بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفجر ١ مكية ٢.٢ انظر: تفسير الماوردي ٤/٤٤٨ ولم يذكر إجماعاً ولا خلافاً. وذكر ابن عطية في المحرر ١٦/٢٩٢ أنها مكية عن الجمهور قال: "وحكى أبو عمرو الداني في كتابه المؤلف في تنزيل القرآن عن بعض العلماء أنه قال: هي مدنية والأول أشهر وأصح" وفي البحر ٨/٤٦٧ هي مدنية في قول علي بن أبي طلحة. وفي زاد المسير ٩/١٠٢ "مكية كلها بإجماعهم"..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفجرمكية
قوله تعالى: ﴿والفجر * وَلَيالٍ عَشْرٍ * والشفع﴾. ألى قوله: ﴿البلاد﴾.
قال ابن عباس: الفجر " النهار ". وعنه أن الفجر عنى به " صلاة الفجر ".
وقال عكرمة: هو " فجر الصبح ". وقيل: هو صبيحة يوم النحر. وهو قسم
وقوله: ﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ أكثر المفسرين على أنها [العشر] الأولى من ذي الحجة.
ورو ى جابر أن النبي ﷺ قال: ﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾: عشر الأضحى.
وإنما جعلها عشر ليال، لأن ليلة يوم النحر دخلت فيها، لأن الله جعل ليلة يوم النحر ليوم عرفة فصار ليوم عرفة ليلتان رفقاً بعباده، فلذلك من لم يدرك الوقوف بعرفة يوم عرفة وقف ليلة يوم النحر وتم حجه، لأن ليلة يوم النحر ليلة (يوم عرفة أيضاً فصارت ليلة يوم النحر داخلة في حكم يوم) عرفة، يجزي فيها ما فات من الوقوف بعرفة يوم عرفة. ولا يجزئ الوقوف بعرفات - ليلة يوم عرفة - عن يوم عرفة، فصارت ليلة يوم النحر أخص بيوم عرفة من ليلة يوم عرفة (بيوم عرفة)،
وقال مجاهد: ليس عمل في ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر، وهي عشر موسى التي أتمها الله جل وعز له.
وعن إبن عباس أيضاً أنها العشر الأواخر من رمضان. وحكى الطبري أن بعضهم قال: [هي] العشر الأول من المحرم.
ثم قال تعالى: ﴿والشفع والوتر﴾.
قال ابن عباس: " الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة ". وقال عكرمة.
وقال الضحاك: ﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ * والشفع والوتر﴾، أقسم الله بهن لما يعلم من
وقال عبد الله بن الزبير: الشفع: اليومان اللذان بعد يوم النحر، والوتر: (اليوم) الثالث/، وهو يوم النفر الآخر، قال الله ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣].
وعن ابن عباس أيضاً: أن الشفع الخلق كلهم، والوتر الله، وهو وتر واحد وخلقه شفع. وقيل: الشفع صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب.
وهو قول مجاهد ومسروق.
وقال ابن زيد: كان أبي يقول: كل شيء خلا الله تعالى شفع ووتر، فأسم - جل ذكره - بما خلق مما تبصرون وما لا تبصرون.
وقال قتادة عن عمران بن الحصين أنه كان يقول: الشفع والوتر: الصلاة منها شفع كالظهر والعصر، ومنها وتر كالمغرب.
وقال الربيع بين أنس: الشفع والوتر: صلاة المغرب، فالشفع منها
وروى عمران بن الحصين أن النبي ﷺ قال: ﴿والشفع والوتر﴾ " هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر.
وروى قتادة أن الحسن كان يقول: الشفع والوتر هو العدد [منه] شفع ومنه وتر. [وقيل: الشفع آدم ﷺ وحواء، والوتر: الله تعالى، وتر كل شيء]. والفتح والكسر في الوتر لغتان: الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة بني تميم.
وقال الفراء: والكسر لغة قيس وأسد أيضاً. فأما الوتر الذي هو الترة،
ثم قال تعالى: ﴿واليل إِذَا يَسْرِ﴾ أي: يسري أهله.
وقيل: معناه: والليل إذا سار وذهب. وهي ليلة جمع، ليلة المزدلفة.
قال ابن عباس: إذا يسري: إذا ذهب.
وقال أبو العالية: إذا سار.
وقال ابن زيد: إذا يسير. وقال عكرمة: إذا جمع.
