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿أَتَاكُمْ﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾. ﴿عَذَابُ اللَّهِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً﴾: حالان من ﴿عَذَابُ اللَّهِ﴾؛ أي: مباغتًا أو مجاهرًا، أو منصوبان على المفعولية المطلقة، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن أتاكم عذاب الله ما يهلك إلا القوم الظالمون، وجملة الشرط في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿هَلْ﴾: حرف للاستفهام الإنكاري. ﴿يُهْلَكُ﴾: فعل مضارع مغيَّر الصيغة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿الْقَوْمُ﴾: فاعل. ﴿الظَّالِمُونَ﴾: صفته، وجملة الاستفهام في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾.
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨)﴾.
330
﴿وَمَا﴾ (الواو): استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿نُرْسِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾: مفعول به، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿مُبَشِّرِينَ﴾: حال من ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾. ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾: معطوف عليه ﴿فَمَنْ آمَنَ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ثمرة إرسال المرسلين، وأردت بيان حال من آمن بهم أو كفر.. فأقول لك: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾: ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما على الخلاف المذكور في محله. ﴿ءَامَنَ﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿وَأَصْلَحَ﴾: في محل الجزم معطوف على ﴿آمَنَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿فَلَا﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿لا﴾: نافية تعمل عمل ليس. ﴿خَوْفٌ﴾: اسمها مرفوع. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿لا﴾ تقديره: فلا خوف كائنًا عليهم، وجملة ﴿لا﴾ في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَلَا﴾: الواو: عاطفة. ﴿لا﴾: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها. ﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَحْزَنُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل الجزم معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: (الواو): عاطفة. ﴿الذين﴾: مبتدأ. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة. ﴿بِمَا﴾: الباء: حرف جر وسبب. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْسُقُونَ﴾ خبر كان، وجملة كان صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها ذهب تأويل مصدر
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: (الواو): عاطفة. ﴿الذين﴾: مبتدأ. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة. ﴿بِمَا﴾: الباء: حرف جر وسبب. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْسُقُونَ﴾ خبر كان، وجملة كان صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها ذهب تأويل مصدر
331
مجرور بالباء تقديره: بسبب فسقهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يمسهم﴾. وعبارة "الجمل" هنا: قوله: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ يجوز في ﴿من﴾ أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة، وعلى كلا التقديرين فمحلها رفع بالابتداء، والخبر: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾، فإن كانت شرطية.. فالفاء في جواب الشرط، وإن كانت موصولة.. فالفاء زائدة لشبه الموصول بالشرط، وعلى الأول يكون محل الجملتين الجزم، وعلى الثاني لا محل للأولى؛ لأنها صلة الموصول، ومحل الثانية الرفع على الخبرية، وحمل على اللفظ فأفرد في: ﴿ءَامَنَ﴾، وعلى المعنى فجمع في: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ويقوي كونها موصولة مقابلتها بالموصول بعدها في قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾ اهـ "سمين" انتهت.
التصريف ومفردات اللغة
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ يستجيب من استجاب، من باب استفعل، فالسين والتاء فيه زائدتان ليستا للطلب، فهو بمعنى: يجيب، يقال: أجاب (١) الدعوة إذا أتى ما دعى إليه من قول أو عمل، وأجاب الداعي، واستجاب له واستجاب دعاءه إذا لباه، وقام بما دعاه إليه. والقرآن الكريم استعمل أفعال الإجابة في المواضع التي تدل على حصول المسؤول كله بالفعل دفعة واحدة، واستعمل أفعال الاستجابة في المواضع المفيدة لحصول المسؤول بالتهيؤ والاستعداد، كقوله ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ إذ الآية نزلت في وقعة حمراء الأسد بعد وقعة أحد، فالمراد: أنهم تهيؤوا للقتال، أو الأفعال المفيدة للدلالة على حدوث الفعل بالتدريج، كاستجابة دعوة الدين التي تبدأ بالنطق بالشهادتين، ثم بباقي أعماله بالتدريج. والاستجابة من الله يعبَّر بها في الأمور التي تقع في المستقبل، ويكون من شأنها أن تقع بالتدريج، كاستجابة الدعاء بالوقاية من النار بالمغفرة، وتكفير السيئات، وإيتاء ما وعد المؤمنين في الآخرة كما قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ
التصريف ومفردات اللغة
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ يستجيب من استجاب، من باب استفعل، فالسين والتاء فيه زائدتان ليستا للطلب، فهو بمعنى: يجيب، يقال: أجاب (١) الدعوة إذا أتى ما دعى إليه من قول أو عمل، وأجاب الداعي، واستجاب له واستجاب دعاءه إذا لباه، وقام بما دعاه إليه. والقرآن الكريم استعمل أفعال الإجابة في المواضع التي تدل على حصول المسؤول كله بالفعل دفعة واحدة، واستعمل أفعال الاستجابة في المواضع المفيدة لحصول المسؤول بالتهيؤ والاستعداد، كقوله ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ إذ الآية نزلت في وقعة حمراء الأسد بعد وقعة أحد، فالمراد: أنهم تهيؤوا للقتال، أو الأفعال المفيدة للدلالة على حدوث الفعل بالتدريج، كاستجابة دعوة الدين التي تبدأ بالنطق بالشهادتين، ثم بباقي أعماله بالتدريج. والاستجابة من الله يعبَّر بها في الأمور التي تقع في المستقبل، ويكون من شأنها أن تقع بالتدريج، كاستجابة الدعاء بالوقاية من النار بالمغفرة، وتكفير السيئات، وإيتاء ما وعد المؤمنين في الآخرة كما قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ
(١) المراغي.
332
مِنْكُمْ} الآية.
والسمع والسماع يطلق على إدراك الصوت، وعلى فهم ما يسمع من الكلام - وهو ثمرة السمع - وعلى قَبول ما يفهم والعمل به، وهذا ثمرة الثمرة. والموتى: جمع ميت كقتيل جمع قتلى، والمراد بالموتى هنا: الكفار الراسخون في الكفر، المطبوع على قلوبهم، الميؤوس من سماعهم سماع تدبر تتبعه الاستجابة للداعي.
﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ من بعث يبعث من باب فتح، والبعث لغة: إثارة الشيء وتوجيهه، يقال: بعثت البعير؛ أي: أثرته من مبركه وسيرته إلى المرعى ونحوه.
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ لولا: كلمة تحضيض تفيد الحث على حصول ما بعدها؛ لأن التحضيض معناه الطلب بحث وإزعاج، والآية المعجزة المخالفة لسنن الله في خلقه.
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ والدابة: كل ما يدب على الأرض من الحيوان، مأخوذة من دب يدب بالكسر - من باب ضرب - دبًّا ودبيبًا إذا مشى مشيًا فيه تقارب خطو، والدبيب: المشي الخفيف، وكل ماشٍ على الأرض دابة، وقولهم: أكذب من دب ودرج؛ أي: أكذب الأحياء والأموات. والطائر: كل ذي جناح يسبح في الهواء، وجمعه: طير، كراكبٍ وركب.
والجناح (١): أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء، وأصله: الميل إلى ناحية من النواحي، وإنما قيد بجناحيه لدفع الإيهام؛ لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير، كقولهم: طر في حاجتي؛ أي: أسرع فيها، وقيل: إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين. وقيل: ذكر الجناحين. للتأكيد كضرب بيده، وأبصر بعينه، ونحو ذلك. والأمم: جمع أمة، وهي كل
والسمع والسماع يطلق على إدراك الصوت، وعلى فهم ما يسمع من الكلام - وهو ثمرة السمع - وعلى قَبول ما يفهم والعمل به، وهذا ثمرة الثمرة. والموتى: جمع ميت كقتيل جمع قتلى، والمراد بالموتى هنا: الكفار الراسخون في الكفر، المطبوع على قلوبهم، الميؤوس من سماعهم سماع تدبر تتبعه الاستجابة للداعي.
﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ من بعث يبعث من باب فتح، والبعث لغة: إثارة الشيء وتوجيهه، يقال: بعثت البعير؛ أي: أثرته من مبركه وسيرته إلى المرعى ونحوه.
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ لولا: كلمة تحضيض تفيد الحث على حصول ما بعدها؛ لأن التحضيض معناه الطلب بحث وإزعاج، والآية المعجزة المخالفة لسنن الله في خلقه.
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ والدابة: كل ما يدب على الأرض من الحيوان، مأخوذة من دب يدب بالكسر - من باب ضرب - دبًّا ودبيبًا إذا مشى مشيًا فيه تقارب خطو، والدبيب: المشي الخفيف، وكل ماشٍ على الأرض دابة، وقولهم: أكذب من دب ودرج؛ أي: أكذب الأحياء والأموات. والطائر: كل ذي جناح يسبح في الهواء، وجمعه: طير، كراكبٍ وركب.
والجناح (١): أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء، وأصله: الميل إلى ناحية من النواحي، وإنما قيد بجناحيه لدفع الإيهام؛ لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير، كقولهم: طر في حاجتي؛ أي: أسرع فيها، وقيل: إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين. وقيل: ذكر الجناحين. للتأكيد كضرب بيده، وأبصر بعينه، ونحو ذلك. والأمم: جمع أمة، وهي كل
(١) الشوكاني.
333
جماعة يجمعهم أمر واحد، كدين واحد أو زمان واحد، أو مكان واحد، أو صفات وأفعال واحدة أمثالكم جمع مثل، كأحمال وحمل، والمثل بمعنى: المثيل؛ أي: الشبيه.
﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ فرط من باب فعَّل المضعف، والتفريط في الأمر: التقصير فيه وتضييعه حتى يفوت يقال: فرطه وفرط فيه إذا ضيعه وقصر فيه.
﴿فِي الْكِتَابِ﴾ الكتاب هنا: هو اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن. والحشر: هو الجمع والسوق.
﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ﴾ جمع: أصم وأبكم، كغر وأغر، وحمر وأحمر.
﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾: هو عبارة عن العمى، كما في قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾، والمراد (١) به: بيان كمال عراقتهم في الجهل بسوء الحال، فإن الأصم الأبكم إذا كان بصيرًا ربما يفهم شيئًا بإشارة غيره، وإن لم يفهمه بعبارته، وكذا ربما يفهم ما في ضميره بإشارته وإن كان عاجزًا عن العبارة، وأما إذا كان مع ذلك أعمى، أو كان في الظلمات، فينسد عليه باب الفهم والتفهيم بالكلية. اهـ "أبو السعود".
﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ بمعنى: أخبروني، وهو أسلوب يذكر للتعجيب والتنبيه إلى أن ما يذكر بعده غريب عجيب، تقوم به الحجة على المخالف. ﴿فَيَكْشِفُ﴾؛ أي: فيزيل ما تدعونه إلى كشفه إن شاء، من كشف الشيء عن الشيء يكشف - من باب ضرب - إذا أزاله عنه ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾؛ أي: عاقبناهم بالبأساء والضراء. وفي "المصباح": يقال: أخذه الله إذا أهلكه وأخذه بذنبه: عاقبه عليه، وآخذه بالمد كذلك انتهى.
﴿بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ صيغتا تأنيث لا مذكر لهما على أفعل، كأحمر وحمراء، كما هو القياس، فإنه لا يقال: أضرر ولا: أبأس صفةً، بل للتفضيل. والبأساء: تطلق على الحرب والمشقة، والبأس: الشدة في الحرب، والعذاب الشديد،
﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ فرط من باب فعَّل المضعف، والتفريط في الأمر: التقصير فيه وتضييعه حتى يفوت يقال: فرطه وفرط فيه إذا ضيعه وقصر فيه.
﴿فِي الْكِتَابِ﴾ الكتاب هنا: هو اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن. والحشر: هو الجمع والسوق.
﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ﴾ جمع: أصم وأبكم، كغر وأغر، وحمر وأحمر.
﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾: هو عبارة عن العمى، كما في قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾، والمراد (١) به: بيان كمال عراقتهم في الجهل بسوء الحال، فإن الأصم الأبكم إذا كان بصيرًا ربما يفهم شيئًا بإشارة غيره، وإن لم يفهمه بعبارته، وكذا ربما يفهم ما في ضميره بإشارته وإن كان عاجزًا عن العبارة، وأما إذا كان مع ذلك أعمى، أو كان في الظلمات، فينسد عليه باب الفهم والتفهيم بالكلية. اهـ "أبو السعود".
﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ بمعنى: أخبروني، وهو أسلوب يذكر للتعجيب والتنبيه إلى أن ما يذكر بعده غريب عجيب، تقوم به الحجة على المخالف. ﴿فَيَكْشِفُ﴾؛ أي: فيزيل ما تدعونه إلى كشفه إن شاء، من كشف الشيء عن الشيء يكشف - من باب ضرب - إذا أزاله عنه ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾؛ أي: عاقبناهم بالبأساء والضراء. وفي "المصباح": يقال: أخذه الله إذا أهلكه وأخذه بذنبه: عاقبه عليه، وآخذه بالمد كذلك انتهى.
﴿بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ صيغتا تأنيث لا مذكر لهما على أفعل، كأحمر وحمراء، كما هو القياس، فإنه لا يقال: أضرر ولا: أبأس صفةً، بل للتفضيل. والبأساء: تطلق على الحرب والمشقة، والبأس: الشدة في الحرب، والعذاب الشديد،
(١) الجمل.
334
والقوة والشجاعة، والضراء: من الضر ضد النفع. ﴿تَضَرَّعُوا﴾ من باب تفعل الخماسي يقال: تضرع إليه إذا أظهر الضراعة والخضوع له بتكلف، والتضرع تفعل من الضراعة، وهي الذلة والهيئة المنبئة عن الانقياد إلى الطاعة، يقال: ضرع يضرع ضراعة من باب فتح، فهو ضارع وضرع، قال الشاعر:
أي: ذليل ضعيف، وللسهولة والتذلل المفهومة من هذه المادة اشتقوا منها للثدي اسمًا، فقالوا له: ضرع.
﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: صلبت وغلظت عن قبول الحق من القسوة؛ لأنه من قسا يقسو من باب دعا يدعو، فهو ناقص واوي أصله: قسوت، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، فالتقى ساكنان، ثم حذفت الألف، فصار: قست بوزن فَعَت ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ والأخذ بالبأساء والضراء: إنزالهما بهم فجأة. ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ جمع: مبلس، وهو اليائس المنقطع رجاؤه من الإبلاس، وهو الحزن الحاصل من شدة اليأس، ومنه اشتق إبليس، لشدة يأسه من رحمة الله.
وفي "المختار": أبلس من رحمة الله؛ أي: يئس، والإبلاس أيضًا الانكسار والحزن، يقال: أبلس فلان إذا سكت غمًّا. اهـ. فمبلسون بمعنى: متحسرون يائسون من النجاة.
﴿دَابِرُ الْقَوْمِ﴾؛ أي: آخرهم الذي يكون في أدبارهم، وقطع دابرهم؛ أي: هلكوا واستئصلوا بالعقاب، ولم يبق منهم أحد. ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يقال: صرف الشيء إذا كرره على وجوه مختلفة، ومنه تصريف الرياح ﴿يَصْدِفُونَ﴾؛ أي: يعرضون عن ذلك، يقال: صدف عن الشيء إذا أعرض عنه صدفًا وصدوفًا، وصادفته: لقيته عن إعراض عن جهته. وفي "المختار": صدف عنه: أعرض عنه، وبابه: ضرب وجلس، وأصدفه عن كذا: إذا أماله عنه. اهـ.
لِيُبْكَ يَزِيْدٌ ضَارعٌ لِخُصُوْمَةٍ | وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيْحُ الطَّوَائِحُ |
﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: صلبت وغلظت عن قبول الحق من القسوة؛ لأنه من قسا يقسو من باب دعا يدعو، فهو ناقص واوي أصله: قسوت، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، فالتقى ساكنان، ثم حذفت الألف، فصار: قست بوزن فَعَت ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ والأخذ بالبأساء والضراء: إنزالهما بهم فجأة. ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ جمع: مبلس، وهو اليائس المنقطع رجاؤه من الإبلاس، وهو الحزن الحاصل من شدة اليأس، ومنه اشتق إبليس، لشدة يأسه من رحمة الله.
وفي "المختار": أبلس من رحمة الله؛ أي: يئس، والإبلاس أيضًا الانكسار والحزن، يقال: أبلس فلان إذا سكت غمًّا. اهـ. فمبلسون بمعنى: متحسرون يائسون من النجاة.
﴿دَابِرُ الْقَوْمِ﴾؛ أي: آخرهم الذي يكون في أدبارهم، وقطع دابرهم؛ أي: هلكوا واستئصلوا بالعقاب، ولم يبق منهم أحد. ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يقال: صرف الشيء إذا كرره على وجوه مختلفة، ومنه تصريف الرياح ﴿يَصْدِفُونَ﴾؛ أي: يعرضون عن ذلك، يقال: صدف عن الشيء إذا أعرض عنه صدفًا وصدوفًا، وصادفته: لقيته عن إعراض عن جهته. وفي "المختار": صدف عنه: أعرض عنه، وبابه: ضرب وجلس، وأصدفه عن كذا: إذا أماله عنه. اهـ.
335
﴿بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً﴾ والمراد (١) بالبغتة: العذاب الذي يأتيهم فجأة من غير سبق علامة، والمراد بالجهر: العذاب الذي يأتيهم مع سبق علامة تدل عليه.
﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: بلحوق العذاب.
﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾؛ أي: بفوات الثواب.
﴿يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾ والمس: اللمس باليد، ويطلق على ما يصيب المدرك مما يسوء غالبًا، من ضر وشر وكبر ونصب وعذاب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾؛ لأنه شبه الكفار بالموتى بجامع عدم العقل في كلٍ، واستعير اسم المشبه به وهو الموتى للمشبه وهو الكفار، على طريقة الاستعارة التصريحية.
وقال أبو حيان (٢): وتشبيه الكافر بالميت من حيث إن الميت جسده خالٍ من الروح، فيظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات، وأصلح أحواله دفنه تحت التراب، والكافر روحه خالية عن العقل، فيظهر منه جهله بالله تعالى ومخالفته لأمره، وعدم قبوله لمعجزات الرسل، وإذا كانت روحه خالية من العقل.. كان مجنونًا، فأحسن أحواله أن يقيد؛ أي: يحبس، فالعقل بالنسبة إلى الروح، كالروح بالنسبة إلى الجسد. انتهى.
ومنها: التجريد في قوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ﴾؛ لأن الطائر يندرج في الدابة.
فذكر (٣) الطائر بعد ذكر الدابة تخصيص بعد تعميم، وذكر بعض من كل، فصار من باب التجريد.
ومنها: التأكيد بقوله: ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ لدفع توهم المجاز في طائر مع كون
﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: بلحوق العذاب.
﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾؛ أي: بفوات الثواب.
﴿يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾ والمس: اللمس باليد، ويطلق على ما يصيب المدرك مما يسوء غالبًا، من ضر وشر وكبر ونصب وعذاب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾؛ لأنه شبه الكفار بالموتى بجامع عدم العقل في كلٍ، واستعير اسم المشبه به وهو الموتى للمشبه وهو الكفار، على طريقة الاستعارة التصريحية.
وقال أبو حيان (٢): وتشبيه الكافر بالميت من حيث إن الميت جسده خالٍ من الروح، فيظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات، وأصلح أحواله دفنه تحت التراب، والكافر روحه خالية عن العقل، فيظهر منه جهله بالله تعالى ومخالفته لأمره، وعدم قبوله لمعجزات الرسل، وإذا كانت روحه خالية من العقل.. كان مجنونًا، فأحسن أحواله أن يقيد؛ أي: يحبس، فالعقل بالنسبة إلى الروح، كالروح بالنسبة إلى الجسد. انتهى.
ومنها: التجريد في قوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ﴾؛ لأن الطائر يندرج في الدابة.
فذكر (٣) الطائر بعد ذكر الدابة تخصيص بعد تعميم، وذكر بعض من كل، فصار من باب التجريد.
ومنها: التأكيد بقوله: ﴿بِجَنَاحَيْهِ﴾ لدفع توهم المجاز في طائر مع كون
(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
336
جناحيه ترشيحًا له؛ لأن الطائر قد يستعمل مجازًا للعمل، كما في قوله تعالى: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: ﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ﴾؛ أي: كالصم البكم في عدم السماع وعدم الكلام، فحذفت منه الأداة ووجهه الشبه.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾؛ لأنه شبه كفرهم وجهلهم وضلالتهم بالظلمات الحسية، بجامع عدم الاهتداء في كل إلى المقصود، وفي قوله: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ لأنه شبه الأسباب التي هيأها الله لهم، المقتضية لبسط الرزق عليهم بالأبواب، بجامع الوصول إلى المقصود في كل على طريقة الاستعارة التصريحية.
ومنها: الإبهام في قوله: ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ لتهويل ما فتح عليهم وتعظيمه.
ومنها: القصر في قوله: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾؛ أي: لا تدعون غيره لكشف الضر، فهو قصر صفة على موصوف.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾، وفي قوله: ﴿تَضَرَّعُوا﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ﴾؛ لأنه كناية عن إهلاكهم بعذاب الاستئصال.
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: ﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ﴾؛ أي: كالصم البكم في عدم السماع وعدم الكلام، فحذفت منه الأداة ووجهه الشبه.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾؛ لأنه شبه كفرهم وجهلهم وضلالتهم بالظلمات الحسية، بجامع عدم الاهتداء في كل إلى المقصود، وفي قوله: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ لأنه شبه الأسباب التي هيأها الله لهم، المقتضية لبسط الرزق عليهم بالأبواب، بجامع الوصول إلى المقصود في كل على طريقة الاستعارة التصريحية.
ومنها: الإبهام في قوله: ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ لتهويل ما فتح عليهم وتعظيمه.
ومنها: القصر في قوله: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾؛ أي: لا تدعون غيره لكشف الضر، فهو قصر صفة على موصوف.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾، وفي قوله: ﴿تَضَرَّعُوا﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ﴾؛ لأنه كناية عن إهلاكهم بعذاب الاستئصال.
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
337
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما (١) كان الكلام في الآيات السالفة في بيان أركان الدين، وأصول العقائد، وهي توحيد الله عَزَّ وَجَلَّ، ووظيفة الرسل عليهم السلام، والجزاء على الأعمال يوم الحساب.. ذكر هنا وظيفة الرسل العامة بتطبيقها على خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه، وأزال أوهام الناس فيها، وأرشد إلى أمر الجزاء في الآخرة، وكون الأمر فيه لله تعالى وحده على وجه يزيد عقيدة التوحيد تقريرًا وتأكيدًا وبيانًا وتفصيلًا.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا...﴾ الآية، مناسبة هذه
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما (١) كان الكلام في الآيات السالفة في بيان أركان الدين، وأصول العقائد، وهي توحيد الله عَزَّ وَجَلَّ، ووظيفة الرسل عليهم السلام، والجزاء على الأعمال يوم الحساب.. ذكر هنا وظيفة الرسل العامة بتطبيقها على خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه، وأزال أوهام الناس فيها، وأرشد إلى أمر الجزاء في الآخرة، وكون الأمر فيه لله تعالى وحده على وجه يزيد عقيدة التوحيد تقريرًا وتأكيدًا وبيانًا وتفصيلًا.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا...﴾ الآية، مناسبة هذه
(١) المراغي.
338
الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما نهى نبيه عن طرد المستضعفين من حضرته استمالةً لكبراء المتكبرين من قومه، وطمعًا في إقبالهم عليه وسماعهم لدعوته، كما اقترحه بعض المشركين.. أمر بأن يلقى الذين يدخلون في الإِسلام آنًا بعد آنٍ عن بينة وبرهان بالتحية والسلام والتبشير برحمة الله ومغفرته، فقد كان السواد الأعظم من الناس كافرين؛ إما كفر جحود وعناد، وإما كفر جهل وتقليد للآباء والأجداد، وكان يدخل في الإِسلام الأفراد بعد الأفراد، وكان أكثر السابقين من المستضعفين والفقراء، وكان النبي - ﷺ - يكون تارة معهم يعلمهم ويرشدهم، وتارة يتوجه إلى أولئك الكافرين يدعوهم وينذرهم.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ...﴾ الآية مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر فيما سلف أنه يفصِّل الآيات ليظهر الحق، وليستبين سبيل المجرمين.. ذكر هنا أنه نهى عن سلوك سبيلهم، وهو عبادة غير الله، وأن هذه العبادة إنما هي بمحض الهوى والتقليد، لا بسبيل الحجة والبرهان، فهي جمادات وأحجار ينحتونها بأيديهم، ويركبونها، ثم يعبدونها.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ...﴾ سبب نزولها: ما (٢) رواه ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: لقد نزلت هذه الآية في ستة: أنا، وعبد الله بن مسعود، وأربعة، قالوا لرسول الله - ﷺ -: اطردهم، فإنا نستحيي أن نكون تبعًا لك كهؤلاء، فوقع في نفس النبي - ﷺ - ما شاء الله، فأنزل الله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا...﴾ إلى قوله: ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ سبب نزولها: ما روى أحمد والطبراني وابن أبي حاتم عن ابن مسعود
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ...﴾ الآية مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر فيما سلف أنه يفصِّل الآيات ليظهر الحق، وليستبين سبيل المجرمين.. ذكر هنا أنه نهى عن سلوك سبيلهم، وهو عبادة غير الله، وأن هذه العبادة إنما هي بمحض الهوى والتقليد، لا بسبيل الحجة والبرهان، فهي جمادات وأحجار ينحتونها بأيديهم، ويركبونها، ثم يعبدونها.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ...﴾ سبب نزولها: ما (٢) رواه ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: لقد نزلت هذه الآية في ستة: أنا، وعبد الله بن مسعود، وأربعة، قالوا لرسول الله - ﷺ -: اطردهم، فإنا نستحيي أن نكون تبعًا لك كهؤلاء، فوقع في نفس النبي - ﷺ - ما شاء الله، فأنزل الله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا...﴾ إلى قوله: ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ سبب نزولها: ما روى أحمد والطبراني وابن أبي حاتم عن ابن مسعود
(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
339
قال: مرَّ الملأ من قريش على رسول الله - ﷺ -، وعنده خباب بن الأرت، وصهيب، وبلال، وعمار، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك، وهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا؟ لو طردت هؤلاء.. تبعناك، فأنزل الله فيهم القرآن: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا﴾ إلى قوله: ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: جاء عنبسة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومطعم بن عدي، والحارث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب، فقالوا: لو أن ابن أخيك يطرد عنه هؤلاء العبيد.. كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه، فكلم أبو طالب النبي - ﷺ -، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون، فأنزل الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ إلى قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾، وكانوا بلالًا، وعمار بن ياسر، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وصالحًا مولى أسيد، وابن مسعود، والمقداد بن عبد الله، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وأشباههم، فأقبل عمر، فاعتذر من مقالته، فنزل: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن خباب قال: جاء الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، فوجدا رسول الله - ﷺ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب، قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - ﷺ - حقروهم، فأتوه فخلوا به، فقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك.. فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا.. فاقعد معهم إن شئت، قال: "نعم"، فنزلت: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ...﴾ الآية، ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ الآية، وكان رسول الله - ﷺ - يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فنزلت: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ الآية. قال ابن كثير: هذا حديث غريب، فإن الآية مكية، والأقرع وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر.
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ماهان قال: جاء ناس إلى النبي - ﷺ -، فقالوا: إنا أصبنا ذنوبًا عظامًا، فما رد عليهم شيئًا، فأنزل الله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: جاء عنبسة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومطعم بن عدي، والحارث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب، فقالوا: لو أن ابن أخيك يطرد عنه هؤلاء العبيد.. كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه، فكلم أبو طالب النبي - ﷺ -، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون، فأنزل الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ إلى قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾، وكانوا بلالًا، وعمار بن ياسر، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وصالحًا مولى أسيد، وابن مسعود، والمقداد بن عبد الله، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وأشباههم، فأقبل عمر، فاعتذر من مقالته، فنزل: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن خباب قال: جاء الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، فوجدا رسول الله - ﷺ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب، قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - ﷺ - حقروهم، فأتوه فخلوا به، فقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك.. فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا.. فاقعد معهم إن شئت، قال: "نعم"، فنزلت: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ...﴾ الآية، ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ الآية، وكان رسول الله - ﷺ - يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فنزلت: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ الآية. قال ابن كثير: هذا حديث غريب، فإن الآية مكية، والأقرع وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر.
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ماهان قال: جاء ناس إلى النبي - ﷺ -، فقالوا: إنا أصبنا ذنوبًا عظامًا، فما رد عليهم شيئًا، فأنزل الله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ
340
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٥٠ - ﴿قُلْ﴾ يا أيها الرسول الذي بعث، كما بعث غيره من الرسل مبشرًا من أجاب دعوته بحسن الثواب، ومنذرًا من لم يقبلها بسوء العقاب لهؤلاء المكذبين لك بغير علم، يميزون به بين شؤون الألوهية وحقيقة النبوة، فيقترحون عليك من الآيات الكونية ما يعلمون أنه ليس في مقدور البشر، فهم إما أن يقولوه تعجيزًا، وإما أن يظنوا أن الإنسان لا يكون رسولًا إلا إذا خرج من حقيقة البشرية، وصار قادرًا على ما لا يقدر عليه البشر، وعالمًا بكل ما يعجز عنه علم البشر. ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ﴾ أيها المشركون من أهل مكة ﴿عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾؛ أي: مفاتيح الأمكنة التي يحفظ فيها أرزاق الله، أتصرف في ما خزنه وحفظه فيها من أرزاق العباد وشؤون المخلوقات، فكل هذا لله وحده، يتصرف فيه بما يشاء، فيعطي لعباده من خزائنه بحسب ما أوتي كل منهم من الاستعداد في دائرة ارتباط الأسباب بالمسببات، ولا يقدر أحد أن يتجاوز ذلك إلى ما لم يؤته، ولم يصل إليه استعداده، والمعنى: ليس عندي خزائن الرزق فأعطيكم منها ما تريدون؛ لأنهم كانوا يقولون للنبي - ﷺ -: إن كنت رسولًا من الله تعالى، فاطلب لنا منه أن يوسع عيشنا، ويغني فقرنا، فأخبر أن ذلك بيد الله تعالى لا بيدي.
فالتصرف المطلق إنما هو لله القادر على كل شيء، وليس من موضوع الرسالة أن يكون الرسول المبلغ عنه أمر الدين قادرًا على ما لا يقدر عليه البشر من التصرف في المخلوقات بالأسباب، فضلًا عن التصرف بغير سبب مما طلبه المشركون منه، وجعلوه شرطًا للإيمان به، كتفجير الينابيع والأنهار في أرض مكة، وإيجاد الجنات والبساتين فيها، وإسقاط السماء عليهم كسفًا، والإتيان بالله والملائكة قبيلًا. ﴿وَلَا﴾ أقول لكم: إني ﴿أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ فأخبركم بما مضى وما سيقع في المستقبل، وذلك أنهم قالوا له: أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، فأجابهم بقوله: ﴿ولا أعلم الغيب﴾ فأخبركم بما تريدون.
التفسير وأوجه القراءة
٥٠ - ﴿قُلْ﴾ يا أيها الرسول الذي بعث، كما بعث غيره من الرسل مبشرًا من أجاب دعوته بحسن الثواب، ومنذرًا من لم يقبلها بسوء العقاب لهؤلاء المكذبين لك بغير علم، يميزون به بين شؤون الألوهية وحقيقة النبوة، فيقترحون عليك من الآيات الكونية ما يعلمون أنه ليس في مقدور البشر، فهم إما أن يقولوه تعجيزًا، وإما أن يظنوا أن الإنسان لا يكون رسولًا إلا إذا خرج من حقيقة البشرية، وصار قادرًا على ما لا يقدر عليه البشر، وعالمًا بكل ما يعجز عنه علم البشر. ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ﴾ أيها المشركون من أهل مكة ﴿عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾؛ أي: مفاتيح الأمكنة التي يحفظ فيها أرزاق الله، أتصرف في ما خزنه وحفظه فيها من أرزاق العباد وشؤون المخلوقات، فكل هذا لله وحده، يتصرف فيه بما يشاء، فيعطي لعباده من خزائنه بحسب ما أوتي كل منهم من الاستعداد في دائرة ارتباط الأسباب بالمسببات، ولا يقدر أحد أن يتجاوز ذلك إلى ما لم يؤته، ولم يصل إليه استعداده، والمعنى: ليس عندي خزائن الرزق فأعطيكم منها ما تريدون؛ لأنهم كانوا يقولون للنبي - ﷺ -: إن كنت رسولًا من الله تعالى، فاطلب لنا منه أن يوسع عيشنا، ويغني فقرنا، فأخبر أن ذلك بيد الله تعالى لا بيدي.
فالتصرف المطلق إنما هو لله القادر على كل شيء، وليس من موضوع الرسالة أن يكون الرسول المبلغ عنه أمر الدين قادرًا على ما لا يقدر عليه البشر من التصرف في المخلوقات بالأسباب، فضلًا عن التصرف بغير سبب مما طلبه المشركون منه، وجعلوه شرطًا للإيمان به، كتفجير الينابيع والأنهار في أرض مكة، وإيجاد الجنات والبساتين فيها، وإسقاط السماء عليهم كسفًا، والإتيان بالله والملائكة قبيلًا. ﴿وَلَا﴾ أقول لكم: إني ﴿أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ فأخبركم بما مضى وما سيقع في المستقبل، وذلك أنهم قالوا له: أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، فأجابهم بقوله: ﴿ولا أعلم الغيب﴾ فأخبركم بما تريدون.
341
فصل في بحث الغيب
والغيب (١) ما غيب علمه عن الناس بعدم تمكينهم من أسباب العلم به، وهو قسمان:
١ - غيب حقيقي، وهو ما غاب عن جميع الخلق حتى الملائكة، وهو المعنيّ بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾.
٢ - غيب إضافي، وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض، كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره لا يعلمه البشر.
أمّا يعلمه بعض البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها، ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب أو عجزهم عن استعمالها، فليس بداخل في عموم الغيب الوارد في كتاب الله، وهذه الأسباب ضروب:
١ - ما هو علمي كالدلائل العقلية والعلمية، فعلماء الرياضة يستخرجون من دقائق المجهولات ما يعجز عنه أكثر الناس، ويضبطون ما يقع من الخسوف والكسوف بالدقائق والثواني قبل وقوعه بألوف الأعوام.
٢ - ما هو عملي كالبرق الأثيري [التلغراف اللاسلكي] الذي يعلم به المرء ما يقع في أقاصي البلاد من وراء البحار، وبينه وبينها ألوف الأميال.
٣ - ما هو إدراكات نفسية خفية تصل إلى مرتبة العلم، كالفراسة والإلهام، وأكثر هذا النوع هواجس تلوح للنفس، ولا يجزم بها الإنسان إلا بعد وقوعها.
فإن قلت (٢): إن الله تعالى أثبت علم الغيب المتعلق بالرسالة للرسل عليهم السلام، كقوله في سورة الجن: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾، فكيف أمره هنا أن يتنصل من ادعاء علم الغيب؟
قلتُ: إن إظهار شيء خاص من عالم الغيب على يدي الرسل، لا يجعل ذلك داخلًا في علومهم الكسبية، فإن الوحي ضرب من العلم الضروري، يجده النبي في نفسه حينما يظهره الله عليه، فهذا حبس عنه.. لم يكن له قدرة ولا وسيلة
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
342
كسبية للوصول إليه. يؤيد ذلك ما جاء في فترات الوحي في السيرة النبوية، وقد يكون توجّه قلب الرسول إلى الله تعالى في بعض الحوادث مقدمة لنزول الوحي في الحكم الذي طلب من ربه بيانه. يرشد إلى ذلك قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾.
والخلاصة: أن الأنبياء لم يعطوا علم الغيب بحيث يكون إدراكه من علومهم المكتسبة، كذلك لم يعطوا التصرف في خزائن ملك الله تعالى، فلم يمكّنهم ما لم يمكِّن من أسبابه حتى يكون من كسبهم وعملهم، ولا هو أعطاهم ذلك على سبيل الخصوصية.
ونفي ادعاء الرسول من الأمرين يتضمن التبرؤ من ادعاء الألوهية، أو ادعاء شيء من صفات الإله القادر على كل شيء، العلم بكل شيء، ويتضمن جهل المشركين حقيقةَ الألوهية وحقيقة الرسالة، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلا من له التصرف فيما وراء الأسباب، وطلبوا منه الإخبار بما يكون في الزمان المستقبل ولا يعلمه إلا من كان علم الغيب صفةً له كسائر الصفات، فقد سألوه عن وقت الساعة، وعن وقت نزول العذاب بهم، وعن وقت نصر الله تعالى له عليهم. وإذا علمت أن الأنبياء لم يؤتوا ذلك.. فأحر بمن دونهم منزلة عند الله تعالى من القديسين والأولياء المقربين أن لا يكون لهم ذلك، فادعاؤه لهم جهل عظيم وإثم كبير، ولا ينبغي التحدث به لا بين العامة ولا بين الخاصة، كما يجب محوه من الأذهان لدى الجاهلين سنن الله في الأكوان. ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ أشاهد من أمر الله ما لا يشاهده البشر، وأقدر على ترك الأكل والشرب والنكاح، وذلك أنهم قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوج النساء؟ ثم أمره أن يبيِّن وظيفة الرسول، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ﴾؛ أي: ما أَتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه ﴿إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾؛ أي: إلا وحي الله الذي يوحيه إليَّ، وتنزيله الذي ينزله عليَّ، فامضي لوحيه وأعمل بأمره، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة على صحة ما أقول، وليس ذلك بالمنكر في عقولكم، ولا بالمستحيل وجوده، فما وجه إنكاركم لذلك؟
ثم وبخهم على ضلالهم وعنادهم، فأمر رسوله أن يبيِّن لهم أن الضال
والخلاصة: أن الأنبياء لم يعطوا علم الغيب بحيث يكون إدراكه من علومهم المكتسبة، كذلك لم يعطوا التصرف في خزائن ملك الله تعالى، فلم يمكّنهم ما لم يمكِّن من أسبابه حتى يكون من كسبهم وعملهم، ولا هو أعطاهم ذلك على سبيل الخصوصية.
ونفي ادعاء الرسول من الأمرين يتضمن التبرؤ من ادعاء الألوهية، أو ادعاء شيء من صفات الإله القادر على كل شيء، العلم بكل شيء، ويتضمن جهل المشركين حقيقةَ الألوهية وحقيقة الرسالة، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلا من له التصرف فيما وراء الأسباب، وطلبوا منه الإخبار بما يكون في الزمان المستقبل ولا يعلمه إلا من كان علم الغيب صفةً له كسائر الصفات، فقد سألوه عن وقت الساعة، وعن وقت نزول العذاب بهم، وعن وقت نصر الله تعالى له عليهم. وإذا علمت أن الأنبياء لم يؤتوا ذلك.. فأحر بمن دونهم منزلة عند الله تعالى من القديسين والأولياء المقربين أن لا يكون لهم ذلك، فادعاؤه لهم جهل عظيم وإثم كبير، ولا ينبغي التحدث به لا بين العامة ولا بين الخاصة، كما يجب محوه من الأذهان لدى الجاهلين سنن الله في الأكوان. ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ أشاهد من أمر الله ما لا يشاهده البشر، وأقدر على ترك الأكل والشرب والنكاح، وذلك أنهم قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوج النساء؟ ثم أمره أن يبيِّن وظيفة الرسول، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ﴾؛ أي: ما أَتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه ﴿إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾؛ أي: إلا وحي الله الذي يوحيه إليَّ، وتنزيله الذي ينزله عليَّ، فامضي لوحيه وأعمل بأمره، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة على صحة ما أقول، وليس ذلك بالمنكر في عقولكم، ولا بالمستحيل وجوده، فما وجه إنكاركم لذلك؟
ثم وبخهم على ضلالهم وعنادهم، فأمر رسوله أن يبيِّن لهم أن الضال
343
والمهتدي لا يستويان، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾؛ أي: هل يستوي أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم - الذي دعوتكم إليه - فلم يميز بين التوحيد والشرك، ولا بين صفات الله وصفات البشر، وذو البصيرة المهتدي إليه، المستقيم في سيره عليه بالحجة والبرهان، حتى صار ذلك في مرآة قلبه أوضح مما ترى العينان وتسمع الآذان؟.
والخلاصة: أنهما لا يستويان، كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.
﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ الهمزة فيه داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تسمعون الحق فلا تتفكرون فيما أذكر لكم من الحجج، وتتأملون فيه، فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإِسلام، وتعقلوا ما في القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل، فهل يكون ذلك في مقدوري، وقد لبثت فيكم عمرًا من قبل عاطلًا من هذه المعرفة، وتلك البلاغة الساحرة، وذلك البيان الخلاب؟
٥١ - وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء، فقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ﴾؛ أي: وخوف يا محمد بما يوحى إليك من القرآن وغيره المؤمنين بالله تعالى ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ ويخشون ﴿أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ ويرجعوا إليه للمحاسبة والمجازاة، ويخافون أهوال الحشر وشدة الحساب، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله في ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾ يوم لا ولي ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله تعالى.
قال (١) ابن عباس: المراد بـ ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾: المؤمنون؛ لأنهم يخافون يوم القيامة وما فيه من شدة الأهوال، وقيل معنى: ﴿يَخَافُونَ﴾: يعلمون، والمراد
والخلاصة: أنهما لا يستويان، كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.
﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ الهمزة فيه داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تسمعون الحق فلا تتفكرون فيما أذكر لكم من الحجج، وتتأملون فيه، فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإِسلام، وتعقلوا ما في القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل، فهل يكون ذلك في مقدوري، وقد لبثت فيكم عمرًا من قبل عاطلًا من هذه المعرفة، وتلك البلاغة الساحرة، وذلك البيان الخلاب؟
٥١ - وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء، فقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ﴾؛ أي: وخوف يا محمد بما يوحى إليك من القرآن وغيره المؤمنين بالله تعالى ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ ويخشون ﴿أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ ويرجعوا إليه للمحاسبة والمجازاة، ويخافون أهوال الحشر وشدة الحساب، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله في ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)﴾ يوم لا ولي ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله تعالى.
قال (١) ابن عباس: المراد بـ ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾: المؤمنون؛ لأنهم يخافون يوم القيامة وما فيه من شدة الأهوال، وقيل معنى: ﴿يَخَافُونَ﴾: يعلمون، والمراد
(١) الخازن.
344
بهم: كل معترف بالبعث من مسلم وكتابي، وإنما خص الذين يخافون الحشر بالذكر دون غيرهم، وإن كان إنذاره - ﷺ - لجميع الخلائق؛ لأن الحجة عليهم أوكد من غيرهم لاعترافهم بصحة المعاد والحشر. وقيل: المراد بهم: الكفار؛ لأنهم لا يعتقدون صحته، ولذلك قال: يخافون أن يحشروا إلى ربهم، وجملة قوله: ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ﴾؛ أي: من دون الله تعالى ﴿وَلِيٌّ﴾؛ أي: قريب ينفعهم ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾ يشفع لهم، في محل النصب حال من ضمير ﴿يُحْشَرُوا﴾؛ أي (١): أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا ولي لهم يواليهم، ولا ناصر يناصرهم، ولا شفيع يشفع لهم من دون الله تعالى، وفيه ردٌّ على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن آباءهم يشفعون لهم، وهم أهل الكتاب، أو أن أصنامهم تشفع لهم، وهم المشركون.
ثم إن (٢) فسرنا ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ أن المراد بهم: الكفار، فلا إشكال عليه، لقوله تعالى: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾، وإن فسرناهم بالمؤمنين.. ففيه إشكال؛ لأنه قد ثبت بصحيح النقل شفاعة نبينا محمد - ﷺ - للمذنبين من أمته، وكذلك تشفع الملائكة والأنبياء والمؤمنون بعضهم لبعض. والجواب عن هذا الإشكال أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، لقوله عز وجل: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وإذا كانت الشفاعة بإذن الله.. صح قوله: ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ يعني: حتى يأذن الله لهم في الشفاعة، فإذا أذن فيها كان للمؤمنين ولي وشفيع.
وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾؛ أي: بإقلاعهم عما هم فيه، وعمل الطاعات متعلق بأنذر؛ أي: خوفهم لكي يتقوا المعاصي، ويكون لهم عونًا في الطاعة، فهؤلاء المؤمنون هم الذين يرجى أن يتقوا الله اهتداءً بهديك، وخوفًا من إنذارك، ويتحروا ما يؤدِّي إلى مرضاته ولا يصدهم عن ذلك إتكال على الأولياء، ولا اعتماد على الشفعاء علمًا منهم أن الشفاعة لله جميعًا: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ كما أنهم يستيقنون أن نجاتهم إنما تكون بإيمانهم وأعمالهم وتزكيتهم
ثم إن (٢) فسرنا ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ أن المراد بهم: الكفار، فلا إشكال عليه، لقوله تعالى: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾، وإن فسرناهم بالمؤمنين.. ففيه إشكال؛ لأنه قد ثبت بصحيح النقل شفاعة نبينا محمد - ﷺ - للمذنبين من أمته، وكذلك تشفع الملائكة والأنبياء والمؤمنون بعضهم لبعض. والجواب عن هذا الإشكال أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، لقوله عز وجل: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وإذا كانت الشفاعة بإذن الله.. صح قوله: ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ يعني: حتى يأذن الله لهم في الشفاعة، فإذا أذن فيها كان للمؤمنين ولي وشفيع.
وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾؛ أي: بإقلاعهم عما هم فيه، وعمل الطاعات متعلق بأنذر؛ أي: خوفهم لكي يتقوا المعاصي، ويكون لهم عونًا في الطاعة، فهؤلاء المؤمنون هم الذين يرجى أن يتقوا الله اهتداءً بهديك، وخوفًا من إنذارك، ويتحروا ما يؤدِّي إلى مرضاته ولا يصدهم عن ذلك إتكال على الأولياء، ولا اعتماد على الشفعاء علمًا منهم أن الشفاعة لله جميعًا: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ كما أنهم يستيقنون أن نجاتهم إنما تكون بإيمانهم وأعمالهم وتزكيتهم
(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
345
لأنفسهم، لا بانتفاعهم بصلاح غيرهم، أو شفاعة الشافعين لهم، كما هو حال المشركين الذين جهلوا أن مدار السعادة في الدنيا والآخرة مرتبط بتزكية النفس وطهارتها بالإيمان الصحيح، والأخلاق الكريمة، والأعمال الصالحة، لا على أمر خارج عن النفس لا تأثير له فيها.
والآية بمعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾.
٥٢ - ثم نهى رسوله أن يطيع المترفين من كفار قريش في شأن المؤمنين المستضعفين، فقال: ﴿وَلَا تَطْرُدِ﴾؛ أي: ولا تبعد يا محمد عن حضرتك هؤلاء المؤمنين الموحدين، ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ ويعبدون ﴿رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾؛ أي: أول النهار وآخره، أو المراد: عامة الأوقات، إذ يقال: هو يفعل كذا صباحًا ومساء إذا كان مداومًا عليه، والدعاء إما العبادة مطلقًا، وقيل: المحافظة على صلاة الجماعة، وقيل: الذكر وقراءة القرآن، وقيل: المراد الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر. والمعنى: ولا تطرد يا محمد الذين يعبدون ربهم بالصلوات الخمس، أو يذكرون ربهم طرفي النهار حالة كونهم ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾؛ أي: يقصدون بذلك محبة الله تعالى ورضاه؛ أي: مخلصين في ذلك، وقيد الدعاء بالإخلاص تنبيهًا على أنه ملاك الأمر.
وقال أبو حيان: معنى ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾: يخلصون نياتهم له في عبادتهم، ويعبر عن ذات الشيء وحقيقته بالوجه انتهى. والمذهب الأسلم الذي عليه السلف: ترك الوجه على ظاهره بلا تأويل؛ لأن الوجه صفة ثابتة لله تعالى نعتقدها ونثبتها لله تعالى بلا تكيف ولا تمثيل ولا تعطيل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البصير﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿بالغداوة﴾، وقرأ ابن عامر وأبو عبد الرحمن ومالك بن
والآية بمعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾.
٥٢ - ثم نهى رسوله أن يطيع المترفين من كفار قريش في شأن المؤمنين المستضعفين، فقال: ﴿وَلَا تَطْرُدِ﴾؛ أي: ولا تبعد يا محمد عن حضرتك هؤلاء المؤمنين الموحدين، ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ ويعبدون ﴿رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾؛ أي: أول النهار وآخره، أو المراد: عامة الأوقات، إذ يقال: هو يفعل كذا صباحًا ومساء إذا كان مداومًا عليه، والدعاء إما العبادة مطلقًا، وقيل: المحافظة على صلاة الجماعة، وقيل: الذكر وقراءة القرآن، وقيل: المراد الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر. والمعنى: ولا تطرد يا محمد الذين يعبدون ربهم بالصلوات الخمس، أو يذكرون ربهم طرفي النهار حالة كونهم ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾؛ أي: يقصدون بذلك محبة الله تعالى ورضاه؛ أي: مخلصين في ذلك، وقيد الدعاء بالإخلاص تنبيهًا على أنه ملاك الأمر.
وقال أبو حيان: معنى ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾: يخلصون نياتهم له في عبادتهم، ويعبر عن ذات الشيء وحقيقته بالوجه انتهى. والمذهب الأسلم الذي عليه السلف: ترك الوجه على ظاهره بلا تأويل؛ لأن الوجه صفة ثابتة لله تعالى نعتقدها ونثبتها لله تعالى بلا تكيف ولا تمثيل ولا تعطيل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البصير﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿بالغداوة﴾، وقرأ ابن عامر وأبو عبد الرحمن ومالك بن
(١) البحر المحيط.
346
دينار والحسن ونصر بن عاصم وأبو رجاء العطاردي: ﴿بالغدوة﴾. وروي عن أبي عبد الرحمن أيضًا: ﴿بالغدو﴾ بغير هاء. وقرأ ابن أبي عبلة: ﴿بالغدوات والعشيات﴾ بالألف فيهما على الجمع.
وقوله: ﴿مَا عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾؛ أي: من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب منك ذلك ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾، بل حسابهم على أنفسهم، ما عليك منه شيء ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على هؤلاء الذين قصدت طردهم ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾، بل حساب أعمالك على نفسك لا عليهم، فعلام تطردهم؟ كلام معترض بين النهي وجوابه الآتي بقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، وقوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾ جواب النفي في قوله: ﴿مَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ وهو من تمام الاعتراض؛ أي (١): إذا كان الأمر كذلك.. فأقبل عليهم، وجالسهم، ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل، و ﴿من﴾ في قوله. ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ﴾ للبيان، والثانية للتأكيد، وكذا في قوله: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾.
والمعنى (٢): أي ما عليك يا محمد شيء من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، كما أنه ليس عليهم شيء من أمر حسابك على أعمالك، حتى يكون هذا أو ذاك في طردك إياهم بإساءتهم في عملهم، أو في محاسبتك على عملك، فإن الطرد جزاء، والجزاء إنما يكون على سيىء الأعمال، ولا يثبت ذلك إلا بالحساب، والمؤمنون ليسوا بعبيد للرسل، ولا أعمالهم الدينية لهم، بل هي لله تعالى، يريدون بها وجهه لا وجوه الرسل، وحسابهم عليه تعالى لا عليهم، والرسل هداة مرشدون لا أرباب مسيطرون: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)﴾.
وإذا لم يكن للرسل حق السيطرة على الناس ومحاسبتهم على أعمالهم الدينية.. فأجدر بالناس أن لا يكون لهم هذا الحق على أنبيائهم. والظاهر أن
وقوله: ﴿مَا عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾؛ أي: من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب منك ذلك ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾، بل حسابهم على أنفسهم، ما عليك منه شيء ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على هؤلاء الذين قصدت طردهم ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾، بل حساب أعمالك على نفسك لا عليهم، فعلام تطردهم؟ كلام معترض بين النهي وجوابه الآتي بقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، وقوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾ جواب النفي في قوله: ﴿مَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ وهو من تمام الاعتراض؛ أي (١): إذا كان الأمر كذلك.. فأقبل عليهم، وجالسهم، ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل، و ﴿من﴾ في قوله. ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ﴾ للبيان، والثانية للتأكيد، وكذا في قوله: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾.
والمعنى (٢): أي ما عليك يا محمد شيء من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، كما أنه ليس عليهم شيء من أمر حسابك على أعمالك، حتى يكون هذا أو ذاك في طردك إياهم بإساءتهم في عملهم، أو في محاسبتك على عملك، فإن الطرد جزاء، والجزاء إنما يكون على سيىء الأعمال، ولا يثبت ذلك إلا بالحساب، والمؤمنون ليسوا بعبيد للرسل، ولا أعمالهم الدينية لهم، بل هي لله تعالى، يريدون بها وجهه لا وجوه الرسل، وحسابهم عليه تعالى لا عليهم، والرسل هداة مرشدون لا أرباب مسيطرون: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)﴾.
وإذا لم يكن للرسل حق السيطرة على الناس ومحاسبتهم على أعمالهم الدينية.. فأجدر بالناس أن لا يكون لهم هذا الحق على أنبيائهم. والظاهر أن
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
347
الضمائر كلها عائدة على ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ كما بينا في الحل، وقيل: الضمائر في ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾، وفي ﴿عَلَيْهِمْ﴾ عائدة على المشركين. قال الزمخشري: والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك، ولا أنت بحسابهم حتى يهمَّك إيمانهم، ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين، ذكره أبو حيان.
وقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ جواب للنهي كما مرَّ أعني: قوله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾؛ أي: لا تطرد هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي.. فتكون بطردك إياهم في زمرة الظالمين؛ أي: من الذين يضعون الشيء في غير مواضعه معدودًا من جنسهم؛ لأن الطرد لا يكون حقًّا إلا على الإساءة في الأعمال التي يعملونها لمن له حق حسابهم وجزائهم عليها، ولست أنت بصاحب هذا الحق حتى تجري فيه على صراط العدل، فإن عملهم هو عبادة الله وحده، فحسابهم وجزاؤهم عليه كما قال نوح عليه السلام: ﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣)﴾.
والخلاصة (١): أن هذه الآية الكريمة أفادت أربعة أشياء:
١ - أن الرسول لا يملك التصرف في الكون.
٢ - أنه لا يعلم الغيب.
٣ - أنه ليس بملك.
٤ - أنه لا يملك حساب المؤمنين ولا جزاءهم.
وعبارة "المراح" هنا: قوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾: الآية، معناه (٢): ما عليك من حساب رزق هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي شيء، فتملهم وتبعدهم، ولا من حساب رزقك عليهم شيء، وإنما الرازق لهم ولك هو الله تعالى، فدعهم يكونوا عندك، ولا تطردهم فتكون من الظالمين لنفسك بهذا الطرد، ولهم لأنهم استحقوا مزيد التقريب، وقيل: إن الكفار طعنوا في إيمان أولئك الفقراء، وقالوا: يا محمد إنهم إنما اجتمعوا عندك، وقبلوا
وقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ جواب للنهي كما مرَّ أعني: قوله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾؛ أي: لا تطرد هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي.. فتكون بطردك إياهم في زمرة الظالمين؛ أي: من الذين يضعون الشيء في غير مواضعه معدودًا من جنسهم؛ لأن الطرد لا يكون حقًّا إلا على الإساءة في الأعمال التي يعملونها لمن له حق حسابهم وجزائهم عليها، ولست أنت بصاحب هذا الحق حتى تجري فيه على صراط العدل، فإن عملهم هو عبادة الله وحده، فحسابهم وجزاؤهم عليه كما قال نوح عليه السلام: ﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣)﴾.
والخلاصة (١): أن هذه الآية الكريمة أفادت أربعة أشياء:
١ - أن الرسول لا يملك التصرف في الكون.
٢ - أنه لا يعلم الغيب.
٣ - أنه ليس بملك.
٤ - أنه لا يملك حساب المؤمنين ولا جزاءهم.
وعبارة "المراح" هنا: قوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾: الآية، معناه (٢): ما عليك من حساب رزق هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي شيء، فتملهم وتبعدهم، ولا من حساب رزقك عليهم شيء، وإنما الرازق لهم ولك هو الله تعالى، فدعهم يكونوا عندك، ولا تطردهم فتكون من الظالمين لنفسك بهذا الطرد، ولهم لأنهم استحقوا مزيد التقريب، وقيل: إن الكفار طعنوا في إيمان أولئك الفقراء، وقالوا: يا محمد إنهم إنما اجتمعوا عندك، وقبلوا
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
348
دينك؛ لأنهم يجدون عندك بهذا السبب مأكولًا وملبوسًا، وإلا فهم فارغون عن دينك، فقال الله تعالى: إن كان الأمر كما يقولون.. فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر، وإن كان لهم باطن غير مرضي عند الله.. فحسابهم عليه لازم لهم لا يتعدى إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدى إليهم.
فائدة: واحتج (١) الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية، فقالوا: إن النبي - ﷺ - لما همَّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف.. عاتبه الله تعالى على ذلك ونهاه عن طردهم، وذلك يقدح في العصمة لقوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. والجواب عن هذا الاحتجاج أن يقال: إن النبي - ﷺ - ما طردهم ولا هم بطردهم لأجل الاستخفاف بهم، والاستنكاف من فقرهم، وإنما كان هذا الهم لمصلحة، وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإِسلام، فكان ترجيح هذا الجانب أولى عنده، وهو اجتهاد منه، فأعلمه الله تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى من الهمِّ بطردهم، فقربهم وأدناهم منه. وأما قوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فإن الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، فيكون المعنى: إن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم والتقريب، فلاتهم بطردهم عنك، فتضع الشيء في غير موضعه، فهو من باب ترك الأفضل والأولى، لا من باب ترك الواجبات، والله أعلم.
٥٣ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: ومثل ذلك الفتون المتقدم ﴿فَتَنَّا﴾؛ أي: ابتلينا ﴿بَعْضَهُمْ﴾؛ أي: بعض الناس؛ أي: الأغنياء الكفار ﴿بِبَعْضٍ﴾ منهم؛ أي: بالفقراء المسلمين؛ أي: ابتلينا الغني بالفقير، والفقير بالغني، والشريف بالوضيع، والوضيع بالشريف، فكل أحد مبتلى بضده، فأولئك الكفار الرؤساء والأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين إلى الإِسلام مسارعين إلى قبوله، فقالوا: لو دخلنا في الإِسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين، وأن نعترف لهم بالتبعية، فامتنعوا من الدخول في الإِسلام لذلك، واعترضوا على الله في جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين، وأما فقراء
فائدة: واحتج (١) الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية، فقالوا: إن النبي - ﷺ - لما همَّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف.. عاتبه الله تعالى على ذلك ونهاه عن طردهم، وذلك يقدح في العصمة لقوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. والجواب عن هذا الاحتجاج أن يقال: إن النبي - ﷺ - ما طردهم ولا هم بطردهم لأجل الاستخفاف بهم، والاستنكاف من فقرهم، وإنما كان هذا الهم لمصلحة، وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإِسلام، فكان ترجيح هذا الجانب أولى عنده، وهو اجتهاد منه، فأعلمه الله تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى من الهمِّ بطردهم، فقربهم وأدناهم منه. وأما قوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فإن الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، فيكون المعنى: إن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم والتقريب، فلاتهم بطردهم عنك، فتضع الشيء في غير موضعه، فهو من باب ترك الأفضل والأولى، لا من باب ترك الواجبات، والله أعلم.
٥٣ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: ومثل ذلك الفتون المتقدم ﴿فَتَنَّا﴾؛ أي: ابتلينا ﴿بَعْضَهُمْ﴾؛ أي: بعض الناس؛ أي: الأغنياء الكفار ﴿بِبَعْضٍ﴾ منهم؛ أي: بالفقراء المسلمين؛ أي: ابتلينا الغني بالفقير، والفقير بالغني، والشريف بالوضيع، والوضيع بالشريف، فكل أحد مبتلى بضده، فأولئك الكفار الرؤساء والأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين إلى الإِسلام مسارعين إلى قبوله، فقالوا: لو دخلنا في الإِسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين، وأن نعترف لهم بالتبعية، فامتنعوا من الدخول في الإِسلام لذلك، واعترضوا على الله في جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين، وأما فقراء
(١) الخازن.
