ﰡ
«٢١٢٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أحمد] المليحي قال أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النعيمي أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بن زنجويه ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَنَّ شُجَاعًا حَدَّثَهُ عَنْ أبي ظبية [٢] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لم تصبه فاقه أبدا» [قال] [٣] وكان أبو ظبية لَا يَدَعُهَا أَبَدًا.
سُورَةُ الْحَدِيدِ
مدنية وهي تسع وعشرون آية
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥)
- إسناده ضعيف، شجاع وأبو ظبية مجهولان.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٤٩٨ من طريق خالد بن خداش عن عبد الله بن وهيب به.
- وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص ١٣٨ وابن البيهقي في «الشعب» ٢٤٩٩ وابن السني ٦٨٠ وابن الجوزي في «العلل» ١٥١ من طرق عن السري بن يحيى بهذا الإسناد، ووقع عند أبي عبيد «عن أبي شجاع» بدل «شجاع» وسقط «شجاع» من إسناد ابن السني.
- قال الذهبي في «تلخيص الواهيات» : شجاع لا يدرى من هو اه نقله ابن عراق في «تنزيه الشريعة» ١/ ٣٠١.
- وقال ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وشجاع والسري لا أعرفهما.
- قلت: السري وثقه الجماعة وأحمد، فلا يصح ذكر السري عن أحمد، والصواب ما نقله ابن حجر في «الكشاف» ٤/ ٤٧١ عن أحمد قوله: هذا حديث منكر. وشجاع لا أعرفه اهـ.
- ولعل صواب العبارة عن أحمد: هذا حديث منكر، وشجاع وأبو ظبية لا أعرفهما، لأن كلا منهما مجهول.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٤٩٧ من طريق السري عن شجاع عن أبي فاطمة أن عثمان بن عفان عاد ابن مسعود في مرضه... فذكره.
- وأبو فاطمة هذا مجهول، والظاهر أن شجاعا قلبه.
- الخلاصة: الإسناد ضعيف، والمتن منكر، قد أنكره الإمام أحمد وغيره.
- وانظر «الكشاف» ١١٣٠ و «الجامع لأحكام القرآن» ٥٧٧٤ بتخريجي.
(١) في المطبوع «الصرّاف» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٢) في المطبوع «أبي طيبة» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(٣) زيادة عن المخطوط.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْأَوَّلُ بِبِرِّهِ إِذْ عَرَّفَكَ تَوْحِيدَهُ وَالْآخِرُ بِجُودِهِ إِذْ عَرَّفَكَ التَّوْبَةَ عَلَى مَا جَنَيْتَ، وَالظَّاهِرُ بِتَوْفِيقِهِ إِذْ وَفَّقَكَ لِلسُّجُودِ لَهُ، وَالْبَاطِنُ بِسَتْرِهِ إذا عَصَيْتَهُ فَسَتَرَ عَلَيْكَ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: هُوَ الْأَوَّلُ بِشَرْحِ الْقُلُوبِ، وَالْآخِرُ بِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، وَالظَّاهِرُ بِكَشْفِ الْكُرُوبِ، وَالْبَاطِنُ بِعِلْمِ الْغُيُوبِ. وَسَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَعْبًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: مَعْنَاهَا إِنَّ عِلْمَهُ بِالْأَوَّلِ كَعِلْمِهِ بِالْآخَرِ، وَعِلْمَهُ بِالظَّاهِرِ كَعِلْمِهِ بِالْبَاطِنِ. وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
«٢١٢٩» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بن حرب ثنا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: «اللهم رب السموات وَرَبَّ الْأَرْضِ [وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا] [١] وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الحب والنوى [و] منزل التوراة والإنجيل والفرقان [٢] أَعَوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَاغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ» وَكَانَ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما
- جرير هو ابن عبد الحميد.
- وهو في «صحيح مسلّم» ٢٧١٣ عن أبي خيثمة زهير بن حرب بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان ٥٥٣٧ من طريق أبي خيثمة به.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٧٩٠ وابن السني ٧٢٠ من طريق إسحاق بن راهوية عن جرير به.
