تفسير سورة الإنفطار

الماوردي
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ إذا السماءُ انْفَطَرتْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : انشقت.
الثاني : سقطت، قال الشاعر :
كانوا سعوداً سماءَ الناس فانفطرت فأصبح الشمل لم ترفع له عُمُد
﴿ وإذا الكواكب انتَثَرتْ ﴾ يعني تساقطت، قال ابن عباس، تسقط سوداء لا ضوء لها.
﴿ وإذا البحار فُجِّرَتْ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يبست، قاله الحسن.
الثاني : خلطت فصارت بحراً واحداً، وهذا معنى قول ابن عباس، قال : وهو سبعة أبحر فتصير بحراً واحداً.
الثالث : فجر عذبها في مالحها : ومالحها في عذبها، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً : أي فاضت.
﴿ وإذا القبور بُعْثِرتْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بحثت وثوّرت، قاله ابن عباس وعكرمة، وقال الفراء : فيخرج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها وفضتها ثم تخرج الموتى.
الثاني : حركت للبعث، قاله السدي.
الثالث : بعث من فيها من الأموات، قاله قتادة.
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قدَّمَتْ وأَخرَتْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما عملت وما تركت، قاله ابو رزين.
الثاني : ما قدمت من طاعة، وأخرت من حق الله، قاله ابن عباس.
الثالث : ما قدمت من الصدقات وما أخرت من الميراث.
ويحتمل ما قدمت من معصية وأخرت من طاعة، لأنه خارج مخرج الوعيد، وهذا جواب ﴿ إذا السماء انفطرت ﴾ لأنه خبر، وجعلها الحسن قَسَماً وقعت على قوله ﴿ علمت نفس ﴾ الآية.
والأظهر ما عليه الجماعة من أنه خبر وليس بقسم.
﴿ يا أيها الإنسان ما غّرَّك بربِّكَ الكريم ﴾ في الإنسان ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه إشارة إلى كل كافر.
الثاني : أنه أبي بن خلف، قاله عكرمة.
الثاث : أنه أبو الأشد بن كلدة بن أسد الجمحي، قاله ابن عباس.
وفي الذي غرَّه قولان :
أحدهما : عدوه الشيطان، قاله قتادة.
الثاني : جهله، وهو قول عمر بن الخطاب.
ويحتمل قولاً ثالثاً : إنه إمهاله.
« الكريم » الذي يتجاوز ويصفح، وروى الحسن أن عمر بن الخطاب لما قرأ ﴿ يا أيها الإنسان ﴾..... الآية، قال : حمقه وجهله.
﴿ الذي خَلَقَك فسَوَّاك فَعدَلك ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : فسوى خلقك وعدل خلقتك.
الثاني : فسوَّى أعضاءك بحسب الحاجة وعدلها في المماثلة لا تفضل يد على يد، ولا رجل على رجل.
الثالث : فسواك إنساناً كريماً وعدل بك عن أن يجعلك حيواناً بهيماً.
قال أصحاب الخواطر : سوّاك بالعقل وعدلك بالإيمان.
﴿ في أَيِّ صورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما شاء ركبك من شبه أم أو أب أو خال أو عم، قاله مجاهد.
الثاني : من حسن أو قبح أو طول أو قصر أو ذكر أو أنثى، قاله ابن عيسى.
الثالث : في أي صورة من صور الخلق ركبك حتى صرت على صورتك التي أنت عليها أيها الإنسان لا يشبهك شيء من الحيوان.
392
وروى موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال لجده :« ما ولِدَ لك؟ » قال : يا رسول الله وما عسى أن يولد لي إما غلام وإما جارية، قال رسول الله :« ومن عسى أن يشبه؟ » قال : إما أباه وإما أمه، فقال عليه السلام عندها :« مه لا تقولن هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم أما قرأت في كتاب الله : في أي صورة ما شاء ركبك. »
﴿ كلاّ بَلْ تُكّذِّبونَ بالدِّين ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بالحساب والجزاء، قاله ابن عباس.
الثاني : بالعدل و القضاء، قاله عكرمة.
الثالث : بالدين الذي جاء به محمد ﷺ، حكاه ابن عيسى.
﴿ وإنَّ عليكم لحافِظِينَ ﴾ يعني الملائكة، يحفظ كلَّ إنسان ملكان، أحدهما عن يمينه يكتب الخير، والآخر عن شماله يكتب الشر.
﴿ كِراماً كاتِبينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : كراماً على الله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : كراماً بالإيمان، قاله السدي.
الثالث : لأنهم لا يفارقون ابن آدم إلا في موطنين عند الغائط وعند الجماع يعرضان عنه ويكتبان ما تكلم به، فلذلك كره الكلام عند الغائط والجماع.
ويحتمل رابعاً : كراماً لأداء الأمانة فيما يكتبونه من عمله فلا يزيدون فيه ولا ينقصون منه.
393
وفي قوله تعالى :﴿ إنّ الأبرارَ لفي نَعيم * وإن الفُجّارَ لقي جَحيمٍ ﴾ قولان :
أحدهما : في الآخرة فيكون نعيم الأبرار في الجنة بالثواب، وجحيم الفجار في النار بالعقاب.
والقول الثاني : أنه في الدنيا، فعلى هذا فيه أربعة أوجه ذكرها أصحاب الخواطر.
أحدها : النعيم القناعة، والجحيم الطمع.
الثاني : النعيم التوكل، والجحيم الحرص.
الثالث : النعيم الرضا بالقضاء، والجحيم السخط فيما قدر وقضى.
الرابع : النعيم بالطاعة، والجحيم بالمعيصية.
﴿ وما هُمْ عنها بغائبين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن القيامة تحقيق للبعث فعلى هذا يجوز أن يكون هذا الخطاب متوجهاً إلى الأبرار والفجار جميعاً.
الثاني : عن النار، ويكون الخطاب متوجهاً إلى الفجار دون الأبرار، والمراد بأنهم لا يغيبون عنها أمران :
أحدهما : تحقيق الوعيد.
الثاني : تخليد الفجار.
﴿ وما أدْراك ما يومُ الدِّين * ثُمَّ ما أدْراكَ ما يومُ الدِّين ﴾ يعني يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، وفي تكراره وجهان :
أحدهما : تفخيماً لشأنه وتعظيماً لأمره.
الوجه الثاني : أن الأول خطاب للفجار والثاني خطاب للأبرار ترغيباً.
﴿ يومَ لا تَمْلِك نفسٌ لنَفْسٍ شيئاً ﴾ يعني لا يملك مخلوق لمخلوق نفعاً ولا ضراً.
﴿ والأمر يومئذٍ للَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في الجزاء بالثواب والعقاب.
الثاني : في العقوبة والانتقام.
Icon