تفسير سورة الحديد

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ سَبَّحَ للَّهِ ﴾ عبر هنا وفي الحشر والصف بالماضي، وفي الجمعة والتغابن بالمضارع، وفي الأعلى بالأمر، وفي الإسراء بالمصدر، إشعاراً بأن التسبيح مطلوب من الإنسان في كل حال، وصدر بالمصدر تنبيهاً على أن تنزيهه تعالى مطلق، لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا بفاعل معين، كما أن المصدر مطلق عن الفاعل والزمان ثم بالماضي لتقدم زمنه، ثم بالمضارع لشموله للحال والاستقبال، ثم بالأمر لتأكيد الحث على طلبه من الشخص، فكأنه قال: حيث علمت أيها الشخص، أن ربك منزه تنزيهاً مطلقاً، وسبحه من تقدم من المخلوقات، واستمروا على تسبيحه، فعليك بالاشتغال به، والتسبيح تنزيه المولى عن كل ما لا يليق به قولاً وفعلاً واعتقاداً من سبح في الأرض والماء ذهب وأبعد فيهما، إن قلت: إن ﴿ سَبَّحَ ﴾ متعد بنفسه، فما وجه الإتيان باللام له؟ أجيب: بأن اللام زائدة للتأكيد، كما في نصحت له وشكرت له، وعليه اقتصر المفسر، أو التعليل، والمعنى: فعل التسبيح لأجل رضا الله تعالى وخالصاً لوجهه، لا لغرض آخر. قوله: (فاللام مزيدة) أي للتأكيد، وهو مفرع على قوله: (أي نزهه) أو أصلية للتعليل كما علمت. قوله: (تغليباً للأكثر) أي وهو غير العاقل، فالمراد بالسماوات والأرض جهة العلو والسفل، فيشمل نفس السماوات والأرض، واعلم أن تسبيح العقلاء بلسان المقال اتفاقاً. واختلف في تسبيح غيرهم، فقيل بالحال أي إن ذاتها دالة على تنزيه صانعها عن كل نقص، وقيل بلسان المقال أيضاً، ولكن لا يطلع على تسبيحها، إلا من خصه الله بذلك. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ (في ملكه) أي الغالب على أمره لا يغلبه شيء. قوله: ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ (في صنعه) أي يضع الشيء في محله، فلا حرج عليه، ولا معقب لحكمه. قوله: ﴿ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ جملة مسأتنفة كالدليل لما قبلها، كأنه قيل: ﴿ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾، لأن له ملك السماوات والأرض، يتصرف فيه على ما يريد.
قوله: (بالإنشاء) أي من العدم، وفيه رد على من يزعم، أن الإحياء يكون بترك الحي من غير قتل مثلاً كالنمرود حيث قال في محاجة ابراهيم عليه السلام: أنا أحيي وأميت، وأتى برجلين فأطلق أحدهما وقتل الآخر. قوله: ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ (بعده) أي بعد الأحياء الحاصل بالإنشاء، وأما الإحياء الثاني فلا موت بعده، قال تعالى:﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ ﴾[الدخان: ٥٦].
قوله: ﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ بضم الهاء وسكونها، قراءتان سبعيتان في جميع القرآن. قوله: ﴿ هُوَ ٱلأَوَّلُ ﴾ (قبل كل شيء) أي السابق على جميع الموجودات، وقوله: (بلا بداية) أي فلا افتتاح لوجوده. قوله: ﴿ وَٱلآخِرُ ﴾ (بعد كل شيء) أي الباقي بذاته بعد استحقاق كل ما سواه الفناء، وبهذا اندفع ما يقال: إن الجنة والنار وما فيهما، لا يطرأ عليهما الفناء، لأن كل موجود بعد عدم قابل للفناء، وبقاء ما ذكر ببقاء الله تعالى لا ذاتي له، قال العارف: من لا وجود لذاته من ذاته   فوجوده لولاه عين محالقوله (بالأدلة عليه) أي وهي آثاره وتصاريفه في خلقه: ففي كل شيء له آية   تدل على أنه الواحدقوله: (عن إدارك الحواس) أي الظاهرية والباطنية، فلا تحيط به في الدنيا ولا في الآخرة، وإنما رؤيته وسماع كلامه في الآخرة، من غير كيف ولا انحصار ولا إحاطة، فكل مخلوق عاجز عن الإحاطة به، بل كلما عظم قرب العبد منه، ازداد خشية وهيبة وعجزاً، ولذا ورد في الحديث:" سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته ". وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أراد أحدكم أن ينام، فليضطجع على شقه الأيمن ويقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء، وأنت آخذ بناصيته ". وفي رواية:" من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، أقضي عنا الدين، وأغننا من الفقر "ا هـ. وأتى بالواور الأولى والثالثة، للجمع بين الوصفين الأولين والآخيرين، والثالثة للجمع بين مجموع الأصناف الأربعة، فهو تعالى متصف بالأولية وضدها، والظاهرية وضدها، وتلك الصفات الأربع مجموعة فيه تعالى، فالواو الأولى والثالثة عطفت مفرداً على مفرد، والثانية عطفت مجموع أمرين على مجمع أمرين. قوله: (الكرسي) تقدم غير مرة، أن المناسب إبقاء العرش على ظاهره. قوله: (استواء يليق به) تقدم أن هذا تفسير السلف، وأما الخلف فيؤولونه بالقهر والغلبة. قوله: (والسيئة) المناسب حذفه، لأن الذي يرفع إنما هو الأعمال الصالحة، قال تعالى:﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾[فاطر: ١٠].
قوله: (بعلمه) أي وقدرته وإرادته، فالمراد بالمعية تصارفه في خلقه.
