ﰡ
أين المفر والإله الطالب*** والأشرم المغلوب ليس الغالب
والحكيم لها معنيان : المعنى الأول : ذو الحكمة، والمعنى الثاني : ذو الحكم التام، فهي مشتقة من شيئين : من الحكمة والحكم، فالحكمة هي أن جميع أفعاله وأقواله وشرعه حكمة، وليس فيه سفه بأي حال من الأحوال، ولهذا قيل في تعريف الحكمة :( إنها وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها )، فما من شيء من أفعال الله، أو من شرع الله إلا وله حكمة، فإذا قدر الله الحر الشديد الذي يهلك الثمار فهو حكمة لا شك، وإذا منع الله المطر فهو حكمة، وإذا ألقى الله الموت بين الناس فهو حكمة، وكل شيء فهو حكمة، والشرائع كلها حكمة فإذا أحل الله البيع وحرم الربا فهو حكمة، لأنا نعلم أن الله حكيم، ففرق الله - عز وجل - بين البيع والربا، فالبيع أحله الله، والربا حرمه، فإذا قال قائل : لماذا ؟ قلنا : الله أعلم، الله حكيم - عز وجل -، ولهذا لما قالت المرأة لعائشة - رضي الله عنها - يا أم المؤمنين ما بال الحائض تقضي الصوم - يعني إذا حاضت في رمضان - ولا تقضي الصلاة ؟ سؤال فيه إشكال، لماذا الحائض إذا أفطرت في رمضان يلزمها قضاء الصوم، وإذا تركت الصلاة لا يلزمها قضاء الصلاة، وكلاهما فرض، قالت لها - رضي الله عنها - :«كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة » فاستدلت - رضي الله عنها - بالحكم على الحكمة، لأنا نعلم أن الله حكيم - عز وجل - فلم يوجب عليها قضاء الصوم دون قضاء الصلاة إلا لحكمة، لكن أحياناً نعرف الحكمة وأحياناً لا نعرفها، لماذا أحل الله البيع وحرم الربا ؟ نقول : لأن الله أحل البيع وحرم الربا، ولذلك لما قال أهل الربا : إنما البيع مثل الربا. رد الله قولهم فقال :﴿ وأحل الله البيع وحرم الربا ﴾، فإذا حكم الله بشيء شرعاً، أو حكم بشيء قدراً فلا يشكل عليك، إن وفقك الله لمعرفة الحكمة فهذا خير، وإن لم تعرف فاعلم أن الله حكيم وله أيضاً الحكم - عز وجل - قال الله تعالى :﴿ إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ﴾ من يستطيع أن يرفع حكم الله - عز وجل - فيما إذا نزل به الموت ؟ لا أحد، قال الله تعالى :﴿ فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونهآ إن كنتم صادقين ﴾ لا يمكن، لأن الله حكم بهذا، وإذا حكم - عز وجل - بحروب وفتن من يرفع هذا إلا الله عز وجل، والله تعالى له الحكم في الأمور الشرعية قال الله تعالى :﴿ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ﴾ فالحكم لله - عز وجل - فإذا عرفت أن الله تعالى له الحكمة فيما شرع، وفيما خلق، وقدر، حينئذ تستسلم ولا تجادل، لأن الذي حكم بذلك هو الله، وإذا علمت أن الحكم لله - عز وجل - بين العباد فترجع الأمور الشرعية، إلى الكتاب والسنة، وفي الأمور القدرية ترجع إلى الله، فإذا حكم عليك بالمرض تفزع إلى الله - عز وجل -، وإذا حكم عليك بالفقر تفزع إلى الله، اللهم أغنني من الفقر، واقضِ عني الدين، فإذا آمن الإنسان بأن الحكم كله لله إن كان حكماً قدرياً استسلم، وقال : هذا أمر الله، وأنا عبدالله ولا يمكن أن يكون سوى ما كان، وإذا كان شرعيًّا. قال الله - عز وجل - أعلم وأحكم بما يصلح العباد
﴿ وهو بكل شيء عليم ﴾، كل شيء فالله عليم به، ﴿ إن الله لا يخفى عليه شيء في الأَرض ولا في السماء ﴾ فلو عمل الإنسان في جوف بيته في حجرة مظلمة فإن الله تعالى يعلم عمله، بل زد على ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسك كما قال الله - عز وجل - :﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ﴾. وأنت إذا فكرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون، ويعلم الماضي البعيد، ويعلم المستقبل البعيد ويعلم بكل شيء، ولهذا قال موسى - عليه الصلاة والسلام - لما سأله فرعون :﴿ فما بال القرون الأُولى ﴾ يعني شأنها قصها علينا ﴿ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ﴾ لا يضل معناه لا يجهل، لأن الضلال معناه الجهل، كما قال الله - عز وجل - في نبيه :﴿ ووجدك ضآلا فهدى ﴾ ضال ليس معناها فاسق، بل معناه أنه جاهل لا يدري كما قال تعالى :﴿ وكذلك أوحينآ إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾ وقال تعالى :﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون ﴾ إذن الله بكل شيء عليم، وإذا علمت أن الله بكل شيء عليم هل يمكنك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن الناس ؟ لا، لأنك تعلم أن الله يعلمك، قال الله - عز وجل - :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ﴾ الجواب : بلى، ﴿ ورسلنا لديهم يكتبون ﴾، فإذن إذا آمنت بأن الله - جل وعلا - عليم بكل شيء فإنه يستلزم أن لا تقوم بمعصيته ولو في الخفاء، وأن لا تترك طاعته ولو في الخفاء، ولقد قال الله - عز وجل - عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال :﴿ وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم ﴾ لأجل أن لا يسمعوا، ﴿ واستغشوا ثيابهم ﴾ لئلا يبصروا بها - والعياذ بالله - لأنهم يكرهون الحق وقوله :﴿ وهو بكل شيء عليم ﴾ يشمل أفعال العباد وأقوال العباد، بل إنه يعلم سبحانه وتعالى ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره، كما قال تعالى :﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ﴾ فإياك أن تضمر في قلبك شيئاً يحاسبك الله عليه، لكن الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها، ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضره شيئاً، بل هي دليل على إيمانه لأن الشيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي عليه الوساوس إذا كان قلباً سليماً، أما إذا كان قلباً غير سليم فإن الشيطان لا يوسوس له، لأنه قد انتهى.
