تفسير سورة الملك

تفسير التستري
تفسير سورة سورة الملك من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الملك
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)
قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [١] قال: أي تعالى الله وتعاظم عن الأشباه والأولاد والأضداد، الذي بيده الملك يقلبه بحوله وقوته، يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء، وهو القادر عليه.
قوله تعالى: هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ
[١- ٢] قال:
الموت في الدنيا بالمعصية، والحياة في الآخرة بالطاعة. ولهذا قال الله تعالى لموسى عليه السلام فيما أوحى إليه: يا موسى، إن أول من مات من خلقي إبليس لعنه الله لأنه عصاني، وإني أعد من عصاني في الموتى. وقال: إن الموت خلق في صورة كبش أملح لا يمر بشيء فيجد ريحه إلا حيي.
وقد روي في الخبر أن أهل الجنة ليخافون الموت، وأهل النار يتمنون الموت، فيؤتى به في صورة كبش أملح، ثم يقال: هذا الموت فانظروا ما الله صانع فيه، ثم يضجع هناك فيذبح، ثم يجعله الله تعالى في صورة فرس يسرح في الجنة، لا يراه أحد من أهل الجنة إلا أنس به ولا يعلم أنه الموت «١».
قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [٢] قال: أي أصوبه وأخلصه، فإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون صواباً خالصاً. والخالص الذي يكون لله تعالى بإرادة القلب، والصواب الذي يكون على سبيل السنة وموافقة الكتاب. وقال مرة أخرى:
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [٢] أي توكلاً ورضاً علينا، وسياحة بعد الزهد في الدنيا. وإن مثل التقوى واليقين كمثل كفتي الميزان، والتوكل لسانه، يعرف به الزيادة من النقصان «٢». فقيل:
وما التوكل؟ قال: الفرار من التوكل «٣»، يعني من دعوى التوكل.
(١) الترغيب والترهيب ٤/ ٣١٦- ٣١٨.
(٢) قوت القلوب ٢/ ٤.
(٣) نسب هذا القول إلى بعض المقربين في قوت القلوب ٢/ ٩، وفي الحلية ١٠/ ١٩٨ أن سهل التستري (سئل عن حقيقة التوكل، فقال: نسيان التوكل).
قوله تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [٢] قال: يعني المنيع في حكمه، الحكيم في تدبيره بخلقه، الغفور للنقصان والخلل الذي يظهر في طاعات عباده.
[سورة الملك (٦٧) : آية ١٢]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)
قوله تعالى: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [١٢] أي يخافون ربهم في سرهم، فيحفظون سرهم من غيره.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)
قوله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [١٤] ألا يعلم من خلق القلب، بما أودعه من التوحيد والجحود. وَهُوَ اللَّطِيفُ [١٤] بعلمه بما في لب القلوب من الأسرار المكنونة فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن من العلم سراً مكنوناً لله تعالى في القلوب». الْخَبِيرُ [١٤] يخبرك بما في غيبك.
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا [١٥] قال: خلق الله تعالى الأنفس ذلولاً، فمن أذلها بمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلايا والمحن، ومن أذلها واتبعها فقد أذلته نفسه وأهلكته.
[سورة الملك (٦٧) : آية ٢٢]
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)
قوله عزَّ وجلَّ: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى [٢٢] قال: أفمن يكون مطرقاً إلى هوى نفسه بجبلة طبعه بغير هدى من ربه أهدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [٢٢] قال: يعني أم من يكون متبعاً شرائع الإسلام مقتدياً بالنبيين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon