تفسير سورة العلق

حومد
تفسير سورة سورة العلق من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - الآيَاتُ الأُوْلَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ. فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدِ اعْتَادَ عَلَى أَنْ يَتَعَبَّدَ رَبَّهُ فِي غَارِ حِرَاءَ قُرْبَ مَكَّةَ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ النَّبِيُّ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَهُ المَلَكُ فَضَغَطَهُ (غَطَّهُ) حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ الجَهْدَ، ثُمَّ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، وَفِي المَرَّةِ الرَّابِعَةِ سَأَلَهُ النَّبِيُّ وَمَاذَا اقْرَأُ؟ فَقَالَ المَلَكُ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ. وَلَمَّا فَارَقَ المَلَكُ النَّبِيَّ، عَادَ النَّبِيُّ إِلَى زَوْجَتِهِ خَديجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ يَرْتَجِفُ، وَقَالَ زَمِّلُونِي زمِّلُونِي. وَلَمَّا هَدَأَ رَوْعُهُ قَصَّ عَلَى خِدِيجَةَ مَا رَأَى، وَقَالَ لَهَا خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ كَلاَّ. أَبْشِرْ فَوَاللهِ لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الزَّمَنِ.
وَمَعْنَى الآيَةِ: اقْرَأَ يَا مُحَمَّدُ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مُفَتَتِحاً قِرَاءَتكَ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي لَهُ وَحْدَهُ القُدْرَةُ عَلَى الخَلْقِ.
﴿الإنسان﴾
(٢) - وَرَبُّكَ هُوَ الذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ، السَّوِيَّ القَوِيَّ، مِنْ نُطْفَةٍ تَنْطَلِقُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ فَتَسْتَقِرُّ فِي رَحمِ الأُنْثَى، فَتَتَطَوَّرُ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَتُصْبِحُ عَلَقَةً (كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى)، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ التَّطَوُّرُ فِي خَلْقِ الإِنْسَانِ حَتَّى يَتَكَامَلَ وَيُولَدَ طِفْلاً.
العَلَقُ - اسْتِحَالَةُ المَنِيِّ إِلَى دَمٍ جَامِدٍ.
(٣) - وَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ مِنَ القِرَاءَةِ (اقْرَأْ)، وَرَبُّكَ الأَكْثَرُ كَرَماً وُجُوداً لِكُلِّ مَنْ يَرْتَجِي مِنْهُ الإِعْطَاءُ، فَهُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْكَ نِعْمَةَ القِرَاءَةِ.
(٤) - وَهُوَ تَعَالَى الذِي عَلَّم الإِنْسَانَ أنْ يَكْتُبَ بِالقَلَمِ، وَجَعَلَ الكِتَابَةَ بِالقَلَمِ وَسِيلَةً لإِدْرَاكِ الإِنْسَانِ العُلُومَ، وَالمَعَارِفَ، حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ، وَبِفَضْلِ القَلَمِ حُفِظَتِ العُلُومُ، وَانْتَقَلَتْ فِي الأَرْضِ مِنْ صِقْعٍ إِلَى صِقْعٍ.
﴿الإنسان﴾
(٥) - وَقَدْ عَلَّمَ اللهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ جَمِيعَ مَا هُوَ مُتَمَتِّعٌ بِهِ مِنَ العُلُومِ، وَكَانَ فِي بَدءِ أَمْرِهِ لاَ يَعْلَمُ شَيئاً.
﴿الإنسان﴾
(٦) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الإِنْسَانَ يَطْغَى، وَيَخْرُجُ عَنِ الحَدِّ الذِي يَجِبُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ، وَيَسْتَكْبِرُ عَنِ الخُشُوعِ وَالخُضُوعِ للهِ، وَيَتَطَاوَلُ عَلَى عِبَادِ اللهِ بِالأَذَى.
كَلاَّ - حَقّاً.
