تفسير سورة الحديد

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الحديد وهي مدنية كلها.

قَوْله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي نقمته ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره
﴿هُوَ الأول﴾ يَعْنِي: قبل كل شَيْء ﴿وَالآخِرُ﴾ بعد كل شَيْء ﴿وَالظَّاهِر﴾ يَعْنِي: الْعَالم بِمَا ظهر ﴿وَالْبَاطِنُ﴾ يَعْنِي: الْعَالم بِمَا بطن.
﴿هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام﴾ الْيَوْم مِنْهَا ألف سنة ﴿ثُمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش﴾ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الكُرسي الَّذِي وسع السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَمَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلا يَعْلَمُ قَدْرَ الْعَرْش إِلَّا الَّذِي خلقه ﴿يَعْلَمُ مَا يلج فِي الأَرْض﴾ مَا يدْخل فِيهَا من الْمَطَر ﴿وَمَا يخرج مِنْهَا﴾ مِنَ النَّبَاتِ ﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء﴾ من وَحي وَغَيره ﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة وأعمال الْعباد.
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل﴾ وَهُوَ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ بِمَا فِي الصُّدُور.
348
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة ٧ إِلَى آيَة ١٠.
349
﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ﴾ بعد الْأُمَم الَّتِي أهلك
﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخذ ميثاقكم﴾ فِي صلب آدم ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول؛ فَأنْتم مُؤمنُونَ بذلك الْمِيثَاق
﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَات بَيِّنَات﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور﴾ من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى، يَعْنِي: من أَرَادَ أَن يهديه.
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيل الله﴾ رَجَعَ إِلَى الْكَلَام الأول ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ﴾.
﴿وَللَّه مِيرَاث السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يبقي وَيهْلك كل شَيْء ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قبل الْفَتْح وَقَاتل﴾ فِيهَا تقديمٌ: لَا يَسْتَوِي من أنْفق مِنْكُم من قبل الْفَتْح وَقَاتل، وَهُوَ فتح مَكَّة.
(أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ
349
الْحُسْنَى} يَعْنِي: الْجنَّة؛ من أنْفق وَقَاتل قبل فتح مَكَّة وَبعده.
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة ١١ إِلَى آيَة ١٥.
350
﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ أَي: مُحْتسبًا هَذَا فِي النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه، وَفِي صَدَقَة التَّطَوُّع ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ الْجنَّة.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (فيضاعفه لَهُ) بِالرَّفْع فعلى الِاسْتِئْنَاف، أَي: فَهُوَ يضاعفه لَهُ، وَمن قَرَأَ بِالنّصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْفَاءِ.
﴿يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ يقودهم إِلَى الْجنَّة ﴿وَبِأَيْمَانِهِم﴾ كتبهمْ، وَهِي بشراهم بِالْجنَّةِ.
﴿انظُرُونَا﴾ انتظرونا ﴿نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ وَذَلِكَ أَنه يُعْطي كل مُؤمن ومنافق نورا على الصِّرَاط، فيطفأ نورُ الْمُنَافِقين وَيبقى نورُ الْمُؤمنِينَ، فَيَقُول المُنَافِقُونَ للْمُؤْمِنين: ﴿انظرونا﴾ انتظرونا نقتبس من نوركم، وَيَحْسبُونَ أَنه قبسٌ كقبس الدُّنْيَا إِذا طفئت نَار أحدهم اقتبس، فَقَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ وَقد عرفُوا
350
أَنهم مُنَافِقُونَ: ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا؛ فَرَجَعُوا وَرَاءَهُمْ فَلم يَجدوا شَيْئا، فهنالك أدركتْهم خدْعةُ اللَّه.
﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: السُّور: الْأَعْرَاف ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَة﴾ الْجنَّة ﴿وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ بالنَّار.
قَالَ يحيى: والأعراف جبَلُ أُحُدٍ فِيمَا بَلغنِي يُمثَّلُ يَوْم الْقِيَامَة بَين الْجنَّة وَالنَّار.
