تفسير سورة سورة الفجر من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
ﭤ
ﰀ
قوله: ﴿والفجر﴾ : جوابُ هذا القَسَم قيل: مذكورٌ وهو قولُه ﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾ [الفجر: ١٤] قاله ابن الأنباري. وقيل: محذوفٌ لدلالةِ المعنى عليه، أي: لَنُجازِيَنَّ أحدٍ بما عَمل بدليلِ تعديدِه ما فعلَ بالقرونِ الخاليةِ. وقدَّر الزمخشري: «ليُعَذِّبَنَّ» قال: «يَدُلُّ عليه ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [الآية: ٦] إلى قولِه: / ﴿فَصَبَّ﴾ [الفجر: ١٣]. وقدَّره الشيخ بما دَلَّتْ عليه خاتمةُ السورةِ قبلَه، لإِيابُهم إلينا وحِسابُهم علينا.
وقال مقاتل: «هل هنا في موضع» إنَّ «تقديرُه: إنَّ في ذلك قَسَماً لذي حِجْرٍ، ف» هل «على هذا في موضع جواب القسم» انتهى. وهذا قولٌ باطلٌ؛ لأنه لا يَصْلُح أَنْ يكونَ مُقْسَماً عليه، على تقديرِ
وقال مقاتل: «هل هنا في موضع» إنَّ «تقديرُه: إنَّ في ذلك قَسَماً لذي حِجْرٍ، ف» هل «على هذا في موضع جواب القسم» انتهى. وهذا قولٌ باطلٌ؛ لأنه لا يَصْلُح أَنْ يكونَ مُقْسَماً عليه، على تقديرِ
777
تسليمِ أنَّ التركيبَ هكذا، وإنما ذكَرْتُه للتنبيهِ على سقوطِه. وقيل: ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي: وصلاةِ الفجر أو وربِّ الفجر.
والعامَّةُ على عَدَمِ التنوينِ في «الفجر» و «الوَتْر» و «يَسْرِ». وأبو الدينار الأعرابي بتنوين الثلاثةِ. قال ابن خالَوَيْه: «هذا ما رُوي عن بعضِ العرب أنه يقفُ على أواخرِ القوافي بالتنوينِ، وإنْ كان فِعلاً، وإنْ كان فيه الألفُ واللامُ. قال الشاعر:
يعني بهذا تنوينَ الترنُّم، وهو أنَّ العربيَّ إذا أراد تَرْكَ الترنمِ وهو مَدُّ الصوتِ نَوَّن الكلمةَ، وإنما يكونُ في الرويِّ المطلقِ. وقد عاب بعضُهم قولَ النَّحْويين» تنوين الترنم «وقال: بل ينبغي أَنْ يُسَمُّوه بتنوين تَرْكِ الترنُّم، ولهذا التنوينِ قسيمٌ آخرُ يُسَمَّى» التنوينَ الغالي «، وهو ما يَلْحَقُ الرويَّ المقيَّدَ كقولِه:
٤٥٥٩ -............ خاوي المخترقْنْ
والعامَّةُ على عَدَمِ التنوينِ في «الفجر» و «الوَتْر» و «يَسْرِ». وأبو الدينار الأعرابي بتنوين الثلاثةِ. قال ابن خالَوَيْه: «هذا ما رُوي عن بعضِ العرب أنه يقفُ على أواخرِ القوافي بالتنوينِ، وإنْ كان فِعلاً، وإنْ كان فيه الألفُ واللامُ. قال الشاعر:
٤٥٥٨ - أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعتابَنْ | وقُولي إنْ أَصَبْتُ لقد أصابَنْ |
٤٥٥٩ -............ خاوي المخترقْنْ
778