- وأخرجه مسلّم ٢٧١٣ ح ٦٢ والترمذي ٢٤٠٠ من خالد الطحان عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضاجعنا... فذكره.
- وأخرجه أبو داود ٥٠٥١ وابن ماجه ٣٨٧٣ وابن أبي شيبة ١٠/ ٢٥١ وأحمد ٢/ ٣٨٢ و٥٣٦ من طرق عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عن أبي هريرة مرفوعا.
(١) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».
(٢) في المطبوع «القرآن» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري».
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥).
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٦ الى ١٠]
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، يُخَاطِبُ كُفَّارَ مَكَّةَ، وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، مُمَلَّكِينَ فِيهِ يَعْنِي الْمَالَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ وَأَعْطَاهُ قُرَيْشًا فَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْمَالِ خُلَفَاءَ عَمَّنْ مَضَوْا. فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ.
وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو أَخَذَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ مِيثاقَكُمْ بِرَفْعِ الْقَافِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ والخاء ونصب القاف، أَيْ: أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَكُمْ حِينَ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ لَا إله لكم سواه، قال مُجَاهِدٌ: وَقِيلَ: أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَوْمًا، فَالْآنَ أَحْرَى الْأَوْقَاتِ أَنْ تُؤْمِنُوا لِقِيَامِ الْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ.
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آياتٍ بَيِّناتٍ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، لِيُخْرِجَكُمْ، اللَّهُ بِالْقُرْآنِ، مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَقِيلَ: لِيُخْرِجَكُمُ الرَّسُولُ بِالدَّعْوَةِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَيْ مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِيمَا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَيِّتُونَ تَارِكُونَ أَمْوَالَكُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ فَضْلَ من سبق بالإنفاق [فيما يقرب] [١] فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبِالْجِهَادِ فَقَالَ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ، يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقاتَلَ، يَقُولُ لَا يَسْتَوِي فِي الْفَضْلِ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ وَقَاتَلَ الْعَدُوَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ مَعَ مَنْ أَنْفَقَ وَقَاتَلَ بَعْدَهُ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ [٢] أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَأَوَّلُ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ بِسَيْفِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ.
(٢) في المخطوط (ب) «الكعبي» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، أَيْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. قَالَ عَطَاءٌ: دَرَجَاتُ الْجَنَّةِ تَتَفَاضَلُ، فالذين أنفقوا [من] [٢] قَبْلَ الْفَتْحِ فِي أَفْضَلِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «وَكُلٌّ» بِالرَّفْعِ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١١ الى ١٣]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ، يَعْنِي عَلَى الصِّرَاطِ، بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ، يَعْنِي عَنْ أَيْمَانِهِمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ جَمِيعَ جَوَانِبِهِمْ فَعَبَّرَ بِالْبَعْضِ عَنِ الْكُلِّ وَذَلِكَ دَلِيلُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ.
«٢١٣١» وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من يضيء نوره».
[يعني: على الصراط] [٣]، مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنِ أَبْيَنَ وَصَنْعَاءَ وَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ من المؤمنين من لا
- قال ابن حبان: يروى عن أبي إسحاق العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال. وقد توبع الكديمي عند ابن حبان والواحدي وعلة الحديث العلاء.
- أبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن الحارث.
- وأخرجه ابن حبان في «المجروحين» ٢/ ١٨٥ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٤٦ من طريق عمر بن حفص الشيبان عن العلاء بن عمرو بهذا الإسناد.
- وذكره ابن كثير في «التفسير» عند هذه الآية من طريق البغوي وقال: هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه.
- كذا قال رحمه الله، بل إسناده واه بمرة، وقال الذهبي في «الميزان» ٣/ ١٠٣: هذا كذب، وهو كما قال الذهبي رحمه الله، فإن المتن منكر جدا، ومما يدل على وضعه، هو أنه ساقه بإسناد على شرط البخاري.
