تفسير سورة الحديد

جهود القرافي في التفسير
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب جهود القرافي في التفسير .
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

١١٩٠- معناه : علمه سبحانه وتعالى محيط بالخلائق في أي بقعة كانوا. ( الفروق : ١/٩٧ )
١١٩١- استثناء من الأحوال، وتقديره : " لا تقع إصابتها إلا مسطورة في كتاب من قبل أن توجدها " فإن البرء الخلق إن همز، فإن لم يهمز كان من البرا وهو التراب. ( الاستغناء : ٥٥٢ )
١١٩٢- في هذه الآية من المسائل : " رهبانية " بم هو منصوب ؟ يجعلنا أو بفعل مضمر ؟ وما معنى قوله تعالى :﴿ ما كتبناها عليهم ﴾ ؟ وما الناصب لقوله تعالى :﴿ ابتغاء رضوان الله ﴾ ؟ والضمير في قوله تعالى :﴿ فما رعوها حق رعايتها ﴾ على من تعود ؟.
والجواب : أما نصب " الرهبانية " فمنصوب بجعلنا عملا بظاهر العطف. وقال أبو علي في " الإيضاح " وجماعة المعتزلة : " لا يجوز نصبه " بجعلنا " لأن الله تعالى وصف الرهبانية بأنهم ابتدعوها، وما ابتدعه هم لا يمكن أن يكون مجعولا لله تعالى، بل هو منصوب بفعل مضمر، تقديره : ابتدعوا رهبانية ابتدعوها. ويكون من باب اشتغال الفعل عن المفعول بضمير ".
وهذا على قاعدتهم الفاسدة : أن العبد يخلق أفعاله، وأن ما تعلق به قدرة الله تعالى لا يمكن أن تتعلق به قدرة العبد، وما تعلق به قدرة العبد لا يمكن أن تتعلق به قدرة الله تعالى.
وأما أهل الحق فيقولون : " إن الفعل كله لله تعالى لا خالق غيره، فما العبد وما لم يفعله كله مخلوق لله تعالى، فجاز النصب بالجعل المنسوب لله تعالى، وإن نسب ابتداعه لهم.
واختلف العلماء في قوله تعالى : " ما كتبناها عليهم ".
فقيل : " ما فرضناها عليهم، لكن فعلوها هم من قبل أنفسهم ابتغاء رضوان الله " فعلى هذا يكون " ابتغاء " منصوبا بفعل مضمر غير " كتبناها ". ( نفسه : ٥١٥ وما بعدها )
وقيل : كتبناها معناها : ندبناهم إليها. ويكون معنى الآية : " ما ندبناهم إليها إلا ابتغاء رضوان الله " فيكون منصوبا بكتبنا. وحصر سبب الكتابة في هذا السبب.
وعلى الأول يكون فعلهم هم محصورا في السبب الذي هو ابتغاء رضوان الله، فعلى كل تقدير هو استثناء من الأسباب، لكن العامل فيه يختلف فقط.
ويحتمل أن تكون الكاتبة هاهنا بمعنى القضاء والقدر لا بمعنى الأمر كما تقول : من كتب الله تعالى خير وصله، أي : قدر. لا من باب قوله تعالى :﴿ وكتبنا عليهم فيها ﴾١ ﴿ كتب عليهم القصاص ﴾٢.
واختلف الناس في الضمير الذي في قوله تعالى :﴿ فما رعوها حق رعايتها ﴾ :
فقيل : عائد على الرهبان، أي : لابسوا فيها الفجور والفسوق والعقائد الفاسدة فما عملوا بمقتضى الانقطاع لله تعالى وطاعته، وعلى هذا القول يلزم كل من تطوع بطاعة يلزمه مراعاتها وحفظها. ويمكن أن نستدل بهذه الآية على وجوب التطوعات بالشروع.
وقيل : الضمير عائد على ملوك زمانهم الذين يؤذون هؤلاء الرهبان، ويقتلونهم وينشرونهم بالمناشير على مخالفتهم لهم، وذلك سبب هروبهم من المدن وسكناهم البراري والقفار في الصوامع هروبا من الأذى من الملوك الجبابرة وغيرهم من المفسدين الكارهين للحق. قاله ابن عباس وغيره٣.
وقال الضحاك وغيره : الضمير عائد على الأجلاف الآيتين بعدهم، ذمهم الله تعالى على تغيير تلك الرهبانية عن موضعها بخلطها بالفسوق وأنواع الكفر.
والرهبانية : مأخوذة من الرهب الذي هو الخوف، فالراهب معناه الخائف، ومنه قوله تعالى :﴿ يدعوننا رهبا ورغبا ﴾٤ أي : رجاء وخوفا.
١ - سورة المائدة : ٤٥..
٢ - سورة البقرة : ١٧٨..
٣ - ن : تفسير ابن كثير : ٤/٤٩٢..
٤ - سورة الأنبياء : ٩٠..
Icon