تفسير سورة الكوثر

التفسير المنير
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب التفسير المنير .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

خطبة الفطر والنحر، ثم ركع ركعتين، ثم انصرف إلى البدن، فنحرها.
لكن فيه غرابة شديدة كما قال السيوطي.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: بلغني أن إبراهيم ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما مات، قالت قريش: أصبح محمدا بترا، فغاظه ذلك، فنزلت: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ تعزية له.
والخلاصة: كان سبب نزول هذه السورة هو استضعاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واستصغار أتباعه، والشماتة بموت أولاده الذكور، ابنه القاسم بمكة، وإبراهيم بالمدينة، والفرح بوقوع شدة أو محنة بالمؤمنين، فنزلت هذه السورة إعلاما بأن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قوي منتصر، وأتباعه هم الغالبون، وأن موت أبناء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يضعف من شأنه، وأن مبغضيه هم المنقطعون الذين لن يبقى لهم ذكر وسمعة، البعيدون عن كل خير.
المنح المعطاة للنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
الإعراب:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إِنَّا أصله: إننا، فحذفت إحدى النونات استثقالا لاجتماع الأمثال، وذهب الأكثرون إلى أن المحذوفة هي الوسطى.
والكوثر: فوعل من الكثرة، والواو فيه زائدة، وهو نهر في الجنة، وسمي كوثرا لكثرة مائه، ورجل كوثر: كثير العطايا والخير.
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ هُوَ إما ضمير فصل لا موضع له من الإعراب، والْأَبْتَرُ خبر إِنَّ، أو مبتدأ، والْأَبْتَرُ خبره، والمبتدأ والخبر: خبر إِنَّ.
431
البلاغة:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ إِنَّا بصيغة الجمع الدالة على التعظيم. وفيه تصدير الجملة بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم لأن أصلها: إن ونحن. وعبر بصيغة الماضي المفيدة للوقوع. أَعْطَيْناكَ ولم يقل: سنعطيك، للدلالة على تحقق وقوع الوعد مبالغة، كأنه حدث ووقع.
الْكَوْثَرَ: مبالغة.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ الإضافة للتكريم والتشريف.
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ إفادة الحصر.
الْكَوْثَرَ هُوَ الْأَبْتَرُ مطابقة أو طباق لأن الْكَوْثَرَ الخير الكثير، والْأَبْتَرُ المنقطع عن كل خير.
المفردات اللغوية:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ يا محمد وقرئ (أنطيناك) الْكَوْثَرَ المفرط في كثرة الخير من العلم والعمل وشرف الدارين بالنبوة والقرآن والدين الحق والشفاعة ونحوها، ومنه نهر في الجنة كما
روي عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما رواه الإمام أحمد ومسلم ومن معهما في الحديث المتقدم عن أنس: أنه «نهر في الجنة، وعدنيه ربي، فيه خير كثير، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزّبد، حافتاه الزبرجد، وأوانيه من فضة، لا يظمأ من شرب منه»
وقيل: حوض في الجنة.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ أي داوم على الصلاة، خالصا لوجه اللَّه، شكرا لإنعامه، وقيل: المراد صلاة عيد النحر. وَانْحَرْ النّسك أو الهدي أو الأضحية، وتصدق على المحاويج (المحتاجين).
شانِئَكَ مبغضك. هُوَ الْأَبْتَرُ المنقطع عن كل خير، أو المنقطع العقب، أي الذي لا عقب له، إذ لا يبقى له نسل، ولا حسن ذكر، وأما أنت فتبقى ذرّيتك وحسن صيتك وآثار فضلك إلى يوم القيامة، ولك في الآخرة مالا يوصف.
التفسير والبيان:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أي منحناك الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى النهاية أو الغاية، ومنه نهر في الجنة، جعله اللَّه كرامة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمته.
وهذا رد على الأعداء الذين استخفوا به واستقلوه، ووصف مناقض لما عليه أهل الكفر والنفاق من البخل.
432
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك نهر الكوثر، فداوم على صلاتك المفروضة والنافلة، وأدّها خالصة لوجه ربك، وانحر ذبيحتك وأضحيتك وما هو نسك لك وهو الهدي (شاة أو بعير مقدّم للحرم) وغير ذلك من الذبائح للَّه تعالى وعلى اسم اللَّه وحده لا شريك له، فإنه هو الذي تعهدك بالتربية وأسبغ عليك نعمه دون سواه، كما جاء في آية أخرى آمرا له: قُلْ: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام ٦/ ١٦٢- ١٦٣].
