تفسير سورة الشرح

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الانشراح
مكية وآياتها ٨ نزلت بعد الضحى

سورة الشرح
مكية وآياتها ٨ نزلت بعد الضحى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة ألم نشرح) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذا لصدره توقيف معناه إثبات شرح صدره ﷺ وتعديد ما ذكر بعده من النعم، وشرح صدره ﷺ هو اتساعه لتحصيل العلم، وتنويره بالحكمة والمعرفة، وقيل هو شق جبريل لصدره في صغره، أو في وقت الإسراء حين أخرج قلبه وغسله وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ فيه ثلاثة أقوال: الأول قول الجمهور أن الوزر الذنوب.
ووضعها هو غفرانها فهو كقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢]، وهذا على قول من جوّز صغائر الذنوب على الأنبياء، أو على أن ذنوبه كانت قبل النبوّة الثاني أن الوزر هو أثقال النبوة وتكاليفها، ووضعها على هذا هو إعانته عليها، وتمهيد عذره بعد ما بلغ الرسالة الثالث أن الوزر هو تحيره قبل النبوة، إذ كان يرى أن قومه على ضلال، ولم يأته من الله أمر واضح فوضعه على هذا هو بالنبوّة والهدى للشريعة الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ عبارة عن ثقل الوزر المذكور وشدته عليه، قال الحارث المحاسبي: إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل، وهي صغائر مغفورة لهم لهمّهم بها وتحسرهم عليها، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله، وهي خفيفة عند الله، وهذا كما جاء في الأثر: إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى ذنوبه تطير كالذبابة فوق أنفه «١». واشتقاق أنقض ظهرك من نقض البنيان وغيره، أو من النقيض وهو الصوت فكأنه يسمع لظهره نقيض كنقيض ما يحمل عليه شيء ثقيل.
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ أي نوّهنا باسمك وجعلناه شهيرا في المشارق والمغارب، وقيل: معناه اقتران ذكره بذكر الله في الأذان والخطبة والتشهد. وفي مواضع من القرآن، وقد روي في هذا حديث أن الله قال له إذا ذكرت ذكرت معي «٢». فإن قيل: لم قال لك
(١). رواه أحمد عن ابن مسعود ج ١، ص ٣٨٣.
(٢). رواه الإمام الطبري بسنده إلى أبي سعيد الخدري وقال في التفسير رواه ابن حبان وأبي يعلى والطبراني كلهم عن أبي سعيد الخدري.
﴿ ووضعنا عنك وزرك ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
الأول : قول الجمهور أن الوزر الذنوب، ووضعها هو غفرانها، فهو كقوله :﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ [ الفتح : ٢ ]، وهذا على قول من جوز صغائر الذنوب على الأنبياء أو على أن ذنوبه كانت قبل النبوة.
الثاني : أن الوزر هو أثقال النبوة وتكاليفها، ووضعها على هذا هو إعانته عليها وتمهيد عذره بعد ما بلغ الرسالة.
الثالث : أن الوزر هو تحيره قبل النبوة والهدى للشريعة.
﴿ الذي أنقض ظهرك ﴾ عبارة عن ثقل الوزر المذكور وشدته عليه قال الحارث المحاسبي : إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل وهي صغائر مغفورة لهم لهمهم بها وتحسرهم عليها، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله، وهي خفيفة عند الله، وهذا كما جاء في الأثر : إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه. واشتقاق ( أنقض ظهرك ) من نقض البنيان وغيره، أو من النقيض وهو الصوت، فكأنه يسمع لظهره نقيض كنقيض ما يحمل عليه شيء ثقيل.
﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾ أي : نوهنا باسمك، وجعلناه شهيرا في المشارق والمغارب، وقيل : معناه : اقتران ذكره بذكر الله في الأذان، والخطب، والتشهد، وفي مواضع من القرآن، وقد روي في هذا حديث أن الله قال له :" إذا ذكرت ذكرت معي ". فإن قيل : لم قال :﴿ لك ذكرك ﴾ ﴿ ولك صدرك ﴾ مع أن المعنى مستقل دون ذلك ؟ فالجواب أن قوله ﴿ لك ﴾ يدل على الاعتناء به والاهتمام بأمره.
ذكرك ولك صدرك مع أن المعنى مستقل دون ذلك؟ فالجواب أن قوله: لك يدل على الاعتناء به والاهتمام بأمره
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً هذا وعد لما يسّر بعد العسر، وإنما ذكره بلفظ مع التي تقتضي المقاربة ليدل على قرب اليسر من العسر فإن قيل: ما وجه ارتباط هذا مع ما قبله؟ فالجواب أنه ﷺ كان بمكة هو وأصحابه في عسر من إذاية الكفار ومن ضيق الحال ووعده الله باليسر، وقد تقدم تعديد النعم تسلية وتأنيسا، لتطيب نفسه ويقوى رجاؤه كأنه يقول: إن الذي أنعم عليك بهذه النعم سينصرك ويظهرك ويبدّل لك هذا العسر بيسر قريب، ولذلك كرر إن مع العسر يسرا مبالغة وقال صلى الله عليه وسلم: لن يغلب عسر يسرين وقد روي ذلك عن عمر وابن مسعود «١» وتأويله أن العسر المذكور في هذه السورة واحد، لأن الألف واللام للعهد كقولك: جاءني رجل فأكرمت الرجل. واليسر اثنان لتنكيره وقيل: إن اليسر الأول في الدنيا والثاني في الآخرة فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ هو من النصب بمعنى التعب، والمعنى إذا فرغت من أمر فاجتهد في آخر ثم اختلف في تعيين الأمرين فقيل: إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل وقيل: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء. وقيل: إذا فرغت من شغل دنياك فانصب في عبادة ربك وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ قدم الجار والمجرور ليدل على الحصر أي لا ترغب إلا إلى ربك وحده.
(١). رواه الطبري أيضا في تفسيره موقوفا على الحسن البصري وموصولا إلى ابن مسعود.
﴿ فإذا فرغت فانصب ﴾ هو من النصب بمعنى التعب والمعنى : إذا فرغت من أمر فاجتهد في آخر ثم اختلف في تعيين الأمرين فقيل : إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل، وقيل : إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، وقيل : إذا فرغت من شغل دنياك فانصب في عبادة ربك.
﴿ وإلى ربك فارغب ﴾ قدم الجار والمجرور ليدل على الحصر أي : لا ترغب إلا إلى ربك وحده.
Icon