ﰡ
﴿ عَامِلَةٌ ﴾؛ أي تُجَرُّ في النار على وجُوهها.
﴿ نَّاصِبَةٌ ﴾؛ أي في تعَبٍ وعناء ومشقَّة وبلاءٍ من مُقاساتِ العذاب، قال الحسنُ: ((لَمْ تَخْشَعْ للهِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ تَعْمَلْ لَهُ، فَأَخْشَعَهَا فِي الآخِرَةِ وَأعْمَلَهَا وَأنْصَبَهَا بمُعَالَجَةِ الأَغْلاَلِ وَالسَّلاَسِلِ)). وقال قتادةُ: ((تَكَبَّرَتْ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ اللهِ، فَأَعْمَلَهَا وَأنْصَبَهَا فِي النَّار)). وقال الضحَّاك: ((يُكَلَّفُونَ ارْتِقَاءَ جَبَلٍ مِنْ حَديدٍ فِي النَّار)). والنَّصَبُ: الدَّأبُ فِي العملِ، وقال عكرمةُ والسديُّ: ((عَامِلَةٌ فِي الدُّنْيَا بمَعَاصِي اللهِ، نَاصِبَةٌ فِي النَّار يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). وقال سعيدُ بن جبير: ((هُمُ الرُّهْبَانٌ أصْحَابُ الصَّوَامِعِ الَّذِينَ يَتْعَبُونَ وَيَنْصَبُونَ فِي الْعِبَادَةِ، ثُمَّ لاَ يَخْلصُونَ فِي الآخِرَةِ مِنْ ذلِكَ عَلَى شَيْءٍ لِوُقُوعِ ذلِكَ عَلَى غَيْرِ مُوَافَقَةِ الْعِلْمِ)). ويقالُ: همُ الخوارجُ. ويقال: المرادُ به كلُّ مَن عمِلَ عَملاً، وخلَطَ بعملهِ ما يُبطِلهُ من ربَا أو شركٍ أو عُجب.
فلمَّا نزَلت هذه الآيةُ قال المشرِكون: إنَّ إبلَنا لتسمَنُ على الضَّريع، فأنزلَ اللهُ قولَهُ تعالى: ﴿ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ ﴾؛ وكَذبوا، فإن الإبلَ لا ترعاهُ إلاّ ما دامَ رَطْباً، وأما إذا يبسَ فلا تقربهُ دابَّةٌ، ورَطِبُه يُسمَّى شَبْرَقاً لا ضَريعاً، والمعنى: لا يُسمَنُ مَن أكلَهُ ولا يسدُّ جوعةً.
﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾؛ أي مُرتفعة في القدْر والشَّرف.
﴿ وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾؛ فجعلها مرساةً مثبَّتة لا تزلزَلُ، وفجَّر في أعلاها العُيونَ لمنافعِ الناس.
﴿ وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾؛ أي بُسطت على وجهِ الماء. فالذي فعلَ هذه الأشياءَ قادرٌ على أن يخلُقَ نعيمَ الجنة بالصفاتِ التي ذكرَها. قال أنسُ بن مالك: ((صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالبٍ، فَقَرَأ: (أفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبلِ كَيْفَ خَلَقَتُ، وَإلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رَفَعْتُ * وَ... نُصَبْتُ * و... سَطَحْتُ) برَفْعِ التَاءِ))، وقرأ الحسنُ بالتشديدِ.
﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾؛ وإخراجَ ما لهم وعليهم حتى يظهرَ مقدارُ ما يستحقُّون من العذاب.