على أن بعض العروضيين أنكر وجودَه. ولهذين التنوينَيْن أحكامٌ مخالفةٌ لحكمِ التنوينِ حَقَّقْتُها في» شرح التسهيل «ولله الحمد. والحاصلُ أنَّ هذا القارىءَ أجْرى الفواصلَ مُجْرى القوافي فَفَعَلَ فيها ما يَفْعل فيها. وله نظائرُ مَرَّ منها: ﴿الرسولا﴾ [الأحزاب: ٦٦] ﴿السبيلا﴾ [الأحزاب: ٦٧] ﴿الظنونا﴾ [الأحزاب: ١٠] في الأحزاب. و ﴿المتعال﴾ في الرعد [الآية: ٩] » و «يَسْر» هنا، كما سأبيِّنُه إن شاء الله تعالى. قال الزمخشري: «فإن قلتَ: فما بالُها مُنَكَّرَة مِنْ بين ما أَقْسَمَ به؟ قلت: لأنها ليالٍ مخصوصةٌ مِنْ بينِ جنس الليالي العِشْرِ بعضٌ منها، أو مخصوصةٌ بفضيلةٍ ليسَتْ في غيرها. فإنْ قلتَ: هلاَّ عُرِّفَتْ بلامِ العهدِ لأنها ليالٍ معلومةٌ. قلت: لو قيل ذلك لم تستقلَّ بمعنى الفضيلةِ التي في التنكير، ولأنَّ الأحسنَ أَنْ تكون اللاماتُ متجانِسَةً ليكون الكلامُ أبعدَ من الإِلغازِ والتَّعْمِية». قلت: يعني بتجانسِ اللاماتِ أن تكون كلُّها إمَّا للجنسِ، وإمَّا للعهدِ، والفَرَضُ أنَّ الظاهرَ أن اللاماتِ في الفجر وما معه للجنسِ، فلو جيءَ بالليالي معرفةً بلامِ العهدِ لَفاتَ التجانسُ.
779
ﭦﭧ
ﰁ
والعامَّةُ على «ليالٍ» بالتنوين، «عَشْرٍ» صفةٍ لها. وقرأ
779
ابنُ عباس «وليالِ عَشْرٍ» بالإِضافةِ. فبعضهم يكتبُ «ليالِ» في هذه القراءةِ دونَ ياءٍ، وبعضُهم قال: «وليالي» بالياء، وهو القياسُ. قيل: والمرادُ: وليالي أيام عشرٍ، وكان مِنْ حَقِّه على هذا أن يُقال: عشرةٍ؛ لأنَّ المعدودَ مذكرٌ. ويُجاب عنه: بأنَّه إذا حُذِف المعدودُ جاز الوجهان، ومنه «وأتبعه بسِتٍّ من شوال» وسَمَعَ الكسائي: «صُمْنا من الشهر خمساً».
780
ﭩﭪ
ﰂ
قوله: ﴿والوتر﴾ : قرأ الأخَوان بكسرِ الواو، والباقون بفتحها وهما لغتان كالحِبْر والحَبْر، والفتحُ لغةُ قريشٍ ومَنْ والاها، والكسرُ لغةُ تميم. وهاتان اللغتان في «الوتر» مقابلَ الشَّفْع. فأمَّا في الوِتْر بمعنى التِّرَة، أي: الذَّحْلُ فبالكسرِ وحدَه، قاله الزمخشري. ونقل الأصمعيُّ فيه اللغتين أيضاً. وقرأ أبو عمروٍ في روايةِ يونسَ عنه بفتح الواو وكسر التاء، فيحتمل أَنْ يكونَ لغةً ثالثة، وأن يكونَ نَقَل كسرةَ الراءِ إلى التاء إجراءً للوصل مُجْرى الوقفِ/.
قوله: ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ : منصوبٌ بمحذوفٍ هو فعلُ القسم، أي: أُقْسِم به وقتَ سُراه. وحَذَفَ ياءَ «يَسْري» وَقْفاً، وأثبتها
قوله: ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ : منصوبٌ بمحذوفٍ هو فعلُ القسم، أي: أُقْسِم به وقتَ سُراه. وحَذَفَ ياءَ «يَسْري» وَقْفاً، وأثبتها
780
وصلاً، نافعٌ وأبو عمروٍ، وأثبتها في الحالَيْنِ ابنُ كثير، وحَذَفَها في الحالين الباقون لسقوطِها في خَطِّ المصحفِ الكريم، وإثباتُها هو الأصلُ لأنها لامُ فعلٍ مضارعٍ مرفوعٍ، وحَذْفُها لموافقةِ المصحفِ وموافقةِ رؤوسِ الآي، وجَرْياً بالفواصلِ مَجْرى القوافي. ومَنْ فَرَّقَ بين حالَتَيْ الوقفِ والوصلِ فلأنَّ الوقفَ محلُّ استراحةٍ. ونَسَبُ السُّرى إلى الليل مجازٌ؛ إذ المرادُ: يُسْرَى فيه، قاله الأخفش. وقال غيره: المرادُ يَنْقُصُ كقوله: ﴿إِذْ أَدْبَرَ﴾ [المدثر: ٣٣]، ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧].