349
الصحابة.. فكانوا يرون أولئك الكفار في الراحات والمسرات والطيبات والخصب والسعة، فكانوا يقولون: كيف حصلت هذه الأحوال لهؤلاء الكفار؟ وبالجملة فصفات الكمال مختلفة متفاوتة محبوبة لذاتها موزعة على الخلق، فلا تجتمع في إنسان واحد ألبتة، فكل أحد يحسد صاحبه على ما آتاه الله تعالى من صفات الكمال. ﴿لِيَقُولُوا﴾؛ أي: لتكون عاقبة أمرهم أن يقول المفتونون من الأقوياء والأغنياء والشرفاء في شأن الضعفاء والفقراء من المؤمنين ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾ الصعاليك من العبيد والموالي والفقراء والمساكين ﴿مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: أنعم الله عليهم بهذه النعمة العظيمة التي هي نعمة الإِسلام ومتابعة الرسول - ﷺ - وخصهم بها ﴿مِنْ بَيْنِنَا﴾؛ أي: دوننا، أو من جملتنا، أو مجموعنا، ونحن الأكابر والرؤساء، وهم المساكين والضعفاء؟ والاستفهام فيه للإنكار بأن يخص الله تعالى هؤلاء الفقراء من بينهم بإصابة الحق، والسبق إلى الخير، فكأنهم أنكروا أن يكونوا سبقوهم بفضيلة.
والخلاصة (١): أن ذلك لن يكون لأنهم هم المفضلون عند الله تعالى بما آتاهم من غنى وثروة وجاه وقوة، فلو كان هذا الدين خيرًا.. لمنحهم إياه دون هؤلاء الضعفاء كما أعطاهم من قبل الجاه والثروة. وقد حكى الله عنهم مثل هذا بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾. ثم رد الله سبحانه وتعالى عليهم مقالتهم الدالة على العتو والاستكبار بقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ لنعمه - فيوفقهم ويهديهم - من الكافرين لها، فيخذلهم ويحرمهم منها حتى تستبعدوا إنعامه عليهم؛ أي: إن المستحق لمن الله وزيادة نعمه إنما هو من يقدِّرها قدرها، ويعرف حق المنعم بها، فيشكره عليها، لا من سبق الإنعام عليه فكفر وبطر وعتا واستكبر. والاستفهام في ﴿أَلَيْسَ﴾ للتقرير؛ أي: إنه تعالى كذلك، وبهذا مضت سنة الله في عباده، ولولا هذا لكانت النعم خالدة لا تنزع ممن أوتيها - وإن كفر بها - وهل فتن أولئك الكبراء إلا بما حصل لهم من الغنى والقوة، فظنوا جهلًا منهم بسنة الله في أمثالهم أنه تعالى ما
والخلاصة (١): أن ذلك لن يكون لأنهم هم المفضلون عند الله تعالى بما آتاهم من غنى وثروة وجاه وقوة، فلو كان هذا الدين خيرًا.. لمنحهم إياه دون هؤلاء الضعفاء كما أعطاهم من قبل الجاه والثروة. وقد حكى الله عنهم مثل هذا بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾. ثم رد الله سبحانه وتعالى عليهم مقالتهم الدالة على العتو والاستكبار بقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ لنعمه - فيوفقهم ويهديهم - من الكافرين لها، فيخذلهم ويحرمهم منها حتى تستبعدوا إنعامه عليهم؛ أي: إن المستحق لمن الله وزيادة نعمه إنما هو من يقدِّرها قدرها، ويعرف حق المنعم بها، فيشكره عليها، لا من سبق الإنعام عليه فكفر وبطر وعتا واستكبر. والاستفهام في ﴿أَلَيْسَ﴾ للتقرير؛ أي: إنه تعالى كذلك، وبهذا مضت سنة الله في عباده، ولولا هذا لكانت النعم خالدة لا تنزع ممن أوتيها - وإن كفر بها - وهل فتن أولئك الكبراء إلا بما حصل لهم من الغنى والقوة، فظنوا جهلًا منهم بسنة الله في أمثالهم أنه تعالى ما
(١) المراغي.
350
أعطاهم ذلك إلا تكريمًا لذواتهم، وتفضيلًا لهم على غيرهم.
وفي (١) هذا الاستفهام التقريري إشارة إلى أن الضعفاء عارفون بحق نعم الله تعالى في تنزيل القرآن، وفي التوفيق للإيمان، شاكرون له تعالى على ذلك، وتعريض بأن القائلين بتلك المقالة بمعزل من ذلك كله. وفي الآية إيماء إلى أن ما اغتروا به من النعم لن يدوم، ولا يبقى المؤمنون على الضعف الذي صبروا عليه، بل لا بد أن تنعكس الحال، فيُسلب الأقوياء ما أعطوا من قوة ومال، وتدول الدولة لهؤلاء الضعفاء من المؤمنين، فيكونوا هم الأئمة الوارثين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)﴾.
وكذلك (٢) فيها إشارة إلى أن تركهم للإيمان لم يكن إلا جحودًا ناشئًا عن الكبر والعلو في الأرض، لا عن حجة ولا عن شبهة، وإلى أن ضعفاء المؤمنين السابقين لم يفتنوا بغنى كبراء المشركين وقوتهم.
٥٤ - ﴿وَإِذَا جَاءَكَ﴾ يا محمد القوم ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: يصدقون بكتابنا وحججنا، ويقرون بذلك قولًا وعملًا سائلين عن ذنوبهم التي فرطت منهم، هل لهم منها توبة ﴿فـ﴾ ـلا تؤيسهم منها و ﴿قل سلام عليكم﴾؛ أي: أمان الله تعالى لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، وهؤلاء هم القوم الذين نهاه الله عن طردهم، وهم المستضعفون من المؤمنين.
ثم ذكر العلة في هذا، فقال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾؛ أي: قل لهم تبشيرًا لهم بسعة رحمته تعالى، وبنيل المطالب: أوجب ربكم سبحانه وتعالى على ذاته المقدسة تفضلًا منه وإحسانًا الرحمة لخلقه والإحسان إليهم، فإن فيما سخر للبشر من أسباب المعيشة المادية، وفيما آتاهم من وسائل العلوم الكسبية لآيات بينات على سعة الرحمة الربانية، وتربية عباده بها في حياتهم الجسدية والروحية؛ لأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ثم بيَّن أصلًا من أصول الدين في هذه الرحمة للمؤمنين، فقال: {أَنَّهُ مَنْ
وفي (١) هذا الاستفهام التقريري إشارة إلى أن الضعفاء عارفون بحق نعم الله تعالى في تنزيل القرآن، وفي التوفيق للإيمان، شاكرون له تعالى على ذلك، وتعريض بأن القائلين بتلك المقالة بمعزل من ذلك كله. وفي الآية إيماء إلى أن ما اغتروا به من النعم لن يدوم، ولا يبقى المؤمنون على الضعف الذي صبروا عليه، بل لا بد أن تنعكس الحال، فيُسلب الأقوياء ما أعطوا من قوة ومال، وتدول الدولة لهؤلاء الضعفاء من المؤمنين، فيكونوا هم الأئمة الوارثين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)﴾.
وكذلك (٢) فيها إشارة إلى أن تركهم للإيمان لم يكن إلا جحودًا ناشئًا عن الكبر والعلو في الأرض، لا عن حجة ولا عن شبهة، وإلى أن ضعفاء المؤمنين السابقين لم يفتنوا بغنى كبراء المشركين وقوتهم.
٥٤ - ﴿وَإِذَا جَاءَكَ﴾ يا محمد القوم ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: يصدقون بكتابنا وحججنا، ويقرون بذلك قولًا وعملًا سائلين عن ذنوبهم التي فرطت منهم، هل لهم منها توبة ﴿فـ﴾ ـلا تؤيسهم منها و ﴿قل سلام عليكم﴾؛ أي: أمان الله تعالى لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، وهؤلاء هم القوم الذين نهاه الله عن طردهم، وهم المستضعفون من المؤمنين.
ثم ذكر العلة في هذا، فقال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾؛ أي: قل لهم تبشيرًا لهم بسعة رحمته تعالى، وبنيل المطالب: أوجب ربكم سبحانه وتعالى على ذاته المقدسة تفضلًا منه وإحسانًا الرحمة لخلقه والإحسان إليهم، فإن فيما سخر للبشر من أسباب المعيشة المادية، وفيما آتاهم من وسائل العلوم الكسبية لآيات بينات على سعة الرحمة الربانية، وتربية عباده بها في حياتهم الجسدية والروحية؛ لأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ثم بيَّن أصلًا من أصول الدين في هذه الرحمة للمؤمنين، فقال: {أَنَّهُ مَنْ
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
351
عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا}؛ أي: ومن سعة رحمته تعالى أنه - أي: إن الشأن - من عمل وارتكب منكم أيها المؤمنون سوءًا؛ أي: عملًا تسوء عاقبته للضرر الذي حرمه الله لأجله حالة كونه ملتبسًا ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ دفعته إلى ذلك السوء، كغضب شديد حمله على السب والضرب، أو شهوة مغتلمة قادته إلى انتهاك العرض ﴿ثُمَّ تَابَ﴾ ورجع عن ذلك السوء ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾؛ أي: بعد أن عمله شاعرًا بقبحه نادمًا عليه خائفًا من عاقبته ﴿وَأَصْلَحَ﴾ عمله بأن أتبع ذلك العمل السيء بعمل يضاده ويذهب أثره من قلبه حتى يعود إلى النفس زكاؤها وطهارتها وتصير أهلًا للقرب من ربها ﴿فَأَنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَفُورٌ﴾ لمن تاب ﴿رَحِيمٌ﴾ بقبول توبته؛ أي: فشأنه تعالى في معاملته أنه واسع المغفرة والرحمة، فيغفر له ما تاب عنه، ويتغمده برحمته وإحسانه. وقد بيَّن سبحانه في هذه الآية من أنواع الرحمة المكتوبة لعباده ما هم أحوج إلى معرفته بنص الوحي، وهو حكم من يعمل السوء بجهالة من عباده المؤمنين، وبقية أنواعها يمكن أن يستدل عليها بالنظر في الأنفس والآفاق، وأمَر نبيه بتبليغها لمن يدخلون في الدين؛ ليهتدوا بها، حتى لا يغتروا بمغفرة الله ورحمته، فيحملهم الغرور على التفريط في جنب الله، والغفلة عن تزكية أنفسهم، وحتى يبادروا إلى تطهيرها من إفساد الذنوب خوف أن تحيط بها خطيئتها: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾.
وقرأ عاصم وابن عامر (١): ﴿أنه﴾ بفتح الهمزتين، فالأولى: بدل من الرحمة، والثانية: خبر مبتدأ محذوف تقديره: فأمره أنه؛ أي: إن الله غفور رحيم له. وقيل: إنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: عليه أنه من عمل.
وقرأ ابن كثير والأخوان - الكسائي وحمزة - وأبو عمرو بكسر الهمزة فيهما، الأولى: على جهة الضر للرحمة، والثانية: في موضع الخبر أو الجواب. وقرأ نافع بفتح الأولى على الوجهين السابقين، وكسر الثانية على وجهها أيضًا. وقرأت فرقة بكسر الأولى وفتح الثانية، حكاها الزهراوي عن الأعرج، وحكى سيبويه عنه
وقرأ عاصم وابن عامر (١): ﴿أنه﴾ بفتح الهمزتين، فالأولى: بدل من الرحمة، والثانية: خبر مبتدأ محذوف تقديره: فأمره أنه؛ أي: إن الله غفور رحيم له. وقيل: إنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: عليه أنه من عمل.
وقرأ ابن كثير والأخوان - الكسائي وحمزة - وأبو عمرو بكسر الهمزة فيهما، الأولى: على جهة الضر للرحمة، والثانية: في موضع الخبر أو الجواب. وقرأ نافع بفتح الأولى على الوجهين السابقين، وكسر الثانية على وجهها أيضًا. وقرأت فرقة بكسر الأولى وفتح الثانية، حكاها الزهراوي عن الأعرج، وحكى سيبويه عنه
(١) البحر المحيط.
352
مثل قراءة نافع، وقال الداني: قراءة الأعرج ضد قراءة نافع.
٥٥ - ثم بين سبحانه وتعالى أنه فصل الحقائق للمؤمنين؛ ليبتعدوا عن سلوك سبيل المجرمين، فقال: ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: وكما فصلنا لك يا محمد في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد وإبطال ما هم عليه من الشرك. ﴿نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: نميز ونبين لك أدلة حججنا وبراهيننا على تقرير كل حق ينكره أهل الباطل، وقوله: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ معطوف على محذوف تقديره؛ أي: وكذلك نفصل الآيات ليظهر الحق، فيعمل به، ولتستبين وتتضح سبيل المجرمين؛ أي: طريق المشركين فتجتنب، فطريق الهدى واضحة، وطريق الضلال واضحة؛ لما في الحديث "تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، ونهارها كليلها، لا يضل عنها إلا هالك".
وقرأ (١) ابن كثير وحفص والعربيان - أبو عمرو وابن عامر -: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالتاء ﴿سَبِيلُ﴾ بالرفع. وقرأ أبو بكر والأخوان - الكسائي وحمزة -: وليستبين بالياء سبيل بالرفع فاستبان في هاتين القراءتين لازم. وقرأ نافع ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بتاء الخطاب ﴿سَبِيلَ﴾ بالنصب، فاستبان هنا متعدية. فقيل: الخطاب لرسول الله - ﷺ -، وقيل له ظاهرًا، والمراد: أمته؛ لأنه - ﷺ - كان استبانها، والمعنى: ولتبين يا محمد، أو يا مخاطب للناس سبيل المجرمين.
فالحاصل (٢): أن القراءات ثلاث سبعية، فمتى قرئ الفعل بالفوقانية جاز في ﴿سَبِيلُ﴾ النصب والرفع، والتاء مختلفة المعنى؛ لأنها في حالة النصب حرف خطاب، وفي حالة الرفع للتأنيث، ومتى قرئ بالتحتانية.. تعين الرفع في سبيل؛ وذلك لأن السبيل يذكر ويؤنث، فتأنيث الفعل بناء على تأنيثه، وتذكيره بناء على تذكيره.
٥٦ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الداعين لك إلى الإشراك ﴿إِنِّي نُهِيتُ﴾ وزجرت وصرفت بما نصب لي ربي من الأدلة، وأنزل علي من الآيات في أمر
٥٥ - ثم بين سبحانه وتعالى أنه فصل الحقائق للمؤمنين؛ ليبتعدوا عن سلوك سبيل المجرمين، فقال: ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: وكما فصلنا لك يا محمد في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد وإبطال ما هم عليه من الشرك. ﴿نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: نميز ونبين لك أدلة حججنا وبراهيننا على تقرير كل حق ينكره أهل الباطل، وقوله: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ معطوف على محذوف تقديره؛ أي: وكذلك نفصل الآيات ليظهر الحق، فيعمل به، ولتستبين وتتضح سبيل المجرمين؛ أي: طريق المشركين فتجتنب، فطريق الهدى واضحة، وطريق الضلال واضحة؛ لما في الحديث "تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، ونهارها كليلها، لا يضل عنها إلا هالك".
وقرأ (١) ابن كثير وحفص والعربيان - أبو عمرو وابن عامر -: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالتاء ﴿سَبِيلُ﴾ بالرفع. وقرأ أبو بكر والأخوان - الكسائي وحمزة -: وليستبين بالياء سبيل بالرفع فاستبان في هاتين القراءتين لازم. وقرأ نافع ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بتاء الخطاب ﴿سَبِيلَ﴾ بالنصب، فاستبان هنا متعدية. فقيل: الخطاب لرسول الله - ﷺ -، وقيل له ظاهرًا، والمراد: أمته؛ لأنه - ﷺ - كان استبانها، والمعنى: ولتبين يا محمد، أو يا مخاطب للناس سبيل المجرمين.
فالحاصل (٢): أن القراءات ثلاث سبعية، فمتى قرئ الفعل بالفوقانية جاز في ﴿سَبِيلُ﴾ النصب والرفع، والتاء مختلفة المعنى؛ لأنها في حالة النصب حرف خطاب، وفي حالة الرفع للتأنيث، ومتى قرئ بالتحتانية.. تعين الرفع في سبيل؛ وذلك لأن السبيل يذكر ويؤنث، فتأنيث الفعل بناء على تأنيثه، وتذكيره بناء على تذكيره.
٥٦ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الداعين لك إلى الإشراك ﴿إِنِّي نُهِيتُ﴾ وزجرت وصرفت بما نصب لي ربي من الأدلة، وأنزل علي من الآيات في أمر
(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
353
التوحيد ﴿أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: عن عبادة الأصنام التي تعبدوها أنتم من دون الله، وتستغيثون بها عند الشدائد، التي لا علم لها ولا عقل؛ لأن الجمادات أخس من أن تعبد أو تدعى، وإنما كانوا يعبدونها على سبيل الهوى.
ثم أمره أن يبين لهم أن هذه العبادة مبنية على الرأي والهوى، وهي ضلال وغي فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ في عبادة الأصنام وطرد الفقراء؛ أي: ما (١) تميل إليه أنفسكم من عبادة غير الله، ولما كانت أصنامهم مختلفة.. كان لكل عابد صنم هوى يخصه، فلذلك جمع، وأهواؤكم عام، وغالب ما يستعمل في غير الخير، ويعم عبادة الأصنام وما أمروا به من طرد المؤمنين الضعفاء وغير ذلك مما ليس بحق، وهي أعم من الجملة السابقة، وأنص على مخالفتهم وفي قوله: ﴿أَهْوَاءَكُمْ﴾ تنبيه على السبب الذي حصل منه الضلال، وتنبيه لمن أراد اتباع الحق ومجانبة الباطل، كما قال ابن دريد:
ذكره أبو حيان؛ أي: لا أجري على طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى في عبادة الأحجار التي تنحتونها بأيديكم، ولا أوافقكم على ما تدعونني إليه لا في هذه العبادة، ولا في غيرها من الأعمال؛ لأنها مؤسسة على الهوى وليست على شيء من الحق والهدى. وكرر الأمر بالقول مع قرب العهد اعتناءً بالمأمور به، أو إيذانًا باختلاف القولين من حيث إن الأولى حكاية لما هو من جهته تعالى، وهي النهي، والثاني: حكاية لما هو من جهته عليه السلام، وهو الانتهاء عما ذكر من عبادة ما يعبدونه ذكره "أبو السعود".
﴿قَدْ ضَلَلْتُ﴾ عن الهدى ﴿إِذًا﴾؛ أي: إن اتبعت أهواءكم ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾؛ أي: وما أنا في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم؛ أي: فإن فعلت ذلك.. فقد تركت محجة الحق، وسرت على غير هدى، فصرت ضالًا
ثم أمره أن يبين لهم أن هذه العبادة مبنية على الرأي والهوى، وهي ضلال وغي فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ في عبادة الأصنام وطرد الفقراء؛ أي: ما (١) تميل إليه أنفسكم من عبادة غير الله، ولما كانت أصنامهم مختلفة.. كان لكل عابد صنم هوى يخصه، فلذلك جمع، وأهواؤكم عام، وغالب ما يستعمل في غير الخير، ويعم عبادة الأصنام وما أمروا به من طرد المؤمنين الضعفاء وغير ذلك مما ليس بحق، وهي أعم من الجملة السابقة، وأنص على مخالفتهم وفي قوله: ﴿أَهْوَاءَكُمْ﴾ تنبيه على السبب الذي حصل منه الضلال، وتنبيه لمن أراد اتباع الحق ومجانبة الباطل، كما قال ابن دريد:
وَآفَةُ الْعَقْلِ الهَوَى فَمَنْ عَلاَ | عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَد نَجَا |
﴿قَدْ ضَلَلْتُ﴾ عن الهدى ﴿إِذًا﴾؛ أي: إن اتبعت أهواءكم ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾؛ أي: وما أنا في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم؛ أي: فإن فعلت ذلك.. فقد تركت محجة الحق، وسرت على غير هدى، فصرت ضالًا
(١) البحر المحيط.
354
مثلكم، وخرجت عن عداد المهتدين، وفي هذا تعريض بأنهم ليسوا من الهداية في شيء.
وقرأ (١) السلمي وابن وثاب وطلحة: ﴿ضلِلت﴾ بكسر فتحة اللام، وهي لغة، وفي "التحرير": قرأ يحيى وابن أبي ليلى هنا، وفي السجدة في ﴿أئذا صللنا﴾ بالصاد غير معجمة، ويقال: صل اللحم أنتن، ويروى: ضللنا؛ أي: دفنا في الضلة، وهي الأرض الصلبة رواه أبو العباس عن مجاهد بن الفرات في كتاب "الشواذ" له، ذكره أبو حيان في "البحر".
٥٧ - ثم أمره أن يقول لهم: إني على هدى من ربي فيما أتبعه، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿إِنِّي﴾ فيما أخالفكم فيه من التوحيد ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾؛ أي: على بيان قد بينه لي ربي، وبرهان قد وضح لي من ربي بالوحي والعقل؛ إذ القرآن بينة مشتملة على ضروب كثيرة من البينات العقلية والكونية التي يعجز الرسول عن الإتيان بمثلها ﴿و﴾ قد ﴿كذبتم به﴾؛ أي؛ والحال أنكم قد كذبتم به؛ أي: بالقرآن الذي هو بينتي من ربي، ومن عجيب أمركم أنكم تكذبون ببينة البينات، ثم تطمعون أن أتبعكم على ضلال من أمركم لا بينة لكم عليه إلا محض التقليد، والتقليد: براءة من الاستدلال، ورضىً بجهل الآباء والأجداد. وفي هذا حجة دامغة وبينة ناصعة على ما قبله من نفي عبادته - ﷺ - للذين يدعونهم من دون الله تعالى.
وفي "الفتوحات": والضمير (٢) في ﴿بِهِ﴾ يجوز أن يعود على ﴿رَبِّي﴾؛ أي: وكذبتم بربي حيث أشركتم به، وهو الظاهر. وقيل: على القرآن؛ لأنه كالمذكور. وقيل: على ﴿بَيِّنَةٍ﴾؛ لأنها بمعنى البيان. وقيل: لأن التاء فيها للمبالغة لا للتأنيث، فمعناها على أمر بين من ربي، والمعنى: وكذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي - وهو القرآن - والمعجزات الباهرات، والبراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد وفساد الشرك. وبعد أن بين تكذيبهم به.. أردفه برد شبهة تخطر حينئذ بالبال، وهي: أن الله سبحانه وتعالى أنذرهم
وقرأ (١) السلمي وابن وثاب وطلحة: ﴿ضلِلت﴾ بكسر فتحة اللام، وهي لغة، وفي "التحرير": قرأ يحيى وابن أبي ليلى هنا، وفي السجدة في ﴿أئذا صللنا﴾ بالصاد غير معجمة، ويقال: صل اللحم أنتن، ويروى: ضللنا؛ أي: دفنا في الضلة، وهي الأرض الصلبة رواه أبو العباس عن مجاهد بن الفرات في كتاب "الشواذ" له، ذكره أبو حيان في "البحر".
٥٧ - ثم أمره أن يقول لهم: إني على هدى من ربي فيما أتبعه، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿إِنِّي﴾ فيما أخالفكم فيه من التوحيد ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾؛ أي: على بيان قد بينه لي ربي، وبرهان قد وضح لي من ربي بالوحي والعقل؛ إذ القرآن بينة مشتملة على ضروب كثيرة من البينات العقلية والكونية التي يعجز الرسول عن الإتيان بمثلها ﴿و﴾ قد ﴿كذبتم به﴾؛ أي؛ والحال أنكم قد كذبتم به؛ أي: بالقرآن الذي هو بينتي من ربي، ومن عجيب أمركم أنكم تكذبون ببينة البينات، ثم تطمعون أن أتبعكم على ضلال من أمركم لا بينة لكم عليه إلا محض التقليد، والتقليد: براءة من الاستدلال، ورضىً بجهل الآباء والأجداد. وفي هذا حجة دامغة وبينة ناصعة على ما قبله من نفي عبادته - ﷺ - للذين يدعونهم من دون الله تعالى.
وفي "الفتوحات": والضمير (٢) في ﴿بِهِ﴾ يجوز أن يعود على ﴿رَبِّي﴾؛ أي: وكذبتم بربي حيث أشركتم به، وهو الظاهر. وقيل: على القرآن؛ لأنه كالمذكور. وقيل: على ﴿بَيِّنَةٍ﴾؛ لأنها بمعنى البيان. وقيل: لأن التاء فيها للمبالغة لا للتأنيث، فمعناها على أمر بين من ربي، والمعنى: وكذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي - وهو القرآن - والمعجزات الباهرات، والبراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد وفساد الشرك. وبعد أن بين تكذيبهم به.. أردفه برد شبهة تخطر حينئذ بالبال، وهي: أن الله سبحانه وتعالى أنذرهم
(١) البحر المحيط.
(٢) الجمل.
(٢) الجمل.
عذابًا يحل بهم إذا أصروا على عنادهم وكفرهم، ووعد بأن ينصر رسوله عليهم، وقد استعجلوا النبي - ﷺ - ذلك؛ فكان عدم وقوعه شبهة لهم على عدم صدق القرآن؛ إذ هم يجهلون سنة الله في شؤون الإنسان، فأمر الله نبيه أن يقول لهم:
٥٨ - ﴿مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾؛ أي: ليس الأمر الذي تستعجلون بوقوعه من نقم الله وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادر، ولم أقل لكم: إن الله فوض أمره إلي حتى تطالبوني به، وتعدون عدم إيقاعه عليهم حجة على تكذيبه. وقيل (١): سبب نزول هذه الآية: أن النبي - ﷺ - كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك، وكان النضر بن الحارث وأصحابه يستعجلونه بقولهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ بطريق الاستهزاء، أو بطريق الإلزام على زعمهم، فقال تعالى: قل لهم يا محمد: ليس ما تستعجلون به من العذاب الموعود في القرآن، وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيبه في حكمي وقدرتي حتى أجيء به وأظهر لكم صدقه.
ثم أكد ما سبق بقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾؛ أي: ما الحكم والتصرف في هذا الذي تستعجلونه من العذاب، وفي غيره من شؤون الخلق إلا لله وحده سبحانه وتعالى، وله في ذلك سنن حكيمة تجري عليها أفعاله وأحكامه، فلا يتقدم شيء منها على ميقاته ولا يتأخر عنه: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾. ثم بين سبحانه وتعالى أن كل ما قصه على رسوله أو قضاه فهو حق لا شبهة فيه، فقال: ﴿يَقُصُّ﴾ بالصاد المهملة المشددة؛ أي: يقص الله سبحانه وتعالى على رسوله - ﷺ -، ويخبر له القصص ﴿الْحَقَّ﴾ والخبر الصادق في وعده ووعيده وجميع أخباره.
وقرىء بسكون القاف وكسر الضاد المعجمة - كما سيأتي - بغير ياء؛ لسقوطها في اللفظ؛ أي: يقضي الله سبحانه ويحكم بين عباده القضاء الحق، أو يصنع الحق؛ لأن كل شيء صنعه الله تعالى فهو حق. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾؛ أي: أفضل الفاصلين الذين يفصلون بين الحق والباطل، أو هو أعدل الحاكمين في كل أمر، فهو لا يقع في حكمه وقضائه حيف وميل إلى أحد المتخاصمين، وهو النافذ حكمه في كل شيء، والمحيط علمه بكل شيء، وفي
٥٨ - ﴿مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾؛ أي: ليس الأمر الذي تستعجلون بوقوعه من نقم الله وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادر، ولم أقل لكم: إن الله فوض أمره إلي حتى تطالبوني به، وتعدون عدم إيقاعه عليهم حجة على تكذيبه. وقيل (١): سبب نزول هذه الآية: أن النبي - ﷺ - كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك، وكان النضر بن الحارث وأصحابه يستعجلونه بقولهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ بطريق الاستهزاء، أو بطريق الإلزام على زعمهم، فقال تعالى: قل لهم يا محمد: ليس ما تستعجلون به من العذاب الموعود في القرآن، وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيبه في حكمي وقدرتي حتى أجيء به وأظهر لكم صدقه.
ثم أكد ما سبق بقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾؛ أي: ما الحكم والتصرف في هذا الذي تستعجلونه من العذاب، وفي غيره من شؤون الخلق إلا لله وحده سبحانه وتعالى، وله في ذلك سنن حكيمة تجري عليها أفعاله وأحكامه، فلا يتقدم شيء منها على ميقاته ولا يتأخر عنه: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾. ثم بين سبحانه وتعالى أن كل ما قصه على رسوله أو قضاه فهو حق لا شبهة فيه، فقال: ﴿يَقُصُّ﴾ بالصاد المهملة المشددة؛ أي: يقص الله سبحانه وتعالى على رسوله - ﷺ -، ويخبر له القصص ﴿الْحَقَّ﴾ والخبر الصادق في وعده ووعيده وجميع أخباره.
وقرىء بسكون القاف وكسر الضاد المعجمة - كما سيأتي - بغير ياء؛ لسقوطها في اللفظ؛ أي: يقضي الله سبحانه ويحكم بين عباده القضاء الحق، أو يصنع الحق؛ لأن كل شيء صنعه الله تعالى فهو حق. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾؛ أي: أفضل الفاصلين الذين يفصلون بين الحق والباطل، أو هو أعدل الحاكمين في كل أمر، فهو لا يقع في حكمه وقضائه حيف وميل إلى أحد المتخاصمين، وهو النافذ حكمه في كل شيء، والمحيط علمه بكل شيء، وفي
(١) المراح.
356
مصحف عبد الله: ﴿وهو أسرع الفاصلين﴾.
وقرأ (١) ابن عباس وابن كثير ونافع وعاصم: ﴿يقص الحق﴾ بالصاد المشددة من القصص، والمعنى: إن كل ما أخبر به فهو حق. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿يقض الحق﴾ من القضاء، والمعنى: يقضي القضاء الحق. ولم (٢) يُرسم ﴿يقض﴾ إلا بضاد؛ كأن الياء حذفت خطًّا كما حذفت لفظًا لالتقاء الساكنين، كما حذفت في قوله: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾، وكما حذفت الواو من قوله: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ لما تقدم.
﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الذين يستعجلون العذاب بقولهم: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: ﴿لَّوْ أَنَّ عِندِى﴾ وبيدي وقدرتي ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾؛ أي: أمر ما تطلبون عجلته ووقوعه حالًا من نزول العذاب الموعود بكم؛ بأن يكون أمره مفوضًا إليَّ من الله تعالى: ﴿لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾؛ أي: لانفصل وانقطع النزاع بيني وبينكم، ولأتاكم ما تستعجلون به من العذاب، فأهلكتكم عاجلًا غضبًا لربي، واقتصاصًا من تكذيبكم، ولتخلصت منكم سريعًا لصدكم عن تبليغ دعوة ربي وصدكم الناس عني، وقد وعدني ربي بنصر المؤمنين المصلحين، وخذلان الكافرين المفسدين، ولم أمهلكم ساعة، ولكن الله حليم ذو أناةٍ، لا يعجل بالعقوبة.
فائدة: والفرق بين الاستعجال والإسراع: أن الاستعجال: المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كان العجلة مذمومة. والإسراع، تقديم الشيء، في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة.
والخلاصة: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب: لو أن عندي ما تستعجلون به.. لم أمهلكم ساعة، ولكن الله حليم لا يعجل بالعقوبة. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ الذين لا رجاء في رجوعهم
وقرأ (١) ابن عباس وابن كثير ونافع وعاصم: ﴿يقص الحق﴾ بالصاد المشددة من القصص، والمعنى: إن كل ما أخبر به فهو حق. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿يقض الحق﴾ من القضاء، والمعنى: يقضي القضاء الحق. ولم (٢) يُرسم ﴿يقض﴾ إلا بضاد؛ كأن الياء حذفت خطًّا كما حذفت لفظًا لالتقاء الساكنين، كما حذفت في قوله: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾، وكما حذفت الواو من قوله: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ لما تقدم.
﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الذين يستعجلون العذاب بقولهم: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: ﴿لَّوْ أَنَّ عِندِى﴾ وبيدي وقدرتي ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾؛ أي: أمر ما تطلبون عجلته ووقوعه حالًا من نزول العذاب الموعود بكم؛ بأن يكون أمره مفوضًا إليَّ من الله تعالى: ﴿لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾؛ أي: لانفصل وانقطع النزاع بيني وبينكم، ولأتاكم ما تستعجلون به من العذاب، فأهلكتكم عاجلًا غضبًا لربي، واقتصاصًا من تكذيبكم، ولتخلصت منكم سريعًا لصدكم عن تبليغ دعوة ربي وصدكم الناس عني، وقد وعدني ربي بنصر المؤمنين المصلحين، وخذلان الكافرين المفسدين، ولم أمهلكم ساعة، ولكن الله حليم ذو أناةٍ، لا يعجل بالعقوبة.
فائدة: والفرق بين الاستعجال والإسراع: أن الاستعجال: المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كان العجلة مذمومة. والإسراع، تقديم الشيء، في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة.
والخلاصة: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب: لو أن عندي ما تستعجلون به.. لم أمهلكم ساعة، ولكن الله حليم لا يعجل بالعقوبة. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ الذين لا رجاء في رجوعهم
(١) زاد المسير والبحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
357
عن الظلم إلى الإيمان والحق والعدل، ومن ثمَّ لم يجعل أمر عقابهم إليَّ، بل جعله عنده، ووقت له ميقاتًا هو أعلم به ترونه بعيدًا ويراه قريبًا: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)﴾. وقيل: أعلم بما يستحقون به من العذاب، والوقت الذي يستحقونه فيه، وبما تقتضيه مشيئته من تأخيره استدراجًا لهم وإعذارًا إليهم.
الإعراب
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أقول﴾، وجملة ﴿لَا أَقُولُ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾: مقول محكي لـ ﴿أَقُولُ﴾، وإن شئت قلت: ﴿عِنْدِي﴾: ظرف ومضاف إليه، خبر مقدم. ﴿خَزَائِنُ اللَّهِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿أقول﴾. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿أَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿الْغَيْبَ﴾: مفعول به؛ لأن علم هنا بمعنى: عرف يتعدى إلى مفعول واحد، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على الجملة الإسمية على كونها مقولًا لـ ﴿أَقُولُ﴾.
﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَقُولُ﴾: فعل مضارع. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق به، وفاعله ضمير يعود على محمد، وجملة ﴿لَا أَقُولُ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قل﴾. ﴿إِنِّي مَلَكٌ﴾: ناصب واسمه وخبره، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿أَقُولُ﴾ ﴿إن﴾: نافية. ﴿أَتَّبِعُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء
الإعراب
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أقول﴾، وجملة ﴿لَا أَقُولُ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾: مقول محكي لـ ﴿أَقُولُ﴾، وإن شئت قلت: ﴿عِنْدِي﴾: ظرف ومضاف إليه، خبر مقدم. ﴿خَزَائِنُ اللَّهِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿أقول﴾. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿أَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿الْغَيْبَ﴾: مفعول به؛ لأن علم هنا بمعنى: عرف يتعدى إلى مفعول واحد، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على الجملة الإسمية على كونها مقولًا لـ ﴿أَقُولُ﴾.
﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَقُولُ﴾: فعل مضارع. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق به، وفاعله ضمير يعود على محمد، وجملة ﴿لَا أَقُولُ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قل﴾. ﴿إِنِّي مَلَكٌ﴾: ناصب واسمه وخبره، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿أَقُولُ﴾ ﴿إن﴾: نافية. ﴿أَتَّبِعُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء
358
مفرغ. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿أَتَّبِعُ﴾. ﴿يُوحَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾. ﴿إِلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُوحَى﴾، وجملة ﴿يُوحَى﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿هَلْ﴾: للاستفهام الإنكاري. ﴿يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾: فعل وفاعل. ﴿وَالْبَصِيرُ﴾: معطوف عليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾: الهمزة: للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف تقديره: ألا تسمعون. الفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَتَفَكَّرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ذلك المحذوف، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾.
﴿وَأَنْذِرْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿أنذر﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنذر﴾. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب مفعول به ﴿يَخَافُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿أَنْ يُحْشَرُوا﴾: ناصب وفعل وفاعل. ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، والجملة الفعلية صلة ﴿أن﴾ المصدرية، ﴿أن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: يخافون حشرهم إلى ربهم.
﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.
﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿لَيْسَ﴾. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر. ﴿وَلِيٌّ﴾: اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر. ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾: معطوف عليه، ﴿ولا﴾: زائدة لتأكيد نفي ما قبلها، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب حال من ضمير ﴿يُحْشَرُوا﴾ تقديره: يخافون حشرهم حال كونهم عادمين وليًّا يواليهم، وشفيعًا
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿هَلْ﴾: للاستفهام الإنكاري. ﴿يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾: فعل وفاعل. ﴿وَالْبَصِيرُ﴾: معطوف عليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾: الهمزة: للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف تقديره: ألا تسمعون. الفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَتَفَكَّرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ذلك المحذوف، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾.
﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾.
﴿وَأَنْذِرْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿أنذر﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنذر﴾. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب مفعول به ﴿يَخَافُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿أَنْ يُحْشَرُوا﴾: ناصب وفعل وفاعل. ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، والجملة الفعلية صلة ﴿أن﴾ المصدرية، ﴿أن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: يخافون حشرهم إلى ربهم.
﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.
﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿لَيْسَ﴾. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر. ﴿وَلِيٌّ﴾: اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر. ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾: معطوف عليه، ﴿ولا﴾: زائدة لتأكيد نفي ما قبلها، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب حال من ضمير ﴿يُحْشَرُوا﴾ تقديره: يخافون حشرهم حال كونهم عادمين وليًّا يواليهم، وشفيعًا
359
يشفع لهم من دون الله تعالى. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: لعل: حرف ترجٍ ونصب بمعنى كي التعليلية، والهاء: اسمها، وجملة ﴿يَتَّقُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة المتعلقة بـ ﴿أنذر﴾؛ أي: وأنذرهم به لكي يتقوا الشرك والمعاصي.
﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿لا﴾: ناهية جازمة ﴿تَطْرُدِ الَّذِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول به ومضاف إليه. ﴿بِالْغَدَاةِ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿وَالْعَشِيِّ﴾: معطوف على ﴿الغداة﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾ تقديره: يدعونه تعالى مخلصين له فيه.
﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
﴿مَا﴾: نافية. ﴿عَلَيْكَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه في محل النصب حال من ﴿شَيْءٍ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فانتصب حالًا منها، فصاحب الحال من ﴿شَيْءٍ﴾، والعامل فيها الاستقرار في عليك. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿شَيْءٍ﴾: مبتدأ مؤخر، والمعنى: ما شيء من حسابهم كائن عليك، والجملة من المبتدأ والخبر معترضة لا محل لها من الإعراب لاعتراضها بين النهي في قوله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ وبين جوابه الآتي في قوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿مِنْ حِسَابِكَ﴾: جار ومجرور بيان مقدم لشيء، فهو صفة له لا حال منه؛ لما يلزم عليه من تقدم الحال على عاملها وصاحبها، وهو ممتنع على الأصح، أو حال منه على القول الضعيف نظير ما تقدم. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها
﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿لا﴾: ناهية جازمة ﴿تَطْرُدِ الَّذِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول به ومضاف إليه. ﴿بِالْغَدَاةِ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿وَالْعَشِيِّ﴾: معطوف على ﴿الغداة﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾ تقديره: يدعونه تعالى مخلصين له فيه.
﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
﴿مَا﴾: نافية. ﴿عَلَيْكَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه في محل النصب حال من ﴿شَيْءٍ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فانتصب حالًا منها، فصاحب الحال من ﴿شَيْءٍ﴾، والعامل فيها الاستقرار في عليك. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿شَيْءٍ﴾: مبتدأ مؤخر، والمعنى: ما شيء من حسابهم كائن عليك، والجملة من المبتدأ والخبر معترضة لا محل لها من الإعراب لاعتراضها بين النهي في قوله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ وبين جوابه الآتي في قوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿مِنْ حِسَابِكَ﴾: جار ومجرور بيان مقدم لشيء، فهو صفة له لا حال منه؛ لما يلزم عليه من تقدم الحال على عاملها وصاحبها، وهو ممتنع على الأصح، أو حال منه على القول الضعيف نظير ما تقدم. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها
360
معترضة، لا محل لها من الإعراب. ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾: الفاء: عاطفة سببية. ﴿تطردهم﴾: فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة من الفعل والفاعل صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لم يكن شيء من حسابهم عليك، ولا شيء من حسابك عليهم فطردك إياهم. ﴿فَتَكُونَ﴾: الفاء: عاطفة سببية. ﴿تكون﴾: فعل مضارع ناقص منصوب بأن المضمرة وجوبًا الواقعة في جواب النهي، واسمها ضمير يعود على محمد. ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿تكون﴾، وجملة ﴿تكون﴾ من اسمها وخبرها صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك؛ لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن طردك الذين يدعون ربهم، فكونك من الظالمين.
﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كذلك﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿فَتَنَّا﴾: فعل وفاعل. ﴿بَعْضَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿بِبَعْضٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَتَنَّا﴾، والتقدير: وفتنا بعضهم ببعض فتونًا مثل ذلك الفتون المذكور، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿لِيَقُولُوا﴾: اللام: لام كي وجر. ﴿يَقُولُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾: مقول محكي لـ ﴿يقولوا﴾، وجملة القول من الفعل والفاعل صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لقولهم أهؤلاء إلخ، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿فَتَنَّا﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾: الهمزة: للاستفهام الإنكاري. ﴿هؤلاء﴾ في محل النصب مفعول لفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده تقديره: أفضل الله هؤلاء من بيننا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول لـ ﴿يقولوا﴾. ﴿مَنَّ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به.
﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كذلك﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿فَتَنَّا﴾: فعل وفاعل. ﴿بَعْضَهُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿بِبَعْضٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَتَنَّا﴾، والتقدير: وفتنا بعضهم ببعض فتونًا مثل ذلك الفتون المذكور، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿لِيَقُولُوا﴾: اللام: لام كي وجر. ﴿يَقُولُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾: مقول محكي لـ ﴿يقولوا﴾، وجملة القول من الفعل والفاعل صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لقولهم أهؤلاء إلخ، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿فَتَنَّا﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾: الهمزة: للاستفهام الإنكاري. ﴿هؤلاء﴾ في محل النصب مفعول لفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده تقديره: أفضل الله هؤلاء من بيننا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول لـ ﴿يقولوا﴾. ﴿مَنَّ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به.
361
﴿مِنْ بَيْنِنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مِنْ﴾، ويجوز أن يكون حالًا من ضمير ﴿عَلَيْهِمْ﴾، وجملة ﴿من﴾ من الفعل والفاعل جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب، ويجوز أن يكون ﴿هؤلاء﴾ مبتدأ، وجملة ﴿مَنَّ اللَّهُ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿يقولوا﴾: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ﴾: الهمزة: للاستفهام التقريري. ﴿لَيْسَ اللَّهُ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِأَعْلَمَ﴾: خبر ﴿لَيسَ﴾، والباء: زائدة في خبرها. ﴿بِالشَّاكِرِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أعلم﴾، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءَكَ الَّذِينَ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿يُؤْمِنُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُؤْمِنُونَ﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿فَقُلْ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إذا﴾ وجوبًا لكون الجواب جملة طلبية. ﴿قل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إذا﴾ مستأنفة. ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ...﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿سَلَامٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة كونه دعاء. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول القول لـ ﴿قل﴾. ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَتَبَ﴾. ﴿الرَّحْمَةَ﴾: مفعول به لـ ﴿كَتبَ﴾.
﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿أَنَّهُ﴾: حرف نصب، والهاء: ضمير الشأن اسمها ﴿مَنْ﴾: اسم شرط أو موصولة في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما.
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءَكَ الَّذِينَ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿يُؤْمِنُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُؤْمِنُونَ﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿فَقُلْ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إذا﴾ وجوبًا لكون الجواب جملة طلبية. ﴿قل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إذا﴾ مستأنفة. ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ...﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿سَلَامٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة كونه دعاء. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول القول لـ ﴿قل﴾. ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَتَبَ﴾. ﴿الرَّحْمَةَ﴾: مفعول به لـ ﴿كَتبَ﴾.
﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿أَنَّهُ﴾: حرف نصب، والهاء: ضمير الشأن اسمها ﴿مَنْ﴾: اسم شرط أو موصولة في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما.
362
﴿عَمِلَ﴾: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ ﴿من﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَن﴾. ﴿مِنْكُمْ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿عَمِلَ﴾. ﴿سُوءًا﴾: مفعول به. ﴿بِجَهَالَةٍ﴾: جار ومجرور حال ثانية من فاعل ﴿عَمِلَ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿تَابَ﴾: فعل ماض في محل الجزم معطوف على عمل، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تاب﴾. ﴿وَأَصْلَحَ﴾ في محل الجزم معطوف على ﴿تَابَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿فَأَنَّهُ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿أن﴾: حرف نصب، والهاء: اسمها ﴿غَفُورٌ﴾: خبر أول لها ﴿رَحِيمٌ﴾: خبر ثانٍ لها، وجملة ﴿أن﴾ المصدرية من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: فالغفران والرحمة حاصلان له، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ المفتوحة، وجملة ﴿أن﴾ المفتوحة في محل النصب بدل من ﴿الرَّحْمَةَ﴾ بدل الشيء من الشيء، والتقدير: كتب ربكم على نفسه الرحمة كتب حصول الغفران والرحمة لمن عمل سوءًا بجهالة إلخ. هذا على قراءة الفتح في الهمزتين، وأما على قراءة الكسر في الهمزتين فكسر الأولى على الاستئناف على أن الكلام تم قبلها، وكسر الثانية أيضًا على الاستئناف بمعنى أنها في صدر جملة وقعت خبرًا لـ ﴿من﴾ الموصولة، أو جوابًا لها إن كانت شرطًا. قال أبو علي (١): من كسر ألف ﴿أَنَّهُ﴾ جعله تفسيرًا للرحمة، ومن كسر ألف ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ﴾، فلأن ما بعد الفاء حكمه للابتداء، ومن فتح ألف ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ﴾ جعل أنَّ بدلًا من الرحمة، والمعنى: كتب ربكم أنه من عمل، ومن فتحها بعد الفاء.. أضمر خبرًا تقديره: فله أنه غفور رحيم، والمعنى: فله غفرانه انتهى. وهنا أوجه كثيرة من الإعراب لا نطيل الكلام بذكرها، ومن أرادها.. فليراجع كتب القوم.
﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)﴾.
(١) زاد المسير.
363
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كذلك﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والتقدير: ونفصل الآيات تفصيلًا مثل التفصيل السابق من أول السورة إلى هنا، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف تقديره: ونفصل الآيات كذلك ليظهر الحق. ﴿تستبين﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإظهار الحق، ولإبانة سبيل المجرمين، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿نفصل﴾.
﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي نُهِيتُ﴾ إلى ﴿قُل﴾ الآتي مقول محكي لـ ﴿قل﴾ منصوب به، وإن شئت قلت: ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه. ﴿نُهِيتُ﴾: فعل مغير، ونائب فاعله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ﴾: ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، وجملة ﴿أن﴾ المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: قل لهم: إني نهيت عن عبادة الأصنام الذين تدعونهم من دون الله تعالى: ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: تدعونهم. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل ﴿تَدْعُونَ﴾ تقديره: حال كونكم مجاوزين الله تعالى، أو من الضمير المحذوف من ﴿تَدْعُونَ﴾.
﴿قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ نافٍ وفعل ومفعول ومضاف إليه، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿قَدْ ضَلَلْتُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة على كونها مقول القول. ﴿إِذًا﴾: حرف جواب وجزاء، ملغاة لا عمل لها؛ لعدم
﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي نُهِيتُ﴾ إلى ﴿قُل﴾ الآتي مقول محكي لـ ﴿قل﴾ منصوب به، وإن شئت قلت: ﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه. ﴿نُهِيتُ﴾: فعل مغير، ونائب فاعله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ﴾: ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، وجملة ﴿أن﴾ المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: قل لهم: إني نهيت عن عبادة الأصنام الذين تدعونهم من دون الله تعالى: ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: تدعونهم. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل ﴿تَدْعُونَ﴾ تقديره: حال كونكم مجاوزين الله تعالى، أو من الضمير المحذوف من ﴿تَدْعُونَ﴾.
﴿قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ نافٍ وفعل ومفعول ومضاف إليه، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿قَدْ ضَلَلْتُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة على كونها مقول القول. ﴿إِذًا﴾: حرف جواب وجزاء، ملغاة لا عمل لها؛ لعدم
364
الفعل بعدها. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: نافية. ﴿أَنَا﴾: مبتدأ. ﴿مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على جملة: ﴿ضَلَلْتُ﴾ على كونها مقول القول.
﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إن﴾: حرف نصب، والياء ضمير المتكلم في محل النصب اسمها. ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿مِنْ رَبِّي﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿بَيِّنَةٍ﴾. ﴿وَكَذَّبْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة مستأنفة على كونها مقول القول، أو في محل النصب حال من ﴿بَيِّنَةٍ﴾، ولكن بتقدير: قد. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿عِنْدِي﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿تَسْتَعْجِلُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾.
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾.
﴿إِنِ﴾: نافية. ﴿الْحُكْمُ﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول القول، وفي قراءة ﴿يقض﴾ بالضاد المعجمة تقول في إعرابه ﴿يقض﴾: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لفظًا للتخلص من التقاء الساكنين المحذوفة خطًّا تبعًا للخط لما في اللفظ، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه فعل معتل بالياء. ﴿وَهُوَ﴾: مبتدأ. ﴿خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية معطوفة على الجملة الفعلية قبلها على كونها مقولًا لـ ﴿قل﴾.
{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إن﴾: حرف نصب، والياء ضمير المتكلم في محل النصب اسمها. ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿مِنْ رَبِّي﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿بَيِّنَةٍ﴾. ﴿وَكَذَّبْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة مستأنفة على كونها مقول القول، أو في محل النصب حال من ﴿بَيِّنَةٍ﴾، ولكن بتقدير: قد. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿عِنْدِي﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿تَسْتَعْجِلُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾.
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾.
﴿إِنِ﴾: نافية. ﴿الْحُكْمُ﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول القول، وفي قراءة ﴿يقض﴾ بالضاد المعجمة تقول في إعرابه ﴿يقض﴾: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لفظًا للتخلص من التقاء الساكنين المحذوفة خطًّا تبعًا للخط لما في اللفظ، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه فعل معتل بالياء. ﴿وَهُوَ﴾: مبتدأ. ﴿خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية معطوفة على الجملة الفعلية قبلها على كونها مقولًا لـ ﴿قل﴾.
{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
365
بِالظَّالِمِينَ}.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدِي﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب. ﴿عِنْدِى﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم لـ ﴿أن﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر، وجملة ﴿تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف تقديره: لو ثبت كون ما تستعجلون به عندي، والجملة من الفعل المقدر وفاعله فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَقُضِيَ﴾: اللام: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾. ﴿قضى الأمر﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿بَيْنِي﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قضي﴾. ﴿وَبَيْنَكُمْ﴾: معطوف على ﴿بَيْنِي﴾، والجملة من الفعل المغير ونائب فاعله جواب ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿بِالظَّالِمِينَ﴾: متعلق بـ ﴿أَعلَمُ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ والخزائن جمع: خزانة أو خزينة، والخزانة ما يحفظ فيها الشيء الذي يراد حفظه، ومنع التصرف فيه مخافة أن ينال، ومنه (١) حديث: "فإنما يتخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته"، وهي بفتح الخاء. قال الشاعر:
وفي "المختار": يقال: خزن المال إذا جعله في الخزانة واختزنه أيضًا، وخزن السر: إذا كتمه واختزنه أيضًا، وبابهما نصر، والمخزن أيضًا ما يخزن فيه
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدِي﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب. ﴿عِنْدِى﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم لـ ﴿أن﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب اسم ﴿أَنَّ﴾ مؤخر، وجملة ﴿تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف تقديره: لو ثبت كون ما تستعجلون به عندي، والجملة من الفعل المقدر وفاعله فعل شرط لـ ﴿لو﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَقُضِيَ﴾: اللام: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾. ﴿قضى الأمر﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿بَيْنِي﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قضي﴾. ﴿وَبَيْنَكُمْ﴾: معطوف على ﴿بَيْنِي﴾، والجملة من الفعل المغير ونائب فاعله جواب ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿بِالظَّالِمِينَ﴾: متعلق بـ ﴿أَعلَمُ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ والخزائن جمع: خزانة أو خزينة، والخزانة ما يحفظ فيها الشيء الذي يراد حفظه، ومنع التصرف فيه مخافة أن ينال، ومنه (١) حديث: "فإنما يتخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته"، وهي بفتح الخاء. قال الشاعر:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَخْزِنْ عَلَيْهِ لِسَانَهُ | فَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ سوَاهُ بِخَزَّانِ |
(١) البحر المحيط.
366
الشيء انتهى.
﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ والغيب: ما غيب علمه عن الناس بعدم تمكينهم من أسباب علمه كما مرَّ.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ والأعمى والبصير هنا الضال والمهتدي: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ﴾: والإنذار: العظة والتخويف. ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ الطرد (١): الإبعاد بإهانة، وبابه: نصر، والطريد المطرود، وبنو مطرود وبنو طرَّاد فخذان من إياد. ﴿بِالْغَدَاةِ﴾ الغداة والغدوة، كالبكرة: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، أصلها: غدوة، فقلبت الواو ألفًا لتحركها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها بحسب الآن، وهي نكرة، ويقرأ: ﴿بالغدوة﴾ بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها، وأكثر ما تستعمل معرفة علمًا، وقد عرفها هنا بالألف واللام.
﴿وَالْعَشِيِّ﴾ آخر النهار، أو من (٢) المغرب إلى العشاء، فقيل: هو مفرد، وقيل: هو جمع عشية. ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا﴾ يقال: فتن الذهب يفتن - من باب ضرب - فتنة ومفتونًا: إذا أدخله النار لينظر ما جودته، والفتنة: الاختبار والامتحان، والمعنى هنا: ابتلينا واختبرنا ﴿مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ ﴿مَنَّ﴾ - مِن باب شد - أي: أنعم الله عليهم بنعم كثيرة.
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ السلام والسلامة: البراءة والعافية من الآفات والعيوب، والسلام من أسمائه تعالى، يدل على تنزيهه عن كل ما لا يليق به من عجز ونقص وفناء، واستعمل السلام في التحية بمعنى السلامة من كل ما يسوء، وبمعنى: تأمين المسلم عليه من كل أذى يناله من المسلم، فهو دليل المودة والصفاء، وهو تحية أهل الجنة يحييهم بها ربهم جلَّ وعلا وملائكته الكرام، ويحيي بها بعضهم بعضًا. ﴿كَتَبَ﴾؛ أي: أوجب وفرض وألزم. ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ والجهالة: السفه والخفة التي تقابل الحكمة والروية. ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾؛ أي: تتضح وتظهر يقال: استبنت الشيء وتبينته؛ أي: عرفته بينًا واضحًا. ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ﴾ النهي: الزجر
﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ والغيب: ما غيب علمه عن الناس بعدم تمكينهم من أسباب علمه كما مرَّ.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ والأعمى والبصير هنا الضال والمهتدي: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ﴾: والإنذار: العظة والتخويف. ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ الطرد (١): الإبعاد بإهانة، وبابه: نصر، والطريد المطرود، وبنو مطرود وبنو طرَّاد فخذان من إياد. ﴿بِالْغَدَاةِ﴾ الغداة والغدوة، كالبكرة: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، أصلها: غدوة، فقلبت الواو ألفًا لتحركها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها بحسب الآن، وهي نكرة، ويقرأ: ﴿بالغدوة﴾ بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها، وأكثر ما تستعمل معرفة علمًا، وقد عرفها هنا بالألف واللام.
﴿وَالْعَشِيِّ﴾ آخر النهار، أو من (٢) المغرب إلى العشاء، فقيل: هو مفرد، وقيل: هو جمع عشية. ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا﴾ يقال: فتن الذهب يفتن - من باب ضرب - فتنة ومفتونًا: إذا أدخله النار لينظر ما جودته، والفتنة: الاختبار والامتحان، والمعنى هنا: ابتلينا واختبرنا ﴿مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ ﴿مَنَّ﴾ - مِن باب شد - أي: أنعم الله عليهم بنعم كثيرة.
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ السلام والسلامة: البراءة والعافية من الآفات والعيوب، والسلام من أسمائه تعالى، يدل على تنزيهه عن كل ما لا يليق به من عجز ونقص وفناء، واستعمل السلام في التحية بمعنى السلامة من كل ما يسوء، وبمعنى: تأمين المسلم عليه من كل أذى يناله من المسلم، فهو دليل المودة والصفاء، وهو تحية أهل الجنة يحييهم بها ربهم جلَّ وعلا وملائكته الكرام، ويحيي بها بعضهم بعضًا. ﴿كَتَبَ﴾؛ أي: أوجب وفرض وألزم. ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ والجهالة: السفه والخفة التي تقابل الحكمة والروية. ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾؛ أي: تتضح وتظهر يقال: استبنت الشيء وتبينته؛ أي: عرفته بينًا واضحًا. ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ﴾ النهي: الزجر
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
367
عن الشيء بالقول نحو: اجتنب قول الزور، والكف عنه بالفعل، كما قال تعالى: ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾.
﴿تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الدعاء: النداء لطلب إيصال الخير أو دفع الضر، ولا يكون عبادةً إلا إذا كان فيما وراء الأسباب العادية التي سخرها الله للعباد، وينالونها بكسبهم واجتهادهم وتعاونهم عليها. ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا﴾ ضللت بفتح اللام، وهي لغة أهل الحجاز، وهي الفصحى، وهي قراءة الجمهور. وقرىء بكسرها، وهي لغة تميم، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف كما مر، قال الجوهري: والضلال والضلالة ضد الرشاد، وقد ضللت أضل، قال الله: ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ قال: فهذه - يعني المفتوحة - لغة نجد، وهي الفصيحة، وأهل العالية يقول: ضللت أضل انتهى.
﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ والبينة: كل ما يتبين به الحق من الحجج العقلية أو الآيات الحسية، ومن ذلك تسمية الشهادة بيّنة، ويجوز أن تكون التاء في بينة للمبالغة كما مر، والمعنى: على أمر بيِّن، فلما نفى أن يكون متبعًا للهوى.. نبه على ما يجب اتباعه وهو الأمر الواضح من الله تعالى: ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾ والقصص: ذكر الخبر أو تتبع الأثر، من قص الحديث، أو من قص الأثر؛ أي: تتبعه، قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾، وعلى هذه القراءة، فالحق مفعول به اهـ "سمين".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ﴾، وقوله: ﴿قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾، وقوله: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾؛ لأنه استعارة عن الكافر والمؤمن.
﴿تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الدعاء: النداء لطلب إيصال الخير أو دفع الضر، ولا يكون عبادةً إلا إذا كان فيما وراء الأسباب العادية التي سخرها الله للعباد، وينالونها بكسبهم واجتهادهم وتعاونهم عليها. ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا﴾ ضللت بفتح اللام، وهي لغة أهل الحجاز، وهي الفصحى، وهي قراءة الجمهور. وقرىء بكسرها، وهي لغة تميم، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف كما مر، قال الجوهري: والضلال والضلالة ضد الرشاد، وقد ضللت أضل، قال الله: ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ قال: فهذه - يعني المفتوحة - لغة نجد، وهي الفصيحة، وأهل العالية يقول: ضللت أضل انتهى.
﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ والبينة: كل ما يتبين به الحق من الحجج العقلية أو الآيات الحسية، ومن ذلك تسمية الشهادة بيّنة، ويجوز أن تكون التاء في بينة للمبالغة كما مر، والمعنى: على أمر بيِّن، فلما نفى أن يكون متبعًا للهوى.. نبه على ما يجب اتباعه وهو الأمر الواضح من الله تعالى: ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾ والقصص: ذكر الخبر أو تتبع الأثر، من قص الحديث، أو من قص الأثر؛ أي: تتبعه، قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾، وعلى هذه القراءة، فالحق مفعول به اهـ "سمين".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾، وفي قوله: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ﴾، وقوله: ﴿قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾، وقوله: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾؛ لأنه استعارة عن الكافر والمؤمن.
368
ومنها: التتميم في قوله: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ لأنه إنما ذكر لمجرد تتميم الفائدة وتأكيدها، وإلا فالكلام قد تمَّ بدونه.
ومنها: ما يسميه أهل البديع ردَّ الصدر على العجز في قوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ كقولهم عادات السادات، سادات العادات.
وقال الزمخشري (١) بعد كلام قدمه في معنى التفسير: فإن قلت: أما كفى قوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ حتى ضم إليه قوله: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾؟
قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة، ومؤداهما واحد، وهو المعنى بقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، ولا يستقبل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعًا، كأنه قيل: لا يؤاخذ كل واحد لا أنت ولا هم بحساب صاحبه. انتهى.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ﴾، وفي قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾؛ لأنها مؤكدة لقوله: ﴿قَدْ ضَلَلْتُ﴾ واختار في التأكيد بالإسمية لتدل على الدوام والاستمرار.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ إشعارًا بوصفهم بالظلم، وحق الكلام أن يقال: والله أعلم بكم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: ما يسميه أهل البديع ردَّ الصدر على العجز في قوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ كقولهم عادات السادات، سادات العادات.
وقال الزمخشري (١) بعد كلام قدمه في معنى التفسير: فإن قلت: أما كفى قوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ حتى ضم إليه قوله: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾؟
قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة، ومؤداهما واحد، وهو المعنى بقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، ولا يستقبل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعًا، كأنه قيل: لا يؤاخذ كل واحد لا أنت ولا هم بحساب صاحبه. انتهى.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ﴾، وفي قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾؛ لأنها مؤكدة لقوله: ﴿قَدْ ضَلَلْتُ﴾ واختار في التأكيد بالإسمية لتدل على الدوام والاستمرار.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ إشعارًا بوصفهم بالظلم، وحق الكلام أن يقال: والله أعلم بكم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) الفتوحات.
369
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (١) رسوله - ﷺ - أن يبين للمشركين أنه على بينة من ربه فيما بلغهم إياه من رسالته، وأن ما يستعجلونه من عذاب الله تعجيزًا أو تهكمًا ليس عنده، وإنما هو عند الله تعالى، وقد قضت سنته أن يجعل لكل شيء أجلًا وموعدًا لا يتقدم ولا يتأخر، وأن الله تعالى هو الذي يقضي الحق ويقصه على رسوله.. ذكر هنا أن مفاتح الغيب عنده، وأن التصرف في الخلق بيده، وأنه
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (١) رسوله - ﷺ - أن يبين للمشركين أنه على بينة من ربه فيما بلغهم إياه من رسالته، وأن ما يستعجلونه من عذاب الله تعجيزًا أو تهكمًا ليس عنده، وإنما هو عند الله تعالى، وقد قضت سنته أن يجعل لكل شيء أجلًا وموعدًا لا يتقدم ولا يتأخر، وأن الله تعالى هو الذي يقضي الحق ويقصه على رسوله.. ذكر هنا أن مفاتح الغيب عنده، وأن التصرف في الخلق بيده، وأنه
(١) المراغي.
370
هو القاهر فوق عباده لا يشاركه أحد من رسله، ولا من سواهم في ذلك.
وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما قال: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾، وقال: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ بعد قوله: ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾.. انتقل من خاص إلى عام، وهو علم الله بجميع الأمور الغيبية.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار...﴾ الآية، مناسبة (٢) هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر استئثاره بالعلم التام للكليات والجزئيات.. ذكر استئثاره بالقدرة التامة تنبيهًا على ما تختص به الإلهية، وذكر شيئًا محسوسًا قاهرًا للأنام، وهو التوفي بالليل والبعث بالنهار، وكلاهما ليس للإنسان فيه قدرة، بل هو أمر يوقعه الله تعالى بالإنسان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...﴾ الآية، مناسبة (٣) هذه الآية لما قبلها: لما أبان الله سبحانه وتعالى لعباده إحاطة علمه، وشمول قدرته، واستعلاءه عليهم بالقهر، وحفظه أعمالهم عليهم.. ذكرهم هنا بالدلائل الدالة على كمال القدرة الإلهية، ونهاية الرحمة والفضل والإحسان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٤): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكَّر المشركين ببعض آياته في أنفسهم، وبمننه عليهم بإنجائهم من الأهوال والكروب التي يشعر بها كل من وقعت له منهم؛ إما بتسخير الأسباب، وإما بدقائق اللطف والإلهام.. ذكر هنا قدرته على تعذيبهم، وأبان أنَّ عاقبة كفران النعم أن تزول وتحل محلها النقم، وأنه يمهل ولا يهمل، بل يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في الآيات السابقة تكذيب قريش بالقرآن، وكون الرسول مبلِّغًا لا خالقًا للإيمان، وأحالهم في ظهور
وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما قال: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾، وقال: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ بعد قوله: ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾.. انتقل من خاص إلى عام، وهو علم الله بجميع الأمور الغيبية.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار...﴾ الآية، مناسبة (٢) هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر استئثاره بالعلم التام للكليات والجزئيات.. ذكر استئثاره بالقدرة التامة تنبيهًا على ما تختص به الإلهية، وذكر شيئًا محسوسًا قاهرًا للأنام، وهو التوفي بالليل والبعث بالنهار، وكلاهما ليس للإنسان فيه قدرة، بل هو أمر يوقعه الله تعالى بالإنسان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...﴾ الآية، مناسبة (٣) هذه الآية لما قبلها: لما أبان الله سبحانه وتعالى لعباده إحاطة علمه، وشمول قدرته، واستعلاءه عليهم بالقهر، وحفظه أعمالهم عليهم.. ذكرهم هنا بالدلائل الدالة على كمال القدرة الإلهية، ونهاية الرحمة والفضل والإحسان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٤): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكَّر المشركين ببعض آياته في أنفسهم، وبمننه عليهم بإنجائهم من الأهوال والكروب التي يشعر بها كل من وقعت له منهم؛ إما بتسخير الأسباب، وإما بدقائق اللطف والإلهام.. ذكر هنا قدرته على تعذيبهم، وأبان أنَّ عاقبة كفران النعم أن تزول وتحل محلها النقم، وأنه يمهل ولا يهمل، بل يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في الآيات السابقة تكذيب قريش بالقرآن، وكون الرسول مبلِّغًا لا خالقًا للإيمان، وأحالهم في ظهور
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.
371
صدق أنبائه وأخباره على الزمان.. بين في هذه الآيات السبيل في معاملة من يخوض في آيات الله بالباطل، ومن يتخذ دين الله هزوًا ولعبًا من الكفار الذين لم يجيبوا الدعوة.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ...﴾ الآيات، سبب نزولها (١): ما أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ...﴾ الآية، قال رسول الله - ﷺ -: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف"، قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال بعض الناس: "لا يكون هذا أبدًا أن يقتل بعضنا بعضًا، ونحن مسلمون"، فنزلت: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٥٩ - ﴿وَعِنْدَهُ﴾ سبحانه وتعالى خاصة ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾؛ أي: مخازن الغيب أو المفاتح التي يتوصل بها إلى المخازن؛ أي: له سبحانه وتعالى علم الأمور المغيبة المخفية عن غيره، من الأرزاق والأمطار والآجال والعذاب والثواب والحساب والجزاء وغيرها.
وقرىء: ﴿مفاتيح﴾ بالياء. ﴿لَا يَعْلَمُهَا﴾؛ أي: لا يعلم تلك الأمور المغيبة ولا يحيط بها ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى، وهذه الجملة الفعلية مؤكدة لمضمون الجملة التي قبلها، ويندرج تحت مضمون هذه الآية علم ما يستعجله الكفار من العذاب اندراجًا أوليًّا، كما يدل عليه السياق، فهو سبحانه وتعالى الذي يحيط بها، وسواه جاهل بذاته، لا يعلم منها شيئًا إلا بإعلامه عَزَّ وَجَلَّ، فعلينا أن نفوِّض إليه إنجازه وعده لرسله بالنصر، ووعيده لأعدائه بالعذاب والقهر، وأن نجزم بأنه لا يُخلف وعده رسله، وإنما يؤخر تنفيذه إلى الأجل الذي اقتضته حكمته.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ...﴾ الآيات، سبب نزولها (١): ما أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ...﴾ الآية، قال رسول الله - ﷺ -: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف"، قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال بعض الناس: "لا يكون هذا أبدًا أن يقتل بعضنا بعضًا، ونحن مسلمون"، فنزلت: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٥٩ - ﴿وَعِنْدَهُ﴾ سبحانه وتعالى خاصة ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾؛ أي: مخازن الغيب أو المفاتح التي يتوصل بها إلى المخازن؛ أي: له سبحانه وتعالى علم الأمور المغيبة المخفية عن غيره، من الأرزاق والأمطار والآجال والعذاب والثواب والحساب والجزاء وغيرها.
وقرىء: ﴿مفاتيح﴾ بالياء. ﴿لَا يَعْلَمُهَا﴾؛ أي: لا يعلم تلك الأمور المغيبة ولا يحيط بها ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى، وهذه الجملة الفعلية مؤكدة لمضمون الجملة التي قبلها، ويندرج تحت مضمون هذه الآية علم ما يستعجله الكفار من العذاب اندراجًا أوليًّا، كما يدل عليه السياق، فهو سبحانه وتعالى الذي يحيط بها، وسواه جاهل بذاته، لا يعلم منها شيئًا إلا بإعلامه عَزَّ وَجَلَّ، فعلينا أن نفوِّض إليه إنجازه وعده لرسله بالنصر، ووعيده لأعدائه بالعذاب والقهر، وأن نجزم بأنه لا يُخلف وعده رسله، وإنما يؤخر تنفيذه إلى الأجل الذي اقتضته حكمته.
(١) لباب النقول.
372
روى البخاري (١) عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله - ﷺ - قال: "مفاتيح الغيب خمس: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)﴾ ".
وما حكاه الله تعالى عن عيسى عليه السلام من قوله: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾، وما قاله يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ﴾ داخل فيما يظهر الله عليه رسله من علم الغيب، كما قال تعالى في سورة الجن: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾، وجاء في معنى الآية: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)﴾.
وروى البخاري عن عمران بن حصين مرفوعًا: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض".
وفي (٢) هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم، ولا يدخل تحت قدرتهم، ولا يحيط به علمهم، ولقد ابتلي الإِسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة، ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق - ﷺ -: "من أتى كاهنًا أو منجمًا.. فقد كفر بما أنزل الله على محمد".
﴿وَيَعْلَمُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا فِي الْبَرِّ﴾ من النبات والدواب ﴿و﴾ ما في ﴿البحر﴾ من الحيوان والجواهر وغيرهما. وإنما (٣) قدم ذكر البر؛ لأن الإنسان قد شاهد أحوال البر، وكثرة ما فيه من المدن والقرى والمفاوز والجبال والتلال والحيوان والنبات والمعادن. وإنما أخر البحر في الذكر؛ لأن إحاطة العقل بأحواله أقل، لكن الحس يدل على أن عجائب البحر أكثر، وأجناس المخلوقات فيه أعجب، وأن طول البحر وعرضه أعظم.
وما حكاه الله تعالى عن عيسى عليه السلام من قوله: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾، وما قاله يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ﴾ داخل فيما يظهر الله عليه رسله من علم الغيب، كما قال تعالى في سورة الجن: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾، وجاء في معنى الآية: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)﴾.
وروى البخاري عن عمران بن حصين مرفوعًا: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض".
وفي (٢) هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم، ولا يدخل تحت قدرتهم، ولا يحيط به علمهم، ولقد ابتلي الإِسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة، ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق - ﷺ -: "من أتى كاهنًا أو منجمًا.. فقد كفر بما أنزل الله على محمد".
﴿وَيَعْلَمُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا فِي الْبَرِّ﴾ من النبات والدواب ﴿و﴾ ما في ﴿البحر﴾ من الحيوان والجواهر وغيرهما. وإنما (٣) قدم ذكر البر؛ لأن الإنسان قد شاهد أحوال البر، وكثرة ما فيه من المدن والقرى والمفاوز والجبال والتلال والحيوان والنبات والمعادن. وإنما أخر البحر في الذكر؛ لأن إحاطة العقل بأحواله أقل، لكن الحس يدل على أن عجائب البحر أكثر، وأجناس المخلوقات فيه أعجب، وأن طول البحر وعرضه أعظم.
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
373
وقال مجاهد (١): البر: المفاوز والقفار، والبحر: المدن والقرى فيه والأمصار، لا يحدث فيها شيء إلا وهو يعلمه. وقال جمهور المفسرين: هما البر والبحر المعروفان؛ لأن جميع الأرض إما بر، وإما بحر، وفي كل واحد منهما من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته ما يدل على عظيم قدرته وسعة علمه. والمعنى: أي: وعنده سبحانه وتعالى علم ما لم يغب عنكم؛ لأن ما فيهما ظاهر للعين، يعلمه العباد، وعلمه تعالى بما فيهما علم مشاهدة مقابل لعلم الغيب.
والخلاصة: أن عنده تعالى علم ما غاب عنكم مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثر بعلمه، وعنده علم ما يعلمه جميعكم لا يخفى عليه شيء منه، فعنده علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة. ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ﴾؛ أي: وما تسقط ورقة واحدة من أوراق الشجر أو النجم، ولا تبقى عليه في الصحارى والبراري، أو في الأمصار والقرى ﴿إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾؛ أي: إلا والحال أنه سبحانه وتعالى عليم بالساقطة منها والباقية، ويعلم زمان سقوطها، ومكانه، وعدد الساقطة والباقية وأحوالها قبل السقوط وبعده.
﴿وَلَا﴾ من ﴿حَبَّةٍ﴾ ملقاة ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ وبطونها لتنبت، قيل: هي الحبة المعروفة تلقى في بطن الأرض قبل أن تنبت، وقيل: هي الحبة التي في الصخرة التي تحت الأرضين السبع. ﴿وَلَا﴾ من ﴿رَطْبٍ﴾، وهو كل ما ينبت، وقيل: الحي ﴿وَلَا﴾ من ﴿يَابِسٍ﴾ وهو كل ما لا ينبت، وقيل: الميت، وقيل: هما عبارة عن كل شيء؛ لأن جميع الأشياء إما رطبة أو يابسة ﴿إِلَّا﴾ هو ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: إلا كان كل ما ذكر ثابتًا مكتوبًا في كتاب مبين؛ أي: موضح مبين مقدارها ووقتها ومكانها، وهو اللوح المحفوظ.
فإن قلت (٢): إن جميع هذه المذكورات داخلة تحت قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ فلِمَ أفردها بالذكر؟
قلتُ: ذكرها من قبيل التفصيل بعد الإجمال، وقد ذكر البر والبحر لما فيهما
والخلاصة: أن عنده تعالى علم ما غاب عنكم مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثر بعلمه، وعنده علم ما يعلمه جميعكم لا يخفى عليه شيء منه، فعنده علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة. ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ﴾؛ أي: وما تسقط ورقة واحدة من أوراق الشجر أو النجم، ولا تبقى عليه في الصحارى والبراري، أو في الأمصار والقرى ﴿إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾؛ أي: إلا والحال أنه سبحانه وتعالى عليم بالساقطة منها والباقية، ويعلم زمان سقوطها، ومكانه، وعدد الساقطة والباقية وأحوالها قبل السقوط وبعده.
﴿وَلَا﴾ من ﴿حَبَّةٍ﴾ ملقاة ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ وبطونها لتنبت، قيل: هي الحبة المعروفة تلقى في بطن الأرض قبل أن تنبت، وقيل: هي الحبة التي في الصخرة التي تحت الأرضين السبع. ﴿وَلَا﴾ من ﴿رَطْبٍ﴾، وهو كل ما ينبت، وقيل: الحي ﴿وَلَا﴾ من ﴿يَابِسٍ﴾ وهو كل ما لا ينبت، وقيل: الميت، وقيل: هما عبارة عن كل شيء؛ لأن جميع الأشياء إما رطبة أو يابسة ﴿إِلَّا﴾ هو ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: إلا كان كل ما ذكر ثابتًا مكتوبًا في كتاب مبين؛ أي: موضح مبين مقدارها ووقتها ومكانها، وهو اللوح المحفوظ.
فإن قلت (٢): إن جميع هذه المذكورات داخلة تحت قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ فلِمَ أفردها بالذكر؟
قلتُ: ذكرها من قبيل التفصيل بعد الإجمال، وقد ذكر البر والبحر لما فيهما
(١) الخازن.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
374
من العجائب، ثم الورقة؛ لأنها يراها كل أحد، لكن لا يعلم عددها إلا الله، ثم ذكر ما هو أضعف من الورقة، وهو الحبة، ثم ذكر مثالًا يجمع الكل، وهو الرطب واليابس، فذكر هذه الأشياء، وأنه لا يخرج شيء منها عن علمه سبحانه وتعالى، فصارت الأمثال منبهة على عظمة عظيمة، وقدرة عالية، وعلم واسع، فسبحان العلم الخبير.
وعبارة "المراغي" هنا: ﴿وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: وما (١) تسقط من حبَّة بفعل الإنسان باختياره، كالحب الذي يلقيه الزراع في بطون الأرض يسترونه بالتراب، فيحجب عن ضوء النهار، أو تذهب به النمل في قراها وحجورها، أو بغير فعل الإنسان؛ كالذي يسقط من النبات في الشقوق والأخاديد، وما يسقط من الثمار رطبًا ويابسًا إلا وهو في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب ذلك فيه، وكتب عدده، والوقت الذي يوجد فيه، والذي يفنى فيه، وجعل الكتاب مبينًا؛ لأنه يبين عن صحة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما رسم عليه، هذا هو الذي اختاره الزجاج لقوله في الآية الأخرى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾، واختار الرازي أن الكتاب المبين: علم الله تعالى الذي يشبه المكتوب في الصحف بثباته وعدم تغيره.
واتفق (٢) علماء التفسير بالمأثور على تفسير الكتاب المبين وأم الكتاب والذكر في نحو ما تقدم من الآيات والأحاديث باللوح المحفوظ، وهو شيء أخبر الله به، وأنه أودعه كتابه ولم يعرفنا حقيقته، فعلينا أن نؤمن بأنه شيء موجود، وأن الله قد حفظ كتابه فيه، وأما دعوى أنه جرم مخصوص في سماء معينة.. فمما لم يثبت عن المعصوم - ﷺ - بالتواتر، فلا ينبغي أن يدخل في باب العقائد لدى المؤمنين.
وروي عن الحسن: أن حكمة كتابة الله لمقادير الخلق تنبيه المكلفين إلى عدم إهمال أحوالهم المشتملة على الثواب والعقاب. وزاد بعضهم حكمتين أخريين:
وعبارة "المراغي" هنا: ﴿وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: وما (١) تسقط من حبَّة بفعل الإنسان باختياره، كالحب الذي يلقيه الزراع في بطون الأرض يسترونه بالتراب، فيحجب عن ضوء النهار، أو تذهب به النمل في قراها وحجورها، أو بغير فعل الإنسان؛ كالذي يسقط من النبات في الشقوق والأخاديد، وما يسقط من الثمار رطبًا ويابسًا إلا وهو في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب ذلك فيه، وكتب عدده، والوقت الذي يوجد فيه، والذي يفنى فيه، وجعل الكتاب مبينًا؛ لأنه يبين عن صحة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما رسم عليه، هذا هو الذي اختاره الزجاج لقوله في الآية الأخرى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾، واختار الرازي أن الكتاب المبين: علم الله تعالى الذي يشبه المكتوب في الصحف بثباته وعدم تغيره.
واتفق (٢) علماء التفسير بالمأثور على تفسير الكتاب المبين وأم الكتاب والذكر في نحو ما تقدم من الآيات والأحاديث باللوح المحفوظ، وهو شيء أخبر الله به، وأنه أودعه كتابه ولم يعرفنا حقيقته، فعلينا أن نؤمن بأنه شيء موجود، وأن الله قد حفظ كتابه فيه، وأما دعوى أنه جرم مخصوص في سماء معينة.. فمما لم يثبت عن المعصوم - ﷺ - بالتواتر، فلا ينبغي أن يدخل في باب العقائد لدى المؤمنين.
وروي عن الحسن: أن حكمة كتابة الله لمقادير الخلق تنبيه المكلفين إلى عدم إهمال أحوالهم المشتملة على الثواب والعقاب. وزاد بعضهم حكمتين أخريين:
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
375
١ - اعتبار الملائكة عليهم السلام بموافقة المحدثات للمعلومات الإلهية.
٢ - عدم تغيير الموجودات عن الترتيب السابق في الكتاب، ويؤيده ما روى البخاري عن أبي هريرة "جف القلم بما أنت لاق".
وقرأ (١) ابن السميقع: ﴿مفاتيح﴾ بالياء، وروي عن بعضهم: ﴿مفتاح الغيب﴾ على الإفراد. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن السميقع: ﴿ولا رطبٌ ولا يابسٌ﴾ بالرفع فيهما، والأولى أن يكونا معطوفين على موضع ﴿مِنْ وَرَقَةٍ﴾، ويحتمل الرفع على الابتداء، وخبره ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
٦٠ - ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ وينيمكم ﴿بِاللَّيْلِ﴾ ويراقبكم فيه، استعير (٢) التوفي من الموت للنوم؛ لما بينهما من المشاركة في إزالة الإحساس والتمييز، فإن أصل التوفي: قبض الشيء بتمامه.
وعبارة "زادة على البيضاوي" نصها: وعلى (٣) ما ذكره المصنف ليس في ابن آدم إلا روح واحدة، يكون لابن آدم بحسبها ثلاثة أحوال: حالة يقظة، وحالة نوم، وحالة موت، فباعتبار تعلقها بظاهر الإنسان وباطنه تعلقًا كاملًا تثبت له حالة اليقظة، وباعتبار تعلقها بظاهر الإنسان فقط تثبت له حالة النوم، وباعتبار انقطاع تعلقها عن الظاهر والباطن تثبت له حالة الموت.
فعلى هذا: معنى ﴿يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾؛ أي: يقطع أرواحكم عن التعلق ببواطنكم؛ أي: يقطع تعلقها بالباطن، ومعنى ﴿يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾؛ أي: يرد تعلقها بالباطن. وقيل: معنى ﴿يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾؛ أي: يقبض أرواحكم عند النوم، وهذا مبني على أن في الجسد روحين: روح الحياة: وهي لا تخرج إلا بالموت، وروح التمييز: وهي تخرج بالنوم، فتفارق الجسد، فتطوف بالعالم وترى المنامات، ثم ترجع إلى الجسد عند تيقظه، وسيأتي بسط هذه المسألة وإيضاحها في سورة الزمر إن شاء الله تعالى. واقتصر هنا على الليل، وإن كان ذلك يقع في النهار؛ لأن الغالب أن يكون النوم فيه. ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾؛ أي: ويعلم
٢ - عدم تغيير الموجودات عن الترتيب السابق في الكتاب، ويؤيده ما روى البخاري عن أبي هريرة "جف القلم بما أنت لاق".
وقرأ (١) ابن السميقع: ﴿مفاتيح﴾ بالياء، وروي عن بعضهم: ﴿مفتاح الغيب﴾ على الإفراد. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن السميقع: ﴿ولا رطبٌ ولا يابسٌ﴾ بالرفع فيهما، والأولى أن يكونا معطوفين على موضع ﴿مِنْ وَرَقَةٍ﴾، ويحتمل الرفع على الابتداء، وخبره ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
٦٠ - ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ وينيمكم ﴿بِاللَّيْلِ﴾ ويراقبكم فيه، استعير (٢) التوفي من الموت للنوم؛ لما بينهما من المشاركة في إزالة الإحساس والتمييز، فإن أصل التوفي: قبض الشيء بتمامه.
وعبارة "زادة على البيضاوي" نصها: وعلى (٣) ما ذكره المصنف ليس في ابن آدم إلا روح واحدة، يكون لابن آدم بحسبها ثلاثة أحوال: حالة يقظة، وحالة نوم، وحالة موت، فباعتبار تعلقها بظاهر الإنسان وباطنه تعلقًا كاملًا تثبت له حالة اليقظة، وباعتبار تعلقها بظاهر الإنسان فقط تثبت له حالة النوم، وباعتبار انقطاع تعلقها عن الظاهر والباطن تثبت له حالة الموت.
فعلى هذا: معنى ﴿يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾؛ أي: يقطع أرواحكم عن التعلق ببواطنكم؛ أي: يقطع تعلقها بالباطن، ومعنى ﴿يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾؛ أي: يرد تعلقها بالباطن. وقيل: معنى ﴿يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾؛ أي: يقبض أرواحكم عند النوم، وهذا مبني على أن في الجسد روحين: روح الحياة: وهي لا تخرج إلا بالموت، وروح التمييز: وهي تخرج بالنوم، فتفارق الجسد، فتطوف بالعالم وترى المنامات، ثم ترجع إلى الجسد عند تيقظه، وسيأتي بسط هذه المسألة وإيضاحها في سورة الزمر إن شاء الله تعالى. واقتصر هنا على الليل، وإن كان ذلك يقع في النهار؛ لأن الغالب أن يكون النوم فيه. ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾؛ أي: ويعلم
(١) البحر المحيط.
(٢) البيضاوي.
(٣) زاده.
(٢) البيضاوي.
(٣) زاده.
376
جميع ما كسبتم وعملتم في النهار؛ أي: يعلم جميع ما كسبتم حين اليقظة، ويكون معظم ذلك في النهار سواء أكان خيرًا أم شرًّا.
وفي "الفتوحات": والتقييد (١) بالظرفين جري على الغالب، إذ الغالب أن النوم في الليل والكسب في النهار، وخصَّ النهار بالذكر دون الليل؛ لأن الكسب فيه أكثر؛ لأنه زمن حركة الإنسان، والليل زمن سكونه. اهـ "كرخي".
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾؛ أي: يوقظكم في النهار، عطف على ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾، وتوسيط (٢) الفعل بينهما لبيان ما في بعثهم من عظم الإحسان إليهم بالتنبيه على ما يكسبونه من السيئات. قال البيضاوي: أطلق البعث ترشيحًا للتوفي؛ أي: لما استعير التوفي من الموت للنوم.. كان البعث الذي هو في الحقيقة الإحياء بعد الموت ترشيحًا؛ لأنه أمر يلائم المستعار منه. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير هو الذي يتوفاكم بالليل، ثم يبعثكم بالنهار، ويعلم ما جرحتم فيه. ﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾؛ أي: يوقظكم ويرسلكم لكسب أرزاقكم وأقواتكم ومناجاة إلهكم وخالقكم؛ لأجل أن يقضي أجلًا مسمى؛ أي: لأجل أن يستوفي ويستكمل المتيقظ آخر أجله وعمره المعين له في علمه تعالى، فإن لأعماركم آجالًا مقدرة مكتوبة لا بد من قضائها وإتمامها. ومعنى الآية: أن إمهاله تعالى للكفار ليس للغفلة عن كفرهم، فإنه عالم بذلك، ولكن ليقضى أجل مسمى؛ أي: معين لكل فرد من أفراد العباد من حياة ورزق ﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء آجالكم وموتكم ﴿إِلَيْهِ﴾ سبحانه وتعالى، لا إلى غيره ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم بالبعث بعد الموت ﴿ثُمَّ﴾ بعد بعثكم وحشركم ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: يخبركم ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في حياتكم الدنيا، ويجازيكم بذلك إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. والقادر (٣) على البعث مِن تَوفي النوم قادرٌ على البعث من توفي الموت، وفي ذكر الأجل المسمى والرجوع إلى الله تعالى لأجل الحساب والجزاء إيماء إلى تأييد ما تقدم من حكمة تأخير ما كان يستعجله مشركوا مكة من وعيد الله لهم، ووعده لرسله
وفي "الفتوحات": والتقييد (١) بالظرفين جري على الغالب، إذ الغالب أن النوم في الليل والكسب في النهار، وخصَّ النهار بالذكر دون الليل؛ لأن الكسب فيه أكثر؛ لأنه زمن حركة الإنسان، والليل زمن سكونه. اهـ "كرخي".
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾؛ أي: يوقظكم في النهار، عطف على ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾، وتوسيط (٢) الفعل بينهما لبيان ما في بعثهم من عظم الإحسان إليهم بالتنبيه على ما يكسبونه من السيئات. قال البيضاوي: أطلق البعث ترشيحًا للتوفي؛ أي: لما استعير التوفي من الموت للنوم.. كان البعث الذي هو في الحقيقة الإحياء بعد الموت ترشيحًا؛ لأنه أمر يلائم المستعار منه. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير هو الذي يتوفاكم بالليل، ثم يبعثكم بالنهار، ويعلم ما جرحتم فيه. ﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾؛ أي: يوقظكم ويرسلكم لكسب أرزاقكم وأقواتكم ومناجاة إلهكم وخالقكم؛ لأجل أن يقضي أجلًا مسمى؛ أي: لأجل أن يستوفي ويستكمل المتيقظ آخر أجله وعمره المعين له في علمه تعالى، فإن لأعماركم آجالًا مقدرة مكتوبة لا بد من قضائها وإتمامها. ومعنى الآية: أن إمهاله تعالى للكفار ليس للغفلة عن كفرهم، فإنه عالم بذلك، ولكن ليقضى أجل مسمى؛ أي: معين لكل فرد من أفراد العباد من حياة ورزق ﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء آجالكم وموتكم ﴿إِلَيْهِ﴾ سبحانه وتعالى، لا إلى غيره ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾؛ أي: رجوعكم بالبعث بعد الموت ﴿ثُمَّ﴾ بعد بعثكم وحشركم ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: يخبركم ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في حياتكم الدنيا، ويجازيكم بذلك إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. والقادر (٣) على البعث مِن تَوفي النوم قادرٌ على البعث من توفي الموت، وفي ذكر الأجل المسمى والرجوع إلى الله تعالى لأجل الحساب والجزاء إيماء إلى تأييد ما تقدم من حكمة تأخير ما كان يستعجله مشركوا مكة من وعيد الله لهم، ووعده لرسله
(١) الجمل.
(٢) أبو السعود.
(٣) المراغي.
(٢) أبو السعود.
(٣) المراغي.
377
بالنصر عليهم، وبيان عذاب الآخرة فوق ما أنذروا به من عذاب الدنيا، فمن لم يدركه العذاب الأول.. لم يفلت من الثاني.
وقال أبو حيان (١): ولما ذكر تعالى النوم واليقظة.. كان ذلك تنبيهًا على الموت والبعث، وأن حكمهما بالنسبة إليه تعالى واحد، فكما أنام وأيقظ يميت ويحيي.
وقرأ طلحة وأبو رجاء: ﴿ليقضي أجلًا مسمى﴾ ببناء الفعل للفاعل، ونصب ﴿أجلًا﴾؛ أي: ليتم الله تعالى آجالهم، كقوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾. وفي قراءة الجمهور يحتمل أن يكون الفاعل المحذوف ضميره تعالى أو ضميرهم.
٦١ - وبعد أن أبان الله سبحانه وتعالى أمر الموت والرجوع إلى الله للحساب والجزاء.. ذكر قهره لعباده، وإرسال الحفظة بإحصاء أعمالهم وكتابتها عليهم، فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْقَاهِرُ﴾؛ أي: الغالب المتصرف في خلقه بما يشاء في أمورهم إيجادًا وإعدامًا وإحياءً وإماتةً وإثابةً وتعذيبًا إلى غير ذلك، العالي بقدرته وسلطانه ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فوقية تليق بجلاله لا نكيفها ولا نمثلها، بل نؤمن بها، ولا نعطلها ولا نؤولها، بل نمرها على ظاهرها كما جاءت، كما هو مذهب السلف الأسلم الأعلم في آيات الصفات وأحاديثها؛ أي: وهو سبحانه وتعالى القاهر المستحق منكم العبادة، لا المقهورون من الأوثان والأصنام المغلوبون على أمرهم. ومعنى القاهر: الغالب لغيره المذلل له، والله تعالى هو القاهر لخلقه، وقهر كل شيء بضده، فقهر الحياة بالموت، والإيجاد بالإعدام، والغنى بالفقر، والنور بالظلمة.
﴿وَيُرْسِلُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيها العباد ويوكل بكم ﴿حَفَظَةً﴾؛ أي: ملائكة يحفظون أعمالكم ويكتبونها في صحائف تقرأ عليكم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد. يعني: أن من جملة قهره لعباده إرسال الحفظة عليهم لمراقبتهم، وإحصاء أعمالهم وكتابتها، وحفظها في الصحف التي تنشر يوم الحساب، وهي المرادة
وقال أبو حيان (١): ولما ذكر تعالى النوم واليقظة.. كان ذلك تنبيهًا على الموت والبعث، وأن حكمهما بالنسبة إليه تعالى واحد، فكما أنام وأيقظ يميت ويحيي.
وقرأ طلحة وأبو رجاء: ﴿ليقضي أجلًا مسمى﴾ ببناء الفعل للفاعل، ونصب ﴿أجلًا﴾؛ أي: ليتم الله تعالى آجالهم، كقوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾. وفي قراءة الجمهور يحتمل أن يكون الفاعل المحذوف ضميره تعالى أو ضميرهم.
٦١ - وبعد أن أبان الله سبحانه وتعالى أمر الموت والرجوع إلى الله للحساب والجزاء.. ذكر قهره لعباده، وإرسال الحفظة بإحصاء أعمالهم وكتابتها عليهم، فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْقَاهِرُ﴾؛ أي: الغالب المتصرف في خلقه بما يشاء في أمورهم إيجادًا وإعدامًا وإحياءً وإماتةً وإثابةً وتعذيبًا إلى غير ذلك، العالي بقدرته وسلطانه ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فوقية تليق بجلاله لا نكيفها ولا نمثلها، بل نؤمن بها، ولا نعطلها ولا نؤولها، بل نمرها على ظاهرها كما جاءت، كما هو مذهب السلف الأسلم الأعلم في آيات الصفات وأحاديثها؛ أي: وهو سبحانه وتعالى القاهر المستحق منكم العبادة، لا المقهورون من الأوثان والأصنام المغلوبون على أمرهم. ومعنى القاهر: الغالب لغيره المذلل له، والله تعالى هو القاهر لخلقه، وقهر كل شيء بضده، فقهر الحياة بالموت، والإيجاد بالإعدام، والغنى بالفقر، والنور بالظلمة.
﴿وَيُرْسِلُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيها العباد ويوكل بكم ﴿حَفَظَةً﴾؛ أي: ملائكة يحفظون أعمالكم ويكتبونها في صحائف تقرأ عليكم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد. يعني: أن من جملة قهره لعباده إرسال الحفظة عليهم لمراقبتهم، وإحصاء أعمالهم وكتابتها، وحفظها في الصحف التي تنشر يوم الحساب، وهي المرادة
(١) البحر المحيط.
378
بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠)﴾، وهؤلاء الحفظة هم الملائكة الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢)﴾، ونحن نؤمن بهذه الكتابة ولا نعرف صفتها، ولا نتحكم فيها بآرائنا.
وما (١) مثل مراقبة أولئك الحفظة إلا مثل مراقبة رجال البوليس السري في حكومات العصر الحديث.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في الآية: الملوك يتخذون الحرس يحفظونهم من أمامهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمالهم، يحفظونهم من القتل، ألم تسمع أن الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾ لم يغنِ الحرس عنهم شيئًا، وفي معنى الآية قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
والحكمة في كتابة الأعمال وحفظها على العاملين أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه، وتعرض على رؤوس الأشهاد.. كان ذلك أزجر له عن الفواحش والمنكرات، وأبعث له على عمل الصالحات، فإن لم يصل إلى مقام العلم الراسخ الذي يثمر الخشية لله والمعرفة الكاملة التي تثمر الحياء.. ربما غلب عليه الغرور بالكرم الإلهي والرجاء في المغفرة والرحمة، فلا يكون لديه من الخشية والحياء ما يزجره عن المعصية، كما يزجره توقع الفضيحة في موقف الحساب على أعين الخلائق وأسماعهم، كما قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً
وما (١) مثل مراقبة أولئك الحفظة إلا مثل مراقبة رجال البوليس السري في حكومات العصر الحديث.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في الآية: الملوك يتخذون الحرس يحفظونهم من أمامهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمالهم، يحفظونهم من القتل، ألم تسمع أن الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾ لم يغنِ الحرس عنهم شيئًا، وفي معنى الآية قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
والحكمة في كتابة الأعمال وحفظها على العاملين أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه، وتعرض على رؤوس الأشهاد.. كان ذلك أزجر له عن الفواحش والمنكرات، وأبعث له على عمل الصالحات، فإن لم يصل إلى مقام العلم الراسخ الذي يثمر الخشية لله والمعرفة الكاملة التي تثمر الحياء.. ربما غلب عليه الغرور بالكرم الإلهي والرجاء في المغفرة والرحمة، فلا يكون لديه من الخشية والحياء ما يزجره عن المعصية، كما يزجره توقع الفضيحة في موقف الحساب على أعين الخلائق وأسماعهم، كما قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً
(١) المراغي.
379
إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)}.
وقوله: ﴿إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ غاية لمحذوف تقديره: وهو الذي يرسل عليكم حفظة من الملائكة يراقبونكم ويحصون عليكم أعمالكم مدة حياتكم حتى إذا جاء أحدكم أسباب الموت ومقدماته، وانتهى عمله ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾؛ أي: قبضت روحه رسلنا الموكلون بذلك من الملائكة، وهؤلاء الرسل هم أعوان ملك الموت الذين يتولون ذلك بأمره، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)﴾.
روى ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس: أنه سُئل عن ملك الموت، أهو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: هو الذي يلي أمر الأرواح، وله أعوان على ذلك، وقرأ هذه الآية، ثم قال: غير أن ملك الموت هو الرئيس.
وروي عن إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة: أن الأعوان يقبضون الأرواح من الأبدان، ثم يدفعونها إلى ملك الموت. وعن الكلبي: أن ملك الموت هو الذي يتولى القبض بنفسه، ويدفعها إلى الأعوان، فإن كان الميت مؤمنًا.. دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإن كان كافرًا.. دفعها إلى ملائكة العذاب؛ أي: وهم يتوجهون بالأرواح إلى حيث يوجههم الله بأمره، وعلينا أن نؤمن بذلك ولا نبحث عن كيفيته.
فإن قلت: جاء إسناد التوفي إلى الله تعالى في قوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، وإسناده إلى ملك الموت في قوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ وإسناده إلى الرسل في قوله هنا: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، فكيف الجمع بين هذه الآيات؟.
قلتُ: وجه الجمع بين هذه الآيات: أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى، فإذا حضر أجل العبد.. أمر الله ملك الموت بقبض روحه، ولملك الموت أعوان من الملائكة، فيأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده، فإذا وصلت إلى الحلقوم.. تولى قبضها ملك الموت بنفسه، فحصل الجمع بين الآيات. وقيل: المراد من قوله: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾: ملك الموت وحده، وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيمًا له.
وقوله: ﴿إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ غاية لمحذوف تقديره: وهو الذي يرسل عليكم حفظة من الملائكة يراقبونكم ويحصون عليكم أعمالكم مدة حياتكم حتى إذا جاء أحدكم أسباب الموت ومقدماته، وانتهى عمله ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾؛ أي: قبضت روحه رسلنا الموكلون بذلك من الملائكة، وهؤلاء الرسل هم أعوان ملك الموت الذين يتولون ذلك بأمره، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)﴾.
روى ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس: أنه سُئل عن ملك الموت، أهو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: هو الذي يلي أمر الأرواح، وله أعوان على ذلك، وقرأ هذه الآية، ثم قال: غير أن ملك الموت هو الرئيس.
وروي عن إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة: أن الأعوان يقبضون الأرواح من الأبدان، ثم يدفعونها إلى ملك الموت. وعن الكلبي: أن ملك الموت هو الذي يتولى القبض بنفسه، ويدفعها إلى الأعوان، فإن كان الميت مؤمنًا.. دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإن كان كافرًا.. دفعها إلى ملائكة العذاب؛ أي: وهم يتوجهون بالأرواح إلى حيث يوجههم الله بأمره، وعلينا أن نؤمن بذلك ولا نبحث عن كيفيته.
فإن قلت: جاء إسناد التوفي إلى الله تعالى في قوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، وإسناده إلى ملك الموت في قوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ وإسناده إلى الرسل في قوله هنا: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، فكيف الجمع بين هذه الآيات؟.
قلتُ: وجه الجمع بين هذه الآيات: أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى، فإذا حضر أجل العبد.. أمر الله ملك الموت بقبض روحه، ولملك الموت أعوان من الملائكة، فيأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده، فإذا وصلت إلى الحلقوم.. تولى قبضها ملك الموت بنفسه، فحصل الجمع بين الآيات. وقيل: المراد من قوله: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾: ملك الموت وحده، وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيمًا له.
380
وقرأ حمزة (١): ﴿توفاه﴾ بألف ممالة، وظاهره أنه فعل ماض كتوفته إلا أنه ذكر على معنى الجمع، ومن قرأ: ﴿تَوَفَّتْهُ﴾ أنث على معنى الجماعة. ويحتمل أن يكون مضارعًا، وأصله: تتوفاه، فحذفت إحدى التاءين على الخلاف في تعيين المحذوفة.
وقرأ الأعمش: ﴿يتوفاه﴾ بزيادة ياء المضارعة على التذكير.
﴿وَهُمْ﴾؛ أي: والحال أن هؤلاء الرسل ﴿لَا يُفَرِّطُونَ﴾؛ أي: لا يقصرون فيما أمروا به من قبض روح الميت، ولا يؤخرونه طرفة عين. وقرأ الأعرج وعمرو بن عبيد: ﴿لا يُفْرِطون﴾ بالتخفيف؛ أي: لا يجاوزون الحد فيما أمروا به بزيادة أو نقصان.
٦٢ - وقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ معطوف على ﴿تَوَفَّتْهُ﴾. وقرىء: ﴿رِدوا﴾ بكسر الراء بنقل حركة الدال المدغمة إلى الراء؛ أي: ثم بعد قبض الملائكة أرواحهم يرد أولئك الذين تتوفاهم الرسل بالبعث من القبور والحشر إلى موقف الحساب إلى حكم الله وقضائه وجزائه الذي هو ﴿مَوْلَاهُمُ﴾ ومالك أمورهم، الذي هو ﴿الْحَقِّ﴾ الذي لا يقضي إلا بالعدل ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم. وفي الآية (٢) إيماء إلى أن ردهم إليه حتم؛ لأنه سيدهم الذي يتولى أمورهم، ويحكم بينهم بالحق وأما تولي بعض العباد أمورَ بعضٍ بملك الرقبه أو ملك التصرف والسياسة، فمنه ما هو باطل من كل وجه، ومنه ما هو باطل من حيث إنه موقوف لا ثبات له ولا بقاء، وحق من حيث إن مولاهم الحق أقره في سننه الاجتماعية أو شرائعه المنزلة لمصلحة العباد العارضة مدة حياتهم الدنيا، وقد زال كل ذلك بزوال عالم الدنيا، وبقي المولى الحق وحده.
فإن قلت: ما الحكمة في إفراد الضمير في قوله: ﴿تَوَفَّتْهُ﴾ العائد إلى ﴿أَحَدَكُمُ﴾ الذي هو بمعنى: البشر والخلق، وفي جمعه في قوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا﴾ بواو الجمع؟
وقرأ الأعمش: ﴿يتوفاه﴾ بزيادة ياء المضارعة على التذكير.
﴿وَهُمْ﴾؛ أي: والحال أن هؤلاء الرسل ﴿لَا يُفَرِّطُونَ﴾؛ أي: لا يقصرون فيما أمروا به من قبض روح الميت، ولا يؤخرونه طرفة عين. وقرأ الأعرج وعمرو بن عبيد: ﴿لا يُفْرِطون﴾ بالتخفيف؛ أي: لا يجاوزون الحد فيما أمروا به بزيادة أو نقصان.
٦٢ - وقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ معطوف على ﴿تَوَفَّتْهُ﴾. وقرىء: ﴿رِدوا﴾ بكسر الراء بنقل حركة الدال المدغمة إلى الراء؛ أي: ثم بعد قبض الملائكة أرواحهم يرد أولئك الذين تتوفاهم الرسل بالبعث من القبور والحشر إلى موقف الحساب إلى حكم الله وقضائه وجزائه الذي هو ﴿مَوْلَاهُمُ﴾ ومالك أمورهم، الذي هو ﴿الْحَقِّ﴾ الذي لا يقضي إلا بالعدل ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم. وفي الآية (٢) إيماء إلى أن ردهم إليه حتم؛ لأنه سيدهم الذي يتولى أمورهم، ويحكم بينهم بالحق وأما تولي بعض العباد أمورَ بعضٍ بملك الرقبه أو ملك التصرف والسياسة، فمنه ما هو باطل من كل وجه، ومنه ما هو باطل من حيث إنه موقوف لا ثبات له ولا بقاء، وحق من حيث إن مولاهم الحق أقره في سننه الاجتماعية أو شرائعه المنزلة لمصلحة العباد العارضة مدة حياتهم الدنيا، وقد زال كل ذلك بزوال عالم الدنيا، وبقي المولى الحق وحده.
فإن قلت: ما الحكمة في إفراد الضمير في قوله: ﴿تَوَفَّتْهُ﴾ العائد إلى ﴿أَحَدَكُمُ﴾ الذي هو بمعنى: البشر والخلق، وفي جمعه في قوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا﴾ بواو الجمع؟
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
قلتُ: السر في الإفراد أولًا، والجمع ثانيًا: وقوع التوفي على الانفراد، والرد على الاجتماع، ذكره "أبو السعود".
وكلمة ﴿أَلَا﴾ في قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْحُكْمُ﴾ حرف تنبيه واستفتاح؛ أي: انتبهوا أيها العباد واعلموا أن له سبحانه وتعالى وحده القضاء الحق في ذلك اليوم لا لغيره، لا بحسب الظاهر ولا بحسب الحقيقة، بخلاف الدنيا؛ فإنه وإن لم يكن حاكم في الحقيقة غيره تعالى، لكن فيها بحسب الظاهر حكام متعددة. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾؛ أي: أسرع من يحاسب؛ لأنه لا يحتاج إلى فكر وروية وعقد يد، وسرعة حسابه أنه يحاسب العباد كلهم في أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، ولا يشغله شأن عن شأن.
والخلاصة؛ أنه تعالى أسرع الحاسبين إحصاء للأعمال ومحاسبة عليها. وقرأ الحسن والأعمش: ﴿الحقَ﴾ بالنصب في قوله: ﴿مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ على إضمار فعل؛ أي: أعني أو أمدح، أو على أنه صفة مصدر محذوف تقديره: ثم ردوا إلى الله مولاهم الردَّ الحق.
٦٣ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لهؤلاء المشركين الغافلين عن أنفسهم وعما أودع في الآفاق من آيات التوحيد توبيخًا وتقريرًا لهم بانحطاط شركائهم عن رتبة الإلهية: ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ﴾؛ أي: من (١) ذا الذي ينجيكم من ظلمات البر إذا ضللتم فيه فتحيرتم وأظلمت عليكم الطرق ﴿وَ﴾ من ذا الذي ينجيكم من ظلمات ﴿الْبَحْرِ﴾ إذا ركبتم فيه، فأخطأتم الطريق، وأظلمت عليكم السبل، فلم تهتدوا. وقيل: ظلمات البر والبحر: مجاز عما فيهما من الشدائد والأهوال. وقيل: العمل على الحقيقة أولى، فظلمات البر: هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح، فيحصل من ذلك الخوف الشديد؛ لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب، وظلمات البحر: ما اجتمع فيه من ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة الرياح العاصفة، والأمواج الهائلة، فيحصل من ذلك أيضًا
وكلمة ﴿أَلَا﴾ في قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْحُكْمُ﴾ حرف تنبيه واستفتاح؛ أي: انتبهوا أيها العباد واعلموا أن له سبحانه وتعالى وحده القضاء الحق في ذلك اليوم لا لغيره، لا بحسب الظاهر ولا بحسب الحقيقة، بخلاف الدنيا؛ فإنه وإن لم يكن حاكم في الحقيقة غيره تعالى، لكن فيها بحسب الظاهر حكام متعددة. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾؛ أي: أسرع من يحاسب؛ لأنه لا يحتاج إلى فكر وروية وعقد يد، وسرعة حسابه أنه يحاسب العباد كلهم في أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، ولا يشغله شأن عن شأن.
والخلاصة؛ أنه تعالى أسرع الحاسبين إحصاء للأعمال ومحاسبة عليها. وقرأ الحسن والأعمش: ﴿الحقَ﴾ بالنصب في قوله: ﴿مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ على إضمار فعل؛ أي: أعني أو أمدح، أو على أنه صفة مصدر محذوف تقديره: ثم ردوا إلى الله مولاهم الردَّ الحق.
٦٣ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لهؤلاء المشركين الغافلين عن أنفسهم وعما أودع في الآفاق من آيات التوحيد توبيخًا وتقريرًا لهم بانحطاط شركائهم عن رتبة الإلهية: ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ﴾؛ أي: من (١) ذا الذي ينجيكم من ظلمات البر إذا ضللتم فيه فتحيرتم وأظلمت عليكم الطرق ﴿وَ﴾ من ذا الذي ينجيكم من ظلمات ﴿الْبَحْرِ﴾ إذا ركبتم فيه، فأخطأتم الطريق، وأظلمت عليكم السبل، فلم تهتدوا. وقيل: ظلمات البر والبحر: مجاز عما فيهما من الشدائد والأهوال. وقيل: العمل على الحقيقة أولى، فظلمات البر: هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح، فيحصل من ذلك الخوف الشديد؛ لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب، وظلمات البحر: ما اجتمع فيه من ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة الرياح العاصفة، والأمواج الهائلة، فيحصل من ذلك أيضًا
(١) الخازن.
382
الخوف الشديد من الوقوع في الهلاك. والاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ، كما مرت الإشارة إليه، فالمقصود: أنه عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيها إلا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد، وهو المراد من قوله: ﴿تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾؛ أي: من إله غير الله ينجيكم ويكشف عنكم تلك الكروب حالة كونكم تدعونه سبحانه وتعالى عند نزولها بكم تضرعًا وجهرًا، وتدعونه خفية وسرًّا، وتخلصون له الدعاء في الحالتين، وتنسون ما تشركون، يعني: إذا اشتد بكم الأمر.. تخلصون له الدعاء تضرعًا منكم إليه واستكانة جهرًا وخفية، يعني: جهرًا حالًا، وسرًّا حالًا، حالة كونكم قائلين في الدعاء ومقسمين له فيه، والله ربنا ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا﴾ الله من هذه الظلمات، وخلصنا من الهلاك ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ له على هذه النعمة، نعمة الإنجاء؛ أي: لنكونن من المتصفين بالشكر، المخلصين له بالعبادة دون من نشركه معه في عبادته، والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها لمن أنعم بها.
وقرأ (١) الكوفيون: ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ﴾ بالتشديد فيهما. وقرأ حميد بن قيس ويعقوب وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالتخفيف فيهما. وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - والعربيان - أبو عمرو وابن عامر - بالتشديد في ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ والتخفيف في ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ﴾ جمعوا بين التعدية بالهمزة والتضعيف كقوله: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ﴾. وقرأ (٢) أبو بكر عن عاصم: ﴿خفية﴾ بكسر الخاء وسكون الفاء. وقرأ الباقون بضمها وسكون الفاء، وهما لغتان، وعلى هذا الاختلاف في سورة الأعراف. وقرأ الأعمش: ﴿وخيفة﴾ بكسر الخاء فبعده الياء الساكنة من الخوف؛ أي: مستكينًا أو دعاء خوف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا﴾ بالغيبة. وقرأ الباقون: ﴿لئن أنجيتنا﴾ بالخطاب. والآية تدل (٣) على أن الإنسان يأتي عند حصول الشدائد بأمور.
أحدها: الدعاء.
وقرأ (١) الكوفيون: ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ﴾ بالتشديد فيهما. وقرأ حميد بن قيس ويعقوب وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالتخفيف فيهما. وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - والعربيان - أبو عمرو وابن عامر - بالتشديد في ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ والتخفيف في ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ﴾ جمعوا بين التعدية بالهمزة والتضعيف كقوله: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ﴾. وقرأ (٢) أبو بكر عن عاصم: ﴿خفية﴾ بكسر الخاء وسكون الفاء. وقرأ الباقون بضمها وسكون الفاء، وهما لغتان، وعلى هذا الاختلاف في سورة الأعراف. وقرأ الأعمش: ﴿وخيفة﴾ بكسر الخاء فبعده الياء الساكنة من الخوف؛ أي: مستكينًا أو دعاء خوف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا﴾ بالغيبة. وقرأ الباقون: ﴿لئن أنجيتنا﴾ بالخطاب. والآية تدل (٣) على أن الإنسان يأتي عند حصول الشدائد بأمور.
أحدها: الدعاء.
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
383
وثانيها: التضرع.
وثالثها: الإخلاص بالقلب، وهو المراد من قوله: ﴿وَخُفْيَةً﴾.
ورابعها: الالتزام عند الشدائد بالشكر، وهو المراد من قوله: ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾.
٦٤ - ثم بين أنهم يحنثون في أيمانهم بعد النجاة، ويشركون بربهم سواه، فقال: ﴿قُلِ﴾ لهم يا محمَّد ﴿اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا﴾؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى وحده ينجيكم من ظلمات البر والبحر وشدائدهما المرة بعد المرة، ويكشفها عنكم ﴿وَ﴾ ينجيكم ﴿مِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾ وغمٍّ سوى ذلك ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ يا أهل مكة بعدما تشاهدون هذه النعم الجليلة ﴿تُشْرِكُونَ﴾ بعبادته تعالى غيره الذي عرفتم أنه لا يضر ولا ينفع ولا تفون بعهدكم.
والخلاصة (١)؛ أنه إذا شهدت الفطرة السليمة بأنه لا ملجأ في هذه الحالة إلا إلى الله، ولا تعويل إلا على فضله، فالواجب أن يبقى هذا الإخلاص في جميع الأحوال والأوقات، لكن الإنسان بعد الفوز بالسلامة والنجاة يحيل ذلك إلى الأعمال الجسمانية أو إلى نحو ذلك من الأسباب، ويعود إلى الشرك في العبادة، ولا يوفي بالعهد. وفي الآية تنبيه إلى أن من أشرك في عبادته تعالى غيره، فكأنه لم يعبده رأسًا، فالتوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة
٦٥ - ﴿قُلِ﴾ هو يا محمَّد لقومك الذين يشركون مع الله سواه، ولا يشكرون نعمه التي أسداها إليهم: إن الله سبحانه وتعالى ﴿هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ﴾ ويرسل ﴿عَلَيْكُمْ عَذَابًا﴾ تجهلون حقيقته، فيصب عليكم ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ كالمطر كما فعل بقوم نوح، والحجارة كما رمي أصحاب اللَّيل وقوم لوط، والصيحة؛ أي: الصرخة التي صرخها جبريل على ثمود قوم صالح، والربح كما في قوم هود. ﴿أَوْ﴾ يثيره ﴿مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ كالرجفة، وغرق فرعون، وخسف قارون ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ﴾ ويخلط أمركم خلط اضطراب واختلاف لا خلط اتفاق، فيجعلكم ﴿شِيَعًا﴾ وفرقًا مختلفين على أهواء
وثالثها: الإخلاص بالقلب، وهو المراد من قوله: ﴿وَخُفْيَةً﴾.
ورابعها: الالتزام عند الشدائد بالشكر، وهو المراد من قوله: ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾.
٦٤ - ثم بين أنهم يحنثون في أيمانهم بعد النجاة، ويشركون بربهم سواه، فقال: ﴿قُلِ﴾ لهم يا محمَّد ﴿اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا﴾؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى وحده ينجيكم من ظلمات البر والبحر وشدائدهما المرة بعد المرة، ويكشفها عنكم ﴿وَ﴾ ينجيكم ﴿مِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾ وغمٍّ سوى ذلك ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ يا أهل مكة بعدما تشاهدون هذه النعم الجليلة ﴿تُشْرِكُونَ﴾ بعبادته تعالى غيره الذي عرفتم أنه لا يضر ولا ينفع ولا تفون بعهدكم.
والخلاصة (١)؛ أنه إذا شهدت الفطرة السليمة بأنه لا ملجأ في هذه الحالة إلا إلى الله، ولا تعويل إلا على فضله، فالواجب أن يبقى هذا الإخلاص في جميع الأحوال والأوقات، لكن الإنسان بعد الفوز بالسلامة والنجاة يحيل ذلك إلى الأعمال الجسمانية أو إلى نحو ذلك من الأسباب، ويعود إلى الشرك في العبادة، ولا يوفي بالعهد. وفي الآية تنبيه إلى أن من أشرك في عبادته تعالى غيره، فكأنه لم يعبده رأسًا، فالتوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة
٦٥ - ﴿قُلِ﴾ هو يا محمَّد لقومك الذين يشركون مع الله سواه، ولا يشكرون نعمه التي أسداها إليهم: إن الله سبحانه وتعالى ﴿هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ﴾ ويرسل ﴿عَلَيْكُمْ عَذَابًا﴾ تجهلون حقيقته، فيصب عليكم ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ كالمطر كما فعل بقوم نوح، والحجارة كما رمي أصحاب اللَّيل وقوم لوط، والصيحة؛ أي: الصرخة التي صرخها جبريل على ثمود قوم صالح، والربح كما في قوم هود. ﴿أَوْ﴾ يثيره ﴿مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ كالرجفة، وغرق فرعون، وخسف قارون ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ﴾ ويخلط أمركم خلط اضطراب واختلاف لا خلط اتفاق، فيجعلكم ﴿شِيَعًا﴾ وفرقًا مختلفين على أهواء
(١) المراغي.
384
شتى، كل فرقة تشايع وتتبع إمامًا في الدين، أو تتعصب لملك أو رئيس، فإذا كنتم مختلفين.. قاتل بعضكم بعضًا ﴿وَيُذِيقَ﴾ الله ﴿بَعْضَكُمْ﴾ بسبب تلك المخالفة ﴿بَأْسَ بَعْضٍ﴾ آخر وضرره، فيقتل بعضكم بيد بعض.
وقرأ أبو عبد الله المدني: ﴿يلبسكم﴾ بضم الياء من اللبس، استعارة من اللباس؛ أي: يلبسكم الفتنة حالة كونكم شيعًا. وقرأ الأعمش: ﴿ونذيق﴾ بالنون، وهي نون عظمة الواحد، وهي التفات فائدته نسبة ذلك إلى الله على سبيل العظمة والقدرة القاهرة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾.. قال رسول الله - ﷺ -: "أعوذ بوجهك"، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾.. قال: "أعوذ بوجهك"، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾.. قال: "هذا أهون - أو - هذا أيسر" أخرجه البخاري، وإنما كان هذا أهون؛ لأن المستعاذ مما قبله هو عذاب الاستئصال بإحدى الخصلتين الأوليين حتى لا يبقى من الأمة أحد.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه أقبل مع النبي - ﷺ - ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية.. دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلًا، ثم انصرف إلينا فقال: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألت ربي: أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها" أخرجه مسلم.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله - ﷺ - صلاة، فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها، قال: "أجل، إنها صلاة رغبة ورغبة، إني سألت الله فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته: أن لا يهلك أمتي بسَنَة، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من
وقرأ أبو عبد الله المدني: ﴿يلبسكم﴾ بضم الياء من اللبس، استعارة من اللباس؛ أي: يلبسكم الفتنة حالة كونكم شيعًا. وقرأ الأعمش: ﴿ونذيق﴾ بالنون، وهي نون عظمة الواحد، وهي التفات فائدته نسبة ذلك إلى الله على سبيل العظمة والقدرة القاهرة.