فإذا قال قائل : أليس الله قادراً على أن يخلقها في لحظة ؟
فالجواب : بلى، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن. فيكون، وإنما خلقها في ستة أيام - والله أعلم - لحكمتين : الحكمة الأولى : أن هذه المخلوقات يترتب بعضها على بعض، فرتب الله تعالى بعضها على بعض حتى أحكمها، وانتهى منها في ستة أيام. الحكمة الثانية : أن الله علّم عباده التؤدة والتأني، وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه، حتى يتأنى الإنسان فيما يصنعه، فعلم الله سبحانه عباده التأني في الأمور التي هم قادرون عليها، وكلا الأمرين وجيه، وقد تكون هناك حكم أخرى لا نعلمها، ومع هذا لا نجزم به ونقول : الله أعلم ﴿ ثم استوى على العرش ﴾، استوى عليه يعني على وجه يليق بجلاله، ولا يمكن أن نمثله بخلقه لأن الله ليس كمثله شيء، والعرش مخلوق عظيم لا يعلم قدره إلا الذي خلقه - عز وجل -، وقد جاء في الحديث : أن السماوات السبع، والأرضين السبع في الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، الحلقة حلقة الدرع المكون من حلق من الحديد، فالحلقة من الحديد من الدرع تكون بالنسبة للفلاة لا شيء، فلاة من الأرض واسعة ضاع فيها حلقة من حلق الدرع ماذا تكون نسبتها وماذا تشغل من الأرض ؟ ! لا شيء، قال صلى الله عليه وسلم :«ما السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة » إذن لا يعلم قدره إلا الله - عز وجل - وليس لنا أن نسأل : من أين مادة الكرسي ؟ من ذهب، من فضة، من لؤلؤ ؟ ليس لنا الحق في أن نتكلم في هذا. هو عرش عظيم كما وصفه الله ﴿ رب العرش العظيم ﴾ ﴿ ذو العرش المجيد ﴾، عرش عظيم جداً جداً، لا يعلم قدره إلا الله، استوى الله عليه لكمال سلطانه - جل وعلا - و( ثم ) في قوله :﴿ ثم استوى على العرش ﴾ تدل على الترتيب، أي أن خلق السماوات والأرض سابق على الاستواء على العرش، ومعنى ﴿ استوى ﴾ أي : على ؛ لأن الاستواء في اللغة العربية إذا تعد ب ( على ) كان معناها العلو، مثاله قول الله تبارك وتعالى :﴿ وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ﴾، ومن ذلك قوله تعالى عن نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظلمين ﴾.
فقوله :﴿ استويت أنت ومن معك على الفلك ﴾ يعني علوت عليه، إذن ﴿ استوى على العرش ﴾ يعني على العرش، وإذا رأيت من يقول استوى على العرش أي استولى على العرش، فقد كذب على الله - عز وجل - لأن الله تعالى نزل هذا القرآن العظيم باللغة العربية، واللغة العربية تدل على أن استوى إذا تعدت بعلى فهي بمعنى العلو لا غيره، فيكون الذي يفسرها باستولى كاذب على الله - عز وجل - جانياً على نصوص الكتاب، محرفاً لها، وجنايته عليها من وجهين :
الوجه الأول : صرفها عن ظاهرها.
والوجه الثاني : إحداث معنى لا يدل عليه الظاهر، وهذا قد يوجد كثيراً في كتب الأشاعرة، سواء كانوا مفسرين أو غير مفسرين لكنهم بهذا والله والله والله قد ضلوا ضلالاً مبيناً، نسأل الله العافية، فمن الذي استولى على العرش حين خلق السماوات والأرض ؟ ! إذا كان الله لم يستولِ عليه إلا بعد خلق السماوات والأرض فهو لمن من قبل ؟ ! نعم يلزمهم أن يقولوا لغير الله، وإلا فقد أخطأوا يعني تبين خطأهم وهم مخطئون والحمد لله، ﴿ يعلم ما يلج في الأَرض ﴾ أي : ما يدخل فيها من جثث الموتى، ومن الحبوب التي تنبت بإذن الله، ومن المياه التي يسلكها الله ينابيع في الأرض ثم يخرجها، وغير ذلك من الحشرات وغيرها، فكل ما يلج في الأرض يعلمه الله.
﴿ وما يخرج منها ﴾ أي : من النبات والمياه والمعادن وغيرها، ﴿ وما ينزل من السماء ﴾ أي : من الملائكة والأمطار والشرائع وغير ذلك، ﴿ وما يعرج فيها ﴾أي : إليها، لكن جاءت بلفظ ﴿ فيها ﴾ بدل إليها لنستفيد فائدتين :
الفائدة الأولى : العروج يعني الصعود.
الفائدة الثانية : الدخول، لأن ﴿ في ﴾ يناسبها من الأفعال الدخول، تقول : دخل في المكان، أما عرج ويعرج فالذي يناسبها إلى، لكن الله - عز وجل - عدل عن قوله ( يعرج إليها ) إلى قوله ﴿ يعرج فيها ﴾ ليفيد الصعود، والدخول.
وضمن يعرج معنى يدخل. والتضمين موجود في القرآن الكريم، وفي اللغة العربية قال الله تعالى :﴿ عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً ﴾ المناسب ليشرب ( من ) كما قال تعالى :﴿ يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ﴾ يعني منه، ﴿ فشربوا منه إلا قليلاً منهم ﴾ وهنا قال :﴿ يشرب بها ﴾ قال العلماء : الحكمة أن يشرب هنا ضمنت معنى يروى، أي : يروى بها. ومعلوم أنك إذا قلت : يروى بها. فقد تضمن معنى يشرب، وزيادة. والتضمين فن مهم في باب البلاغة، ينبغي لطالب العلم أن يدرسه ويحققه، حتى يستفيد إذا اختلفت الحروف مع عواملها، ﴿ يعرج فيها ﴾ من الأشياء ما يصل إلى السماء الدنيا ويقف، ومنها ما يعرج في السماء الدنيا حتى يصل إلى الله - عزوجل - ﴿ وهو معكم ﴾ هو الضمير يعود إلى الله - عز وجل - ﴿ معكم ﴾ أي : مصاحب لكم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :«اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل » لكن هذه الصحبة ليست صحبة مكان. بمعنى أننا إذا كنا في مكان كان الله معنا. حاشا وكلا، لا يمكن هذا، وكيف يتصور عاقل أن الله معنا في مكاننا، وكرسيه وسع السماوات والأرض ؟ ! هذا مستحيل، والكرسي موضع القدمين، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه، فإذا كان كذلك هل يعقل أن رب السماوات والأرض الذي يوم القيامة تكون السماوات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضيقة والواسعة ؟ لا يمكن، إذا ﴿ معكم ﴾ أي : مصاحب لكم، والمصاحب قد يكون بعيد عنك، يقول العرب في أسلوبهم : ما زلنا نسير والقمر معنا، مازلنا نسير والقطب معنا. ما زلنا نسير والجبل الفلاني معنا، وليس معهم في مكانهم. ومعلوم أن القمر في السماء، والنجم في السماء، والجبل قد يكون بينك وبينه مسافة أيام، ومع ذلك فالعرب تطلق عليه المعية مع البعد في المكان، وكوننا نؤمن بأن الله معنا إذن هوعالم بنا، سميع لأقوالنا، بصير بأفعالنا، له القدرة علينا والسلطان، ومدبر لنا بكل معنى تقتضيه المعية، واعلم أن من الضلال من يقول : إن الله معنا في أمكنتنا، نسأل الله العافية، وينكرون أن الله في السماء عالياً فأتوا داهيتين عظيمتين، الأولى : إنكار علو الله. والثانية : اعتقاد أنه في الأرض. سبحان الله ! هل يعقل أن يعتقد عاقل فضلاً عن مؤمن أنه إذا كان في المرحاض كان الله معه ؟ أعوذ بالله، الذي يعتقد هذا أشهد بالله أنه كافر، لأن أعظم استهزاء بالله وأعظم حط من قدر الله هو هذا، ثم نقول : إذا كان الله - كما يقولون - في كل مكان يعني أنه في الحجرة، وفي السوق، وفي المسجد، ثم من الذي يكون مع أناس في الحجرة، وأناس في الشارع ؟ أهما إلهان ؟ لا يمكن أن يقولوا إنه متعدد، هل هو متجزء ؟ إذن بطل أن يكون معنا بذاته في أمكنتنا لأنه إما أن يكون متعدداً، وإما أن يكون متجزءاً، وكلاهماباطل، قررت هذا لأنه يوجد من يعتقد أن الله في كل مكان فنقول : المعية هي المصاحبة، ولا يلزم من المصاحبة المقارة في المكان، وكيف يمكن أن يكون الله معك في مكانك وهو سبحانه وتعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، ولكن هؤلاء الذين يعتقدون أنه في كل مكان ما قدروا الله حق قدره، ولا عظموه حق تعظيمه، ولا عرفوا عظمته وجلاله قال الله تعالى :﴿ وما قدروا الله حق قدره والأَرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويت بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾ فكيف يعتقد أن الله معنا في مكاننا، فيجب على الإنسان أن يعرف نعمة الله عليه بكونه يؤمن بالقرآن الكريم ظاهره معظماً لله حق تعظيمه ﴿ أين ما كنتم ﴾ أي : في أي مكان، لأن أين ظرف مكان ﴿ والله بما تعملون بصير ﴾ أي : بما تعملون من الأعمال كلها بصير، والبصر هنا يشمل بصر الرؤية قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه :«حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » ويشمل بصر العلم، فمن المعلوم أن أعمالنا قد تكون مرئية الحركة، وقد تكون مسموعة كالأقوال، فرؤية المسموع العلم.
ويوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
كل لذة في الدنيا فهي محوطة بمنغص، لذلك احرص على تطهير القلب من التعلق بالدنيا إلا فيما ينفعك في الآخرة، كأن تتعلق بالدنيا لتصبح غنياً تنفق مالك في سبيل الله وفيما يرضي الله، - عز وجل - فهذا شيء آخر، وطلب المال للأعمال الصالحة خير، لكن طلب المال لمزاحمة أهل الدنيا في دنياهم شر.
إذا جعلناها للبيان، فالمعنى أنفقوا مما جعلكم حسب ما تقتضيه المصلحة : إما الكل وإما البعض، والأحسن أن تجعل ﴿ مما ﴾ للبيان، وإذا جعلناها للبيان صار الإنسان مخيراً ينفق كل ماله، أو بعض ماله، أكثره أو أقله، حسب ما تقتضيه المصلحة، ومعلوم أنه كلما كان المعنى أوسع كان الأخذ به كان أولى، والقرآن الكريم العظيم معانيه واسعة عظيمة، ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم مرة على الصدقة، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يتسابقون إلى الخير، كل واحد يحب أن يكون هو السابق، فقال عمر - رضي الله عنه - : اليوم أسبق أبا بكر ؛ لأن هذين الرجلين هما أخص الصحابة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وأحب الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أبا بكر أشد من حب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، مع أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ابن عمه وزوج ابنته، لكن أبا بكر - رضي الله عنه - يحبه أشد وأكثر، فقد سئل : من أحب الناس إليك ؟ قال :«أبو بكر » وقال :«لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر » والمهم أن عمر كان هو وأبو بكر - رضي الله عنهما - كفرسي رهان، يحب أن يسبقه لا حسداً لأبي بكر - رضي الله عنه - ولكن حبًّا للفضل لنفسه، قال : اليوم أسبق أبا بكر، فجاء بنصف ماله لينفقه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : يا عمر، «ماذا تركت لأهلك » ؟ قال : تركت لهم الشطر، يعني النصف، وجاء أبو بكر فقال :«ما تركت لأهلك » ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله، أي أتى بكل ماله، فقال عمر :- رضي الله عنه - والله لا أسابقك على شيء بعد هذا، عرف أنه يعجز أن يسبق أبا بكر، والشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر - رضي الله عنه - تصدق بجميع ماله، فإذا رأى الإنسان المصلحة في أن يتصدق بجميع ماله، وأن عنده من قوة التوكل والاعتماد على الله واكتساب الرزق ما يمكنه أن يسترد شيئاً من المال لأهله ونفسه، فحينئذ نقول : تصدق بجميع مالك، وإذا كان الأمر بالعكس فكان رجلاً أخرق لا يعرف أن يكتسب، وليس هناك داع أن ينفق كثيراً، فهنا نقول : الأولى أن تنفق بعض المال، وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويثبته، وكلما رأى فيه تزعزعاً استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى إلى سبيله، وأن ينفق من المال، والمال محبوب قال الله تعالى :﴿ وتحبون المال حباً جماً ﴾ وقال - عز وجل - :﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾ ولا يمكن أن يبذل الإنسان شيئاً محبوباً إليه إلا لما هو أحب، فإذا بذل الإنسان المحبوب إليه ابتغاءً لرضوان الله، علمنا أن الرجل يحب رضوان الله أكثر من المال، وبذلك يتحقق الإيمان، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من ذوي العلم الراسخ والإيمان الثابت، إنه على كل شيء قدير.
﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ﴾ أي : لا يكونوا سواء، والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين قريش، وذلك في ذي القعدة من عام ستة من الهجرة، وسمي فتحاً، لأنه صار فيه توسيع للمسلمين وتوسيع أيضاً للمشركين. واختلط الناس بعضهم ببعض، وأمن الناس بعضهم بعض حتى يسر الله - عز وجل - أن نقضت قريش العهد، فكان من بعد ذلك الفتح الأعظم، فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان قال الله - عز وجل - :﴿ أولئك أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ﴾ وذلك لأن الأولين أنفقوا وقاتلوا وسبقوا إلى الإسلام وكان الإسلام في حاجة لهم ولإنفاقهم، فكانوا أفضل ممن أنفق من بعد وقاتل، والله سبحانه وتعالى يجزي بالعدل بين عباده، ولكن لما كان تفضيل السابقين قد يفهم منه أن لا فضل للاحقين قال :﴿ وكلا وعد الله الحسنى ﴾ أي : كل من الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعدهم الله الحسنى، يعني الجنة، ﴿ والله بما تعملون خبير ﴾ أي : عليمببواطن أموركم كظواهركم لا يخفى عليه شيء، وإذا كان عالماً بها فسوف يجازي - جل وعلا - كل عامل بما عمل، قال الله تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ﴾.
﴿ بشراكم اليوم جنات ﴾ تقول الملائكة لهم ﴿ بشراكم ﴾ أي : ما تبشرون به ﴿ اليوم ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ جنات تجرى من تحتها الأنهار ﴾ هذه الجنات فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما يشاءون، كما قال الله عز وجل :﴿ لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ﴾ وجمعها لأنها جنات متعددة متنوعة، ودرجات مختلفة حسب قوة الإيمان والعمل وقوله ﴿ تجرى من تحتها الأنهار ﴾ أي : تسير، وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة القتال أنها أربعة ﴿ أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ﴾ وهذه الأنهار لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى جدول، بل تسير على سطح الأرض، حيث شاء أهلها، قال ابن القيم - رحمه الله - :
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
فلا تذهب يميناً ولا شمالاً إلا حيث أراد أهلها، وقوله ﴿ من تحتها ﴾ إشارة إلى علو قصورها وأشجارها، يعني تكون هذه الأنهار من تحت هذه القصور العالية والأشجار الرفيعة ﴿ خالدين فيها ﴾ أي : ماكثين فيها، وقد جاءت آيات متعددة بأن هذا المكث دائم ليس فيه زوال ولا انقطاع ولا تغير، ﴿ ذلك هو الفوز العظيم ﴾ المشار إليه ما وعدهم الله به الجنات التي تجري من تحتها الأنهار هو الفوز العظيم، و﴿ هو ﴾ يسميها العلماء ضمير فصل، وهو مفيد للتوكيد والاختصاص، أي هذا الذي ذكر هو الفوز العظيم، لأنه لا فوز مثله، كما أنه لا فوز أعظم منه، نسأل الله أن يجعلنا من أهله إنه على كل شيء قدير.