٢١٣١- ضعيف أخرجه الطبري ٣٣٦١٤ عن قتادة مرسلا، ومع إرساله هو بصيغة التمريض.
- وقد أخرجه الطبري ٣٣٦١٦ عن ابن مسعود موقوفا، وهو أصح. لكن الآية شاهد بذلك، والله أعلم.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع، وهذه الزيادة ليست في المخطوط ولا في «تفسير الطبري» ٣٣٦١٤.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ: وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ أَعْلَى إِبْهَامِهِ فَيُطْفَأُ مَرَّةً وَيَقِدُ مَرَّةً.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ كُتُبُهُمْ يُرِيدُ أَنَّ كُتُبَهُمُ الَّتِي أُعْطُوهَا بِأَيْمَانِهِمْ وَنُورِهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ: أَنْظِرُونَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ يَعْنِي أَمْهِلُونَا. وَقِيلَ: انْتَظِرُونَا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِحَذْفِ الْأَلْفِ فِي الْوَصْلِ وَضَمِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَضَمِّ الظَّاءِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: انْظُرْنِي وَأَنْظِرْنِي يَعْنِي انْتَظِرْنِي. نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، نَسْتَضِيءُ مِنْ نُورِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الْمُؤْمِنِينَ نُورًا عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ يَمْشُونَ بِهِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَيُعْطِي الْمُنَافِقِينَ أَيْضًا نُورًا خَدِيعَةً لَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النساء: ١٤٢]، فبينما هُمْ يَمْشُونَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ عليهم ريحا وظلمة فأطفأ [٢] نُورَ الْمُنَافِقِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا [التَّحْرِيمِ: ٨] مَخَافَةَ أَنْ يُسْلَبُوا نُورَهُمْ كَمَا سُلِبَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلْ يَسْتَضِيءُ الْمُنَافِقُونَ بِنُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُعْطَوْنَ النُّورَ فَإِذَا سَبَقَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَبَقُوا فِي الظُّلْمَةِ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ، فَالْتَمِسُوا نُوراً، فَاطْلُبُوا هُنَاكَ لِأَنْفُسِكُمْ نُورًا فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُورِنَا، فَيَرْجِعُونَ فِي طَلَبِ النُّورِ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ لِيَلْقُوهُمْ فَيُمَيَّزُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ، أي سور، والباء صِلَةٌ يَعْنِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لَهُ أَيْ لِذَلِكَ السُّورِ، بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، أَيْ فِي بَاطِنِ ذَلِكَ السُّورِ الرَّحْمَةُ وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَظاهِرُهُ، أَيْ خَارِجَ ذَلِكَ السُّورِ، مِنْ قِبَلِهِ، أَيْ مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ، الْعَذابُ، وَهُوَ النار.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)
يُنادُونَهُمْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو [٣] قَالَ: إِنَّ السُّورَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ هُوَ سُورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشَّرْقِيُّ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العذاب، وادي جهنم.
وقال ابن شُرَيْحٌ: كَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: فِي الْبَابِ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الرَّحْمَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنَّهُ الْبَابُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ الْآيَةَ، يُنَادُونَهُمْ يَعْنِي: يُنَادِي [٤] الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَاءِ السُّورِ حِينَ حُجِزَ [٥] بَيْنَهُمْ بِالسُّورِ وَبَقُوا فِي الظُّلْمَةِ: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا نُصَلِّي وَنَصُومُ؟ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَهْلَكْتُمُوهَا بِالنِّفَاقِ وَالْكُفْرِ وَاسْتَعْمَلْتُمُوهَا فِي الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ، وكلها فتنة،
(٢) في المطبوع «فأطفأت» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «عبد الله بن عمر» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «ينادون» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «حجب» والمثبت عن المخطوط.
