تفسير سورة لقمان

الماوردي
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله :﴿ الم. تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ فيه أربعة أوجه
: أحدها : المحكم أَحكمت آياته بالحلال والحرام والأحكام. قاله يحيى بن سلام.
الثاني : المتقن لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو قريب من المعنى الأول، قاله ابن شجرة.
الثالث : البين أنه من عند الله، قاله الضحاك.
الرابع : أنه يظهر من الحكمة بنفسه كما يظهره الحكيم بقوله، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ هُدًى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هدى من الضلالة، قاله الشعبي.
الثاني : هدى إلى الجنة، قاله يحيى بن آدم.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أن القرآن رحمة من العذاب لما في من الزجر عن استحقاقه وهو وجهان :
أحدهما : أنه خرج مخرج النعت بأنه هدى ورحمة.
الثاني : أنه خرج مخرج المدح بأن فيه هدى ورحمة.
﴿ لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ وفي الإحسان ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه الإيمان الذي يحسن به إلى نفسه، قاله ابن شجرة.
الثاني : أنه الصلة والصلاة، قاله الحسن.
الثالث : ما روى عمر بن الخطاب قال : بينما أنا عند رسول الله ﷺ إذ أتاه رجل فقال : يا رسول الله ما الإحسان؟ قال :« أًن تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِن لَّمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. وَتُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحبُ لِنَفْسِكَ » قال : فإذا فعلت ذلك فأنا محسن؟ قال :« نعم » قال الرجل : صدقت. ثم انطلق الرجل فقال النبي ﷺ :« عَلَيَّ بِالرَّجُلِ ». فطلبناه فلم نقدر عليه فقال رسول الله ﷺ :« اللَّهُ أَكْبَرُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيِهِ السَّلاَمُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَكُم أَمُورَ دِينِكُم
»
. قوله تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِن رَّبِّهِم ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : على نور من ربهم، قاله ابن عباس.
الثاني : على بينة، قاله ابن جبير.
الثالث : على بيان، قاله يحيى بن سلام.
﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه
: أحدها : بمعنى السعداء، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : المنجحون، قاله ابن شجرة.
الثالث : الناجحون، قاله النقاش.
الرابع : أنهم الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربواْ، قاله ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ وَمِن النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ﴾ فيه سبعة تأويلات
: أحدها : شراء المغنيات لرواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي ﷺ قال :« لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغنِيَاتِ وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ وَلاَ التِّجَارَةُ فِيهِنَّ وَلاَ أَثْمَانُهُنَّ وَفِيهِنَّ أنزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ
»
. الثاني : الغناء، قاله ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وابن جبير وقتادة
. الثالث : أنه الطبل، قاله عبد الكريم، والمزمار، قاله ابن زخر.
الرابع : أنه الباطل، قاله عطاء.
الخامس : أنه الشرك بالله، قاله الضحاك وابن زيد.
السادس : ما ألهى عن الله سبحانه، قال الحسن.
السابع : أنه الجدال في الدين والخوض في الباطل، قاله سهل بن عبد الله.
ويحتمل إن لم يثبت فيه نص تأويلاً ثامناً : أنه السحر والقمار والكهانة.
وفيمن نزلت قولان :
أحدهما : أنها نزلت في النضر بن الحارث كان يجلس بمكة فإذا قالت قريش إن محمداً قال كذا وكذا ضحك منه وحدثهم بحديث رستم واسفنديار ويقول لهم إن حديثي أحسن من قرآن محمد، حكاه الفراء والكلبي.
الثاني : أنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية فشغل بها الناس عن اتباع النبي ﷺ، حكاه ابن عيسى.
﴿ لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : ليصد عن دين الله، قاله الطبري.
الثاني : ليمنع من قراءة القرآن، قاله ابن عباس.
﴿ بِغَيرِ عِلْمٍ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : بغير حجة.
الثاني : بغير رواية.
﴿ وَيَتَّخِذُهَا هُزُواً ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يتخذ سبيل الله هزواً يكذب بها، قاله قتادة. وسبيل الله دينه.
الثاني : يستهزىء بها، قاله الكلبي.
