تفسير سورة الحجرات

اللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم المعروف بـاللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه مركز تفسير للدراسات القرآنية .

يا أيها الذين آمنوا بالله، واتبعوا ما شرع، لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله بقول أو فعل، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إن الله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم، لا يفوته منها شيء، وسيجازيكم عليها.
يا أيها الذين آمنوا بالله، واتبعوا ما شرع، تأدبوا مع رسوله، ولا تجعلوا أصواتكم تعلو على صوت النبي صلّى الله عليه وسلّم عند مخاطبته، ولا تعلنوا له باسمه كما ينادي بعضكم بعضًا، بل نادوه بالنبوة والرسالة بخطاب لين؛ خوف أن يَبطُل ثوابُ أعمالكم بسبب ذلك وأنتم لا تحسّون ببطلان ثوابها.
إن الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أولئك هم الذين امتحن الله قلوبهم لتقواه، وأخلصهم لها، لهم مغفرة لذنوبهم فلا يؤاخذهم، ولهم ثواب عظيم يوم القيامة، وهو أن يدخلهم الله الجنة.
إن الذين ينادونك - أيها الرسول - من الأعراب من وراء حجرات نسائك معظمهم لا يعقلون.
ولو أن هؤلاء الذين ينادونك - أيها الرسول - من وراء حجرات نسائك، صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم، فيخاطبوك مخفوضة أصواتهم؛ لكان ذلك خيرًا لهم من ندائك من ورائها؛ لما فيه من التوقير والتعظيم، والله غفور لذنوب من تاب منهم ومن غيرهم، وغفور لهم لجهلهم، رحيم بهم.
يا أيها الذين آمنوا بالله، وعملوا بما شرع، إن جاءكم فاسق بخبر عن قوم، فتثبتوا من صحة خبره، ولا تبادروا إلى تصديقه؛ خوف أن تصيبوا - إذا صدّقتم خبره دون تثبت - قومًا بجناية وأنتم جاهلون حقيقة أمرهم، فتصبحوا بعد إصابتكم لهم نادمين عندما يتبين لكم كذب خبره.
واعلموا - أيها المؤمنون - أن فيكم رسول الله ينزل عليه الوحي، فاحذروا أن تكذبوا فينزل عليه الوحي يخبره بكذبكم، وهو أعلم بما فيه مصلحتكم، لو يطيعكم في كثير مما تقترحونه لوقعتم في المشقة التي لا يرضاها لكم، ولكنّ الله من فضله حبب إليكم الإيمان، وحسّنه في قلوبكم فآمنتم، وكرّه إليكم الكفر، والخروج عن طاعته، وكره إليكم معصيته، أولئك المتصفون بهذه الصفات هم السالكون طريق الرشد والصواب.
وما حصل لكم - من تحسين الخير في قلوبكم، وتكريه الشرّ - إنما هو فضل من الله، تفضل به عليكم، ونعمة أنعمها عليكم، والله عليم بمن يشكره من عباده فيوفقه، وحكيم إذ يضع كل شيء في محلّه المناسب له.
وإنْ فِرقتان من المؤمنين تقاتلتا فأصلحوا - أيها المؤمنون - بينهما بدعوتهما إلى تحكيم شرع الله في خلافهما، فإن أبت إحداهما الصلح واعتدت فقاتلوا المعتدية حتى ترجع إلى حكم الله، فإن رجعت إلى حكم الله فأصلحوا بينهما بالعدل والإنصاف، واعدلوا في حكمكم بينهما، إن الله يحبّ العادلين في حكمهم.
إنما المؤمنون إخوة في الإسلام، والأخوة في الإسلام تقتضي أن تصلحوا - أيها المؤمنون - بين أخويكم المتنازعين، واتقوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ رجاء أن ترحموا.
يا أيها الذين آمنوا بالله، وعملوا بما شرع، لا يستهزئ قوم منكم بقوم، عسى أن يكون المستهزَأ بهم خيرًا عند الله، والعبرة بما عند الله، ولا يستهزئ نساء من نساء عسى أن يكون المستهزَأ بهن خيرًا عند الله، ولا تعيبوا إخوتكم فهم بمنزلة أنفسكم، ولا يُعَيِّرْ بعضكم بعضًا بلقب يكرهه، كما كان حال بعض الأنصار قبل مجيء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن فعل ذلك منكم فهو فاسق، بئست الصفة صفة الفسق بعد الإيمان، ومن لم يتب من هذه المعاصي فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بإيرادها موارد الهلاك بسبب ما فعلوه من المعاصي.
يا أيها الذين آمنوا بالله وعملوا بما شرع، ابتعدوا عن كثير من التهم التي لا تستند لما يوجبها من أسباب وقرائن، إن بعض الظن إثم، كسوء الظن بمن ظاهره الصلاح، ولا تتبعوا عورات المؤمنين من ورائهم، ولا يذكر أحدكم أخاه بما يكره، فإنّ ذِكْره بما يكره مثل أكل لحمه ميتًا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا؟! فاكرهوا اغتيابه فهو مثله، واتقوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، إن الله تواب على من تاب من عباده، رحيم بهم.
يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر واحد وهو أبوكم آدم، وأنثى واحدة وهي أمكم حواء، فنسبكم واحد، فلا يفخر بعضكم على بعض في النسب، وصيّرناكم بعد ذلك شعوبًا كثيرة وقبائل منتشرة؛ ليعرف بعضكم بعضًا، لا ليفخر عليه؛ لأن التمايز لا يكون إلا بالتقوى، لذا قال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم بأحوالكم، خبير بما تكونون عليه من كمال ونقص، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
قال بعض أهل البادية لما قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم: آمنّا بالله وبرسوله. قل لهم - أيها الرسول -: لم تؤمنوا، ولكن قولوا: استسلمنا وانقدنا، ولم يدخل الإيمان في قلوبكم بعدُ، ويُتوقع له أن يدخلها، وإن تطيعوا - أيها الأعراب - الله ورسوله في الإيمان والعمل الصالح، واجتناب المحرمات، لا ينقصكم الله شيئًا من ثواب أعمالكم، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
إنما المؤمنون هم الذين آمنوا بالله وبرسوله، ثم لم يخالط إيمانَهم شكٌّ، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، لم يبخلوا بشيء منها، أولئك المتصفون بتلك الصفات هم الصادقون في إيمانهم.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء الأعراب: أتعلّمون الله، وتُشعرونه بدينكم؟! والله يعلم ما في السماوات، ويعلم ما في الأرض، والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء، فلا يحتاج إلى إعلامكم إياه بدينكم.
يمنّ عليك - أيها الرسول - هؤلاء الأعراب بإسلامهم، قل لهم: لا تمنوا عليّ بدخولكم في دين الله، فنفع ذلك - إن حصل - عائد عليكم، بل الله هو الذي يمنّ عليكم بأن وفّقكم للإيمان به إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم دخلتم فيه.
إن الله يعلم غيب السماوات، ويعلم غيب الأرض، لا يخفى عليه شيء منه، والله بصير بما تعملون، لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم على حسنها وسيئها.
Icon