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ تُؤْخَذُ بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، فِدْيَةٌ بَدَلٌ وَعِوَضٌ بِأَنْ تَفْدُوا]
أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ، صَاحِبُكُمْ وَأَوْلَى بِكُمْ لِمَا أَسْلَفْتُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٦ الى ١٨]
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: ١٦]، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ:
نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالُوا حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ، فَنَزَلَتْ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يُوسُفَ: ٣]، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ أَحْسَنُ قَصَصًا مِنْ غَيْرِهِ فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِ سَلْمَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ عَادُوا فَسَأَلُوا سَلْمَانَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَنَزَلَ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزُّمَرِ: ٢٣]، فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ عَادُوا فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ فَنَزَلَتْ هذه الآية [٢]. فعلى هذا تأويل قَوْلُهُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، يَعْنِي فِي الْعَلَانِيَةِ وَبِاللِّسَانِ.
وَقَالَ الآخرون: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبْنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ. [٣]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ نِزُولِ الْقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَلَمْ يَأْنِ، أَلَمْ يَحِنْ لِلَّذِينِ آمَنُوا أَنْ تخشع [قلوبهم] ترق وتلين وتخضع [٤] لِذِكْرِ اللَّهِ، وَما نَزَلَ، قَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا، مِنَ الْحَقِّ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، الزَّمَانُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَالُوا إِلَى الدُّنْيَا وَأَعْرَضُوا عَنْ مواعظ الله،
(٢) ذكره تعليقا عنهما، والكلبي متروك كذاب، ومقاتل إن كان ابن سليمان، فهو كذاب أيضا، وإن كان ابن حيان فذو مناكير، والخبر منكر جدا، أمارة الوضع لائحة عليه.
(٣) هذا الأثر، أخرجه مسلم ٣٠٢٧ عن ابن مسعود قوله. [.....]
(٤) زيد في المطبوع «قلوبهم».
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ فِيهِمَا مِنَ التَّصْدِيقِ أَيِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهِمَا أَيِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ، وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يُضاعَفُ لَهُمْ، ذَلِكَ الْقَرْضُ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ، ثواب حسن وهو الجنة.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ، وَالصِّدِّيقُ الْكَثِيرُ الصِّدْقَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ مَنْ آمَنَ بالله ورسله فَهُوَ صِدِّيقٌ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَبَقُوا أَهْلَ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَحَمْزَةُ، وَتَاسِعُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِهِمْ لِمَا عَرَفَ مِنْ صِدْقِ نِيَّتِهِ.
وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، اخْتَلَفُوا فِي نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قبلها والواو وَاوُ النَّسَقِ، وَأَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين. وقال الضحاك: هم الذين سميناهم. وقال مُجَاهِدٌ: كُلُّ مُؤْمِنٍ صِدِّيقٌ شَهِيدٌ، وَتلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: هُمُ الصِّدِّيقُونَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ:
وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، [قالوا] [٣] والواو وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عباس وهو قَوْلُ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. لَهُمْ أَجْرُهُمْ، بِمَا عَمِلُوا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَنُورُهُمْ، عَلَى الصِّرَاطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا، أَيْ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَ (مَا) صِلَةٌ أَيْ إن الحياة في هذه
(٢) تقدم هذا الأثر.
(٣) زيادة عن المخطوط.
وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ، أَيْ مُبَاهَاةٌ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهَا مَثَلًا فَقَالَ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ، أَيِ الزُّرَّاعَ، نَباتُهُ، مَا نَبَتَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْثِ، ثُمَّ يَهِيجُ، يَيْبَسُ، فَتَراهُ مُصْفَرًّا، بَعْدَ خُضْرَتِهِ وَنَضْرَتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً، يَتَحَطَّمُ وَيَتَكَسَّرُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَيَفْنَى، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ، قَالَ مقاتل: لأعداء الله، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً، يَتَحَطَّمُ وَيَتَكَسَّرُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَيَفْنَى، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَعْدَاءِ اللَّهِ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ، لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ.
