ﰡ
﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ١ ألم يجعل كيدهم في تضليل ٢ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ٣ ترميهم بحجارة من سجّيل ٤ فجعلهم كعصف مأكول ﴾.
يمتنّ الله في هذه الآيات على قريش ؛ إذ صرف عنهم أصحاب الفيل الذين جاءوا إليهم عازمين على هدم الكعبة وإزالتها من الوجود البتة. فأهلكهم الله أيما إهلاك، ومزقهم شر ممزّق، فخيّب مرادهم، وأضل سعيهم، وردهم خائبين خاسرين مخذولين خزايا.
وخلاصة ذلك أن أبرهة الأشرم وهو من نصارى الحبشة أرسل إلى النجاشي يقول له : إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن مثلها قبلها. فشرع في بناء كنيسة عظيمة رفيعة البنيان بصنعاء. وكانت عالية هائلة مزخرفة الأركان. وقد سمتها العرب القليس، لارتفاعها. فقد كان الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها. وقد عزم أبرهة بذلك أن يصرف حجّ العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا حتى قصد بعضهم ما بناه أبرهة، وتوصل إليها، إلى أن دخلها ليلا، فأحدث فيها ما أحدث، ثم كرّ راجعا. فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة، وقالوا له : إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت به هذا. فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة، وليخربنّه حجرا حجرا. فتأهب أبرهة لذلك، ومضى إليهم في جيش كثيف عرمرم لئلا يصدّه أحد عنه، واستصحب معه بعضا من الفيلة عظيمة الأبدان. فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف، وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم وهو الذي يسمونه اللات. فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال ليدلهم على طريق الكعبة حتى أنزلهم المغمّس. وهو موضع قرب مكة في طريق الطائف. وهناك مات أبو رغال، فرجمت قبره العرب، وهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمّس. وقد أغار جيش أبرهة على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب. ثم بعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ليأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة. هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه. وإن يخلي بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة : فاذهب معي إليه. فذهب معه فلما رآه أبرهة أجلّه، وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر، ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط. وقال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتي أن يردّ علي الملك مائتي بعير أصابها لي. فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني. أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟ فقال عبد المطلب : إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قال : ما كان ليمتنع مني. قال عبد المطلب : أنت وذاك١.
قوله :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ﴾ الخطاب عام. يعني ألم تنظروا ما فعل الله بأصحاب الفيل، وهم أبرهة وجيشه من الحبشة الذين جاءوا مكة يبتغون هدم الكعبة وتخريبها. والاستفهام للتقرير يعني، قد رأيتم ذلك.