تفسير سورة الفجر

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

عما قبله. كما تَقُولُ فِي الكلام: قعدنا نتحدث ونتذاكر الخبر إلّا أن كثيرًا من النَّاس لا يرغب، فهذا المنقطع.
وتعرف المنقطع من الاستثناء بِحُسْن إن فِي المستثنى فإذا كَانَ الاستثناء محضًا متصلًا لم يحسن فِيهِ إن. ألا ترى أنك تَقُولُ: عندي مائةٌ إلّا درهما، فلا تدخل إن هاهنا فهذا كاف من ذكر غيره.
وَقَدْ يَقُول بعض القراء وأهل العلم: إن (إلا) بمنزلة لكن، وذاك منهم تفسير للمعنى، فإمَّا أن تصلح (إلّا) مكان لكن فلا ألا ترى أنك تَقُولُ: ما قام عَبْد اللَّه ولكن زَيْد فَتُظْهِرُ الْوَاوَ، وتحذفها. ولا تَقُولُ: ما قام عَبْد اللَّه إلا زَيْد، إلّا أن تنويَ: ما قام إلا زَيْد لتكرير «١» أَوَّل الكلام.
سئل الفراء [١٣٦/ ا] عنْ (إيّابَهم «٢» ) (٢٥) فَقَالَ: لا يجوز عَلَى جهة من الجهات.
ومن سورة الفجر
قوله عز وجل: وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «٣» ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن أبى إسحق عَنِ الأسود بْن يزيد فِي قوله: «وَالْفَجْرِ» قال: هو «٤» فجركم هذا. «وَلَيالٍ عَشْرٍ» قال:
عشر الأضحى. «وَالشَّفْعِ» (٣) يوم الأضحى، و «الْوَتْرِ» (٣) يوم عرفة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «٥» قَالَ] : حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شيخ عن عبد الملك ابن أَبِي سليمان عنْ عطاء قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: الوتر والشفع «٦» : خلقه.
(١) فى ش: بتكرير.
(٢) قرأ «إِيابَهُمْ» بتشديد الياء أبو جعفر. قيل مصدر أيّب على وزن فيعل كبيطر يبيطر... والباقون بالتخفيف مصدر: آب يؤوب إيابا رجع، كقام يقوم قياما (الإتحاف: ٤٣٨).
(٣) زيادة من ش.
(٤) سقط فى ش.
(٥) زيادة من ش.
(٦) كذا فى النسخ بتقديم الوتر، كأنه لا يريد التلاوة.
قال حدثنا الفراء قال «١» : وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْوَتْرُ آدَمُ، شُفِعَ بِزَوْجَتِهِ. وقد اختلف [القراء] «٢» فى الوتر: فَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْوِتْرِ مَكْسُورَةُ الْوَاوِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ «٣»، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَعَاصِمٌ [وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ] «٤» «الْوَتْرِ» بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ «٥».
وقوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤).
ذكروا أنها ليلة المزدلفة، وَقَدْ قَرَأَ القراءُ: «يَسرى» بإثبات الياء، و «يَسْرِ» بحذفها «٦»، وحذفها أحب إليَّ لمشاكلتها رءوس الآيات، ولأن العرب قَدْ تحذف الياء، وتكتفي بكسر ما قبلها منها، أنشدني بعضُهم.
كفاكَ كفٌّ ما تُليق دِرْهمًا جُودًا، وأخرى تُعطِ بالسيف الدِّما «٧»
وأنشدني آخر:
ليس تخفى يسارتي قَدْر يومٍ ولقد تُخْفِ شِيمتي إعساري «٨»
وقوله عزَّ وجلَّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥).
لذي عقلِ: لذي سِتْر، وكله يرجع إلى أمر واحد من العقل، والعرب تَقُولُ: إنه لذو حجر إِذَا كَانَ قاهرًا لنفسه ضابطًا لها، كأنه أخذ من قولك: حجرت عَلَى الرجل.
وقوله جل وعز [١٣٦/ ب] إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧).
لم يجر القراء (إرم) لأنها فيما ذكروا اسم بلدة، وذكر الكلبي بإسناده أن (إرم) سام بن نوح، فإن كان هكذا اسما فإنما ترك إجراؤه لأنه كالعجمى. و (إرم) تابعة لعاد، و (العماد) : أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم:
(١) فى ش: قال: حدثنا الفراء وحدثنى.
(٢، ٤) سقط فى ش.
(٣) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف. وافقهم الحسن والأعمش (الإتحاف: ٤٣٨).
(٥) والكسر لغة تميم (لسان العرب).
(٦) قرأ الجمهور: «يَسْرِ» بحذف الياء وصلا ووقفا، وابن كثير بإثباتها فيهما، ونافع وابن عمرو بخلاف عنه بياء فى الوصل، وبحذفهما فى الوقف. (البحر المحيط ٨/ ٤٦٨). [.....]
(٧) أورده فى اللسان ولم ينسبه. مادة ليق. وانظر (الخصائص ٣/ ٩٠، ١٣٣، وأمالى ابن الشجري ٢/ ٧٢).
ومعنى: ما تليق: ما تحبس وتمسك. يصفه بالكرم والشجاعة.
(٨) رواه اللسان كما هنا ولم ينسبه، وفى ب: قدرتهم مكان قدر يوم، وهو تحريف.