351
﴿ينادونهم﴾ يُنَادي المُنَافِقُونَ الْمُؤمنِينَ حِين ضرب بَينهم بسور ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا على دينكُمْ ﴿قَالُوا بلَى﴾ أَي: فِيمَا أظهرتم ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنفسكُم﴾ يَعْنِي: أكفرتم أَنفسكُم فتربصتم بِالنَّبِيِّ وقلتم: هلك فنرجع إِلَى ديننَا ﴿وارتبتم﴾ شَكَكْتُمْ ﴿وغرتكم الْأَمَانِي﴾ أَي مَا كُنْتُم تتمنون من قَوْلكُم: ُيهلك محمدٌ وَأَصْحَابه، فنرجع إِلَى ديننَا ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ الله﴾ قَالَ بَعضهم: يَعْنِي الْمَوْت ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّه الْغرُور﴾ الشَّيْطَان أخْبركُم بالوسوسة إِلَيْكُم أَنكُمْ لَا ترجعون إِلَى الله
﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ وَذَلِكَ أَنهم الْإِيمَان يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يقبل مِنْهُم الَّذين كفرُوا يَعْنِي (ل ٣٥٣) الَّذين جَحَدُوا فِي الدُّنْيَا فِي الْعَلَانِيَة، وَأما المُنَافِقُونَ فجحدوا فِي السِّرّ وأظهروا الْإِيمَان، فآمنوا كلهم فِي الْآخِرَة فَلم يقبل مِنْهُم ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ يَعْنِي الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ﴿هِيَ مَوْلاكُمْ﴾ أَي كُنْتُم تتولونها فِي الدُّنْيَا، فتعملون عمل أَهلهَا.
قَالَ محمدٌ: وَقيل (هِيَ مولاكم) هِيَ أولى بكم لما أسلفتم، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى أَيْضا.
351
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة ١٦ إِلَى آيَة ١٩.
352
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تخشع قُلُوبهم لذكر الله﴾ الْخُشُوع الْخَوْف ﴿وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحق﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن. قَالَ محمدٌ: يَقُول: أَنى الشَّيْء يأني إِذا حَان ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قبل﴾ يَعْنِي: الْيَهُود ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ﴾ بقاؤهم فِي الدُّنْيَا ﴿فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ غلظت ﴿وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ﴾ يَعْنِي: مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الشِّرك، تَفْسِير بَعضهم نزلَتْ فِي الْمُنَافِقين، أَمرهم أَن يخلصوا الْإِيمَان؛ كَمَا أخْلص الْمُؤْمِنُونَ وَقَوله: ﴿لِلَّذِينَ آمنُوا﴾ يَعْنِي: أقرُّوا بألسنتهم
﴿إِن المصدقين والمصدقات﴾ يَعْنِي: المتصدِّقين والمتصدِّقات ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قرضا حسنا﴾ يَعْنِي: يقدمُونَ لأَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا فِي التَّطَوُّع. ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ﴾ ثَوَاب ﴿كريم﴾ الْجنَّة.
﴿أُولَئِكَ هم الصديقون﴾ صدّقوا بِمَا جَاءَ من عِنْد الله ﴿وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: يشْهدُونَ على أنفسهم بِالْإِيمَان بِاللَّه.
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة ٢٠ إِلَى آيَة ٢٤.
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهو﴾ أَي: إِنَّمَا أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لَعِبٍ وَلَهْوٍ، يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿كَمثل غيث﴾ مطر ﴿أعجب الْكفَّار نَبَاته﴾ يَعْنِي: مَا أنبتت الأَرْض من ذَلِك الْمَطَر ﴿ثمَّ يهيج﴾ ذَلِك النَّبَات ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يكون حطاما﴾ كَقَوْلِه: ﴿هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح﴾.
قَالَ محمدٌ: لم يُفَسر يحيى معنى (الْكفَّار)، وَرَأَيْت فِي كتاب غَيره أَنهم الزراع. يُقَال للزارع: كَافِر؛ لِأَنَّهُ إِذا ألْقى الْبذر فِي الأَرْض كَفَره أَي غطَّاه، وَقيل: قد يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ الْكفَّار بِاللَّه، وهم أَشد إعجابًا بزينة الدُّنْيَا من الْمُؤمنِينَ، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
وَقَوله: ﴿ثمَّ يهيج فتراه مصفرا﴾ أَي: يَأْخُذ فِي الْجَفَاف فتبتدىء بِهِ الصُّفْرَة
353
﴿ثمَّ يكون حطاما﴾ أَي: متحطِّمًا متكسِّرًا ذَاهِبًا. وَقَوله: ﴿وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد﴾ للْكَافِرِينَ ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ للْمُؤْمِنين ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاع الْغرُور﴾ يغتر بهَا أَهلهَا
354
﴿سابقوا﴾ أَي: بِالْأَعْمَالِ ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي: جَمِيع السَّمَاوَات وَجَمِيع الأَرْض مبسوطات، كل وَاحِدَة إِلَى صاحبتها، هَذَا عرضهَا، وَلَا يصف أحدٌ طولهَا
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: الجدوبة وَنقص الثِّمَار ﴿وَلا فِي أَنفسكُم﴾ يَعْنِي: الْأَمْرَاض والبلايا فِي الأجساد ﴿إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَن نبرأها﴾ نخلقها تَفْسِير بَعضهم: من قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ﴿إِنَّ ذَلِك على الله يسير﴾ هَين.