فصل في الأحاديث المناسبة للآية
وعن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾.. قال رسول الله - ﷺ -: "أعوذ بوجهك"، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾.. قال: "أعوذ بوجهك"، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾.. قال: "هذا أهون - أو - هذا أيسر" أخرجه البخاري، وإنما كان هذا أهون؛ لأن المستعاذ مما قبله هو عذاب الاستئصال بإحدى الخصلتين الأوليين حتى لا يبقى من الأمة أحد.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه أقبل مع النبي - ﷺ - ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية.. دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلًا، ثم انصرف إلينا فقال: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألت ربي: أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها" أخرجه مسلم.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله - ﷺ - صلاة، فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها، قال: "أجل، إنها صلاة رغبة ورغبة، إني سألت الله فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته: أن لا يهلك أمتي بسَنَة، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من
385
غيرهم، فأعطانيها، وسألته: أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها" أخرجه الترمذي.
ثم طلب منه النظر فيما لديه من الحجج والبينات، فقال: ﴿انْظُرْ﴾ يا محمَّد وتأمل بعين بصيرتك ﴿كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: كيف نبين دلائلنا وحججنا لهؤلاء المكذبين ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾؛ أي: يفهمون ويعتبرون فينزجروا ويرجعوا عماهم عليه من الكفر والتكذيب؛ أي: انظر كيف نصرف الآيات ونكررها مغيَّرة من حال إلى حال، لكي يقفوا على جلية الأمر، فيرجعوا عما هم عليه من العناد.
والمعني (١): تأمل بعين بصيرتك أيها الرسول، كيف نصرف الآيات والدلائل ونتابعها على أنحاء شتَّى، منها ما طريقه الحس، ومنها ما طريقه العقل، ومنها ما سبيله علم الغيب، لعلهم يفقهون الحق، ويدركون الحقائق بأسبابها وعللها التي تفضي إلى الاعتبار والعمل بها. وأقرب الوسائل إلى تحصيل ذلك: تصريف الآيات، واختلاف الحجج والبينات. وبذا يتذكرون ويزدجرون عما هم عليه مقيمون من التكذيب بكتابنا ورسولنا، وانكبابهم على عبادة الأوثان والأصنام.
٦٦ - ثم ذكر أن قومه قد كذبوا به على وضوح حجته، فقال: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ﴾؛ أي: وكذب بالقرآن قومك يا محمَّد على ما صرفنا فيه من الآيات الجاذبة إلى فقه الإيمان؛ إذ يثبتها الحس والعقل والوجدان. ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾؛ أي: والحال أنه كتاب حق صادق فيما نطق به، ثابت لا شك فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقرأ ابن أبي عبلة: ﴿وكذبت به قومك﴾ بالتاء، كما قال ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾. وقيل (٢): الضمير في: ﴿بِهِ﴾ يرجع إلى العذاب، وهو الحق، يعني: أنه نازل بهم إن أقاموا على كفرهم وتكذيبهم. وقيل: الضمير يرجع إلى تصريف الآيات، وهو الحق؛ لأنهم كذبوا كونها من عند الله.
ثم أمر رسوله بأن يبلغهم بأن لا سبيل له في جبرهم على الإيمان به،
ثم طلب منه النظر فيما لديه من الحجج والبينات، فقال: ﴿انْظُرْ﴾ يا محمَّد وتأمل بعين بصيرتك ﴿كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: كيف نبين دلائلنا وحججنا لهؤلاء المكذبين ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾؛ أي: يفهمون ويعتبرون فينزجروا ويرجعوا عماهم عليه من الكفر والتكذيب؛ أي: انظر كيف نصرف الآيات ونكررها مغيَّرة من حال إلى حال، لكي يقفوا على جلية الأمر، فيرجعوا عما هم عليه من العناد.
والمعني (١): تأمل بعين بصيرتك أيها الرسول، كيف نصرف الآيات والدلائل ونتابعها على أنحاء شتَّى، منها ما طريقه الحس، ومنها ما طريقه العقل، ومنها ما سبيله علم الغيب، لعلهم يفقهون الحق، ويدركون الحقائق بأسبابها وعللها التي تفضي إلى الاعتبار والعمل بها. وأقرب الوسائل إلى تحصيل ذلك: تصريف الآيات، واختلاف الحجج والبينات. وبذا يتذكرون ويزدجرون عما هم عليه مقيمون من التكذيب بكتابنا ورسولنا، وانكبابهم على عبادة الأوثان والأصنام.
٦٦ - ثم ذكر أن قومه قد كذبوا به على وضوح حجته، فقال: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ﴾؛ أي: وكذب بالقرآن قومك يا محمَّد على ما صرفنا فيه من الآيات الجاذبة إلى فقه الإيمان؛ إذ يثبتها الحس والعقل والوجدان. ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾؛ أي: والحال أنه كتاب حق صادق فيما نطق به، ثابت لا شك فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقرأ ابن أبي عبلة: ﴿وكذبت به قومك﴾ بالتاء، كما قال ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾. وقيل (٢): الضمير في: ﴿بِهِ﴾ يرجع إلى العذاب، وهو الحق، يعني: أنه نازل بهم إن أقاموا على كفرهم وتكذيبهم. وقيل: الضمير يرجع إلى تصريف الآيات، وهو الحق؛ لأنهم كذبوا كونها من عند الله.
ثم أمر رسوله بأن يبلغهم بأن لا سبيل له في جبرهم على الإيمان به،
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾؛ أي: إنني لست عليكم بحفيظ ولا رقيب، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، أبشركم وأنذركم، ولم أعط القدرة على التصرف في عباده حتى أجبركم على الإيمان جبرًا، وأكرهكم عليه إكراهًا: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)﴾ ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)﴾. وقيل (١): المعنى: قل يا محمَّد لهؤلاء المكذبين: لست عليكم بحافظ حتى أجازيكم على تكذيبكم وإعراضكم عن قبول الحق، بل إنما أنا منذر، والله هو المجازي لكم على أعمالكم، وقيل: معناه: إني إنما أدعوكم إلى الله وإلى الإيمان به، ولم أومر بحربكم؛ فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بآية السيف.
٦٧ - ثم هددهم وتوعدهم على التكذيب به فقال: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ﴾؛ أي: لكل شيء ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾؛ أي: وقت يقع فيه، والنبأ الشيء الذي ينبأ عنه ويخبر به. وقيل: المعنى: لكل عمل جزاء. وقيل (٢): المعنى: لكل خبر يخبره الله مستقر؛ أي: وقت ومكان يقع فيه من غير خلف ولا تأخير، وكان ما وعدهم به من العذاب في الدنيا وقع يوم بدر ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ صحة هذا الخبر عند وقوعه؛ إما في الدنيا، وإما في الآخرة، والمعنى: لكل شيء ينبأ عنه ويخبر به مستقر؛ أي: وقت تستقر وتظهر فيه حقيقته، ويتميز حقه من باطله، فلا يبقى مجال للاختلاف فيه، وسوف تعلمون مستقر ما أنبأكم به كتابي من وعد ووعيد، ومن ذلك: ما وعد به الرسول من نصره عليهم، وما أوعد به أعدائه من الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)﴾.
٦٨ - ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ﴾ هو يا محمَّد أو أيها المخاطب هؤلاء المشركين ﴿الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ ويشرعون وينهمكون ﴿فِي آيَاتِنَا﴾ القرآنية بالكفر والتكذيب والاستهزاء {فَأَعْرِضْ
٦٧ - ثم هددهم وتوعدهم على التكذيب به فقال: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ﴾؛ أي: لكل شيء ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾؛ أي: وقت يقع فيه، والنبأ الشيء الذي ينبأ عنه ويخبر به. وقيل: المعنى: لكل عمل جزاء. وقيل (٢): المعنى: لكل خبر يخبره الله مستقر؛ أي: وقت ومكان يقع فيه من غير خلف ولا تأخير، وكان ما وعدهم به من العذاب في الدنيا وقع يوم بدر ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ صحة هذا الخبر عند وقوعه؛ إما في الدنيا، وإما في الآخرة، والمعنى: لكل شيء ينبأ عنه ويخبر به مستقر؛ أي: وقت تستقر وتظهر فيه حقيقته، ويتميز حقه من باطله، فلا يبقى مجال للاختلاف فيه، وسوف تعلمون مستقر ما أنبأكم به كتابي من وعد ووعيد، ومن ذلك: ما وعد به الرسول من نصره عليهم، وما أوعد به أعدائه من الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)﴾.
٦٨ - ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ﴾ هو يا محمَّد أو أيها المخاطب هؤلاء المشركين ﴿الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ ويشرعون وينهمكون ﴿فِي آيَاتِنَا﴾ القرآنية بالكفر والتكذيب والاستهزاء {فَأَعْرِضْ
(١) الخازن.
(٢) الواحدي.
(٢) الواحدي.
387
عَنْهُمْ}؛ أي: فصد عنهم بوجهك، وقم ولا تقعد معهم ﴿حَتَّى يَخُوضُوا﴾ ويشرعوا ﴿فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾؛ أي: حديث غير التكذيب والاستهزاء بآياتنا، ويصح عود الضمير على الآيات نظرًا لمعناها؛ لأنها بمعنى الحديث والقول، ذكره أبو البقاء. قال المراغي: والمخاطب (١) بالآية الرسول - ﷺ -، ومن كان معه من المؤمنين، ثم المؤمنون في كل زمان؛ أي: وإذا رأيت أيها الرسول، أو أيها المؤمن، الذين يخوضون في آياتنا المنزلة من الكفار المكذبين، أو من أهل الأهواء المفرقين.. فصد عنهم بوجهك، وقم ولا تجلس معهم حتى يخوضوا في حديث غير الكفر بآيات الله، والاستهزاء بها من جانب الكفار، أو تأويلها بالباطل من جانب أهل الأهواء؛ وتأييدًا لما استحدثوا من مذاهب وأراء، وتفنيدًا لأقوال خصومهم بالشغب والجدل والمراء، وإذا خاضوا في غير ذلك.. فلا ضير في القعود معهم.
وسِرُّ (٢) هذا النهي: أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم يغريهم في التمادي فيما هم فيه، ويدل على الرضا به والمشاركة فيه، والمشاركة في ذلك كفر ظاهر لا يرتكبه إلا كافر مجاهر، أو منافق مراء، كما أنَّ في التأويل لنصر البدع والآراء الفاسدة فتنةً في الدين، لا تنقص عن الأولى ضررًا، فإن أربابها تغشهم أنفسهم بأنهم ينصرون الحق ويخدمون الشرع، ومن ثم حذر السلف من مجالسة أهل الأهواء أشد مما حذروا من مجالسة الكفار؛ إذ لا يخشى على المؤمن من فتنة الكافر مقدار ما يخشى من فتنة المبتدع. ومن الناس من يحرفون آيات الله على مواضعها بهواهم؛ ليكفروا بها مسلمًا، أو يضلِّلوا بها مهتديًا، بغيًا عليه وحسدًا له.
وفي (٣) هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله - ﷺ -، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه، فأقل الأحوال
وسِرُّ (٢) هذا النهي: أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم يغريهم في التمادي فيما هم فيه، ويدل على الرضا به والمشاركة فيه، والمشاركة في ذلك كفر ظاهر لا يرتكبه إلا كافر مجاهر، أو منافق مراء، كما أنَّ في التأويل لنصر البدع والآراء الفاسدة فتنةً في الدين، لا تنقص عن الأولى ضررًا، فإن أربابها تغشهم أنفسهم بأنهم ينصرون الحق ويخدمون الشرع، ومن ثم حذر السلف من مجالسة أهل الأهواء أشد مما حذروا من مجالسة الكفار؛ إذ لا يخشى على المؤمن من فتنة الكافر مقدار ما يخشى من فتنة المبتدع. ومن الناس من يحرفون آيات الله على مواضعها بهواهم؛ ليكفروا بها مسلمًا، أو يضلِّلوا بها مهتديًا، بغيًا عليه وحسدًا له.
وفي (٣) هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله - ﷺ -، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه، فأقل الأحوال
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
388
أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر. وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه، وبلغت إليه طاقتنا، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها.. علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه، فيعمل بذلك مدة عمره، ويلقى الله به معتقدًا أنه من الحق، وهو من أبطل الباطل، وأنكر المنكر. ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾؛ أي: وإن أنساك الشيطان بوسوسته نهينا إياك عن مجالسة الخائضين في آيات الله بعد تذكرك أولًا، وقعدت معهم وهم على تلك الحال، ثم ذكرت بعد ذلك.. ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى﴾؛ أي: بعد تذكرك النهي ﴿مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم بتكذيب آيات ربهم والاستهزاء بها بدلًا من الإيمان بها والاهتداء بهديها؛ أي: فقم عنهم ولا تجلس معهم بعد ذلك. وإنما (١) أبرزهم ظاهرين تسجيلًا عليهم بصفة الظلم، وإلا فحق العبارة أن يقال: فلا تقعد معهم. وجاء في الشرط الأول بـ ﴿إِذَا﴾؛ لأن خوضهم في الآيات محقق، وفي الشرط الثاني بـ ﴿إن﴾؛ لأن إنساء الشيطان له ليس أمرًا محققًا، بل قد يقع وقد لا يقع، وهو معصوم منه، ولم يجىء مصدر على فعلى إلا ذكرى اهـ "سمين".
والخطاب (٢) في قوله: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾ للرسول - ﷺ -، والمراد غيره، أو هو للرسول - ﷺ - بالذات، ولغيره بالتبع، كما هو الشأن في أحكام التشريع غير الخاصة به - ﷺ -. ووقوع النسيان من الأنبياء بغير وسوسة من الشيطان لا خلاف في جوازه، قال تعالى لخاتم أنبيائه: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ وثبت وقوعه من موسى عليه السلام: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾، ولكن الله عصمهم من نسيان
والخطاب (٢) في قوله: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾ للرسول - ﷺ -، والمراد غيره، أو هو للرسول - ﷺ - بالذات، ولغيره بالتبع، كما هو الشأن في أحكام التشريع غير الخاصة به - ﷺ -. ووقوع النسيان من الأنبياء بغير وسوسة من الشيطان لا خلاف في جوازه، قال تعالى لخاتم أنبيائه: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ وثبت وقوعه من موسى عليه السلام: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾، ولكن الله عصمهم من نسيان
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
389
شيء مما أمرهم بتبليغه.
وثبت في "الصحيحين" و"السنن" أن النبي - ﷺ - سها في الصلاة، وقال: "إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت.. فذكِّروني". وإنساء الشيطان للإنسان بعض الأمور ليس من قبيل التصرف والسلطان حتى يدخل في مفهوم قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)﴾. ومن هذا تعلم أن نسيان الشيء الحسن الذي يسند إلى الشيطان؛ لكونه ضارًا ومفوتًا لبعض المنافع، أو لكونه حصل بوسوسته، ولو بشغل القلب ببعض المباحات، فلا يعد من سلطان الشيطان على الناس، واستحواذه عليهم بالإغواء والإضلال الذي نفاه الله تعالى عن عباده المخلصين بقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)﴾.
وقرأ (١) ابن عامر: ﴿ينسينك﴾ مشددًا عدّاه بالتضعيف، وعدّاه غيره بالهمزة.
٦٩ - وروي عن ابن عباس: أنه لما قال المسلمون: إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام، وأن نطوف بالبيت.. نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الشرك والمعاصي ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾؛ أي: من حساب الخائضين وعقوبتهم ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾، فـ ﴿مِنْ﴾ زائدة؛ أي: ليس على الذين آمنوا واتقوا شيء من حساب الخائضين في آيات الله، فلا يحاسبون على خوضهم فيها، وعلى غيره من أعمالهم السيئة التي يحاسبهم الله تعالى عليها إذا هم تجنبوهم، وأعرضوا عنهم كما أمروا. ﴿وَلَكِنْ ذِكْرَى﴾؛ أي: ولكن عليكم أيها المتقون أن تذكروهم ذكرى، وتعظوهم عظة إذا سمعتموهم يخوضون، بأن تقوموا عنهم، وتظهروا كراهة فعلهم وتعظوهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾؛ أي: لعلهم يتجنبون الخوض في الآيات حياءً منكم، ورغبة في مجالستكم، قاله مقاتل. أو
وثبت في "الصحيحين" و"السنن" أن النبي - ﷺ - سها في الصلاة، وقال: "إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت.. فذكِّروني". وإنساء الشيطان للإنسان بعض الأمور ليس من قبيل التصرف والسلطان حتى يدخل في مفهوم قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)﴾. ومن هذا تعلم أن نسيان الشيء الحسن الذي يسند إلى الشيطان؛ لكونه ضارًا ومفوتًا لبعض المنافع، أو لكونه حصل بوسوسته، ولو بشغل القلب ببعض المباحات، فلا يعد من سلطان الشيطان على الناس، واستحواذه عليهم بالإغواء والإضلال الذي نفاه الله تعالى عن عباده المخلصين بقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)﴾.
وقرأ (١) ابن عامر: ﴿ينسينك﴾ مشددًا عدّاه بالتضعيف، وعدّاه غيره بالهمزة.
٦٩ - وروي عن ابن عباس: أنه لما قال المسلمون: إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام، وأن نطوف بالبيت.. نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الشرك والمعاصي ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾؛ أي: من حساب الخائضين وعقوبتهم ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾، فـ ﴿مِنْ﴾ زائدة؛ أي: ليس على الذين آمنوا واتقوا شيء من حساب الخائضين في آيات الله، فلا يحاسبون على خوضهم فيها، وعلى غيره من أعمالهم السيئة التي يحاسبهم الله تعالى عليها إذا هم تجنبوهم، وأعرضوا عنهم كما أمروا. ﴿وَلَكِنْ ذِكْرَى﴾؛ أي: ولكن عليكم أيها المتقون أن تذكروهم ذكرى، وتعظوهم عظة إذا سمعتموهم يخوضون، بأن تقوموا عنهم، وتظهروا كراهة فعلهم وتعظوهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾؛ أي: لعلهم يتجنبون الخوض في الآيات حياءً منكم، ورغبة في مجالستكم، قاله مقاتل. أو
(١) البحر المحيط.
لعلهم يتقون الوعيد بتذكيركم إياهم.
قال (١) سعيد بن المسيب وابن جريج ومقاتل: هذه الآية منسوخة بالآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾، وذهب الجمهور إلى أنها محكمة لا نسخ فيها؛ لأنها خبر، والخبر لا يدخله النسخ؛ لأنها إنما دلت على أن كل إنسان إنما يختص بحساب نفسه لا بحساب غيره. وقيل: إنما أباح لهم القعود معهم بشرط التذكير والموعظة، فلا تكون منسوخة.
٧٠ - وبعد أن أمر رسوله بالإعراض عمن اتخذ آيات الله هزوا.. أمره بترك المستهزئين بدينهم، الذين غرتهم الحياة الدنيا فقال: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾؛ أي (٢): واترك يا محمَّد هؤلاء المشركين الذين اتخذوا وجعلوا دينهم الذي أمروا به ودعوا إليه - وهو دين الإِسلام - لعبًا ولهوًا، وذلك حيث سَخِروا به واستهزؤوا به. وقيل: إنهم اتخذوا عبادة الأصنام لعبًا ولهوًا. وقيل: إن الكفار إذا سمعوا القرآن لعبوا ولهوا عند سماعه. وقيل: إن الله جعل لكل قوم عيدًا، فاتخذ كل قوم دينهم - يعني: عيدهم - لعبًا ولهوًا، يلعبون ويلهون فيه إلا المسلمين، فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة وتكبيرًا وفعل الخير فيه، مثل عيد الفطر، وعيد النحر، ويوم الجمعة. ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ يعني: أنهم اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا، وغلب حبها على قلوبهم، فأعرضوا عن دين الحق، واتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا. وقال الرازي: لأجل استيلاء حب الدنيا أعرضوا عن حقيقة الدين، واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوصلوا بها إلى حطام الدنيا. انتهى. ومعنى الآية: وذر يا محمَّد الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، واتركهم، ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم. والمراد بتركهم: ترك معاشرتهم ومخالطتهم، لا ترك الإنذار والتخويف.
فصل
قال (١) سعيد بن المسيب وابن جريج ومقاتل: هذه الآية منسوخة بالآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾، وذهب الجمهور إلى أنها محكمة لا نسخ فيها؛ لأنها خبر، والخبر لا يدخله النسخ؛ لأنها إنما دلت على أن كل إنسان إنما يختص بحساب نفسه لا بحساب غيره. وقيل: إنما أباح لهم القعود معهم بشرط التذكير والموعظة، فلا تكون منسوخة.
٧٠ - وبعد أن أمر رسوله بالإعراض عمن اتخذ آيات الله هزوا.. أمره بترك المستهزئين بدينهم، الذين غرتهم الحياة الدنيا فقال: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾؛ أي (٢): واترك يا محمَّد هؤلاء المشركين الذين اتخذوا وجعلوا دينهم الذي أمروا به ودعوا إليه - وهو دين الإِسلام - لعبًا ولهوًا، وذلك حيث سَخِروا به واستهزؤوا به. وقيل: إنهم اتخذوا عبادة الأصنام لعبًا ولهوًا. وقيل: إن الكفار إذا سمعوا القرآن لعبوا ولهوا عند سماعه. وقيل: إن الله جعل لكل قوم عيدًا، فاتخذ كل قوم دينهم - يعني: عيدهم - لعبًا ولهوًا، يلعبون ويلهون فيه إلا المسلمين، فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة وتكبيرًا وفعل الخير فيه، مثل عيد الفطر، وعيد النحر، ويوم الجمعة. ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ يعني: أنهم اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا، وغلب حبها على قلوبهم، فأعرضوا عن دين الحق، واتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا. وقال الرازي: لأجل استيلاء حب الدنيا أعرضوا عن حقيقة الدين، واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوصلوا بها إلى حطام الدنيا. انتهى. ومعنى الآية: وذر يا محمَّد الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، واتركهم، ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم. والمراد بتركهم: ترك معاشرتهم ومخالطتهم، لا ترك الإنذار والتخويف.
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
391
وعبارة "المراغي" هنا (١) أي: ودَعْ أيها الرسول ومن تبعك من المؤمنين هؤلاء المشركين، الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، وغرتهم الحياة الدنيا الفانية، فآثروها على الحياة الباقية، واشتغلوا بلذاتها الحقيرة الفانية المشوبة بالمنغصات عما جاءهم من الحق مؤيدًا بالحجج والآيات، فاستبدلوا الخوض فيها بما كان يجب من فقهها وتدبرها، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)﴾. واتخاذهم دينهم لعبًا ولهوًا؛ أنهم لما عملوا ما لا يزكي نفوسهم، ولا يطهر قلوبهم، ولا يهذب أخلاقهم، ولا يقع على وجه يرضي الله سبحانه، ولا يعد للقائه في دار الكرامة.. أضاعوا الوقت فيما لا يفيد، وهذا هو اللعب، أو شغلوا عن شؤونهم وهمومهم الأخروية وهذا هو اللهو.
وبعد أن أمره بترك المستهزئين بدينهم أمره بالتذكير بالقرآن، وتبليغ الرسالة، فقال: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾؛ أي: وذكر يا محمَّد بالقرآن وعظ به هؤلاء المشركين وغيرهم مخافة ﴿أَنْ تُبْسَلَ﴾ وتحبس ﴿نَفْسٌ﴾ في جهنم وتهلك فيها ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾؛ أي: بسبب ما كسبت وعملت من الشرك والمعاصي، والضمير في قوله: ﴿بِهِ﴾ يعود على القرآن المعلوم من السياق؛ لأنه هو الذكر، بُعث به الرسول المذكر.
والمعنى (٢): وذكرهم بالقرآن ومواعظه، وعرفهم الشرائع لكي لا تهلك نفس وترتهن في جهنم بسبب الجنايات التي اكتسبت في الدنيا، وتحرم الثواب في الآخرة ثم وصف النفس المبسلة، وعلل إبسالها، فقال: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: ليس لتلك النفس التي هلكت من دون الله ﴿وَلِيٌّ﴾؛ أي: ليس لها ولي يلي أمرها، وناصر ينصرها غير الله تعالى ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾ يشفع لها في الآخرة عند الله إلا بإذنه، كما قال: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾، وقال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾، وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
وبعد أن أمره بترك المستهزئين بدينهم أمره بالتذكير بالقرآن، وتبليغ الرسالة، فقال: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾؛ أي: وذكر يا محمَّد بالقرآن وعظ به هؤلاء المشركين وغيرهم مخافة ﴿أَنْ تُبْسَلَ﴾ وتحبس ﴿نَفْسٌ﴾ في جهنم وتهلك فيها ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾؛ أي: بسبب ما كسبت وعملت من الشرك والمعاصي، والضمير في قوله: ﴿بِهِ﴾ يعود على القرآن المعلوم من السياق؛ لأنه هو الذكر، بُعث به الرسول المذكر.
والمعنى (٢): وذكرهم بالقرآن ومواعظه، وعرفهم الشرائع لكي لا تهلك نفس وترتهن في جهنم بسبب الجنايات التي اكتسبت في الدنيا، وتحرم الثواب في الآخرة ثم وصف النفس المبسلة، وعلل إبسالها، فقال: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: ليس لتلك النفس التي هلكت من دون الله ﴿وَلِيٌّ﴾؛ أي: ليس لها ولي يلي أمرها، وناصر ينصرها غير الله تعالى ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾ يشفع لها في الآخرة عند الله إلا بإذنه، كما قال: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾، وقال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾، وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
392
ثم أرشد إلى أنه لا ينفع في الآخرة إلا صالح العمل لا الشفعاء والوسطاء، فقال: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾؛ أي: وإن تفد تلك النفس المبسلة كل نوع من أنواع الفداء وتعطه ﴿لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾؛ أي: لا يقبل ذلك العدل والفداء منها، والمراد: أنه لا يقع الأخذ ولا يحصل، وهذا كقوله في سورة البقرة: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)﴾.
والخلاصة (١): أن النفس المبسلة تمنع في ذلك اليوم من أي وسيلة من وسائل النجاة، فلا ولي ولا حميم ولا شفيع ولا فداء إلى نحو أولئك، مما ربما نفع في مقاصد الدنيا وأنجز بعض المنافع. وفي هذا إبطال لأصل من أصول الوثنية، وهو رجاء النجاة في الآخرة، كما هو الحال في الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى، أو بشفاعة الشافعين ووساطة الوسطاء عنده تعالى، وتقرير لأصل ديني، وهو أن لا نجاة في الآخرة ولا رضوان من الله ولا قرب منه إلا بالعمل بما شرعه على ألسنة رسله من إيمان به، وعمل صالح يزكي النفس ويطهرها؛ أما من دس نفسه، وأبسله كسبه للسيئات والخطايا، واتخذ دين الله هزوًا ولعبًا، وغرته الحياة الدنيا، فلا تنفعه شفاعة، ولا تقبل منه فدية.
ثم بيَّن أن هذا الإبسال كان بسوء صنيعهم، فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا هم ﴿الَّذِينَ أُبْسِلُوا﴾ وحرموا الثواب، وأسلموا للعذاب، وحبسوا عن دار السعادة ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾؛ أي: بسبب ما كسبوا من الأوزار والآثام حتى أحاطت بهم خطاياهم، ولم يكن لهم من دينهم الذي اتخذوه زاجر ولا مانع يرشدهم إلى التحول عن تلك الأعمال القبيحة، ويصدهم عن العقائد الزائغة.
ثم بين سبحانه ما يكون من الجزاء حين أُبسلوا، فقال: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء المتخذين دينهم لعبًا ولهوًا ﴿شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾؛ أي: من ماء حار مغلي
والخلاصة (١): أن النفس المبسلة تمنع في ذلك اليوم من أي وسيلة من وسائل النجاة، فلا ولي ولا حميم ولا شفيع ولا فداء إلى نحو أولئك، مما ربما نفع في مقاصد الدنيا وأنجز بعض المنافع. وفي هذا إبطال لأصل من أصول الوثنية، وهو رجاء النجاة في الآخرة، كما هو الحال في الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى، أو بشفاعة الشافعين ووساطة الوسطاء عنده تعالى، وتقرير لأصل ديني، وهو أن لا نجاة في الآخرة ولا رضوان من الله ولا قرب منه إلا بالعمل بما شرعه على ألسنة رسله من إيمان به، وعمل صالح يزكي النفس ويطهرها؛ أما من دس نفسه، وأبسله كسبه للسيئات والخطايا، واتخذ دين الله هزوًا ولعبًا، وغرته الحياة الدنيا، فلا تنفعه شفاعة، ولا تقبل منه فدية.
ثم بيَّن أن هذا الإبسال كان بسوء صنيعهم، فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا هم ﴿الَّذِينَ أُبْسِلُوا﴾ وحرموا الثواب، وأسلموا للعذاب، وحبسوا عن دار السعادة ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾؛ أي: بسبب ما كسبوا من الأوزار والآثام حتى أحاطت بهم خطاياهم، ولم يكن لهم من دينهم الذي اتخذوه زاجر ولا مانع يرشدهم إلى التحول عن تلك الأعمال القبيحة، ويصدهم عن العقائد الزائغة.
ثم بين سبحانه ما يكون من الجزاء حين أُبسلوا، فقال: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء المتخذين دينهم لعبًا ولهوًا ﴿شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾؛ أي: من ماء حار مغلي
(١) المراغي.
393
بالغ النهاية في شدة الحرارة، يستردد ويتجرجر في بطونهم، وتتقطع به أمعائهم ﴿وَعَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: شديد الألم بنار تشتعل بأبدانهم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾؛ أي: بسبب كفرهم المستمر في الدنيا الذي ظلوا عليه طول حياتهم حتى صرفوا عما جعل وسيلة للنجاة لو اتبعوه، وهذه الجملة تأكيد وتفصيل لقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا﴾.
والخلاصة (١): أن رسوخهم في الكفر أفسد فطرتهم حتى لم يبق فيهم استعداد للحق والخير. وفي ذلك عبرة لمن يفقه القرآن، ولا يغتر بلقب الإِسلام، ويعلم أنَّ المسلم من اتخذ القرآن إمامه، وسنة الرسول طريقه، لا من اغتر بالأماني والأوهام، ولا من ركن إلى شفاعة الشافعين والأولياء والناصرين.
الإعراب
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾.
﴿وَعِنْدَهُ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿وَعِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَعْلَمُهَا﴾: فعل ومفعول. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾، والعامل فيها الاستقرار الذي تضمنه الظرف؛ لوقوعه خبرًا. ﴿وَيَعْلَمُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها، مسوقة لبيان تعلق علمه تعالى بالمشاهدات إثر بيان تعلقه بالمغيبات ﴿فِي الْبَرِّ﴾: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة ما. ﴿وَالْبَحْرِ﴾: عطف على البر.
{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
والخلاصة (١): أن رسوخهم في الكفر أفسد فطرتهم حتى لم يبق فيهم استعداد للحق والخير. وفي ذلك عبرة لمن يفقه القرآن، ولا يغتر بلقب الإِسلام، ويعلم أنَّ المسلم من اتخذ القرآن إمامه، وسنة الرسول طريقه، لا من اغتر بالأماني والأوهام، ولا من ركن إلى شفاعة الشافعين والأولياء والناصرين.
الإعراب
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾.
﴿وَعِنْدَهُ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿وَعِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَعْلَمُهَا﴾: فعل ومفعول. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾، والعامل فيها الاستقرار الذي تضمنه الظرف؛ لوقوعه خبرًا. ﴿وَيَعْلَمُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها، مسوقة لبيان تعلق علمه تعالى بالمشاهدات إثر بيان تعلقه بالمغيبات ﴿فِي الْبَرِّ﴾: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة ما. ﴿وَالْبَحْرِ﴾: عطف على البر.
{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
(١) المراغي.
394
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: نافية. ﴿تَسْقُطُ﴾: فعل مضارع. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿وَرَقَةٍ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿يَعْلَمُهَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿وَرَقَةٍ﴾، وجاءت (١) الحال من النكرة لاعتمادها على النفي، والتقدير: وما تسقط من ورقة إلا عالمًا بها؛ لأنه مسقطها بإرادته. ﴿وَلَا﴾: (الواو): عاطفة، ﴿لَا﴾: نافية. ﴿حَبَّةٍ﴾: معطوف على ﴿وَرَقَةٍ﴾. ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، صفة لـ ﴿حَبَّةٍ﴾. ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾ معطوفان أيضًا على ﴿وَرَقَةٍ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾: جار ومجرور وصفة، متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: إلا هو كائن في كتاب مبين، وجملة الاستثناء في محل النصب بدل من جملة الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ بدل كل من كل؛ أي: وما تسقط من ورقة، ولا توجد حبَّة وما بعدها إلا هو في كتاب مبين.
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿بِاللَّيْلِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾. ﴿وَيَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة معطوفة على جملة الصلة. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾. ﴿جَرَحْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما جرحتموه. ﴿بِالنَّهَارِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَرَحْتُمْ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب وتراخ. ﴿يَبْعَثُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ على كونها صلة الموصول
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: نافية. ﴿تَسْقُطُ﴾: فعل مضارع. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿وَرَقَةٍ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿يَعْلَمُهَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿وَرَقَةٍ﴾، وجاءت (١) الحال من النكرة لاعتمادها على النفي، والتقدير: وما تسقط من ورقة إلا عالمًا بها؛ لأنه مسقطها بإرادته. ﴿وَلَا﴾: (الواو): عاطفة، ﴿لَا﴾: نافية. ﴿حَبَّةٍ﴾: معطوف على ﴿وَرَقَةٍ﴾. ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، صفة لـ ﴿حَبَّةٍ﴾. ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾ معطوفان أيضًا على ﴿وَرَقَةٍ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾: جار ومجرور وصفة، متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: إلا هو كائن في كتاب مبين، وجملة الاستثناء في محل النصب بدل من جملة الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ بدل كل من كل؛ أي: وما تسقط من ورقة، ولا توجد حبَّة وما بعدها إلا هو في كتاب مبين.
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿بِاللَّيْلِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾. ﴿وَيَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة معطوفة على جملة الصلة. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾. ﴿جَرَحْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما جرحتموه. ﴿بِالنَّهَارِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَرَحْتُمْ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب وتراخ. ﴿يَبْعَثُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ على كونها صلة الموصول
(١) الفتوحات.
395
لا محل لها من الإعراب.
﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿مُسَمًّى﴾: صفة له، والفعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وجملة أن المضمرة مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي، واللام متعلقة بـ ﴿يَبْعَثُكُمْ﴾، والتقدير: ثم يبعثكم فيه لقضاء أجل مسمى. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب مع تراخ. ﴿إِلَيْهِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١)﴾.
﴿وَهُوَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿الْقَاهِرُ﴾، أو حال من الضمير المستتر في ﴿الْقَاهِرُ﴾ تقديره: حال كونه مستعليًا فوق عباده. ﴿وَيُرْسِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿حَفَظَةً﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على اسم الفاعل على كونها صلة لأل الموصولة، والتقدير: وهو الذي يقهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة.
وفي "الفتوحات": قوله: ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ فيه ثلاثة أوجه (١):
أحدها: أنه عطف على اسم الفاعل الواقع صلة لـ ﴿أل﴾؛ لأنه في معنى
﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿مُسَمًّى﴾: صفة له، والفعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وجملة أن المضمرة مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي، واللام متعلقة بـ ﴿يَبْعَثُكُمْ﴾، والتقدير: ثم يبعثكم فيه لقضاء أجل مسمى. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب مع تراخ. ﴿إِلَيْهِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١)﴾.
﴿وَهُوَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿الْقَاهِرُ﴾، أو حال من الضمير المستتر في ﴿الْقَاهِرُ﴾ تقديره: حال كونه مستعليًا فوق عباده. ﴿وَيُرْسِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿حَفَظَةً﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على اسم الفاعل على كونها صلة لأل الموصولة، والتقدير: وهو الذي يقهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة.
وفي "الفتوحات": قوله: ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ فيه ثلاثة أوجه (١):
أحدها: أنه عطف على اسم الفاعل الواقع صلة لـ ﴿أل﴾؛ لأنه في معنى
(١) الجمل.
396
يفعل، والتقدير: وهو الذي يقهر عباده، ويرسل، فعطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله.
والثاني: أنها جملة فعلية عطفت على جملة اسمية، وهي قوله: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾.
الثالث: أنها معطوفة على الصلة، و ﴿مَا﴾ عطف عليها، وهو قوله: ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ و ﴿يَعْلَمُ﴾، وما بعده؛ أي: وهو الذي يتوفاكم، ويرسل عليكم حفظة. اهـ "سمين". ﴿حَتَّى﴾: ابتدائية لدخولها على الجملة، غائية لكون ما بعدها غاية لما قبلها. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذَا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُفَرِّطُونَ﴾: خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من ﴿رُسُلُنَا﴾؛ أو مستأنفة مسوقة للإخبار عنهم بهذه الصفة. اهـ "كرخي". وفي "الفتوحات": قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ﴾ حتى (١) هذه هي التي يبتدأ بها الكلام، وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها، كأنه قيل: ويرسل عليكم حفظة تحفظ أعمالكم مدة حياتكم، حتى إذا انتهت مدة حياة أحدكم كائنًا ما كان، وجاءه أسباب الموت ومباديه.. توفته رسلنا. اهـ "أبو السعود".
﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿رُدُّوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ على كونها جواب ﴿إِذَا﴾. ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿مَوْلَاهُمُ﴾: صفة أولى للجلالة. ﴿الْحَقِّ﴾: صفة ثانية له. ﴿أَلَا﴾: حرف استفتاح. ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿الْحُكْمُ﴾: مبتدأ مؤخر،
والثاني: أنها جملة فعلية عطفت على جملة اسمية، وهي قوله: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾.
الثالث: أنها معطوفة على الصلة، و ﴿مَا﴾ عطف عليها، وهو قوله: ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ و ﴿يَعْلَمُ﴾، وما بعده؛ أي: وهو الذي يتوفاكم، ويرسل عليكم حفظة. اهـ "سمين". ﴿حَتَّى﴾: ابتدائية لدخولها على الجملة، غائية لكون ما بعدها غاية لما قبلها. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذَا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُفَرِّطُونَ﴾: خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من ﴿رُسُلُنَا﴾؛ أو مستأنفة مسوقة للإخبار عنهم بهذه الصفة. اهـ "كرخي". وفي "الفتوحات": قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ﴾ حتى (١) هذه هي التي يبتدأ بها الكلام، وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها، كأنه قيل: ويرسل عليكم حفظة تحفظ أعمالكم مدة حياتكم، حتى إذا انتهت مدة حياة أحدكم كائنًا ما كان، وجاءه أسباب الموت ومباديه.. توفته رسلنا. اهـ "أبو السعود".
﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿رُدُّوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ على كونها جواب ﴿إِذَا﴾. ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿مَوْلَاهُمُ﴾: صفة أولى للجلالة. ﴿الْحَقِّ﴾: صفة ثانية له. ﴿أَلَا﴾: حرف استفتاح. ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿الْحُكْمُ﴾: مبتدأ مؤخر،
(١) الجمل.
397
والجملة مستأنفة. ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من الضمير المجرور باللام، والعامل في الحال الاستقرار الذي تعلق به الظرف.
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مِنْ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾. ﴿وَالْبَحْرِ﴾: معطوف على ﴿الْبَرِّ﴾. ﴿تَدْعُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من مفعول ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾. ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾: حالان من فاعل ﴿تَدْعُونَهُ﴾. ولكن بعد تأويلهما بالمشتق؛ أي: تدعونه حال كونكم متضرعين ومخفين. ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا﴾: اللام موطئة للقسم، ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿أَنْجَانَا﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مِنْ هَذِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْجَانَا﴾. ﴿لَنَكُونَنَّ﴾ اللام: رابطة لجواب القسم. ﴿نَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير يعود على المتكلمين. ﴿مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿نكون﴾، وجملة ﴿نكون﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه تقديره: إن أنجانا.. نكون من الشاكرين، وقد اجتمع هنا شرط وقسم، فحذف جواب المؤخر منهما، وهو الشرط على القاعدة، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول لقول محذوف منصوب على الحال من فاعل ﴿تَدْعُونَهُ﴾ تقديره: تدعونه قائلين: لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين.
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾.
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مِنْ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾. ﴿وَالْبَحْرِ﴾: معطوف على ﴿الْبَرِّ﴾. ﴿تَدْعُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من مفعول ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾. ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾: حالان من فاعل ﴿تَدْعُونَهُ﴾. ولكن بعد تأويلهما بالمشتق؛ أي: تدعونه حال كونكم متضرعين ومخفين. ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا﴾: اللام موطئة للقسم، ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿أَنْجَانَا﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مِنْ هَذِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْجَانَا﴾. ﴿لَنَكُونَنَّ﴾ اللام: رابطة لجواب القسم. ﴿نَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير يعود على المتكلمين. ﴿مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿نكون﴾، وجملة ﴿نكون﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه تقديره: إن أنجانا.. نكون من الشاكرين، وقد اجتمع هنا شرط وقسم، فحذف جواب المؤخر منهما، وهو الشرط على القاعدة، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول لقول محذوف منصوب على الحال من فاعل ﴿تَدْعُونَهُ﴾ تقديره: تدعونه قائلين: لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين.
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾.
398
﴿قُلِ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ﴾: إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ. ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿مِنْهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُنَجِّيكُمْ﴾. ﴿وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، معطوف على الجار والمجرور قبله. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿أَنْتُمْ﴾ مبتدأ. وجملة ﴿تُشْرِكُونَ﴾ خبره، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قُلِ﴾.
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿هُوَ الْقَادِرُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿الْقَادِرُ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول القول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿عَلَى﴾: حرف جر. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿يَبْعَثَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَبْعَثَ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿عَلَى﴾ تقديره: على بعثه عليكم عذابًا من فوقكم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿الْقَادِرُ﴾. ﴿عَذَابًا﴾: مفعول به. ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿عَذَابًا﴾. ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه، معطوف على الجار والمجرور قبله. ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَبْعَثَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿شِيَعًا﴾: حال من مفعول ﴿يَلْبِسَكُمْ﴾، ولكن في تأويل متفرقين. ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ﴾: فعل ومفعول أول معطوف على ﴿يَلْبِسَكُمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿بَأْسَ بَعْضٍ﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه. ﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب على التشبيه بالمفعول به، والعامل فيه
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿هُوَ الْقَادِرُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿الْقَادِرُ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول القول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿عَلَى﴾: حرف جر. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿يَبْعَثَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَبْعَثَ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿عَلَى﴾ تقديره: على بعثه عليكم عذابًا من فوقكم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿الْقَادِرُ﴾. ﴿عَذَابًا﴾: مفعول به. ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿عَذَابًا﴾. ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه، معطوف على الجار والمجرور قبله. ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَبْعَثَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿شِيَعًا﴾: حال من مفعول ﴿يَلْبِسَكُمْ﴾، ولكن في تأويل متفرقين. ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ﴾: فعل ومفعول أول معطوف على ﴿يَلْبِسَكُمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿بَأْسَ بَعْضٍ﴾: مفعول ثانٍ ومضاف إليه. ﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب على التشبيه بالمفعول به، والعامل فيه
399
﴿نُصَرِّفُ﴾، ولا يجوز أن يكون معمولًا لما قبله؛ لأن اسم الاستفهام له صدر الكلام. ﴿نُصَرِّفُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿الْآيَاتِ﴾: مفعول به، وهذه الجملة الاستفهامية في محل النصب مفعول لـ ﴿انْظُرْ﴾، و ﴿كَيْفَ﴾ معلقة له عن العمل في لفظه. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ﴿لعل﴾: حرف ترجٍ وتعليل ونصب، والهاء: اسمها، وجملة ﴿يَفْقَهُونَ﴾ في محل الرفع خبر لعل، وجملة لعل في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل ما قبلها، والمعنى: انظر يا محمَّد كيف نصرف لهم الآيات لكي يفقهوا ويفهموا ويتدبروا تلك الآيات.
﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَكَذَّبَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذَّبَ﴾: فعل ماض. ﴿بِهِ﴾: متعلق به. ﴿قَوْمُكَ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير به؛ أي: كذبوا به حال كونه حقًّا، وهو أعظم في القبح، أو الجملة مستأنفة. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾: مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَسْتُ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿وَكِيلٍ﴾. ﴿بِوَكِيلٍ﴾: خبر ﴿ليس﴾، والباء زائدة، وجملة ﴿ليس﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل وحرف تنفيس، والجملة معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها.
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿رَأَيْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بـ ﴿إِذَا﴾ على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر
﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَكَذَّبَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذَّبَ﴾: فعل ماض. ﴿بِهِ﴾: متعلق به. ﴿قَوْمُكَ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير به؛ أي: كذبوا به حال كونه حقًّا، وهو أعظم في القبح، أو الجملة مستأنفة. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾: مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَسْتُ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿وَكِيلٍ﴾. ﴿بِوَكِيلٍ﴾: خبر ﴿ليس﴾، والباء زائدة، وجملة ﴿ليس﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل وحرف تنفيس، والجملة معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها.
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿رَأَيْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بـ ﴿إِذَا﴾ على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر
400
في محل النصب مفعول به لـ ﴿رأى﴾؛ لأن رأى بصرية يتعدى لمفعول واحد. ﴿يَخُوضُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿فِي آيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَخُوضُونَ﴾. ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ الفاء: رابطة لجواب ﴿إِذَا﴾ وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية. ﴿أَعْرِضْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب وجملة ﴿إِذَا﴾ مع جوابها مستأنفة. ﴿حَتَّى يَخُوضُوا﴾: فعل وفاعل وناصب، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى: إلى تقديره: إلى خوضهم في حديث غيره، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَعْرِضْ﴾. ﴿فِي حَدِيثٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَخُوضُوا﴾. ﴿غَيْرِهِ﴾: صفة ومضاف إليه مجرور؛ لأنه بمعنى مغاير. ﴿وَإِمَّا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إِمَّا﴾: حرف شرط، وما: زائدة. ﴿يُنْسِيَنَّكَ﴾: ينسين: فعل مضارع في محل الجزم بإن الشرطية على كونه فعل شرط لها، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة، حرف لا محل لها من الإعراب، والكاف: ضمير المخاطب في محل النصب مفعول به. ﴿الشَّيْطَانُ﴾: فاعل. ﴿فَلَا﴾: ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية؛ لكون الجواب جملة طلبية. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَقْعُدْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿بَعْدَ الذِّكْرَى﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَقْعُدْ﴾. ﴿مَعَ الْقَوْمِ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تَقْعُدْ﴾ أيضًا. ﴿الظَّالِمِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾، وجملة ﴿تَقْعُدْ﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إذا﴾ الشرطية.
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿عَلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿يَتَّقُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من شيء؛ لأنه صفة نكرة قَدمت عليها. {مِنْ
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿عَلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿يَتَّقُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من شيء؛ لأنه صفة نكرة قَدمت عليها. {مِنْ
401
شَيْءٍ}: مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾: زائدة، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿وَلَكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لكن﴾: حرف استدراك. ﴿ذِكْرَى﴾: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: ولكن ذكروهم ذكرى، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: لعل: حرف نصب وتعليل، والهاء: اسمها، وجملة ﴿يَتَّقُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾.
﴿وَذَرِ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ذَرِ﴾: فعل أمر مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب على المفعولية. ﴿اتَّخَذُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿دِينَهُمْ﴾: مفعول أول لها. ﴿لَعِبًا﴾: مفعول ثان. ﴿وَلَهْوًا﴾: معطوف عليه، والجملة صلة الموصول. ﴿وَغَرَّتْهُمُ﴾: فعل ومفعول. ﴿اتَّخَذُوا﴾: فاعل. ﴿دِينَهُمْ﴾: صفة لها، والجملة معطوفة على جملة الصلة. ﴿وَذَكِّرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿ذكر﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المنصوب على كونه مفعولا لأجله، تقديره: وذكر به مخافة إبسال نفس. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تُبْسَلَ﴾. ﴿كَسَبَتْ﴾: فعل ماض، وتاء تأنيث، وفاعله ضمير يعود على ﴿نَفْسٌ﴾، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبته. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿لَهَا﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿لَيْسَ﴾. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من ﴿وَلِيٌّ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿وَلِيٌّ﴾: اسم ليس مؤخر. ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾: معطوف عليه، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ مستأنفة، أو حال من ﴿نَفْسٌ﴾ أو صفة لها، كما
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾.
﴿وَذَرِ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ذَرِ﴾: فعل أمر مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب على المفعولية. ﴿اتَّخَذُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿دِينَهُمْ﴾: مفعول أول لها. ﴿لَعِبًا﴾: مفعول ثان. ﴿وَلَهْوًا﴾: معطوف عليه، والجملة صلة الموصول. ﴿وَغَرَّتْهُمُ﴾: فعل ومفعول. ﴿اتَّخَذُوا﴾: فاعل. ﴿دِينَهُمْ﴾: صفة لها، والجملة معطوفة على جملة الصلة. ﴿وَذَكِّرْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿ذكر﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المنصوب على كونه مفعولا لأجله، تقديره: وذكر به مخافة إبسال نفس. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تُبْسَلَ﴾. ﴿كَسَبَتْ﴾: فعل ماض، وتاء تأنيث، وفاعله ضمير يعود على ﴿نَفْسٌ﴾، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبته. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿لَهَا﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿لَيْسَ﴾. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من ﴿وَلِيٌّ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿وَلِيٌّ﴾: اسم ليس مؤخر. ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾: معطوف عليه، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ مستأنفة، أو حال من ﴿نَفْسٌ﴾ أو صفة لها، كما
402
ذكره "أبو السعود".
﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿تَعْدِلْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿نَفْسٌ﴾. ﴿كُلَّ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿عَدْلٍ﴾: مضاف إليه. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُؤْخَذْ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾. ﴿مِنْهَا﴾: متعلق به، وجملة ﴿لَا يُؤْخَذْ﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿أُبْسِلُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُبْسِلُوا﴾. ﴿كَسَبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبوه. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿شَرَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾ صفة لـ ﴿شَرَابٌ﴾، والجملة الإسمية في محل الرفع خبر ثان لأولئك، أو في محل النصب حال من ضمير ﴿أُبْسِلُوا﴾، أو من الموصول، أو مستأنفة. ﴿وَعَذَابٌ﴾: معطوف على ﴿شَرَابٌ﴾. ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة لـ ﴿عَذَابٌ﴾. ﴿بِمَا كَانُوا﴾: الباء: حرف جر وسبب. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ من اسمها وخبرها صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بسبب كفرهم، الجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر في قوله: ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ المفاتح: جمع مفتح - بفتح الميم وكسر التاء - بمعنى: المخزن، فيكون اسم مكان، والمخزن - بفتح الميم وكسر الزاي -: المكان الذي يخزن فيه الجواهر النفيسة وغيرها، أو جمع مفتح بكسر الميم وفتح التاء، والمفتح: هو المفتاح الذي تفتح به الأقفال، فيكون اسم الآلة، ففي
﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿تَعْدِلْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿نَفْسٌ﴾. ﴿كُلَّ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿عَدْلٍ﴾: مضاف إليه. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يُؤْخَذْ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾. ﴿مِنْهَا﴾: متعلق به، وجملة ﴿لَا يُؤْخَذْ﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿أُبْسِلُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُبْسِلُوا﴾. ﴿كَسَبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبوه. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿شَرَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾ صفة لـ ﴿شَرَابٌ﴾، والجملة الإسمية في محل الرفع خبر ثان لأولئك، أو في محل النصب حال من ضمير ﴿أُبْسِلُوا﴾، أو من الموصول، أو مستأنفة. ﴿وَعَذَابٌ﴾: معطوف على ﴿شَرَابٌ﴾. ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة لـ ﴿عَذَابٌ﴾. ﴿بِمَا كَانُوا﴾: الباء: حرف جر وسبب. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ من اسمها وخبرها صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بسبب كفرهم، الجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر في قوله: ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ المفاتح: جمع مفتح - بفتح الميم وكسر التاء - بمعنى: المخزن، فيكون اسم مكان، والمخزن - بفتح الميم وكسر الزاي -: المكان الذي يخزن فيه الجواهر النفيسة وغيرها، أو جمع مفتح بكسر الميم وفتح التاء، والمفتح: هو المفتاح الذي تفتح به الأقفال، فيكون اسم الآلة، ففي
403
الكلام استعارة كما سيأتي في مبحثها.
وفي "السمين": في المفاتح ثلاثة أقوال (١):
أحدها: أنه جمع مفتح بكسر الميم، والقصر مع فتح التاء، وهو الآلة التي يفتح بها، كمنبر ومنابر.
والثاني: أنه جمع مفتح بفتح الميم وكسر التاء، كمسجد، وهو المكان، ويؤيده تفسير ابن عباس بقوله: هي خزائن المطر.
والثالث: أنه جمع مفتاح بكسر الميم والألف، وهو الآلة أيضًا إلا أن هذا فيه ضعف من حيث إنه كان ينبغي أن تقلب ألف المفرد ياء، فيقال: مفاتيح كدنانير، ولكنه قد نقل في جمع مصباح مصابيح، وفي جمع محراب محاريب، وهذا كما أتوا في جمع ما لا مدّ في مفرده، كقولهم: دراهم وصياريف في جمع: درهم وصيرف، فزادوا في هذا ونقصوا في ذلك. وقد قرئ ﴿مفاتيح﴾ كما مرَّ، وهي تؤيِّد أن مفاتح جمع: مفتاح، وإنما حذفت مدته، وجوز الواحدي أن يكون مفاتح جمع: مفتح - بفتح الميم والتاء - كمذهب على أنه مصدر، فعلى هذا مفاتح جمع: مفتح بمعنى: الفتح، ويكون المعنى: وعنده فتوح الغيب؛ أي: هو يفتح الغيب على من يشاء من عباده. اهـ.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ والبحر (٢): كل مكان واسعٍ حاوٍ للكثير من الماء، والبر: ما يقابله.
﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾ والسقوط: الوقوع من علو، والورقة واحدة الورق من النبات والكاغد، وهي معروفة، والرطب واليابس معروفان، يقال: رطب فهو رطيب، ورطب ويبس فهو يابس ويبيس، وشذ فيه يبس بحذف الياء وكسر الباء.
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ التوفي: أخذ الشيء وافيًا؛ أي: تامًّا كاملًا، ويقابله التوفية وهو إعطاء الشيء تامًّا كاملًا، ويقال: وفاه حقه فتوفاه منه، قال تعالى:
وفي "السمين": في المفاتح ثلاثة أقوال (١):
أحدها: أنه جمع مفتح بكسر الميم، والقصر مع فتح التاء، وهو الآلة التي يفتح بها، كمنبر ومنابر.
والثاني: أنه جمع مفتح بفتح الميم وكسر التاء، كمسجد، وهو المكان، ويؤيده تفسير ابن عباس بقوله: هي خزائن المطر.
والثالث: أنه جمع مفتاح بكسر الميم والألف، وهو الآلة أيضًا إلا أن هذا فيه ضعف من حيث إنه كان ينبغي أن تقلب ألف المفرد ياء، فيقال: مفاتيح كدنانير، ولكنه قد نقل في جمع مصباح مصابيح، وفي جمع محراب محاريب، وهذا كما أتوا في جمع ما لا مدّ في مفرده، كقولهم: دراهم وصياريف في جمع: درهم وصيرف، فزادوا في هذا ونقصوا في ذلك. وقد قرئ ﴿مفاتيح﴾ كما مرَّ، وهي تؤيِّد أن مفاتح جمع: مفتاح، وإنما حذفت مدته، وجوز الواحدي أن يكون مفاتح جمع: مفتح - بفتح الميم والتاء - كمذهب على أنه مصدر، فعلى هذا مفاتح جمع: مفتح بمعنى: الفتح، ويكون المعنى: وعنده فتوح الغيب؛ أي: هو يفتح الغيب على من يشاء من عباده. اهـ.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ والبحر (٢): كل مكان واسعٍ حاوٍ للكثير من الماء، والبر: ما يقابله.
﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾ والسقوط: الوقوع من علو، والورقة واحدة الورق من النبات والكاغد، وهي معروفة، والرطب واليابس معروفان، يقال: رطب فهو رطيب، ورطب ويبس فهو يابس ويبيس، وشذ فيه يبس بحذف الياء وكسر الباء.
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ التوفي: أخذ الشيء وافيًا؛ أي: تامًّا كاملًا، ويقابله التوفية وهو إعطاء الشيء تامًّا كاملًا، ويقال: وفاه حقه فتوفاه منه، قال تعالى:
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
404
﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾، ويقال: توفاه واستوفاه: أحصى عدده، ثم أطلق التوفي على الموت؛ لأن الأرواح تقبض وتؤخذ أخذًا تامًّا، وأطلق على النوم كما في الآية، وفي آية الزمر.
﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ والجرح: يطلق على العمل والكسب بالجوارح، وعلى التأثير الدامي من السلاح، وما في معناه كالبراثن والأظفار والأنياب من سباع الطير والوحش، وتسمى الخيل والأنعام المنتجة جوارح أيضًا؛ لأن نتاجها كسبها، والجرح كالكسب، يطلق على الخير والشر، والاجتراح فعل الشر خاصة في قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. وفي "المصباح": وجرح من باب نفع، واجترح عمل بيده واكتسب، ومنه قيل لكواسب الطير والسباع: جوارح جمع: جارحة؛ لأنها تكسب بيدها.
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ﴾؛ أي: يوقظكم من النوم، وعرَّفوا النوم: بأنه فترة طبيعية تهجم على الشخص قهرًا عليه، تمنع حواسه الحركة، وعقله الإدراك.
﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ والحفظة: جمع: حافظ، مثل: كتبة وكاتب، وهو جمع (١) منقاس لفاعل وصفًا مذكرًا صحيح اللام عاقلًا، وقلَّ فيما لا يعقل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ
والمراد بالحفظة هنا: الكرام الكاتبون من الملائكة: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾.
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ والظلمات جمع: ظلمة، وهي عدم الضوء، وهي (٢) ضربان: ظلمات حسية؛ كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر، وظلمات معنوية؛ كظلمة الجهل بالمسالك والطرق، وظلمة فقد الأعلام والمنار، وظلمة الشدائد والأخطار؛ كالعواصف والأعاصير وهياج البحار إلى نحو ذلك من الشدائد التي تبطل الحواس، وتدهش العقول. قال الزجاج: تقول
﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ والجرح: يطلق على العمل والكسب بالجوارح، وعلى التأثير الدامي من السلاح، وما في معناه كالبراثن والأظفار والأنياب من سباع الطير والوحش، وتسمى الخيل والأنعام المنتجة جوارح أيضًا؛ لأن نتاجها كسبها، والجرح كالكسب، يطلق على الخير والشر، والاجتراح فعل الشر خاصة في قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. وفي "المصباح": وجرح من باب نفع، واجترح عمل بيده واكتسب، ومنه قيل لكواسب الطير والسباع: جوارح جمع: جارحة؛ لأنها تكسب بيدها.
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ﴾؛ أي: يوقظكم من النوم، وعرَّفوا النوم: بأنه فترة طبيعية تهجم على الشخص قهرًا عليه، تمنع حواسه الحركة، وعقله الإدراك.
﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ والحفظة: جمع: حافظ، مثل: كتبة وكاتب، وهو جمع (١) منقاس لفاعل وصفًا مذكرًا صحيح اللام عاقلًا، وقلَّ فيما لا يعقل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ
والمراد بالحفظة هنا: الكرام الكاتبون من الملائكة: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾.
﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ والظلمات جمع: ظلمة، وهي عدم الضوء، وهي (٢) ضربان: ظلمات حسية؛ كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر، وظلمات معنوية؛ كظلمة الجهل بالمسالك والطرق، وظلمة فقد الأعلام والمنار، وظلمة الشدائد والأخطار؛ كالعواصف والأعاصير وهياج البحار إلى نحو ذلك من الشدائد التي تبطل الحواس، وتدهش العقول. قال الزجاج: تقول
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
405
العرب لليوم الذي فيه شدة: يوم مظلم، ويوم ذو كواكب؛ أي: أنه قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته، وفي المثل؛ أي: رأى الكواكب ظهرًا؛ أي: أظلم عليه يومه لاشتداد الأمر فيه حتى كأنه أبصر النجم نهارًا.