781
وقال مقاتل :" هل هنا في موضع " إنَّ " تقديرُه : إنَّ في ذلك قَسَماً لذي حِجْرٍ، ف " هل " على هذا في موضع جواب القسم " انتهى. وهذا قولٌ باطلٌ ؛ لأنه لا يَصْلُح أَنْ يكونَ مُقْسَماً عليه، على تقديرِ تسليمِ أنَّ التركيبَ هكذا، وإنما ذكَرْتُه للتنبيهِ على سقوطِه. وقيل : ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي : وصلاةِ الفجر أو وربِّ الفجر.
والعامَّةُ على عَدَمِ التنوينِ في " الفجر " و " الوَتْر " و " يَسْرِ ". وأبو الدينار الأعرابي بتنوين الثلاثةِ. قال ابن خالَوَيْه :" هذا ما رُوي عن بعضِ العرب أنه يقفُ على أواخرِ القوافي بالتنوينِ، وإنْ كان فِعلاً، وإنْ كان فيه الألفُ واللامُ. قال الشاعر :
يعني بهذا تنوينَ الترنُّم، وهو أنَّ العربيَّ إذا أراد تَرْكَ الترنمِ وهو مَدُّ الصوتِ نَوَّن الكلمةَ، وإنما يكونُ في الرويِّ المطلقِ. وقد عاب بعضُهم قولَ النَّحْويين " تنوين الترنم " وقال : بل ينبغي أَنْ يُسَمُّوه بتنوين تَرْكِ الترنُّم، ولهذا التنوينِ قسيمٌ آخرُ يُسَمَّى " التنوينَ الغالي "، وهو ما يَلْحَقُ الرويَّ المقيَّدَ كقولِه :
٤٥٥٩. . . . . . . . . . . . . خاوي المخترقْنْ ***
على أن بعض العروضيين أنكر وجودَه. ولهذين التنوينَيْن أحكامٌ مخالفةٌ لحكمِ التنوينِ حَقَّقْتُها في " شرح التسهيل " ولله الحمد. والحاصلُ أنَّ هذا القارىءَ أجْرى الفواصلَ مُجْرى القوافي فَفَعَلَ فيها ما يَفْعل فيها. وله نظائرُ مَرَّ منها :﴿ الرَّسُولاَ ﴾ [ الأحزاب : ٦٦ ] ﴿ السَّبِيلاْ ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ ] ﴿ الظُّنُونَاْ ﴾ [ الأحزاب : ١٠ ] في الأحزاب. و
﴿ الْمُتَعَالِ ﴾ في الرعد [ الآية : ٩ ] " و " يَسْر " هنا، كما سأبيِّنُه إن شاء الله تعالى. قال الزمخشري :" فإن قلتَ : فما بالُها مُنَكَّرَة مِنْ بين ما أَقْسَمَ به ؟ قلت : لأنها ليالٍ مخصوصةٌ مِنْ بينِ جنس الليالي العِشْرِ بعضٌ منها، أو مخصوصةٌ بفضيلةٍ ليسَتْ في غيرها. فإنْ قلتَ : هلاَّ عُرِّفَتْ بلامِ العهدِ لأنها ليالٍ معلومةٌ. قلت : لو قيل ذلك لم تستقلَّ بمعنى الفضيلةِ التي في التنكير، ولأنَّ الأحسنَ أَنْ تكون اللاماتُ متجانِسَةً ليكون الكلامُ أبعدَ من الإِلغازِ والتَّعْمِية ". قلت : يعني بتجانسِ اللاماتِ أن تكون كلُّها إمَّا للجنسِ، وإمَّا للعهدِ، والفَرَضُ أنَّ الظاهرَ أن اللاماتِ في الفجر وما معه للجنسِ، فلو جيءَ بالليالي معرفةً بلامِ العهدِ لَفاتَ التجانسُ.