قوله: ﴿ لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ ذكره ثانياً مع الإعادة، كما ذكره أولاً مع ابتداء الخلق، فلا تكرار. قوله: ﴿ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ ﴾ بفتح التاء وكسر الجيم مبنياً للفاعل، وبضم التاء وفتح الجيم مبنياً للمفعول، قراءتان سبعيتان في جميع القرآن. قوله: (يدخله) ﴿ فِي ٱلنَّهَارِ ﴾ (فيزيد) أي النهار بسبب دخول الليل فيه، وكذا يقال في النهار. قوله: (بما فيها من الأسرار والمعتقدات) أي من خير وشر. قوله: ﴿ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ لما ذكر أنواعاً من الدلائل الدالة على التوحيد، شرع بأمره عبادة بالإيمان، وبترك الدنيا والإعراض عنها، والنفقة في وجوه البر. قوله: (دوموا على الإيمان) جواب عما يقال: إن الخطاب للمؤمنين، وحينئذ ففيه تحصيل الحاصل، وهذا نتيجة ما قبله، لأنه لما ذكر أدلة التوحيد ولا شك أن التفكر فيها، يزيد في الإيمان ويوجب الدوام عليه نتج منه الأمر بالدوام على الإيمان. قوله: (من مال من تقدمكم) الخ، أي فأنتم خلفاء عمن تقدمكم، ويصح أن المعنى من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها، فهي في الحقيقة له لا لكم، واعلم أن الأموال في الحقيقة لله تعالى، فخلف فيها أدم يتصرف فيها، وأولاده خلف عنه، وحينئذ فالخلافة إما عمن له التصرف الحقيقي وهو الله تعالى، أو عمن تصرف فيها قبله، ممن كانت في أيديهم وانتقلت لهم، وفي هذا حث على الإنفاق، وتهوين له على النفس، فلا ينبغي البخل بمال الغير، بل ينفقه في الوجوه التي تنفعه في المعاد. قوله: (وسيخلفكم فيه من بعدكم) أي من المال الذي هو بأيديكم، سواء كان من مال من تقدمكم، أو من مال اكتسبتموه بأنفسكم. قوله: (وهي غزوة تبوك) بالصرف نظراً للبقعة، ومنه للعلمية والتأنيث، وهو مكان على طرف الشام، بينه وبين المدينة أربع عشرة مرحلة، كانت تلك الغزوة في السنة التاسعة بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف، وهي آخر غزواته، ولم يقع فيها قتال، بل لما وصلوا إلى تبوك، وأقاموا بها عشرين ليلة، وقع الصلح على دفع الجزية، فرجع صلى الله عليه وسلم بالعز والنصر العظيم، وتقدم تفصيلها في سورة براءة. قوله: (أشارة إلى عثمان) أي فإنه جهز في تلك الغزوة ثلاثمائة بعير، بأقتابها وأحلاسها وأحمالها، وجاء بألف دينار وضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرساً، وقال في حقه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما على عثمان ما فعل بعد هذا "وفي رواية:" غفر الله لك يا عثمان، ما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي ما عمل بعدها "ولا خصوصية لعثمان بهذه الإشارة، بل غيره بذل فيها جهده. قوله: ﴿ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ أي عظيم.
قوله: ﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ ﴾ جملة من مبتدإ وخبر وحال، والمعنى أي شيء ثبت لكم حال كونكم غير مومنين. قوله: (أي لا مانع لكم من الإيمان) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ ﴾ الجملة حالية من الواو في تؤمنون، والمعنى لا مانع لكم من الإيمان، والحال أن الرسول يدعوكم إليه بالمعجزات الظاهرة والحجج الباهرة. قوله: ﴿ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ ﴾ الجملة حالية أيضاً من الكاف في ﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾.
قوله: (بضم الهمزة وكسر الخاء) أي ورفع ﴿ مِيثَاقَكُمْ ﴾ توتركه لوضوحه. قوله: (وبفتحهما) قراءتان سبعيتان. قوله: (أي أخذه الله) الخ، تفسير للقراءتين. قوله؛ (أي مريدين الإيمان به) جواب عما يقال: كيف قال؟ ﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ﴾ ثم قال ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ ويجاب أيضاً: بأن المعنى إن كنتم مؤمنين بموسى وعيسى، فإن شريعتهما مقتضية للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (فبادروا إليه) أشار بذلك إلى أن جواب الشرط محذوف. قوله: ﴿ عَلَىٰ عَبْدِهِ ﴾ أي وهو محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي حيث طلبكم للإيمان، وأقام لكم الحجج على ألسنة الرسل وأمهلكم.