﴿تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ التضرع: تفعل من الضراعة، وهو المبالغة في الضراعة، وهي الذل والخضوع، والمراد منه هنا: ما كان صادرًا عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري المطوي في أنفس البشر. والخفية - بضم الخاء وكسرها -: الخفاء والاستتار. والدعاء قد يكون بالجهر ورفع الصوت مع البكاء، وقد يكون بالإسرار هربًا من الرياء، فتارة يجأر المرء بالدعاء رافعًا صوته متضرعًا مبتهلًا، وأخرى يسر الدعاء ويخفيه مخلصًا ومحتسبًا، ويتحرى أن لا تسمعه أذن، ولا يعلم به أحد، ويرى أنه يكون بذلك أجدر بالقبول، وأرجى لنيل المسؤول. والخفية - بضم الخاء وكسرها - كما مرَّ: اسم مصدر من أخفى الشيء يخفي إخفاء وخفية إذا ستره.
وقرأ الأعمش: ﴿خِيفة﴾ كما مرَّ بكسر الخاء وتقديم الياء الساكنة على الفاء، وهي من الخوف، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وسكونها.
﴿وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾ والكرب: الغم الشديد، يأخذ بالنفس، ومنه رجل مكروب قال عنترة:
﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾؛ أي: يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط إتفاق، فيجعلكم فرقًا مختلفة لا فرقة واحدة. ومعنى خلطهم (١): إنشاب القتال بينهم، فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال، كقول الشاعر:
والشيع جمع: شيعة، وهم كل قوم اجتمعوا على أمر واحد.
﴿تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ التضرع: تفعل من الضراعة، وهو المبالغة في الضراعة، وهي الذل والخضوع، والمراد منه هنا: ما كان صادرًا عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري المطوي في أنفس البشر. والخفية - بضم الخاء وكسرها -: الخفاء والاستتار. والدعاء قد يكون بالجهر ورفع الصوت مع البكاء، وقد يكون بالإسرار هربًا من الرياء، فتارة يجأر المرء بالدعاء رافعًا صوته متضرعًا مبتهلًا، وأخرى يسر الدعاء ويخفيه مخلصًا ومحتسبًا، ويتحرى أن لا تسمعه أذن، ولا يعلم به أحد، ويرى أنه يكون بذلك أجدر بالقبول، وأرجى لنيل المسؤول. والخفية - بضم الخاء وكسرها - كما مرَّ: اسم مصدر من أخفى الشيء يخفي إخفاء وخفية إذا ستره.
وقرأ الأعمش: ﴿خِيفة﴾ كما مرَّ بكسر الخاء وتقديم الياء الساكنة على الفاء، وهي من الخوف، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وسكونها.
﴿وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾ والكرب: الغم الشديد، يأخذ بالنفس، ومنه رجل مكروب قال عنترة:
وَمَكْرُوْبٍ كَشَفْتُ الْكَرْبَ عَنْهُ | بِطَعْنَةِ فَيْصَلٍ لَمَّا دَعَانِي |
وَكَتِيْبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتِيْبَةٍ | حَتَّى إِذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدِيْ |
فَتَرَكْتُهُمْ تَقِصُ الرِّمَاحُ ظُهُوْرَهُمْ | مَا بَيْنَ مُنْعَفِرٍ وَآخَرَ مُسْنَدِ |
(١) البحر المحيط.
406
وفي "الفتوحات" (١): والشيع جمع: شيعة، كسدرة وسدر، والشيعة من يتقوَّى به الإنسان، والجمع: شيع كما تقدم وأشياع، كذا قاله الراغب، والظاهر أن أشياعًا جمع: شيع كعنب وأعناب وضلع وأضلاع، وشيع جمع: شيعة، فهو جمع الجمع اهـ "سمين". وفي "القاموس": وشيعة (٢) الرجل - بالكسر -: أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولَّى عليًّا وأهل بيته، حتى صار اسمًا لهم خاصَّةً، والجمع: أشياع وشيع؛ كعنب. انتهى.
﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ وهذا هو ما عليه الناس اليوم من الاختلافات وسفك بعضهم دماء بعض، والبأس: العذاب الشديد، كما في "المصباح".
﴿نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: نحولها من نوع إلى آخر من فنون الكلام تقريرًا للمعنى: وتقريبًا إلى الفهم.
﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ الفقه: فهم الشيء بدليله وعلته المفضي إلى الاعتبار والعمل به.
﴿لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ والوكيل: هو الذي توكل إليه الأمور. ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾ والنبأ: الشيء الذي ينبأ عنه، والمستقر: يصح كونه مصدرًا، واسم مكان أو زمان؛ أي: استقرار أو مكانه أو زمانه.
﴿الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ الخوض (٣)، في اللغة: هو الشروع في الماء والعبور فيه، ويستعار للأخذ في الحديث والشروع فيه، يقال: تخاوضوا في الحديث وتفاوضوا فيه، لكن أكثر ما يستعمل الخوض في الحديث على وجه اللعب والعبث.
﴿وَلَكِنْ ذِكْرَى﴾ والذكرى مصدر: ذكر يذكر ذكرى، جاء على وزن: فعلى، وألفه للتأنيث، ولم يجىء مصدر على فعلى غيره. ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ أصل (٤) البسل في اللغة: التحريم والمنع، ومنه: هذا عليك بسل؛ أي: حرام
﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ وهذا هو ما عليه الناس اليوم من الاختلافات وسفك بعضهم دماء بعض، والبأس: العذاب الشديد، كما في "المصباح".
﴿نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: نحولها من نوع إلى آخر من فنون الكلام تقريرًا للمعنى: وتقريبًا إلى الفهم.
﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ الفقه: فهم الشيء بدليله وعلته المفضي إلى الاعتبار والعمل به.
﴿لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ والوكيل: هو الذي توكل إليه الأمور. ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾ والنبأ: الشيء الذي ينبأ عنه، والمستقر: يصح كونه مصدرًا، واسم مكان أو زمان؛ أي: استقرار أو مكانه أو زمانه.
﴿الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ الخوض (٣)، في اللغة: هو الشروع في الماء والعبور فيه، ويستعار للأخذ في الحديث والشروع فيه، يقال: تخاوضوا في الحديث وتفاوضوا فيه، لكن أكثر ما يستعمل الخوض في الحديث على وجه اللعب والعبث.
﴿وَلَكِنْ ذِكْرَى﴾ والذكرى مصدر: ذكر يذكر ذكرى، جاء على وزن: فعلى، وألفه للتأنيث، ولم يجىء مصدر على فعلى غيره. ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ أصل (٤) البسل في اللغة: التحريم والمنع، ومنه: هذا عليك بسل؛ أي: حرام
(١) الجمل.
(٢) القاموس المحيط.
(٣) الخازن.
(٤) الفتوحات.
(٢) القاموس المحيط.
(٣) الخازن.
(٤) الفتوحات.
407
ممنوع اهـ "خازن".
وعبارة "أبي السعود": وأصل البسل والإبسال: المن، ومنه: أسد باسل؛ لأن فريسته لا تفلت منه، أو لأنه ممتنع، والباسل: الشجاع؛ لامتناعه من قرنه، وهذا بسيل عليك؛ أي: حرام ممنوع اهـ.
وفي "المختار": وأبسله: أسلمه، فهو بسيل، وقوله تعالى: ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ قال أبو عبيدة: أن تسلم، والمستبسل: الذي يوطّن نفسه على الموت أو الضرب، وقد استبسل؛ أي: استقتل، وهو أن يطرح نفسه في الحرب ويريد أن يقتل أو يقتل لا محالة، وفسر هنا: بالحبس في النار، وبالحرمان من الثواب وبالفضيحة.
قال أبو حيان: الإبسال: تسليم المرء نفسه للهلاك، ويقال: أبسلت ولدي: أرهنته قال الشاعر:
بعوناه: جنيناه، والبعو: الجناية. انتهى.
﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾؛ أي: تفتد بكل فداء كما عبر به "الخازن"، وعدل بهذا المعنى من باب ضرب.
وفي "المصباح": يقال: عدلت هذا بهذا عدلًا من باب ضرب إذا جعلته مثله قائمًا مقامه، والعدل أيضًا: الفدية، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾. اهـ.
وفي "البيضاوي": والعدل: الفدية؛ لأنها تعادل المفدى، و ﴿كُلَّ﴾ نصب على المصدر.
﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ وشراب (١): فعال بمعنى: مفعول، وفعال بمعنى: مفعول؛ كطعام بمعنى: مطعوم لا ينقاس، لا يقال: أكال بمعنى مأكول، وضراب
وعبارة "أبي السعود": وأصل البسل والإبسال: المن، ومنه: أسد باسل؛ لأن فريسته لا تفلت منه، أو لأنه ممتنع، والباسل: الشجاع؛ لامتناعه من قرنه، وهذا بسيل عليك؛ أي: حرام ممنوع اهـ.
وفي "المختار": وأبسله: أسلمه، فهو بسيل، وقوله تعالى: ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ قال أبو عبيدة: أن تسلم، والمستبسل: الذي يوطّن نفسه على الموت أو الضرب، وقد استبسل؛ أي: استقتل، وهو أن يطرح نفسه في الحرب ويريد أن يقتل أو يقتل لا محالة، وفسر هنا: بالحبس في النار، وبالحرمان من الثواب وبالفضيحة.
قال أبو حيان: الإبسال: تسليم المرء نفسه للهلاك، ويقال: أبسلت ولدي: أرهنته قال الشاعر:
وَإِبْسَالي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ | بَعُوْنَاه وَلاَ بِدَمٍ مُرَاقِ |
﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾؛ أي: تفتد بكل فداء كما عبر به "الخازن"، وعدل بهذا المعنى من باب ضرب.
وفي "المصباح": يقال: عدلت هذا بهذا عدلًا من باب ضرب إذا جعلته مثله قائمًا مقامه، والعدل أيضًا: الفدية، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾. اهـ.
وفي "البيضاوي": والعدل: الفدية؛ لأنها تعادل المفدى، و ﴿كُلَّ﴾ نصب على المصدر.
﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ وشراب (١): فعال بمعنى: مفعول، وفعال بمعنى: مفعول؛ كطعام بمعنى: مطعوم لا ينقاس، لا يقال: أكال بمعنى مأكول، وضراب
(١) الفتوحات.
408
بمعنى: مضروب، والحميم: الماء الشديد الحرارة، وأليم: شديد الألم، فكلاهما صيغة مبالغة على وزن فعيل.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾؛ لأنه استعار المفاتح للأمور الغيبية، كأنها مخازن خزنت فيها المغيبات، قال الزمخشري: جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة؛ لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المغلقة بالأقفال، فهو سبحانه العالم بالمغيبات وحده، وفي قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾، فإنه استعار التوفي من الموت للنوم؛ لأن التوفي حقيقة في الموت لما بينهما من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز.
ومنها: الترشيح في قوله: ﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ وهو ذكر ما يلائم المستعار منه. قال القاضي: أطلق البعث ترشيحًا للتوفي؛ أي: لما استعير التوفي من الموت للنوم.. كان البعث - الذي هو في الحقيقة الإحياء بعد الموت - ترشيحًا؛ لأنه أمر يلائم المستعار منه اهـ "كرخي".
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾؛ لأنه استعار الظلمات المعطلة لحاسة البصر للشدائد الهائلة التي تبطل الحواس وتدهش العقول، وفي قوله: ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾؛ لأن الذوق حقيقة في المذوقات.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾؛ لأن الخوض حقيقة في الانغماس في الماء، فاستعير للأخذ في الحديث والشروع فيه على وجه اللعب واللهو، وقيل: الخوض كناية عن الاستهزاء بها والطعن فيها.
ومنها: الحصر في مواضع، كقوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾؛ لأن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد حصره في الخبر، وكقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾، وقوله:
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾؛ لأنه استعار المفاتح للأمور الغيبية، كأنها مخازن خزنت فيها المغيبات، قال الزمخشري: جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة؛ لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المغلقة بالأقفال، فهو سبحانه العالم بالمغيبات وحده، وفي قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾، فإنه استعار التوفي من الموت للنوم؛ لأن التوفي حقيقة في الموت لما بينهما من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز.
ومنها: الترشيح في قوله: ﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ وهو ذكر ما يلائم المستعار منه. قال القاضي: أطلق البعث ترشيحًا للتوفي؛ أي: لما استعير التوفي من الموت للنوم.. كان البعث - الذي هو في الحقيقة الإحياء بعد الموت - ترشيحًا؛ لأنه أمر يلائم المستعار منه اهـ "كرخي".
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾؛ لأنه استعار الظلمات المعطلة لحاسة البصر للشدائد الهائلة التي تبطل الحواس وتدهش العقول، وفي قوله: ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾؛ لأن الذوق حقيقة في المذوقات.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾؛ لأن الخوض حقيقة في الانغماس في الماء، فاستعير للأخذ في الحديث والشروع فيه على وجه اللعب واللهو، وقيل: الخوض كناية عن الاستهزاء بها والطعن فيها.
ومنها: الحصر في مواضع، كقوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾؛ لأن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد حصره في الخبر، وكقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾، وقوله:
409
﴿ألَا لَهُ الْحُكْمُ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾، وقوله: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ﴾، وقوله: ﴿وَلَا حَبَّةٍ﴾، وقوله: ﴿رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾، وقوله: ﴿اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، وقوله: ﴿فوق وتحت﴾.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ للتسجيل عليهم بقبح ما ارتكبوا؛ حيث وضعوا التكذيب والاستهزاء مكان التصديق والتعظيم، وحق العبارة أن يقال: فلا تقعد معهم كما مر.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ من إسناد ما للسبب إلى المسبب؛ لأن المراد بالإسناد أسباب الموت ومقدماته.
ومنها: الاستفتاح والتنبيه في قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْحُكْمُ﴾.
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الطباق في قوله: ﴿مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾، وقوله: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ﴾، وقوله: ﴿وَلَا حَبَّةٍ﴾، وقوله: ﴿رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾، وقوله: ﴿اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، وقوله: ﴿فوق وتحت﴾.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ للتسجيل عليهم بقبح ما ارتكبوا؛ حيث وضعوا التكذيب والاستهزاء مكان التصديق والتعظيم، وحق العبارة أن يقال: فلا تقعد معهم كما مر.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ من إسناد ما للسبب إلى المسبب؛ لأن المراد بالإسناد أسباب الموت ومقدماته.
ومنها: الاستفتاح والتنبيه في قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْحُكْمُ﴾.
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
410
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر جزاء الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، بأنه لا ولي لهم ولا شفيع من دون الله، وأنهم مبسلون في عذاب جهنم، ولهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون.. أمر نبيه - ﷺ - بأن يقول لهم هذه المقالة؛ أي: كيف ندعوا من دون الله أصنامًا لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعًا، ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه،
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر جزاء الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، بأنه لا ولي لهم ولا شفيع من دون الله، وأنهم مبسلون في عذاب جهنم، ولهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون.. أمر نبيه - ﷺ - بأن يقول لهم هذه المقالة؛ أي: كيف ندعوا من دون الله أصنامًا لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعًا، ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه،
411
ومن كان هكذا.. فلا يستحق العبادة توبيخًا لهم وإنكارًا عليهم عبادتها.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ...﴾ الآية، مناسبة (١) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه يحشر إلى جزائه العالم، وهو منتهى ما يؤول إليه أمرهم.. ذكر مبتدأ وجود العالم وخلقه له بالحق؛ أي: بما هو حق لا عبث فيه ولا هو باطل؛ أي: لم يخلقهما باطلًا ولا عبثًا، بل صدرا عن حكمة وصواب، وليستدل بهما على وجود الصانع؛ إذ هذه المخلوقات العظيمة الظاهر عليها سمات الحدوث، لا بد لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه جلَّ وعلا.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الجملة لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر خلق الخلق وسرعة إيجاده لما يشاء، وتضمن البعث إفنائهم قبل ذلك.. ناسب ذكر الوصف بالحكيم، ولما ذكر أنه عالم الغيب والشهادة.. ناسب ذكر الوصف بالخبير، إذ هي صفة تدل على علم ما لطف إدراكه من الأشياء.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قوله: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾.. ناسب ذكر هذه الآية هنا، وكان التذكار بقصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه أنسب لرجوع العرب إليه؛ إذ هو جدهم الأعلى، فذكِّروا بأن إنكار هذا النبي محمَّد - ﷺ - عليكم عبادة الأصنام هو مثل إنكار جدكم إبراهيم على أبيه وقومه عبادتها، وفي ذلك التنبيه على اقتفاء من سلف من صالحي الآباء والأجداد، وهم وسائر الطوائف معظمون لإبراهيم عليه السلام.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ...﴾ الآية، سبب
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ...﴾ الآية، مناسبة (١) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه يحشر إلى جزائه العالم، وهو منتهى ما يؤول إليه أمرهم.. ذكر مبتدأ وجود العالم وخلقه له بالحق؛ أي: بما هو حق لا عبث فيه ولا هو باطل؛ أي: لم يخلقهما باطلًا ولا عبثًا، بل صدرا عن حكمة وصواب، وليستدل بهما على وجود الصانع؛ إذ هذه المخلوقات العظيمة الظاهر عليها سمات الحدوث، لا بد لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه جلَّ وعلا.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الجملة لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر خلق الخلق وسرعة إيجاده لما يشاء، وتضمن البعث إفنائهم قبل ذلك.. ناسب ذكر الوصف بالحكيم، ولما ذكر أنه عالم الغيب والشهادة.. ناسب ذكر الوصف بالخبير، إذ هي صفة تدل على علم ما لطف إدراكه من الأشياء.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قوله: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾.. ناسب ذكر هذه الآية هنا، وكان التذكار بقصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه أنسب لرجوع العرب إليه؛ إذ هو جدهم الأعلى، فذكِّروا بأن إنكار هذا النبي محمَّد - ﷺ - عليكم عبادة الأصنام هو مثل إنكار جدكم إبراهيم على أبيه وقومه عبادتها، وفي ذلك التنبيه على اقتفاء من سلف من صالحي الآباء والأجداد، وهم وسائر الطوائف معظمون لإبراهيم عليه السلام.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ...﴾ الآية، سبب
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
412
نزولها: ما أخرجه (١) ابن أبي حاتم عن عبيد الله بن زجر عن بكر بن سوادة قال: حمل رجل من العدو على المسلمين، فقتل رجلًا، ثم حمل، فقتل رجلًا آخر، ثم حمل فقتل آخر، ثم قال: أينفعني الإِسلام بعد هذا، فقال رسول الله - ﷺ -: "نعم"، فضرب فرسه فدخل فيهم، ثم حمل على أصحابه، فقتل رجلًا ثم آخر، ثم قتل. قال فيرون: إن هذه الآية نزلت فيه. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٧١ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لهؤلاء المشركين الذين يدعونك إلى دين آبائهم ﴿أَنَدْعُو﴾؛ أي: نعبد ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: متجاوزين عبادة الله الضار النافع ﴿مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾؛ أي: الأصنام التي لا تنفعنا في الدنيا والآخرة إن عبدناها، ولا تضرنا إن تركنا عبادتها، وأدنى مراتب المعبودية: القدرة على ذلك؛ أي: لا ينبغي لنا ولا يمكن منا أن نعبد غير الله سبحانه وتعالى بعد أن هدانا الله تعالى إلى الإِسلام والتوحيد، والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ ﴿و﴾ هل ﴿نُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾؛ أي: وهل نرجع وراءنا وخلفنا إلى الشرك ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ وأرشدنا إلى دينه وأكرمنا به، لا نرجع إلى الشرك، ويقال لكل (٢) من أعرض عن الحق إلى الباطل: أنه رجع إلى خلف، ورجع على عقيبه؛ لأن الأصل في الإنسان هو الجهل، ثم إذا تكامل حصل له العلم، فإذا رجع من العلم إلى الجهل مرة أخرى.. فكأنه رجع إلى أول مرة. والمعنى (٣): قل يا محمَّد للآمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم: أندعوا من دون الله تعالى حجرًا أو شجرًا لا يقدر على نفعنا أو ضرنا، فنخصه بالعبادة دون الله، وندع عبادة الذي بيده التفسير والنفع، والحياة والموت؟ إن كنتم تعقلون.. فتميزون بين الخير والشر، ولا شك أن خدمة من يرتجى نفعه ويرهب ضره أحق وأولى من خدمة ما لا يرجى منه شيء منهما، وهل نرد على أعقابنا بالعودة إلى الضلال والشرك بعد إذ هدانا الله
التفسير وأوجه القراءة
٧١ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لهؤلاء المشركين الذين يدعونك إلى دين آبائهم ﴿أَنَدْعُو﴾؛ أي: نعبد ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: متجاوزين عبادة الله الضار النافع ﴿مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾؛ أي: الأصنام التي لا تنفعنا في الدنيا والآخرة إن عبدناها، ولا تضرنا إن تركنا عبادتها، وأدنى مراتب المعبودية: القدرة على ذلك؛ أي: لا ينبغي لنا ولا يمكن منا أن نعبد غير الله سبحانه وتعالى بعد أن هدانا الله تعالى إلى الإِسلام والتوحيد، والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ ﴿و﴾ هل ﴿نُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾؛ أي: وهل نرجع وراءنا وخلفنا إلى الشرك ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ وأرشدنا إلى دينه وأكرمنا به، لا نرجع إلى الشرك، ويقال لكل (٢) من أعرض عن الحق إلى الباطل: أنه رجع إلى خلف، ورجع على عقيبه؛ لأن الأصل في الإنسان هو الجهل، ثم إذا تكامل حصل له العلم، فإذا رجع من العلم إلى الجهل مرة أخرى.. فكأنه رجع إلى أول مرة. والمعنى (٣): قل يا محمَّد للآمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم: أندعوا من دون الله تعالى حجرًا أو شجرًا لا يقدر على نفعنا أو ضرنا، فنخصه بالعبادة دون الله، وندع عبادة الذي بيده التفسير والنفع، والحياة والموت؟ إن كنتم تعقلون.. فتميزون بين الخير والشر، ولا شك أن خدمة من يرتجى نفعه ويرهب ضره أحق وأولى من خدمة ما لا يرجى منه شيء منهما، وهل نرد على أعقابنا بالعودة إلى الضلال والشرك بعد إذ هدانا الله
(١) لباب النقول.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
413
إلى الإِسلام والتوحيد؟
والخلاصة: أن ذلك لا ينبغي لنا ولا يقع منا للأسباب الآتية:
١ - أن هذا تحول وارتداد عن دعاء القادر الذي يكشف الضر إن شاء، ويمنح الخير إن شاء إلى دعاء العاجز الذي لا يقدر على نفع ولا ضر.
٢ - أنه رد على الأعقاب، وتقهقر إلى الوراء.
٣ - أن من أنقذه الله القدير الرحيم من الضلالة بما أراه من آياته في الأنفس والآفاق لا يقدر أحد أن يضله: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧)﴾.
ثم ضرب مثلًا يصوِّر المرتد في أقبح حالة كانت تتخيلها العرب، فقال: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أنرد على أعقابنا ونرجع إلى الشرك حالة كوننا مشبهين بالشخص الذي استهوته واختطفته وأضلته الشياطين والغيلان ومردة الجن عن الطريق الموصل إلى المقصد، واستتبعته وألقته في الهوية والبراري والصحارى من الأرض حالة كونه ﴿حَيْرَانَ﴾؛ أي: متحيرًا في شأنه لا يدري أين يذهب، لضلاله عن الطريق ﴿لَهُ﴾؛ أي: لذلك المستهوى الضال عن الطريق ﴿أَصْحَابٌ﴾ ورفقة ﴿يَدْعُونَهُ﴾ وينادونه ليردوه ﴿إِلَى الْهُدَى﴾؛ أي: إلى الطريق الذي أخطأ عنه قائلين في ندائهم: ﴿ائْتِنَا﴾ وجئنا وأقبل إلينا، فإن الطريق ها هنا، فلا يسمعهم ولا يجيبهم، فيهلك في الصحارى؛ أي: لا ينبغي لنا أن نكون مثل ذلك المستهوى الضال عن الطريق. والمعنى؛ أي: أنرد على أعقابنا، فيكون مثلنا في ذلك مثل الرجل الذي استتبعه الشيطان يهوى ويضل في الأرض حيران تائهًا، له أصحاب على المحجة واستقامة السبيل يدعونه إلى طريق الهدى الذي هم عليه، ويقولون له: ائتنا.
وخلاصة المثل (١): أن من يرتد مشركًا بعد الإيمان.. كمن جعله العشق أو
والخلاصة: أن ذلك لا ينبغي لنا ولا يقع منا للأسباب الآتية:
١ - أن هذا تحول وارتداد عن دعاء القادر الذي يكشف الضر إن شاء، ويمنح الخير إن شاء إلى دعاء العاجز الذي لا يقدر على نفع ولا ضر.
٢ - أنه رد على الأعقاب، وتقهقر إلى الوراء.
٣ - أن من أنقذه الله القدير الرحيم من الضلالة بما أراه من آياته في الأنفس والآفاق لا يقدر أحد أن يضله: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧)﴾.
ثم ضرب مثلًا يصوِّر المرتد في أقبح حالة كانت تتخيلها العرب، فقال: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أنرد على أعقابنا ونرجع إلى الشرك حالة كوننا مشبهين بالشخص الذي استهوته واختطفته وأضلته الشياطين والغيلان ومردة الجن عن الطريق الموصل إلى المقصد، واستتبعته وألقته في الهوية والبراري والصحارى من الأرض حالة كونه ﴿حَيْرَانَ﴾؛ أي: متحيرًا في شأنه لا يدري أين يذهب، لضلاله عن الطريق ﴿لَهُ﴾؛ أي: لذلك المستهوى الضال عن الطريق ﴿أَصْحَابٌ﴾ ورفقة ﴿يَدْعُونَهُ﴾ وينادونه ليردوه ﴿إِلَى الْهُدَى﴾؛ أي: إلى الطريق الذي أخطأ عنه قائلين في ندائهم: ﴿ائْتِنَا﴾ وجئنا وأقبل إلينا، فإن الطريق ها هنا، فلا يسمعهم ولا يجيبهم، فيهلك في الصحارى؛ أي: لا ينبغي لنا أن نكون مثل ذلك المستهوى الضال عن الطريق. والمعنى؛ أي: أنرد على أعقابنا، فيكون مثلنا في ذلك مثل الرجل الذي استتبعه الشيطان يهوى ويضل في الأرض حيران تائهًا، له أصحاب على المحجة واستقامة السبيل يدعونه إلى طريق الهدى الذي هم عليه، ويقولون له: ائتنا.
وخلاصة المثل (١): أن من يرتد مشركًا بعد الإيمان.. كمن جعله العشق أو
(١) المراغي.
414
الجنون هائمًا على وجهه ضالًا في الفلوات حيران لا يهتدي، تاركًا رفاقه على الطريق المستقيم ينادونه: عد إلينا وارجع، فلا يستجيب لهم لانجذابه وراء ما تراءى له بغير عقل ولا بصيرة. قال صاحب "الكشاف": وهذا مبني على ما كانت تزعمه العرب وتعتقده من أن الجن تستهوي الإنسان وتختطفه، والغيلان تستولي عليه، كما قال تعالى: ﴿كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾. قال ابن عباس (١): مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول فيتبعه، فيصبح وقد ألقته في مهمهٍ ومهلكة، فهو حائر في تلك المهامه. وحمل الزمخشري ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾ على أنه من الهوى الذي هو المودة والميل؛ كأنه قيل: كالذي أمالته الشيطان عن الطريق الواضح إلى المهمه القفر، وحمله غيره كأبي عليّ على أنه من الهُويُّ بمعنى: السقوط؛ أي: ألقته في هوة ووهدة، ويكون استفعل بمعنى: أفعل، نحو استزل وأزل.
وقرأ السلمي والأعمش وطلحة (٢): ﴿استهوته الشيطان﴾ بالتاء، وإفراد الشيطان. وقال الكسائي: إنها كذلك في مصحف ابن مسعود انتهى. والذي نقلوا لنا القراءة عن ابن مسعود إنما نقلوه الشياطين جمعًا. وقرأ الحسن: ﴿الشياطون﴾، وتقدم، وقد لحن في ذلك، وقد قيل: هو شاذ قبيح، وفي مصحف عبد الله: ﴿أتينا﴾ فعلًا ماضيًا لا أمرًا، فـ ﴿إِلَى الْهُدَى﴾ متعلق به.
ثم أمره أن يرغب المشركين فيما يدعو إليه، لا فيما يدعونه إليه، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنَّ هُدَى اللَّهِ﴾؛ أي: إن (٣) طريق الله الذي أوضحه لعباده ودينه الذي شرعه لهم ﴿هُوَ الْهُدَى﴾ والنور والاستقامة لا عبادة الأصنام؛ لأن ما وراءه ضلال، ففيه زجر عن عبادتها، كأنه يقول: لا نفعل ذلك، فإن هدى الله هو الهدى، لا هدى غيره، والمعنى: قل لهم يا محمَّد: إن هدى الله الذي أنزل به آياته، وأقام عليه حججه وبيناته هو الهدى الحق، لا يأتيه الباطل من بين يديه
وقرأ السلمي والأعمش وطلحة (٢): ﴿استهوته الشيطان﴾ بالتاء، وإفراد الشيطان. وقال الكسائي: إنها كذلك في مصحف ابن مسعود انتهى. والذي نقلوا لنا القراءة عن ابن مسعود إنما نقلوه الشياطين جمعًا. وقرأ الحسن: ﴿الشياطون﴾، وتقدم، وقد لحن في ذلك، وقد قيل: هو شاذ قبيح، وفي مصحف عبد الله: ﴿أتينا﴾ فعلًا ماضيًا لا أمرًا، فـ ﴿إِلَى الْهُدَى﴾ متعلق به.
ثم أمره أن يرغب المشركين فيما يدعو إليه، لا فيما يدعونه إليه، فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿إِنَّ هُدَى اللَّهِ﴾؛ أي: إن (٣) طريق الله الذي أوضحه لعباده ودينه الذي شرعه لهم ﴿هُوَ الْهُدَى﴾ والنور والاستقامة لا عبادة الأصنام؛ لأن ما وراءه ضلال، ففيه زجر عن عبادتها، كأنه يقول: لا نفعل ذلك، فإن هدى الله هو الهدى، لا هدى غيره، والمعنى: قل لهم يا محمَّد: إن هدى الله الذي أنزل به آياته، وأقام عليه حججه وبيناته هو الهدى الحق، لا يأتيه الباطل من بين يديه
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
415
ولا من خلفه، لا ما تدعون إليه من أهوائكم اتباعًا لما ألفيتم عليه آبائكم. ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: وقيل لهم يا محمَّد: وأمرنا بأن نسلم ونخلص العبادة لله سبحانه وتعالى مالك العالمين، فأسلمنا لأنه هو الذي يستحق العبادة منا لا غيره،
٧٢ - والآمر هو الله سبحانه وتعالى ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ﴾؛ أي: واتقوا رب العالمين؛ أي: وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقوى الله؛ لأن فيهما ما يقرب إليه، والمعنى: وأمرنا بالإِسلام وبإقامة الصلاة وبالتقوى. وإقامة (١) الصلاة: الإتيان بها على الوجه الذي شرعت لأجله، وهي: أن تزكِّي النفس بمناجاة الله وذكره، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، والتقوى: اتقاء ما يترتب عليه مخالفة دين الله وشرعه.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي إِلَيْهِ﴾؛ أي: إلى لقائه ﴿تُحْشَرُونَ﴾ وتجمعون؛ أي: وهو سبحانه وتعالى الذي تجمعون وتساقون إلى لقائه يوم القيامة دون غيره، فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكم عليها، فليس من العقل ولا من الحكمة أن يعبد أو يخاف أو يرجى غيره تعالى.
٧٣ - ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأوجد على غير مثال سابق ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ السبع وما فيها ﴿وَالْأَرْضَ﴾ وما فيها خلقًا ملتبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾ والحكمة، وهو أنه على وفق سننه المطردة المشتملة على الحكم البالغة الدالة على وجوده تعالى ووحدانيته وقدرته البالغة، ولم يخلقهما باطلًا ولا عبثًا، فهو لا يترك الناس سدى، بل يجزي كل نفس بما كسبت، ونحو هذه الآية قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾، وقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦)﴾ ﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾.
وقوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ظرف لقوله: ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾؛ أي: وقوله سبحانه وتعالى هو الحق الواقع الذي لا شك فيه حين يقول للشيء الذي أراد إيجاده: كن؛ أي: اخرج من العدم، فيكون؛ أي: فيوجد ذلك الشيء الذي
٧٢ - والآمر هو الله سبحانه وتعالى ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ﴾؛ أي: واتقوا رب العالمين؛ أي: وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقوى الله؛ لأن فيهما ما يقرب إليه، والمعنى: وأمرنا بالإِسلام وبإقامة الصلاة وبالتقوى. وإقامة (١) الصلاة: الإتيان بها على الوجه الذي شرعت لأجله، وهي: أن تزكِّي النفس بمناجاة الله وذكره، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، والتقوى: اتقاء ما يترتب عليه مخالفة دين الله وشرعه.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي إِلَيْهِ﴾؛ أي: إلى لقائه ﴿تُحْشَرُونَ﴾ وتجمعون؛ أي: وهو سبحانه وتعالى الذي تجمعون وتساقون إلى لقائه يوم القيامة دون غيره، فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكم عليها، فليس من العقل ولا من الحكمة أن يعبد أو يخاف أو يرجى غيره تعالى.
٧٣ - ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأوجد على غير مثال سابق ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ السبع وما فيها ﴿وَالْأَرْضَ﴾ وما فيها خلقًا ملتبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾ والحكمة، وهو أنه على وفق سننه المطردة المشتملة على الحكم البالغة الدالة على وجوده تعالى ووحدانيته وقدرته البالغة، ولم يخلقهما باطلًا ولا عبثًا، فهو لا يترك الناس سدى، بل يجزي كل نفس بما كسبت، ونحو هذه الآية قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾، وقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦)﴾ ﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾.
وقوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ظرف لقوله: ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾؛ أي: وقوله سبحانه وتعالى هو الحق الواقع الذي لا شك فيه حين يقول للشيء الذي أراد إيجاده: كن؛ أي: اخرج من العدم، فيكون؛ أي: فيوجد ذلك الشيء الذي
(١) المراغي.
416
تعلقت إرادته بإيجاده، وهو وقت إيجاد العالم وتكوينه، فلا مرد لأمره، ولا تخلف لقضائه وحكمه، ومن كان أمره التكويني مطاعًا.. يكون أمره التكليفي كذلك واجب الطاعة بلا حرج في النفس ولا ضيق منه، فالخلق حق، والأمر حق: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾.
والمراد من هذا الأمر (١): التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات، وهذا بيان أن خلقه تعالى للسموات والأرض ليس مما يتوقف على مادة ولا مدة، بل يتم بمحض الأمر التكويني من غير توقف على شيء آخر أصلًا. والمراد بالقول كلمة: ﴿كُنْ﴾ تمثيل؛ لأن سرعة قدرته تعالى أقل زمنًا من زمن النطق بـ ﴿كُنْ﴾.
﴿وَلَهُ﴾ سبحانه وتعالى خاصة ﴿الْمُلْكُ﴾ والسلطنة ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ﴾ وينادى ﴿فِي الصُّورِ﴾ لبعث الخلائق، وهو يوم القيامة؛ أي: وله سبحانه وتعالى الملك يوم الحشر يوم يبعث من في القبور، وينفخ في الصور، والأمر حينئذ لله وحده، ولا تملك نفس لنفس شيئًا من خير أو شر، أو نفع أو ضر، فكيف يرضى لنفسه من يعرف هذه الحقائق أن يدعو سواه، ويتخذ له إلهًا غير الله، ويرد على عقبيه ويرجع إلى أسوأ حاليه؟! وإنما أخبر (٢) سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له تعالى خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة؛ لأنه لا منازع له يومئذ يدِّعي الملك، وأنه المنفرد بالملك يومئذ، وأن من كان يدعي الملك بالباطل من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم، واعترفوا بأن الملك لله الواحد القهار، وأنه لا منازع له فيه، وعلموا أن الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا باطل وغرور.
واختلفت (٣) العلماء في ﴿الصُّورِ﴾ المذكور في الآية، فقال قوم: هو قرن ينفخ فيه، وهو لغة أهل اليمن. قال مجاهد: الصور قرن كهيئة البوق، ويدل على
والمراد من هذا الأمر (١): التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات، وهذا بيان أن خلقه تعالى للسموات والأرض ليس مما يتوقف على مادة ولا مدة، بل يتم بمحض الأمر التكويني من غير توقف على شيء آخر أصلًا. والمراد بالقول كلمة: ﴿كُنْ﴾ تمثيل؛ لأن سرعة قدرته تعالى أقل زمنًا من زمن النطق بـ ﴿كُنْ﴾.
﴿وَلَهُ﴾ سبحانه وتعالى خاصة ﴿الْمُلْكُ﴾ والسلطنة ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ﴾ وينادى ﴿فِي الصُّورِ﴾ لبعث الخلائق، وهو يوم القيامة؛ أي: وله سبحانه وتعالى الملك يوم الحشر يوم يبعث من في القبور، وينفخ في الصور، والأمر حينئذ لله وحده، ولا تملك نفس لنفس شيئًا من خير أو شر، أو نفع أو ضر، فكيف يرضى لنفسه من يعرف هذه الحقائق أن يدعو سواه، ويتخذ له إلهًا غير الله، ويرد على عقبيه ويرجع إلى أسوأ حاليه؟! وإنما أخبر (٢) سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له تعالى خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة؛ لأنه لا منازع له يومئذ يدِّعي الملك، وأنه المنفرد بالملك يومئذ، وأن من كان يدعي الملك بالباطل من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم، واعترفوا بأن الملك لله الواحد القهار، وأنه لا منازع له فيه، وعلموا أن الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا باطل وغرور.
واختلفت (٣) العلماء في ﴿الصُّورِ﴾ المذكور في الآية، فقال قوم: هو قرن ينفخ فيه، وهو لغة أهل اليمن. قال مجاهد: الصور قرن كهيئة البوق، ويدل على
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) الخازن.
417
صحة هذا القول: ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء أعرابي إلى النبي - ﷺ -، فقال: ما الصور؟ قال: "قرن ينفخ فيه". أخرجه أبو داود والترمذي.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كيف أنعم، وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ"، فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - ﷺ -، فقالوا: كيف نفعل يا رسول الله؟ وكيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا"، وربما قال: "توكلنا على الله" أخرجه الترمذي. وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة، ومعنى النفخ فيها إحياؤها بنفخ الروح فيها، وهذا قول الحسن ومقاتل. والقول الأول أصح؛ لما تقدم في الحديث، ولقوله تعالى في آية أخرى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى﴾، ولإجماع أهل السنة على أن المراد بالصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل نفختين: نفخة الصعق، ونفخة البعث للحساب.
وقرأ الحسن (١): ﴿الصور﴾ بتحريك الواو، وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض، ويؤيد تأويل من تأوله أن الصور جمع صورة؛ كثومة وثوم. وروي عن عبد الوارث عن أبي عمرو: ﴿ننفخ﴾ بنون العظمة.
وهو سبحانه وتعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾؛ أي: عالم ما غاب عن عباده وما يشاهدونه ويعلمونه، فلا يغيب عن علمه شيء. قال الحسن: الغيب: ما غاب عنكم مما لم تروه، والشهادة: ما قد رأيتم من خلقه. وقال ابن عباس: الغيب والشهادة: السر والعلانية: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ في جميع أفعاله وتدبير خلقه ﴿الْخَبِيرُ﴾ بكل ما يفعلونه من خير وشر.
والمعنى (٢): أن الذي خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق، والذي قوله الحق تكوينًا وتكليفًا، والذي له الملك وحده يوم يحشر الخلائق: هو عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها، وهو الخبير بدقائقها
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كيف أنعم، وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ"، فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - ﷺ -، فقالوا: كيف نفعل يا رسول الله؟ وكيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا"، وربما قال: "توكلنا على الله" أخرجه الترمذي. وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة، ومعنى النفخ فيها إحياؤها بنفخ الروح فيها، وهذا قول الحسن ومقاتل. والقول الأول أصح؛ لما تقدم في الحديث، ولقوله تعالى في آية أخرى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى﴾، ولإجماع أهل السنة على أن المراد بالصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل نفختين: نفخة الصعق، ونفخة البعث للحساب.
وقرأ الحسن (١): ﴿الصور﴾ بتحريك الواو، وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض، ويؤيد تأويل من تأوله أن الصور جمع صورة؛ كثومة وثوم. وروي عن عبد الوارث عن أبي عمرو: ﴿ننفخ﴾ بنون العظمة.
وهو سبحانه وتعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾؛ أي: عالم ما غاب عن عباده وما يشاهدونه ويعلمونه، فلا يغيب عن علمه شيء. قال الحسن: الغيب: ما غاب عنكم مما لم تروه، والشهادة: ما قد رأيتم من خلقه. وقال ابن عباس: الغيب والشهادة: السر والعلانية: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ في جميع أفعاله وتدبير خلقه ﴿الْخَبِيرُ﴾ بكل ما يفعلونه من خير وشر.
والمعنى (٢): أن الذي خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق، والذي قوله الحق تكوينًا وتكليفًا، والذي له الملك وحده يوم يحشر الخلائق: هو عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها، وهو الخبير بدقائقها
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
418
وخفاياها، ولا يشذ عن علمه شيء منها، فلا ينبغي لعاقل أن يدعو غيره معه كما قال: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾، وقال: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾.
وقرأ الأعمش (١): ﴿عالمِ﴾ بالخفض، ووُجِّه على أنه بدل من الضمير في: ﴿له﴾، أو من ﴿رب العالمين﴾ أو نعت للضمير في ﴿له﴾، والأجود الأول؛ لبعد المبدل منه في الثاني، وكون الضمير الغائب يوصف إنما أجازه الكسائي وحده، وليس مذهب الجمهور.
٧٤ - ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾؛ أي: واذكر يا محمَّد لهؤلاء المشركين الذين لقناك فيما سبق الحجج على بطلان شركهم وضلالهم - إذ عبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم - قصص جدهم إبراهيم الخليل الذي يعظمونه ويدَّعون اتباع ملته، حين جادل قومه وراجعهم في بطلان ما كانوا يعملون؛ إذ قال لأبيه آزر منكرًا عليه وعلي قومه، وعائبًا عليه عبادته الأصنام دون بارئه وخالقه: يا أبتِ ﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً﴾ تعبدها وتجعلها معبودًا لك من دون الله الذي خلقك وخلقها، فهو المستحق للعبادة دونها والأصنام: جمع صنم، وهو ما صوِّر على هيئة الإنسان، وعبد من دون الله، سواء كان من خشب أو حجر أو ذهب أو فضة أو غير ذلك، ذكره "الصاوي". ﴿إِنِّي أَرَاكَ﴾ يا أبتِ ﴿وَقَوْمَكَ﴾ الذين يعبدون هذه الأصنام مثلك ﴿فِي ضَلَالٍ﴾ وخطأ عن الصراط المستقيم. ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: واضح ذلك الضلال لا شبهة فيه للهدى، فإن هذه الأصنام تماثيل تنحتونها بأيديكم من الحجارة، أو تقطعونها من الخشب، أو تصنعونها من المعادن، فأنتم أرفع منها قدرًا وأعز جانبًا، ولم تكن آلهة بذاتها، بل باتخاذكم إياها آلهة، ولا يليق بالعاقل أن يعبد ما هو مساوٍ له في الخلق، ولا ما هو مقهور بتصرف الخالق فيه، ومحتاج إلى الغني القادر، ولا يقدر على شيء لا نفع ولا ضر، ولا إعطاء ولا منع.
وقرأ الأعمش (١): ﴿عالمِ﴾ بالخفض، ووُجِّه على أنه بدل من الضمير في: ﴿له﴾، أو من ﴿رب العالمين﴾ أو نعت للضمير في ﴿له﴾، والأجود الأول؛ لبعد المبدل منه في الثاني، وكون الضمير الغائب يوصف إنما أجازه الكسائي وحده، وليس مذهب الجمهور.
٧٤ - ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾؛ أي: واذكر يا محمَّد لهؤلاء المشركين الذين لقناك فيما سبق الحجج على بطلان شركهم وضلالهم - إذ عبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم - قصص جدهم إبراهيم الخليل الذي يعظمونه ويدَّعون اتباع ملته، حين جادل قومه وراجعهم في بطلان ما كانوا يعملون؛ إذ قال لأبيه آزر منكرًا عليه وعلي قومه، وعائبًا عليه عبادته الأصنام دون بارئه وخالقه: يا أبتِ ﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً﴾ تعبدها وتجعلها معبودًا لك من دون الله الذي خلقك وخلقها، فهو المستحق للعبادة دونها والأصنام: جمع صنم، وهو ما صوِّر على هيئة الإنسان، وعبد من دون الله، سواء كان من خشب أو حجر أو ذهب أو فضة أو غير ذلك، ذكره "الصاوي". ﴿إِنِّي أَرَاكَ﴾ يا أبتِ ﴿وَقَوْمَكَ﴾ الذين يعبدون هذه الأصنام مثلك ﴿فِي ضَلَالٍ﴾ وخطأ عن الصراط المستقيم. ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: واضح ذلك الضلال لا شبهة فيه للهدى، فإن هذه الأصنام تماثيل تنحتونها بأيديكم من الحجارة، أو تقطعونها من الخشب، أو تصنعونها من المعادن، فأنتم أرفع منها قدرًا وأعز جانبًا، ولم تكن آلهة بذاتها، بل باتخاذكم إياها آلهة، ولا يليق بالعاقل أن يعبد ما هو مساوٍ له في الخلق، ولا ما هو مقهور بتصرف الخالق فيه، ومحتاج إلى الغني القادر، ولا يقدر على شيء لا نفع ولا ضر، ولا إعطاء ولا منع.
(١) البحر المحيط.
419
وقرأ الجمهور: ﴿ءَازَرَ﴾ بفتح الراء. وقرأ أبي وابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم بضم الراء على النداء، وكونه علمًا، ولا يصح أن يكون صفة لحذف حرف النداء، وهو لا يحذف من الصفة إلا شذوذًا. وفي مصحف أبي: ﴿يا آزر﴾ - بحرف النداء - ﴿اتخذت أصنامًا﴾ بالفعل الماضي. فيحتمل العلمية والصفة. وقرأ ابن عباس أيضًا: ﴿أأزرًا تتخذ أصنامًا﴾ بهمزة استفهام وفتح الهمزة بعدها وسكون الزاي ونصب الراء منونة، وحذف همزة الاستفهام من ﴿أتتخذ﴾. قال ابن عطية: المعنى: أعضدًا وقوة ومظاهرة على الله تتخذ، وهو من قوله: ﴿اشدد به أزرى﴾. وقال الزمخشري: هو اسم صنم، ومعناه: أتعبد أزرًا على الإنكار، ثم قال: أتتخذ أصنامًا آلهةً؛ تبيينًا لذلك وتقريرًا، وهو داخل في حكم الإنكار؛ لأنه كالبيان له. وقرأ ابن عباس أيضًا وأبو إسماعيل الشامي: ﴿أإزرًا﴾ بكسر الهمزة بعد همزة الاستفهام ﴿تتخذ﴾. قال ابن عطية: ومعناها: إنها مبدلة من واو، كوسادة وإسادة، كأنه قال: أوزرًا ومأثمًا تتخذ أصنامًا، ونصبه على هذا بفعل محذوف. وقرأ الأعمش: ﴿إزرا تتخذ﴾ بكسر الهمزة وسكون الزاي ونصب الراء وتنوينها، وبغير همزة استفهام في ﴿تتخذ﴾، وذكره أبو حيان في "البحر".
واختلف (١) العلماء في لفظ ﴿ءَازَرَ﴾ فقال محمَّد بن إسحاق والكلبي والضحاك: آزر: اسم أبي إبراهيم، وهو تارح، ضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وبعضهم بالخاء المعجمة، فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم اسمان: آزر وتارح، مثل يعقوب وإسرائيل: اسمان لرجل واحد، فيحتمل أن يكون اسمه الأصلي: آزر، وتارح لقب له، أو بالعكس، والله سماه آزر، وإن كان عند النسابين والمؤرخين اسمه تارح؛ ليعرف بذلك، وكان آزر أبو إبراهيم من كوثى، وهي قرية من سواد الكوفة. وقال سليمان التيمي: آزر: سب وعيب، ومعناه في كلامهم المعوج. وقيل: الشيخ الهرم، وهو بالفارسية، وهذا على مذهب من يجوز أن في القرآن ألفاظًا قليلة فارسية، وقيل: هو المخطىء، فكأن إبراهيم عابه وذمه بسبب كفره وزيغه عن الحق. وقال سعيد بن المسيب ومجاهد: آزر: اسم صنم كان والد
واختلف (١) العلماء في لفظ ﴿ءَازَرَ﴾ فقال محمَّد بن إسحاق والكلبي والضحاك: آزر: اسم أبي إبراهيم، وهو تارح، ضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وبعضهم بالخاء المعجمة، فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم اسمان: آزر وتارح، مثل يعقوب وإسرائيل: اسمان لرجل واحد، فيحتمل أن يكون اسمه الأصلي: آزر، وتارح لقب له، أو بالعكس، والله سماه آزر، وإن كان عند النسابين والمؤرخين اسمه تارح؛ ليعرف بذلك، وكان آزر أبو إبراهيم من كوثى، وهي قرية من سواد الكوفة. وقال سليمان التيمي: آزر: سب وعيب، ومعناه في كلامهم المعوج. وقيل: الشيخ الهرم، وهو بالفارسية، وهذا على مذهب من يجوز أن في القرآن ألفاظًا قليلة فارسية، وقيل: هو المخطىء، فكأن إبراهيم عابه وذمه بسبب كفره وزيغه عن الحق. وقال سعيد بن المسيب ومجاهد: آزر: اسم صنم كان والد
(١) الخازن.
420
إبراهيم يعبده، وإنما سماه بهذا الاسم؛ لأن من عبد شيئًا أو أحبه.. جعل اسم ذلك المعبود أو المحبوب اسمًا له، فهو كقوله: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾. وقيل: معناه: وإذ قال إبراهيم لأبيه يا عابد آزر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والصحيح هو الأول: أن آزر اسم لأبي إبراهيم؛ لأن الله تعالى سماه به، وما نقل عن النسابين والمؤرخين أن اسمه تارح، ففيه نظر؛ لأنهم إنما نقلوه عن أصحاب الأخبار وأهل السير من أهل الكتاب ولا عبرة بنقلهم.
وقد أخرج البخاري في "أفراده" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - ﷺ - قال: "يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة.. " الحديث، فسماه النبي - ﷺ -: آزر أيضًا، ولم يقل: أباه تارح، فثبت بهذا أن اسمه الأصلي آزر لا تارح، والله أعلم. وقيل: كان آزر من أهل حران، وهو تارخ بن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، ذكره أبو حيان في "البحر". وإبراهيم اسم خليل الرحمن أبي الأنبياء الأكبر من بعد نوح، وهو العاشر من أولاد سام كما في سفر التكوين من التوراة، ولد في بلدة: أور؛ أي: النور، من بلاد الكلدان، وهي المعروفة الآن باسم: أورفا في ولاية حلب كما يرجح ذلك المؤرخون. ومعنى إبراهيم: أبو الجمهور العظيم؛ أي: أبو الأمة، وهو تبشير من الله له بتكثير نسله من ولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام.
وقد أثبت علماء الآثار (١) أن عرب الجزيرة سكنوا منذ فجر التاريخ بلاد الكلدان ومصر، وغلبت لغتهم فيهما، ونقل بعض المؤرخين أن الملك حمورابي الذي كان معاصرًا لإبراهيم عليه السلام عربي، وقد أسكن إبراهيم ابنه إسماعيل مع أمه هاجر المصرية في الوادي الذي بنيت فيه مكة، وأن الله سخر لهما جماعة من جرهم سكنوا معهما هناك، والله أعلم.
٧٥ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: وكما أرينا إبراهيم الحق في أمر أبيه وقومه، وهو أنهم
وقد أخرج البخاري في "أفراده" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - ﷺ - قال: "يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة.. " الحديث، فسماه النبي - ﷺ -: آزر أيضًا، ولم يقل: أباه تارح، فثبت بهذا أن اسمه الأصلي آزر لا تارح، والله أعلم. وقيل: كان آزر من أهل حران، وهو تارخ بن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، ذكره أبو حيان في "البحر". وإبراهيم اسم خليل الرحمن أبي الأنبياء الأكبر من بعد نوح، وهو العاشر من أولاد سام كما في سفر التكوين من التوراة، ولد في بلدة: أور؛ أي: النور، من بلاد الكلدان، وهي المعروفة الآن باسم: أورفا في ولاية حلب كما يرجح ذلك المؤرخون. ومعنى إبراهيم: أبو الجمهور العظيم؛ أي: أبو الأمة، وهو تبشير من الله له بتكثير نسله من ولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام.
وقد أثبت علماء الآثار (١) أن عرب الجزيرة سكنوا منذ فجر التاريخ بلاد الكلدان ومصر، وغلبت لغتهم فيهما، ونقل بعض المؤرخين أن الملك حمورابي الذي كان معاصرًا لإبراهيم عليه السلام عربي، وقد أسكن إبراهيم ابنه إسماعيل مع أمه هاجر المصرية في الوادي الذي بنيت فيه مكة، وأن الله سخر لهما جماعة من جرهم سكنوا معهما هناك، والله أعلم.
٧٥ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: وكما أرينا إبراهيم الحق في أمر أبيه وقومه، وهو أنهم
(١) المراغي.
421
كانوا في ضلال مبين في عبادتهم للأصنام والأوثان ﴿نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: أريناه مرة بعد مرة ملكوت السموات والأرض؛ أي: خلقهما بما فيهما من بديع النظام وغريب الصنع، فأريناه تلك الكواكب التي تدور في أفلاكها على وضع لا تعدوه، وأريناه الأرض وما في طبقاتها المختلفة من أصناف المعادن النافعة للإنسان في معاشه إذا هو استخدمها على الوجه الصحيح الذي أرشدناه إليه، وجلينا له بواطن أمورها وظواهرها، مما يدل على وحدانيتنا وعظيم قدرتنا وإحاطة علمنا بكل شيء. والمعنى (١): وكما أرينا إبراهيم البصيرة في دينه، والحق في خلاف قومه، وما كانوا عليه من الضلال في عبادة الأصنام.. نريه ملكوت السموات والأرض، فلهذا السبب عبر عن هذه الرؤية بلفظ المستقبل في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ﴾؛ لأنه سبحانه وتعالى كان أراه بعين البصيرة أن أباه وقومه على غير الحق فخالفهم، فجزاه الله بأن أراه بعد ذلك ملكوت السموات والأرض، فحسنت هذه العبارة لهذا المعنى، والملكوت: الملك، زيدت فيه التاء للمبالغة، كالرهبوت والرغبوت والرحموت: من الرهبة والرغبة والرحمة. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني آيات السموات والأرض، وذلك أنه أقيم على صخرة، وكشف له عن السموات حتى رأى العرش والكرسي وما في السموات من العجائب، وحتى رأى مكانه في الجنة، فذلك قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ يعني: أريناه مكانه في الجنة، وكشف له عن الأرض حتى نظر إلى أسفل الأرضين، ورأى ما فيها من العجائب. وقرأ (٢) أبو السمال: ﴿مَلْكُوتَ﴾ - بسكون اللام -: وهي لغة بمعنى: الملك. وقرأ عكرمة: ﴿ملكوث﴾ بالثاء المثلثة. وقال: ﴿ملكوثا﴾ باليونانية والقبطية. وقال النخعي: هي ﴿ملكوثا﴾ بالعبرانية. وقرىء: ﴿وكذلك ترى﴾ التاء من فوق ﴿إبراهيم ملكوت﴾ - برفع التاء -؛ أي: تبصره دلائل الربوبية.
وقوله: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ معطوف على محذوف معلوم من السياق تقديره: وكذلك أرينا إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليقيم بها الحجة على
وقوله: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ معطوف على محذوف معلوم من السياق تقديره: وكذلك أرينا إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليقيم بها الحجة على
(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
422
المشركين الضالين، وليكون في خاصة نفسه من الموقنين؛ أي: من زمرة الراسخين في الإيقان، البالغين عين اليقين. وقيل: الواو زائدة، ومتعلق ﴿الْمُوقِنِينَ﴾ محذوف تقديره: من الموقنين بوحدانية الله وقدرته، وقيل: بنبوته ورسالته. واليقين وكذا الإيقان: عبارة (١) عن علم يحصل بسبب التأمل بعد زوال الشبهة؛ لأن الإنسان في أول الحال لا ينفك عن شبهة وشك، فإذا كثرت الدلائل وتوافقت.. صارت سببًا لحصول اليقين والطمأنينة في القلب، وزالت الشبهة عند ذلك.
٧٦ - ثم فصل سبحانه ما أجمله من رؤية ملكوت السموات والأرض، فقال: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾؛ أي: إنه سبحانه وتعالى لما بدأ يريه ملكوت السموات والأرض.. كان من أول أمره في ذلك أنه لما جن وأظلم عليه الليل وستر عنه ما حوله من عالم الأرض.. نظر في ملكوت السموات فـ ﴿رَأَى كَوْكَبًا﴾ عظيمًا ممتازًا عن سائر الكواكب بإشراقه وبريقه ولمعانه، وهو كوكب: المشتري الذي هو أعظم آلهة بعض عباد الكواكب من قدماء اليونان والرومان، وهو في السماء السادسة. وقيل: هو الزهرة، وهي في السماء الثالثة، وبالجملة فالكوكب من السبعة السيارة
المجموعة في قول بعضهم:
وكان قوم إبراهيم أئمتهم في هذه العبادة، وهم لهم مقتدون، فلما رآه ﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿هَذَا﴾ الكوكب ﴿رَبِّي﴾ ومعبودي في زعمكم؛ أي: قال هذا في مقام المناظرة والحجاج لقومه تمهيدًا للإنكار عليهم، فحكى مقالتهم أولًا ليستدرجهم إلى سماع حجته على بطلانها، فأوهمهم أولًا أنه موافق لهم على زعمهم ثم كر عليه بالنقض بانيًا دليله على الحس والعقل ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ وغاب وغرب هذا الكوكب واحتجب عنه ﴿قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾؛ أي: لا أحب الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان، المتغيرين من حال إلى حال، المحتجبين
٧٦ - ثم فصل سبحانه ما أجمله من رؤية ملكوت السموات والأرض، فقال: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾؛ أي: إنه سبحانه وتعالى لما بدأ يريه ملكوت السموات والأرض.. كان من أول أمره في ذلك أنه لما جن وأظلم عليه الليل وستر عنه ما حوله من عالم الأرض.. نظر في ملكوت السموات فـ ﴿رَأَى كَوْكَبًا﴾ عظيمًا ممتازًا عن سائر الكواكب بإشراقه وبريقه ولمعانه، وهو كوكب: المشتري الذي هو أعظم آلهة بعض عباد الكواكب من قدماء اليونان والرومان، وهو في السماء السادسة. وقيل: هو الزهرة، وهي في السماء الثالثة، وبالجملة فالكوكب من السبعة السيارة
المجموعة في قول بعضهم:
زُحَلٌ شَرَى مَرِّيْخَهُ مِنْ شَمْسِهِ | فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدَ الأَقْمَارَا |
(١) الخازن.