قوله :﴿ إِذَا يَسْرِ ﴾ : منصوبٌ بمحذوفٍ هو فعلُ القسم، أي : أُقْسِم به وقتَ سُراه. وحَذَفَ ياءَ " يَسْري " وَقْفاً، وأثبتها وصلاً، نافعٌ وأبو عمروٍ، وأثبتها في الحالَيْنِ ابنُ كثير، وحَذَفَها في الحالين الباقون لسقوطِها في خَطِّ المصحفِ الكريم، وإثباتُها هو الأصلُ لأنها لامُ فعلٍ مضارعٍ مرفوعٍ، وحَذْفُها لموافقةِ المصحفِ وموافقةِ رؤوسِ الآي، وجَرْياً بالفواصلِ مَجْرى القوافي. ومَنْ فَرَّقَ بين حالَتَيْ الوقفِ والوصلِ فلأنَّ الوقفَ محلُّ استراحةٍ. ونَسَبُ السُّرى إلى الليل مجازٌ ؛ إذ المرادُ : يُسْرَى فيه، قاله الأخفش. وقال غيره : المرادُ يَنْقُصُ كقوله :﴿ إِذْ أَدْبَرَ ﴾
[ المدثر : ٣٣ ]، ﴿ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [ التكوير : ١٧ ].
والعامَّةُ على عَدَمِ التنوينِ في " الفجر " و " الوَتْر " و " يَسْرِ ". وأبو الدينار الأعرابي بتنوين الثلاثةِ. قال ابن خالَوَيْه :" هذا ما رُوي عن بعضِ العرب أنه يقفُ على أواخرِ القوافي بالتنوينِ، وإنْ كان فِعلاً، وإنْ كان فيه الألفُ واللامُ. قال الشاعر :
أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعتابَنْ | وقُولي إنْ أَصَبْتُ لقد أصابَنْ |
٤٥٥٩. . . . . . . . . . . . . خاوي المخترقْنْ ***
على أن بعض العروضيين أنكر وجودَه. ولهذين التنوينَيْن أحكامٌ مخالفةٌ لحكمِ التنوينِ حَقَّقْتُها في " شرح التسهيل " ولله الحمد. والحاصلُ أنَّ هذا القارىءَ أجْرى الفواصلَ مُجْرى القوافي فَفَعَلَ فيها ما يَفْعل فيها. وله نظائرُ مَرَّ منها :﴿ الرَّسُولاَ ﴾ [ الأحزاب : ٦٦ ] ﴿ السَّبِيلاْ ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ ] ﴿ الظُّنُونَاْ ﴾ [ الأحزاب : ١٠ ] في الأحزاب. و
﴿ الْمُتَعَالِ ﴾ في الرعد [ الآية : ٩ ] " و " يَسْر " هنا، كما سأبيِّنُه إن شاء الله تعالى. قال الزمخشري :" فإن قلتَ : فما بالُها مُنَكَّرَة مِنْ بين ما أَقْسَمَ به ؟ قلت : لأنها ليالٍ مخصوصةٌ مِنْ بينِ جنس الليالي العِشْرِ بعضٌ منها، أو مخصوصةٌ بفضيلةٍ ليسَتْ في غيرها. فإنْ قلتَ : هلاَّ عُرِّفَتْ بلامِ العهدِ لأنها ليالٍ معلومةٌ. قلت : لو قيل ذلك لم تستقلَّ بمعنى الفضيلةِ التي في التنكير، ولأنَّ الأحسنَ أَنْ تكون اللاماتُ متجانِسَةً ليكون الكلامُ أبعدَ من الإِلغازِ والتَّعْمِية ". قلت : يعني بتجانسِ اللاماتِ أن تكون كلُّها إمَّا للجنسِ، وإمَّا للعهدِ، والفَرَضُ أنَّ الظاهرَ أن اللاماتِ في الفجر وما معه للجنسِ، فلو جيءَ بالليالي معرفةً بلامِ العهدِ لَفاتَ التجانسُ.