﴿رَّآهُ﴾
(٧) - وَهَذَا الإِنْسَانُ يَتَطَاوَلُ وَيَتَجَبَّرُ إِذَا رَأَى نَفْسَهُ قَدِ اسْتَغْنَى وَكَثُرَ مَالُهُ.
(٨) - ثُمَّ هَدَّدَ اللهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ الطَّاغِيَةَ المُتَطَاوَلَ المُسْتَغْنِيَ بِمَالِهِ، بِأَنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَى رَبِّهِ لاَ مَحَالَةَ، وَأَنَّهُ سَيُحَاسِبُهُ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا.
الرُجْعَى - الرُّجُوعُ فِي الآخِرَةِ لِلْحِسَابِ وَالجَزَاءِ.
﴿أَرَأَيْتَ﴾
(٩) - أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ الذِي نَسِيَ فَضْلَ اللهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالمَالِ، وَهُوَ يَنْهَى عَبْداً مُؤْمِناً عَنْ أَدَاءِ الصَّلاَةِ لِرَبِّهِ.
(١٠) - وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَالآيَاتُ قَبْلَهَا فِي أَبِي جَهْلٍ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، فَقَدْ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ عِنْدَ الكَعْبَةِ، وَتَوَعَّدَهُ إِنْ عَادَ إِلَى الصَّلاَةِ هُنَاكَ فَوَعَظَهُ اللهُ بِهَذِهِ الآيَةِ.
﴿أَرَأَيْتَ﴾
(١١) - فَمَا ظَنُّكَ إِنْ كَانَ هَذَا الذِي تَنْهَاهُ مُهْتَدِياً إِلَى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَالإِيْمَانِ الصَّحِيحِ فِي فِعْلِهِ هَذَا.
(١٢) - أَوْ كَانَ يَأْمُرُ بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَنْتَ تَزْجُرُهُ وَتَتَوَعَّدُهُ، وَتَنْهَاهُ عَنِ الصَّلاَةِ؟
(وَهُنَاكَ مَنْ قَالَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: مَاذَا لَوْ تَخَلَّقَ هَذَا الطَّاغَيَةُ بِأَخْلاَقِ المُصْلِحِينَ، وَدَعَا إِلَى البِرِّ، وَتَقْوَى اللهِ أَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَيْراً لَهُ مِنَ الكُفْرِ بِرَبِّهِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الطَّاعَةِ؟).
﴿أَرَأَيْتَ﴾
(١٣) - أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا الكَافِرِ الذِي يَكْفُرُ بِرَبِّهِ وَيُكَذِّبُ رَسُولَهُ وَيُهَدِّدُهُ إِنْ صَلَّى عِنْدَ البَيْتِ، وَيُعْرِضُ عَمّا يَدْعُوهُ الرَّسُولُ إِلَيهِ مِنَ الخَيْرِ وَالإِيْمَانِ، أَلَمْ يَكُنْ مِنَ الخَيْرِ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِاللهِ وَيَهْتَدِيَ، مَخَافَةَ أَنْ تَحِلَّ بِهِ قَارِعَةٌ أَوْ يُصِيبَهُ عَذَابٌ مِنَ اللهِ لاَ طَاقَةَ لَهُ بِدَفْعِهِ؟
(١٤) - أَمَا عَلِمَ هَذَا الطَّاغِيَةُ الذِي يَكْفُرُ بِاللهِ، وَيَنْهَى النَّاسَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَيَنْهَى رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الصَّلاَةِ عِنْدَ الكَعْبَةِ، أَنَّ اللهَ يَرَاهُ، ويَسْمَعُ كَلاَمَهُ، وَأَنَّهُ سَيْجِزِيهِ عَلَى أَفْعَالِهِ الجَزَاءَ الأَوْفَى؟
﴿لَئِن﴾
(١٥) - فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ هَذَا الطَّاغِيَةُ المُجْرِمُ عَمَّا يَفْعَلُ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُقْسِمُ عَلَى سَيَجْذِبُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ جَذْباً شَدِيداً مِنْ شَعْرِ جَبْهَتِهِ، فَيَكُبُّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى وَجْهِهِ، فَعَلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ أَلاَّ يَعْتَزَّ بِالإِثْمِ، وَألاَّ يَسْتَمِرَّ فِي غُرُورِهِ.