وقوله عز وجل: جابُوا الصَّخْرَ (٩) خرقوا الصخر، فاتخذوه بيوتًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠).
كَانَ إِذَا غضب عَلَى الرجل مدّه بين أربعة أوتاد حتَّى يموت معذبًا، وكذلك فعل بامرأته آسية ابْنَة مزاحم، فسمى بهذا لذلك.
وقوله جل وعز: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣).
هَذِهِ كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب، تُدخل فِيهِ السوط. جرى بِهِ الكلام والمثل.
ونرى «١» ذَلِكَ: أن السوط من عذابهم الَّذِي يعذبون بِهِ، فجرى لكل عذاب إذ كَانَ فِيهِ عندهم غاية العذاب.
وقوله تبارك وتعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤). يَقُولُ: إِلَيْه المصير «٢».
وقوله جل وعز: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (١٦).
خفف عاصم والْأَعْمَش وعامة القراء، وقرأ نافع [أ] وأبو جَعْفَر: (فقدّر) مشددة «٣»، يريد (فقتّر) وكلٌّ صواب.
وقوله عز وجل: كَلَّا (١٧) لم يكن ينبغي لَهُ أن يكون هكذا، ولكن يحمده عَلَى الأمرين: عَلَى الغنى والفقر.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم بالألف وفتح التاء، وقرأ أهل المدينة: «ولا تَحُضُون»، وقرأ الْحَسَن الْبَصْرِيّ «٤» :«ويُحضون، ويأكلون «٥» »، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: «تَحَاضُّونَ «٦» » برفع التاء، وكل صواب.
كأن «تَحَاضُّونَ» تحافظون، وكأن، «تُحضون» تأمرون بإطعامه «٧»، وكأنَّ تَحاضُّون: يحض بعضكم «٨» [١٣٧/ ا] بعضا.
(١) فى ش: ويرى.
(٢) هكذا بالأصول. وسار أهل التفاسير على غير هذا الرأى، أنظر مثلا: «الجامع لأحكام القرآن» ٢٠: ٦٨ و «جامع البيان للطبرى ٣٠: ١٨١».
(٣) قرأ بالتشديد ابن عامر وأبو جعفر، والباقون بتخفيفها. لغتان (الإتحاف: ٤٣٨).
(٤) زيادة فى ش.
(٥) من قوله: (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) وهى قراءة مجاهد وأبى رجاء وقتادة والجحدري وأبى عمرو (البحر المحيط ٨/ ٤٧١).
(٦) روى عن الكسائي والسلمى، وهو تفاعلون من الحض وهو الحث (تفسير القرطبي ٢٠/ ٥٣).
(٧) فى ش بإطعام.
(٨) فى ش: بعضهم.
وقوله عز وجل: أَكْلًا لَمًّا (١٩) أكلا شديدا «وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا» (٢٠) كثيرًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَقُولُ «١» يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) لآخرتي التي فيها الحياة والخلود.
وقوله عزَّ وجل: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) قَرَأَ عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة: «لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ» بالكسر جميعا.
وقرأ بذلك حَمْزَةُ [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «٢» قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ» بِالْفَتْحِ «٣». وَقَالَ [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «٤» ] مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْخَفَّافَ «٥» بِهَذَا الْإِسْنَادِ مثله [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «٦».
قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ أَبِي الرَّبِيعِ «٧» عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ: «لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ» بِالْكَسْرِ، فَمَنْ كَسَرَ أَرَادَ: فَيَوْمَئِذٍ لا يعذّب عذاب الله أحد، ومن قال: «يُعَذِّبُ» بالفتح فهو أيضا على ذلك الوجه: لا يعذّب أحد فى الدنيا كعذاب اللَّهِ يَوْمَئِذٍ. وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الأَوَّلُ، لا تَرَى أَحَدًا يُعَذِّبُ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ. وقد وجّهه بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ مُسَمًّى لا يُعَذَّبُ كعذابه أحد.
وقوله عز وجل: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧).
بالإيمان والمصدِّقة بالثواب والبعث «ارْجِعِي»
(٢٨) تَقُولُ لهم الملائكة إذا أعطوا كتبهم
(١) زيادة فى ش.
(٢، ٦) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(٣) قرأ الجمهور: لا يعذب ولا يوثق مبنيين للفاعل. وقرأ بهما مبنيين للمفعول ابن سيرين وابن أبى إسحق والكسائي ويعقوب وروى عن أبى عمرو (البحر ٨/ ٤٧٢).
(٤) فى ش: وقال محمد بن الجهم. [.....]
(٥) هو عبد الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الحفاف العجلى البصري، ثم البغدادي ثقة مشهور، روى القراءة عن أبى عمرو... مات ببغداد سنة ٢٠٤ (طبقات الفراء ١/ ٤٧٩).
(٧) هو سليمان بن مسلم بن جمّاز أبو الربيع الزهري مولاهم، المدني، مقرىء جليل ضابط، عرض على أبى جعفر وشيبة، ثم عرض على نافع، وقرأ بحرف أبى جعفر ونافع. عرض عليه إسماعيل بن جعفر، وقتيبة بن مهران، مات بعد السبعين ومائة فيما أحسب (ابن الجزري فى طبقات القراء ١/ ٣١٥).
Icon