قال ابن عباس: ﴿لِّذِى حِجْرٍ﴾: لصاحب نُهىً وعقلٍ.
وقال الحسن: " لذي حلم ".
قال قتادة: " لذي عقل ولب " وجواب القسم: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ﴾.
[وقال مقاتل: " هل " هاهنا في موضع " إن "، وتقدير الكلام: " في ذلك قسماً. ذكره المارودي. فعلى هذا التأويل، تكون " هل " جواب القسم. والله أعلم]. وقيل الجواب: إن ربك لبالمرصاد، وهو الصواب إن شاء الله، لأن " هل " ليست من أجوبة القسم.
قال [المقبري]: إرم: دمشق، رواه عنه ابن وهب.
وقوله: ﴿واذكر أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف﴾ [الأحقاف: ٢١]، يدل على خلاف هذين القولين، لأن الأحقاف جمع: حقف، والحقف ما التوى من الرمل، وليس كذلك
وقال مجاهد: إرم: " أمة ". وعنه أيضاً إرم معناه: " القديمة ".
وقال قتادة: كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد، مملكة عاد. وهذا قول يصح معه ترك صرف " إرم ".
وقال ابن إسحاق: إرم جد عاد، وإرم هو إرم بن عوص بن سام بن نوح. ويلزم على هذا أن يصرف لأنه يذكر.
وعن ابن عباس أن معناه: بعاد الهالك، ويلزم صرفه على هذا، لأنه وصف. وقال بعض أهل النسب: إرم هو سام بن نوح، ويلزم صرفه أيضاً لأنه مذكر.
وقوله ﴿ذَاتِ العماد﴾ نعت " لعاد " إن جعلته (اسما) للقبيلة أو لإرم فمعناهك ذات الطول لأن العرب تقول للرجل الطويل: معمد، وكانت قبيلة عاد طوال الأجسام.
[قال] ابن عباس: " كان طولهم مثل العماد ".
[وقال] مجاهد: " كان لهم جسم في السماء ".
وقيل: إنما قيل: ﴿ذَاتِ العماد﴾، لأنهم كانوا أهل عمد ينتجعون الغيوث وينتقلون (إلى) الكلا حيث كان ويرجعون إلى منازلهم. هذا معنى قول مجاهد.
وقال ابن زيد: ﴿ذَاتِ العماد﴾، قيل لهم ذلك البناء بناه بعضهم فشيد عمده.
وقوله: ﴿التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد﴾ أي: مثل تلك الأعماد. وقيل: إنما وصفوا [بذلك] لشدة أبدانهم وقوتهم. والهاء في ﴿مِثْلُهَا﴾ تعود على عاد، لأنها قبيلة أو على إرم لأنها مدينة.
قال قتادة: ذكر/ أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً، وهو قوله: ﴿وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً﴾.
قوله تعالى: ﴿وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد﴾ إلى آخر السورة.
أي: وألم تر - يا محمد - كيف فعل ربك بثمود - وهم قوم صالح - الذين نقبوا الصخر وخرقوه واتخذوه بيوتا؟! وهو قوله: ﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٢].
والعرب تقول: " جاب فلارن [الفلاة] يجوبها جوْباً " إذا دخلها
قال ابن عباس: ﴿جَابُواْ الصخر بالواد﴾، أي: خرقوها، يعني: قوم صالح كانوا ينحتون من الجبال (بيوتا).
قال مجاهد: " جابوا الجبال فجعلوها بيوتاً ".
ثم قال تعالى: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد﴾ أي: أو لم تر، يا محمد، فعل ربك بفرعون ذي الأوتاد؟!
قال ابن عبس: الأوتد هنا " الجنود الذين يشدون له أمره ".
وقيل: معناه ذي الجنود الكثيرة الذين يحتاجون [لضرب] الأوتاد في أسفارهم.
وقال مجاهد: وصف بذلك، لأنه كان [يتد أوتاد] الحديد في أيدي الناس
وقال قتادة: وصف بذلك، لأنه كانت [له مظال] وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد [وحبال].
وروى ثابت البناني عن أبي رافع أن فرعون " وتد لامرأته (أربعة) أوتاد، ثم جعل على ظهرا رحى عظيمة حتى ماتت ".
وقال ابن جبير: وصف بذلك: لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد، قال: [فكان] يجعل رجلاً هاهنا ورجلاً هاهنا، ويداً هاهنا [ويدا] هاهنا بالأوتاد، وقاله مجاهد أيضاً.