قوله: ﴿ أَلاَّ تُنفِقُواْ ﴾ توبيخ لهم على ترك الإنفاق المأمور به بعد توبيخهم على ترك الإيمان. قوله: ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ أي طاعته جهاداً أو غيره. قوله: ﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ الجملة حالية، والمعنى أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله، والحال أن ميراث السماوات والأرض له، فالدنيا له ابتداء وانتهاء، وإنما جعلكم خلفاء لكم أجر الإنفاق، وعليكم وزر الإمساك. قوله: ﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم ﴾ الخ، أي لأن الذين أنفقوا من قبل، وقاتلوا من قبل، فعلوا ذل لعزة الإسلام وغزة أهله، فنصروا الدين بأنفسهم وأموالهم، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين قال فيهم رسول الله." لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفه "بخلاف من أنفق وقاتل بعد الفتح، فسعيه وإن كان مشكوراً لا يصل لتلك المزية. قوله: ﴿ مَّنْ أَنفَقَ ﴾ هو فاعل ﴿ لاَ يَسْتَوِي ﴾ والاستواء لا يكون إلا بين شيئين، فحذف المقابل لوضوحه، والتقدير: ومن أنفق بعد الفتح وهو صادق بكل من آمن وأنفق من بعد الفتح إلى يوم القيامة. قوله: (لمكة) وقيل هو صلح الحديبية. قوله: ﴿ وَكُلاًّ ﴾ بالنصب مفعول مقدم، وقرأ ابن عامر بالرفع مبتدأ، والجملة بعده خبر، والعائد محذوف أي وعده الله، والمعنى: أن كلاً ممن آمن وأنفق قبل الفتح، ومن آمن وأنفق بعده ومات على الإيمان، وعده الله الحسنى أي الجنة، وإن كانت درجات الأوائل، أعلى من درجات الأواخر. قوله: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي ﴾ يحتمل أن ﴿ مَّن ﴾ اسم استفهام مبتدأ، و ﴿ ذَا ﴾ خبره، و ﴿ ٱلَّذِي ﴾ بدل منه، ويحتمل أن ﴿ مَّن ذَا ﴾ مبتدأ، والموصول خبره، وقوله: ﴿ يُقْرِضُ ٱللَّهَ ﴾ الخ، صلة الموصول على كلا الاحتمالين، وهذا تنزل منه سبحانه وتعالى، حيث ملك عباده الأموال من عنده، وسمى رجوعها إليه قرضاً، مع أن العبد وما ملكت يداه لسيده، قال صاحب الحكم: ومن مزيد فضله عليك، أن خلق ونسب إليك. قوله: (في سبيل الله) أي طاعته جهاداً أو غيره. قوله: ﴿ قَرْضاً حَسَناً ﴾ قال بعض العلماء: القرض لا يكون حسناً، حتى يجمع أوصافاً عشرة وهي: أن يكون المال من الحلال، وأن يكون من أجود المال، وأن تتصدق به وأنت محتاج إليه، وأن تصرف صدقتك إلى الأحوج إليها، وأنت تكتم الصدقة بقدر ما أمكنك، وأن لا تتبعها بالمن والأذى، وأن تقصد بها وجه الله ولا ترائي بها الناس، وأن تستحقر ما تعطي وإن كان كثيراً، وأن يكون من أحب أموالك إليك، وأن لا ترى عز نفسك وذل الفقير، فهذه عشرة خصال، إذا اجتمعت في الصدقة، كانت قرضاً حسناً. قوله: (بأن ينفقه لله) أي خالصاً لوجهه، لا رياء ولا سمعة. قوله: (وفي قراءة فيضعفه) الخ، أي وعلى كل من القراءتين، فالفعل إما مرفوع عطفاً على يقرض، أو مستأنفاً، أو منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء الواقعة في جواب الاستفهام، فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (وله مع المضاعفة) ﴿ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ ظاهر المفسر أن العبد إذا عمل الحسنة، تضاعف له إلى سبعمائة، ويعطى فوق ذلك أجراً كريماً، لا يعلم قدره إلا الله تعالى، ولكن الذي يظهر، أن الأجر الكريم يحصل له في نظير العمل المضاعف، وذلك أن المضاعفة تكتب للعبد في الدنيا، وتوزن له يوم القيامة، ويستوفي أجرها الكريم في الجنة. قوله: (رضا وإقبال) فاعل (مقترن) والمعنى أنه ثواب أعماله مع الرضا والإقبال عليه من الله تعالى كما قال:﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ﴾[التوبة: ٧٢].
قوله: (اذكر) ﴿ يَوْمَ تَرَى ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ يَوْمَ ﴾ ظرف لمحذوف وهو أحد أوجه، أو ظرف لأجر كريم، والمعنى لهم أجر كريم في ذلك اليوم، أو ظرف ليسعى، والمعنى يسعى نور المؤمنين والمؤمنات يوم تراهم. قوله: ﴿ يَسْعَىٰ نُورُهُم ﴾ الخ؛ الجملة حالية لأن الرؤية بصرية، وهذا إذا لم يجعل عاملاً في يوم. قوله: ﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي على الصراط. قوله: ﴿ وَ ﴾ (يكون) ﴿ بِأَيْمَانِهِم ﴾ قدر (يكون) دفعاً لما قد يتوهم من تسليط يسعى عليه أنه يكون النور في جهاته بعيداً عنه، والمراد بالأيمان جميع الجهات، فعبر بالبعض عن الكل، قال عبد الله بن مسعود: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه، فيطفأ مرة ويتقد أخرى، وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من المؤمنين من يضيء نوره إلى عدن وصنعاء ودون ذلك، حتى إن المؤمنين من لا يضيء نوره إلى موضع قدمه ". قوله: (ويقال لهم) أي تقول الملائكة الذين يتلقونهم ﴿ بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾ أي بشارتكم العظيمة في جميع ما يستقبلكم إلى غير نهاية. قوله: (أي ادخلوها) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ جَنَّاتٌ ﴾ خبر ﴿ بُشْرَاكُمُ ﴾ على حذف مضاف. قوله: ﴿ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ أي الجنة وما فيها من النعيم المقيم. قوله: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ بدل من ﴿ يَوْمَ تَرَى ﴾.
قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، ثم يحتمل أن القراءة الأولى بمعنى هذه، لأنه يقال: نظره بمعنى انتظره، وذلك لأنه يسرع بالمؤمنين الخالصين إلى الجنة على نجب، فيقول المنافقون: انتظرونا لأنا مشاة لا نستطيع لحقوكم، ويحتمل أن يكون من النظر وهو الإبصار كما قال المفسر، وذلك لأنهم إذا نظروا إليهم، استقبلوهم بوجوههم فيضيء لهم المكان. قوله: (أمهلونا) أي تمهلوا لنا لندرككم. قوله: ﴿ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ ﴾ أي إلى الموقف أو الدنيا، أو المعنى: ارجعوا خائبين لا سبيل لكم إلى نورنا، وهذا استهزاء بهم، وذلك لأنهم لا يستطيعون الرجوع إلى الموقف ولا إلى الدنيا. قوله: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ ﴾ الفعل مبني للمفعول، وبسور نائب فاعل والباء زائدة. قوله: (قيل هو سور الأعراف) وقيل: حائط يضرب بين الجنة والنار موصوف بما ذكر، وقيل: هو كناية عن حجبهم عن النور الذي يعطاه المومنون. قوله: ﴿ لَّهُ بَابٌ ﴾ الجملة صفة لسور، وقوله: ﴿ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ ﴾ صفة ثانية له أيضاً، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لباب، وهو أولى لقربه.
قوله: ﴿ يُنَادُونَهُمْ ﴾ جملة مستأنفة، والمعنى ينادي المنافقون المؤمنين: ألم نكن معكم نصلي كما تصلون، نطيع كما تطيعون؟ قوله: ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ أي كنتم معنا في الظاهر. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ أي أهلكتموها. قوله: (بالنفاق) أي والمعاصي والشهوات. قوله: (الدوائر) أي الحوادث. قوله: ﴿ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾ قرئ في السبع بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر، وتسهيل الثانية مع تحقيق الأولى، وبتحقيقهما، فالقراءات أربع سبعيات. قوله: ﴿ ٱلْغَرُورُ ﴾ بفتح الغين هو الشيطان كما قال المفسر، وقرئ بالضم شذوذاً، وهو مصدر بمعنى الاغترار بالباطل. قوله: ﴿ فَٱلْيَوْمَ ﴾ الظرف متعلق بيؤخذ. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما سبعيتان. قوله: ﴿ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ عطف الكافرين على المنافقين لتغايرهم في الظاهر. قوله: ﴿ هِيَ مَوْلاَكُمْ ﴾ يجوز أن يكون مصدراً، أي ولايتكم أي ذات ولايتكم، وأن يكون مكاناً، أي مكان ولايتكم، وأن يكون بمعنى أولى، أي هي أولى بكم، وهو الذي اقتصر عليه المفسر، ويصح أن يكون بمعنى ناصركم، أي لا ناصر لكم إلا النار؛ وهو تهكم بهم.
قوله: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ الخ، العامة على سكون الهمزة وكسر النون، مضارع أنى يأني، كرمى يرمي، مجزوم بحذف حرف العلة، والمعنى: ألم يأن أوان الخشوع والخضوع لقلوب الذين آمنوا؟ وحينئذ فالذي ينبغي لهم الإقبال على شأنهم وتركهم ما لا يعنيهم، وقرئ شذوذاً بكسر الهمزة وسكون النون مضارع أن كباع، فلما جزم سكن، وحذفت عينه لالتقاء الساكنين، إذا علمت ذلك، فقول المفسر يحن حل معنى لا حل إعراب، وإلا فهو يناسب القراءة الشاذة، لأنه من حان يحين كباع يبيع، فهو مجزوم بالسكون، ومعنى حان قرب وقته. قوله: (لما أكثروا المزاج) أي بسبب لين العيش الذي أصابوه في المدينة، وذلك لأنهم لما قدموا المدينة، أصابوا من لين العيش ورفاهيته، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا على ذلك، وهذا محمول على فرقة قليلة فرحوا بمظاهر الدنيا، فحصل منهم المزاح والهزل فعوتبوا عليه، وأما غالبهم كأبي بكر وأضرابه فمقامهم يجل عن ذلك. قوله: ﴿ أَن تَخْشَعَ ﴾ ﴿ أَن ﴾ وما دخلت عليه، في تأويل مصدر فاعل بأن أي ألم يقرب خشوع قلوبهم. قوله: (بالتخفيف) أي وضمير ﴿ نَزَلَ ﴾ عائد على القرآن، وقوله: (والتشديد) أي والضمير عائد على الله تعالى، والعائد محذوف تقديره نزله، والقراءتان سبعيتان، وقوله: ﴿ مِنَ ٱلْحَقِّ ﴾ بيان لما. قوله: (معطوف على تخشع) أي ﴿ وَلاَ ﴾ نافية، ويصح أن تكون ﴿ لاَ ﴾ ناهية، فيكون انتقالاً إلى نهيهم عن التشبه بمن تقدمهم، فإن الدوام على المزاح ربما أدى لذلك. قوله: ﴿ ٱلْكِتَابَ ﴾ آل فيه للجنس الصادق بالتوراة والإنجيل. قوله: ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ ﴾ قرأ العامة بتخفيف دال ﴿ ٱلأَمَدُ ﴾ ومعناه الزمن، وقرأ غيرهم بتشديدها، وهو الزمن الطويل. قوله: (لم تلن لذكر الله) أي لم تخضع ولم تذل. قوله: ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ أي خارجون عن طاعة الله وطاعة نبيهم، والقليل متمسك بشرع نبيه، وهذا الإخبار عنهم قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم، وأما بعد ظهوره، فكل من لم يؤمن به، فهو فاسق خارج عن طاعة الله تعالى، قوله: (خطاب للمؤمنين المذكورين) أي الذين عوتبوا في شأن المزاح، كأن الله تعالى يقول لهم: يا عبادي لا تقنطوا من رحمتي، فإن شأن إحياء الأرض الميتة بالنبات، فكذلك إذا حصل منكم الإنابة والرجوع، أحييت قلوبكم بالذكر والفكر، فأنبتت العلوم والمعارف. قوله: (بهذا) أي كونه يحيي الأرض بعد موتها. وقوله: (وغيره) أي من الأمور العجيبة الدالة على باهر قدرته تعالى. قوله: (أدغمت التاء في الصاد) أي بعد قلبها صاداً. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (راجع إلى الذكور والإناث) أي فهو معطوف على مجموع الفعلين لا على الأول فقط، لما يلزم عليه من العطف على الصلة قبل تمامها. قوله (في صلة أل) الجملة نعت للاسم، أي الاسم الكائن (في صلة أل) وقوله: (فيها) متعلق بحل، وهذا من قبيل قول ابن مالك: واعطف على اسم شبه فعل فعلاً الخ. قوله: (وذكر القرض) الخ، جواب عما يقال: إن قوله: ﴿ إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ ﴾ على قراءة التشديد يغني عنه، لأن المراد بالقرض الصادقة. فأجاب: بأنه ذكره توطئة لوصفه بالحسن، فقوله: (تقييد له) أي للتصدق بوصف القرض وهو الحسن. قوله: ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمْ ﴾ أي ويكتب لهم في صحائفهم الحسنة بعشرة إلى سبعمائة إلى غير ذلك. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ أي في نظير عملهم المضاعف.
قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ مبتدأ أول، و ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ هُمُ ﴾ إما ضمير فصل أو مبتدأ ثالث، و ﴿ ٱلصِّدِّيقُونَ ﴾ خبر الثالث، وهو وخبره الثاني، وهو وخبره خبر الأول. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ ﴾ أي الموصوفون بالإيمان بالله ورسله، والمراد بالإيمان الكامل، وإلا فمجرد الإيمان لا يسمى الشخص به صديقاً؛ لأن الصديقية مرتبة تحت مرتبة النبوة. قوله: ﴿ وَٱلشُّهَدَآءُ ﴾ يحتمل أن يكون معطوفاً على ما قبله، فالوقف تام على قوله: ﴿ ٱلشُّهَدَآءُ ﴾ ويكون أخبر عن الذين آمنوا؛ بأنهم صديقون شهداء، وقوله: ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ ظرف متعلق بقوله بعد ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾ ويحتمل أن يكون مبتدأ، وخبره إما الظرف بعده أو جملة ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾ قوله: (النار) أي فمراده بالجحيم دار العذاب لا خصوص الطبقة المسماة بالجحيم. قوله: ﴿ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ ﴾ الخ، لما ذكر الآخرة وأحوال الخلق فيها، شرع يزهدهم في الدنيا، لأنها قليلة النفع سريعة الزوال. قوله: ﴿ لَعِبٌ ﴾ أي يتعب الناس فيها أنفسهم جداً، كإتعاب الصبيان أنفسهم في اللعب من غير فائدة. قوله: ﴿ وَلَهْوٌ ﴾ أي شغل عن الآخرة. قوله: ﴿ وَزِينَةٌ ﴾ أي ما يتزين به من اللباس والحلي ونحوهما. قوله: ﴿ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ﴾ أي مفاخرة حاصلة فيما بينكم، والعامة على تنوين تفاخر، وقرئ شذوذاً بإضافته إلى الظرف بعده. قوله: (أي الاشتغال فيها) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا ﴾ مبتدأ على حذف مضاف، والتقدير: إنما الاشتغال بالحياة الدنيا لعب الخ، فالشغل بها دائر بين هذه الأمور الخمسة، قال علي كرم الله وجهه لعمار بن ياسر: لا تحزن على الدنيا، فإن الدنيا ستة أشياء: مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء، وهو يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل مشمومها المسك وهو دم فأرة؛ وأفضل المركوب الفرس وعليها تقتل الرجال، وأما المنكوح فهو النساء وهن مبال في مبال. قوله: ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ ﴾ يحتمل أن يكون خبراً سادساً لأن، ويحتمل أن يكون خبر المحذوف وعليه اقتصر المفسر، والمثل بمعنى الصفة، والمعنى صفتها كصفة غيث الخ٠ قوله: (مطر) أي حصل بعد جدب ويأس. قوله: (الزرع) إنما سموا كفاراً، لأنهم يسترون الأرض بالزرع بسبب الحرث والبذر، كما سمي من ستر الإيمان بالطغيان والجحد كافراً؛ ويصح أن يبقى الكفار على حقيقته، وذلك لأن الكفار يفتخرون ويعجبون في السراء، ويسخرون في الضراء، فإذا كانوا زراعاً، افتخروا بالزرع إذا ظهر، وسخطوا إذا ضاع، فصفة الدنيا كصفة كفار زراع، تعبوا في الأرض وحرثوها وبذروها، فظهر زرعها ففرحوا به فرح بطر وخيلاء، ثم يجف بعد خضرته ونضارته، فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً، وعبارة المفسر محتملة للمعنيين، لأن قوله: (الزراع) يحتمل أن يكون تفسيراً للكفار، أو صفة لهم. قوله: (ييبس) تفسير البهيج، والحامل له على ذلك تفريع قوله: ﴿ مُصْفَرّاً ﴾ عليه، وإلا فيهيج معناه في اللغة يطول جداً. قوله: ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ لما ذكر أحوال الدنيا الزائلة، ذكر ما يكون عقب زوالها، وقسمه إلى قسمين: عذاب شديد، ومغفرة ورضوان، وفي الآية إشارة عظيمة حيث قابل العذاب بشيئين: المغفرة والرضوان، فهو من باب: لن يغلب عسر يسرين. قوله: (ما التمتع فيها) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ ﴾ مبتدأ على حذف مضاف. قوله: ﴿ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾ هو بالضم وما اغتر به الشخص من متاع الدنيا.