﴿ وَأُوْلئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ أي مذل.
قوله تعالى :﴿ خَلَقَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ فيه قولان
: أحدهما : بعمد لا ترونها، قاله عكرمة ومجاهد.
الثاني : أنها خلقت بغير عمد، قاله الحسن وقتادة.
﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً
. ﴿ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ أي لئلا تميد بكم وفيه وجهان
: أحدهما : معناه أن لا تزول بكم، قاله النقاش.
الثاني : أن لا تتحرك بكم، قاله يحيى بن سلام. وقيل : إن الأرض كانت تتكفأ مثل السفينة فأرساها الله بالجبال وأنها تسعة عشر جبلاً تتشعب في الأرض حتى صارت لها أوتاداً فتثبتت وروى أبو الأشهب عن الحسن قال : لما خلق الله الأرض جعلت تميد فلما رأت الملائكة ما تفعل الأرض قالوا : ربنا هذه لا يقر لك على ظهرها خلق، فأصبح قد ربطها بالجبال فلما رأت الملائكة الذي أرسيت به الأرض عجبواْ فقالوا : يا ربنا هل خلقت خلقاً هو أشد من الجبال؟ قال : نَعَم الرِّيحُ قالوا : هل خلقت خلقاً هو أشد من الريح؟ قال :« نَعَمْ ابنُ آدَمَ ».
﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : وخلق فيها، قاله السدي.
الثاني : وبسط، قاله الكلبي.
الثالث : فرق فيها من كل دابة وهو الحيوان سُمِّيَ بذلك لدبيبه والدبيب الحركة.
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : أنهم الناس هم نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم، قاله الشعبي.
الثاني : أن نبات الأرض أشجارها وزرعها، والزوج هو النوع.
وفي الكريم ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الحسن، قاله قتادة.
الثاني : أنه الطيب الثمر، قاله ابن عيسى.
الثالث : أنه اليانع، قاله ابن كامل.
ويحتمل رابعاً : أن الكريم ما كثر ثمنه لنفاسة القدر.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ اختلف في نبوته على قولين
: أحدهما : أنه نبي، قاله عكرمة والشعبي.
الثاني : أنه حكيم وليس بنبي، قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب. ووهب بن منبه، قال إسماعيل : كان لقمان من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة. وقال قتادة : خير الله لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة على النبوة فأتاه جبريل وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح ينطق بها، فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال : إنه لو أرسل إليّ بالنبوة عزمة لرجوت فيه العون منه ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحب إليّ.
واختلف في جنسه على قولين :
أحدهما : أنه كان من النوبة قصيراً أفطس، قاله جابر بن عبد الله.
الثاني : كان عبداً حبشياً، قاله ابن عباس.
واختلف في صنعته على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه كان خياطاً بمصر، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني : أنه كان راعياً فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال : ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال بلى، قال : فما بلغ بك ما أرى؟ قال : قَدَرُ الله وأدائي الأمانة، وصدق الحديث وتركي ما لا يعنيني، قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر.
الثالث : أنه كان نجاراً فقال له سيده : اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين فأتاه باللسان والقلب فقال له : ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت، ثم أمره فذبح له شاة ثم قال : أَلقِ أخبثها مضغتين فألقى اللسان والقلب فقال له : أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت باللسان والقلب فقال إنه ليس شيىء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا، قاله خالد الربعي.
واختلف في زمانه على قولين :
أحدهما : أنه كان فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
الثاني : أنه ولد كوش بن سام بن نوح، ولد لعشر سنين من ملك داود عليه السلام وبقي إلى زمن يونس عليه السلام.
وفي ﴿ الْحِكْمَةَ ﴾ التي أوتيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الفهم والعقل، قاله السدي.
الثاني : الفقه والعقل والإصابة في القول، قاله مجاهد.
الثالث : الأمانة.
﴿ أَنِ اشكُرْ لِلَّهِ ﴾ يعني نعم اللَّه، فيه وجهان
: أحدهما : معنى الكلام : ولقد آتيناه الحكمة وآتيناه الشكر لله، قاله المفضل.