فإن قال قائل : لماذا عبر الله تعالى بالقرض وهو الغني سبحانه وتعالى ؟
فالجواب : يقول هذا - جل وعلا - ليبين أن أجرهم مضمون، كما أن القرض مضمون، وسيرد عليه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهي ربا في القرض، كيف يكون هذا ؟ الجواب : أولاً : لا ربا بين العبد وبين ربه. ثانياً : القرض إذا أعطاك المقترض شيئاً بدون شرط فهو حلال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكراً، والبكر يعني بعيراً صغيراً، وردَّ خيراً منه وقال :«خيركم، أحسنكم قضاء »، ولهذا عبارة الفقهاء :( كل شرط جر نفعاً للمقرض فهو ربا )، ولم يقولوا كل زيادة، ﴿ يضاعف لهم ﴾ هذا خبر ( إن ) يعني إن المتصدقين والمتصدقات وأقرضوا قرضاً حسناً يضاعف لهم، أي : يعطون أجرهم مضاعفاً، عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ﴿ ولهم أجر كريم ﴾ أي : ثواب كريم، والكريم هو الحسن الطيب، وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأصل الكرم الحسن، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما بعثه لليمن :«إياك وكرائم أموالهم » يعني إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال، يعني أحاسنه، «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب »
الأول : الإيمان بوجوده.
الثاني : الإيمان بربوبيته.
الثالث : الإيمان بألوهيته.
والرابع : الإيمان بأسمائه وصفاته.
والإيمان بوجود الله لا ينكره إلا مكابر في الواقع، لأن كل إنسان يعرف أن هذا الكون المستقر المنظم لابد له من موجد ومنظم، والموجد والمنظِّم هو الله - عز وجل - لأن كل إنسان يعلم أنه لا يستطيع أحد من البشر أن يتصرف بهذا الكون، مَن الذي يأتي بالليل مع وجود النهار ؟ ومن الذي يأتي بالنهار مع وجود الليل ؟ لا أحد يقدر، إذن كل إنسان عاقل فهو مؤمن بقلبه وإن أنكر بلسانه، مؤمن بوجود الله - عز وجل -، وجه ذلك أن هذه الخليقة العظيمة لابد لها من مدبر، لو قال قائل : إنها جاءت هكذا صدفة، فنقول : إن الشيء إذا جاء صدفة لا يكون منظماً، ولو قال قائل : هي أوجدت نفسها، نقول : هذا أيضاً محال عقلاً، كيف توجد نفسها وهي عدم، هذا لا يمكن، إذن لابد لها من موجد، ولهذا قال الله تعالى في سورة الطور :﴿ أفرءيتم ما تمنون أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ﴾ والجواب : بل أنت يا ربنا، نحن لا نقدر أن نخلق جنيناً في بطن أمه أبداً، قال الله - عز وجل - :﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ﴾ استمعوا يا أيها الناس، خطاب للناس كلهم : الكافر والمؤمن، ولهذا إذا قرأت الآية يجب أن تستمع ﴿ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ﴾ هذا الذباب المهين لا يمكن أن يخلقوه ﴿ ولو اجتمعوا له ﴾، كل المعبودات لا يمكن أن تخلق ذباباً وهو من أصغر الحيوان وأذلها، زد على هذا، ﴿ وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه ﴾ يعني لو أن الذباب أخذ من هذه الأصنام شيئاً ما استطاعت أن تستنقذه منه، قال أهل العلم : المعنى لو وقع الذباب على أحد هذه الأصنام وامتص من الطيب الذي فيها، لأنهم يطيبون أصنامهم، ما استطاعت الأصنام أن تستنقذه، ﴿ ضعف الطالب والمطلوب ﴾، فلا يمكن لأحد أن ينكر من صميم قلبه وجود الله - عز وجل - أبداً، لأنه باتفاق العقلاء أن كل حادث لابد له من مُحدث، ولا أحد يحدث هذا الكون إلا الله - عز وجل -.
الثاني : الإيمان بربوبيته، أي أنه وحده الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون إلا الله، ولا مالك للكون إلا الله - عز وجل - حتى ملك الإنسان ما في يده ليس ملكاً حقيقيًّا، والدليل أنه لا يمكن أن يتصرف فيما في يده كما يشاء، لو أردت أن أحرقه منعت شرعاً، وحرام عليَّ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال، إذن ملك الإنسان ما بيده ليس ملكاً حقيقياً، بل إنه يختص به عن غيره فقط.
الثالث : الألوهية : هي أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، أي : لا معبود بحق إلا الله - عز وجل - وعبادة الأصنام غير حق، كما قال - عز وجل - :﴿ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ﴾ إذن الألوهية أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، أي لا معبود حق إلا الله - عز وجل - وما عبد من دونه فهو باطل، وعليه فلا تصرف العبادة إلا لله.
الرابع : الإيمان بالأسماء والصفات : قال الله - عز وجل - :﴿ ولله الأسماء الحسنى ﴾ وصفاته كذلك عليا ليس فيها صفة نقص، قال الله تبارك وتعالى :﴿ للذين لا يؤمنون بالأَخرة مثل السوء ولله المثل الأَعلى ﴾ أي الوصف الأعلى، وأسماء الله تعالى كثيرة لا يمكن حصرها مهما أردت، والدليل على ذلك حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - «ما من إنسان يصيبه هم أو غم أو حزن ثم يقول : اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ». فجعل الله الأسماء ثلاثة أقسام، ما أنزله في كتابه، مثال الاسم الذي جاء في القرآن ( الرحمن ) أو علمته أحداً من خلقك مثل ( الرب، الشافي )، جاء في السنة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب ». وقال عليه الصلاة والسلام :«أما الركوع فعظِّموا فيه الرب » فهذا مما علمه أحداً من خلقه. «أو استأثرت به في علم الغيب عندك » هذا القسم الثالث ما استأثر الله به في علم الغيب، واستأثر بمعنى انفرد، وما انفرد الله بعلمه فلم ينزله في الكتاب ولم يعلمه أحداً من الخلق لا يمكن الإحاطة به إذن أسماء الله لا يمكن الإحاطة بها ولا هي محصورة بعدد، لأننا لا نعلمها، وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة » فالمعنى أن من الأسماء تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة هذا المعنى، ومعنى ( أحصاها ) أي : عرفها لفظاً، وعرفها معنى، وتعبد لله بمقتضاها، وليس المراد أن تحفظها فقط، بل لابد من حفظ اللفظ وفهم المعنى، والتعبد لله بها بمقتضاها، فمثلاً : إذا علمت أن الله - سبحانه وتعالى - غفور فتعرض للمغفرة، لا تقل : الله غفور، وتفعل الذنب متى شئت، بل تعرض للمغفرة واستغفر الله تجد الله غفوراً رحيماً، وإذا علمت أن الله عزيز فتتعبد الله بمقتضى هذا وتخاف منه وتحذر، وهلم جرا.