قوله :﴿ إِذَا يَسْرِ ﴾ : منصوبٌ بمحذوفٍ هو فعلُ القسم، أي : أُقْسِم به وقتَ سُراه. وحَذَفَ ياءَ " يَسْري " وَقْفاً، وأثبتها وصلاً، نافعٌ وأبو عمروٍ، وأثبتها في الحالَيْنِ ابنُ كثير، وحَذَفَها في الحالين الباقون لسقوطِها في خَطِّ المصحفِ الكريم، وإثباتُها هو الأصلُ لأنها لامُ فعلٍ مضارعٍ مرفوعٍ، وحَذْفُها لموافقةِ المصحفِ وموافقةِ رؤوسِ الآي، وجَرْياً بالفواصلِ مَجْرى القوافي. ومَنْ فَرَّقَ بين حالَتَيْ الوقفِ والوصلِ فلأنَّ الوقفَ محلُّ استراحةٍ. ونَسَبُ السُّرى إلى الليل مجازٌ ؛ إذ المرادُ : يُسْرَى فيه، قاله الأخفش. وقال غيره : المرادُ يَنْقُصُ كقوله :﴿ إِذْ أَدْبَرَ ﴾
[ المدثر : ٣٣ ]، ﴿ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [ التكوير : ١٧ ].
قوله: ﴿لِّذِى حِجْرٍ﴾ : الحِجْرُ: العقل. وتقدَّم الكلامُ عليه.
قوله: ﴿بِعَادٍ إِرَمَ﴾ : قرأ العامَّةُ «بعادٍ» مصروفاً «إرَمَ» بكسرِ الهمزة وفتح الراءِ والميم، ف «عاد» اسمٌ لرجلٍ في الأصل، ثم أُطْلِقَ على القبيلة أو الحيِّ، وقد تقدَّم الكلامُ عليه. وأمَّا «إرَمُ» فقيل: هو اسمُ قبيلةٍ. وقيل: اسمُ مدينةٍ: واخْتُلف في التفسير في تعيينِها. فإن كانَتْ اسمَ قبيلةٍ كانت بدلاً أو عطفَ بيانٍ، أو منصوبةً بإضمارِ «أعني»، وإن كانَتْ اسمَ مدينةٍ فيقلَقُ الإِعراب من عاد،
781
وتخريجُه على حَذْفِ مضافٍ، كأنه قيل: بعادٍ أهلِ إرمَ، قاله الزمخشري، وهو حَسَنٌ ويَبْعُدُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «عاد» بدلَ اشتمال إذا لا ضميرَ، وتقديرُه قَلِقٌ. وقد يقال: إنه لَمَّا كان المَعْنِيُّ بعادٍ مدينتَهم؛ لأنَّ إرمَ قائمةٌ مَقامَ ذلك صَحَّ البدلُ. وإرمُ اسمُ جَدِّ عادٍ، / وهو عادُ بنُ عَوَضِ بنِ إرمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ. قال زهير:
وقال قيس الرقيات:
وقرأ الحسن «بعادَ» غيرَ مصروفٍ. قال الشيخ: «مُضافاً إلى إرم. فجاز أَنْ يكون» إرَمُ «أباً أو جَدَّاً أو مدينةً». قلت: يتعيَّنُ أَنْ يكونَ في قراءةِ الحسن غيرَ مضافٍ، بل يكون كما كان منوناً، ويكونُ «إرمَ»
٤٥٦٠ - وآخَرِين تَرَى الماذيَّ عِدَّتَهْمْ | مِنْ نَسْجِ داوُدَ أو ما أَوْرَثَتْ إرَمُ |
٤٥٦١ - مَجْداً تليداً بناه أوَّلُوه له | أَدْرَكَ عاداً وساماً قبلَه إرَما |
782
بدلاً أو بياناً أو منصوباً بإضمارِ أَعْني [ولو كان مضافاً لوجَبَ صَرْفُه]. وإنَّما مُنع «عاد» اعتباراً بمعنى القبيلة أو جاء على أحدِ الجائزَيْنِ في «هند» وبابِه. وقرأ الضحاك في روايةٍ «بعادَ إرم» ممنوعَ الصرفِ وفَتْحِ الهمزةِ مِنْ «أرَمَ». وعنه أيضاً «أرْمَ» بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الراءِ، وهو تخفيفُ «أَرِمَ» بكسرِ الراء، وهي لغةٌ في اسمَ المدينة، وهي قراءةُ ابنِ الزُّبَيْرِ. وعنه في «عاد» مع هذه القراءة الصَّرْفُ وتَرْكُه.