﴿لكَي لَا تأسوا﴾ تحزنوا ﴿على مَا فاتكم﴾ يَعْنِي من الدُّنْيَا ﴿وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُم﴾ يَعْنِي: من الدُّنْيَا.
قَالَ محمدٌ: وَقيل معنى (تفرحوا) هَا هُنَا أَي: تفرحوا فَرحا شَدِيدا تأشرون فِيهِ وتبْطرون، وَدَلِيل ذَلِك ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ فدلّ بِهَذَا أَنه ذمَّ الفرحَ الَّذِي يختالُ فِيهِ صَاحبه ويبطرُ، وَأما الْفَرح بِنِعْمَة اللَّه وَالشُّكْر عَلَيْهَا فَغير مَذْمُوم، وَكَذَلِكَ ﴿كي لَا تأسوا على مَا فاتكم﴾ لَا تحزنوا حزنا شَدِيدا لَا تعتدون فِيهِ، سَوَاء مَا تُسْلَبُونه وَمَا فاتكم.
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ يَعْنِي: الْيَهُود يأمرون إخْوَانهمْ الْيَهُود بالبخل، بكتمان مَا فِي أَيْديهم من نعت محمدٍ وَالْإِسْلَام ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ عَن خلقه ﴿الحميد﴾ المستحمدُ إِلَى خلقه، اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه.
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد الْآيَة ٢٥.
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهم الْكتاب وَالْمِيزَان﴾ أَي: وَجَعَلنَا الْمِيزَان ﴿بِالْقِسْطِ﴾ أَي: بِالْعَدْلِ ﴿وأنزلنا الْحَدِيد﴾ أَي: وَجَعَلنَا (ل ٣٥٤) الْحَدِيد، أخرجه اللَّه من الأَرْض ﴿فِيهِ بَأْس شَدِيد﴾ يَعْنِي: مَا يصنع مِنْهُ من السِّلَاح. ﴿وَمَنَافع للنَّاس﴾ يَعْنِي: مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ من الْحَدِيد فِي مَعَايشهمْ ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ من ينصره وَرُسُله بِالْغَيْبِ﴾ والغيب: الْبَعْث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار، وَإِنَّمَا ينصر اللَّه ورسولَه من يُؤمن بِهَذَا، وَهَذَا علم الفعَال ﴿إِن الله قوي عَزِيز﴾ فِي نقمته.
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة ٢٦ إِلَى آيَة ٢٩.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذريتهما النُّبُوَّة وَالْكتاب﴾ فَكَانَ أول كتاب نزل فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام كتاب مُوسَى قَالَ: ﴿فَمنهمْ مهتد﴾ يَعْنِي:
355
من ذريتهما ﴿وَكثير مِنْهُم﴾ من ذريتهما ﴿فَاسِقُونَ﴾ مشركون
356
﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وقفينا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم﴾ بعدهمْ.
قَالَ محمدٌ: معنى (قَفَّيْنَا): أتبعنا، والمصْدَر: تقفية.
﴿وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رأفة وَرَحْمَة﴾ يرأف بَعضهم بِبَعْض، ويرحَم بَعضهم بَعْضًا، ثمَّ اسْتَأْنف الْكَلَام فَقَالَ: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ لم نكْتبها عَلَيْهِم، إِنَّمَا ابتدعوها ابْتِغَاء رضوَان اللَّه ليتقربُوا بهَا إِلَى اللَّه. قَالَ الْحسن: ففرضها اللَّه عَلَيْهِم حِين ابتدعوها.
قَالَ مُحَمَّد: (ورهبانية) بالنصْب على معنى: وابتدعوا رَهْبَانِيَّة.
قَالَ ﴿فَمَا رعوها﴾ يَعْنِي: الرهبانية ﴿حق رعايتها﴾ وَلَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم، أَي: مَا أدَّوْا ذَلِك إِلَى اللَّه.
قَوْله: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ يَعْنِي: أَجْرين ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تمشون بِهِ﴾ يَعْنِي: إِيمَانًا تهتدون بِهِ
﴿لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب﴾ هَذِه كلمةٌ عربيَّة يَقُول: لِئَلَّا يعْلمَ وليعلمَ بِمَعْنى وَاحِد ﴿أَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ﴾ أَي: أَنهم لَا يقدرُونَ على شَيْءٍ ﴿مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
356
تَفْسِير سُورَة المجادلة
وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٢.
357
Icon