أما الإيمان بالرسل فإنه يتضمن تصديقهم كلهم من أولهم إلى آخرهم بما أخبروا به، إذا صح عنهم، وأما العمل بشرائعهم فإننا لا يلزمنا العمل إلا بشريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشرائع السابقة كلها نسخت بهذه الشريعة، لقول الله تعالى :﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ﴾ وقوله :﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه ﴾ وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار » ﴿ أولئك ﴾، أي : الذين آمنوا بالله ورسله ﴿ هم الصديقون ﴾ أي : البالغون في الصدق مبلغاً كبيراً، لأن الصديق صيغة مبالغة، والصدق يكون بالقصد وبالقول وبالفعل، فأما الصدق بالقصد فأن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله تبارك وتعالى لا يقصد غيره، وإذا قصد بعبادته شيئاً غير الله فقد أشرك ولا يقبل عمله، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى :«أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ». الثاني : الصدق في القول بأن يكون الإنسان صادقاً فيما يخبر به، وقد أثنى الله تعالى على الصادقين، وأمرنا أن نكون معهم، فقال - جل وعلا - :﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾ وأثنى على المهاجرين الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق وحث عليه، ورغَّب فيه، فقال :«عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولايزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولايزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً ». أما الصدق بالفعل فمتابعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ لأن من كان صادقاً فيما يدعي من محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله تعالى :﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ﴾ وقد سمى بعض السلف هذه الآية آية المحنة، يعني الامتحان، فمن ادعى حب الله ورسوله قلنا له : عليك باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن اتبعه فهو صادق، وإن خالفه فليس بصادق، ﴿ والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ﴾ الشهداء جمع شهيد، والمراد بهم من قُتلوا في سبيل الله، والقتال في سبيل الله : أن يقاتل الإنسان عدو الله لتكون كلمة الله هي العليا، قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليُرى مكانه : أي ذلك في سبيل الله ؟ قال :«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ».
فالشجاع يحب القتال، كالصياد يحب أن يصيد، ويخرج ويتجشم المصائب ليصيد الصيد، وإذا صادها صارت عنده أرخص من كل شيء، فهذا يقاتل شجاعة، لأنه شجاع يحب أن يقاتل، ويقاتل حمية يعني عصبية لقومه، ويقاتل ليُرى مكانه، أي : رياء كما جاء في اللفظ الآخر، «ويقاتل رياء » قال :«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » ومن قاتل ليسترد أرضه المغصوبة فهو من باب الحمية إلا إذا قال : أريد أن أستردها لأقيم عليها شعائر الإسلام، فهذا في سبيل الله، أما من قاتل لأن هذه أرضه ويريد أن ترد إليه، فهذا حمية ليس له أجر الشهداء إذا قتل، هؤلاء الشهداء ﴿ لهم أجرهم عند ربهم ﴾ أي : ثوابهم العظيم كما قال تعالى :﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بمآ ءاتهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ﴾ ولما ذكر - عز وجل - أهل الإيمان وثوابهم ذكر أصحاب الشمال بعد ذلك قال :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ﴾ لأن القرآن مثاني، تثنى فيه الأمور والمعاني، ولهذا تجد القرآن الكريم في الغالب إذا ذكر الله الجنة ذكر النار، وإذا ذكر أولياء الله ذكر أعداء الله، والحكمة من ذلك أن لا يمل الإنسان، لأنه كلما تنقل المعنى إلى معنى آخر نشط الإنسان، وحكمة أخرى أن يكون الإنسان سائراً إلى الله، أي متعبداً إلى الله بين الخوف والرجاء ؛ لأنه إذا مرت به صفات المؤمنين قوي جانب الرجاء، وإذا ذكرت أحوال الكافرين غلب جانب الخوف.
﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ﴾ عطف التكذيب على الكفر وهو نوع منه ؛ لأنه أشد، فالذي يكفر ولم يكذب أهون من الذي يكفر ويكذب، فعطف كذبوا بآياتنا على كفروا من باب عطف الخاص على العام، كعطف الروح على الملائكة وهو منهم، قال الله تعالى :﴿ تنزل الملائكة والروح فيها ﴾ والروح جبريل وهو من الملائكة، ﴿ أولئك أصحاب الجحيم ﴾. الجحيم اسم من أسماء النار، وأصحابها يعني الملازمين لها، ولهذا إذا مرت آية فيها ( أصحاب ) فالمعنى أنهم ملازمون لها مخلدون فيها، نسأل الله العافية، وفي هذه الآيات الترغيب بالأوصاف التي توصل إلى الجنات، لأن الله تعالى لم يذكر لنا هذه الأمور لنتطلع عليها فقط، ولكن لنسعى لها، وفيها التحذير من الكفر والتكذيب ؛ لئلا يقع الإنسان في هذا العقاب الأليم.
لما ذكر الله أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين وهم في الدنيا، كل يعمل على شاكلته، بين حقيقة الدنيا ما هي، وأمرنا أن نعلم من أجل أن يجتهد الإنسان في التأمل والتفكر، فالأمر بالعلم بشيء واقع يعني أن المطلوب أن تتأمل كثيراً حتى يتبين لك الأمر،
لا طيب للعيش ما دامت منغصة*** لذاته بادكار الموت والهرم
كل إنسان إذا فكر في عيشه وأنه في نعيم يقول : ما بعد ذلك ؟ ! ما الذي بعده، إما موت أو هرم، إما أن تموت وتنتهي من الدنيا، وإما أن تهرم، وتكون عالة على ابنك وبنتك حتى أهلك يملونك، ولهذا أشار الله - عز وجل - إلى هذه الحالة فقال :﴿ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ﴾ لأنهما إذا بلغاالكبر اختل تفكيرهما وصارا يتعبان، فأنت إما أن تموت وإلا تصل إلى حال الهرم، هذا إن بقيت لك الدنيا، وإلا فقد تسلب إياها قبل أن تصل إلى الهرم وقبل أن تموت، فنأخذ من هذا الحذر من فتنة الدنيا، وكم من إنسان أطغته الحياة الدنيا فهلك، وفي الحديث القدسي :«إن من عبادي من إذا أغنيته أفسده الغنى » بل قد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تفتح الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم » وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، فأكثر الفسقة، وأكثر الكفرة من الملأ والأشراف، واقرأوا القرآن، مَن يكذب الرسل ؟ هم الملأ والأشراف، واعتبروا بالواقع الآن، أكثر من يفسد الدنيا هم الأثرياء والأغنياء، الذين فتحت عليهم الدنيا، فليحذرها العاقل اللبيب، وليقتصر منها على ما ينفعه في الآخرة.