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الْغُرُورِ لِمَنْ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِطَلَبِ الْآخِرَةِ وَمَنِ اشْتَغَلَ بِطَلَبِهَا فَلَهُ مَتَاعُ بِلَاغٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ منه.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢١ الى ٢٥]
سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)
سابِقُوا، سَارَعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَوْ وُصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، فَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ، يعني: [من] [١] قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ وَنَقْصَ الثِّمَارِ، وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي الْأَمْرَاضَ وَفَقْدَ الْأَوْلَادِ، إِلَّا فِي كِتابٍ، يَعْنِي اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها، مِنْ قَبْلِ أن نخلق الأرض والأنفس. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ الْمُصِيبَةَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي النَّسَمَةَ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، أَيْ إِثْبَاتَ ذَلِكَ عَلَى كَثْرَتِهِ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ.
لِكَيْلا تَأْسَوْا، تَحْزَنُوا، عَلى مَا فاتَكُمْ، مِنَ الدُّنْيَا، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ [تبطروا بِمَا آتَاكُمْ] [٢]، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِقَصْرِ الْأَلْفِ لِقَوْلِهِ فاتَكُمْ فَجَعَلَ الْفِعْلَ لَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آتاكُمْ بِمَدِّ الْأَلِفِ، أَيْ: أَعْطَاكُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَفْرَحُ وَيَحْزَنُ وَلَكِنِ اجْعَلُوا الْفَرَحَ شُكْرًا وَالْحُزْنَ صَبْرًا. وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ، مُتَكَبِّرٍ بِمَا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا، فَخُورٍ، يَفْخَرُ بِهِ عَلَى النَّاسِ.
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ: يا ابن آدم مالك تَأْسَفُ عَلَى مَفْقُودٍ لَا يَرُدُّهُ إليك الفوت، ومالك تَفْرَحُ بِمَوْجُودٍ لَا يَتْرُكُهُ فِي يَدِكَ الْمَوْتُ.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، قِيلَ: هُوَ فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ عَلَى نَعْتِ الْمُخْتَالِ. وَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِيمَا بَعْدَهُ. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ، أَيْ يُعْرِضْ عَنِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، قرأ
(٢) زيادة عن المخطوط.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، بِالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ، يَعْنِي الْعَدْلَ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُوَ مَا يُوزَنُ بِهِ أَيْ وَوَضَعْنَا الْمِيزَانَ كَمَا قَالَ: وَالسَّماءَ رَفَعَها [الرحمن: ٧] بأن وضع وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، لِيَتَعَامَلُوا بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ.
«٢١٣٢» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ الْحَدِيدَ وَالنَّارَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي مَعْنَى قوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ، أَنْشَأْنَا وَأَحْدَثْنَا، أَيْ أَخْرَجَ لَهُمُ الْحَدِيدَ مِنَ الْمَعَادِنِ وَعَلَّمَهُمْ صَنَعْتَهُ بِوَحْيهِ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: هَذَا مِنَ النَّزْلِ كَمَا يُقَالُ أَنْزَلَ الْأَمِيرُ عَلَى فُلَانٍ نَزْلًا حَسَنًا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ نَزْلًا لَهُمْ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزُّمَرِ: ٦]. فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، قُوَّةٌ شَدِيدَةٌ يَعْنِي السِّلَاحَ لِلْحَرْبِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: فِيهِ جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ يَعْنِي آلَةُ [الدَّفْعِ] [١] وَآلَةُ الضَّرْبِ، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، مِمَّا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي مَصَالِحِهِمْ كَالسِّكِّينِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ وَنَحْوِهَا إِذْ هُوَ آلَةٌ لِكُلِّ صَنْعَةٍ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ، أَيْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِيَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ وَلِيَرَى اللَّهُ، مَنْ يَنْصُرُهُ، أَيْ دِينَهُ.
وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، أَيْ قَامَ بِنُصْرَةِ الدِّينِ وَلَمْ يَرَ اللَّهَ وَلَا الْآخِرَةَ وَإِنَّمَا يُحْمَدُ وَيُثَابُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ بِالْغَيْبِ. إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، قَوِيٌّ فِي أمره عزيز في ملكه،
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، عَلَى دِينِهِ، رَأْفَةً، وَهِيَ أَشَدُّ الرِّقَّةِ، وَرَحْمَةً، كَانُوا مُتَوَادِّينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها [الفتح: ٢٩]، مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا بِعَطْفٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ: وَابْتَدَعُوا رهبانية أي جاؤوا بِهَا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، مَا كَتَبْناها، أَيْ مَا فَرَضْنَاهَا، عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ، يَعْنِي وَلَكِنَّهُمُ ابْتَغَوْا رِضْوَانَ اللَّهِ بِتِلْكَ الرَّهْبَانِيَّةِ وَتِلْكَ الرَّهْبَانِيَّةُ مَا حَمَّلُوا أَنْفُسَهَمْ مِنَ الْمَشَاقِّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّعَبُّدِ فِي الْجِبَالِ، فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها، أَيْ لَمْ يَرْعَوْا الرَّهْبَانِيَّةَ حَقَّ رِعَايَتِهَا بَلْ ضَيَّعُوهَا وَكَفَرُوا بِدِينِ عِيسَى فَتَهَوَّدُوا وَتَنَصَّرُوا وَدَخَلُوا فِي دِينِ مُلُوكِهِمْ وَتَرَكُوا التَّرَهُّبَ [٢]، وَأَقَامَ مِنْهُمْ أُنَاسٌ عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنُوا بِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَيْهَا وَهُمْ أَهْلُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «الترهيب» والمثبت عن المخطوط.
«٢١٣٣» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنْبَأَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المزني ثنا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سليمان ثنا شيبان بن فروخ ثنا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ [١] عَنْ عَقِيلٍ الْجَعْدِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفْلَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ اخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً نَجَا مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهَلَكَ سَائِرُهُنَّ فِرْقَةٌ آزَتِ [٢] الْمُلُوكَ وَقَاتَلُوهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَخَذُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ وَفُرْقَةٌ لَمْ تكن لهم طاقة بمؤزّاة [٣] الْمُلُوكِ وَلَا بِأَنْ يُقِيمُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَاحُوا فِي الْبِلَادِ وَتَرَهَّبُوا، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ فقال النبي: مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي وَاتَّبَعَنِي فَقَدْ رَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي فَأُولَئِكَ هُمُ الْهَالِكُونَ».
«٢١٣٤» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ أَتُدْرِي [٤] مِنْ أَيْنَ اتَّخَذَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّهْبَانِيَّةَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ظَهَرَتْ عَلَيْهِمُ الْجَبَابِرَةُ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي فَغَضِبَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فَقَاتَلُوهُمْ فَهُزِمَ أَهْلُ الْإِيمَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يبق
- قال الذهبي في «الميزان» ٣/ ٨٨: قال البخاري: منكر الحديث.
- قلت: وقاعدة البخاري: كل من قلت عنه منكر الحديث، فلا يحل الرواية عنه.
- وله علة ثانية، وهي عنعنة أبي إسحق.
- أبو إسحق هو عمرو بن عبد الله.
- وأخرجه الطبراني ١٠٥٣١ من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي عن شيبان بن فروخ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم ٢/ ٤٨٠ والطبراني ١٠٥٣١ من طريق عبد الرحمن بن المبارك عن الصعق بن حزن به.
- وأخرجه الطبري ٣٣٦٧٧ من طريق داود بن المحبر عن الصعق بن حزن به، وداود متروك.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٥٤ من طريق الحسن بن سفيان عن شيبان به.
- وأخرجه الطبراني ١٠٣٥٧ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية من طريقين عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن أبيه عن جدّه ابن مسعود.
- وهذا إسناد واه، ليس بشيء، بكير هو معروف، قال الذهبي عنه في «الميزان» ١/ ٣٥٠: وثقه بعضهم، وقال ابن المبارك: ارم به.