(وَقِيلَ بَلِ المَعْنَى هُوَ: سَنْجَعَلُ نَاصِيَةَ هَذَا المُجْرِمِ سَوْدَاءَ اللَّوْنِ، كَمَا يَسْتَحِيلُ لَوْنُ الأثَافِيِّ التِي تُوضَعُ عَلَيْهَا القُدُورُ لِلطَّبْخِ إِلَى السَّوْادِ فَتُصْبِحُ سُفُعَ اللَّوْنِ).
لَنَسْفَعَنْ - لَنَجِذِبَنَّهُ وَنَسْحَبَنَّهُ إِلَى النَّارِ.
النَّاصِيَةُ - شَعْرُ الجَبْهَةِ.
﴿كَاذِبَةٍ﴾
(١٦) - وَصَاحِبُ هَذِهِ النَّاصِيَةِ (وَهُوَ أَبُو جَهْلٍ) كَاذِبٌ فِي اغْتِرَارِهِ بِقُوَّتِهِ، وَفِي زَعْمِهِ مَا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ، وَإِنَّهُ لَمُخَطِئٌ فِي طُغْيَانِهِ، وَتَجَاوُزِهِ حَدَّهُ، وَعُتُوِّهِ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.
(١٧) - وَبَعْدَ أَنْ حَذَّرَ أَبُو جَهْلٍ النَّبِيَّ ﷺ مِنَ الصَّلاَةِ عِنْدَ البَيْتِ وَهَدَّدَهُ، رَآهُ يَوْماً يُصَلِي فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ أَنْهَكَ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَذَا وَتَوَعَّدَهُ؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وأَغَلَظَ لَهُ وَانْتَهَزَهُ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: بِأَيِّ شَيءٍ تُهَدِّدُنِي؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي أَكْثَرُ هَذَا الوَادِي نَادِياً.
نَادِيَه - أَهْلَ مَجْلِسِهِ.
(١٨) - وَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ المُجْرِمِ، مُوَبِّخاً وَمُهَدِّداً، فَقَالَ لَهُ: لِيَدْعُ مِنْ أَرَادَ مِمَّنْ يَسْمرُونَ فِي نَادِيهِ لِيَنْصُرُوهُ، وَيُسَاعِدُوهُ عَلَى مِنْعِ المُصَلِّينَ مِنَ الصَّلاةِ، وَعَلى إِيذَاءِ الصَّالِحِينَ، فَإِنْ فَعَلَ فَإِنَّهُ سَيَتَعَرَّضً لِسُخْطِ اللهِ، وَسَيَدْعُو اللهُ تَعَالَى جُنُودَهُ الذِينَ أَوْكَلَ إِلَيْهِمْ تَعْذِيبَ العُصَاةِ الطَّغَاةِ فِي النَّارِ (الزَّبَانِيَةَ) فَيُهْلكُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَتَوَلَّوْنَ عَذَابَهُ فِي النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَسَيَعْلَمُ ذَلِكَ الطَّاغِيَةُ مَنْ يَغْلِبُ: حِزْبُ اللهِ أَمْ حِزْبُهُ هُوَ؟
الزَّبَانِيَةَ - مَلاَئِكَةَ العَذَابِ فِي النَّارِ.
(١٩) - لاَ تُطِعْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا المُشْرِكَ فِيمَا يَنْهَاكَ عَنْهُ مِنَ المُدَاوَمَةِ عَلَى العِبَادَةِ، وَصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ، وَلاَ تُبَالِ بِهِ، فَإِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَنَالَكَ بِسُوءٍ، وَتَقَرَّبْ بِعِبَادِتِكَ إِلَى اللهِ، وَاللهُ حَافِظُكَ وَنَاصِرُكَ، وَهُوَ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
Icon