وهذا على نقيض فعل المشركين الذين كانوا يصلون لغير اللَّه، وينحرون لغير اللَّه، فأمر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تكون صلاته ونحره له، وهو أيضا نقيض فعل المنافقين المراءين.
وقال قتادة وعطاء وعكرمة: المراد صلاة العيد، ونحر الأضحية.
قال ابن كثير: الصحيح أن المراد بالنحر ذبح المناسك، ولهذا
جاء ففي حديث البراء بن عازب عند البخاري ومسلم: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي العيد، ثم ينحر نسكه، ويقول: من صلّى صلاتنا، ونسك ونسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له» فقام أبو بردة بن نيار، فقال:
يا رسول اللَّه، إني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم يشتهي فيه اللحم قال: شاتك شاة لحم، قال: فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين، أفتجزئ عني؟ قال: تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك».
وقال ابن جرير في تفسير الآية: والصواب قول من قال: إن معنى ذلك:
فاجعل صلاتك كلها لربك، خالصا دون ما سواه، من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك، اجعله له دون الأوثان، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له، وخصك به.
433
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أي إن مبغضك يا محمد، ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع عن خيري الدنيا والآخرة، والذي لا يبقى ذكره بعد موته. وهذا رد على ما قال بعض المشركين وهو العاص بن وائل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما مات ابنه عبد اللَّه من خديجة: إنه أبتر، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير.
والأبتر من الرجال: الذي لا ولد له. وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل.
وهذا يعم جميع من اتصف بعداوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن ذكر في سبب النزول وغيرهم.
قال الحسن البصري رحمه اللَّه: عنى المشركون بكونه أبتر: أنه ينقطع عن المقصود قبل بلوغه، واللَّه بيّن أن خصمه هو الذي يكون كذلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت السورة على ما يأتي:
١- أعطى اللَّه عز وجل نبيه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم مناقب كثيرة، وخيرا كثيرا عظيما بالغا حد النهاية، ومنه نهر في الجنة، كما روى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي عن أنس.
وروى الترمذي أيضا عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك. وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج»
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقيل: إنه حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الموقف، كما جاء في حديث مسلم المتقدم عن أنس.
وهذان القولان هما أصح الأقوال، فيكون الكوثر شاملا نهرا في الجنة، وحوضا ترد عليه أمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم القيامة.
434
٢- أمر اللَّه تعالى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمته بأداء الصلوات المفروضة والنوافل خالصة لوجه اللَّه تعالى، دون مشاركة أحد سواه، وأمرهم أيضا بذبح المناسك مما يهدى إلى الحرم والأضاحي وجميع الذبائح للَّه تعالى، وعلى اسم اللَّه وحده لا شريك له.
٣- إن مبغضي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما جاء به من شرع ربه هم المنقطعون عن خيري الدنيا والآخرة، والذين لا يبقى لهم ذكر مسموع بعد موتهم لأنهم لم يؤمنوا برسالة الحق، ولم يعملوا من أجل الحق والخير المحض للَّه سبحانه وتعالى.
هذا.. وقد ذكر الرازي رحمه اللَّه أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور، وأورد ما شرف اللَّه به نبيه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمته من الفضائل والمزايا والمناقب في سورة الأضحى والانشراح والتين والعلق والقدر والبينة والزلزال والعاديات والقارعة والتكاثر والعصر والهمزة والفيل وقريش، ثم الكوثر، فليرجع إليه، فإنه كلام رائع «١».
وروي عن علي رضي اللَّه عنه فيما خرّجه الدارقطني في قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
وقد اختلف المالكية في هذه الهيئة، والصحيح كما قال القرطبي أن المصلي يفعل ذلك في الفريضة والنافلة لأنه
ثبت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده اليمنى على اليسرى، من حديث وائل بن حجر وغيره.
وبه قال مالك وأحمد وإسحاق والشافعي وأصحاب الرأي. واستحب جماعة إرسال اليد «٢».
والموضع الذي توضع عليه اليد مختلف فيه،
فروي عن علي بن أبي طالب أنه وضعهما على الصدر.
وقال سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل: فوق السّرّة، وقال: لا بأس إن كانت تحت السرة.
(١) تفسير الرازي: ٣٢/ ١١٨- ١١٩ [.....]