الثاني : آتيناه الحكمة لأن يشكر لله، قاله الزجاج.
وفي شكره أربعة أوجه :
أحدها : هو حمده على نعمه.
الثاني : هو ألا يعصيه على نعمه.
الثالث : هو ألا يرى معه شريكاً في نعمه عليه.
الرابع : هو طاعته فيما أمره.
﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ أي يعود شكره إلى نفسه لأنه على النعمة إذا زاد من الشكر.
﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يعني كفر بالله واليوم الآخر، قاله مجاهد.
الثاني : كُفْرُ النعمة، قاله يحيى بن سلام.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : غني عن خلقه حميد في فعله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : غني عن شكره مستحمد إلى خلقه، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ ﴾ أي واذكر يا محمد مقالة لقمان لابنه، وفي اسم ابنه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مشكم، قاله الكلبي.
الثاني : أنعم، حكاه النقاش.
الثالث : بابان.
﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ أي يُذكِرُهُ ويؤدبه
. ﴿ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ يعني عند اللَّه، وسماه ظلماً لأنه قد ظلم به نفسه، وقيل إنه قال ذلك لابنه وكان مشركاً، وقوله ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾ ليس هو حقيقة التصغير وإن كان على لفظه وإنما هوعلى وجه الترقيق كما يقال للرجل يا أُخَيّ. وللصبي هو كُوَيّس.
قوله تعالى :﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ يعني براً وتحنناً عليهما. وفيهما قولان :
أحدهما : أنها عامة وإن جاءت بلفظ خاص والمراد به جميع الناس، قاله ابن كامل.
الثاني : خاص في سعد بن أبي وقاص وُصي بأبويه؛ واسم أبيه مالك واسم أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية، حكاه النقاش.
﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه شدة على شدة، قاله ابن عباس.
الثاني : جهداً على جهد. قاله قتادة.
الثالث : ضعفاً على ضعف، قاله الحسن وعطاء. ومن قول قعنب ابن أم صاحب :
هل للعواذل من ناهٍ فيزجرها إن العواذل فيها الأيْنُ والوهن
يعني الضعف
. ثم فيه على هذا التأويل ثلاثة أوجه :
أحدها : ضعف الولد على ضعف الوالدة، قاله مجاهد.
الثاني : ضعف نطفة الأب على نطفة الأم، قاله ابن بحر.
الثالث : ضعف الولد حالاً بعد حال فضعفه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً سوياً ثم مولوداً ثم رضيعاً ثم فطيماً، قاله أبو كامل.
ويحتمل رابعاً : ضعف الجسم على ضعف العزم.
﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ يعني بالفصال الفطام من رضاع اللبن
. واختلف في حكم الرضاع بعد الحولين هل يكون في التحريم كحكمه في الحولين على أربعة أقاويل :
أحدهما : أنه لا يحرم بعد الحولين ولو بطرفة عين لتقدير الله له بالحولين ولقول النبي ﷺ :« لاَ رَضَاعةَ بَعْدَ الحَولَينِ » وهذا قول الشافعي.
الثاني : أنه يحرم بعد الحولين بأيام، وهذا قول مالك.
الثالث : يحرم بعد الحولين بستة أشهر استكمالاً لثلاثين شهراً لقوله :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ﴾ [ الأحقاف : ١٥ ] قاله أبو حنيفة.
الرابع : أن تحريمه غير مقدر وأنه يحرم في الكبير كتحريمه في الصغير، وهذا قول بعض أهل المدينة.
﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ أي اشكر لي النعمة ولوالديك التربية. وشكر الله بالحمد والطاعة وشكر الوالدين بالبر والصلة، قال قتادة : إن الله فرق بين حقه وحق الوالدين وقال اشكر لي ولوالديك.
﴿ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ يعني إلى اللَّه المرجع فيجازي المحسن بالجنة والمسيء بالنار، وقد روى عطاء عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ﷺ :« رِضَا الرَّبِّ مِن رِضَا الوَالَدِ وَسَخَط الرَّبِّ مَن سَخَط الوَالِدِ
»
. قوله تعالى :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ ﴾ يعني أراداك
. ﴿ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ معناه أنك لا تعلم أن لي شريكاً. ﴿ فَلا تُطِعْهُمَا ﴾ يعني في الشرك
. ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾ أي احْتِسَاباً. قال قتادة : تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا، وتواسيهما مما أعطاك الله تعالى.
﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ قال يحيى بن سلام : من أقبل بقلبه مخلصاً وهو النبي صلى الله عليه السلام والمؤمنون. روى مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال : حلفت أم سعد ألا تأكل ولا تشرب حتى تشرب حتى يتحوّل سعد عن دينه فأبى عليها فلم تزل كذلك حتى غشى عليها ثم دعت الله عليه فأنزل الله فيه هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ ﴾ وهذا مثل مضروب لمثقال حبة من خردل. قال قتادة : من خير أو شر.
﴿ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ ﴾ فيها قولان
: أحدهما : أنها الصخرة التي تحت الأرض السابعة قاله الرُبَيعُ بن أنس والسدي. قال عبد الله بن الحارث وهي صخرة على ظهر الحوت، قال الثوري : بلغنا أن خضرة السماء من تلك الصخرة، وقال ابن عباس هذه الصخرة ليست في السماء ولا في الأرض. وقيل إن هذه الصخرة هي سجِّين التي يكتب فيها أعمال الكفار ولا ترفع إلى السماء.
الثاني : معنى قوله في صخرة أي في جبل، قاله قتادة.
﴿ أَوْ فِي السَّمَواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : بجزاء ما وازنها من خير أو شر.
الثاني : يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء، كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه الله فيجازي عليه.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ﴾ باستخراجها. ﴿ خَبِيرٌ ﴾ بمكانها، قاله الربيع بن أنس
. روى علي بن رباح اللخمي قال : لما وعظ لقمان ابنه بهذا أخذ حبة من خردلٍ فأتى بها البحر فألقاها في عرضه ثم مكث ما شاء ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله ذبابة فاختطفتها وحملتها حتى وضعتها في يده.
قوله تعالى :﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : على ما أصابك من الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثاني : على ما أصابك من البلوى في نفسك أو مالك.
﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : ما أمر الله به من الأمور.
الثاني : من ضبط الأمور، قاله المفضل.
الثالث : من قطع الأمور.
وفي العزم والحزم وجهان :
أحدهما : أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
الثاني : معناهما مختلف وفي اختلافهما وجهان :
أحدهما : أن الحزم الحذر والعزم القوة، ومنه المثل : لا خير في عزم بغير حزم.
الثاني : أن الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه، ومنه قولهم في بعض الأمثال : رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع.
﴿ تُصَاعِر ﴾ بألف، وتصاعر تفاعل من الصعر وفيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه الكبر، قاله ابن عباس.
الثاني : الميل، قاله المفضل.
الثالث : التشدق في الكلام، حكاه اليزيدي، وتُصِّعرْ هو على معنى المبالغة.
وفي معنى الآية خمسة أوجه :
أحدها : أنه إعراض الوجه عن الناس تكبراً، قاله ابن جبير.
الثاني : هوالتشدق، قاله إبراهيم النخعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثالث : أن يلوي شدقه عند ذكر الإنسان احتقاراً، قاله أبو الجوزاء، قال عمرو بن كلثوم.
وكنا إذا الجبّارُ صعر خَدّه أقمنا له من صعره فتقوّما
الرابع : هو أن يعرض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو، قاله الربيع بن أنس.
﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه
336
: أحدها : يعني بالمعصية، قاله الضحاك.
الثاني : بالخيلاء والعظمة، قاله ابن جبير.
الثالث : أن يكون بطراً أشراً، قاله ابن شجرة.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه المنان، قاله أبو ذر.
الثاني : المتكبر، قاله مجاهد.
الثالث : البطر، قاله ابن جبير. وروى أبو ذر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :« ثَلاَثَةٌ يَشْنَؤُهُم اللَّهُ : الفَقِيرُ المُخْتَالُ، والبَخِيلُ المَنَّانُ، والبَيّعُ الحَلاَّفُ
»
. ﴿ فَخُورٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه المتطاول على الناس بنفسه، قاله ابن شجرة.