- وفيه مقاتل بن حيان، وهو وإن وثقه غير واحد، فقد روى مناكير، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به. وفيه أيضا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، عامة ما يرويه عن أبيه مرسل.
- وقال الهيثمي في «المجمع» ٧/ ٢٦٠- ٢٦١ رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير بكير بن معروف وثقه أحمد وغيره، وفيه ضعف.
- الخلاصة: هو حديث ضعيف جدا كونه مرفوعا، والأشبه فيه الوقف، والله أعلم. وانظر «أحكام القرآن» ٢٠٤٣ لابن العربي بتخريجي.
٢١٣٤- تقدم مع ما قبله، وهو ضعيف جدا.
(١) في المطبوع «حرب» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(٢) في المطبوع وفي «مستدرك الحاكم» «وارث» وفي المخطوط «أذت» والمثبت عن ط.
(٣) في المطبوع «بموازة والمثبت عن ط والمخطوط. [.....]
(٤) في المطبوع «هل تدري» والمثبت عن المخطوط.
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «الْهِجْرَةُ وَالْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالتَّكْبِيرُ عَلَى التِّلَاعِ» [١].
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةً وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
«٢١٣٥» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: كانت ملوك بني إسرائيل بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَدَّلُوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ الله فقيل لملوكهم لو جمعتهم هؤلاء الذين [تشيعوا] [٢] شَقُّوا عَلَيْكُمْ فَقَتَلْتُمُوهُمْ أَوْ دَخَلُوا فيما نحن فيه، فجمعهم ملكهم وَعُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نَكْفِيكُمْ أَنْفُسَنَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا ثُمَّ أَعْطَوْنَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا، وَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَنَهِيمُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا بِأَرْضٍ فَاقْتُلُونَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دَوْرًا فِي الْفَيَافِي نَحْتَفِرُ الْآبَارَ وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، فَفَعَلُوا بِهِمْ ذَلِكَ فَمَضَى أُولَئِكَ عَلَى مِنْهَاجِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخَلَفَ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِهِمْ مِمَّنْ قَدْ غَيَّرَ الْكِتَابَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ نَكُونُ فِي مَكَانِ فُلَانٍ فَنَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ وَنَتَّخِذُ دَوْرًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها أَيِ ابْتَدَعَهَا هَؤُلَاءِ الصَّالِحُونَ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، يعني الآخرين الذين جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [هم] الذين جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ حتى هبط [٣] رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَجَاءَ سَيَّاحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ وَصَاحِبُ دَيْرٍ مِنْ ديره وآمنوا به.
- وإسناده ضعيف.
- قال الهيثمي في «المجمع» ٥/ ٢٧٨: رواه أبو يعلى وأحمد إلا أنه قال: «لكل نبي رهبانية... » وفيه زيد العمي وثقه أحمد وغيره، وضعفه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة، أخرجه أبو داود ٢٤٨٦ وفيه القاسم بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد ٣/ ٨٢ من طريق إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي عن أبي سعيد الخدري.
- وأخرجه أبو يعلى ١٠٠٠ من طريق يعقوب القمي عن ليث عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري.
- وإسناده ضعيف، لضعف ليث بن أبي سليم.
- وللحديث شواهد، فهو حسن إن شاء الله، والله أعلم.
- وانظر: «فتح القدير» ٢٤٦٠ للشوكاني بتخريجي.