قوله: ﴿ سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ أي سارعوا مسارعة المستابقين إلى ما يوجب المغفرة وهي التوبة من الذنوب، وإلى ما يوجب الجنة وهو فعل الطاعات. قوله: ﴿ كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي أن السماوات السبع والأرضين السبع، لو جعلت صفائح، وألزق بعضها إلى بعض؛ لكان عرض الجنة في عرض جميعها، قال ابن عباس: يريد أن لكل واحد من المطيعين جنة بهذه السعة، وقيل: إن ذلك تمثل للعباد بما يعقلونه ويعرفونه، وأكثر ما يقع في نفوسهم مقدار السماوات والأرض، فشبه عرض الجنة بما تعرفه الناس، روي أن جماعة من اليهود، سألوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا له: إذا كانت الجنة عرضها ذلك فأين النار؟ فقال لهم: أرأيتهم إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أي يكون الليل؟ فقالوا: إن مثلها في التوراة. قوله: (والعرض السعة) جواب عما يقال: إنه ذكر العرض ولم يذكر الطول. فأجاب المفسر: بأنه لم يرد بالعرض ما قابل الطول، بل أراد به السعة. وأجيب أيضاً: بأنه ترك ذكر الطول تعظيماً لشأنها، لأنه إذا كان هذا شأن العرض فالطول أعظم، لأن العرض أقل من الطول. قوله: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾ أي الموعود به من المغفرة والجنة. قوله: ﴿ مِن مُّصِيبَةٍ ﴾ ﴿ مِن ﴾ زائدة في فاعل ﴿ أَصَابَ ﴾ وعهد زيادتها حيث وقعت في جملة منفية، ومجرورها نكرة. قوله: ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يصح أن يكون متعلقاً بأصاب، أو بمحذوف صفة لمصيبة، أو بنفس مصيبة. قوله: (بالجدب) أي وغيره كالعاهة والزلزلة. قوله: ﴿ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ ﴾ حال من ﴿ مُّصِيبَةٍ ﴾ لتخصصها بالوصف. والمعنى مكتوبة في كتاب. قوله: ﴿ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ﴾ الضمير عائد على المصيبة. قوله: (ويقال في النعمة كذلك) أي ما حصل للخلق نعمة في الأرض كالمطر؛ ولا وفي أنفسكم كالصحة والولد، إلا مكتوبة في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلقها الله، أشار المفسر بهذه العبارة، إلى أن في الآية حذف الواو مع ما عطفت، بدليل التعليل الآتي في قوله: ﴿ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾ ويصح أن يراد بالمصيبة جميع الحوادث من خير وشر، وعلى ما مشى عليه المفسر، من أن المراد بالمصيبة الشر، فخصها بالذكر لأنها أهم على البشر. قوله: ﴿ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي سهل لا مشقة فيه ولا تعب، بل هو بقول كن. قوله: (كي ناصبة للفعل) أي بنفسها لدخول اللام عليها، ولذا قال بمعنى أن. قوله:(أي أخبر تعالى) أشار بذلك إلى أن اللام حرف جر متعلقة بمحذوف. قوله: ﴿ تَأْسَوْاْ ﴾ مضارع منصوب بحذف النون، والواو فاعل، وأصله تأسيون تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً فصار تأساون، فالتقى ساكنان الألف والواو التي هي الفاعل؛ حذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار وزنه تفعون، ومصدره أسى، وفعله أسى كجوى جوى، فقول بعض النحاة والتقدير لأجل عدم إساءتكم صوابه أساكم، لأن مصدره أسى لا إساءة. قوله: (تحزنوا) أي حزناً يوجب القنوط، وإلا فالحزن الطبيعي لا ينفك عنه الإنسان كالفرح الطبيعي. قوله: (بل فرح شكر على النعمة) أي فالمنهي عنه الحزن الموجب للجزع والقنوط، والفرج الموجب للبطر والأشر وعدم شكر النعمة، وأما الفرح والحزن الطبيعيان فلا محيص للشخص عنهما، ولكن يسلم أمره لله، ويرجع في جميع أموره لمالكه وسيده، فالمقصود من هذه الآية بيان الخير والشر بيد الله، مقدر كل منهما في الأزل يجب الرضا به. قوله: ﴿ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾ أي لأنه مقدر لكم. قوله: (وبالقصر) هما قراءتان سبعيتان. قوله: (جاءكم منه) أي من الله. قوله: ﴿ كُلَّ مُخْتَالٍ ﴾ أي معجب بنعم الله عليه. قوله: (بما أوتي) أي من النعم. قوله: ﴿ فَخُورٍ ﴾ (به على الناس) أي كثير الفخر بما أعطيته من النعم على الناس.
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾ مبتدأ خبره محذوف قدره المفسر بقوله: (لهم وعيد شديد) ويصح أن يكون خبر لمحذوف تقديره هم الذين يبخلون، أو بدل من قوله: ﴿ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾.
قوله: (بما يجب عليهم) أي من المال، كزكاة وكفارة، ومن تعليم العلم ونشره، ومن بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي في الكتب القديمة. قوله: ﴿ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ ﴾ أي من يعرفونه. قوله: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ أي يعرض، و ﴿ مَن ﴾ شرطية وجوابها محذوف تقديره فالوبال عليه. قوله: (وفي قراءة بسقوطه) أي وهي سبعية أيضاً، وهي تعين أنه ضمير فصل؛ إذ لو صح أن يجعل ضميراً منفصلاً، لما حسن إسقاطه من غير دليل لأنه عمدة. قوله: ﴿ ٱلْغَنِيُّ ﴾ أي المستغني ما سواه. قوله: ﴿ ٱلْحَمِيدُ ﴾ (لأوليائه) أي المثني عليهم بالإحسان، المنعم عليهم بجزيل الإنعام.