وعن ابن جبير أيضاً أنه إنما وصف بذلك، لأنه كان له بنيان يعذب الناس
وقوله: ﴿الذين طَغَوْاْ فِي البلاد﴾ أي: تجاوزوا حدود الله عتوا على ربهم في البلاد التي كانوا بها فأكثوا في تلك البلاد الفساد بركوبهم المعاصي.
ثم قال تعالى: ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ أي: فأنزل بهم ربك (يا محمد) عذابه نقمة منه لهم لكفرهم، يعني جميع من تقدم ذكره من الكفرة. والعرب تقول لكل عذاب شديد عذب به المعذب: سوط خزي.
فقوله: ﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾، واقع على أنواع (من العذاب عذب الله بها هذه الأمم) المذكورة في الدنيا فأهلكهم بها. [وكذا حكى الماوردي: ﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾ اي: خلط عذاب لأنه أنواع].
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾ أي: إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قصصهم ولغيرهم من أمثالهم لبالمرصاد يرصدهم على قناطر جهنم فيكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة. وقيل: معناه: لا يفوته هارب.
وقال ابن عباس: ﴿لبالمرصاد﴾ أي: " يسمع ويروى ". وقال الضحاك: إذا كان يوم [القيامة] يأمر الله تعالى بكرسيه فيوضع على النر فيستوي عليه ويقول: " وعزتي لا يجاوزني اليوم (ذو) مظلمة ".
فذلك قوله جل ثناؤه: ﴿لبالمرصاد﴾.
وقال سفيان: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾ يعني: جهنم عليها ثلاث [قناطر]:
وقال الحسن: ﴿لبالمرصاد﴾ أي: " مرصاد عمل بني آدم ". قال ابن مسعود: والفجر إن ربك لبالمرصاد.
يعني أنه جواب القسم.
ويروى أن على جسر جهنم (سبع) [قناطر] محابس، بين كل قنطرتين
قال نافع (و) الرؤاسي: ﴿إِرَمَ﴾ وقف جيد. وهو بعيد لأن ﴿ذَاتِ العماد﴾ نعت لما قبلها أو بدل منه. والوقف عند الأخفش وغيره ﴿أَهَانَنِ﴾. والاختيار
وقال الفراء: معناه: كلا، لم يكن ينبغي للإنسان أن يقول هذا، ولكن يجب عليه أن يحمد الله على الأمرين جميعاً، على الغنى والفقر.
وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ﴾.
أي: فأ/االإنسان إذا امتحنه ربه بالنعم والسعة فرح بذلك، وقال: ربي أكرمني بهذه الكرامة.
وأما إذا ما امتحنه فضيق عليه رزقه وقَتَّره عليه غَمَّه [وقال]: ربي أهانني وأذلني بالفقر، فلم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه.
قال قتادة: ﴿فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ﴾ " ما أسرع ما كفر ابن آدم ".
وقوله: ﴿كَلاَّ﴾.
هو إنكار من الله أن يكون سبب كرامته من أكرم [كثرة] المال، وسبب
قال قتادة معناه: لا أكرم من أكرمت بكثرة المال ولا أهين من أهنت بقلته، ولكن إنما أكرم من أكرمت بتوقيته إلى [طاعتي]، وأهين من أهنت بخلاذنه وارتكابه لمعصيتي.
(ودل على ذلك قوله: ﴿بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم * وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين﴾ إلى ﴿جَمّاً﴾ أي: فبهذا أهين من أهنت، لأنه مرتكب لمعصيتي) مخذول ممنوع عن طاعتي.
وقيل: معناه: لم يكن الإنسان أن يحمد الله على النعم دون الفقر، ولكن ينبغي له أن يحمده على الأمرين جميعاً، على الغنى والفقر.
والوقف على ﴿أَهَانَنِ﴾ حسن، وتكون " كلا " في الابتداء بمعنى " حقاً "، أو بمعنى " ألا ". وهو قول الأخفش وأحمد بن موسى.
والوقف عند نصير والفراء على " كلا " معناه: ليس يهان أحد بفقر ولا غنى. وقاله قتادة.
وقوله: ﴿بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم﴾ أي: بل إنما أهنت، لأنه لا يكرم اليتيم ولا يحض الناس ولا نفسه على طعام المسكين.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً﴾ أي: وأهنتكم لأنكم تأكلون الميراث أكلاً شديداً.