ثم ضرب الله لها مثلاً ؛ لأن الأمثال تقرب المعاني، إذ إن المثل يعني قياس المعنى على المحسوس ﴿ كمثل غيث ﴾ أي : مطر تنبت به الأرض وتزول به الشدة، ﴿ كمثل غيث أعجب الكفار نباته ﴾ أي النبات الناشىء عنه، وأعجبهم : أي استحسنوه، والكفار هم الكافرون بالله - عز وجل - لأن الكافر تعجبه الدنيا ويفرح بها ويسر بها، وقلبه متعلق بها ليس له هم إلا ما يراه من زينتها ولهوها، فهو قد أعجب الكفار بالله، وخص الكفار لأن الكفار هم الذين يستحسنون الدنيا ويعجبون بها وتتعلق قلوبهم بها، أما المؤمنون فهم على العكس لا يهمهم إلا ما فيه مصلحة الآخرة، وقيل : إن المراد بالكفار هنا الزراع، ولكن هذا ليس بصحيح ؛ لأن إطلاق الكفار على الزراع نادر جداً، هذا إن صح، والذين يقولون : إن المراد بهم الزراع يقولون : لأن الزارع يكفر الحب، أي : يستره في الأرض، ولكن ما قررناه أولاً هو الصواب : أن المراد بالكفار، هم الكفار بالله، يعجب الكفار نباته ثم بعدما يظهر ويعجب الكفار ويستحسنونه ويتعجبون منه ﴿ يهيج ﴾ أي : ييبس ويجف، ﴿ فتراه مصفراً ﴾ بعد أن كان أخضر نامياً يكون مصفرًّا دائماً، ﴿ ثم يكون حطاماً ﴾ يعني : يتحطم ويتكسر ؛ لأنه يبس، فماذا كانت النتيجة لهذا الزرع ؟ التلف، والزوال، هذه حال الدنيا، تزهو للإنسان بنعيمها وقصورها ومراكبها وأموالها وأولادها وغير ذلك، وإذا بها تتحطم، كم من غني كان مسروراً في أهله، منعماً في بيته وفي مركوبه وفي ثيابه، وفي كل أحواله، وإذا به يعود فقيراً، فتتحطم دنياه، فإن لم تكن مات وتحطمت دنياه بفراق هذه الدنيا، فلابد من أحد أمرين : فإما أن تفارقك الدنيا، وإما أن تفارقها، هذه حال الدنيا، وهذا أمر لا يشك فيه في الواقع، لكن النفوس معها غفلة يسهو بها الإنسان عن مثل هذا الأمر الواقع، فيظن أن كل شيء على ما يرام، ويستبعد زوال الدنيا، أو زواله هو عن الدنيا، أما الآخرة فاستمع إليها، قال :﴿ وفي الأَخرة عذاب شديد ﴾ للكافرين، ﴿ ومغفرة من الله ورضوان ﴾ للمؤمنين، فأيما أحق أن يؤثر الإنسان ؟ الدنيا التي مآلها الفناء والزوال، أو الآخرة ؟ ! يؤثر الآخرة هذا العقل، لأنك إن آثرت الدنيا ففي الآخرة عذاب شديد، وإن آثرت الآخرة ففيها مغفرة من الله ورضوان، ﴿ ومغفرة ﴾ للذنوب ﴿ ورضوان ﴾ بالحسنات، ﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾ هذه الجملة فيها حصر طريقة النفي والإثبات، وهو أعلى طرق الحصر، ﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾، يغتر بها الإنسان، فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول، كل هذه الجمل وهذه الأوصاف يريد الله عز وجل - وهو أعلم - أن يزهد الإنسان في الدنيا ويرغبه في الآخرة، ومن زهد بالدنيا ورغب في الآخرة لم يفته شيء من نعيم الدنيا حتى وإن افتقر، فإنه لا يفوته نعيم الدنيا، ودليل هذا من القرآن والسنة، قال الله - عز وجل - :﴿ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبةً ﴾ لم يقل لنكثرن ماله وأولاده وقصوره ﴿ فلنحيينه حياة طيبةً ﴾ مطمئنة مستريح البال فيها، ﴿ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾، وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك في قوله :«عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء فصبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ».
﴿ سابقوا إلى مغفرة من ربكم ﴾ أمر بالمسابقة، وقد جاء الأمر في آية أخرى بالمسارعة فيجمع الإنسان بين المسابقة وهي شدة العدو في حال السير، وبين المسارعة يعني المبادرة إلى فعل الخير ﴿ إلى مغفرة من ربكم ﴾ وذلك بفعل أسباب المغفرة، ومن أسباب المغفرة أن تسأل الله المغفرة، تقول : اللهم اغفر لي، أو تقول : أستغفر الله وأتوب إليه، ومن أسباب المغفرة فعل ما تكون به المغفرة كقول النبي صلى الله عليه وسلم :«من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه » وكقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه، غفر الله بهما ما تقدم من ذنبه، وكقوله صلى الله عليه وسلم :«من قال سبحان الله وبحمده، مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر » والأمثلة على هذا كثيرة، ﴿ وجنة ﴾ هي دار النعيم التي أعدها الله - عز وجل - للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها فاكهة ونخل ورمان، وعسل ولبن وغير ذلك، لكن لا تظن أن ما فيها يشابه ما في الدنيا ؛ لأن الله يقول :﴿ فلا تعلم نفس مآ أخفي لهم من قرة أعين ﴾ وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط، اسم رمان لكن يختلف عن رمان الدنيا، فاكهة تختلف عن فاكهة الدنيا، فرش يختلف عن فرش الدنيا، وهلم جرا، وفي الحديث القدسي :«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر » ﴿ عرضها كعرض السماء والأَرض ﴾، وفي سورة آل عمران :﴿ عرضها السماوات والأَرض ﴾ ولا منافاة لأن الأول : عرضها كعرض السماء تشبيه. والثاني : عرضها السماوات والأرض أيضاً تشبيه، لكن يسميه أهل البلاغة تشبيه بليغ ﴿ كعرض السماء والأَرض ﴾، ومَن يستطيع أن يقدر عرض السماء والأرض ؟ لا أحد يستطيع، السماوات بسعتها، السماء الدنيا واسعة جدًّا، كم بينها وبين الأرض من مسافة وهي محيطة بها، والسماء الثانية فوقها وهي أوسع منها، والثالثة أوسع وهلم جرا، إلى أن تصل إلى الكرسي. والكرسي يقول النبي عليه الصلاة والسلام :«ما السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض » حلقة المغفر صغيرة، ألقها في فلاة في الأرض ماذا تكون بالنسبة للفلاة ؟ لا شيء، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة » فلن نستطيع أن ندرك عرض السماوات والأرض، والجنة عرضها كعرض السماء والأرض، ولذلك كان أقل أهل الجنة منزلة من ينظر إلى ملكه مسافة ألفي سنة، وإنما ذكر الله تعالى أن عرضها عرض السماوات والأرض من أجل أن نحرص على ملء هذه الأرض أرض الجنة، وفي الحديث :«أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : اقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وإن غراسها : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر » فاحرص يا أخي على أن تملأ ما تستحقه من هذه الجنة بذكر الله، وتلاوة كتابه، وغير ذلك مما يقرب إلى الله ﴿ أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ﴾ أعدها الله - عز وجل - كما قال - عز وجل - ﴿ أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾، ومعنى الإعداد التهيئة للشيء، ﴿ للذين آمنوا بالله ورسله ﴾ آمنوا بالله، وبكل ما أوجب الله الإيمان به، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وقوله ﴿ ورسله ﴾ يشمل جميع الرسل الذين أولهم نوح وآخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام، لكن إيماننا بالرسل يختلف عن إيماننا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإيماننا بالرسل بأن نؤمن بأنهم صادقون مبلغون عن الله، ونؤمن بكل ما صح من أخبارهم، أما اتباعهم فلا اتباع إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهم يشتركون مع الرسول بأن نؤمن بأنهم صادقون، وأن كل ما أخبروا به صدق، وأن كل ما جاءوا به فهو عدل ومناسب لأحوال أممهم في وقتهم، أما الاتباع فلا نتبع إلا واحداً منهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله :﴿ آمنوا بالله ورسله ﴾ يدل على أن أهل الكتاب اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة، لأنهم لم يؤمنوا برسل الله، والدليل أنهم كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، والكافر برسول من الرسل كافر بالجميع، كيف وقد جاء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنسخ جميع الشرائع السابقة، قال الله - عز وجل - :﴿ كذبت قوم نوح المرسلين ﴾ مع أنه لم يسبق نوحاً أحد من الرسل ؛ لأن من كذب رسولاً من الرسل فقد كذب جميع الرسل، فكيف بمن كذب محمداً صلى الله عليه وسلم الذي نسخت شريعته جميع الشرائع، والذي قال