قوله: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد أرسلنا الخ. قوله: (الملائكة إلى الأنبياء) تبع في ذلك الزمخشري، ولم يسبقه إليه أحد، والحامل له على ذلك التفسير تصحيح المعية في قوله: ﴿ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ لأن الكتب إنما تنزل مع الملائكة، والمناسب أن يفسر الرسل بالبشر، كما عليه الجمهور، لأنه لم ينزل بالكتب والأحكام على الرسل إلا جبريل فقط، وحينئذ فقوله: ﴿ مَعَهُمُ ﴾ ظرف متعلق بمحذوف حال منتظرة، والتقدير: وأنزلنا الكتاب حال كونه آيلاً وصائراً لأن يكون معهم إذا وصل إليهم، أو مع بمعنى إلى. قوله: (العدل) أي فليس المراد بالميزان حقيقته فقط بل ما يشمله وغيره والمراد بالعدل التوسط في الأمور، فلا يحصل منهم تفريط ولا إفراط. قوله: ﴿ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ﴾ علة لإرسال الرسل وإنزال الكتاب والميزان. قوله: (أخرجناه من المعادن) هذا أحد قولين في تفسير الإنزال، والآخر إبقاؤه على حقيقته، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل آدم من الجنة معه خمسة أشياء من حديد، وروي من آلة الحدادين: السندان والكلبتان الميقعة والمطرقة والإبرة، وروي ومعه المبرد والمسحاة، وروي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنزل الله تعالى أربع بركات من السماء: الحديد والنار والماء والملح ". وعن ابن عباس أيضاً قال: أنزل الله ثلاثة أشياء مع آدم: الحجر الأسود، وعصا موسى والحديد اهـ والسندان بكسر السين وفتحها، والكلبتان آلة يؤخذ بها الحديد المحمى، والميقعة المبرد. قوله: ﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ الجملة حالية من ﴿ ٱلْحَدِيدَ ﴾.
قوله: (يقاتل به) أي فمنه الترس ومنه السلاح ونحو ذلك. قوله: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ أي فما من صنعة إلا والحديد له دخل في آلتها. قوله: (علم مشاهدة) أي للخلق، والمعنى ليظهر متعلق علمه لعباده، فاندفع ما يقال: إن هذا التعليل يوهم حدوث العلم مع أنه قديم. قوله: (معطوف على ليقوم) أي لكن المعطوف عليه علة للإرسال والإنزال، والمعطوف علة لإنزال الحديد، وفي الحقيقة قوله ليعلم علة للثلاثة. قوله: (بآلات الحرب) الخ، إنما خص النصر بذلك، لكون المقام والسياق يقتضيه. قوله: (من هاء ينصره) أي الواقعة على الله تعالى. قوله: (غائباً عنهم) أي متحجباً بجلاله وعظمته. قوله: (ولا ينصرونه) أي في الدنيا، فإن رؤيته تعالى في الدنيا لم تثبت إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (لا حاجة له إلا النصرة) أي وإنما هو سعادة لمن يحصل النصر على يديه، وشقاوة لمن لم يحصل. قوله: (لكنها تنفع من يأتي بها) أي فنفع التكاليف عائد على ذوات المكلفين، قال تعالى:﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾[الإسراء: ٧].
قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾ الخ معطوف على قوله: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾ وكرر القسم إظهاراً لمزيد الاعتناء والتعظيم، وخص هذين الرسولين بالذكر، لأن جميع الأنبياء من ذريتهما، وذلك لأن نوحاً هو الأب الثاني لجميع البشر، وإبراهيم أبو العرب والروم وبني إسرائيل. قوله: (يعني الكتب الأربعة) أشار بذلك إلى أن أل في الكتاب للجنس. وخص هذه الأربعة لأنها أصول الكتب. قوله: (والفرقان) في نسخة القرآن. قوله: ﴿ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ ﴾ أي من الذرية، أو من المرسل إليهم. قوله: ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ أي كافرون بدليل مقابلته بالمهتد.