وعنه أيضاً وعن ابن عباس «أَرَمَّ» بفتح الهمزةِ والراءِ، والميمُ مشددةٌ جعلاه فعلاً ماضياً. يقال: «أَرَمَّ العَظْمُ»، أي: بَلِيَ. ورَمَّ أيضاً وأرَمَّه غيرُه، فأَفْعَلَ يكون لازماً ومتعدياً في هذا. و «ذات» على هذه القراءةِ مجرورةٌ صفةً ل «عاد»، ويكونُ قد راعى لفظَها تارةً في قولِه: «أرَمَّ»، فلم يُلْحِقْ علامةَ تأنيثٍ، ويكونُ «أرَمَّ» معترضاً بين الصفةِ والموصوفِ، أي: أَرَمَّتْ هي بمعنى: رَمَّتْ وَبِلِيَتْ، وهو داءٌ عليهم. ويجوزُ أَنْ يكونَ فاعلُ «أرَمَّ» ضميرَ الباري تعالى، والمفعولُ محذوفٌ، أي: أرَمَّها اللَّهُ. والجملةُ الدعائيةُ معترضةٌ أيضاً.
ومعناها أخرى في «ذات» فأنَّثَ. ورُوي عن ابن عباس «ذاتَ» بالنصب على أنها مفعولٌ ب «أرَمَّ». وفاعلُ «أرَمَّ» ضميرٌ يعودُ على الله تعالى، أي: أرَمَّها اللَّهُ تعالى ويكون «أرمَّ» بدلاً مِنْ «فَعَلَ ربُّكَ» أو تبييناً له.
وقرأ ابن الزبير «بعادِ أَرِمَ» بإضافةِ «عاد» إلى «أرِم» مفتوحَ الهمزةِ مكسورَ الراء، وقد تقدَّم أنه اسمُ المدينة. وقُرىء «أرِمِ ذاتِ» بإضافة «
وعنه أيضاً وعن ابن عباس «أَرَمَّ» بفتح الهمزةِ والراءِ، والميمُ مشددةٌ جعلاه فعلاً ماضياً. يقال: «أَرَمَّ العَظْمُ»، أي: بَلِيَ. ورَمَّ أيضاً وأرَمَّه غيرُه، فأَفْعَلَ يكون لازماً ومتعدياً في هذا. و «ذات» على هذه القراءةِ مجرورةٌ صفةً ل «عاد»، ويكونُ قد راعى لفظَها تارةً في قولِه: «أرَمَّ»، فلم يُلْحِقْ علامةَ تأنيثٍ، ويكونُ «أرَمَّ» معترضاً بين الصفةِ والموصوفِ، أي: أَرَمَّتْ هي بمعنى: رَمَّتْ وَبِلِيَتْ، وهو داءٌ عليهم. ويجوزُ أَنْ يكونَ فاعلُ «أرَمَّ» ضميرَ الباري تعالى، والمفعولُ محذوفٌ، أي: أرَمَّها اللَّهُ. والجملةُ الدعائيةُ معترضةٌ أيضاً.
ومعناها أخرى في «ذات» فأنَّثَ. ورُوي عن ابن عباس «ذاتَ» بالنصب على أنها مفعولٌ ب «أرَمَّ». وفاعلُ «أرَمَّ» ضميرٌ يعودُ على الله تعالى، أي: أرَمَّها اللَّهُ تعالى ويكون «أرمَّ» بدلاً مِنْ «فَعَلَ ربُّكَ» أو تبييناً له.