الثاني : أنه المفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه، قاله ابن عيسى.
الثالث : أنه الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله فيما أعطاه، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : معناه تواضع في نفسك، قاله مجاهد.
الثاني : انظر في مشيك موضع قدمك، قاله الضحاك.
الثالث : اسرْع في مشيتك، قاله يزيد بن أبي حبيب.
الرابع : لا تسرع في المشي، حكاه النقاش. وقد روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ :« سُرْعَةُ المَشْيِ تُذْهِبُ بَهَاءَ وَجْهِ المَرْءِ
»
. الخامس : لا تختل في مشيتك، قاله ابن جبير
. ﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ ﴾ أي اخفض من صوتك والصوت هو أرفع من كلام المخاطبة.
﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ يعني شر الأصوات، قاله عكرمة وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أقبح الأصوات، قاله ابن جبير.
الثاني : قد تقدم.
الثالث : أشد، قاله الحسن.
الرابع : أبعد، قاله المبرد.
﴿ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أنها العطسة المرتفعة، قاله جعفر الصادق.
الثاني : أنه صوت الحمار.
وفي تخصيصه بالذكر من بين الحيوان وجهان :
أحدهما : لأنه أقبحها في النفس وأنكرها عند السمع وهو عند العرب مضروب به المثل، قال قتادة : لأن أوله زفير وآخره شهيق.
الثاني : لأن صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان، قاله سفيان الثوري، وقد حكي عن بشر بن الحارث أنه قال : نهيق الحمار دعاء على الظلمة.
والسبب في أن ضرب الله صوت الحمار مثلا ما روى سليمان بن أرقم عن الحسن أن المشركين كانواْ في الجاهلية يتجاهرون ويتفاخرون برفع الأصوات فمن كان منهم أشد صوتاً كان أعز، ومن كان أخفض صوتاً كان أذل، فقال الله تعالى :﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ أي لو أن شيئاً يُهَابُ لصوته لكان الحمار فجعلهم في المثل بمنزلته.
337
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ وفي تسخيره ذلك وجهان :
أحدهما : تسهيله.
الثاني : الانتفاع به.
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيَكُمْ نِعَمَهُ ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وحفص بغير تنوين على الجمع والباقون بالتنوين يعني نعمة واحدة، وفي هذه القراءة وجهان :
أحدهما : أنه عنى الإسلام فجعلها واحدة، قاله إبراهيم.
الثاني : أنه قصد التكثير بلفظ الواحد كقول العرب : كثر الدينار والدرهم، والأرض سيف وفرس، وهذا أبلغ في التكثير من لفظ الجمع، قاله ابن شجرة.
وفي قوله :﴿ ظَاهِرةً وَبَاطِنَةً ﴾ خمسة أقاويل :
أحدها : أن الظاهرة الإسلام، والباطنة ما ستره الله من المعاصي قاله مقاتل.
الثاني : أن الظاهرة على اللسان، والباطنة في القلب، قاله مجاهد ووكيع.
الثالث : أن الظاهرة ما أعطاهم من الزي والثياب، والباطنة متاع المنازل، حكاه النقاش.
الخامس : الظاهرة الولد، والباطنة الجماع.
ويحتمل سادساً : أن الظاهرة في نفسه، والباطنة في ذريته من بعده.
ويحتمل سابعاً : أن الظاهرة ما مضى، والباطنة ما يأتي.
ويحتمل ثامناً : أن الظاهرة في الدنيا، والباطنة في الآخرة.
ويحتمل تاسعاً : أن الظاهرة في الأبدان، والباطنة في الأديان.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ في اللَّهِ بِغَيرِ عَلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كَتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : نزلت في يهودي جاء إلى النبي ﷺ فقال : يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو؟ فجاءت صاعقة فأخذته.
الثاني : أنها نزلت في النضر بن الحارث كان يقول : إن الملائكة بنات الله، قاله أبو مالك.
قوله تعالى :﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلّى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : معناه يخلص لله، قاله السدي.
الثاني : يقصد بوجهه طاعة الله.