قوله: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم ﴾ الضمير عائد على نوح وابراهيم، ومن عاصرهما من الرسل، وليس عائداً على الذرية، فإن الرسل المقفى بهم من جملة الذرية، والمعنى: ثم أتبعنا رسولاً بعد رسول، حتى انتهينا إلى عيسى عليه السلام. قوله: ﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ﴾ أي جعلناه تابعاً لهم ومتأخراً عنهم في الزمان، وخصه بالذكر للرد على اليهود المنكرين لنبوته ورسالته. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ ﴾ أي من الحواريين وغيرهم. قوله: ﴿ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾ أي شدة لين وشفقة. قوله: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ يصح أن يكون بالنصب عطفاً على ﴿ رَأْفَةً ﴾ وجملة ﴿ ٱبتَدَعُوهَا ﴾ صفة لرهبانية، وجعل إما بمعنى خلق أو صير، وذلك لأن الرأفة والرحمة أمر عزيز، لا تكسب للإنسان فيه، بخلاف الرهبانية فإنها من أفعال البدن، وللإنسان فيها تكسب، ويصح أن تكون منصوبة بفعل مقدر يفسره الظاهر، فهو من باب الاشتغال. قوله: (هي رفض النساء) الخ، أي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس، والتقشف في المأكل والملبس والمشرب مع التقليل من ذلك، روي عن ابن عباس قال: كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم جماعة مؤمنين، يقرأون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله، فقيل لملوكهم: لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم، أو دخلوا فيما نحن فيه، فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل، أو يتركون قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون منا إلا ذلك، دعونا نحن نكفيكم أنفسنا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا فيها، ثم اعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نرد عليكم، طائفة قالت: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنوا لنا دوراً في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، ولا نرد عليكم، ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم، قال ففعلوا ذلك، فمضى أولئك على منهاج عيسى، وخلف قوم من بعدهم ممن غيروا الكتاب، فجعل الرجل يقول: نكون في مكان فلان نتعبد فيه كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان؛ وهم على شركهم، لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا ﴾ أي ابتدعها الصالحون، فما رعوها حق رعايتها، يعني الآخرين الذين جاؤوا من بعدهم ﴿ فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ﴾ يعني الذين ابتدعوها، ابتغاء رضوان الله ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ هم الذين جاؤوا من بعدهم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبقَ منهم إلا القليل، انحط رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب دير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال تعالى منهم: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ الخ، انتهى. قوله: ﴿ إِلاَّ ﴾ (لكن) أشار المفسر إلى أن الاستثناء منقطع وإلى هذا ذهب جماعة، وقيل: إن الاستثناء من عموم الأحوال، والمعنى: ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء، إلا لابتغاء مرضاة الله، ويكون كتب بمعنى قضى. قوله: ﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ أي ما قاموا بها حق القيام، بل غلوا في دينهم غير الحق، وقالوا بالتثليث، وكفروا بدين عيسى من قبل ظهور محمد. قوله: ﴿ فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ (به) أي بنبينا، وقوله: ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ أي من هؤلاء الذين ابتدعوها وضيعوها. قوله: ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ أي لم يؤمنوا بنبينا، بل داموا على الكفر، والقول بالتثليث، واقتدى بهم أمة من بعد أمة، إلى أن نزول عيسى عليه السلام فيمحوه، وما مشى عليه المفسر خلاف ما تفيده رواية ابن عباس المتقدمة، فإن متقتضاها حمل قوله: ﴿ فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ على من آمن بعيسى، وقوله: ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ على من غير وبدل قيل بعثة نبينا، وهم الذين لم يرعوها حق رعايتها فتدبر.
قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ الخ، لما قدم أن أمة عيسى بعد رفعه إلى السماء افترقوا، فمنهم من تمسك بالرهبانية الصحيحة وداموا عليها، إلى أن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه ممن غير وبدل، شرع يبين المطلوب منهم بعد ظهوره صلى الله عليه وسلم، قوله: ﴿ ءَامَنُو ﴾ (بعيسى) هذا أحد قولين للمفسر؛ ويشهد له سياق الكلام، والثاني: أن الخطاب عام لكل من آمن بالرسل المتقدمين، فيشمل المؤمنين بعيسى وبمن قبله من الرسل، إن قلت إن هذا ظاهر فيمن كانت ملتهم صحيحة، فنسخت بملة محمد صلى الله عليه وسلم، أما فيمن نسخت ملته بملة عيسى كاليهود؛ فلا تظهر إثابتهم على التمسك بها. أجيب: بأن إثباتهم على تلك الملة المنسوخة. من خصائص دخولهم في ملة الإسلام. ولذا كان الإسلام يصحح أنكحتهم الفاسدة. قوله: ﴿ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه. قوله: ﴿ يُؤْتِكُمْ ﴾ أي يثبكم على اتباعه. قوله: ﴿ كِفْلَيْنِ ﴾ تثنية كفل، وهو في الأصل كساء يعقد على ظهر البعير، فيلقى مقدمه على الكاهل، ومؤخره على العجز، يحفظ الراكب ويمنعه من السقوط، والمراد هنا نصيبان عظيمان من الرحمة، يمنعان الشخص من العذاب، كما يمنع الكفل الراكب ويمنعه من السقوط، وهذان الكفلان لا يخصان من ذكر، بل ورد في الحديث:" ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك الذي أدى حق مواليه وحق الله، ورجل كانت عنده أمة يطؤها، فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ". قوله: (لإيمانكم بالنبيين) أي فاستحقاقهم الكفلين ظاهر، لأنهم آمنوا بعيسى، واستمروا على دينه إلى أن بعث نبينا عليه الصلاة والسلام فآمنوا به، فكفل لإيمانهم بعيسى، وكفل لإيمانهم بنبينا. قوله: ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً ﴾ قيل: هو القرآن، وقيل: هو الهدى والسبيل الواضح في الدين. قوله: ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ أ ي ما سبق من ذنبوكم قبل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ ﴾ سبب نزولها: أنه لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب هذه الآية، وقوله تعالى:﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾[القصص: ٥٤] قالوا للمسلمين: أما من آمن منا بكتابكم، فله أجره مرتين، لإيمانه بكتابنا وكتابكم، ومن لم يؤمن من بكتابكم، فله أجر كأجركم، فبأي شيء فضلتم علينا؟ فنزلت هذه الآية رداً عليهم. قوله: (أي أعلمكم بذلك) الخ، أشار بذلك إلى أن لا زائدة، واللام متعلقة بمحذوف، والمعنى: إن تتقوا وتؤمنوا برسله يؤتكم كفلين، ليعلم أهل الكتاب عدم قدرتهم على شيء من فضل الله، وأن الفضل بيد الله، قوله: (والمعنى أنهم) ﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ ﴾ أي لا يملكونه ولا يتصرفون فيه، بحيث يجعلونه لأنفسهم ويمنعونه من غيرهم ومن جملة فضل الله الكفلان والمغفرة والنور. قوله: (خلاف) بالرفع خبر لمحذوف، أي وعدم قدرتهم خلاف، أي مخالف لما في زعمهم. قوله: ﴿ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ﴾ جملة مستأنفة أو خبر ثان.
Icon