(٢) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٢٠ وما بعدها.
435
وأما رفع اليدين في التكبير عند الافتتاح والركوع والرفع من الركوع والسجود فمختلف فيه أيضا. والصواب ما
في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال: «رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى تكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، وكان يفعل ذلك حين يكبّر للركوع، ويفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع، ويقول: سمع اللَّه لمن حمده، ولا يفعل ذلك حين يرفع رأسه من السجود».
قال ابن المنذر: وهذا قول الليث بن سعد، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وحكى ابن وهب عن مالك هذا القول، وبه أقول لأنه الثابت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقالت طائفة: يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة، ولا يرفع فيما سوى ذلك. هذا قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي «١».
(١) المرجع والمكان السابق.
436

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الكافرون
مكيّة، وهي ست آيات.
تسميتها:
سميت سورة الكافرون لأن اللَّه تعالى أمر نبيه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن يخاطب الكافرين بأنه لا يعبد ما يعبدون من الأصنام والأوثان: قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وتسمى أيضا سورة المنابذة، وسورة الإخلاص، والمقشقشة.
مناسبتها لما قبلها:
أمر اللَّه نبيه في السورة السابقة بإخلاص العبادة للَّه وحده لا شريك له، وفي هذه السورة سورة التوحيد والبراءة من الشرك تصريح باستقلال عبادته عن عبادة الكفار، فهو لا يعبد إلا ربه، ولا يعبد ما يعبدون من الأوثان والأصنام، وبالغ في ذلك فكرّره وأكّده، وانتهى إلى أن له دينه، ولهم دينهم.
ما اشتملت عليه السورة:
هذه السورة المكية- سورة البراءة من عمل المشركين والإخلاص في العمل للَّه تعالى، وضعت الحد الفاصل النهائي بين الإيمان والكفر، وبين أهل الإيمان وعبدة الأوثان، فحينما طلب المشركون المهادنة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، نزلت السورة تقطع أطماع الكفار الرخيصة، وتفصل النزاع بين فريقي المؤمنين والكافرين إلى الأبد.
437
فضلها:
ثبت في صحيح مسلم عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ بهذه السورة وب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في ركعتي الطواف.
وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ بهما في ركعتي الفجر.
وروي هذا أيضا عند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقدم تقدم في سورة الزلزال في حديث ابن عباس عند الترمذي أنها تعدل ربع القرآن، وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن.
وروى أبو القاسم الطبراني عن جبلة بن حارثة- وهو أخو زيد بن حارثة-: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، حتى تمر بآخرها، فإنها براءة من الشرك». وروى الإمام أحمد مثل ذلك عن الحارث بن جبلة.
والخلاصة:
ثبت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ بهذه السورة، وب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في ركعتي الطواف، وفي ركعتي الفجر، والركعتين بعد المغرب، ويوتر بسبح، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
سبب نزولها:
أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس: «أن قريشا دعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أن يعطوه مالا، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد، وتكفّ عن شتم آلهتنا، ولا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة، قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي، فأنزل اللَّه:
قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلى آخر السورة، وأنزل: قُلْ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزمر ٣٩/ ٦٤] »
.
438
وأخرج عبد الرزاق عن وهب قال: قالت كفار قريش للنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن سرّك أن تتبعنا عاما، ونرجع إلى دينك عاما، فأنزل اللَّه: قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلى آخر السورة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن ميناء قال: لقي الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأمية بن خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: يا محمد، هلمّ فلتعبد ما نعبد، ونعبد ما تعبد، ولنشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فأنزل اللَّه: قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.
ويؤيد هذا
ما ذكره النيسابوري: أنها نزلت في رهط من قريش، قالوا:
يا محمد، هلمّ، اتبع ديننا ونتّبع دينك، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا مما في أيدينا قد شرّكناك فيه، وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك، قد شركت في أمرنا، وأخذت بحظك، فقال: معاذ اللَّه أن أشرك به غيره، فأنزل اللَّه تعالى: قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلى آخر السورة، فغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المسجد الحرام، وفيه الملأ من قريش، فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك «١».
وذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس: أن سبب نزولها «أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف لقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: يا محمد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فأنزل اللَّه عز وجل: قُلْ: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ «٢» ».
(١) أسباب النزول للنيسابوري الواحدي: ص ٢٦١
(٢) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٢٥
439
Icon