(١) في المخطوط «القلاع».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «انحط» والمثبت عن المخطوط.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ والنصارى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى اتَّقَوْا اللَّهَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ، مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ، نَصِيبَيْنِ، مِنْ رَحْمَتِهِ، يَعْنِي يُؤْتِكُمْ أَجْرَيْنِ لِإِيمَانِكُمْ بِعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ قَوْمٌ: انْقَطَعَ الْكَلَامُ عند قوله وَرَحْمَةً ثم قال: وَرَهْبَانِيَّةٌ ابْتَدَعُوهَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحَقَّ فَأَكَلُوا الْخِنْزِيرَ وَشَرِبُوا الْخَمْرَ وَتَرَكُوا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْخِتَانَ، فَمَا رَعَوْهَا يَعْنِي الطَّاعَةَ وَالْمِلَّةَ حَقَّ رِعايَتِها كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا الرَّهْبَانِيَّةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ، مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ما أمرناهم وما كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَمَا أَمَرْنَاهُمْ بِالتَّرَهُّبِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ نَصِيبَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
«٢١٣٦» وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فأدبها فأحسن أدبها [١] ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِكِتَابِهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبَدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنُصْحَ سَيِّدَهُ» وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي عَلَى الصِّرَاطِ، كَمَا قَالَ: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [التَّحْرِيمِ: ٨] وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النُّورَ هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْهُدَى وَالْبَيَانُ، أَيْ يَجْعَلْ لَكُمْ سَبِيلًا وَاضِحًا فِي الدِّينِ تَهْتَدُونَ بِهِ.
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقِيلَ: لَمَّا سَمِعَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ [الْقَصَصِ: ٥٤] قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَمَّا مَنْ آمَنَ مِنَّا بِكِتَابِكُمْ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ لِإِيمَانِهِ بِكِتَابِكُمْ وَبِكِتَابِنَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنَّا فَلَهُ أَجْرٌ كَأُجُورِكُمْ فَمَا فَضْلُكُمْ عَلَيْنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ فجعل [٢] لهم الأجر [٣] إِذَا آمَنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَهُمُ النُّورَ وَالْمَغْفِرَةَ.
ثُمَّ قَالَ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ، قَالَ قَتَادَةُ: حَسَدَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ يُوشِكُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَّا نَبِيٌّ يَقْطَعُ الْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَيْ لِيَعْلَمَ وَ (لَا) صِلَةٌ، أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، أَيْ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّهُمْ لَا أَجْرَ لَهُمْ وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي فَضْلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
(١) في المطبوع «تأديبها» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فيجعل» عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الأجرين» والمثبت عن المخطوط.
لا قال: «فإنه فضلي أعطيته مَنْ شِئْتُ».
«٢١٣٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ العلاء [١] ثنا أبو أسامة عن بريد [٢] عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قوما يعملون له عملا [يوما] [٣] إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَاهُ بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ لَا تَفْعَلُوا أَكْمِلُوا بَقِيَةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كاملا، فأبوا وتركوا واستأجر [٤] آخَرِينَ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ [٥] الْعَصْرِ قَالُوا مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ وَلَكَ الْأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فأبوا
- الليث هو ابن سعد، نافع مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩١٢.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٥٩ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٢٦٨ وأحمد ٢/ ٦ والرامهرمزي في «الأمثال» ص ٥٩ والبيهقي ٦/ ١١٨ من طريقين عن نافع به.
- وأخرجه البخاري وأحمد ٢/ ١١١ من طريق سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به.
- وأخرجه البخاري ٢٢٦٩ والترمذي ٢٨٧١ من طريق مالك عن ابن دينار عن ابن عمر به.
- وأخرجه ابن حبان ٦٦٣٩ و٧٢١٧ من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار عن ابن عمر به.
- وأخرجه البخاري ٥٥٧ و٧٤٦٧ و٧٥٣٣ والطيالسي ١٨٢٠ والبيهقي ٨/ ١١٨- ١١٩ من طرق عن الزهري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر عن أبيه.
٢١٣٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو أسامة هو حماد بن أسامة، بريد هو ابن عبد الله بن أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأشعري.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩١٣ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٨/ ٥٥ عن محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٢٧١ وابن حبان ٧٢١٨ والبيهقي ٦/ ١١٩ من طريق محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي ٦/ ١١٩ من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.
(١) في المطبوع «العلماء» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٢) في المطبوع «يزيد» والمثبت عن «شرح السنة».
(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٤) زيد في المطبوع «قوما».
(٥) في المطبوع «الصلاة» والمثبت عن المخطوط.