وقرأ ابن الزبير «بعادِ أَرِمَ» بإضافةِ «عاد» إلى «أرِم» مفتوحَ الهمزةِ مكسورَ الراء، وقد تقدَّم أنه اسمُ المدينة. وقُرىء «أرِمِ ذاتِ» بإضافة «
783
أرم» إلى «ذات». ورُوي عن مجاهدٍ «أرَمَ» بفتحتين مصدرَ أَرِمَ يَأْرَمُ، أي: هَلَكَ، فعلى هذا يكونُ منصوباً ب «فعَلَ ربُّك» نَصْبَ المصدرِ التشبيهيِّ، والتقدير: كيف أهلك ربُّك إهلاكَ ذاتِ العِمادِ؟ وهذا أغربُ الأقوالِ.
و «ذاتِ العِمادِ» إنْ كان صفةً لقبيلةٍ فمعناه: أنهم أصحابُ خيامٍ لها أَعْمِدةٌ يَظْعَنون بها، أو هو كنايةٌ عن طولِ أبدانهم كقولِه:
قاله ابن عباس، وإنْ كان صفةً للمدينة فمعناه: أنها ذاتُ عُمُدٍ من الحجارة.
و «ذاتِ العِمادِ» إنْ كان صفةً لقبيلةٍ فمعناه: أنهم أصحابُ خيامٍ لها أَعْمِدةٌ يَظْعَنون بها، أو هو كنايةٌ عن طولِ أبدانهم كقولِه:
٤٥٦٢ - رَفيعُ العِمادِ طويلُ النِّجا | دِ....................... |
784
قوله: ﴿التي لَمْ يُخْلَقْ﴾ : يجوز أَنْ يكونَ تابعاً، وأَنْ يكونَ مَقْطوعاً رفعاً أو نصباً. والعامَّةُ على «يُخْلَقْ» مبنياً للمفعولِ، «مِثْلُها» مرفوعٌ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه. وعن ابن الزبير «يَخْلُقْ» مبنياً للفاعل «مثلَها» منصوبٌ به. وعنه أيضاً «نَخْلُقْ» بنونِ العظمةِ.
قوله: ﴿وَثَمُودَ﴾ : قرأ العامَّةُ بمَنْع الصرف، وابنُ وثَّاب بصَرْفِه. وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك مُشْبعاً. و «الذين»
784
يجوز فيه ما تقدَّم في ﴿التي لَمْ يُخْلَقْ﴾. وجابَ الشيءَ يجوبُه قَطَعَه وخَرَقه جَوْباً. وجُبْتُ البلادَ: قطعتُها سَيْراً. قال الشاعر:
قوله: ﴿بالواد﴾ متعلقٌ: إمَّا ب «جابوا»، أي: فيه، وإمَّا بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «الصخر»، أو من الفاعِلين. وأثبت ياءَ «الوادي» في الحالَيْن ابنُ كثير وورشٌ، بخلافٍ عن قنبل فرُوي عنه إثباتُها في الحالَيْن، ورُوي عنه إثباتُها في الوصلِ خاصةً، وحذفها الباقون في الحالَيْن، موافقةً لخطِّ المصحفِ ومراعاةً للفواصل كما تقدَّم في ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: ٤].
٤٥٦٣ - ولاَ رأَيْتُ قَلوصاً قبلَها حَمَلَتْ | سِتِّين وَسْقاً ولا جابَتْ بها بلداً |
785
قوله: ﴿الذين طَغَوْاْ﴾ : يجوزُ فيه ما جاز في «الذين» قبله من الإِتباعِ والقطع على الذمِّ.
قوله: ﴿سَوْطَ﴾ هو الآلةُ المعروفةُ. قيل: وسُمِّيَ سَوْطاً لأنه يُساط به اللحمُ عند الضَّرْبِ، أي: يَخْتلط. قال كعب بن زهير:
قوله: ﴿سَوْطَ﴾ هو الآلةُ المعروفةُ. قيل: وسُمِّيَ سَوْطاً لأنه يُساط به اللحمُ عند الضَّرْبِ، أي: يَخْتلط. قال كعب بن زهير: