ﰡ
قال ذلك هنا، وقال بعده ﴿ وجوه يومئذ ناعمة ﴾ [ الغاشية : ٨ ] وليس بتكرار، لأن الأول في الكفار، والثاني في المؤمنين، والمراد بالوجوه فيهما جميع الأبدان( ١ )، لأن ما ذُكر من الأوصاف، لا يختصّ بالوجوه، فهو كقوله تعالى :﴿ وعنت الوجوه للحيّ القيوم ﴾ [ طه : ١١١ ] أو المراد بها الأعيان والرؤساء، كما يقال : هؤلاء وجوه القوم، ويا وجه العرب.
إن قلتَ : كيف ارتبط هذا بما قبله، وأيّ مناسبة بين الإبل، والمعطوفات عليها حتى جُمع بينهما ؟
قلتُ : أما الجواب عن الأول، لأنه لما وصف الله تعالى الجنة بما وصف، عجب الكفار من ذلك، فذكّرهم غرائب صنعه، ولأنه لما ذكر ارتفاع سُرُرها( ١ ). قالوا : كيف نصعدها ؟ فنزلت هذه الآية.
أو المعنى : أفلا ينظرون إلى الإبل نظر اعتبار، كيف خُلقت للأثقال، وحملها إلى البلاد البعيدة، وبروكها لتُحَمَّل، ونهوضها بما حملته، وسُخِّرت لكلّ من قادها، حتى الصبيّ الصغير، وأُعطيت الصبر على العطش عشرة أيام فأكثر، وجُعلت ترعى كل نبات في المفاوز، دون غيرها من الدواب، وإنما لم يذكر الفيل، والزّرافة، والكركند وغيرها، مما هو أعظم من الجمل، لأن العرب لم يروا شيئا من ذلك، ولا عرفوه.
وأما الجواب عن الثاني، فلأن الإبل كانت أنفسَ أموالهم وأكثَرَها، وإنما جمع بينها وبين ما بعدها، لأنهما جاءا على وفق عادة العرب، في انتفاعهم بالإبل أكثر، ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب، وذلك بنزول المطر من السماء، فعطفها في الذكر على الإبل، ثم لا بدّ لهم من حصن يتحصنون به، ولا شيء في ذلك لهم كالجبال، فعطفها على ما قبلها، فإذا فتّش البدويّ في نفسه، وجد هذه الأشياء حاضرة عنده على الترتيب المذكور( ٢ )، بخلاف الحضريّ.
٢ - الحكمة في تخصيص هذه الأشياء بالذكر "الإبل، السماء، الجبال، الأرض" أن العرب كانوا يسافرون كثيرا في الأودية والقفار، منفردين عن الناس، والإنسان إذا ابتعد عن المدينة أقبل على التفكر، فأوّل ما يقع بصره على البعير الذي يركبه، فيرى من خلقه وصنعه منظرا عجيبا، وإن نظر فوقه لم ير غير السماء، وما فيها من الكواكب الزهراء، وإن نظر يمينا وشمالا، لم ير غير الجبال الشاهقة أمامه، وإن نظر أسفل لم ير غير الأرض تحته، فنبّهه تعالى بهذه الأمور على قدرة خالقها ومبدعها، لأن دقة الصنعة، تدلّ على عظم الصانع، وهو الله رب العالمين..