الثالث : يسلم نفسه مستسلماً إلى الله وهو محسن يعني في عمله.
﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ فيها أربعة تأويلات
: أحدها : قول لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني : القرآن، قاله أنس بن مالك.
الثالث : الإسلام، قاله السدي.
الرابع : الحب في الله والبغض في الله، قاله سالم بن أبي الجعد.
وفي تسميتها بالعروة الوثقى وجهان :
أحدهما : أنه قد استوثق لنفسه فيما تمسك به كما يستوثق من الشيء بإمساك عروته. الثاني : تشبيهاً بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل.
﴿ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبةُ الأُمُورِ ﴾ قال مجاهد : وعند الله ثواب ما صنعواْ.
قوله تعالى :﴿ وَلَو أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ.. ﴾ الآية. وفي سبب نزولها قولان :
أحدهما : ما رواه سعيد عن قتادة أن المشركين قالوا إنما هو كلام يعني القرآن يوشك أن ينفد، فأنزل الله هذه الآية يعني أنه لو كان شجر البر أقلاماً ومع البحر سبعة أبحر مداداً لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحور قبل أن تنفد عجائب ربي وحكمته وعلمه.
الثاني : ما رواه ابن عباس أن رسول الله ﷺ لما قدم المدينة قالت له أحبار اليهود يا محمد أرأيت قولك :﴿ وَمَا أُوتِيْتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ الإٍسراء : ٨٥ ] إِيانا تريد أم قومك؟ قال :« كُلٌ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الُعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً أَنْتُم وَهُمْ » قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك من الله أنَّا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله ﷺ :« إنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ » فنزلت هذه الآية
. ومعنى :﴿... يَمُدُّهُ... ﴾ أي يزيد فيه شيئاً بعد شيء فيقال في الزيادة.
مددته وفي المعونة أمددته. ﴿... مَا نَفَدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾ ونفاد الشيء هو فناء آخره بعد نفاد أوله فلا يقال لما فني جملة : نفد.
وفي ﴿ كَلِمَاتُ اللُّهِ ﴾ هنا أربعة أوجه :
أحدها : أنها نعم الله على أهل طاعته في الجنة.
الثاني : على أصناف خلقه.
الثالث : جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه.
الرابع : أنها علم الله.
قوله تعالى :﴿ مَا خَلْقَكُمُ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ يقال إنها نزلت في أُبي بن خلف وأبي الأشدين ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق قالوا للنبي ﷺ : إِن الله خلقنا أطواراً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تقول إنا نبعث خلقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة فأنزل الله هذه الآية لأن الله لا يصعب عليه ما يصعب على العباد وخلقه لجميع العالم كخلقه لنفس واحدة.
﴿ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ سميع لما يقولون، بصير بما يفعلون.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِج النَّهارِ فِي اللَّيلِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يأخذ الصيف من الشتاء ويأخذ الشتاء من الصيف، قاله ابن مسعود ومجاهد.
الثاني : ينقص من النهار ليجعله في الليل وينقص من الليل ليجعله في النهار، قاله الحسن وعكرمة وابن جبير وقتادة.
الثالث : يسلك الظلمة مسالك الضياء ويسلك الضياء مسالك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر، قاله ابن شجرة.
ويحتمل رابعاً : أنه يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل، ويدخل ضوء النهار في ظلمة الليل إذا أقبل، فيصير كل واحد منهما داخلاً في الآخر.
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ أي ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال وإتماماً للمنافع.
﴿ كَلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّى ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يعني إلى وقته في طلوعه وأفوله لا يعدوه ولا يقصر عنه، وهو معنى قول قتادة.
الثاني : إلى يوم القيامة، قاله الحسن.
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بَمَا َعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ يعني بما تعملون في الليل والنهار
. قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هو الله الذي لا إله غيره، قاله ابن كامل.
الثاني : أن الحق اسم من أسماء الله، قاله أبو صالح.
الثالث : أن الله هو القاضي بالحق.
ويحتمل رابعاً : أن طاعة الله حق.
﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ البَاطِلُ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : الشيطان هو الباطل، قاله مجاهد.