﴿وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً﴾ أي: كثيراً.
قال ابن عباس: ﴿أَكْلاً لَّمّاً﴾، أي: سفاً، وجماً: شديداً.
وقال ابن زيد: ﴿وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً﴾، أي: تأكلون كل شيء تجدونه من الميراث وغيره، لا تسألون عنه، يأكل الذي له والذي لصاحبه.
[قال]: كانوا [يورثون] النساء ولا [يورثون] الصغار، وقرأ ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب فِي يتامى النسآء﴾.. إلى قوله ﴿عَلِيماً﴾ [النساء: ١٢٧].
فقوله: ﴿والمستضعفين مِنَ الولدان﴾ [النساء: ١٢٧]، يعني: يستضعفوهم [فلا يؤتنهم].
قال: وقوله: ﴿وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً﴾
أي: وتحبون جمع المال واقتناءه حبا كثيرا.
ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً﴾.
الوقف على " كلا " حسن، ومعناه: ليس هكذا ينبغي أن يكون الأمر أن تأكلوا الميراث أكلا شديدا، وتحبوا جمع المال حباً كثيراً. ولا تكرمون اليتيم بالصدقة، ولا تحضون على طعام المسكين.
وقيل: المعنى: لا يغني عنكم جمع المال شيئاً.
وقوله تعالى: ﴿إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً﴾، أي: رجت ولزلزت مرة بعد مرة.
قال ابن عباس: هو " تحريكها ".
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قال: إذا كان يوم القيامة، مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد، جِهنَّم وإنسهم، فإذا كان [ذلك] اليوم قيضت السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض، ولأهل هذه السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض، جهنم وإنسهم بضعف، [فإذا مروا] على جه الأرض فزعوا منهم، فيقولون: (أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولههم، فيقولون) سبحان ربنا، ليس فينا وهو آتٍ ثم تقاض السماء الثانية، فأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل سماء الدنيا ومن جمعي أهل الأرض بضعف جنهم وإنسهم، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من كلامهم ويقولون: سبحان الله، ليس فينا، وهو آت ثم
قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي الثانية: ستعلمون اليوم من أصحا الكرم، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون؟ فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي الثالثة: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام
وقال الضحاك: إذا كان يوم القيامة، أمر الله جل ذكره السماء الدنيا بأهلها، فنزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، كذلك إلى السابعة، فصفوا صفادون صفن ثم ينزل الملك الأعلى، على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض نادوا، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ذلك قوله تعالى: ﴿ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٢ - ٣٣].
وقرئ بتشديد الدال من ند البعير: إذا فر.
قال: ذلك قوله: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً * وجياء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾.. وقوله:
وهو قوله: ﴿وانشقت السمآء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * والملك على أَرْجَآئِهَآ﴾ [الحاقة: ١٦ - ١٧].
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ ( قال): " توقفون موقفاً واحداً يوم القيامة مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى ينقطع الدمع، ثم تدمعون دما وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم [الأذقان] ويلجمكم وتضجون ثم تقولون: [من] يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم، قبل الله توبته وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه [قبلاً]، فيؤتى
قال رسو الله ﷺ: حتى يأتونني فإذا جاءوني خرجت حتى أتى الفحص.
قال ابو هريرة: رضي الله عنهـ: يا رسول الله، وما الفحص؟ قال قدام العرش، قال: فأخر ساجداً، قال: فلا أزال ساجداً حتى يبعث الله إلي ملكاً فيأخذ بعضدي فيرفعني، فيقول الله جل وعز [لي]: يا محمد، فأقول: نعم، وهو أعلم، فيقول: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك واقض بينهم، فيقول تعالى: قد شفعتك، أنا آتيهم وأقضي بينهم.
قال رسول الله ﷺ: فأنصرف حتى أقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، سمعنا حسناً من السماء شديداً، فهالنا، فنزل أهل سماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الإنس والجن، حتى إذا دنو من الأرض، أشرقت الأرض لنورهم، وأخذوا [مصافهم] [فقلنا] (لهم): أفيكم ربنا؟ [فقالوا]: لا، وهو آت. ثم نزل
قال: ثم يأمر الله جل وعز جهنم فيخرج منها عنق ساطع [مظلم] يقول: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنيءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعبدوني هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ إلى قوله: ﴿المجرمون﴾ فيتميز الناس ويجثون، [وهي] التي يقول الله تعالى جل ذكره: ﴿وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا﴾ إلى ﴿تَعْمَلُونَ﴾.
