ﰡ
فأمر نبيه بالإعراض عن الذين يخوضون في آيات الله، وذلك يدل على وجوب اجتناب مجالس الملحدين، وسائر الكفرة، عند إظهارهم الشرك والكفر وما يستحيل على الله١، ونظيره قوله تعالى :﴿ لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرَائِيلَ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ٢ ﴾.
٢ - سورة المائدة، آية ٧٨-٧٩..
قال قائلون : هي منسوخة بآيات القتال، وقال آخرون : إنها ليست منسوخة لكنها على وجه التعزيز، كقوله تعالى :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقتُ وَحِيداً٣ ﴾.
٢ - سورة الأنعام، آية ٧٠..
٣ - سورة المدثر، آية ١١..
يدُل على الكف عن سب السفهاء الذين يتسرعون إلى سبه على وجه المقابلة، لأنه بمنزلة البعث على المعصية.
قال :﴿ وإنَّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أوْلِيائِهِمْ لِجَادِلُوكُم ﴾٢ : في ذبائح المشركين، ولم تكن المناظرة في هذه المسألة ظاهرة فيما بينهم، وإنما كانت المجادلة في الميتة.
٢ - سورة الأنعام، آية ١٢١..
قال ابن عباس : كانوا يجعلون من حرثهم ومواشيهم جزءاً لله وجزءاً لشركائهم، فكان إذا خالط مما جعلوا جزءاً لشركائهم ما جعلوه لله، رجعوا فيما جعلوه لله تعالى فجعلوه لشركائهم، وكانوا إذا أجدبوا أخذوا ما جعلوه لله تعالى لأنفسهم، فنزلت الآية١.
أراد به : قتلوهم سفهاً خوف الإملاق، وحجروا على أنفسهم في أموالهم، ولم يحسوا فيه الإملاق، فأبان عن تناقض آرائهم.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : إذا أردت أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام إلى قوله :﴿ قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرمَّوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ١ ﴾.
استدل به من أوجب العشر في الخضروات، وأنه تعالى قال :﴿ وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾، والمذكور قبله الزيتون والرمان، والمذكور عقيب جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف.
ومن يخالف ذلك يقول : الظاهر منه الحبوب، فإن الحصاد لا يطلق حقيقة إلا عليه، وإنما يطلق على ما سواه مجازاً فاعلمه.
وأمكن أن يقال : إن المراد بقوله :﴿ وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ : حقه الإنفاق منه على ذويه وأقربائه وعلى نفسه، وصرفه في المصارف الواجبة، فإن ذلك بمعنى العشر أو نصف العشر، ويدل على ذلك أن الله تعالى قال :﴿ وَلاَ تُسرِفُوا إنّهُ لاَ يحِب المُسْرِفِينَ ﴾، وإنما يقال ذلك فيما ليس مقدراً، بل هو مفوض إلى اختيار الإنسان واجتهاده، فعليه أن يراعي حد الاقتصاد والاجتهاد، فأما إذا كان الواجب محدوداً مقدراً فلا يقال فيه : ولا تسرفوا، وهذا هو الظاهر من الكلام، وليس فيه دليل على العشر من الخضروات١.
احتج به كثير من السلف في إباحة ما عدا المذكور في هذه الآية.
فمنها لحوم الحمر الأهلية، روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد، إنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، قال :
قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ولكن أبى ذلك البحر يعني ابن عباس، وقرأ :﴿ قُلْ لا أَجِد فِيما أُوحيَ إليَّ مُحَرَّماً ﴾. الآية.
وعن عائشة أنها كانت لا ترى بلحوم السباع والدم يكون في أعلى العروق بأساً، وقد قرأت هذه الآية :﴿ قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمََا أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً ﴾ الآية.
واعلم أن ظاهر الآية لا يمنع من تحريم غير المذكور، إلا أنه لا يدل على أنه لا يحرم في الشرع الآن، ويجوز أن يكون قد تجدد بعده.
وقد قيل :﴿ قُلْ لا أَجِد فِيما أُوحيَ إليَّ مُحَرماً ﴾، مما كنتم تستبيحونه وتتناولونه ولا تعدونه من الخبائث إلا هذه الأمور، وإلا فقد اشتمل القرآن على أشياء محرمة كالمنخنقة والموقوذة، واشتمل الإجماع على تحريم أشياء كالقاذورات والخمر والآدمي، والأشياء التي أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها، وقد شرحنا ذلك في أصول الفقه، إلا أن ظهور١ الآية، لا يدفع قبل بيان التأويل، وعليه بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه أخذاً من هذه الآية، إلا ما دل عليه الدليل.
وبالجملة، الاتفاق على تحريم أشياء لا ذكر لها في الآية مع خصوص السبب الذي قاله المفسرون يقوي التأويل ويجوز قبول أخبار الآحاد فيه.
هذا يحتج به الشافعي، في أن من حلف لا يأكل الشحم، حنث بأكل شحم الظهور، لاستثناء الله تعالى ما على ظهورها من جملة الشحم.
إنما خص اليتيم بالذكر فيما أمرنا به من ذلك، لعجزه عن الانتصار لنفسه، وتأكد الأطماع في ماله، فلا جرم أكد النهي عن أخذ ماله بتخصيصه بالذكر.
وقوله تعالى :﴿ إلاّ بِالتّي هِيَ أَحسَنْ ﴾ : يدل على أن للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة، وجعل المراد بلوغ الأشد، وذلك هو البلوغ، لأن الأشد والكمال لا يعرف إلا بوجود الحد الشرعي وهو البلوغ.
وأبو حنيفة يقول : بلوغ الأشد : بلوغ خمس وعشرين سنة، وهذا تحكم منه لا وجه له، ولا دليل عليه لا لغة ولا شرعاً.
يدل على منع الارتياء١، والنظر مع وجود النص ومنع من الاختلاف.
وروي عن علي رضي الله عنه أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة قال :" وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي - إلى قوله - وأنا من المسلمين١ "، وروي عن عائشة : أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم قال :" سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وعلا جدك ولا إله غيرك٢ ".
والأول كان يقوله قبل أن ينزل :﴿ وسَبِّح بِحَمدِ رَبّكَ حِينَ تًقُوم٣ ﴾، فلما نزل ذلك وأمر بالتسبيح عند القيام إلى الصلاة، ترك الأول على زعم أبي حنيفة.
وأصحاب الشافعي يقولون : الأمر بالتسبيح لا ينافي الذكر عند افتتاح الصلاة، ويجوز أن يقول عند القيام : سبحان الله وبحمده، وإذا قام من القراءتين، وكذلك قوله :﴿ وسَبِّحْ بِحَمْد ربِّكَ حينَ تَقُومُ، ومِنَ اللّيلِ فَسَبِّحْهُ ﴾، وذلك يدل على ما قلناه من أن ذلك التسبيح ليس ذكراً في الصلاة.
٢ - أخرجه الإمام أحمد في مسنده..
٣ - سورة الطور، آية ٤٨..
يحتج به في عدم نفوذ تصرف زيد على عمرو، إلا ما قام الدليل عليه.
قوله تعالى :﴿ ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾، الآية :[ ١٦٤ ] : يحتج به في ألاَّ يؤاخذ زيد بفعل عمرو، وأن كل مباشر لجريمته فعليه مغبتها.