الله فيه :﴿ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمآ ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ﴾ أخذ ميثاق النبيين كلهم. ﴿ قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا ﴾ وهذا الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم، الرسل كلهم يؤمنون بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا في ليلة الإسراء كان محمد صلى الله عليه وسلم إمامهم في صلاتهم، فاليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يؤمنوا برسله، لأنهم كفروا بمحمد، بل هم كفروا برسلهم أيضاً، لقوله تعالى :﴿ كذبت قوم نوح المرسلين ﴾ ولأن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام بشرهم بمحمد، قال الله - عز وجل - في سورة الصف ﴿ وإذ قال عيسى ابن مريم يبني إسرءيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ﴾ فلما جاءهم هذا الرسول الذي بشر به عيسى، قالوا : هذا سحر مبين، وكفروا به، فهم كفروا بعيسى وردوا بشارته وأنكروها، ولا يجوز لنا أبداً أن نقول أو نعتقد أن أديان اليهود والنصارى اليوم أديان صحيحة أبداً، بل هي أديان باطلة، غير مقبولة عند الله، كما قال الله - عز وجل - :﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه ﴾ ﴿ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ﴾ أي ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين بالله ورسله فضل الله في أنهم آمنوا بالله وآمنوا برسله واتبعوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثيبوا بهذه الجنات، ﴿ يؤتيه من يشاء ﴾ المشيئة هنا مقترنة بالحكمة، يعني من كان أهلاً للفضل آتاه الله الفضل، ومن لم يكن أهلاً له لم يؤته، والدليل قول الله - تبارك وتعالى - :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾ فلن يجعل رسالته إلا فيمن هو أهل لها، وقال الله - عز وجل - ﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ﴾ وقال - عز وجل - :﴿ فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون ﴾ فلا تظن أن الله يعطي الفضل لمن شاء بدون سبب، لابد من سبب، فمتى علم الله في قلب الإنسان خيراً آتاه الخير، قال الله تعالى :﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأَسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً ممآ أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم ﴾ فأصلح قلبك فيما بينك وبين الله تجد الخير كله، ﴿ والله ذو الفضل العظيم ﴾، أي : صاحب الفضل العظيم - عز وجل -، فلا أحد أعظم منة من الله تعالى، أوجدك من العدم، وأعدك وأمدك بالنعم، يسر لك الهدى، فلا أحد أعظم منة من الله، ولهذا قال الله - عز وجل - :﴿ يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ﴾ ولما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأنصار في غزوة حنين حين قسم الغنائم بين المؤلفة قلوبهم كان يقرر عليهم قال لهم :«ألم أجدكم ضلاَّلاً فهداكم الله بي » قالوا : الله ورسوله أمن. قال :«ألم أجدكم متفرقين فألف الله قلوبكم بي » ؟ قالوا : الله ورسوله أمن. كلما قال قولاً قالوا : الله ورسوله أمن، يعني أعظم منة، فالحاصل أن الله تعالى ذو الفضل العظيم، ولكن يؤتي فضله من هو مستحق له، كما قال - عز وجل - :﴿ ويؤت كل ذي فضل فضله ﴾ اللهم إني أسألك من فضلك العظيم أن تهدي قلوبنا وتصلح أعمالنا، وتختم لنا بخير إنك على كل شيء قدير.
والجواب أن يقال : القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين يؤكد الأشياء الهامة، أو الأشياء المنكرة بأنواع المؤكدات حتى يطمئن المخاطب ولا يرتاب المرتاب، وهذا يذكر في القرآن كثيراً، والتوكيد هنا ليس منصباً على إرسال الرسل، لأن إرسال الرسل معلوم ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ لكنه منصب على قوله بالبينات أي أن الرسل جاءوا بالبينات، والبينات صفة لموصوف محذوف، والتقدير بالآيات البينات أي العلامات البينة الدالة على صدق رسالتهم وصحتها، فإن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا من الحكمة والرحمة، أما كونه من الحكمة فليس من الحكمة أن يأتي رجل من بني آدم ويقول للناس : أنا رسول الله إليكم بدون آية، بدون بينة، ولو كلف الناس بالإيمان برسل الله بدون بينة لكان في ذلك مشقة عظيمة، ومن رحمة الله أن الله أيد الرسول بالآيات البينات الظاهرة، قال العلماء : والله تعالى من حكمته ورحمته جعل لكل نبي من الآيات ما يتبين به رسالتهم، مثال ذلك أرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام إلى فرعون وأعطاه آيات بينات، قال الله تعالى :﴿ ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات ﴾ منها العصا العجيبة، عصا عادية فيها آيات من آيات الله، منها أنه لما اجتمع السحرة الفجار بأمر فرعون ومساندته وألقوا حبالهم وعصيهم، وصارت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين أرهبت الناس حتى موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة، لأنها فوق ما يتصور، سحرة مهرة أتوا بكل قوتهم وألقوا فملؤوا الأرض حبالاً وعصياً، فجعلت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين، ﴿ فلمآ ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءو بسحر عظيم ﴾، أوحى الله إليه أن يلقي العصا، فانقلبت هذه العصا حية، وجعلت تلقف ما يأفكون. كل الحبال التي جاءوا بها أكلتها هذه الحية، فهذه من آيات الله العظيمة، كيف تكون هذه الحية تأكل كل هذه الحبال والعصي، أين تذهب ؟ لكنها - والله أعلم - بمجرد ما تأكلها تكون كالبخار، وإلا فبطن هذه الحية لا يسعها، لكن هذه آية، ونحن نتصور هذه الواقعة خبراً، ولكن لو رأيناها نظراً كان الأمر أشد وأعظم، فنحن الآن لا نتصورها إلا في الخبر وفي الذهن فقط، ولكن لو شاهدت عرفت أن الآية عظيمة. والآية الثانية في هذه العصا أن موسى استسقاه قومه وطلبوا منه الماء فضرب حجراً من الحجارة فتفجر عيوناً، اثنتا عشرة عيناً، لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة قبيلة، والآية الثالثة : أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أدركه فرعون وحشره إلى البحر أيقن أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام أنهم هالكون، وقالوا : إنا لمدركون، ليس لنا مفر، البحر أمامنا، إن خضناه غرقنا، وفرعون وجنوده خلفنا سيقضون علينا، قال أصحابه : إنا لمدركون. ولكن انظر إلى الإيمان واليقين، قال :﴿ كلا ﴾ لن ندرك، ﴿ إن معى ربي سيهدين ﴾ أي : سيدلني على ما فيه النجاة. فأوحى الله إليه بأن اضرب بعصاك البحر فانفلق، فضرب البحر مرة واحدة بالعصا فانفلق اثني عشر طريقاً على عدد قبائل بني إسرائيل، وكان كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل، وانظر إلى الإيمان أيضاً كيف دخلوا في هذه الطرق والمياه على أيمانهم وعلى شمائلهم ولكنه الإيمان، لأنهم عرفوا أنهم ناجون ولابد. وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أعطاه الله تعالى آيات بينات، كان يبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله، وهذان المرضان لا حيلة للأطباء فيهما إلى الآن، اللهم إلا الأكمه، وكان يحيي الموتى بإذن الله، يقول للجنازة أمام الناس : احيي. فتحيا بإذن الله، وكان يخرج الموتى من قبورهم، يقف على القبر ويأمر صاحب القبر بأن يخرج ويخرج حيًّا، من يستطيع هذا إلا الله - عز وجل - وجعله آية لهذا النبي عليه السلام. وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير، قال الله - عز وجل - :﴿ فيكون طيرًا بإذن الله ﴾ وفي قراءة ثانية :( يكون طائراً )، وإذا جمعت بين القراءتين صار المعنى طيراً بإذن الله يطير، لأنه ما كل طير يطير، فالنعامة لها جناح ولكنها لا تطير، لكن يكون طيراً يطير يشاهد في الجو وهو خلقه من طين، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، وجعله الله آية لعيسى.