بالأستار؛ أي: لا أحب (١) ربًّا يغيب ويحتجب؛ إذ من كان سليم الفطرة لا يختار لنفسه حب شيء يغيب عنه ويوحشه فقده، فما بالك بحب العبادة له الذي هو أعلى أنواع الحب وأكمله؛ لأنه قد هدت إليه الفطرة، وأرشد إليه العقل السليم، فلا ينبغي أن يكون إلا للرب الحاضر القريب السميع البصير الرقيب، الذي لا يغيب ولا يغفل ولا ينسى ولا يذهل، الظاهر في كل شيء بآياته:
والباطن في كل شيء بحكمته ولطفه الخفي: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)﴾، وقد جاء في الحديث في وصف الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
والخلاصة: أن في هذا تعريضًا بجهل قومه في عبادة الكواكب، إذ يعبدون ما يحتجب عنهم ولا يدري شيئًا من أمر عبادتهم، وهذا قريب من قوله لأبيه: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾. وإنما احتج (٢) إبراهيم بالأفول دون البزوغ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال؛ لأن الاحتجاج بالأفول أظهر؛ لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب، وجاء بلفظ ﴿الْآفِلِينَ﴾؛ ليدل على أن ثَمَّ آفلين كثيرين ساواهم هذا الكوكب في الأفول، فلا مزية له عليهم في أن يعبد للاشتراك في الصفة الدالة على الحدوث.
٧٧ - ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾ إبراهيم ﴿الْقَمَرَ﴾ حال كونه ﴿بَازِغًا﴾؛ أي: طالعًا من وراء الأفق أول طلوعه ﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿هَذَا﴾ القمر الطالع ﴿رَبِّي﴾؛ أي: معبودي على طريق الحكاية لما كانوا يقولون؛ تمهيدًا لإبطاله كما علمت فيما سلف، والمتبادر من سياق الكلام أن إبراهيم رأى الكوكب في ليلة، ورأى القمر في الليلة التالية ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ القمر وغاب، كما أفل الكوكب وهو أكبر منه منظرًا وأسطع نورًا وأقوى منه ضياء ﴿قَالَ﴾ إبراهيم مسمعًا من حوله من قومه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾؛ أي: لئن لم يثبتني ربي على الهداية ويوفقني للحجة، وليس المراد
وَفِي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيةٌ | تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ |
والخلاصة: أن في هذا تعريضًا بجهل قومه في عبادة الكواكب، إذ يعبدون ما يحتجب عنهم ولا يدري شيئًا من أمر عبادتهم، وهذا قريب من قوله لأبيه: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾. وإنما احتج (٢) إبراهيم بالأفول دون البزوغ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال؛ لأن الاحتجاج بالأفول أظهر؛ لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب، وجاء بلفظ ﴿الْآفِلِينَ﴾؛ ليدل على أن ثَمَّ آفلين كثيرين ساواهم هذا الكوكب في الأفول، فلا مزية له عليهم في أن يعبد للاشتراك في الصفة الدالة على الحدوث.
٧٧ - ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾ إبراهيم ﴿الْقَمَرَ﴾ حال كونه ﴿بَازِغًا﴾؛ أي: طالعًا من وراء الأفق أول طلوعه ﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿هَذَا﴾ القمر الطالع ﴿رَبِّي﴾؛ أي: معبودي على طريق الحكاية لما كانوا يقولون؛ تمهيدًا لإبطاله كما علمت فيما سلف، والمتبادر من سياق الكلام أن إبراهيم رأى الكوكب في ليلة، ورأى القمر في الليلة التالية ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ القمر وغاب، كما أفل الكوكب وهو أكبر منه منظرًا وأسطع نورًا وأقوى منه ضياء ﴿قَالَ﴾ إبراهيم مسمعًا من حوله من قومه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾؛ أي: لئن لم يثبتني ربي على الهداية ويوفقني للحجة، وليس المراد
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
أنه لم يكن مهتديًا؛ لأن الأنبياء لم يزالوا على الهداية من أول الفطرة. وفي الآية دليل على أن الهداية من الله تعالى. ﴿لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ الذين أخطؤوا الحق في ذلك، فلم يصيبوا الهدى، وعبدوا غير الله، واتبعوا أهواءهم، ولم يعملوا بما يرضيه سبحانه وتعالى.
وفي هذا تعريض يقرب من التصريح بضلال قومه، وإرشاد إلى توقف الهداية على الوحي الإلهي،
٧٨ - وقد انتقل في المرة الثالثة من التعريض إلى التصريح بالبراءة منهم، والتصريح بأنهم على شرك بيِّن بعد أن تبلج الحق وظهر غاية الظهور، وذلك قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ﴾ حالة كونها ﴿بَازِغَةً﴾؛ أي: طالعة من وراء الأفق ﴿قَالَ﴾ إبراهيم مشيرًا إليها ﴿هَذَا﴾ الطالع، أو هذا الذي أرى الآن هو ﴿رَبِّي﴾؛ أي: معبودي، وإنما قال هذا ولم يقل هذه مع كون الشمس مؤنثة، قيل: نظرًا لكونها بمعنى: الطالع كما أشرنا إليه في الحل، أو نظرًا لكون الخبر مذكرًا، أو لأن تأنيثها غير حقيقي ﴿هَذَا﴾ الطالع الآن ﴿أَكْبَرُ﴾ من الكوكب والقمر قدرًا، وأعظم ضياء ونورًا، فهو أجدر منهما بالربوبية، وفي هذا مبالغة في المجاراة لهم، وتمهيد لإقامة الحجة عليهم، واستدراج لهم إلى التمادي في الاستماع بعد ذلك التعريض الذي كان يخشى أن يصدهم عنه.
﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ﴾ الشمس وغابت كما أفل غيرها من الكوكب والقمر، واحتجب ضوؤها المشرق، وكانت الوحشة بذلك أشدَّ من الوحشة باحتجاب الكوكب والقمر.. صرح بما أراد بعد ذلك التعريض الذي تقدم، و ﴿قَالَ﴾ متبرئًا من شرك قومه ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ بالله من الأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث.
والخلاصة: أنه حاور وداور وتلطف في القول، وأرخى لخصمه العنان حتى وصل إلى ما أراد بألطف وجهٍ وأحسن طريق متبرئًا من تلك المعبودات التي جعلوها أربابًا وآلهةً مع الله،
٧٩ - وبعد أن تبرأ من شركهم.. قفى تلك البراءة ببيان عقيدته عقيدة التوحيد الخالص، فقال: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾؛ أي: إني جعلت توجهي في عبادتي، أو قصدت بعبادتي وتوحيدي الله عَزَّ وَجَلَّ، وذكر الوجه؛
وفي هذا تعريض يقرب من التصريح بضلال قومه، وإرشاد إلى توقف الهداية على الوحي الإلهي،
٧٨ - وقد انتقل في المرة الثالثة من التعريض إلى التصريح بالبراءة منهم، والتصريح بأنهم على شرك بيِّن بعد أن تبلج الحق وظهر غاية الظهور، وذلك قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ﴾ حالة كونها ﴿بَازِغَةً﴾؛ أي: طالعة من وراء الأفق ﴿قَالَ﴾ إبراهيم مشيرًا إليها ﴿هَذَا﴾ الطالع، أو هذا الذي أرى الآن هو ﴿رَبِّي﴾؛ أي: معبودي، وإنما قال هذا ولم يقل هذه مع كون الشمس مؤنثة، قيل: نظرًا لكونها بمعنى: الطالع كما أشرنا إليه في الحل، أو نظرًا لكون الخبر مذكرًا، أو لأن تأنيثها غير حقيقي ﴿هَذَا﴾ الطالع الآن ﴿أَكْبَرُ﴾ من الكوكب والقمر قدرًا، وأعظم ضياء ونورًا، فهو أجدر منهما بالربوبية، وفي هذا مبالغة في المجاراة لهم، وتمهيد لإقامة الحجة عليهم، واستدراج لهم إلى التمادي في الاستماع بعد ذلك التعريض الذي كان يخشى أن يصدهم عنه.
﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ﴾ الشمس وغابت كما أفل غيرها من الكوكب والقمر، واحتجب ضوؤها المشرق، وكانت الوحشة بذلك أشدَّ من الوحشة باحتجاب الكوكب والقمر.. صرح بما أراد بعد ذلك التعريض الذي تقدم، و ﴿قَالَ﴾ متبرئًا من شرك قومه ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ بالله من الأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث.
والخلاصة: أنه حاور وداور وتلطف في القول، وأرخى لخصمه العنان حتى وصل إلى ما أراد بألطف وجهٍ وأحسن طريق متبرئًا من تلك المعبودات التي جعلوها أربابًا وآلهةً مع الله،
٧٩ - وبعد أن تبرأ من شركهم.. قفى تلك البراءة ببيان عقيدته عقيدة التوحيد الخالص، فقال: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾؛ أي: إني جعلت توجهي في عبادتي، أو قصدت بعبادتي وتوحيدي الله عَزَّ وَجَلَّ، وذكر الوجه؛
425
لأنه العضو الذي يعرف به الشخص، أو لأنه يطلق على الشخص كله ﴿لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: للإله الذي خلق السموات والأرض، وأكمل خلقهن أطوارًا في ستة أيام، فهو خالق هذه الكواكب النيرات، وخالقكم وما تصنعون منه هذه الأصنام من المعادن والنباتات حالة كوني ﴿حَنِيفًا﴾؛ أي: مائلًا عن الأديان الباطلة التي هي الشرك والخرافات إلى الدين الحق الذي هو التوحيد والإخلاص لله تعالى: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ بالله شيئًا من المخلوقات، وفي معنى الآية قوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾، وقوله: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾.
وإسلام (١) الوجه له تعالى: توجه القلب إليه، وعبر عنه به؛ لأن الوجه أعظم مظهر لما في النفس من الإقبال أو الإعراض، والسرور أو الكآبة إلى نحو أولئك، وتوجيهه له: جعله يتوجه إليه وحده في طلب حاجته، وإخلاص عبوديته إذ هو المستحق للعبادة القادر على الأجر والثواب. ومراد إبراهيم أنه مائل عن معبوداتهم الباطلة وغيرها، فتوجهه وإسلامه خالص لا يشوبه شرك ولا رياء، وما هو من المشركين به، الذين يتوجهون إلى غيره من المخلوقات كالكواكب أو الملائكة أو الملوك أو ما يتخذ لهم من الأصنام والتماثيل. وظاهر ما حكاه الله عن إبراهيم عليه السلام أن قومه يتخذون الأصنام آلهة لا أربابًا، ويتخذون الكواكب أربابًا آلهة، والإله هو المعبود، وكل من عبد شيئًا.. فقد اتخذه إلهًا، والرب هو السيد المالك المربي المدبر المتصرف، وليس للخلق رب ولا إله إلا الله الذي خلقهم، فهو المالك لكل شيء، وفي كل زمن، وعلى كل حال، وملك غيره ناقص موقوت، فهو المعبود بحق، والعبادة: هي التوجه بالدعاء والتعظيم القولي أو الفعلي إلى ذي السلطان الأعلى، خالق الخلق والموجد له والمتصرف فيه.
والأصل (٢) في اختراع عبادة غير الله تعالى من حجر أو شجر أو شمس أو
وإسلام (١) الوجه له تعالى: توجه القلب إليه، وعبر عنه به؛ لأن الوجه أعظم مظهر لما في النفس من الإقبال أو الإعراض، والسرور أو الكآبة إلى نحو أولئك، وتوجيهه له: جعله يتوجه إليه وحده في طلب حاجته، وإخلاص عبوديته إذ هو المستحق للعبادة القادر على الأجر والثواب. ومراد إبراهيم أنه مائل عن معبوداتهم الباطلة وغيرها، فتوجهه وإسلامه خالص لا يشوبه شرك ولا رياء، وما هو من المشركين به، الذين يتوجهون إلى غيره من المخلوقات كالكواكب أو الملائكة أو الملوك أو ما يتخذ لهم من الأصنام والتماثيل. وظاهر ما حكاه الله عن إبراهيم عليه السلام أن قومه يتخذون الأصنام آلهة لا أربابًا، ويتخذون الكواكب أربابًا آلهة، والإله هو المعبود، وكل من عبد شيئًا.. فقد اتخذه إلهًا، والرب هو السيد المالك المربي المدبر المتصرف، وليس للخلق رب ولا إله إلا الله الذي خلقهم، فهو المالك لكل شيء، وفي كل زمن، وعلى كل حال، وملك غيره ناقص موقوت، فهو المعبود بحق، والعبادة: هي التوجه بالدعاء والتعظيم القولي أو الفعلي إلى ذي السلطان الأعلى، خالق الخلق والموجد له والمتصرف فيه.
والأصل (٢) في اختراع عبادة غير الله تعالى من حجر أو شجر أو شمس أو
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
426
قمر أمران:
١ - أن بعض ضعاف الأحلام رأوا بعض مظاهر قدرته تعالى في بعض خلقه، فتوهموا أن ذلك ذاتي لهذا المخلوق، ليس خاضعًا لسنن الله في الأسباب والمسببات.
٢ - اتخاذ بعض المخلوقات ذات الخصوصية في مظاهر النفع والضر وسيلة إلى الإله الحق، تشفع عنده، وتقرب إليه كل من توجه إليها، فيتوسل ذو الحاجة إليها بدعائها وتعظيمها بالقول أو الفعل؛ لحمله تعالى بتأثيرها على قبوله وإعطائه سؤاله، وقد أقاموا مقام هذه المخلوقات التماثيل والأصنام والقبور وغيرها مما يذكّر بها، وهذه هي الوثنية الراقية التي كانت عليها العرب زمن البعثة، ومن ثمَّ كانوا يقولون في طوافهم بالبيت الحرام: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما مَلك.
وكان قوم إبراهيم عليه السلام قد ارتقوا في وثنيتهم إلى هذه المرتبة، إذ إنهم عقلوا أن الأصنام لا تسمع دعاءهم، ولا تبصر عبادتهم، ولا تقدر على نفعهم وضرهم، وإنما قلدوا فيها آباءهم كما سيأتي في حججهم في سورة الشعراء، ومن ثَمَّ اتخذوا الأصنام آلهة معبودين لا أربابًا مدبرين، لكنهم اتخذوا (١) الكواكب أربابًا لما لها من التأثير السببي في الأرض، فكانوا يعتقدون أن الشمس رب الناس، والقمر يدبر الملوك ويفيض عليهم روح الشجاعة والإقدام، وينصر جندهم ويخذل عدوهم، ويعتقدون أنَّ مرداخ - وهو المشتري - شيخ الأرباب، ورب العدل والأحكام، وحافظ الأبواب التي يدخلها الخصوم لفصل الخصومات، وأن رنكال - وهو المريخ - رب الصيد وسلطان الحرب، وأن عشتار - وهو الزهرة - ربة الغبطة والسرور والسعادة، وتمثل بصورة امرأة عارية، وأن - نيو - وهو عطارد - رب العلم والحكمة.
وجاء إبراهيم بحجته البالغة، فحصر العبادة في فاطر السموات والأرض
١ - أن بعض ضعاف الأحلام رأوا بعض مظاهر قدرته تعالى في بعض خلقه، فتوهموا أن ذلك ذاتي لهذا المخلوق، ليس خاضعًا لسنن الله في الأسباب والمسببات.
٢ - اتخاذ بعض المخلوقات ذات الخصوصية في مظاهر النفع والضر وسيلة إلى الإله الحق، تشفع عنده، وتقرب إليه كل من توجه إليها، فيتوسل ذو الحاجة إليها بدعائها وتعظيمها بالقول أو الفعل؛ لحمله تعالى بتأثيرها على قبوله وإعطائه سؤاله، وقد أقاموا مقام هذه المخلوقات التماثيل والأصنام والقبور وغيرها مما يذكّر بها، وهذه هي الوثنية الراقية التي كانت عليها العرب زمن البعثة، ومن ثمَّ كانوا يقولون في طوافهم بالبيت الحرام: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما مَلك.
وكان قوم إبراهيم عليه السلام قد ارتقوا في وثنيتهم إلى هذه المرتبة، إذ إنهم عقلوا أن الأصنام لا تسمع دعاءهم، ولا تبصر عبادتهم، ولا تقدر على نفعهم وضرهم، وإنما قلدوا فيها آباءهم كما سيأتي في حججهم في سورة الشعراء، ومن ثَمَّ اتخذوا الأصنام آلهة معبودين لا أربابًا مدبرين، لكنهم اتخذوا (١) الكواكب أربابًا لما لها من التأثير السببي في الأرض، فكانوا يعتقدون أن الشمس رب الناس، والقمر يدبر الملوك ويفيض عليهم روح الشجاعة والإقدام، وينصر جندهم ويخذل عدوهم، ويعتقدون أنَّ مرداخ - وهو المشتري - شيخ الأرباب، ورب العدل والأحكام، وحافظ الأبواب التي يدخلها الخصوم لفصل الخصومات، وأن رنكال - وهو المريخ - رب الصيد وسلطان الحرب، وأن عشتار - وهو الزهرة - ربة الغبطة والسرور والسعادة، وتمثل بصورة امرأة عارية، وأن - نيو - وهو عطارد - رب العلم والحكمة.
وجاء إبراهيم بحجته البالغة، فحصر العبادة في فاطر السموات والأرض
(١) المراغي.
427
وحده دون غيره من الوسائل، فقال في تماثيلهم: ﴿بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
٨٠ - ﴿وَحَاجَّهُ﴾؛ أي: حاج إبراهيم عليه السلام وجادله ﴿قَوْمُهُ﴾ وخاصموه ونازعوه في أمر التوحيد، فهو إذ أبان لهم بطلان عبادة الأصنام، وربوبية الكواكب، وأثبت لهم وحدانية الله تعالى ووجوب عبادته وحده، حاجوه وخاصموه ببيان أوهامهم في شركهم، إذ قالوا: إن اتخاذ الآلهة لا ينافي الإيمان بالله الفاطر للسموات والأرض؛ لأنهم شفعاء عنده، ولما لم يجد ذلك معه.. خوفوه أن تمسه آلهتهم بسوء، وانتهت بهم خاتمة المطاف أن قالوا: إنهم ساروا على ما وجدوا عليه آباءهم، وليس للمقلد أن يحتج، ولكنه يجادل ويحاج مع كونه لا يخضع للحجة إذا قامت عليه، وكثيرًا ما يضطرب المقلد لسماع الحجة؛ إذ يومض في قلبه نورها، ثم يعود إلى سابق وهمه خائفًا مما لا يخاف، راجيًا ما لا يرجى.
﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾ وتجادلوني ﴿في﴾ شأن ﴿اللهِ﴾ وما يجب في الإيمان به؛ أي: أتخاصمونني في كونه لا شريك له ولا ند ولا ضد، والاستفهام فيه للإنكار؛ أي: لا تخاصموني ولا ينبغي لكم ذلك ﴿و﴾ الحال أنه سبحانه وتعالى ﴿قد هداني﴾ وأرشدني إلى توحيده، وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة والجهالة وعدم الهداية، والمعنى: وقد فضلني عليكم بما هداني إلى التوحيد الخالص، وبما بصرني به من الحجة التي أقمتها عليكم، وأنتم الضالون بإصراركم على شرككم وتقليدكم فيه من قبلكم. وقرأ (١) نافع وابن عامر بخلاف عن هشام: ﴿أَتُحَاجُّوني﴾ بتخفيف النون، وأصله بنونين الأولى علامة الرفع، والثانية نون الوقاية، والخلاف في المحذوف منهما مذكور في علم النحو. وقرأ باقي السبعة: بتشديد النون أصله: أتحاجونني، فأدغم فرارًا من ثقل توالي مثلين متحركين.
٨٠ - ﴿وَحَاجَّهُ﴾؛ أي: حاج إبراهيم عليه السلام وجادله ﴿قَوْمُهُ﴾ وخاصموه ونازعوه في أمر التوحيد، فهو إذ أبان لهم بطلان عبادة الأصنام، وربوبية الكواكب، وأثبت لهم وحدانية الله تعالى ووجوب عبادته وحده، حاجوه وخاصموه ببيان أوهامهم في شركهم، إذ قالوا: إن اتخاذ الآلهة لا ينافي الإيمان بالله الفاطر للسموات والأرض؛ لأنهم شفعاء عنده، ولما لم يجد ذلك معه.. خوفوه أن تمسه آلهتهم بسوء، وانتهت بهم خاتمة المطاف أن قالوا: إنهم ساروا على ما وجدوا عليه آباءهم، وليس للمقلد أن يحتج، ولكنه يجادل ويحاج مع كونه لا يخضع للحجة إذا قامت عليه، وكثيرًا ما يضطرب المقلد لسماع الحجة؛ إذ يومض في قلبه نورها، ثم يعود إلى سابق وهمه خائفًا مما لا يخاف، راجيًا ما لا يرجى.
﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾ وتجادلوني ﴿في﴾ شأن ﴿اللهِ﴾ وما يجب في الإيمان به؛ أي: أتخاصمونني في كونه لا شريك له ولا ند ولا ضد، والاستفهام فيه للإنكار؛ أي: لا تخاصموني ولا ينبغي لكم ذلك ﴿و﴾ الحال أنه سبحانه وتعالى ﴿قد هداني﴾ وأرشدني إلى توحيده، وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة والجهالة وعدم الهداية، والمعنى: وقد فضلني عليكم بما هداني إلى التوحيد الخالص، وبما بصرني به من الحجة التي أقمتها عليكم، وأنتم الضالون بإصراركم على شرككم وتقليدكم فيه من قبلكم. وقرأ (١) نافع وابن عامر بخلاف عن هشام: ﴿أَتُحَاجُّوني﴾ بتخفيف النون، وأصله بنونين الأولى علامة الرفع، والثانية نون الوقاية، والخلاف في المحذوف منهما مذكور في علم النحو. وقرأ باقي السبعة: بتشديد النون أصله: أتحاجونني، فأدغم فرارًا من ثقل توالي مثلين متحركين.
(١) البحر المحيط.
428
﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾؛ أي: ولا أرهب من آلهتكم التي تدعونها من دون الله سوءًا ينالني في نفسي، ذلك أني أعتقد أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، ولا تقرب ولا تشفع.
قال هذا الكلام لهم لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه؛ أي: إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع. والضمير في: ﴿بِهِ﴾ يجوز أن يعود على الله؛ أي: الذي تشركونه بالله، وأن يعود على ﴿مَا﴾ الموصولة؛ أي: الذي تشركون به الله تعالى ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾؛ أي: لا (١) أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى إصابة مكروه لي من جهتها، فإنه لا محالة كما شاء ربي، فإن شاء أن يسقط عليَّ صنم يشجُّني، أو كسف من شهب الكواكب يقتلني، فإن ذلك يقع بقدرة ربي ومشيئته، لا بمشيئة الصنم أو الكواكب، ولا بقدرته ولا بتأثيره في قدرته تعالى وإرادته، ولا بجاهه عنده وشفاعته، إذ لا تأثير لشيء من المخلوقات في مشيئة الله الجارية إلا بما يثبت في علمه الأزلي.
وحاصل المعنى (٢): وحاجه قومه في توحيد الله ونفي الشركاء عنه منكرين لذلك، ومحاجة مثل هؤلاء إنما هي بالتمسك باقتفاء آبائهم تقليدًا، وبالتخويف مما يعبدونه من الأصنام، كقول قوم هود: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ فأجابهم بأن الله قد هداه بالبرهان القاطع على توحيده، ورفض ما سواه، وأنه لا يخاف من آلهتهم. ثم أتى بما هو كالعلة لما قبله، فقال: ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾؛ أي: أحاط ربي بكل شيء علمًا، فلا يبعد أن يكون في علمه سبحانه إنزال المكروه بي من جهتها بسبب من الأسباب. والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ داخلة على محذوف وهي للاستفهام التقريري والتوبيخي، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أتعرضون بعد ما أوضحته لكم عن التأمل في أن آلهتكم ليس بيدها نفع ولا ضر، فلا تتذكرون أيها الغافلون أنها غير قادرة على ضري ولا
قال هذا الكلام لهم لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه؛ أي: إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع. والضمير في: ﴿بِهِ﴾ يجوز أن يعود على الله؛ أي: الذي تشركونه بالله، وأن يعود على ﴿مَا﴾ الموصولة؛ أي: الذي تشركون به الله تعالى ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾؛ أي: لا (١) أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى إصابة مكروه لي من جهتها، فإنه لا محالة كما شاء ربي، فإن شاء أن يسقط عليَّ صنم يشجُّني، أو كسف من شهب الكواكب يقتلني، فإن ذلك يقع بقدرة ربي ومشيئته، لا بمشيئة الصنم أو الكواكب، ولا بقدرته ولا بتأثيره في قدرته تعالى وإرادته، ولا بجاهه عنده وشفاعته، إذ لا تأثير لشيء من المخلوقات في مشيئة الله الجارية إلا بما يثبت في علمه الأزلي.
وحاصل المعنى (٢): وحاجه قومه في توحيد الله ونفي الشركاء عنه منكرين لذلك، ومحاجة مثل هؤلاء إنما هي بالتمسك باقتفاء آبائهم تقليدًا، وبالتخويف مما يعبدونه من الأصنام، كقول قوم هود: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ فأجابهم بأن الله قد هداه بالبرهان القاطع على توحيده، ورفض ما سواه، وأنه لا يخاف من آلهتهم. ثم أتى بما هو كالعلة لما قبله، فقال: ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾؛ أي: أحاط ربي بكل شيء علمًا، فلا يبعد أن يكون في علمه سبحانه إنزال المكروه بي من جهتها بسبب من الأسباب. والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ داخلة على محذوف وهي للاستفهام التقريري والتوبيخي، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أتعرضون بعد ما أوضحته لكم عن التأمل في أن آلهتكم ليس بيدها نفع ولا ضر، فلا تتذكرون أيها الغافلون أنها غير قادرة على ضري ولا
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
429
على إيصال النفع إليكم، فالسلطة العليا له تعالى وحده ليس لغيره تأثير فيها ولا تدبير، فإذا أعطى بعض المخلوقات شيئًا من النفع أو التفسير.. فلا يكون ذلك داعيًا لرفعها عن رتبة المخلوقات، وجعلها أربابًا ومعبودات، وكان يجب أن يفطن لذلك العقلاء ويتذكروه؛ لأنه تذكير بما يدركه العقل بالبرهان، ويهدي إليه الوجدان.
٨١ - وبعد أن أبان لهم أنه لا يخاف شركاءهم، بل يخاف الله وحده.. تعجب من تخويفهم إياه ما لا يخاف، وعدم خوفهم مما يجب أن يخاف منه، وقال ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ﴾ وأرهب ﴿مَا أَشْرَكْتُمْ﴾ ـوه بربكم من خلقه، فجعلتموه ندًّا له ينفع ويضر ﴿وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ﴾؛ أي: والحال أنكم لا تخافون إشراككم بالله خالقكم ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾؛ أي: حجة بينة بوحي ولا نظر عقل تثبت لكم جعله شريكًا في الخلق والتدبير، أو في الوساطة والشفاعة، فافتياتكم على خالقكم بهذه الدعوى هو الذي يجب أن يخاف ويتقى.
والمعنى (١): وكيف أخاف ما لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق، والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله، وهو الضار النافع الخالق الرازق، أورد عليهم هذا الكلام الإلزامي الذي لا يجدون عنه مخلصًا ولا متحولًا، والاستفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم والتعجب من فساد عقولهم، حيث خوفوه خشبًا وحجرًا لا ينفع ولا يضر، وهم لا يخافون عقبى شركهم بالله، وهو الذي بيده النفع والضر والأمر كله. و ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ مفعول أشركتم؛ أي: ولا تخافون أنكم جعلتم الأشياء التي لم ينزل بعبادتها عليكم سلطانًا شركاء لله، أو المعنى: إن الله سبحانه لم يأذن بجعلها شركاء له، ولا أنزل عليهم بإشراكها حجة يحتجون بها، فكيف عبدوها واتخذوها آلهة، وجعلوها شركاء لله سبحانه وتعالى؟!
والخلاصة (٢): أن ما يدعى لصحة هذا الخوف باطل، وأنه عليه السلام لم
٨١ - وبعد أن أبان لهم أنه لا يخاف شركاءهم، بل يخاف الله وحده.. تعجب من تخويفهم إياه ما لا يخاف، وعدم خوفهم مما يجب أن يخاف منه، وقال ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ﴾ وأرهب ﴿مَا أَشْرَكْتُمْ﴾ ـوه بربكم من خلقه، فجعلتموه ندًّا له ينفع ويضر ﴿وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ﴾؛ أي: والحال أنكم لا تخافون إشراككم بالله خالقكم ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾؛ أي: حجة بينة بوحي ولا نظر عقل تثبت لكم جعله شريكًا في الخلق والتدبير، أو في الوساطة والشفاعة، فافتياتكم على خالقكم بهذه الدعوى هو الذي يجب أن يخاف ويتقى.
والمعنى (١): وكيف أخاف ما لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق، والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله، وهو الضار النافع الخالق الرازق، أورد عليهم هذا الكلام الإلزامي الذي لا يجدون عنه مخلصًا ولا متحولًا، والاستفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم والتعجب من فساد عقولهم، حيث خوفوه خشبًا وحجرًا لا ينفع ولا يضر، وهم لا يخافون عقبى شركهم بالله، وهو الذي بيده النفع والضر والأمر كله. و ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ مفعول أشركتم؛ أي: ولا تخافون أنكم جعلتم الأشياء التي لم ينزل بعبادتها عليكم سلطانًا شركاء لله، أو المعنى: إن الله سبحانه لم يأذن بجعلها شركاء له، ولا أنزل عليهم بإشراكها حجة يحتجون بها، فكيف عبدوها واتخذوها آلهة، وجعلوها شركاء لله سبحانه وتعالى؟!
والخلاصة (٢): أن ما يدعى لصحة هذا الخوف باطل، وأنه عليه السلام لم
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
430
يجد لهذا الخوف وجهًا، فلا يخاف الشركاء لذواتهم، ولا لما يزعمون من وساطتهم عند الله وشفاعتهم، ولا لقدرة على الضر والنفع قد تدعى لهما. وقوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ مذكور على طريق التهكم مع الإعلام بأن الدين لا يقبل إلا بالحجة والبرهان، والتقليد ليس بعذر، ولا سيما تقليد من ليس على هداية ولا علم ولا بصيرة، والله لم ينزل بما ادعيتموه سلطانًا؛ لأنه باطل، فلا سلطان عليه ولا دليل.
والاستفهام في قوله: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾ استفهام استخبار وتقرير؛ أي: فأي هذين الفريقين أحق وأجدر بالأمن على نفسه من عاقبة عقيدته وعبادته. والمراد بالفريقين: فريق الموحدين: الذين يعبدون الله وحده ويخافونه ويرجونه دون غيره، وفريق المشركين: الذين استكبروا تأثير بعض الأسباب، فاتخذوا ما اتخذوا من الآلهة والأرباب، ونسبوا إلى بعضها النفع والضر؛ كالشمس والقمر والكواكب والملائكة، ونكتة التعبير بـ ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ دون أن يقول: فأينا أحق بالأمن: الإشارة إلى أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك، لا خاصة به وبهم، والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجاج والعناد والاحتراس من تنفيرهم من الإصغاء إلى قوله، وإن كان قد علم قطعًا أنه هو الآمن لا هم، كما قال الشاعر:
أي: أينا، ومعلوم عنده أنه هو فارس الأحزاب لا المخاطب.
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: إن كنتم من أهل العلم والبصيرة في هذا الأمر.. فأخبروني بذاك وبيِّنوه بالأدلة. وفي هذا إلجاء لهم إلى الاعتراف بالحق، أو السكوت على الحمق والجهل.
والمعنى: أي (١) إذا كان الأمر على ما تقدم من أن معبودي هو الله المتصف بتلك الصفات، ومعبودكم هي تلك المخلوقات.. فكيف تخوفوني بها، وكيف
والاستفهام في قوله: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾ استفهام استخبار وتقرير؛ أي: فأي هذين الفريقين أحق وأجدر بالأمن على نفسه من عاقبة عقيدته وعبادته. والمراد بالفريقين: فريق الموحدين: الذين يعبدون الله وحده ويخافونه ويرجونه دون غيره، وفريق المشركين: الذين استكبروا تأثير بعض الأسباب، فاتخذوا ما اتخذوا من الآلهة والأرباب، ونسبوا إلى بعضها النفع والضر؛ كالشمس والقمر والكواكب والملائكة، ونكتة التعبير بـ ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ دون أن يقول: فأينا أحق بالأمن: الإشارة إلى أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك، لا خاصة به وبهم، والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجاج والعناد والاحتراس من تنفيرهم من الإصغاء إلى قوله، وإن كان قد علم قطعًا أنه هو الآمن لا هم، كما قال الشاعر:
فَلَئِنْ لَقِيْتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ | أَيِّيْ وَأَيُّكَ فَارِسُ الأَحْزَابِ |
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: إن كنتم من أهل العلم والبصيرة في هذا الأمر.. فأخبروني بذاك وبيِّنوه بالأدلة. وفي هذا إلجاء لهم إلى الاعتراف بالحق، أو السكوت على الحمق والجهل.
والمعنى: أي (١) إذا كان الأمر على ما تقدم من أن معبودي هو الله المتصف بتلك الصفات، ومعبودكم هي تلك المخلوقات.. فكيف تخوفوني بها، وكيف
(١) الشوكاني.
431
أخافها، وهي بهذه المنزلة، ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه؟ وبعد هذا فأخبروني؛ أي: الفريقين أحق بالأمن وعدم الخوف إن كنتم تعلمون بحقيقة الحال، وتعرفون البراهين الصحيحة وتميزونها عن الشبه الباطلة؟
٨٢ - ثم بين سبحانه وتعالى الحقيق بالأمن على سبيل التفصيل، فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾؛ أي: إن الذين آمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئًا ولم يلبسوا؛ أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم؛ أي: بشرك، ولم ينافقوا في إيمانهم ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ يوم القيامة من عذاب النار دون غيرهم ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ في الدنيا إلى سبيل الرشاد والصواب ثابتون عليه، وغيرهم على ضلال وجهل. والمراد (١) بالظلم الذي يلبس به المرء إيمانه بالله ويخلطه به: هو الشرك في العقيدة أو العبادة، كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، فيعظم كتعظيمه، ويحبه كحبه للاعتقاد أنَّ له نفعًا أو ضرًّا بذاته أو بتأثيره في مشيئة الله وقدرته، لا ظلم الإنسان نفسه بفعل بعض المضار أو ترك بعض المنافع عن جهل أو إهمال، ولا ظلمه لغيره ببعض التصرفات والأحكام. يدل على هذا التفسير ما رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية.. شق ذلك على المسلمين، وقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله - ﷺ -: "إنه ليس ذلك الذي تعنون، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: ﴿لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. والمراد بالأمن: الأمن من عذاب الله الذي يحل بمن لا يرضى إيمانه ولا عبادته.
وقرأ مجاهد (٢): ﴿ولم يلبسوا إيمانهم بشرك﴾، ولعل ذلك تفسير معنى؛ إذ هي قراءة تخالف السواد. وقرأ عكرمة: ﴿ولم يلبسوا﴾ بضم الياء.
٨٣ - ﴿وَتِلْكَ﴾ الحجة الدامغة التي تضمنها البيان السالف التي أوردها إبراهيم عليهم من قوله: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ...﴾ إلى قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ المثبتة للحق، المزيفة
٨٢ - ثم بين سبحانه وتعالى الحقيق بالأمن على سبيل التفصيل، فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾؛ أي: إن الذين آمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئًا ولم يلبسوا؛ أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم؛ أي: بشرك، ولم ينافقوا في إيمانهم ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ يوم القيامة من عذاب النار دون غيرهم ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ في الدنيا إلى سبيل الرشاد والصواب ثابتون عليه، وغيرهم على ضلال وجهل. والمراد (١) بالظلم الذي يلبس به المرء إيمانه بالله ويخلطه به: هو الشرك في العقيدة أو العبادة، كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، فيعظم كتعظيمه، ويحبه كحبه للاعتقاد أنَّ له نفعًا أو ضرًّا بذاته أو بتأثيره في مشيئة الله وقدرته، لا ظلم الإنسان نفسه بفعل بعض المضار أو ترك بعض المنافع عن جهل أو إهمال، ولا ظلمه لغيره ببعض التصرفات والأحكام. يدل على هذا التفسير ما رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية.. شق ذلك على المسلمين، وقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله - ﷺ -: "إنه ليس ذلك الذي تعنون، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: ﴿لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. والمراد بالأمن: الأمن من عذاب الله الذي يحل بمن لا يرضى إيمانه ولا عبادته.
وقرأ مجاهد (٢): ﴿ولم يلبسوا إيمانهم بشرك﴾، ولعل ذلك تفسير معنى؛ إذ هي قراءة تخالف السواد. وقرأ عكرمة: ﴿ولم يلبسوا﴾ بضم الياء.
٨٣ - ﴿وَتِلْكَ﴾ الحجة الدامغة التي تضمنها البيان السالف التي أوردها إبراهيم عليهم من قوله: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ...﴾ إلى قوله: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ المثبتة للحق، المزيفة
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
432
للباطل، هي ﴿حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: هي الحجة التي أرشدنا إليها إبراهيم وأعطيناه إياها؛ إما بوحي، أو إلهام حجة. ﴿عَلَى قَوْمِهِ﴾ ليلزمهم ويقنعهم بها ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ بالهداية والإرشاد إلى الحق وتلقين الحجة، أو بما هو أعم من ذلك؛ أي: إننا نرفع من شئنا من عبادنا درجات بعد أن لم يكونوا على درجة منها، فالعلم درجة كمال، والحكمة درجة كمال، وقوة المعارضة في الحجاج درجة كمال، والسيادة والحكم بالحق كذلك، والنبوة والرسالة أعلى كل هذه الدرجات؛ لأنها تشمل عليها وتزيد. والله يرفع درجات من يؤتيهم ذلك بتوفيق صاحب الدرجة الكسبية إلى ما به ترتقي درجته، ويصرف موانع هذا الارتقاء عنه، ويؤتي صاحب الدرجة الوهبية: النبوة ما لم يؤتِ غيره من أهل المناقب: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾.
﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمَّد الذي رباك وعلمك وهداك وجعلك خاتم رسله لجميع خلقه ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما دبره لعباده من الرفع والخفض ﴿عَلِيمٌ﴾ بشؤونهم من استحقاق الرفع وعدمه وسيريك ذلك عيانًا في سيرتك مع قومك، كما أراكه بيانًا فيما حدث عن إبراهيم مع قومه، وتأس في نفسك وقومك المكذبين بأبيك، واصبر على ما ينوبك منهم كما صبر.
ويحتمل (١) أن يكون المراد بالخطاب إبراهيم، فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب.
الإعراب
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ في الْأَرْضِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت الهمزة للاستفهام الإنكاري. ﴿نَدْعُو﴾: فعل وفاعل، والجملة في
﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمَّد الذي رباك وعلمك وهداك وجعلك خاتم رسله لجميع خلقه ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما دبره لعباده من الرفع والخفض ﴿عَلِيمٌ﴾ بشؤونهم من استحقاق الرفع وعدمه وسيريك ذلك عيانًا في سيرتك مع قومك، كما أراكه بيانًا فيما حدث عن إبراهيم مع قومه، وتأس في نفسك وقومك المكذبين بأبيك، واصبر على ما ينوبك منهم كما صبر.
ويحتمل (١) أن يكون المراد بالخطاب إبراهيم، فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب.
الإعراب
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ في الْأَرْضِ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت الهمزة للاستفهام الإنكاري. ﴿نَدْعُو﴾: فعل وفاعل، والجملة في
(١) البحر المحيط.
433
محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿نَدْعُو﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿نَدْعُو﴾. ﴿لَا﴾ نافية ﴿يَنْفَعُنَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، والجملة صلة ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَلَا يَضُرُّنَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَنْفَعُنَا﴾. ﴿وَنُرَدُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود علي المتكلمين، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿نَدْعُو﴾. ﴿عَلَى أَعْقَابِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿نُرَدُّ﴾، أو حال من ضمير ﴿نُرَدُّ﴾؛ أي: منقلبين على أعقابنا. ﴿بَعْدَ﴾: منصوب على الظرفية. ﴿إِذْ﴾: حرف بمعنى أن المصدرية لا محل لها من الإعراب. ﴿هَدَانَا الله﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة ﴿بَعْدَ﴾ إليه تقديره: بعد هداية الله إيانا، والظرف متعلق بـ ﴿نُرَدُّ﴾. وعبارة "الجمل" هنا: قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله﴾ (١) ﴿إِذْ﴾: ظرفية؛ أي: بعد وقت هدانا الله؛ أي: بعد وقت هداية الله لنا، أو بمعنى أن المصدرية، وهو ظاهر اهـ شيخنا. ﴿كَالَّذِي﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿نُرَدُّ﴾؛ أي: نرد على أعقابنا مشبهين بالذي استهوته الشياطين، أو نعت لمصدر محذوف تقديره: نرد ردًّا، مثل: رد الذي استهوته الشياطين. ﴿اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿في الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾.
﴿حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٧١)﴾.
﴿حَيْرَانَ﴾: حال من ضمير ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾. وعبارة "الجمل" هنا قوله: ﴿في الْأَرْضِ﴾ فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه متعلق بقوله ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾.
الثاني: أنه حال من مفعول ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾.
﴿حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٧١)﴾.
﴿حَيْرَانَ﴾: حال من ضمير ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾. وعبارة "الجمل" هنا قوله: ﴿في الْأَرْضِ﴾ فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه متعلق بقوله ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾.
الثاني: أنه حال من مفعول ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾.
(١) الفتوحات.
434
الثالث: أنه حال من ﴿حَيْرَانَ﴾.
الرابع: أنه حال من الضمير المستكن في ﴿حَيْرَانَ﴾، و ﴿حَيْرَانَ﴾ إما حال من هاء ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾، وإما من ﴿الذي﴾، وإما من الضمير المستكن في الظرف. انتهت ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿أَصْحَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب صفة لـ ﴿حَيْرَانَ﴾. ﴿يَدْعُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿إِلَى الْهُدَى﴾: متعلق به، والجملة صفة لـ ﴿أَصْحَابٌ﴾. ﴿ائْتِنَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف حال من فاعل ﴿يَدْعُونَهُ﴾؛ أي: يدعونه قائلين ائتنا. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ هُدَى اللهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿هُدَى اللهِ﴾: اسم ﴿إِنَّ﴾: ومضاف إليه. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل. ﴿الْهُدَى﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿وَأُمِرْنَا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿لِنُسْلِمَ﴾: اللام: حرف جر بمعنى الباء. ﴿نُسْلِمَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿نُسْلِمَ﴾، وجملة ﴿نُسْلِمَ﴾ صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام التي بمعنى الباء المتعلقة بـ ﴿أُمِرْنَا﴾، والتقدير: وأمرنا بالإِسلام لرب العالمين.
﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾: ناصب وفعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿نُسْلِمَ﴾؛ أي: وأمرنا بالإِسلام وبإقامة الصلاة. ﴿وَاتَّقُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾؛ أي: وأمرنا بالإِسلام لرب العالمين. وبإقامة الصلاة، وبتقوى الله تعالى. ﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر. ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿تُحْشَرُونَ﴾. وجملة ﴿تُحْشَرُونَ﴾ صلة الموصول، والجملة الإسمية مستأنفة موجبة لامتثال ما أمر به من الأمور الثلاثة، كما ذكره "أبو السعود".
الرابع: أنه حال من الضمير المستكن في ﴿حَيْرَانَ﴾، و ﴿حَيْرَانَ﴾ إما حال من هاء ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾، وإما من ﴿الذي﴾، وإما من الضمير المستكن في الظرف. انتهت ﴿لَهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿أَصْحَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب صفة لـ ﴿حَيْرَانَ﴾. ﴿يَدْعُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿إِلَى الْهُدَى﴾: متعلق به، والجملة صفة لـ ﴿أَصْحَابٌ﴾. ﴿ائْتِنَا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف حال من فاعل ﴿يَدْعُونَهُ﴾؛ أي: يدعونه قائلين ائتنا. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ هُدَى اللهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿هُدَى اللهِ﴾: اسم ﴿إِنَّ﴾: ومضاف إليه. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل. ﴿الْهُدَى﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿وَأُمِرْنَا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿لِنُسْلِمَ﴾: اللام: حرف جر بمعنى الباء. ﴿نُسْلِمَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿نُسْلِمَ﴾، وجملة ﴿نُسْلِمَ﴾ صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام التي بمعنى الباء المتعلقة بـ ﴿أُمِرْنَا﴾، والتقدير: وأمرنا بالإِسلام لرب العالمين.
﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾: ناصب وفعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿نُسْلِمَ﴾؛ أي: وأمرنا بالإِسلام وبإقامة الصلاة. ﴿وَاتَّقُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾؛ أي: وأمرنا بالإِسلام لرب العالمين. وبإقامة الصلاة، وبتقوى الله تعالى. ﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر. ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿تُحْشَرُونَ﴾. وجملة ﴿تُحْشَرُونَ﴾ صلة الموصول، والجملة الإسمية مستأنفة موجبة لامتثال ما أمر به من الأمور الثلاثة، كما ذكره "أبو السعود".
435
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾ تقديره: حالة كونه ملتبسًا بالحق والحكمة. ﴿وَيَوْمَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿يَوْمَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿الْحَقُّ﴾ الآتي. ﴿يَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿كُنْ﴾: مقول محكي لـ ﴿يَقُولُ﴾، وإن شئت قلت: ﴿كُنْ﴾: فعل أمر من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على شيء مخلوق، والجملة في محل النصب مقول ﴿يَقُولُ﴾. ﴿فَيَكُونُ﴾ الفاء: حرف عطف وتعقيب. ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على شيء مخلوق، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَقُولُ﴾ على كونها مضافًا إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، والتقدير: قوله الحق يوم يقول كن فيكون؛ أي: واقع لا محالة.
﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
﴿وَلَهُ الْمُلْكُ﴾: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿يَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿الْمُلْكُ﴾؛ أي: يملك الأمور يوم. ﴿يُنْفَخُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿في الصُّورِ﴾: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿يُنْفَخُ﴾، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿عَالِمُ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو عالم، والجملة مستأنفة ﴿عَالِمُ﴾: مضاف. ﴿الْغَيْبِ﴾: مضاف إليه. ﴿وَالشَّهَادَةِ﴾: معطوف على ﴿الْغَيْبِ﴾. ﴿وَهُوَ﴾: مبتدأ. ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر أول. ﴿الْخَبِيرُ﴾: خبر ثانٍ، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾ تقديره: حالة كونه ملتبسًا بالحق والحكمة. ﴿وَيَوْمَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿يَوْمَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿الْحَقُّ﴾ الآتي. ﴿يَقُولُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿كُنْ﴾: مقول محكي لـ ﴿يَقُولُ﴾، وإن شئت قلت: ﴿كُنْ﴾: فعل أمر من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على شيء مخلوق، والجملة في محل النصب مقول ﴿يَقُولُ﴾. ﴿فَيَكُونُ﴾ الفاء: حرف عطف وتعقيب. ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على شيء مخلوق، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَقُولُ﴾ على كونها مضافًا إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، والتقدير: قوله الحق يوم يقول كن فيكون؛ أي: واقع لا محالة.
﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
﴿وَلَهُ الْمُلْكُ﴾: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿يَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿الْمُلْكُ﴾؛ أي: يملك الأمور يوم. ﴿يُنْفَخُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿في الصُّورِ﴾: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿يُنْفَخُ﴾، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿عَالِمُ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو عالم، والجملة مستأنفة ﴿عَالِمُ﴾: مضاف. ﴿الْغَيْبِ﴾: مضاف إليه. ﴿وَالشَّهَادَةِ﴾: معطوف على ﴿الْغَيْبِ﴾. ﴿وَهُوَ﴾: مبتدأ. ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر أول. ﴿الْخَبِيرُ﴾: خبر ثانٍ، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾.
436
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ في ضَلَالٍ مُبِينٍ (٧٤)﴾.
﴿وَإِذْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمَّد لقومك قصة إذ قال إبراهيم، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِأَبِيهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿آزَرَ﴾: بدل من أبيه، أو عطف بيان له، مجرور وعلامة جره الفتحة، والمانع له من الصرف العلمية والعجمية. ﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: الهمزة للاستفهام التوبيخي. ﴿تَتَّخِذُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿آزَرَ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَصْنَامًا﴾: مفعول أول لـ ﴿تَتَّخِذُ﴾. ﴿آلِهَةً﴾: مفعول ثانٍ له. ﴿إِنِّي﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿أَرَاكَ﴾ أرى: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾، والكاف: ضمير المخاطب في محل النصب مفعول أرى إن قلنا: إنها بصرية، ومفعول أول لها إن قلنا: إنها علمية. ﴿وَقَوْمَكَ﴾: معطوف على الكاف. ﴿في ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾: جار ومجرور وصفة متعلق بـ ﴿أرى﴾ إن قلنا: إنها بصرية، أو في محل المفعول الثاني إن قلنا: إنها علمية، وجملة ﴿أرى﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها معللة للإنكار والتوبيخ قبلها.
﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذَلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: إراءة مثل إراءته ضلال أبيه وقومه. ﴿نُرِي﴾: فعل مضارع لأرى الرباعي، من رأى البصرية تتعدى بالهمزة إلى مفعولين، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: مفعول أول. ﴿مَلَكُوتَ﴾: مفعول ثانٍ، وهو مضاف. ﴿السَّمَاوَاتِ﴾: مضاف إليه. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف عليه. ﴿وَلِيَكُونَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف تقديره: ليستدل به على قومه. ﴿ليكون﴾: اللام لام كي ﴿يكون﴾: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، واسمه
﴿وَإِذْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمَّد لقومك قصة إذ قال إبراهيم، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِأَبِيهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿آزَرَ﴾: بدل من أبيه، أو عطف بيان له، مجرور وعلامة جره الفتحة، والمانع له من الصرف العلمية والعجمية. ﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: الهمزة للاستفهام التوبيخي. ﴿تَتَّخِذُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿آزَرَ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَصْنَامًا﴾: مفعول أول لـ ﴿تَتَّخِذُ﴾. ﴿آلِهَةً﴾: مفعول ثانٍ له. ﴿إِنِّي﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿أَرَاكَ﴾ أرى: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾، والكاف: ضمير المخاطب في محل النصب مفعول أرى إن قلنا: إنها بصرية، ومفعول أول لها إن قلنا: إنها علمية. ﴿وَقَوْمَكَ﴾: معطوف على الكاف. ﴿في ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾: جار ومجرور وصفة متعلق بـ ﴿أرى﴾ إن قلنا: إنها بصرية، أو في محل المفعول الثاني إن قلنا: إنها علمية، وجملة ﴿أرى﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها معللة للإنكار والتوبيخ قبلها.
﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذَلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: إراءة مثل إراءته ضلال أبيه وقومه. ﴿نُرِي﴾: فعل مضارع لأرى الرباعي، من رأى البصرية تتعدى بالهمزة إلى مفعولين، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: مفعول أول. ﴿مَلَكُوتَ﴾: مفعول ثانٍ، وهو مضاف. ﴿السَّمَاوَاتِ﴾: مضاف إليه. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف عليه. ﴿وَلِيَكُونَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف تقديره: ليستدل به على قومه. ﴿ليكون﴾: اللام لام كي ﴿يكون﴾: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، واسمه
437
ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾: خبر ﴿يَكُونَ﴾، وجملة ﴿يَكُونَ﴾ في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولكونه من الموقنين، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور المحذوف تقديره: ونرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض، إراءة مثل ذلك لاستدلاله على قومه، ولكونه من الموقنين.
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة تفصيلية. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿جَنَّ﴾: فعل ماض. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿اللَّيْلُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿ما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿رَأَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿كَوْكَبًا﴾: مفعول به لرأى لأنها بصرية، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَمَّا﴾ من فعل شرطها وجوابها معطوفة على جملة قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ﴾ عطف مفصل على مجمل. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة معطوفة على جملة رأى كوكبًا بعاطف مقدر أو مستأنفة. ﴿هَذَا رَبِّي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَفَلَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿كوكب﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة ﴿لَمَّا﴾ الأولى. ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أُحِبُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿الْآفِلِينَ﴾: مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿رَأَى الْقَمَرَ﴾: فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على إبراهيم. ﴿بَازِغًا﴾: حال من ﴿الْقَمَرَ﴾؛ لأن رأى
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة تفصيلية. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿جَنَّ﴾: فعل ماض. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿اللَّيْلُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿ما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿رَأَى﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿كَوْكَبًا﴾: مفعول به لرأى لأنها بصرية، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَمَّا﴾ من فعل شرطها وجوابها معطوفة على جملة قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ﴾ عطف مفصل على مجمل. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة معطوفة على جملة رأى كوكبًا بعاطف مقدر أو مستأنفة. ﴿هَذَا رَبِّي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَفَلَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿كوكب﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة ﴿لَمَّا﴾ الأولى. ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أُحِبُّ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿الْآفِلِينَ﴾: مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿رَأَى الْقَمَرَ﴾: فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على إبراهيم. ﴿بَازِغًا﴾: حال من ﴿الْقَمَرَ﴾؛ لأن رأى
438
بصرية، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة ﴿لَمَّا﴾ الأولى. ﴿هَذَا رَبِّي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَفَلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْقَمَرَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا﴾. ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَئِنْ لَمْ﴾ اللام: موطئة للقسم. ﴿إن﴾: حرف شرط جازم. ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم. ﴿يَهْدِ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. ﴿فِي﴾: النون نون الوقاية، والياء: مفعول به. ﴿رَبِّي﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿لَأَكُونَنَّ﴾: اللام: رابطة لجواب القسم. ﴿أَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، الثقيلة، واسمها ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿أكُونَنَّ﴾. ﴿الضَّالِّينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾، وجملة ﴿أكُونَنَّ﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب ﴿إن﴾ الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم على القاعدة المطردة من أن المذكور يكون جواب ما قدم من الشرط والقسم، تقديره: إن لم يهدني ربي أكن من القوم الضالين، وجملة القسم وجوابه في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة، ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿رَأَى الشَّمْسَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿بَازِغَةً﴾ حال من ﴿الشَّمْسَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على
﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَفَلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْقَمَرَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا﴾. ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿لَئِنْ لَمْ﴾ اللام: موطئة للقسم. ﴿إن﴾: حرف شرط جازم. ﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم. ﴿يَهْدِ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. ﴿فِي﴾: النون نون الوقاية، والياء: مفعول به. ﴿رَبِّي﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿لَأَكُونَنَّ﴾: اللام: رابطة لجواب القسم. ﴿أَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، الثقيلة، واسمها ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿أكُونَنَّ﴾. ﴿الضَّالِّينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾، وجملة ﴿أكُونَنَّ﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب ﴿إن﴾ الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم على القاعدة المطردة من أن المذكور يكون جواب ما قدم من الشرط والقسم، تقديره: إن لم يهدني ربي أكن من القوم الضالين، وجملة القسم وجوابه في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء: عاطفة، ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿رَأَى الشَّمْسَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿بَازِغَةً﴾ حال من ﴿الشَّمْسَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على
439
﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة ﴿لَمَّا﴾ الأولى. ﴿هَذَا رَبِّي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. وكذا جملة قوله: ﴿هَذَا أَكْبَرُ﴾ مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾: الفاء: عاطفة، ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَفَلَتْ﴾: فعل ماضٍ، والتاء علامة التأنيث، وفاعله ضمير ﴿الشَّمْسَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي﴾. ﴿يَا قَوْمِ﴾ إلى آخره مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا قَوْمِ﴾: ﴿يَا﴾: حرف نداء. ﴿قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنِّي﴾: ﴿إن﴾ حرف نصب، والياء اسمها. ﴿بَرِيءٌ﴾: خبرها، وجملة ﴿إن﴾ جواب النداء على كونها مقول القول لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿مِمَّا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بَرِيءٌ﴾، وجملة ﴿تُشْرِكُونَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما تشركونه بالله.
﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
﴿إِنِّي﴾ إنّ: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إِنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿لِلَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿وَجَّهْتُ﴾. ﴿فَطَرَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف عليه، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿حَنِيفًا﴾: حال من فاعل ﴿وَجَّهْتُ﴾. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿أَنَا﴾: مبتدأ. ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: خبر، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَجَّهْتُ﴾.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي في اللهِ﴾.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿قَالَ﴾: فعل
﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾: الفاء: عاطفة، ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَفَلَتْ﴾: فعل ماضٍ، والتاء علامة التأنيث، وفاعله ضمير ﴿الشَّمْسَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي﴾. ﴿يَا قَوْمِ﴾ إلى آخره مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا قَوْمِ﴾: ﴿يَا﴾: حرف نداء. ﴿قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنِّي﴾: ﴿إن﴾ حرف نصب، والياء اسمها. ﴿بَرِيءٌ﴾: خبرها، وجملة ﴿إن﴾ جواب النداء على كونها مقول القول لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿مِمَّا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بَرِيءٌ﴾، وجملة ﴿تُشْرِكُونَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما تشركونه بالله.
﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
﴿إِنِّي﴾ إنّ: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إِنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿لِلَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿وَجَّهْتُ﴾. ﴿فَطَرَ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل ومفعول. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف عليه، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿حَنِيفًا﴾: حال من فاعل ﴿وَجَّهْتُ﴾. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿أَنَا﴾: مبتدأ. ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: خبر، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَجَّهْتُ﴾.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي في اللهِ﴾.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿قَالَ﴾: فعل
440
ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة مستأنفة. ﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾ إلى آخره مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: الهمزة: للاستفهام التوبيخي. ﴿تُحَاجُّونِّي﴾: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبات النون المدغمة في نون الوقاية على قراءة التشديد، أو المحذوفة على قراءة التخفيف، والواو فاعل، والنون نون الوقاية، والياء ضمير المتكلم في محل النصب مفعول به. ﴿في اللهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول.
﴿وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾.
﴿وَقَدْ﴾: ﴿الواو﴾: واو الحال. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿هَدَانِ﴾: هدى: فعل ماضٍ، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزىء عنها بالكسرة في محل النصب مفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب حال من ياء ﴿تُحَاجُّونِّي﴾؛ أي: أتجادلوني في الله حال كوني مهتديًا من عنده، أو حال من لفظ الجلالة؛ أي: أتخاصموني فيه حال كونه هاديًا لي، فحجتكم داحضة لا تجدي شيئًا. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، أو استئنافية. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿وَقَدْ هَدَانِ﴾ على كونها حالًا من الياء، أو مستأنفة. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. ﴿تُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما تشركونه به.
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿أَنْ﴾ حرف نصب ومصدر. ﴿يَشَاءَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾. ﴿رَبِّي﴾: فاعل ومضاف إليه. ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المستثنى المحذوف، والمستثنى منه محذوف أيضًا تقديره: ولا أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات؛ لأنها لا تضر ولا تنفع إلا وقت مشيئة ربي إصابةً لي بشيء من المكروه أو المحبوب، فيصيبني من جهتها، فيكون الاستثناء من عموم الأزمان، ويصح أن يكون من
﴿وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾.
﴿وَقَدْ﴾: ﴿الواو﴾: واو الحال. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿هَدَانِ﴾: هدى: فعل ماضٍ، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزىء عنها بالكسرة في محل النصب مفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب حال من ياء ﴿تُحَاجُّونِّي﴾؛ أي: أتجادلوني في الله حال كوني مهتديًا من عنده، أو حال من لفظ الجلالة؛ أي: أتخاصموني فيه حال كونه هاديًا لي، فحجتكم داحضة لا تجدي شيئًا. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، أو استئنافية. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿وَقَدْ هَدَانِ﴾ على كونها حالًا من الياء، أو مستأنفة. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. ﴿تُشْرِكُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما تشركونه به.
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿أَنْ﴾ حرف نصب ومصدر. ﴿يَشَاءَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾. ﴿رَبِّي﴾: فاعل ومضاف إليه. ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المستثنى المحذوف، والمستثنى منه محذوف أيضًا تقديره: ولا أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات؛ لأنها لا تضر ولا تنفع إلا وقت مشيئة ربي إصابةً لي بشيء من المكروه أو المحبوب، فيصيبني من جهتها، فيكون الاستثناء من عموم الأزمان، ويصح أن يكون من
441
عموم الأحوال، والتقدير: ولا أخاف ما تشركون به في حال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله تعالى.
﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾.
﴿وَسِعَ رَبِّي﴾: فعل وفاعل. ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ مفعول به ومضاف إليه. ﴿عِلْمًا﴾: تمييز محول عن الفاعل؛ أي: وسع علمه كل شيء كـ ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتعليل الاستثناء؛ أي: لأنه أحاط بكل شيء علمًا. ﴿أَفَلَا﴾: الهمزة للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَتَذَكَّرُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة على كونها إنشائية لا محل لها من الإعراب، ولكنها في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، والتقدير: أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات لا تضر ولا تنفع، فلا تتذكرون أنها غير قادرة على شيء ما.
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾.
﴿وَكَيْفَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَيْفَ﴾: اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب على الحال مبني على الفتح، والعامل فيه ﴿أَخَافُ﴾. ﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة مستأنفة على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما أشركتموه بالله. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: حالية. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَخَافُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿أَخَافُ﴾، والتقدير: وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم، وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رابط يعود على ذي الحال. لا يضر ذلك؛ لأن الواو نفسها رابطة. اهـ "سمين". ﴿أَنَّكُمْ﴾ ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب ومصدر، والكاف اسمها. ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِاللهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾ تقديره: أنكم مشركون بالله، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في
﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾.
﴿وَسِعَ رَبِّي﴾: فعل وفاعل. ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ مفعول به ومضاف إليه. ﴿عِلْمًا﴾: تمييز محول عن الفاعل؛ أي: وسع علمه كل شيء كـ ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتعليل الاستثناء؛ أي: لأنه أحاط بكل شيء علمًا. ﴿أَفَلَا﴾: الهمزة للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَتَذَكَّرُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة على كونها إنشائية لا محل لها من الإعراب، ولكنها في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، والتقدير: أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات لا تضر ولا تنفع، فلا تتذكرون أنها غير قادرة على شيء ما.
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾.
﴿وَكَيْفَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَيْفَ﴾: اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب على الحال مبني على الفتح، والعامل فيه ﴿أَخَافُ﴾. ﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، والجملة مستأنفة على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما أشركتموه بالله. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: حالية. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَخَافُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿أَخَافُ﴾، والتقدير: وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم، وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رابط يعود على ذي الحال. لا يضر ذلك؛ لأن الواو نفسها رابطة. اهـ "سمين". ﴿أَنَّكُمْ﴾ ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب ومصدر، والكاف اسمها. ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِاللهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾ تقديره: أنكم مشركون بالله، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في
442
تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: ولا تخافون إشراككم بالله. ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ﴾: ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿يُنَزِّلْ﴾: مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿يُنَزِّلْ﴾، وكذا ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿سُلْطَانًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿يُنَزِّلْ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير ﴿بِهِ﴾.
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
﴿فَأَيُّ﴾ الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم معبودي ومعبودكم، وأردتم بيان حالي وحالكم.. فأقول لكم ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾: ﴿أَيُّ﴾ اسم استفهام مبتدأ مرفوع. ﴿الْفَرِيقَيْنِ﴾: مضاف إليه. ﴿أَحَقُّ﴾: خبر. ﴿بِالْأَمْنِ﴾: متعلق به، والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجملة ﴿تَعْلَمُونَ﴾ خبر كان وجواب ﴿إِنْ﴾ معلوم مما قبلها تقديره: إن كنتم من ذوي العلم والاستبصار.. فأخبروني أيُّ هذين الفريقين أحق بالأمن؟
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ أول. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾: جازم وفعل وفاعل، معطوف على ﴿آمَنُوا﴾. ﴿إِيمَانَهُمْ﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿بِظُلْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَلْبِسُوا﴾. ﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ ثانٍ. ﴿لَهُمُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿الْأَمْنُ﴾ مبتدأ ثالث، والجملة من المبتدأ الثالث وخبره خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة. ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾: مبتدأ وخبر، معطوف على جملة قوله: ﴿لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ على كونه خبرًا للمبتدأ الثاني.
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)﴾.
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
﴿فَأَيُّ﴾ الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم معبودي ومعبودكم، وأردتم بيان حالي وحالكم.. فأقول لكم ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾: ﴿أَيُّ﴾ اسم استفهام مبتدأ مرفوع. ﴿الْفَرِيقَيْنِ﴾: مضاف إليه. ﴿أَحَقُّ﴾: خبر. ﴿بِالْأَمْنِ﴾: متعلق به، والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجملة ﴿تَعْلَمُونَ﴾ خبر كان وجواب ﴿إِنْ﴾ معلوم مما قبلها تقديره: إن كنتم من ذوي العلم والاستبصار.. فأخبروني أيُّ هذين الفريقين أحق بالأمن؟
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ أول. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾: جازم وفعل وفاعل، معطوف على ﴿آمَنُوا﴾. ﴿إِيمَانَهُمْ﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿بِظُلْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَلْبِسُوا﴾. ﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ ثانٍ. ﴿لَهُمُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿الْأَمْنُ﴾ مبتدأ ثالث، والجملة من المبتدأ الثالث وخبره خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة. ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾: مبتدأ وخبر، معطوف على جملة قوله: ﴿لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ على كونه خبرًا للمبتدأ الثاني.
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)﴾.
443
﴿وَتِلْكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿تِلْكَ﴾: مبتدأ. ﴿حُجَّتُنَا﴾: خبر المبتدأ. وجملة ﴿آتَيْنَاهَا﴾ خبر ثانٍ، أو في محل النصب حال من ﴿حُجَّتُنَا﴾، والعامل فيها معنى الإشارة، والجملة الإسمية مستأنفة. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: مفعول ثانٍ لـ ﴿آتَيْنَا﴾؛ لأنه بمعنى: أعطينا. ﴿عَلَى قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿حُجَّتُنَا﴾. ﴿نَرْفَعُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مستأنفة، أو في محل النصب حال من فاعل ﴿آتَيْنَاهَا﴾. ﴿دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ - بالإضافة -: مفعول به، وهو مضاف، و ﴿مَنْ﴾ الموصولة: في محل الجر مضاف إليه. وبالتنوين: ﴿دَرَجَاتٍ﴾: مفعول فيه، أو مفعول ثانٍ على تضمين نرفع بمعنى: نعطي، و ﴿مَنْ﴾ الموصولة: مفعول به. ﴿نَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: نشاءه. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد. ﴿رَبَّكَ﴾: اسمها ومضاف إليه. ﴿حَكِيمٌ﴾: خبر أول؛ لأن ﴿عَلِيمٌ﴾ خبر ثانٍ لها، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ الأعقاب جمع: عقب، وهو مؤخر الرجل، وتقول العرب فيمن عجز بعد قدرة، أو سفل بعد رفعة، أو أحجم بعد إقدام على محمدة: نكص على عقبيه، وارتد على عقبيه، ورجع القهقرى، ثم صار يطلق على كل تحول مذموم.
﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾؛ أي: ذهبت بعقله وهواه، وكانت العرب في الجاهلية تزعم أن الجنون كله من تأثير الجن، ومنه قولهم: حسن فلان؛ أي: مسته الجن، فذهبت بعقله، وكانوا يقولون: إن الجن تظهر لهم في المهامه، وتتلون لهم بألوان مختلفة، فتذهب بلب من يراها، فيهيم على وجهه لا يدري أين يذهب حتى يهلك، وهذه الشياطين التي تتلون هي التي يسمونها: الغيلان والأغوال والسعالي.
وقوله: ﴿حَيْرَانَ﴾؛ أي: تائهًا ضالًا عن الجادة، لا يدري ما يصنع؟ وهو وصف مذكر مؤنثه حيرى؛ كسكران وسكرى، فلذلك منع من الصرف، ويقال: حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ الأعقاب جمع: عقب، وهو مؤخر الرجل، وتقول العرب فيمن عجز بعد قدرة، أو سفل بعد رفعة، أو أحجم بعد إقدام على محمدة: نكص على عقبيه، وارتد على عقبيه، ورجع القهقرى، ثم صار يطلق على كل تحول مذموم.
﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾؛ أي: ذهبت بعقله وهواه، وكانت العرب في الجاهلية تزعم أن الجنون كله من تأثير الجن، ومنه قولهم: حسن فلان؛ أي: مسته الجن، فذهبت بعقله، وكانوا يقولون: إن الجن تظهر لهم في المهامه، وتتلون لهم بألوان مختلفة، فتذهب بلب من يراها، فيهيم على وجهه لا يدري أين يذهب حتى يهلك، وهذه الشياطين التي تتلون هي التي يسمونها: الغيلان والأغوال والسعالي.
وقوله: ﴿حَيْرَانَ﴾؛ أي: تائهًا ضالًا عن الجادة، لا يدري ما يصنع؟ وهو وصف مذكر مؤنثه حيرى؛ كسكران وسكرى، فلذلك منع من الصرف، ويقال: حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد.
444
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ والصور في اللغة: القرن، وهو هنا شيء من خلق الله على صورة القرن المستطيل، وفيه جميع الأرواح، وفيه ثقب بعددها، فإذا نفخ خرجت كل روح من ثقبة، ووصلت لجسدها، فتحله الحياة. اهـ "سمين". وقد ثقب الناس قرون الوعول والظباء وغيرها، فجعلوا منها أبواقًا ينفخون فيها، لها صوت شديد يدعى به الناس إلى الاجتماع، ويعزفون بها كغيرها من آلات الطرب.
﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا﴾ والأصنام: جمع صنم، وهو والتمثال والوثن بمعنى واحد، وهو الذي يتخذ من خشب أو حجارة أو حديد أو ذهب أو فضة على صورة الإنسان. اهـ "خازن".
﴿في ضَلَالٍ﴾ والضلال: العدول عن الطريق الموصل إلى الغاية التي يطلبها العاقل من سيره الحسي والمعنوي.
﴿مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ﴾ وملك الله وملكوته: سلطانه وعظمته، والملكوت: الملك، زيدت فيه التاء للمبالغة كالرهبوت والرغبوت والرحموت من الرهبة والرغبة والرحمة، كما مرَّ.
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ يقال (١): جن عليه الليل وأجن بمعنى: أظلم، فيستعمل قاصرًا، وجنه وأجنه الليل، فيستعمل متعديًا، فهذا مما اتفق فعل وأفعل لزومًا وتعديًا إلا أن الأجود في الاستعمال: جن عليه الليل وأجنه الليل، فيكون الثلاثي لازمًا، والرباعي متعديًا. اهـ "سمين".
﴿رَأَى كَوْكَبًا﴾ والكوكب والكوكبة واحد الكواكب، وهي: النجوم ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ في "المصباح": أفل (٢) الشيء أفلًا وأفولًا من بأبي ضرب وقعد: غاب، ومنه: أفل فلان عن البلد إذا غاب عنها، والأفيل: الفصيل وزنًا ومعنى، والجمع: إفال بالكسر. وقال الفارابي: الإفال: بنات المخاض فما فوقها، وقال أبو زيد: الأفيل: الفتى من الإبل. وقال الأصمعي: ابن تسعة أشهر أو ثمانية. وقال ابن فارس: جمع الأفيل: إفال، والإفال: صغار الغنم، والأفول: غيبوبة الشيء بعد ظهوره.
﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا﴾ والأصنام: جمع صنم، وهو والتمثال والوثن بمعنى واحد، وهو الذي يتخذ من خشب أو حجارة أو حديد أو ذهب أو فضة على صورة الإنسان. اهـ "خازن".
﴿في ضَلَالٍ﴾ والضلال: العدول عن الطريق الموصل إلى الغاية التي يطلبها العاقل من سيره الحسي والمعنوي.
﴿مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ﴾ وملك الله وملكوته: سلطانه وعظمته، والملكوت: الملك، زيدت فيه التاء للمبالغة كالرهبوت والرغبوت والرحموت من الرهبة والرغبة والرحمة، كما مرَّ.
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ يقال (١): جن عليه الليل وأجن بمعنى: أظلم، فيستعمل قاصرًا، وجنه وأجنه الليل، فيستعمل متعديًا، فهذا مما اتفق فعل وأفعل لزومًا وتعديًا إلا أن الأجود في الاستعمال: جن عليه الليل وأجنه الليل، فيكون الثلاثي لازمًا، والرباعي متعديًا. اهـ "سمين".
﴿رَأَى كَوْكَبًا﴾ والكوكب والكوكبة واحد الكواكب، وهي: النجوم ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ في "المصباح": أفل (٢) الشيء أفلًا وأفولًا من بأبي ضرب وقعد: غاب، ومنه: أفل فلان عن البلد إذا غاب عنها، والأفيل: الفصيل وزنًا ومعنى، والجمع: إفال بالكسر. وقال الفارابي: الإفال: بنات المخاض فما فوقها، وقال أبو زيد: الأفيل: الفتى من الإبل. وقال الأصمعي: ابن تسعة أشهر أو ثمانية. وقال ابن فارس: جمع الأفيل: إفال، والإفال: صغار الغنم، والأفول: غيبوبة الشيء بعد ظهوره.
(١) الفتوحات.
(٢) المصباح المنير.
(٢) المصباح المنير.
445
قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا﴾ القمر معروف، سمي بذلك لبياضه، والأقمر: الأبيض، وليلة قمراء: مضيئة، قاله ابن قتيبة. وبزوغ القمر: ابتداء طلوعه، يقال: بزغ بفتح الزاي يبزغ بضمها، واستعمل قاصرًا ومتعديًا يقال: بزغ البيطار الدابة؛ أي: أسال دمها، فبزغ هو؛ أي: سال، ثم قيل لكل طلوع: بزوغ، ومنه: بزغ ناب الصبي والبعير تشبيهًا بذلك اهـ "سمين".
وفي "المصباح": بزغ البيطار والحاجم بزغًا من باب قتل: شرط، وأسال الدم، وبزغ ناب البعير بزوغًا: إذا طلع، وبزغت الشمس: طلعت فهي بازغة. اهـ.
﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ وجه من باب فعل المضعف، وتوجيه الوجه لله تعالى تركه يتوجه إليه وحده في طلب حاجته وإخلاص عبوديته. ﴿فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أخرجهما إلى الوجود لا على مثال سابق ﴿حَنِيفًا﴾ الحنيف: المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق الذي هو التوحيد.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ﴾ حاج من باب فاعل الرباعي المزيد بالألف بين الفاء والعين، يدل على المفاعلة، والمحاجة المجادلة والمغالبة في إقامة الحجة، والحجة تطلق تارة على الدلالة المبينة للمقصد، وتارةً على ما يدلي به أحد الخصمين في إثبات دعواه، أو ردِّ دعوى خصمه، وهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين: إلى حجة دامغة يثبت بها الحق، وإلى حجة داحضة يموه بها الباطل، وقد اصطلحوا على تسمية مثل هذه شبهةً.
﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾ بتشديد الجيم والنون أصله: أتحاججونني بوزن تضاربونني بجيمين، فأدغمت الجيم الأولى في الثانية، وكذا النون: أدغمت الأولى في الثانية على قراءة التشديد، وأما على قراءة التخفيف، فاختلفوا في المحذوفة من النونين، فقال سيبويه وغيره من البصريين: المحذوفة الأولى التي هي نون الرفع؛ لأنها نائبة عن الضمة، وهي قد تحذف تخفيفًا كما في قراءة أبي عمرو: ﴿ينصركم﴾ و ﴿يأمركم﴾ و ﴿يشعركم﴾ فكذا ما ناب عنها. وقال الفراء ومن وافقه: المحذوفة هي الثانية التي هي نون الوقاية؛ لأن الثقل إنما حصل بها، ولأن الأولى دالة على الإعراب، فبقاؤها أولى، وبرهن كل على مختاره بما
وفي "المصباح": بزغ البيطار والحاجم بزغًا من باب قتل: شرط، وأسال الدم، وبزغ ناب البعير بزوغًا: إذا طلع، وبزغت الشمس: طلعت فهي بازغة. اهـ.
﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ وجه من باب فعل المضعف، وتوجيه الوجه لله تعالى تركه يتوجه إليه وحده في طلب حاجته وإخلاص عبوديته. ﴿فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أخرجهما إلى الوجود لا على مثال سابق ﴿حَنِيفًا﴾ الحنيف: المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق الذي هو التوحيد.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ﴾ حاج من باب فاعل الرباعي المزيد بالألف بين الفاء والعين، يدل على المفاعلة، والمحاجة المجادلة والمغالبة في إقامة الحجة، والحجة تطلق تارة على الدلالة المبينة للمقصد، وتارةً على ما يدلي به أحد الخصمين في إثبات دعواه، أو ردِّ دعوى خصمه، وهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين: إلى حجة دامغة يثبت بها الحق، وإلى حجة داحضة يموه بها الباطل، وقد اصطلحوا على تسمية مثل هذه شبهةً.
﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾ بتشديد الجيم والنون أصله: أتحاججونني بوزن تضاربونني بجيمين، فأدغمت الجيم الأولى في الثانية، وكذا النون: أدغمت الأولى في الثانية على قراءة التشديد، وأما على قراءة التخفيف، فاختلفوا في المحذوفة من النونين، فقال سيبويه وغيره من البصريين: المحذوفة الأولى التي هي نون الرفع؛ لأنها نائبة عن الضمة، وهي قد تحذف تخفيفًا كما في قراءة أبي عمرو: ﴿ينصركم﴾ و ﴿يأمركم﴾ و ﴿يشعركم﴾ فكذا ما ناب عنها. وقال الفراء ومن وافقه: المحذوفة هي الثانية التي هي نون الوقاية؛ لأن الثقل إنما حصل بها، ولأن الأولى دالة على الإعراب، فبقاؤها أولى، وبرهن كل على مختاره بما
446
يطول بنا الكلام في ذكره، أفاده في "الفتوحات" وإنما اختاروا (١) التخفيف في قراءة من خففها فرارًا من اجتماع مشددين في كلمة واحدة، وهما: الجيم والنون.
وقال أبو عبيدة (٢): وإنما كره التثقيل من كرهه للجمع بين ساكنين، وهما: الواو والنون، فحذفوها. قال أبو جعفر: والقول في هذا قول سيبويه، ولا ينكر الجمع بين ساكنين إذا كان الأول حرف مد ولين، والثاني مدغمًا كما هنا.
﴿وَقَدْ هَدَانِ﴾ بحذف الياء؛ لأن الكسرة تدل عليها، والنون عوض منها إذا حذفتها، وإثباتها حسن.
﴿سُلْطَانًا﴾ السلطان: الحجة والبرهان. ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ لم يلبسوا: لم يخلطوا، والظلم هنا: هو الشرك في العقيدة أو العبادة؛ كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، والله أعلم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق في قوله: ﴿يَنْفَعُنَا﴾ و ﴿يَضُرُّنَا﴾، و ﴿الْغَيْبِ﴾ و ﴿الشَّهَادَةِ﴾.
ومنها: التقبيح والتشنيع في قوله: ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ عبر بالرد على الأعقاب عن الشرك لزيادة تقبيح الأمر وتشنيعه؛ لأنها المشية الدنية.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى﴾ مع ما قبله.
ومنها: التخصيص بعد التعميم في قوله: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ بعد قوله: ﴿لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ اهتمامًا بشأن الصلاة.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾، وفي قوله: ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾، وفي قوله: ﴿هَذَا رَبِّي﴾، وفي قوله: ﴿بَازِغًا﴾.
وقال أبو عبيدة (٢): وإنما كره التثقيل من كرهه للجمع بين ساكنين، وهما: الواو والنون، فحذفوها. قال أبو جعفر: والقول في هذا قول سيبويه، ولا ينكر الجمع بين ساكنين إذا كان الأول حرف مد ولين، والثاني مدغمًا كما هنا.
﴿وَقَدْ هَدَانِ﴾ بحذف الياء؛ لأن الكسرة تدل عليها، والنون عوض منها إذا حذفتها، وإثباتها حسن.
﴿سُلْطَانًا﴾ السلطان: الحجة والبرهان. ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ لم يلبسوا: لم يخلطوا، والظلم هنا: هو الشرك في العقيدة أو العبادة؛ كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، والله أعلم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق في قوله: ﴿يَنْفَعُنَا﴾ و ﴿يَضُرُّنَا﴾، و ﴿الْغَيْبِ﴾ و ﴿الشَّهَادَةِ﴾.
ومنها: التقبيح والتشنيع في قوله: ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ عبر بالرد على الأعقاب عن الشرك لزيادة تقبيح الأمر وتشنيعه؛ لأنها المشية الدنية.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى﴾ مع ما قبله.
ومنها: التخصيص بعد التعميم في قوله: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ بعد قوله: ﴿لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ اهتمامًا بشأن الصلاة.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾، وفي قوله: ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾، وفي قوله: ﴿هَذَا رَبِّي﴾، وفي قوله: ﴿بَازِغًا﴾.
(١) الصاوي.
(٢) إعراب النحاس.
(٢) إعراب النحاس.
447
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿أَفَلَ﴾ و ﴿الْآفِلِينَ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾، وبين الكوكب والقمر والشمس.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: أريناه.
ومنها: التعريض في قوله: ﴿لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾؛ لأن فيه تعريضًا بضلال قومه.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي﴾، وفي قوله: ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾ و ﴿تُشْرِكُونَ﴾، وفي ﴿أَخَافُ﴾ و ﴿وَلَا تَخَافُونَ﴾.
والتكرار في: ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾.
ومنها: الاستفهام التعجبي في قوله: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ﴾.
ومنها: الإشارة في قوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾؛ لأنه استعارة عن الرجوع إلى الشرك.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الطباق في قوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾، وبين الكوكب والقمر والشمس.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: أريناه.
ومنها: التعريض في قوله: ﴿لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾؛ لأن فيه تعريضًا بضلال قومه.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي﴾، وفي قوله: ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾ و ﴿تُشْرِكُونَ﴾، وفي ﴿أَخَافُ﴾ و ﴿وَلَا تَخَافُونَ﴾.
والتكرار في: ﴿أَشْرَكْتُمْ﴾.
ومنها: الاستفهام التعجبي في قوله: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ﴾.
ومنها: الإشارة في قوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾؛ لأنه استعارة عن الرجوع إلى الشرك.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
448
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه أظهر حجة الله في التوحيد، وعدَّد وجوه نعمه وإحسانه إليه.. ذكر هنا أنه جعله عزيزًا في
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (١) لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه أظهر حجة الله في التوحيد، وعدَّد وجوه نعمه وإحسانه إليه.. ذكر هنا أنه جعله عزيزًا في
(١) المراغي.
449
الدنيا؛ إذ جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من ذريته، وأبقى هذه الكرامة له إلى يوم القيامة.
وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) عدد نعمه على إبراهيم، فذكر إيتاءه الحجة على قومه، وأشار إلى رفع درجاته.. ذكر هنا ما مَنَّ به عليه من هبته له هذا النبي الذي تفرعت منه أنبياء بني إسرائيل، ومن أعظم المنن أن يكون من نسل الرجل الأنبياء والرسل، ولم يذكر إسماعيل مع إسحاق، قيل: لأن المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل، وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب، ولم يخرج من صلب إسماعيل نبي إلا محمَّد - ﷺ -، ولم يذكره في هذا المقام؛ لأنه أمره عليه السلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله، بأن جدهم إبراهيم لما كان موحدًا لله متبرئًا من الشرك.. رزقه الله تعالى أولادًا ملوكًا وأنبياء انتهت.
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه فضلهم واجتباهم وهداهم.. ذكر هنا ما فضلوا به.
قوله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما (٣) ذكر وقرَّر أن إنكار من أنكر أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا، وحاجهم بما لا يقدرون على إنكاره.. أخبر أن هذا الكتاب الذي أنزل على الرسول مبارك كثير النفع والفائدة.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٤) بين أن القرآن كتاب من عند الله تعالى، وردَّ على الذين أنكروا إنزاله على محمَّد - ﷺ - لأنه بشر - بأن مثله مثل التوراة التي يعترفون بإنزالها على موسى - وهو بشر -.. أردف ذلك بوعيد من كذب على الله وادَّعى النبوة والرسالة، أو ادَّعى أنه قادر
وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) عدد نعمه على إبراهيم، فذكر إيتاءه الحجة على قومه، وأشار إلى رفع درجاته.. ذكر هنا ما مَنَّ به عليه من هبته له هذا النبي الذي تفرعت منه أنبياء بني إسرائيل، ومن أعظم المنن أن يكون من نسل الرجل الأنبياء والرسل، ولم يذكر إسماعيل مع إسحاق، قيل: لأن المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل، وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب، ولم يخرج من صلب إسماعيل نبي إلا محمَّد - ﷺ -، ولم يذكره في هذا المقام؛ لأنه أمره عليه السلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله، بأن جدهم إبراهيم لما كان موحدًا لله متبرئًا من الشرك.. رزقه الله تعالى أولادًا ملوكًا وأنبياء انتهت.
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه فضلهم واجتباهم وهداهم.. ذكر هنا ما فضلوا به.
قوله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما (٣) ذكر وقرَّر أن إنكار من أنكر أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا، وحاجهم بما لا يقدرون على إنكاره.. أخبر أن هذا الكتاب الذي أنزل على الرسول مبارك كثير النفع والفائدة.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٤) بين أن القرآن كتاب من عند الله تعالى، وردَّ على الذين أنكروا إنزاله على محمَّد - ﷺ - لأنه بشر - بأن مثله مثل التوراة التي يعترفون بإنزالها على موسى - وهو بشر -.. أردف ذلك بوعيد من كذب على الله وادَّعى النبوة والرسالة، أو ادَّعى أنه قادر
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
450
على الإتيان بمثل هذا القرآن، وهذا الوعيد يتضمن الشهادة بصدق النبي - ﷺ -. ذلك أن من كان يؤمن باللهِ واليوم الآخر إذا لم يكن له بد من الإيمان بأنَّ القرآن من عند الله، ومن الاهتداء به.. فأكمل الناس إيمانًا بالدار الآخرة وما فيها من الجزاء - وهو محمَّد - ﷺ - لا يمكن أن يعرض نفسه لمنتهى الظلم الذي يستحق عليه أشد العذاب.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ...﴾ الآية سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي - ﷺ -، فقال له النبي - ﷺ -: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين" - وكان حبرًا سمينًا - فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك، ولا على موسى؟ فقال: واللهِ ما أنزل الله على بشر من شيء، فلما سمع قومه تلك المقالة.. قالوا: ويلك! ما هذا الذي بلغنا عنك، أليس الله أنزل التوراة على موسى؟ فلِمَ قلت هذا؟! قال: أغضبني محمَّد فقلته، فقالوا: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق، فعزلوه من الحبرية وعن رياستهم لأجل هذا الكلام، وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف، فأنزل الله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ...﴾ الآية، مرسل.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قالت اليهود: ما أنزل الله من السماء كتابًا، فأنزلت هذه الآية: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ نزل في مسيلمة. ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ قال: نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب للنبي - ﷺ -، فيملي عليه عزيز حكيم،
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ...﴾ الآية سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي - ﷺ -، فقال له النبي - ﷺ -: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين" - وكان حبرًا سمينًا - فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك، ولا على موسى؟ فقال: واللهِ ما أنزل الله على بشر من شيء، فلما سمع قومه تلك المقالة.. قالوا: ويلك! ما هذا الذي بلغنا عنك، أليس الله أنزل التوراة على موسى؟ فلِمَ قلت هذا؟! قال: أغضبني محمَّد فقلته، فقالوا: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق، فعزلوه من الحبرية وعن رياستهم لأجل هذا الكلام، وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف، فأنزل الله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ...﴾ الآية، مرسل.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قالت اليهود: ما أنزل الله من السماء كتابًا، فأنزلت هذه الآية: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ نزل في مسيلمة. ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ قال: نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب للنبي - ﷺ -، فيملي عليه عزيز حكيم،
(١) لباب النقول.
451
فيكتب غفور رحيم، ثم يقرأ عليه فيقول: نعم، سواء، فرجع عن الإِسلام ولحق بقريش، ثم رجع بعد ذلك إلى الإِسلام، فأسلم قبل فتح مكة حين نزول رسول الله - ﷺ - بمر الظهران.
وأخرج عن السدي نحوه، وزاد: قال: إن كان محمَّد يوحى إليه.. فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله على محمَّد.. فقد أنزلت مثل ما أنزل الله، قال محمَّد: سميعًا عليمًا، فقلت أنا: عليمًا حكيمًا.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن جرير وغيره عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث: سوف تشفع لي اللات والعزى، فنزلت هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ إلى قوله: ﴿شُرَكَاءُ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٨٤ - قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ معطوف على قوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾ عطف فعلية على اسمية؛ أي: ووهبنا لإبراهيم إسحاق ابنه لصلبه من سارة نبيًّا من الصالحين، وجعلنا من ذريته يعقوب بن إسحاق نبيًّا منجبًا للأنبياء والمرسلين، جزاءًا على الاحتجاج في الدين، وبذل النفس فيه. ﴿كُلًّا هَدَيْنَا﴾؛ أي: وهدينا كلًّا من إسحاق ويعقوب ووفقناه طريق الحق والرشاد، كما هدينا إبراهيم بما آتيناه من النبوة والحكمة وقوة المعارضة والحجة.
وإنما (٢) ذكر إسحاق دون إسماعيل؛ لأنه هو الذي وهبه الله تعالى بآية منه بعد كبر سنه وعقم امرأته سارة، جزاء إيمانه وإحسانه وكمال إسلامه وإخلاصه بعد ابتلائه بذبح ولده إسماعيل، ولم يكن له ولد سواه على كبر سنه، ويقول المؤرخون: إنَّ معنى ﴿إِسْحَاقَ﴾: الضحاك، وأنه ولد وكانت سن أبيه مئة واثنتي عشرة سنة، وسن أمه تسعًا وتسعين سنة، وأنه عاش ثمانين ومئة سنة. ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل إبراهيم؛ أي: وهدينا جده نوحًا الذي هو آدم الثاني إلى مثل ما هدينا له إبراهيم وذريته، فآتيناه النبوة والحكمة وهداية الخلق
وأخرج عن السدي نحوه، وزاد: قال: إن كان محمَّد يوحى إليه.. فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله على محمَّد.. فقد أنزلت مثل ما أنزل الله، قال محمَّد: سميعًا عليمًا، فقلت أنا: عليمًا حكيمًا.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن جرير وغيره عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث: سوف تشفع لي اللات والعزى، فنزلت هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ إلى قوله: ﴿شُرَكَاءُ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٨٤ - قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ معطوف على قوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾ عطف فعلية على اسمية؛ أي: ووهبنا لإبراهيم إسحاق ابنه لصلبه من سارة نبيًّا من الصالحين، وجعلنا من ذريته يعقوب بن إسحاق نبيًّا منجبًا للأنبياء والمرسلين، جزاءًا على الاحتجاج في الدين، وبذل النفس فيه. ﴿كُلًّا هَدَيْنَا﴾؛ أي: وهدينا كلًّا من إسحاق ويعقوب ووفقناه طريق الحق والرشاد، كما هدينا إبراهيم بما آتيناه من النبوة والحكمة وقوة المعارضة والحجة.
وإنما (٢) ذكر إسحاق دون إسماعيل؛ لأنه هو الذي وهبه الله تعالى بآية منه بعد كبر سنه وعقم امرأته سارة، جزاء إيمانه وإحسانه وكمال إسلامه وإخلاصه بعد ابتلائه بذبح ولده إسماعيل، ولم يكن له ولد سواه على كبر سنه، ويقول المؤرخون: إنَّ معنى ﴿إِسْحَاقَ﴾: الضحاك، وأنه ولد وكانت سن أبيه مئة واثنتي عشرة سنة، وسن أمه تسعًا وتسعين سنة، وأنه عاش ثمانين ومئة سنة. ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل إبراهيم؛ أي: وهدينا جده نوحًا الذي هو آدم الثاني إلى مثل ما هدينا له إبراهيم وذريته، فآتيناه النبوة والحكمة وهداية الخلق
(١) لباب النقول.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
452
إلى طريق الرشاد، وقال: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ تنبيهًا على قدمه، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس. والمراد بذلك أن نسب إبراهيم من أشرف الأنساب؛ إذ قد رزقه الله أولادًا مثل إسحاق ويعقوب، وجعل أنبياء بني إسرائيل من نسلهما، وأخرجه من أصلاب آباء طاهرين، كنوح وإدريس وشيث، فهو كريم الآباء شريف الأبناء، والمقصود من تلاوة هذه النعم على محمَّد - ﷺ - تشريفه؛ لأن شرف الوالد يسري إلى الولد. وفي ذكر نوح (١) لطيفة، وهي أن نوحًا عليه السلام عُبدت الأصنام في زمانه، وقومه أول قوم عبدوا الأصنام، ووحد هو الله تعالى ودعا إلى عبادته، ورفض تلك الأصنام، وحكى الله عنه مناجاته لربه في قومه حيث قالوا: ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾، وكان إبراهيم عُبدت الأصنام في زمانه، ووحد هو الله تعالى ودعا إلى رفضها، فذكر الله تعالى نوحًا وأنه هداه كما هدى إبراهيم.
والضمير في قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ﴾ اختلفوا في مرجعه، قيل: يرجع إلى نوح؛ لأنه أقرب مذكور، وهو اختيار جمهور المفسرين؛ لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، ولأن الله ذكر في جملة هذه الذرية لوطًا وهو ابن أخي إبراهيم، ولم يكن من ذريته، فثبت بهذا أن الضمير يرجع إلى نوح، وقيل: يعود إلى إبراهيم؛ لأن الكلام في شأنه بذكر ما أنعم الله عليه من الفضائل، وإنما ذكر نوحًا؛ لأنه جده، فهو كما قدمنا يرشد إلى فضل الله عليه في أصوله وفروعه. قال ابن عباس: هؤلاء الأنبياء كلهم مضافون إلى ذرية إبراهيم، وإن كان فيهم من لا يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب؛ لأن لوطًا ابن أخِ إبراهيم، والعرب تجعل العم أبًا، فكأنه من ذريته. وقال أبو سليمان الدمشقي: ووهبنا له لوطًا في المعاضدة والنصرة انتهى. وقال الزجاج: كلا القولين جائز؛ لأن ذكرهما جميعًا قد جرى؛ أي: وهدينا من ذرية إبراهيم ﴿دَاوُودَ﴾ بن إيشا، وكان ممن أتاه الله الملك والنبوة. ﴿و﴾ هدينا ﴿سُلَيْمَانَ﴾ بن داود، وكان أيضًا ممن أوتي الملك والنبوة وقرنهما؛ لأنهما أبٌ وابن، ولأنهما ملكان نبيان، وقدم داود لتقدمه في
والضمير في قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ﴾ اختلفوا في مرجعه، قيل: يرجع إلى نوح؛ لأنه أقرب مذكور، وهو اختيار جمهور المفسرين؛ لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، ولأن الله ذكر في جملة هذه الذرية لوطًا وهو ابن أخي إبراهيم، ولم يكن من ذريته، فثبت بهذا أن الضمير يرجع إلى نوح، وقيل: يعود إلى إبراهيم؛ لأن الكلام في شأنه بذكر ما أنعم الله عليه من الفضائل، وإنما ذكر نوحًا؛ لأنه جده، فهو كما قدمنا يرشد إلى فضل الله عليه في أصوله وفروعه. قال ابن عباس: هؤلاء الأنبياء كلهم مضافون إلى ذرية إبراهيم، وإن كان فيهم من لا يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب؛ لأن لوطًا ابن أخِ إبراهيم، والعرب تجعل العم أبًا، فكأنه من ذريته. وقال أبو سليمان الدمشقي: ووهبنا له لوطًا في المعاضدة والنصرة انتهى. وقال الزجاج: كلا القولين جائز؛ لأن ذكرهما جميعًا قد جرى؛ أي: وهدينا من ذرية إبراهيم ﴿دَاوُودَ﴾ بن إيشا، وكان ممن أتاه الله الملك والنبوة. ﴿و﴾ هدينا ﴿سُلَيْمَانَ﴾ بن داود، وكان أيضًا ممن أوتي الملك والنبوة وقرنهما؛ لأنهما أبٌ وابن، ولأنهما ملكان نبيان، وقدم داود لتقدمه في
(١) البحر المحيط.
453
الزمان، ولكونه صاحب كتاب، ولكونه أصلًا لسليمان وهو فرعه ﴿و﴾ هدينا ﴿أَيُّوبَ﴾ بن أموص بن رازح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ﴿و﴾ هدينا ﴿يوسف﴾ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وكان ممن أوتي الملك والنبوة، وقرن (١) بينه وبين أيوب؛ لاشتراكهما في الامتحان: أيوب بالبلاء في جسده، ونبذ قومه له، ويوسف بالبلاء بالسجن، وبغربته، وفي مآلهما بالسلامة والعاقبة، وقدم أيوب؛ لأنه أعظم في الامتحان. قال الفراء: يوسف - بضم السين من غير همز - لغة أهل الحجاز، وبعض بني أسد يقول: يؤسف بالهمز، وبعض العرب يقول: يوسف - بكسر السين -، وبعض بني عقيل: يوسَف بفتح السين، ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير". ﴿و﴾ هدينا ﴿مُوسَى﴾ بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ﴿و﴾ هدينا ﴿هَارُونَ﴾ بن عمران أخا موسى، وكان أكبر منه بسنة ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: وكما جزينا إبراهيم على توحيده وصبره على أذى قومه بإيتائه الحجة الدامغة، وهبة الأولاد الأخيار.. نجزي من كان محسنًا في عبادتنا، مراقبًا في أعماله لنا على إحسانه، وقد فسر النبي - ﷺ - الإحسان بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه.. فإنه يراك".
٨٥ - ﴿و﴾ هدينا ﴿زَكَرِيَّا﴾ بن آذن بن بركيا ﴿و﴾ هدينا ﴿يَحْيَى﴾ بن زكريا ﴿و﴾ هدينا ﴿عِيسَى﴾ بن مريم بنت عمران ﴿و﴾ هدينا ﴿إِلْيَاسَ﴾ بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وهذا هو الصحيح في نسبه، وقرن بين (٢) هؤلاء الأربعة لاشتراكهم في الزهد الشديد والإعراض عن الدنيا، وبدأ بزكريا ويحيى؛ لسبقهما في الزمان، وقدم زكريا، لأنه والد يحيى، فهو أصل ويحيى فرع. وقرن عيسى وإلياس؛ لاشتراكهما في كونهما لم يموتا بعد على ما قيل في إلياس، وقدم عيسى؛ لأنه صاحب كتاب ودائرة متسعة ﴿كُلٌّ﴾ من هؤلاء الأنبياء المذكورين سابقًا من إبراهيم إلى هنا ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ أي: من الكاملين في الصلاح، وهو الإتيان بما ينبغي، والتحرز عما لا ينبغي.
٨٥ - ﴿و﴾ هدينا ﴿زَكَرِيَّا﴾ بن آذن بن بركيا ﴿و﴾ هدينا ﴿يَحْيَى﴾ بن زكريا ﴿و﴾ هدينا ﴿عِيسَى﴾ بن مريم بنت عمران ﴿و﴾ هدينا ﴿إِلْيَاسَ﴾ بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وهذا هو الصحيح في نسبه، وقرن بين (٢) هؤلاء الأربعة لاشتراكهم في الزهد الشديد والإعراض عن الدنيا، وبدأ بزكريا ويحيى؛ لسبقهما في الزمان، وقدم زكريا، لأنه والد يحيى، فهو أصل ويحيى فرع. وقرن عيسى وإلياس؛ لاشتراكهما في كونهما لم يموتا بعد على ما قيل في إلياس، وقدم عيسى؛ لأنه صاحب كتاب ودائرة متسعة ﴿كُلٌّ﴾ من هؤلاء الأنبياء المذكورين سابقًا من إبراهيم إلى هنا ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ أي: من الكاملين في الصلاح، وهو الإتيان بما ينبغي، والتحرز عما لا ينبغي.
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
وتقدم خلاف القراء في زكريا مدًّا وقصرًا. وقرأ ابن عباس باختلاف عنه والحسن وقتادة بتسهيل همزة ﴿إِلْيَاسَ﴾.
٨٦ - ﴿و﴾ هدينا ﴿إِسْمَاعِيلَ﴾ بن إبراهيم الخليل من هاجر، وهو أكبر ولده، وقيل: هو نبي من بني إسرائيل، كان زمان طالوت، وهو المعني بقوله إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله، والقول الأول هو المشهور الصحيح، وإنما أخر ذكره إلى هنا؛ لأنه ذكر إسحاق وذكر أولاده من بعده على نسق واحد، فلهذا السبب أخر إسماعيل إلى هنا ﴿و﴾ هدينا ﴿الْيَسَعَ﴾ بن أخطوب بن العجوز، وقال زيد بن أسلم: هو يوشع بن نون.
وجمهور القراء يقرؤون: ﴿الْيَسَعَ﴾ بلام واحدة مخففًا، كأن أل أدخلت على مضارع: وسع، منهم ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر. وقرأ حمزة والكسائي هاهنا، وفي ص: ﴿والليسع﴾ على وزن فيعل نحو الضيغم. ﴿و﴾ هدينا ﴿يُونُسَ﴾ بن متى، وهي أمه، ويقال فيه: يونس بضم النون، وفتحها، وكسرها، وكذلك سين يوسف بالتثليث كما تقدم. وبفتح نون: ﴿يونَس﴾، وسين ﴿يوسَف﴾ قرأ الحسن وطلحة ويحيى والأعمش وعيسى بن عمر في جميع القرآن، ذكره أبو حيان في "البحر".
﴿و﴾ هدينا ﴿لُوطًا﴾ بن هاران أخي إبراهيم ﴿وَكُلًّا﴾ من هؤلاء الأنبياء المذكورين ﴿فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ بالنبوة والرسالة، فهم يفضلون على الملائكة والأولياء وجميع الصالحين. وفيه دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة، لعموم لفظ العالمين ما سوى الله تعالى، فيندرج في العموم الملائكة. وإنما جمع هؤلاء الأربعة؛ لأنه لم يبق لهم من الخلق أتباع ولا أشياع. واعلم (١) أن الله تعالى خص كل طائفة من الأنبياء بنوع من الكرامة والفضل، فمنهم أصول الأنبياء، وإليهم يرجع حسبهم جميعًا، وهم: نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب. ثم المراتب المعتبرة عند جمهور الخلق بعد النبوة ستة:
الأولى: مرتبة الملك والسلطان والقدرة، ذكر فيها: داود وسليمان.
٨٦ - ﴿و﴾ هدينا ﴿إِسْمَاعِيلَ﴾ بن إبراهيم الخليل من هاجر، وهو أكبر ولده، وقيل: هو نبي من بني إسرائيل، كان زمان طالوت، وهو المعني بقوله إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله، والقول الأول هو المشهور الصحيح، وإنما أخر ذكره إلى هنا؛ لأنه ذكر إسحاق وذكر أولاده من بعده على نسق واحد، فلهذا السبب أخر إسماعيل إلى هنا ﴿و﴾ هدينا ﴿الْيَسَعَ﴾ بن أخطوب بن العجوز، وقال زيد بن أسلم: هو يوشع بن نون.
وجمهور القراء يقرؤون: ﴿الْيَسَعَ﴾ بلام واحدة مخففًا، كأن أل أدخلت على مضارع: وسع، منهم ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر. وقرأ حمزة والكسائي هاهنا، وفي ص: ﴿والليسع﴾ على وزن فيعل نحو الضيغم. ﴿و﴾ هدينا ﴿يُونُسَ﴾ بن متى، وهي أمه، ويقال فيه: يونس بضم النون، وفتحها، وكسرها، وكذلك سين يوسف بالتثليث كما تقدم. وبفتح نون: ﴿يونَس﴾، وسين ﴿يوسَف﴾ قرأ الحسن وطلحة ويحيى والأعمش وعيسى بن عمر في جميع القرآن، ذكره أبو حيان في "البحر".
﴿و﴾ هدينا ﴿لُوطًا﴾ بن هاران أخي إبراهيم ﴿وَكُلًّا﴾ من هؤلاء الأنبياء المذكورين ﴿فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ بالنبوة والرسالة، فهم يفضلون على الملائكة والأولياء وجميع الصالحين. وفيه دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة، لعموم لفظ العالمين ما سوى الله تعالى، فيندرج في العموم الملائكة. وإنما جمع هؤلاء الأربعة؛ لأنه لم يبق لهم من الخلق أتباع ولا أشياع. واعلم (١) أن الله تعالى خص كل طائفة من الأنبياء بنوع من الكرامة والفضل، فمنهم أصول الأنبياء، وإليهم يرجع حسبهم جميعًا، وهم: نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب. ثم المراتب المعتبرة عند جمهور الخلق بعد النبوة ستة:
الأولى: مرتبة الملك والسلطان والقدرة، ذكر فيها: داود وسليمان.
(١) البحر المحيط والمراح.
والثانية: مرتبة البلاء الشديد والمحنة العظيمة، وذكر فيها: أيوب.
والثالثة: مرتبة الجمع بين البلاء والوصول إلى الملك، وذكر فيها: يوسف.
والرابعة: مرتبة قوة البراهين وكثرة المعجزات والقتال والصولة، وذكر فيها: موسى وهارون.
والخامسة: مرتبة الزهد الشديد، والانقطاع عن الناس للعبادة، وترك مخالطتهم، وذكر فيها: زكريا ويحيى وعيسى وإلياس.
والسادسة: مرتبة عدم الاتباع، وذكر فيها: إسماعيل واليسع ويونس ولوطًا.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات ثمانية عشر نبيًّا لم يرتبهم بحسب أزمانهم، ولا بحسب فضلهم؛ لأن الكتاب أنزل ذكرى وموعظة للناس، لا تاريخا تفصل وقائعه مرتبة بحسب وجودها.
فائدة في أعمار الأنبياء
وعاش آدم (١) تسع مئة وستين سنة. ومكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين سنة. وعاش إبراهيم مئة وخمسًا وسبعين سنة. وعاش ولده إسماعيل مئة وثلاثين سنة، وكان له حين مات أبوه تسع وثمانون سنة. وعاش أخوه إسحاق مئة وثمانين سنة، وولد بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة. وعاش يعقوب بن إسحاق مئة وسبعًا وأربعين سنة. وعاش يوسف بن يعقوب مئة وعشرين سنة. وعاش موسى مئة وعشرين سنة. وعاش داود مئة سنة. وعاش ولده سليمان نيفًا وخمسين سنة. وعاش أيوب ثلاثًا وستين سنة، وكانت مدة بلائه سبع سنين. انتهى من "التحبير في علم التفسير" للجلال السيوطي: بتصرف.
٨٧ - وقوله: ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾ إما عطف (٢) على ﴿كُلًّا﴾ فالعامل فيه ﴿فَضَّلْنَا﴾، و ﴿مِنْ﴾ تبعضية؛ أي: وفضلنا بعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم،
والثالثة: مرتبة الجمع بين البلاء والوصول إلى الملك، وذكر فيها: يوسف.
والرابعة: مرتبة قوة البراهين وكثرة المعجزات والقتال والصولة، وذكر فيها: موسى وهارون.
والخامسة: مرتبة الزهد الشديد، والانقطاع عن الناس للعبادة، وترك مخالطتهم، وذكر فيها: زكريا ويحيى وعيسى وإلياس.
والسادسة: مرتبة عدم الاتباع، وذكر فيها: إسماعيل واليسع ويونس ولوطًا.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات ثمانية عشر نبيًّا لم يرتبهم بحسب أزمانهم، ولا بحسب فضلهم؛ لأن الكتاب أنزل ذكرى وموعظة للناس، لا تاريخا تفصل وقائعه مرتبة بحسب وجودها.
فائدة في أعمار الأنبياء
وعاش آدم (١) تسع مئة وستين سنة. ومكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين سنة. وعاش إبراهيم مئة وخمسًا وسبعين سنة. وعاش ولده إسماعيل مئة وثلاثين سنة، وكان له حين مات أبوه تسع وثمانون سنة. وعاش أخوه إسحاق مئة وثمانين سنة، وولد بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة. وعاش يعقوب بن إسحاق مئة وسبعًا وأربعين سنة. وعاش يوسف بن يعقوب مئة وعشرين سنة. وعاش موسى مئة وعشرين سنة. وعاش داود مئة سنة. وعاش ولده سليمان نيفًا وخمسين سنة. وعاش أيوب ثلاثًا وستين سنة، وكانت مدة بلائه سبع سنين. انتهى من "التحبير في علم التفسير" للجلال السيوطي: بتصرف.
٨٧ - وقوله: ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾ إما عطف (٢) على ﴿كُلًّا﴾ فالعامل فيه ﴿فَضَّلْنَا﴾، و ﴿مِنْ﴾ تبعضية؛ أي: وفضلنا بعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم،
(١) التحبير في علم التفسير.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
أو على ﴿نُوحًا﴾، فالعامل فيه ﴿هَدَيْنَا﴾، و ﴿مِنْ﴾ ابتدائية، والمفعول محذوف؛ أي: وهدينا بالنبوة والإِسلام من آبائهم جماعات كثيرة: آدم وشيثًا وإدريسَ وهودًا وصالحًا، ومن ذرياتهم جماعات كثيرة: أولاد يعقوب، ومن إخوانهم جماعات كثيرة: إخوة يوسف، لا كلهم؛ إذ أن بعض هؤلاء الأقربين لم يهتد بهدي ابنه، أو أبيه أو أخيه، ألا ترى إلى أبي إبراهيم، وابن نوح، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦)﴾.
قوله: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ﴾ عطف على (١) ﴿فَضَّلْنَا﴾، وتكرير الهداية في قوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ﴾ إلخ لتكرير التأكيد وتمهيدًا لبيان ما هدوا إليه، يقال (٢): اجتبى فلان فلانًا لنفسه إذا اختاره واصطفاه، ومعنى اجتباء الله العبد: تخصيصه إياه بفيض إلهي يحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي منه، كما يحدث للأنبياء والصديقين والشهداء.
والمعنى: أي وفضلنا كلًّا من الأنبياء المذكورين على العالمين واجتبيناهم؛ أي: اصطفيناهم بالنبوة والرسالة واخترناهم بالقرب إلينا وهديناهم؛ أي: أرشدناهم ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾؛ أي: إلى دين الحق القويم الذي لا عوج فيه، وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الشرك.
٨٨ - ﴿ذَلِكَ﴾ الهدى الذي هدي به من تقدم ذكرهم من الأنبياء والرسل، فوفقوا به لإصابة الدين الحق الذي به رضا ربهم، وشرف الدنيا وكرامة الآخرة هو ﴿هُدَى اللَّهِ﴾ الخاص وتوفيقه ولطفه الذي ﴿يَهْدِي بِهِ﴾ ويوفق به ﴿مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ حتى ينيب إلى طاعته، ويخلص العمل له، ويقر بالتوحيد، ويرفض الأوثان والأصنام.
والهداية ضربان: ضرب ليس لصاحبه سعي فيه، ولا هو مما ينال بالكسب، وهو النبوة، وهو ما أشير إليه بقوله لنبيه - ﷺ -: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)﴾،
قوله: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ﴾ عطف على (١) ﴿فَضَّلْنَا﴾، وتكرير الهداية في قوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ﴾ إلخ لتكرير التأكيد وتمهيدًا لبيان ما هدوا إليه، يقال (٢): اجتبى فلان فلانًا لنفسه إذا اختاره واصطفاه، ومعنى اجتباء الله العبد: تخصيصه إياه بفيض إلهي يحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي منه، كما يحدث للأنبياء والصديقين والشهداء.
والمعنى: أي وفضلنا كلًّا من الأنبياء المذكورين على العالمين واجتبيناهم؛ أي: اصطفيناهم بالنبوة والرسالة واخترناهم بالقرب إلينا وهديناهم؛ أي: أرشدناهم ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾؛ أي: إلى دين الحق القويم الذي لا عوج فيه، وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الشرك.
٨٨ - ﴿ذَلِكَ﴾ الهدى الذي هدي به من تقدم ذكرهم من الأنبياء والرسل، فوفقوا به لإصابة الدين الحق الذي به رضا ربهم، وشرف الدنيا وكرامة الآخرة هو ﴿هُدَى اللَّهِ﴾ الخاص وتوفيقه ولطفه الذي ﴿يَهْدِي بِهِ﴾ ويوفق به ﴿مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ حتى ينيب إلى طاعته، ويخلص العمل له، ويقر بالتوحيد، ويرفض الأوثان والأصنام.
والهداية ضربان: ضرب ليس لصاحبه سعي فيه، ولا هو مما ينال بالكسب، وهو النبوة، وهو ما أشير إليه بقوله لنبيه - ﷺ -: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)﴾،
(١) أبو السعود.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
وضرب آخر ينال بالكسب والاستعداد مع اللطف الإلهي والتوفيق لنيل المراد.
ثم ختم سبحانه الآية بنفي الشرك وتقرير التوحيد، فقال: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾؛ أي: ولو أشرك هؤلاء الأنبياء المهديون بربهم مع الله سبحانه وتعالى إلهًا آخر، فعبدوا معه غيره ﴿لَحَبِطَ﴾ وبطل ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: أجر أعمالهم التي كانوا يعملونها؛ أي: لبطل عنهم مع فضلهم وعلو درجاتهم أعمالهم المرضية، وعبادتهم الصالحة، فكيف بمن عداهم، والمقصود من هذا الكلام: تقرير التوحيد وإبطال طريقة الشرك إذ توحيد الله تعالى هو المزكي للأنفس، فضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدنس لها، والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه فائدة لعمل آخر يترتب عليه نجاتها وفلاحها به.
٨٩ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الأنبياء الثمانية عشر المذكورون بأسمائهم هم ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ﴾ وأعطيناهم ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: فهمًا تامًّا لما في الكتاب، وعلمًا محيطًا بأسراره. فالمراد بإيتاء الكتاب لكل منهم: تفهيم ما فيه أعم من أن يكون ذلك بالإنزال عليه ابتداءً، أو بوراثته ممن قبله، ذكره "أبو السعود" بالمعنى. والمراد بالكتاب: ما ذكر في القرآن من صحف إبراهيم وموسى، وزبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى ﴿و﴾ آتيناهم ﴿الْحُكْمَ﴾؛ أي: العلم والفقه في الدين، فإن الله تعالى جعلهم حكامًا على الناس نافذي الحكم فيهم بحسب الظاهر ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ فيقدرون بها على التصرف في ظواهرهم كالسلاطين، وفي بواطنهم وأرواحهم كالعلماء، وكل نبي من الأنبياء آتاه الله العلم الصحيح والفقه في أمور الدين وشؤون الإصلاح وفهم الكتاب الذي تعبده به، سواء أنزله عليه، أم أنزله على غيره، واختص بعضهم بإتائه الحكم صبيًّا؛ كيحيى وعيسى؛ أي: بإعطائه ملكة الحكم الصحيح في الأمور.
وأما (١) الحكم بمعنى القضاء والفصل في الخصومات، فلم يعطه إلا بعض الأنبياء، وتكون هذه العطايا الثلاث أعني: الكتاب والحكم والنبوة مرتبة بحسب
ثم ختم سبحانه الآية بنفي الشرك وتقرير التوحيد، فقال: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾؛ أي: ولو أشرك هؤلاء الأنبياء المهديون بربهم مع الله سبحانه وتعالى إلهًا آخر، فعبدوا معه غيره ﴿لَحَبِطَ﴾ وبطل ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: أجر أعمالهم التي كانوا يعملونها؛ أي: لبطل عنهم مع فضلهم وعلو درجاتهم أعمالهم المرضية، وعبادتهم الصالحة، فكيف بمن عداهم، والمقصود من هذا الكلام: تقرير التوحيد وإبطال طريقة الشرك إذ توحيد الله تعالى هو المزكي للأنفس، فضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدنس لها، والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه فائدة لعمل آخر يترتب عليه نجاتها وفلاحها به.
٨٩ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الأنبياء الثمانية عشر المذكورون بأسمائهم هم ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ﴾ وأعطيناهم ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: فهمًا تامًّا لما في الكتاب، وعلمًا محيطًا بأسراره. فالمراد بإيتاء الكتاب لكل منهم: تفهيم ما فيه أعم من أن يكون ذلك بالإنزال عليه ابتداءً، أو بوراثته ممن قبله، ذكره "أبو السعود" بالمعنى. والمراد بالكتاب: ما ذكر في القرآن من صحف إبراهيم وموسى، وزبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى ﴿و﴾ آتيناهم ﴿الْحُكْمَ﴾؛ أي: العلم والفقه في الدين، فإن الله تعالى جعلهم حكامًا على الناس نافذي الحكم فيهم بحسب الظاهر ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ فيقدرون بها على التصرف في ظواهرهم كالسلاطين، وفي بواطنهم وأرواحهم كالعلماء، وكل نبي من الأنبياء آتاه الله العلم الصحيح والفقه في أمور الدين وشؤون الإصلاح وفهم الكتاب الذي تعبده به، سواء أنزله عليه، أم أنزله على غيره، واختص بعضهم بإتائه الحكم صبيًّا؛ كيحيى وعيسى؛ أي: بإعطائه ملكة الحكم الصحيح في الأمور.
وأما (١) الحكم بمعنى القضاء والفصل في الخصومات، فلم يعطه إلا بعض الأنبياء، وتكون هذه العطايا الثلاث أعني: الكتاب والحكم والنبوة مرتبة بحسب
(١) المراغي.
458
درجات الخصوصية، فبعض النبيين أعطي الثلاث؛ كإبراهيم وموسى وعيسى وداود، قال تعالى حكاية عن إبراهيم: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا﴾، فهو قد دعا هذا الدعاء وهو رسول عليهم بعد محاجة قومه. وقال حكاية عن موسى: ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. وقال عز اسمه: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾. وقال في داود وسليمان معًا: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾. ومنهم من أوتي الحكم والنبوة، كالأنبياء الذين كانوا يحكمون بالتوراة، ومنهم من لم يؤت إلا النبوة فقط.
والخلاصة: أن كل من أوتي الكتاب.. أوتي الحكم والنبوة، وكل من أوتي الحكم ممن ذكر.. كان نبيًّا، وما كان نبي منهم كان حاكمًا ولا صاحب كتاب منزل. وهذه هي مراتب الفضل بينهم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم.
﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا﴾؛ أي: بهذه الثلاث: الكتاب والحكم والنبوة، أو بآيات القرآن ﴿هَؤُلَاءِ﴾ المشركون من أهل مكة وغيرهم ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا﴾؛ أي: برعايتها؛ أي: وفقنا للإيمان بها والقيام بحقوقها، وتولي نصر الداعي إليها. ﴿قَوْمًا﴾ كرامًا ﴿لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾؛ أي: ليسوا بكافرين بها، فمنهم من آمن بها، ومنهم من سيؤمن بها عند ما يدعى إليها. فالباء (١) في قوله: ﴿لَيْسُوا بِهَا﴾ صلة وفي ﴿بِكَافِرِينَ﴾ لتأكيد النفي. وعبارة "الجمل": قوله: ﴿لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾؛ أي: في وقت من الأوقات، بل هم مستمرون على الإيمان بها، فإن الجملة الإسمية الإيجابية كما تفيد دوام الثبوت كذلك السلبية تفيد دوام النفي بمعونة المقام، لا نفي الدوام كما حقق في مقامه. اهـ "أبو السعود" انتهت.
أخرج ابن (٢) جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ﴾ يعني: أهل مكة: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ يعني: أهل المدينة والأنصار. اهـ.
والخلاصة: أن كل من أوتي الكتاب.. أوتي الحكم والنبوة، وكل من أوتي الحكم ممن ذكر.. كان نبيًّا، وما كان نبي منهم كان حاكمًا ولا صاحب كتاب منزل. وهذه هي مراتب الفضل بينهم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم.
﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا﴾؛ أي: بهذه الثلاث: الكتاب والحكم والنبوة، أو بآيات القرآن ﴿هَؤُلَاءِ﴾ المشركون من أهل مكة وغيرهم ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا﴾؛ أي: برعايتها؛ أي: وفقنا للإيمان بها والقيام بحقوقها، وتولي نصر الداعي إليها. ﴿قَوْمًا﴾ كرامًا ﴿لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾؛ أي: ليسوا بكافرين بها، فمنهم من آمن بها، ومنهم من سيؤمن بها عند ما يدعى إليها. فالباء (١) في قوله: ﴿لَيْسُوا بِهَا﴾ صلة وفي ﴿بِكَافِرِينَ﴾ لتأكيد النفي. وعبارة "الجمل": قوله: ﴿لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾؛ أي: في وقت من الأوقات، بل هم مستمرون على الإيمان بها، فإن الجملة الإسمية الإيجابية كما تفيد دوام الثبوت كذلك السلبية تفيد دوام النفي بمعونة المقام، لا نفي الدوام كما حقق في مقامه. اهـ "أبو السعود" انتهت.
أخرج ابن (٢) جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ﴾ يعني: أهل مكة: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ يعني: أهل المدينة والأنصار. اهـ.
(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
459
والذي عليه المعول أن الموكلين بها هم أصحاب رسول الله - ﷺ - مطلقًا، فإن المهاجرين قد كانوا أول من آمن بها، وكانوا بعد الهجرة في المقدمة في كل عمل وجهاد، ولكن الأنصار هم المقصودون بالذات؛ لأن القوة والمنعة لم تكن إلا بهم، ومن ثَمَّ قال: ﴿لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ والأنصار لم يكونوا عند نزول هذه السورة مؤمنين.
وفي الآية (١) دليل على أن الله سبحانه وتعالى ينصر نبيه - ﷺ -، ويقوي دينه، ويجعله غالبًا على الأديان كلها، وقد جعل ذلك: فهو إخبار عن الغيب.
٩٠ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في الآيات السابقة، والذين وصفهم الله تعالى بإيتائهم الكتاب والحكم والنبوة هم ﴿الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى بالأخلاق الحسنة هداية كاملة ﴿فَبِهُدَاهُمُ﴾؛ أي: فبهدى هؤلاء المذكورين من الأنبياء وبأخلاقهم الشريفة دون ما يخالفه من أعمال غيرهم ﴿اقْتَدِهْ﴾؛ أي: اتبع أيها الرسول فيما يناله كسبك وعملك مما بعثت به من تبليغ الدعوة، وإقامة الدين والصبر على التكذيب والجحود، وإيذاء أهل العناد ومقلدي الآباء والأجداد، وإعطاء كل حال حقها من مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال؛ كالصبر والشكر والشجاعة والحلم والزهد والسخاء والحكم بالعدل. قال تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ وقال: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)﴾.
والخلاصة (٢): أن الله سبحانه وتعالى أمره بالاقتداء بهم في الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة من الصبر على أذى السفهاء، والعفو عنهم، وقد كان مهتديًا بهداهم كلهم، فكانت مناقبه وفضائله الكسبية أعلى من مناقبهم وفضائلهم؛ لأنه اقتدى بها كلها، فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقًا فيهم مع ما أوتيه دونهم، ومن ثَمَّ شهد له ربه بما لم يشهد به لأحد منهم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
وفي الآية (١) دليل على أن الله سبحانه وتعالى ينصر نبيه - ﷺ -، ويقوي دينه، ويجعله غالبًا على الأديان كلها، وقد جعل ذلك: فهو إخبار عن الغيب.
٩٠ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في الآيات السابقة، والذين وصفهم الله تعالى بإيتائهم الكتاب والحكم والنبوة هم ﴿الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى بالأخلاق الحسنة هداية كاملة ﴿فَبِهُدَاهُمُ﴾؛ أي: فبهدى هؤلاء المذكورين من الأنبياء وبأخلاقهم الشريفة دون ما يخالفه من أعمال غيرهم ﴿اقْتَدِهْ﴾؛ أي: اتبع أيها الرسول فيما يناله كسبك وعملك مما بعثت به من تبليغ الدعوة، وإقامة الدين والصبر على التكذيب والجحود، وإيذاء أهل العناد ومقلدي الآباء والأجداد، وإعطاء كل حال حقها من مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال؛ كالصبر والشكر والشجاعة والحلم والزهد والسخاء والحكم بالعدل. قال تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ وقال: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)﴾.
والخلاصة (٢): أن الله سبحانه وتعالى أمره بالاقتداء بهم في الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة من الصبر على أذى السفهاء، والعفو عنهم، وقد كان مهتديًا بهداهم كلهم، فكانت مناقبه وفضائله الكسبية أعلى من مناقبهم وفضائلهم؛ لأنه اقتدى بها كلها، فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقًا فيهم مع ما أوتيه دونهم، ومن ثَمَّ شهد له ربه بما لم يشهد به لأحد منهم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
460
عَظِيمٍ (٤)}، وكذلك فضائله الموهوبة هي فيه أظهر وأعظم، فبعثته عامة للناس أسودهم وأحمرهم، وبه ختمت النبوة والرسالة، وكمال الأشياء في خواتيمها صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. وبهذه (١) الآية استدل بعض العلماء على أن محمدًا - ﷺ - أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين، وذلك لأن جميع الصفات الحميدة كانت متفرقة فيهم، فيلزم أنه - ﷺ - حصلها ومتى كان الأمر كذلك.. وجب أن يقال: إنه - ﷺ - أفضل منهم بكليتهم، فكان نوح صاحب تحمل الأذى من قومه، وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة في الله تعالى؛ وكان إسحاق ويعقوب صاحبي صبر على البلاء والمحن، وكان داود وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة، وكان أيوب صاحب صبر على النبلاء، وكان يوسف جامعًا بين الصبر والشكر، وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة، وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا، وكان إسماعيل صاحب صدق، وكان يونس صاحب تضرع، وكان سيدنا محمَّد - ﷺ - جامعًا لجميع هذه الأخلاق الحميدة كلها، فكان أفضلهم ورئيسهم.
تنبيه: ذكر بعض العلماء أن الأنبياء المرسلين الذين ذكروا في القرآن، ويجب الإيمان بهم تفصيلًا خمسة وعشرون، هم الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في هذه الآيات، والسبعة الآخرون هم: آدم - أبو البشر - وإدريس وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وخاتم الجميع محمَّد - ﷺ - وعليهم أجمعين. وليس (٢) في القرآن نص قطعي صريح في رسالة آدم عليه السلام، بل مفهوم قوله: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ أن نوحًا أول نبي مرسل أوحى إليه رسالته وشرعه، وكذلك حديث الشفاعة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى تريحنا من مكاننا هذا، فيقول لهم آدم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصابه،
تنبيه: ذكر بعض العلماء أن الأنبياء المرسلين الذين ذكروا في القرآن، ويجب الإيمان بهم تفصيلًا خمسة وعشرون، هم الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في هذه الآيات، والسبعة الآخرون هم: آدم - أبو البشر - وإدريس وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وخاتم الجميع محمَّد - ﷺ - وعليهم أجمعين. وليس (٢) في القرآن نص قطعي صريح في رسالة آدم عليه السلام، بل مفهوم قوله: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ أن نوحًا أول نبي مرسل أوحى إليه رسالته وشرعه، وكذلك حديث الشفاعة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى تريحنا من مكاننا هذا، فيقول لهم آدم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصابه،
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
461
فيستحي من ربه عَزَّ وَجَلَّ، ولكن ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله إلى الأرض، فيأتون نوحًا... " إلخ.
والخلاصة: أن الآية تدل على أن أول رسول شرع الله على لسانه الأحكام والحلال والحرام هو نوح عليه السلام، ويرى بعض العلماء أن آدم كان على هدى من ربه ربى عليه أولاده، وبشرهم بالثواب وأندرهم بالعقاب. وهذه هداية من جنس هداية الله للنبيين والمرسلين التي بلغوها أقوامهم، ولا ندري كيف هدى الله تعالى آدم إليها، فإن طرق الهداية متعددة، وقد تكون هي هداية الفطرة. ونوح ومن بعده أرسلوا إلى من فسدت فطرتهم، فأعرضوا عما دعوا إليه، وهذه هي الرسالة الشرعية التي يسمى من جاء بها: رسولًا، دون الأولى.
وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - وأهل حرميهما وأبو عمرو (١): ﴿اقْتَدِهْ﴾ بالهاء ساكنة وصلًا ووقفًا، وهي هاء السكت أجروها وصلًا مجراها وقفًا وقرأ الأخوان حمزة والكسائي بحذفها وصلًا، وإثباتها وقفًا، وهذا هو القياس. وقرأ هشام: ﴿اقْتَدِهْ﴾ باختلاس الكسر في الهاء وصلًا وسكونها وقفًا. وقرأ ابن ذكوان: بكسرها ووصلها يياء وصلًا، وسكونها وقفًا، ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليط ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه، وتأويلها على أنها هاء السكت ضعيف.
﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لجميع من بعثت إليه من أهل مكة وغيرهم ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ﴾ ولا أطلب منكم ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على هذا القرآن الذي أمرت أن أدعوكم إليه وأذكركم به، أو على تبليغ الرسالة أو على التوحيد ﴿أَجْرًا﴾ وجعلًا من مال ولا غيره من المنافع من جهتكم، كما أن جميع من قبلي من الرسل لم يسألوا أقوامهم أجرًا على التبليغ والهدى، وقد تكرر هذا الأمر له - ﷺ - في سور متعددة، كقوله: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قيل (٢): لما أمره الله تعالى بالاقتداء بالنبيين، وكان من جملة هداهم عدم طلب الأجر على إيصال الدين
والخلاصة: أن الآية تدل على أن أول رسول شرع الله على لسانه الأحكام والحلال والحرام هو نوح عليه السلام، ويرى بعض العلماء أن آدم كان على هدى من ربه ربى عليه أولاده، وبشرهم بالثواب وأندرهم بالعقاب. وهذه هداية من جنس هداية الله للنبيين والمرسلين التي بلغوها أقوامهم، ولا ندري كيف هدى الله تعالى آدم إليها، فإن طرق الهداية متعددة، وقد تكون هي هداية الفطرة. ونوح ومن بعده أرسلوا إلى من فسدت فطرتهم، فأعرضوا عما دعوا إليه، وهذه هي الرسالة الشرعية التي يسمى من جاء بها: رسولًا، دون الأولى.
وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - وأهل حرميهما وأبو عمرو (١): ﴿اقْتَدِهْ﴾ بالهاء ساكنة وصلًا ووقفًا، وهي هاء السكت أجروها وصلًا مجراها وقفًا وقرأ الأخوان حمزة والكسائي بحذفها وصلًا، وإثباتها وقفًا، وهذا هو القياس. وقرأ هشام: ﴿اقْتَدِهْ﴾ باختلاس الكسر في الهاء وصلًا وسكونها وقفًا. وقرأ ابن ذكوان: بكسرها ووصلها يياء وصلًا، وسكونها وقفًا، ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليط ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه، وتأويلها على أنها هاء السكت ضعيف.
﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لجميع من بعثت إليه من أهل مكة وغيرهم ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ﴾ ولا أطلب منكم ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على هذا القرآن الذي أمرت أن أدعوكم إليه وأذكركم به، أو على تبليغ الرسالة أو على التوحيد ﴿أَجْرًا﴾ وجعلًا من مال ولا غيره من المنافع من جهتكم، كما أن جميع من قبلي من الرسل لم يسألوا أقوامهم أجرًا على التبليغ والهدى، وقد تكرر هذا الأمر له - ﷺ - في سور متعددة، كقوله: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قيل (٢): لما أمره الله تعالى بالاقتداء بالنبيين، وكان من جملة هداهم عدم طلب الأجر على إيصال الدين
(١) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
462
وإبلاغ الشريعة لا جرم اقتدى بهم، فقال: ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾.
﴿إِنْ هُوَ﴾؛ أي: ما القرآن ﴿إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ كافة؛ أي: ما هو إلا تذكير وموعظة وإرشاد للعالمين كافة، لا لكم خاصة. وفي هذا تصريح بعموم رسالته وبعثته - ﷺ - للناس جميعًا أسودهم وأحمرهم، إنسهم وجنهم.
٩١ - ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾؛ أي: وما عرفت الله سبحانه وتعالى اليهود وقومك المشركون حق معرفته، وما عظموه حق عظمته؛ أي: العظمة اللائقة به المستحقة له. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: ما عظموا الله حق عظمته. وقال أبو العالية: ما وصفوا الله حق صفته. وقال الأخفش: ما عرفوا الله حق معرفته ﴿إِذْ قَالُوا﴾؛ أي: إذ قالت اليهود لك يا محمَّد حين خاصموك ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: من كتاب، وذلك أن اليهود أنكروا إنزال الله من السماء كتابًا إنكارًا للقرآن.
أي: ما عرفوه (١) حق معرفته حيث أنكروا إرساله للرسل وإنزاله للكتب، فإن منكري الوحي الذين يكفرون برسل الله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ما عرفوا الله حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا وصفوه حق صفته، ولا آمنوا بقدرته على إفاضة ما شاء من علمه بما يصلح به الناس من الهدى والشرائع على من شاء من البشر بواسطة الملائكة، أو بتكليمه إياهم بدون واسطة، وهم قد أنكروا الوحي، وجهلوا فضل البشر، وقالوا: ما أنزل الله على أحد منهم شيئًا.
وقرأ الحسن وعيسى الثقفي: ﴿وَمَا قَدَّرُوا﴾ بالتشديد ﴿حَقَّ قَدْرِهِ﴾ بفتح الدال.
ومن عرف حكمة الله البالغة ورحمته الواسعة، وعلمه المحيط بكل شيء، ونظر في آياته في الأنفس والآفاق، وعلم أنه أحسن كل شيء خلقه، وخلق الإنسان مستعدًا للصعود إلى أعلى عليين، والهبوط إلى أسفل سافلين، وجعل كماله أثرًا لعلومه، وأعماله الكسبية التي عليها مدار حياته الدنيوية والأخروية.. علم أنَّ الإنسان مهما ارتقت معارفه لا يمكن أن يصل إلى الكمال الذي يؤهله
﴿إِنْ هُوَ﴾؛ أي: ما القرآن ﴿إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ كافة؛ أي: ما هو إلا تذكير وموعظة وإرشاد للعالمين كافة، لا لكم خاصة. وفي هذا تصريح بعموم رسالته وبعثته - ﷺ - للناس جميعًا أسودهم وأحمرهم، إنسهم وجنهم.
٩١ - ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾؛ أي: وما عرفت الله سبحانه وتعالى اليهود وقومك المشركون حق معرفته، وما عظموه حق عظمته؛ أي: العظمة اللائقة به المستحقة له. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: ما عظموا الله حق عظمته. وقال أبو العالية: ما وصفوا الله حق صفته. وقال الأخفش: ما عرفوا الله حق معرفته ﴿إِذْ قَالُوا﴾؛ أي: إذ قالت اليهود لك يا محمَّد حين خاصموك ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: من كتاب، وذلك أن اليهود أنكروا إنزال الله من السماء كتابًا إنكارًا للقرآن.
أي: ما عرفوه (١) حق معرفته حيث أنكروا إرساله للرسل وإنزاله للكتب، فإن منكري الوحي الذين يكفرون برسل الله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ما عرفوا الله حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا وصفوه حق صفته، ولا آمنوا بقدرته على إفاضة ما شاء من علمه بما يصلح به الناس من الهدى والشرائع على من شاء من البشر بواسطة الملائكة، أو بتكليمه إياهم بدون واسطة، وهم قد أنكروا الوحي، وجهلوا فضل البشر، وقالوا: ما أنزل الله على أحد منهم شيئًا.
وقرأ الحسن وعيسى الثقفي: ﴿وَمَا قَدَّرُوا﴾ بالتشديد ﴿حَقَّ قَدْرِهِ﴾ بفتح الدال.
ومن عرف حكمة الله البالغة ورحمته الواسعة، وعلمه المحيط بكل شيء، ونظر في آياته في الأنفس والآفاق، وعلم أنه أحسن كل شيء خلقه، وخلق الإنسان مستعدًا للصعود إلى أعلى عليين، والهبوط إلى أسفل سافلين، وجعل كماله أثرًا لعلومه، وأعماله الكسبية التي عليها مدار حياته الدنيوية والأخروية.. علم أنَّ الإنسان مهما ارتقت معارفه لا يمكن أن يصل إلى الكمال الذي يؤهله
(١) المراغي.
463
لنيل السعادة الأبدية إلا إذا اهتدى بهدى النبيين والمرسلين، فإن إرسالهم وإنزال الوحي عليهم وإرشادهم للناس سبب لكل ارتقاء إنساني في حياته الجسمانية والروحية، فبذلك تذهب الضغائن والأحقاد من القلوب، ويزول الخلاف والشقاق بين الناس، ويعيشون في وفاق ووئام (١) علمًا منهم بأن هناك سلطة عليا ترقب أعمالهم وتحاسبهم على النقير والقطمير في ذلك اليوم العبوس القمطرير، وتجزى كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب. ثم لقن الله رسوله - ﷺ - الرد على منكري الوحي والرسالة من مشركي قريش إثر بيان كون ذلك من شؤونه تعالى، ومن مقتضى نظام حياة البشر، وقد كانوا يعلمون أن اليهود هم أصحاب التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، فقد أرسلوا إلى المدينة وفدًا، زعيماه: النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط؛ ليسألوا الأحبار عما يعلمون عن محمَّد وصفته؛ لأنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عند غيرهم من علم الأنبياء. فلما أتوا إلى أولئك الأحبار سألوهم عنه، فأنكروا معرفته، وبذا يكون الاحتجاج عليهم بإنزال التوراة على موسى احتجاجًا ملزمًا ودافعًا لإنكارهم، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لهؤلاء اليهود والمشركين من قومك الذين أنكروا إنزال القرآن عليك بقولهم: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ على سبيل التوبيخ والقريع والتبكيت ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى﴾، أي: من أنزل التوراة التي أنزلت على موسى بن عمران؟ وفي هذا الاستفهام توبيخ لليهود بسوء جهلهم وإقدامهم على إنكار الحق الذي لا ينكر حال كون ذلك الكتاب المنزل على موسى ﴿نُورًا﴾ أي: ضياء من ظلمة الضلالة ﴿وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾؛ أي: هاديًا للناس، ومفرقًا بين الحق والباطل من دينهم، وذلك قبل أن تبدل وتغير، حال كونكم ﴿تَجْعَلُونَهُ﴾؛ أي: تجعلون ذلك الكتاب ﴿قَرَاطِيسَ﴾؛ أي: أوراقًا مفرقة في دفاتر كثيرة ﴿تُبْدُونَهَا﴾؛ أي: تظهرون تلك القراطيس المكتوبة؛ أي: يظهرون ما وافق هواهم منها ﴿وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾ من تلك القراطيس مما لا يوافق هواهم؛ كنعت محمَّد - ﷺ -،
(١) الوئام: بالهمزة بعد الواو كالوفاق وزنا ومعنى، وفي المثل: لولا الوئام لهلك الأنام؛ أي: لولا الموافقة بينهم اهـ مختار.
464
وآية الرجم. والمعنى (١): يضعون الكتاب في ورقات مفرقة، فجعلوه أجزاء نحو نيف وثمانين جزءًا، وفعلوا ذلك ليتمكنوا من إخفاء ما أرادوا إخفاءه، فيجعلون ما يريدون إخفاءه على حدة ليتمكنوا من إخفائه.
قال أبو حيان: إن كان (٢) المنكرون بني إسرائيل.. فالاحتجاج عليهم واضح؛ لأنهم ملتزمون نزول الكتاب على موسى، وإن كانوا العرب.. فوجه الاحتجاج عليهم أن إنزال الكتاب على موسى أمر مشهور منقول نقل قوم لم تكن العرب مكذبة لهم، وكانوا يقولون: لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم انتهى.
وقرأ الجمهور بالتاء الفوقانية في الأفعال الثلاثة: ﴿تبدون﴾، ﴿تخفون﴾، ﴿تجعلون﴾. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة في الأفعال الثلاثة. فأما (٣) الغيبة.. فللحمل على ما تقدم من الغيبة في قوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ﴾ إلخ. وعلى هذا فيكون في قوله: ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾ تأويلان:
أحدهما: أنه خطاب لهم أيضًا، وإنما جاء به على طريقة الالتفات.
والثاني: أنه خطاب للمؤمنين من قريش اعترض به بين الأمر بقوله: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ﴾، وبين قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾. وأما قراءة تاء الخطاب.. ففيها مناسبة لقوله: ﴿وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾ ورجحها مكي وجماعة، لذلك قال: وذلك أحسن في المشاكلة والمطابقة واتصال بعض الكلام ببعض، وهو الاختيار لذلك، ولأن أكثر القراء عليه.
وقوله: ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾ يحتمل أن يكون مستأنفًا مقررًا لما قبله، وأن يكون حالًا؛ أي: قل لهم: من أنزل الكتاب الذي جاء به، والحال أنكم قد علمتم أيها اليهود من ذلك الكتاب الذي أنزل على موسى من أمور دينكم ودنياكم ﴿مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾ من قبل إنزال ذلك الكتاب من الأحكام والحدود،
قال أبو حيان: إن كان (٢) المنكرون بني إسرائيل.. فالاحتجاج عليهم واضح؛ لأنهم ملتزمون نزول الكتاب على موسى، وإن كانوا العرب.. فوجه الاحتجاج عليهم أن إنزال الكتاب على موسى أمر مشهور منقول نقل قوم لم تكن العرب مكذبة لهم، وكانوا يقولون: لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم انتهى.
وقرأ الجمهور بالتاء الفوقانية في الأفعال الثلاثة: ﴿تبدون﴾، ﴿تخفون﴾، ﴿تجعلون﴾. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة في الأفعال الثلاثة. فأما (٣) الغيبة.. فللحمل على ما تقدم من الغيبة في قوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ﴾ إلخ. وعلى هذا فيكون في قوله: ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾ تأويلان:
أحدهما: أنه خطاب لهم أيضًا، وإنما جاء به على طريقة الالتفات.
والثاني: أنه خطاب للمؤمنين من قريش اعترض به بين الأمر بقوله: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ﴾، وبين قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾. وأما قراءة تاء الخطاب.. ففيها مناسبة لقوله: ﴿وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾ ورجحها مكي وجماعة، لذلك قال: وذلك أحسن في المشاكلة والمطابقة واتصال بعض الكلام ببعض، وهو الاختيار لذلك، ولأن أكثر القراء عليه.
وقوله: ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾ يحتمل أن يكون مستأنفًا مقررًا لما قبله، وأن يكون حالًا؛ أي: قل لهم: من أنزل الكتاب الذي جاء به، والحال أنكم قد علمتم أيها اليهود من ذلك الكتاب الذي أنزل على موسى من أمور دينكم ودنياكم ﴿مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾ من قبل إنزال ذلك الكتاب من الأحكام والحدود،
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.
465
والحلال والحرام، ونعت محمَّد - ﷺ - وصفته، فإن أجابوك وقالوا: الله أنزله.. فذاك، وإلا فـ ﴿قُلِ﴾ لهم ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى أنزله على موسى لا جواب غيره ﴿ثُمَّ﴾ بعد هذا الجواب ﴿ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ﴾؛ أي: اتركهم يا محمَّد في باطلهم الذي يخوضون فيه، وينهمكون فيه حال كونهم ﴿يَلْعَبُونَ﴾؛ أي: يستهزئون ويسخرون من الحق الذي جئت به، ويصنعون مثل صنع الصبيان الذين يلعبون حتى يأتي أمر الله فيهم.
والمعنى (١): قل لهم أيها الرسول: الله أنزله على موسى، ثم دعهم بعد هذا البيان المؤيد بالحجة والبرهان فيما يخوضون فيه من باطلهم، وكفرهم بآيات الله حال كونهم يلعبون كما يلعب الصبيان. وفي أمر الرسول بالجواب عما سئلوا عنه إيماءٌ إلى أنهم لا ينكرونه لما في ذلك من المكابرة، وما في الاعتراف من الخزي إذا هم أقروا بما يجحدون من الحق.
٩٢ - وبعد أن ذكر أنه أنزل الكتاب على موسى.. بين أنه أنزل القرآن على رسوله محمَّد - ﷺ -، فقال: ﴿وَهَذَا﴾ القرآن الذي يقرؤه محمَّد - ﷺ - ﴿كِتَابٌ﴾ عظيم ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ على محمَّد - ﷺ - بالوحي على لسان جبريل، كما أنزلنا من قبله التوراة على موسى ﴿مُبَارَكٌ﴾؛ أي: كثير الخير دائم البركة والمنفعة، يبشر بالثواب والمغفرة، ويزجر عن القبيح والمعصية.
وهذا من جملة الرد عليهم في قولهم (٢): ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى وعقبه بقوله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ﴾ يعني: على محمَّد - ﷺ -، فكيف تقولون: ما أنزل الله على بشر من شيء. ﴿مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتب الإلهية؛ أي: موافق لما في التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية في التوحيد، وتنزيه الله عما لا يليق به، وفي الدلالة على البشارة والنذارة.
وقوله: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ معطوف على معنى ما قبله؛ أي: أنزلناه للبركة والتصديق، ولتنذر به أم القرى، أو على معلوم من السياق تقديره: أنزلناه لتبشر
والمعنى (١): قل لهم أيها الرسول: الله أنزله على موسى، ثم دعهم بعد هذا البيان المؤيد بالحجة والبرهان فيما يخوضون فيه من باطلهم، وكفرهم بآيات الله حال كونهم يلعبون كما يلعب الصبيان. وفي أمر الرسول بالجواب عما سئلوا عنه إيماءٌ إلى أنهم لا ينكرونه لما في ذلك من المكابرة، وما في الاعتراف من الخزي إذا هم أقروا بما يجحدون من الحق.
٩٢ - وبعد أن ذكر أنه أنزل الكتاب على موسى.. بين أنه أنزل القرآن على رسوله محمَّد - ﷺ -، فقال: ﴿وَهَذَا﴾ القرآن الذي يقرؤه محمَّد - ﷺ - ﴿كِتَابٌ﴾ عظيم ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ على محمَّد - ﷺ - بالوحي على لسان جبريل، كما أنزلنا من قبله التوراة على موسى ﴿مُبَارَكٌ﴾؛ أي: كثير الخير دائم البركة والمنفعة، يبشر بالثواب والمغفرة، ويزجر عن القبيح والمعصية.
وهذا من جملة الرد عليهم في قولهم (٢): ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى وعقبه بقوله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ﴾ يعني: على محمَّد - ﷺ -، فكيف تقولون: ما أنزل الله على بشر من شيء. ﴿مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتب الإلهية؛ أي: موافق لما في التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية في التوحيد، وتنزيه الله عما لا يليق به، وفي الدلالة على البشارة والنذارة.
وقوله: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ معطوف على معنى ما قبله؛ أي: أنزلناه للبركة والتصديق، ولتنذر به أم القرى، أو على معلوم من السياق تقديره: أنزلناه لتبشر
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
466
به من آمن به؛ أي: ولتخوف به عذاب الله وبأسه أهل أم القرى؛ أي: أهل مكة إن لم يؤمنوا به، وخص أم القرى وهي مكة؛ لكونها أعظم القرى والبلدان شأنًا، ولكونها أول بيت وضع للناس، ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم، فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض. وسميت مكة أم القرى؛ لاجتماع الخلق إليها في حجهم، كما يجتمع الأولاد إلى الأم، فيحصل لهم الحج الذي هو أصول العبادة، والتجارة التي هي أصول أسباب المعيشة ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾؛ أي: ولتنذر به من حول أم القرى من سائر أهل الأرض مشارقها ومغاربها. وقد ثبت عموم بعثة النبي - ﷺ - في آيات كثيرة، كقوله تعالى في هذه السورة: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾؛ أي: وكل من بلغه ووصلت إليه هدايته، وقوله في سورة الفرقان: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)﴾، وقوله في سورة سبأ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾.
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ ويصدقون ﴿بِالْآخِرَةِ﴾؛ أي: بقيام الساعة والمعاد إلى الله، ويصدقون بالثواب والعقاب، والمجازاة على الأعمال ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾؛ أي: يؤمنون بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه على محمَّد - ﷺ -، ويقرون به، سواء كان من أهل الكتاب، أم من غيرهم إذا بلغتهم دعوته؛ لأنهم يجدون فيه أكمل الهداية إلى السعادة العظمى في تلك الدار، وما مثلهم إلا مثل قوم ساروا في الفيافي والقفار، وضلوا الطريق، حتى إذا كادوا يهلكون قابلهم الدليل الخرّيت العالم بخفاياها والخبير بذرعها ومسالكها، فأرشدهم إلى ما فيه نجاتهم وخلاصهم من هلاك محقق إذا هم اتبعوا مشورته وسلكوا سبيله، فقبلوا نصحه وكانوا من الفائزين، وأما الذين ينكرون البعث والجزاء.. فلا حاجة لهم إلى هدايته.
وفي هذا (١) تصريح بسبب إعراض الجمهرة من أهل مكة عن هذا الكتاب الذي فيه سعادتهم، وتنبيه إلى أنهم لما لم يعتقدوا البعث والجزاء.. امتنعوا عن قبول هذا الدين، وأنكروا نبوة محمَّد - ﷺ -. ﴿وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾؛ أي:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ ويصدقون ﴿بِالْآخِرَةِ﴾؛ أي: بقيام الساعة والمعاد إلى الله، ويصدقون بالثواب والعقاب، والمجازاة على الأعمال ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾؛ أي: يؤمنون بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه على محمَّد - ﷺ -، ويقرون به، سواء كان من أهل الكتاب، أم من غيرهم إذا بلغتهم دعوته؛ لأنهم يجدون فيه أكمل الهداية إلى السعادة العظمى في تلك الدار، وما مثلهم إلا مثل قوم ساروا في الفيافي والقفار، وضلوا الطريق، حتى إذا كادوا يهلكون قابلهم الدليل الخرّيت العالم بخفاياها والخبير بذرعها ومسالكها، فأرشدهم إلى ما فيه نجاتهم وخلاصهم من هلاك محقق إذا هم اتبعوا مشورته وسلكوا سبيله، فقبلوا نصحه وكانوا من الفائزين، وأما الذين ينكرون البعث والجزاء.. فلا حاجة لهم إلى هدايته.
وفي هذا (١) تصريح بسبب إعراض الجمهرة من أهل مكة عن هذا الكتاب الذي فيه سعادتهم، وتنبيه إلى أنهم لما لم يعتقدوا البعث والجزاء.. امتنعوا عن قبول هذا الدين، وأنكروا نبوة محمَّد - ﷺ -. ﴿وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾؛ أي:
(١) المراغي.
467
يؤمنون بهذا الكتاب، والحال أنهم يحافظون ويداومون على صلاتهم، فيؤدونها في أوقاتها، ويقيمون أركانها وآدابها، وخصت الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات؛ لأنها عماد الدين ورأس العبادات بعد الإيمان بالله، فلم يقع اسم الإيمان على شيء من العبادات الظاهرة إلا على الصلاة. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾؛ أي: صلاتكم، ولم يقع اسم الكفر على شيء من المعاصي إلا على ترك الصلاة.
قال - ﷺ -: "من ترك الصلاة متعمدًا.. فقد كفر". ولأن المحافظة عليها تدعو إلى القيام بسائر العبادات المفروضة، وترك الفحشاء وجميع المحرمات، ومحاسبة النفس على لذاتها وشهواتها.
وقرأ الجمهور (١): ﴿عَلَى صَلَاتِهِمْ﴾ بالإفراد، والمراد به الجنس، وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر: ﴿صلواتهم﴾ بالجمع، ذكر ذلك أبو علي الحسن بن محمَّد بن إبراهيم البغدادي في كتاب "الروضة" من تأليفه، وقال: تفرد بذلك عن جميع الناس.
٩٣ - والاستفهام في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ للإنكار بمعنى النفي. وهذه (٢) الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتاب على رسله؛ أي: كيف تقولون: ما أنزل الله على بشر من شيء، وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد أشد ظلمًا، وأعظم جرمًا ممن اختلق على الله كذبًا. وكذب على الله في شيء من الأشياء، كالذين قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، أو جعل لله شريكًا أو ولدًا أو صاحبة. ﴿أَوْ﴾ ممن ﴿قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ من الله شيء ﴿و﴾ الحال أنه ﴿لم يوح إليه شيء﴾ من الله، كمسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوة باليمامة، والأسود العنسي الذي ادَّعى النبوة باليمن، وطليحة الأسدي الذي ادَّعى النبوة في بني أسد، ونحوهم من كل من ادعى ذلك، أو يدعيه في أي زمان كان. ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ إليك؛
قال - ﷺ -: "من ترك الصلاة متعمدًا.. فقد كفر". ولأن المحافظة عليها تدعو إلى القيام بسائر العبادات المفروضة، وترك الفحشاء وجميع المحرمات، ومحاسبة النفس على لذاتها وشهواتها.
وقرأ الجمهور (١): ﴿عَلَى صَلَاتِهِمْ﴾ بالإفراد، والمراد به الجنس، وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر: ﴿صلواتهم﴾ بالجمع، ذكر ذلك أبو علي الحسن بن محمَّد بن إبراهيم البغدادي في كتاب "الروضة" من تأليفه، وقال: تفرد بذلك عن جميع الناس.
٩٣ - والاستفهام في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ للإنكار بمعنى النفي. وهذه (٢) الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتاب على رسله؛ أي: كيف تقولون: ما أنزل الله على بشر من شيء، وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد أشد ظلمًا، وأعظم جرمًا ممن اختلق على الله كذبًا. وكذب على الله في شيء من الأشياء، كالذين قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، أو جعل لله شريكًا أو ولدًا أو صاحبة. ﴿أَوْ﴾ ممن ﴿قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ من الله شيء ﴿و﴾ الحال أنه ﴿لم يوح إليه شيء﴾ من الله، كمسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوة باليمامة، والأسود العنسي الذي ادَّعى النبوة باليمن، وطليحة الأسدي الذي ادَّعى النبوة في بني أسد، ونحوهم من كل من ادعى ذلك، أو يدعيه في أي زمان كان. ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ إليك؛
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
468
أي: ومن أظلم ممن ادَّعى أنه قادر على إنزال مثل ما أنزل الله على رسوله، كمن قال من المشركين: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾، فقد أُثر عن النضر بن الحارث أنه كان يقول: إن القرآن أساطير الأولين، وإنه شعر لو نشاء لقلنا مثله.
ثم ذكر سبحانه وتعالى وعيده للظالمين لشدة جرمهم، وعظيم ذنبهم، فقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: ولو تبصر يا محمَّد، أو أيها المخاطب، إذ يكون الظالمون سواءٌ كانوا ممن ذكر في الآية، أو من غيرهم ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ وسكراته، وما يتقدمها من شدائد وآلام تحيط بهم، كما تحيط غمرات الماء الغرقى، وجواب ﴿لو﴾ محذوف تقديره: لرأيت ما لا سبيل إلى وصفه، ولا قدرة للبيان على تجلي كنهه وحقيقته ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي والحال أن ملائكة الموت باسطوا أيديهم ومادوها إليهم؛ لقبض أرواحهم الخبيثة بالعنف والضرب، كما قال: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾.
ثم حكى سبحانه وتعالى أمر الملائكة لهم على سبيل التهكم والتوبيخ حين بسط أيديهم لقبض أرواحهم ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾؛ أي: حالة كون الملائكة قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، أو أخرجوها من أبدانكم لنقبضها. قال صاحب "الكشاف": هذا (١) تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح، يبسط يده إلى من له عليه الحق ليعنف عليه في المطالبة، ولا يمهله، ويقول له: أخرج ما لي عليك الساعة، ولا أريم - لا أبرح - مكاني حتى أنزعه من أحداقك. انتهى.
ويرى بعضهم أنه لا داعي للعدول عن الحقيقة إلى التمثيل، فربما تمثل الملائكة للبشر بمثل صورهم، وتخاطبهم بمثل كلامهم، فهي إذًا ممكنة على الحقيقة، فلا معدل عنها. وحالة كون الملائكة قائلين لهم وقت الموت: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾؛ أي: في هذا اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، تجزون وتلقون عذاب الذل والخزي والإهانة جزاء ظلمكم لأنفسكم.
ثم ذكر سبحانه وتعالى وعيده للظالمين لشدة جرمهم، وعظيم ذنبهم، فقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: ولو تبصر يا محمَّد، أو أيها المخاطب، إذ يكون الظالمون سواءٌ كانوا ممن ذكر في الآية، أو من غيرهم ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ وسكراته، وما يتقدمها من شدائد وآلام تحيط بهم، كما تحيط غمرات الماء الغرقى، وجواب ﴿لو﴾ محذوف تقديره: لرأيت ما لا سبيل إلى وصفه، ولا قدرة للبيان على تجلي كنهه وحقيقته ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي والحال أن ملائكة الموت باسطوا أيديهم ومادوها إليهم؛ لقبض أرواحهم الخبيثة بالعنف والضرب، كما قال: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾.
ثم حكى سبحانه وتعالى أمر الملائكة لهم على سبيل التهكم والتوبيخ حين بسط أيديهم لقبض أرواحهم ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾؛ أي: حالة كون الملائكة قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، أو أخرجوها من أبدانكم لنقبضها. قال صاحب "الكشاف": هذا (١) تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح، يبسط يده إلى من له عليه الحق ليعنف عليه في المطالبة، ولا يمهله، ويقول له: أخرج ما لي عليك الساعة، ولا أريم - لا أبرح - مكاني حتى أنزعه من أحداقك. انتهى.
ويرى بعضهم أنه لا داعي للعدول عن الحقيقة إلى التمثيل، فربما تمثل الملائكة للبشر بمثل صورهم، وتخاطبهم بمثل كلامهم، فهي إذًا ممكنة على الحقيقة، فلا معدل عنها. وحالة كون الملائكة قائلين لهم وقت الموت: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾؛ أي: في هذا اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، تجزون وتلقون عذاب الذل والخزي والإهانة جزاء ظلمكم لأنفسكم.
(١) الكشاف.
469
وقرأ عبد الله وعكرمة: ﴿عذاب الهوان﴾ بالألف وفتح الهاء. ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾؛ أي: بسبب قولكم مفترين على الله غير الحق، كقول بعضهم: ما أنزل الله على بشر من شيء، وقول بعض آخر: أنه أوحي إليه، ولم يوح إليه شيء، وإنكار طائفة منهم لما وصف الله به نفسه من الصفات، واتخاذ أقوام له البنين والبنات. ﴿وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ أي: وبسبب كونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله تعالى احتقارًا لمن أكرمه الله بإظهارها على يديه ولسانه.
ومعنى الآية: ولو ترى (١) يا محمَّد الظالمين وقت كونهم في شدائد الموت في الدنيا، والملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم، قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، هذا الوقت تجزون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد بسبب الافتراء على الله، والتكبر عن آيات الله.. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى أنواع الشدائد والتعذيبات في الآخرة، فأدخلوا جهنم، والملائكة باسطوا أيديهم عليهم بالعذاب مبكتين لهم، قائلين: أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشديد، هذا الوقت تجزون العذاب المشتمل على الإهانة بسبب كونكم قائلين قولًا غير الحق، وكونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله.. لرأيت أمرًا عظيمًا.
٩٤ - ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يقوله لهم يوم القيامة بعد ذكر ما تقول لهم ملائكة العذاب، فقال: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جئتمونا أيها الظالمون وحدانًا منفردين عن الأنداد والأوثان والأهل والإخوان، مجردين من الخدم والأملاك والأموال. وقرىء (٢): ﴿فراد﴾ بوزن ثلاث غير مصروف. وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة: ﴿فرادًا﴾ بالتنوين، وأبو عمرو ونافع في حكاية خارجة عنهما: ﴿فردى﴾ مثل: سَكْرى كقوله تعالى: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾.
﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾؛ أي: كما أخرجناكم أول مرة من بطون أمهاتكم
ومعنى الآية: ولو ترى (١) يا محمَّد الظالمين وقت كونهم في شدائد الموت في الدنيا، والملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم، قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، هذا الوقت تجزون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد بسبب الافتراء على الله، والتكبر عن آيات الله.. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى أنواع الشدائد والتعذيبات في الآخرة، فأدخلوا جهنم، والملائكة باسطوا أيديهم عليهم بالعذاب مبكتين لهم، قائلين: أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشديد، هذا الوقت تجزون العذاب المشتمل على الإهانة بسبب كونكم قائلين قولًا غير الحق، وكونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله.. لرأيت أمرًا عظيمًا.
٩٤ - ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يقوله لهم يوم القيامة بعد ذكر ما تقول لهم ملائكة العذاب، فقال: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جئتمونا أيها الظالمون وحدانًا منفردين عن الأنداد والأوثان والأهل والإخوان، مجردين من الخدم والأملاك والأموال. وقرىء (٢): ﴿فراد﴾ بوزن ثلاث غير مصروف. وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة: ﴿فرادًا﴾ بالتنوين، وأبو عمرو ونافع في حكاية خارجة عنهما: ﴿فردى﴾ مثل: سَكْرى كقوله تعالى: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾.
﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾؛ أي: كما أخرجناكم أول مرة من بطون أمهاتكم
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
470
حفاة عراة غلفًا، ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله في آية أخرى: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾؛ لأن المراد: لا يكلمهم تكليم إكرام ورضاء. ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ﴾ وأعطيناكم في الدنيا من الأهل والأولاد والأموال ﴿وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾؛ أي: في الدنيا، وما نرى معكم شيئًا منه؛ أي: إن ما كان شاغلًا لكم عن الإيمان بالرسل، والاهتداء بما جاءوا به من الأهالي والأولاد والأموال والخدم والحشم والأثاث والرياشي لا ينفعكم اليوم، كما كنتم تتوهمون، فهو لم يغن عنكم شيئًا، ولم يمكنكم الافتداء به أو ببعضه من عذاب الآخرة. ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ﴾؛ أي: وما رأينا وأبصرنا معكم ﴿شُفَعَاءَكُمُ﴾ من الملائكة والصالحين من البشر، ولا تماثيلهم، ولا قبورهم معكم ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ وظننتم ﴿أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ﴾ مع الله، وقد زعمتم في الدنيا أنهم شركاء لله، تدعونهم ليشفعوا لكم عنده، ويقربونكم إليه زلفى بتأثيرهم في إرادته، وحملهم إياه على ما لم تتعلق به إرادته في الأزل. وفي هذه الجملة والتي قبلها هدم لقاعدتين من قواعد الوثنية، وهما: الفداء، والشفاعة.
وعزتي وجلالي ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾؛ أي: لقد انقطع اليوم ما كان بينكم أنتم وشركائكم في الدنيا، من صلات النسب والملك والولاء والصداقة ﴿و﴾ لقد ﴿ضَلَّ﴾ وغاب ﴿عَنْكُمْ﴾ أيها الظالمون ﴿مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وتظنون في الدنيا من شفاعة الشفعاء، وتقريب الأولياء، وأوهام الفداء، وقد علمتم الآن بطلان غروركم واعتمادكم على غيركم.
والخلاصة: أن آمالكم قد خابت في كل ما تزعمون وتتوهمون، فلا فداء ولا شفاعة، ولا ما يغنى عنكم من عذاب الله من شيء.
وقرأ جمهور السبعة (١): ﴿بَيْنَكُمْ﴾: بالرفع على أنه اتسع في الظرف، وأسند الفعل إليه، فصار اسمًا، كما استعملوه اسمًا في قوله: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾، وكما حكى سيبويه: هو أحمر بين العينين، ورجحه الفارسي، أو على
وعزتي وجلالي ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾؛ أي: لقد انقطع اليوم ما كان بينكم أنتم وشركائكم في الدنيا، من صلات النسب والملك والولاء والصداقة ﴿و﴾ لقد ﴿ضَلَّ﴾ وغاب ﴿عَنْكُمْ﴾ أيها الظالمون ﴿مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وتظنون في الدنيا من شفاعة الشفعاء، وتقريب الأولياء، وأوهام الفداء، وقد علمتم الآن بطلان غروركم واعتمادكم على غيركم.
والخلاصة: أن آمالكم قد خابت في كل ما تزعمون وتتوهمون، فلا فداء ولا شفاعة، ولا ما يغنى عنكم من عذاب الله من شيء.
وقرأ جمهور السبعة (١): ﴿بَيْنَكُمْ﴾: بالرفع على أنه اتسع في الظرف، وأسند الفعل إليه، فصار اسمًا، كما استعملوه اسمًا في قوله: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾، وكما حكى سيبويه: هو أحمر بين العينين، ورجحه الفارسي، أو على
(١) البحر المحيط.
471
أنه أريد بالبين: الوصل؛ أي: لقد تقطع وصلكم، قاله أبو الفتح والزهراوي والمهدوي. فالبين: اسم يستعمل للوصل والفراق، فهو مشترك بينهما، كالجون للأسود والأبيض.
وقرأ نافع والكسائي وحفص: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ بفتح النون، وخرجه الأخفش على أنه فاعل، ولكنه مبني على الفتح حملًا على أكثر أحوال هذا الظرف، وقد يقال: لإضافته إلى مبني كقوله: ﴿ومِنَّادُونَ ذلك﴾ وخرجه غيره على أنه منصوب على الظرف، وفاعل ﴿تَقَطَّعَ﴾ التقطع. وقرأ عبد الله ومجاهد والأعمش: ﴿ما بينكم﴾، والمعنى: تلف وذهب ما بينكم وبين ما كنتم تزعمون، على إسناد الفعل إلى الذي بينكم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله - ﷺ - بموعظة، فقال: "أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلًا. ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ " متفق عليه.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلًا" قالت عائشة: فقلت: الرجال والنساء جميعًا، ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: "الأمر أشد من أن يهمهم ذلك". متفق عليه.
وروى الطبري بسنده عن عائشة: أنها قرأت قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، فقالت: يا رسول الله، واسوأتاه! إن الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟! فقال رسول الله - ﷺ -: "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض".
الإعراب
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)﴾.
وقرأ نافع والكسائي وحفص: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ بفتح النون، وخرجه الأخفش على أنه فاعل، ولكنه مبني على الفتح حملًا على أكثر أحوال هذا الظرف، وقد يقال: لإضافته إلى مبني كقوله: ﴿ومِنَّادُونَ ذلك﴾ وخرجه غيره على أنه منصوب على الظرف، وفاعل ﴿تَقَطَّعَ﴾ التقطع. وقرأ عبد الله ومجاهد والأعمش: ﴿ما بينكم﴾، والمعنى: تلف وذهب ما بينكم وبين ما كنتم تزعمون، على إسناد الفعل إلى الذي بينكم.
فصل في ذكر الأحاديث المناسبة للآية
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله - ﷺ - بموعظة، فقال: "أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلًا. ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ " متفق عليه.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلًا" قالت عائشة: فقلت: الرجال والنساء جميعًا، ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: "الأمر أشد من أن يهمهم ذلك". متفق عليه.
وروى الطبري بسنده عن عائشة: أنها قرأت قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، فقالت: يا رسول الله، واسوأتاه! إن الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟! فقال رسول الله - ﷺ -: "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض".
الإعراب
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)﴾.
472
﴿وَوَهَبْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿وَهَبْنَا﴾. ﴿إِسْحَاقَ﴾: مفعول به لـ ﴿وَهَبْنَا﴾. ﴿وَيَعْقُوبَ﴾: معطوف عليه، ولم ينونا؛ لأنهما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة.
فائدة: وجميع أسماء النبيين أعجمية ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة إلا سبعة مجموعة في قول بعضهم:
فهذه السبعة مصروفة؛ لأن أربعة منها عربية: وهم محمد، وصالح، وشعيب، وهود. وثلاثة منها أعجمية، ولكنها صرفت لخفتها بسكون الوسط، وهم: نوح، ولوط، وشيث صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾ عطف فعلية على اسمية. ﴿كُلًّا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿هَدَيْنَا﴾. ﴿هَدَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿وَنُوحًا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿هَدَيْنَا﴾. ﴿هَدَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿هَدَيْنَا﴾ الأولى. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور حال من ﴿نُوحًا﴾. ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿دَاوُودَ﴾ وما بعده تقديره: حالة كونهم كائنين من ذريته. وقوله: ﴿دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ﴾ معطوفات على ﴿نُوحًا﴾، ﴿وَكَذَلِكَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذَلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والتقدير: ونجزي المحسنين على إحسانهم جزاءًا مثل جزائنا لإبراهيم، والجملة مستأنفة.
﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦)﴾.
﴿وَزَكَرِيَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿زكريا ويحيى وعيسى وإلياس﴾: معطوفات على ﴿دَاوُودَ﴾. ﴿كُلٌّ﴾: مبتدأ. ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ،
فائدة: وجميع أسماء النبيين أعجمية ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة إلا سبعة مجموعة في قول بعضهم:
أَلَا إِنَّ أَسْمَاءَ النَّبِيِّيْنَ سَبْعَةٌ | لَهَا الصَّرْفُ فِيْ إِعْرَابِ مَنْ يَتَنَشَّدُ |
فَشِيْثٌ وَنُوْحٌ ثُمَّ هُوْدٌ وَصَالِحٌ | شُعَيْبٌ وَلُوْطٌ وَالنَّبِيُّ مُحَمَّدُ |
والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾ عطف فعلية على اسمية. ﴿كُلًّا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿هَدَيْنَا﴾. ﴿هَدَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿وَنُوحًا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿هَدَيْنَا﴾. ﴿هَدَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿هَدَيْنَا﴾ الأولى. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور حال من ﴿نُوحًا﴾. ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿دَاوُودَ﴾ وما بعده تقديره: حالة كونهم كائنين من ذريته. وقوله: ﴿دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ﴾ معطوفات على ﴿نُوحًا﴾، ﴿وَكَذَلِكَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذَلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والتقدير: ونجزي المحسنين على إحسانهم جزاءًا مثل جزائنا لإبراهيم، والجملة مستأنفة.
﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦)﴾.
﴿وَزَكَرِيَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿زكريا ويحيى وعيسى وإلياس﴾: معطوفات على ﴿دَاوُودَ﴾. ﴿كُلٌّ﴾: مبتدأ. ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ،
473
والجملة مستأنفة. ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا﴾: معطوفات أيضًا على ﴿دَاوُودَ﴾. ﴿وَكُلًّا﴾: ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿كُلًّا﴾ مفعول مقدم. ﴿فَضَّلْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: متعلق به، والجملة مستأنفة.
﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧)﴾.
﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ﴾: جار ومجرور في محل النصب معطوف على ﴿كُلًّا﴾، فالعامل فيه ﴿فَضَّلْنَا﴾، أو معطوف على ﴿نُوحًا﴾ فالعامل فيه ﴿هَدَيْنَا﴾، والتقدير: وفضلنا كلًّا منهم، وبعض أبائهم، ﴿وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾: معطوفان على ﴿آبَائِهِمْ﴾. ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَضَّلْنَا﴾، وكذلك ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ﴾ جملة معطوفة على جملة ﴿فَضَّلْنَا﴾. ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾: جار ومجرور وصفة، متعلق بـ ﴿هَدَيْنَاهُمْ﴾.
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَهْدِي﴾، والجملة الفعلية في محل (١) النصب حال من الهدى، والعامل فيه: الإشارة، ويجوز أن يكون حالًا من اسم الله تعالى، وبجوز أن يكون ﴿هُدَى اللَّهِ﴾ بدلًا من ﴿ذَلِكَ﴾، و ﴿يَهْدِي بِهِ﴾ الخبر، ذكره أبو البقاء. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَهْدِي﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّه﴾. ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿مَنْ﴾، أو من العائد المحذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يشاء هدايته من عباده. ﴿وَلَوْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿أَشْرَكُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَحَبِطَ﴾:
﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧)﴾.
﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ﴾: جار ومجرور في محل النصب معطوف على ﴿كُلًّا﴾، فالعامل فيه ﴿فَضَّلْنَا﴾، أو معطوف على ﴿نُوحًا﴾ فالعامل فيه ﴿هَدَيْنَا﴾، والتقدير: وفضلنا كلًّا منهم، وبعض أبائهم، ﴿وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾: معطوفان على ﴿آبَائِهِمْ﴾. ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَضَّلْنَا﴾، وكذلك ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ﴾ جملة معطوفة على جملة ﴿فَضَّلْنَا﴾. ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾: جار ومجرور وصفة، متعلق بـ ﴿هَدَيْنَاهُمْ﴾.
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿يَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَهْدِي﴾، والجملة الفعلية في محل (١) النصب حال من الهدى، والعامل فيه: الإشارة، ويجوز أن يكون حالًا من اسم الله تعالى، وبجوز أن يكون ﴿هُدَى اللَّهِ﴾ بدلًا من ﴿ذَلِكَ﴾، و ﴿يَهْدِي بِهِ﴾ الخبر، ذكره أبو البقاء. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَهْدِي﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّه﴾. ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿مَنْ﴾، أو من العائد المحذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يشاء هدايته من عباده. ﴿وَلَوْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿أَشْرَكُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿لَحَبِطَ﴾:
(١) العكبري.
474
اللام: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾. ﴿حَبِطَ﴾: فعل ماض. ﴿عَنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل الرفع فاعل. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. وجملة ﴿يَعْمَلُونَ﴾ في محل النصب خبر كان، وجملة كان صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كانوا يعملونه، وجملة ﴿حَبِطَ﴾ جواب ﴿لو﴾ الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لو﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: خبر، والجملة مستأنفة. ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان؛ لأن آتى بمعنى: أعطى، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾: معطوفان على ﴿الْكِتَابَ﴾. ﴿فَإِنْ﴾ الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن هؤلاء آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، وأردت بيان ما إذا كفر بها.. فأقول لك: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا﴾: ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿بِهَا﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿هَؤُلَاءِ﴾: فاعل. ﴿فَقَدْ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا، لاقترانه بـ ﴿قَدْ﴾. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وَكَّلْنَا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها. ﴿بِهَا﴾ متعلق بـ ﴿وَكَّلْنَا﴾. ﴿قَوْمًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿لَيْسُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهَا﴾، متعلق بـ ﴿كَافِرِينَ﴾. ﴿بِكَافِرِينَ﴾: خبر ليس، والباء فيه زائدة، وجملة ﴿ليس﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: خبر، والجملة مستأنفة. ﴿هَدَى اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: هداهم الله.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: خبر، والجملة مستأنفة. ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان؛ لأن آتى بمعنى: أعطى، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾: معطوفان على ﴿الْكِتَابَ﴾. ﴿فَإِنْ﴾ الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن هؤلاء آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، وأردت بيان ما إذا كفر بها.. فأقول لك: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا﴾: ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية. ﴿بِهَا﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿هَؤُلَاءِ﴾: فاعل. ﴿فَقَدْ﴾: الفاء: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا، لاقترانه بـ ﴿قَدْ﴾. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وَكَّلْنَا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها. ﴿بِهَا﴾ متعلق بـ ﴿وَكَّلْنَا﴾. ﴿قَوْمًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿لَيْسُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِهَا﴾، متعلق بـ ﴿كَافِرِينَ﴾. ﴿بِكَافِرِينَ﴾: خبر ليس، والباء فيه زائدة، وجملة ﴿ليس﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: خبر، والجملة مستأنفة. ﴿هَدَى اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: هداهم الله.
475
﴿فَبِهُدَاهُمُ﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن أولئك هم الذين هداهم الله، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول لك: ﴿بِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾: ﴿بِهُدَاهُمُ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿اقْتَدِهْ﴾. ﴿اقْتَدِهْ﴾: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، والهاء: حرف سكت مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا. بيانيًّا.
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَسْأَلُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿أَجْرًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿أَجْرًا﴾: مفعول ثانٍ لـ ﴿سأل﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿ذِكْرَى﴾: خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿ذِكْرَى﴾.
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿قَدَرُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿حَقَّ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿قَدْرِهِ﴾. مضاف إليه، والأصل: قدره الحق، ثم أضيفت الصفة إلى الموصوف، كما ذكره "أبو السعود". ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية مبني على السكون. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذْ﴾ إليها، والظرف متعلق بـ ﴿قَدَرُوا﴾، والتقدير: وما قدروا الله حق قدره وقت قولهم. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَى بَشَرٍ﴾: متعلق به. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾، و ﴿مِنْ﴾: زائدة، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَسْأَلُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿أَجْرًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿أَجْرًا﴾: مفعول ثانٍ لـ ﴿سأل﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿ذِكْرَى﴾: خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿ذِكْرَى﴾.
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿قَدَرُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿حَقَّ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿قَدْرِهِ﴾. مضاف إليه، والأصل: قدره الحق، ثم أضيفت الصفة إلى الموصوف، كما ذكره "أبو السعود". ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية مبني على السكون. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذْ﴾ إليها، والظرف متعلق بـ ﴿قَدَرُوا﴾، والتقدير: وما قدروا الله حق قدره وقت قولهم. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَى بَشَرٍ﴾: متعلق به. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾، و ﴿مِنْ﴾: زائدة، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾.
476
﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام للاستفهام الإخباري في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَنْزَلَ الْكِتَابَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية خبر ﴿مَنْ﴾ الاستفهامية، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿الَّذِي﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿الْكِتَابَ﴾. ﴿جَاءَ﴾: فعل ماض. ﴿بِهِ﴾: متعلق به. ﴿مُوسَى﴾: فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿نُورًا﴾: حال من ضميره ﴿بِهِ﴾، فالعامل فيه ﴿جَاءَ﴾، أو من ﴿الْكِتَابَ﴾، والعامل فيه: ﴿أَنْزَلَ﴾. ﴿وَهُدًى﴾: معطوف على ﴿نُورًا﴾. ﴿لِلنَّاسِ﴾ صفة لـ ﴿هُدًى﴾. ﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿قَرَاطِيسَ﴾: منصوب بنزع الخافض؛ أي: في قراطيس وأوراق، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿بِهِ﴾، أو من ﴿الْكِتَابَ﴾. ﴿تُبْدُونَهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب صفة لـ ﴿قَرَاطِيسَ﴾.
﴿وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾.
﴿وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تبدون﴾، والرابط محذوف تقديره: وتخفون كثيرًا منها، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿عُلِّمْتُمْ﴾، وجملة ﴿عُلِّمْتُمْ﴾ في محل النصب حال من فاعل ﴿تَجْعَلُونَهُ﴾. ﴿لَمْ تَعْلَمُوا﴾: جازم وفعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير المفعول المحذوف تقديره: وعلمتم ما لم تعلموه. ﴿أَنْتُمْ﴾ تأكيد لضمير الفاعل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام للاستفهام الإخباري في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَنْزَلَ الْكِتَابَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية خبر ﴿مَنْ﴾ الاستفهامية، والجملة الإسمية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿الَّذِي﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿الْكِتَابَ﴾. ﴿جَاءَ﴾: فعل ماض. ﴿بِهِ﴾: متعلق به. ﴿مُوسَى﴾: فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿نُورًا﴾: حال من ضميره ﴿بِهِ﴾، فالعامل فيه ﴿جَاءَ﴾، أو من ﴿الْكِتَابَ﴾، والعامل فيه: ﴿أَنْزَلَ﴾. ﴿وَهُدًى﴾: معطوف على ﴿نُورًا﴾. ﴿لِلنَّاسِ﴾ صفة لـ ﴿هُدًى﴾. ﴿تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿قَرَاطِيسَ﴾: منصوب بنزع الخافض؛ أي: في قراطيس وأوراق، والجملة في محل النصب حال من ضمير ﴿بِهِ﴾، أو من ﴿الْكِتَابَ﴾. ﴿تُبْدُونَهَا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب صفة لـ ﴿قَرَاطِيسَ﴾.
﴿وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾.
﴿وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تبدون﴾، والرابط محذوف تقديره: وتخفون كثيرًا منها، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿عُلِّمْتُمْ﴾، وجملة ﴿عُلِّمْتُمْ﴾ في محل النصب حال من فاعل ﴿تَجْعَلُونَهُ﴾. ﴿لَمْ تَعْلَمُوا﴾: جازم وفعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير المفعول المحذوف تقديره: وعلمتم ما لم تعلموه. ﴿أَنْتُمْ﴾ تأكيد لضمير الفاعل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":