تفسير سورة الفجر

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿وَالْفَجْرِ﴾ أقسم سبحانه وتعالى بالفجر؛ لما فيه من خشوع القلب، لحضرة الرب. وقيل: أريد بالفجر: النهار كله
﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ هي عشر ذي الحجة؛ أقسم بها تعالى: لما يكتنفها من عبادات، ومناسك، وقربات وقيل: هي العشر الأواخر من رمضان
﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ أي والزوج والفرد؛ كأنه تعالى أقسم بكل شيء؛ لأن سائر الأشياء: إما زوجاً، وإما فرداً. أو هو قسم بالخلق والخالق
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ إذا يمضي. قيل: هي ليلة المزدلفة؛ لاجتماع الحجيج بها، وصلاتهم فيها، وقيامهم بمناسك حجهم
﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ﴾ الحجر: العقل؛ لأنه يحجر صاحبه عما لا ينبغي. أي هل في ذلك القسم الذي أقسمت به مقنع لذي عقل؟
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ هم قوم هود عليه السلام. وهي عاد الأول
-[٧٤٨]- ى
﴿إِرَمَ﴾ هو اسم لجد القبيلة، أو هو اسم قبيلة عاد نفسها ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ وصف لإرم: التي هي قبيلة عاد ومعنى «ذات العماد» سكان الخيام؛ لأنها تنصب بالعمد. أو هو كناية عن القوة والشرف وقال قوم: إن «إرم» هي دمشق. وقال آخرون: إنها الاسكندرية. أما ما رواه المفسرون؛ من أن «إرم ذات العماد» مدينة عظيمة: قصورها من الذهب والفضة، وأساطينها من الياقوت والزبرجد؛ فهو من أقاصيص اليهود وأساطيرهم
﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ﴾ أي لم يخلق مثل أهلها؛ في القوة والبطش، والخلقة
﴿وَثَمُودَ﴾ قوم صالح عليه السلام ﴿الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ أي قطعوا الحجارة ونحتوها، واتخذوها بيوتاً؛ لقوله تعالى ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً﴾
﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ﴾ قيل: كانت له أوتاد يربط بها من يريد تعذيبه. وقيل: هو كناية عن كثرة الجنود، وخيامهم التي يأوون إليها. وقيل: «الأوتاد» المباني العظيمة؛ كالأهرام ونحوها وقيل: غير ذلك
﴿الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ﴾ تجبروا فيها، وتكبروا على أهليها
﴿فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ﴾
أي أكثروا المعاصي وسفك الدماء
﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ هو كناية عن شدة التعذيب
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ أي لا يفوته شيء؛ وسيجازي على سائر الأعمال: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر
﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ﴾ اختبره وامتحنه بالغنى ومزيد النعم ﴿فَأَكْرَمَهُ﴾ بالمال والآل، والعيال ﴿فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ بما أعطاني من النعم التي أستحقها. ولم يعلم أنه ابتلاء له: أيشكر أم يكفر؟ ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ﴾ اختبره أيضاً وامتحنه بالفقر والفاقة
﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ ضيق عليه عيشه ﴿فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ بتضييقه علي، ولم يخطر بباله أنه ابتلاء له: أيصبر أم يجزع؟ ولم يعلم كلاهما أن التقدير قد يؤدي إلى كرامة الدارين، وأن التوسعة قد تفضي إلى خسرانهما والمعنى: أن الإنسان على كلا الحالين لا تهمه الآخرة؛ بل جل همه العاجلة؛ ويرى أن الهوان في قلة الحظ منها
﴿كَلاَّ﴾ ليس الإكرام والإهانة: في كثرة المال وقلته، وسعة العيش وتضييقه ﴿بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ انتقل القرآن الكريم من بيان سوء أقوال الإنسان؛ إلى بيان سوء أفعاله، وإلى أن التوسعة - كما قدمنا - قد تؤدي إلى الخسران؛ إذا لم يقم الموسع عليه بما يجب عليه: من إكرام اليتيم، والحض على إطعام المسكين، والقيام بكل الواجبات التي هو مسؤول عنها، مطالب بها، محاسب عليها
﴿وَلاَ تَحَاضُّونَ﴾ أي لا يحض بعضكم بعضاً ﴿عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ أي على إطعامه كما طعمتم، وإشباعه كما شبعتم
﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ﴾ الميراث ﴿أَكْلاً لَّمّاً﴾ أكلاً ذا لمّ؛ وهو الجمع بين الحلال والحرام
-[٧٤٩]- كناية عن أنهم كانوا يأكلون أنصباءهم، وأنصباء باقي الورثة. وهو أمر مشاهد في كل حين؛ وعاقبته من أوخم العواقب. فكم رأينا مستكثراً: داهمه الفقر، وظالماً: ظلمه الدهر، وناهباً: صير الله ماله من بعده نهباً لأعدائه
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾
حباً كثيراً؛ مع حرص، وطمع، وشره
﴿كَلاَّ﴾ ردع عن أكل التراث، وعن حب المال؛ فماذا يفيد أكل حقوق الغير؛ عند دخول القبر؟ وماذا يجدي حب المال؛ عند المآل؟ وماذا يفيد النعيم الزائل؛ عند العذاب الدائم؟ ماذا يفيد كل هذا ﴿إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً﴾ أي تزلزلت زلزالاً شديداً متتابعاً، وتهدمت؛ عند قيام الساعة
﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾ أي جاء أمره وقضاؤه، وظهرت آيات عظمته وقدرته جاء ﴿وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ أي وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً؛ متتابعة: كما يصطف جنود الملك وحراسه: انتظاراً لأمره
﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ﴾ ما قدم وأخر؛ ويعلم أنه مؤاخذ على ما أكل من حق، وما حفظ من مال، وما بخل به من طعام ﴿﴾ أي ومن أين يكون له الذكرى؟ وماذا يجدي التذكر؟ وماذا تفيد التوبة؛ وقد فات أوانهما؟ و
﴿يَقُولُ﴾ حينئذٍ ﴿يلَيْتَنِي قَدَّمْتُ﴾ في الدنيا عملاً صالحاً ينفعني ﴿لِحَيَاتِي﴾ الباقية الدائمة: حياة الخلود
﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ هو كناية عن هول عذاب الله تعالى، وشدة وثاقه
﴿يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ الآمنة.
يقال ذلك للمؤمنين: عند الموت، أو عند البعث، أو عند دخول الجنة
﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ إلى رحمته، ورضوانه، ونعيمه الوافر ﴿رَاضِيَةً﴾ عن الله تعالى بما آتاك من نعيم مقيم ﴿مَّرْضِيَّةً﴾ عنده؛ بما عملت من صالح الأعمال
﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ أي في زمرة عبادي الصالحين. وقيل: الخطاب لروح المؤمن؛ يؤيده قراءة من قرأ «فادخلي في عبدي» أي في جسد عبدي
﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ مع الداخلين، من عبادي المؤمنين
749
سورة البلد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

749
Icon