فإن قال قائل : لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور ؟
قال أهل العلم : إن الله - عز وجل - حكيم يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت، وحال الناس حتى يعجزهم، فالسحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى عليه الصلاة والسلام فأراهم الله آية يعجزون عنها بالسحر، ولهذا السحرة في قصة موسى العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا، ألقي السحرة ساجدين، كأنهم بغير اختيار، فسجدوا وقالوا إعلاناً :﴿ قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ﴾ وعيسى عليه الصلاة والسلام ترقى في عهده الطب ترقياً عظيماً فأعطاه الله آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثلها، أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب واللسان العربي المبين أفصح الألسنة وأدلها على ما في الضمير، فبعثه الله - عز وجل - بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس، قال الله - عز وجل - :﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ﴾ وصدق الله - عز وجل - فالقرآن كلام الله فكما أن الله ليس كمثله شيء، فكلامه ليس مثله كلام، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ما بعث نبيًّا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى تقوم الحجة، قال :«وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً »، وحصل ما توقع والحمد لله، لأن آيته الكبرى هي القرآن العظيم، والقرآن العظيم باق، وكل الناس يقرأونه ويستنتجون منه من الآيات ما يزدادون به إيماناً، ويعلمون به صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن قال قائل : ما الحاجة إلى إعطاء الأنبياء آيات ؟ فنقول : الحاجة واقعة بل للضرورة، بل العقل أيضاً، لأنه ليس من العقل أن يأتي شخص ويقول : إنه رسول ثم يتبع، لابد أن يكون هناك بينة تدل على أنه رسول، ولو جاء إنسان في غير أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال : إنه رسول ولم يأت بآية، فالناس معذورون إذا لم يتبعوه، وإلا لكان كل واحد يدعي أنه رسول، أما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فالنبوة انقطعت ؛ لأنه كان خاتم النبيين، لذلك لابد أن يكون مع الأنبياء آيات تدل على صدقهم وعلى صحة ما جاءوا به من الشريعة ﴿ وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ﴾ الكتاب : هو الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليهم وما من رسول إلا معه كتاب، بخلاف النبي، فالنبي قد لا يكون معه كتاب، لكن الرسول لابد أن يكون معه كتاب، لأن الرسول لابد أن يعطي الناس الذين يدعوهم ما يشاهدونه بأعينهم. وفيه الأمر والنهي، والخبر والقصص وغير ذلك مما تقتضيه الحال. وقوله :﴿ الكتاب ﴾ المراد الجنس، يعني الكتب، وقوله :﴿ والميزان ﴾ أي : العدل الذي توزن به الأشياء ويعرف قدرها وحالها، وهذا يدل دلالة واضحة على أن القياس الصحيح مما بعث به الرسل، لأن القياس تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، وقد قال الله - عز وجل - :﴿ وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ﴾ أي : العدل والمقايسة بين الأمور ﴿ ليقوم الناس بالقسط ﴾ أي ليقوم الناس في الدين والدنيا بالقسط بالعدل في حق الله، وفي حق العباد، والعدل في حق الله ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال له :«أتدري يا معاذ ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله ؟ » قال : الله ورسوله أعلم، قال :«حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ». يعني أن لا يعذب من يعبده ولا يشرك به شيئاً، أما حق المخلوق، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :«من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأت منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه » هذا الشاهد، أي : أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، ولو أننا عاملنا الناس بهذا لاستقام العدل ولم يتجرأ أحد على ظلم أحد، ولو أننا شعرنا للناس بما نشعر به لأنفسنا لحلت في قلوبنا الرحمة والتواضع، لأن كل إنسان يحب أن يعامله الناس بالرحمة والتواضع، فعامل الناس أيضاً بالرحمة والتواضع.
فاللام في قوله ﴿ ليقوم ﴾ للتعليل يعني أرسلنا الرسل وأنزلنا معهم الكتاب، وأنزلنا معهم الميزان لهذه الحكمة، ليقوم الناس بالقسط، ولهذا لا تجد أعدل من دين الله - عز وجل - في كل زمان ومكان، وكل ما خالف دين الله - عز وجل - فهو جور وظلم، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن أظلم الظلم أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك. ثم سئل : أي الظلم أعظم ؟ قال :«أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك » فلو مشى الناس على شريعة الله لقاموا بالقسط، لكن كل من لم يتمش على شريعة الله فهو جائر، قال الله تعالى :﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جآئر ﴾ يعني من السبيل ما هو جائر وهو سبيل الظالمين، ثم ذكر الله تبارك وتعالى ما يحصل به النصر من جهة أخرى، لأن النصر يكون بالوحي ويكون بالبأس وهو ما ذكره في قوله :﴿ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ﴾ أنزلنا الحديد يعني خلقناه لهم من المعادن واستنبط بعض العلماء من قوله :﴿ وأنزلنا الحديد ﴾ على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما إذا كان في أسفل، لأن النزول إنما يكون من أعلى، فالله أعلم هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن أنزلنا بمعنى وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن ﴿ فيه بأس شديد ﴾ أي : في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب، لأن الدين لا يقوم إلا بهذا : بالدعوة والقتال. فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي فحينئذ يقاتلون، بالحديد ﴿ ومنافع للناس ﴾ جمع المنافع لأنها لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أنواعها وأفرادها، فمن يحصي المنافع التي تحصل بالحديد ؟ ! ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع، ﴿ ومنافع للناس ﴾ دينية ودنيوية، فردية وجماعية ﴿ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ﴾ معطوفة على ﴿ ليقوم الناس بالقسط ﴾ والمراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون، فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب، لأنه سبحانه لم يزل ولايزال عالماً بكل شيء، ولكن لا يشكل عليك الأمر، لا تقل : إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول : العلم علمان : علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده. والعلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن للناس، ﴿ من ينصره ﴾، أي : ي