تفسير سورة الغاشية

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الغاشية من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ الداهية التي تغشى الناس بأهوالها وشدائدها؛ يعني يوم القيامة. أو هي النار؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ﴾ والمعنى: هل علمت يا محمد حديث الغاشية؟ فإن لم تكن تعلم؛ فهاك حديثها، وحدثها
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ ذليلة
﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ أي وقع منها في الدنيا عمل، وأصابها فيه نصب؛ أي تعب. وقيل: إنها تعمل ما تتعب فيه يوم القيامة: كخوض النار، وجر السلاسل والأصفاد، ونحو ذلك. والأول أولى؛ لمقابلته مع قوله تعالى في وصف أهل الجنة ﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ أي لأعمالها في الدنيا
﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أي شديدة الحرارة؛ من أنى الحميم: إذا انتهى حره؛ فهو آن الضريع: شوك رديء ترعاه الإبل؛ فتسوء حالها. ويسمى الشبرق. و
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ﴾ حسنة منعمة؛ ذات بهجة
﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ لعملها في الدنيا فرحة، مطمئنة لما رأته من ثوابه
﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ بستان مرتفع. والعلو هنا: حساً ومعنى
﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾ أي لا تسمع فيها فحشاً، ولا شتماً، ولا سباً
﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾ ليرى الجالس عليها ما خوله ربه من النعيم، والملك العظيم وهي مرفوعة قدراً ومحلاً
﴿وَنَمَارِقُ﴾ وسائد. وهو ما يسمى بالمسند والمخدة
﴿وَزَرَابِيُّ﴾ بسط فاخرة منقوشة ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾ مبسوطة
﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ﴾ نظر تأمل واعتبار ﴿إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ على هذا النحو العجيب، والوضع الغريب فانظر - يا رعاك الله - كيف أنها تبرك؛ ليستطيع الإنسان أن يضع عليها حمولتها عن قرب، ثم تقوم بما تحمل، بما ينوء بالعصبة أولي القوة. ثم تميزها بالصبر على الجوع
-[٧٤٧]- والعطش الأيام المعدودات. ثم بلوغها المسافات الطويلة. ثم اكتفاؤها من المرعى بما لا يكاد يرعاه سائر البهائم. إلى غير ذلك من استعدادها الخلقي الذي يساعدها: فشفتها مشقوقة لسهولة تناول الكلإ أثناء المشي، ورجلها مفرطحة لئلا تغوص في الرمال فيعوقها ذلك على السير. فتبارك الذي أحسن كل شيء خلقه
وقد خص الله تعالى «الإبل» بالذكر: لأنها أفضل دواب العرب، وأكثرها نفعاً
﴿وَإِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ من غير عمد
﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ فبعضها قائم، وبعضها منحدر، وبعضها كبير، وبعضها صغير؛ وما خفي منها في باطن الأرض أكبر مما ظهر. قال تعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾ وكل ذلك لحفظ توازن الأرض - أثناء دورانها - لئلا تميد بكم
﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ بسطت رأي العين؛ ولو أنها في واقع الأمر كروية الشكل. وها قد وضحت الأدلة، وقامت البراهين - حتى بلغت حد اليقين - على وجود رب العالمين
﴿فَذَكِّرْ﴾ هؤلاء الكفار؛ بصنع العزيز الجبار، وبأنعمه تعالى عليهم، ووضوح أدلة وجوده وجوده ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ فلا عليك أن يهتدوا
﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ﴾ بمتسلط
﴿إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ فلا داعي لتذكيره. قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ أما ﴿مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ وطغى واستكبر؛ فيقابل بالسنان لا باللسان وبعد ذلك يرد إلى يوم القيامة
﴿فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ﴾ في النار وبئس القرار؛ بعد أن يلقى العذاب الأصغر في الدنيا؛ بالقتل، والأسر، والذل، وعذاب القبر
﴿إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ﴾ مرجعهم جميعاً
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ جزاءهم على ما فعلوه في دنياهم.
747
سورة الفجر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

747
Icon