قال: فيقضي الله جل ثناؤه بين خلقه الجن والإنس والبهائم، فإنه [ليقيدُ] يومئذ للجماء من ذات القرن، حتى إذا لم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال
ووقع [التكرير] في (دكاً دكاً) و (صفاً صفاً) على معنى: دكاً (بعد دكاً) [وصفاً] بعد صف.
ثم قال تعالى: ﴿وجياء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾.
قال ابن مسعود: " جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يقودنها وقاله ابن وائل.
ثم قال تعالى: ﴿وجياء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى﴾.
أي: يتذكر تفريطه في الدنيا في طاعة الله، ومن أي وجه له الذكرى في ذلك اليوم وقد حيل بينه وبين العمل.
ثم قال تعالى: ﴿يَقُولُ ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.
فالمعنى: قدمت لآخرتي (التي) هي الحياة الدائمة، دليله قوله: ﴿وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان﴾ [العنكبوت: ٦٤] أي: لهي الحياة.
وقيل: المعنى قدمت لأحيا، ، لأن أهل النار ليسوا بأحياء ولا أموات، بدلالة قوله: ﴿لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى﴾ [طه: ٧٤].
قال قتادة: " هناكم والله الحياة الطويلة ".
وقال مجاهد: " لحياتي ": " للآخرة ".
وقيل: الكلام بمعنى في والتقدير: يا ليتني قدمت (في حياتي، أي قدمت
ثم قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾.
من كسر الذال والثاء من ﴿يُعَذِّبُ﴾ و ﴿يُوثِقُ﴾ فمعناه: فلا يعذب - ذلك اليوم - أحد مثل عذاب الله لهم ولا يوثق حد مثل وثاق الله لهم.
وقيل: (معناه: لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذ.
ومن فتح ذلك)، فمعناه: فلا يعذب أحد مثلما يعذب الكافر ولا يوثق مثلما يوثق.
وقال الحسن: قد علم الله أن في الدنيا عذاباً (و) وثاقاً، فقال: فيومئذ
ثم قال تعالى: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ ﴿وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.
هذا خبر من الله - جل ذكره - عن قول الملائكة يوم القيامة لأولياء الله، والمعنى: تقول الملائكة لأولياء الله يوم القيامة، يا أيتها النفس التي اطمأنت إلى وعد الله [و] وعيده، فصدقت بذلك في الدنيا.
قال ابن عباس: المطمئنة: " المصدقة " (وقال قتادة: " هوالمؤمن، اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله "، وعنه:): المصدقة بما وعد الله.
وقال مجاهد: المطمئنة: الموقنة إن الله ربها، وعنه أيضاً.
المطمئنة التي أيقنت بلقاء ربها.
وفي قراءة أبي: " يا أيتها النفس الآمنة ".
[قال الحسن: المطمئنة إذا أراد الله تعالى قبضها اطمأنت إلى الله سبحانه واطمأن
قال أبو صالح: ﴿ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ هذا عند الموت ﴿فادخلي فِي عِبَادِي﴾ هذا يوم القيامة.
وقيل: إنه كله يوم القيامة. وإن [معنى] ﴿ارجعي إلى رَبِّكِ﴾، أي: إلى صاحبك/. وهو قول ابن عباس.
وقال الضحاك: " يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد فياتون الله كما خلقهم أول مرة " فهو على قوله أيضاً كله يوم القيامة، وهو اختيار الطبري.
فيكون أيضاً كله يوم القيامة وتكون المخاطبة للنفس ودل على ذلك قوله: ﴿وادخلي جَنَّتِي﴾ ودخول الجنة لا يكون إلا في القيامة.
وقال الضحاك إن معنى [فادخلي في عبادي]، [أي: طاعتي]، ﴿وادخلي جَنَّتِي﴾ أي: رحمتي فالمخاطبة - على هذا - للإنسان، لا للنفس في المعنى. وإليه يذهب الفراء، ومعناه عنده أن الملائكة تقول لهم إذا أعطوا كتبهم بإيمانهم هذا، (أي): ارجعي إلى ثواب ربك.