ﰡ
تَفْسِيرُ
سُورَةِ الْغَاشِيَةِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَدْ تَقَدَّمَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الْأَعْلَى: ١] وَالْغَاشِيَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: بِمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ قال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ «١». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى نَارًا حامِيَةً (٤)تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)
الْغَاشِيَةُ: مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ لِأَنَّهَا تَغْشَى النَّاسَ وَتَعُمُّهُمْ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ تَقْرَأُ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ فَقَامَ يَسْتَمِعُ وَيَقُولُ: «نَعَمْ قَدْ جَاءَنِي» وقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ أَيْ ذَلِيلَةٌ قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخْشَعُ وَلَا يَنْفَعُهَا عَمَلُهَا.
وقوله تعالى: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ أَيْ قَدْ عَمِلَتْ عَمَلًا كَثِيرًا وَنَصَبَتْ فِيهِ وَصَلِيَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا حَامِيَةً. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يَقُولُ: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ بِدَيْرِ رَاهِبٍ، قَالَ فَنَادَاهُ يَا رَاهِبُ، فَأَشْرَفَ قَالَ فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَبْكِي، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُبْكِيكَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ:
ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى نَارًا حامِيَةً فذاك الذي أبكاني.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : قَالَ مُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ وَهُوَ سُمٌّ، وَقَالَ مَعْمَرٌ عن قتادة هُوَ الشِّبْرِقُ إِذَا يَبِسَ سُمِّي الضَّرِيعَ، وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ مِنْ شَرِّ الطَّعَامِ وَأَبْشَعِهِ وَأَخْبَثِهِ، وقوله تعالى: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ يَعْنِي لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ وَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ محذور.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ٨ الى ١٦]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢)
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)
لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْأَشْقِيَاءِ ثَنَّى بِذِكْرِ السُّعَدَاءِ فَقَالَ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ناعِمَةٌ أَيْ يُعْرَفُ النَّعِيمُ فِيهَا وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ بِسَعْيِهَا، وَقَالَ سُفْيَانُ لِسَعْيِها راضِيَةٌ قد رضيت عملها. وقوله تعالى: فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ أَيْ رَفِيعَةٌ بَهِيَّةٌ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً أَيْ لا تسمع فِي الْجَنَّةِ الَّتِي هُمْ فِيهَا كَلِمَةَ لَغْوٍ كما قال تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً [مَرْيَمَ: ٦٢] وقال تعالى: لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطَّوْرِ: ٢٣] وَقَالَ تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً [الْوَاقِعَةِ: ٢٥- ٢٦] فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ أَيْ سَارِحَةٌ وَهَذِهِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا عَيْنًا وَاحِدَةً وَإِنَّمَا هَذَا جِنْسٌ يَعْنِي فِيهَا عُيُونٌ جَارِيَاتٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرِئَ عَلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفْجُرُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ- أَوْ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ- الْمِسْكِ» فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ أَيْ عَالِيَةٌ نَاعِمَةٌ كَثِيرَةُ الْفَرْشِ مُرْتَفِعَةُ السُّمْكِ عَلَيْهَا الْحُورُ الْعِينُ، قَالُوا فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُ اللَّهِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى تِلْكَ السُّرُرِ الْعَالِيَةِ تَوَاضَعَتْ لَهُ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ يَعْنِي أَوَانِي الشُّرْبِ مُعَدَّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ أرادها من أربابها.
(٢) راجع الحاشية السابقة.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١٧ الى ٢٦]
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ بِالنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ فَإِنَّهَا خَلْقٌ عَجِيبٌ وَتَرْكِيبُهَا غَرِيبٌ، فَإِنَّهَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَلِينُ لِلْحَمْلِ الثَّقِيلِ وَتَنْقَادُ لِلْقَائِدِ الضَّعِيفِ وَتُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِوَبَرِهَا وَيُشْرَبُ لَبَنُهَا، وَنُبِّهُوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ كَانَتِ الْإِبِلُ، وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ اخْرُجُوا بِنَا حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ! أَيْ كَيْفَ رَفَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْأَرْضِ هَذَا الرَّفْعَ الْعَظِيمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ [ق: ٦].
وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ أَيْ جعلت منصوبة فإنها قَائِمَةً ثَابِتَةً رَاسِيَةً لِئَلَّا تَمِيدَ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَعَادِنِ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أَيْ كَيْفَ بُسِطَتْ وَمُدَّتْ وَمُهِّدَتْ، فَنَبَّهَ الْبَدَوِيَّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا يُشَاهِدُهُ مِنْ بَعِيرِهِ الَّذِي هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهِ وَالسَّمَاءِ الَّتِي فَوْقَ رَأْسِهِ، وَالْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَهُ وَالْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهُ عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِ ذَلِكَ وصانعه وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف، وَأَنَّهُ الْإِلَهُ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، وَهَكَذَا أَقْسَمَ ضِمَامٌ فِي سُؤَالِهِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٣٩. [.....]
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟» قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ:
«اللَّهُ» قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وزعم رسولك أن علينا زكاة أَمْوَالِنَا؟ قَالَ «صَدَقَ» قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟
قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: ثُمَّ وَلَّى فَقَالَ: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» «٢».
وقد رواه مسلم عن عمر النَّاقِدِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ بِهِ بِطُولِهِ وَقَالَ في آخره: وأنبأنا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَثِيرًا مَا كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ امْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ مَعَهَا ابْنٌ صغير لَهَا تَرْعَى غَنَمًا، فَقَالَ لَهَا ابْنُهَا: يَا أُمَّهْ مَنْ خَلَقَكِ؟ قَالَتِ: اللَّهُ. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ أَبِي؟ قَالَتِ: اللَّهُ. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَنِي؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَتِ: اللَّهُ. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْجَبَلَ؟ قَالَتِ: اللَّهُ. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ هَذِهِ الْغَنَمَ؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَالَ: فَإِنِّي لَأَسْمَعُ لِلَّهِ شَأْنًا وَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنَ الْجَبَلِ فَتَقَطَّعَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يُحَدِّثُنَا هَذَا. قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ كَثِيرًا مَا يُحَدِّثُنَا بِهَذَا، فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ الْمَدِينِيُّ ضَعَّفَهُ وَلَدُهُ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ.
وقوله تَعَالَى: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ أي فذكر يا محمد الناس بما
(٢) أخرجه البخاري في العلم باب ٦، ومسلم في الإيمان حديث ٩، ١٠، والترمذي في الزكاة باب ٢، والنسائي في الصيام باب ١.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ثُمَّ قَرَأَ: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ «١» وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ بِهِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ أَيْ تَوَلَّى عَنِ الْعَمَلِ بِأَرْكَانِهِ وَكَفَرَ بِالْحَقِّ بِجِنَانِهِ وَلِسَانِهِ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الْقِيَامَةِ: ٣١- ٣٢] وَلِهَذَا قَالَ:
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ مَرَّ عَلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَلْيَنِ كَلِمَةٍ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ»، تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا هَاهُنَا، رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وعنه سعيد بن أبي هلال، وقوله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ أَيْ: مَرْجِعَهُمْ وَمُنْقَلَبَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ أَيْ نَحْنُ نُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَنُجَازِيهِمْ بِهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًا فَشَرٌّ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
تَفْسِيرُ
سُورَةِ الْفَجْرِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قال النسائي: أنبأنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ صلاة، فجاء رجل فصلى معه، فطول
(٢) المسند ٥/ ٢٥٨.