الثاني : ما أشركوا بالله تعالى من الأصنام والأوثان، قاله ابن كامل.
﴿ وأن الله هو العلي الكبير ﴾ أي العلي في مكانته الكبير في سلطانه.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : برحمة الله لكم في خلاصكم منه.
الثاني : بنعمة الله عليكم في فائدتكم منه.
﴿ لِيُرِيَكُم مِّنَ ءَايَاتِهِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : يعني جري السفن فيه، قاله يحيى بن سلام، وقال الحسن : مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء.
الثاني : ما تشاهدونه من قدرة الله فيه، قاله ابن شجرة.
الثالث : ما يرزقكم الله منه، قاله النقاش.
﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : صبَّار على البلوى شكور على النعماء.
الثاني : صبَّار على الطاعة شكور على الجزاء.
قال الشعبي : الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، ألم تر إلى قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ وإلى قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُوقِنِينَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كالسحاب، قاله قتادة.
الثاني : كالجبال، قاله الحسن ويحيى بن سلام.
وفي تشبيهه بالظل وجهان :
أحدهما : لسواده، قاله أبو عبيدة.
الثاني : لعظمه.
﴿ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ يعني موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه.
﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُم إِلَى الْبَرِّ ﴾ يعني من البحر
. ﴿ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه عَدل في العهد، يفي في البر بما عاهَد الله عليه في البحر، قاله النقاش.
الثاني : أنه المؤمن المتمسك بالتوحيد والطاعة، قاله الحسن.
الثالث : أنه المقتصد في قوله وهو كافر، قاله مجاهد.
﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أنه الجاحد، قاله عطية.
الثاني : وهو قول الجمهور أنه الغدار، قال عمرو بن معدي كرب :
فإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدرٍ وختر
وجحد الآيات إنكار أعيانها والجحد بالآيات دلائلها.
قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخْشُوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه لا يغني والد عن ولده يقال جزيت عنك بمعنى أغنيت عنك، قاله ابن عيسى. عيسى.
الثاني : لا يقضي والد عن ولده، قاله المفضل وابن كامل.
الثالث : لا يحمل والد عن ولده، قال الراعي :
وأجزأت أمر العالمين ولم يكن ليجزي إلا كاملٌ وابن كامل
أي حملت
. ﴿ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقٌّ ﴾ يعني البعث والجزاء
. ﴿ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : لا يغرنكم الإمهال عن الانتقام.
الثاني : لا يغرنكم المال عن الإسلام.
﴿ وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ وهي تقرأ على وجهين
: أحدهما : بالضم.
الثاني : بالفتح وهي قراءة الجمهور.
ففي تأويلها بالضم وجهان :
أحدهما : أن الغُرور الشيطان، قاله مجاهد.
الثاني : الأمل وهو تمني المغفرة في عمل المعصية، قاله ابن جبير.
ويحتمل ثالثاً : أن تخفي على الله ما أسررت من المعاصي.
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : أن قيامها مختص بعلمه.
الثاني : أن قيامها موقوف على إرادته.
﴿ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ فيما يشاء من زمان ومكان
. ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : من ذكر وأنثى، سليمٍ وسقيم.
الثاني : من مؤمن وكافر وشقي وسعيد.
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : من خير أو شر.
الثاني : من إيمان أو كفر.
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : على أي حكم تموت من سعادة أو شقاء، حكاه النقاش.
الثاني : في أي أرض يكون موته ودفنه وهو أظهر. وقد روى أبو مليح عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول الله ﷺ :« إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْضَ رُوحٍ عَبْدٍ بَأَرْضٍ جَعَلَ إِلَيْهَا حَاجَةً فَلَمْ يَنْتهِ حَتَّى يُقَدِمَهَا » ثم قرأ ﷺ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ إلى قوله :﴿ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾.
وقال هلال بن إساف : ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يدفن فيها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : عليم بالغيب خبير بالنية.
الثاني : عليم بالأعمال خبير بالجزاء.
ويقال إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية يقال له الوارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي ﷺ فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى تقول الساعة؟ فنزلت هذه الآية، والله أعلم.
Icon