بسم الله الرحمن الرحيم سورة الإنسان قال بعض المفسرين هي مكية كلها وحكى النقاش والثعلبي عن مجاهد وقتادة أنها مدنية وقال الحسن وعكرمة منها آية مكية وهي قوله تعالى 'ولا تطع منهم آثما أو كفورا' الإنسان ٢٤ والباقي مدني وأنها نزلت في صنيع علي بن أبي طالب في إطعامه عشاءه وعشاء أهله وولده لمسكين ليلة ثم ليتيم ليلة ثم لأسير ليلة متواليات وقيل نزلت في صنيع ابن الدحداح رضي الله عنه٢ والله اعلم
٢ أبو الدحداح صحابي من الأنصار، صم يوما، فلما أراد أن يفطر جاء مسكين، وأسير، فأطعمهم ثلاثة أرغفة، وبقى له ولأهله رغيف واحد، فنزلت فيهم هذه الآية، قال ذلك مقاتل، وقال الخازن: قيل: نزلت في رجل من الأنصار يقال له: أبو الدحداح..
ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الإنسانقال بعض المفسرين هي مكية كلها، وحكى النقاش والثعلبي عن مجاهد وقتادة أنها مدنية، وقال الحسن وعكرمة: منها آية مكية وهي قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان: ٢٤]، والباقي مدني، وأنها نزلت في صنيع علي بن أبي طالب في إطعامه عشاءه وعشاء أهله وولده لمسكين ليلة، ثم ليتيم ليلة، ثم لأسير ليلة متواليات، وقيل نزلت في صنيع ابن الدحداح والله أعلم.
قوله عز وجل:
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤)إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦)
هَلْ في كلام العرب قد يجيء بمعنى «قد». حكاه سيبويه. لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير أحيانا. فقال ابن عباس وقتادة هي هنا بمعنى «قد»، والْإِنْسانِ يراد به آدم عليه السلام، و «الحين» : هي المدة التي بقي طينا قبل أن ينفخ فيه الروح أي أنه شيء ولم يكن مذكورا منوها به في العالم وفي حالة العدم المحض قبل لَمْ يَكُنْ شَيْئاً ولا مَذْكُوراً، وقال أكثر المتأولين: هَلْ تقرير، و «الإنسان» اسم الجنس، أي إذا تأمل كل إنسان نفسه علم بأنه قد مر حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ عظيم لَمْ يَكُنْ هو فيه شَيْئاً مَذْكُوراً، أي لم يكن موجودا، وقد يسمى الموجود شَيْئاً فهو مذكور بهذا الوجه، و «الحين» هنا: المدة من الزمن غير محدودة تقع للقليل والكثير، وإنما تحتاج إلى تحديد الحين في الأيمان، فمن حلف أن لا يكلم أخاه حينا، فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحين سنة، وقال بعضهم: ستة أشهر، والقوي في هذا أن «الإنسان» اسم جنس وأن الآية جعلت عبرة لكل أحد من الناس ليعلم أن الصانع له قادر على إعادته.
وقوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ هو هنا اسم الجنس بلا خلاف. لأن آدم لم يخلق مِنْ نُطْفَةٍ، وأَمْشاجٍ معناه أخلاط واحدها مشج بفتح الميم والشين قاله ابن السكيت وغيره، وقيل: مشج مثل عدل
«سلاسل» في الوصل و «سلاسلا» دون تنوين في الوقف، ورواه هشام عن ابن عامر لأن العرب من يقول رأيت عمرا يقف بألف، وأيضا فالوقوف، بالألف «سلاسلا» اتباع لخط المصحف، و «الأبرار» جمع بار كشاهد وأشهاد، وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر، ولا يرضون الشر، و «الكأس» : ما فيه نبيذ ونحوه مما يشرب به، قال ابن كيسان: ولا يقال الكأس إلا لما فيه نبيذ ونحوه، ولا يقال ظعينة إلا إذا كان عليها امرأة ولا مائدة إلا وعليها طعام وإلا فهي خوان. والمزاج: ما يمزج به الخمر ونحوها، وهي أيضا مزاج له لأنهما تمازجا مزاجا، قال بعض الناس: «المزاج» نفس الكافور، وقال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك، وقال الفراء: يقال إنه في الجنة عين تسمى كافُوراً. وقال بعض المتأولين إنما أراد كافُوراً في النكهة والعرف كما تقول إذا مزجت طعاما هذا الطعام مسك. وقوله تعالى: عَيْناً هو بدل من قوله كافُوراً، وقيل هو مفعول بقوله يَشْرَبُونَ، أي يَشْرَبُونَ ماء هذه العين من كأس
قوله عز وجل:
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٧ الى ١٣]
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١)
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣)
وصف الله تعالى حال الأبرار أنهم كانوا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهدا. يقال وفى الرجل وأوفى، و «اليوم» المشار إليه يوم القيامة، ومُسْتَطِيراً معناه متصلا شائعا كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة. وبه شبه في القلب، ومن ذلك قول الأعشى: [المتقارب]
فبانت وقد أسأرت في الفؤاد | صدعا على نأيها مستطيرا |
أراد الظاعنون لحيزنوني | فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا |
وهذا قول ابن عباس ومجاهد. ويحتمل أن يعود على الله تعالى أي لوجهه وابتغاء مرضاته، قاله أبو سليمان الدراني. والأول أمدح لهم لأن فيه الإيثار على النفس. وعلى الاحتمال الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر.
وقال الحسين بن الفضل: الضمير عائد على الإطعام، أي محبين في فعلهم ذلك لا رياء فيه ولا تكلف، و «المسكين» الطواف المتكشف في السؤال، و «اليتيم» الصبي الذي لا أب له من الناس. والذي لا أم له من البهائم وهي صفة قبل البلوغ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد حلم». و «الأسير» معروف. فقال قتادة: أراد أسرى الكفار وإن كانوا على غير الإسلام، وقال الحسن: ما كان أسراهم إلا مشركين، لأن كل كبد رطبة ففيها أجر. وقال بعض العلماء: هذا إما نسخ بآية السيف وإما أنه محكم لتحفظ حياة الأسير إلى أن يرى الإمام فيه ما يرى، وقال مجاهد وابن جبير وعطاء: أراد المسجونين من الناس. ولهذا يحض على صدقة السجن، فهذا تشبيه، ومن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول. وروى الخدري أن النبي ﷺ فسر الأسير هنا بالمملوك والمسجون. وقال: أراد أسرى المسلمين الذين تركوا في بلاد الحرب رهائن وخرجوا في طلب الفداء،
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا | عليكم إذا ما كان يوم قماطر |
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها | ولج بها اليوم العبوس القماطر |
ومُتَّكِئِينَ حال من الضمير المنصوب في جَزاهُمْ وهو الهاء والميم، وقرأ أبو جعفر وشيبة «متكيين» بغير همز، و «الأرائك» السرر المستورة بالحجال، هذا شرط لبعض اللغويين، وقال بعض اللغويين: كل ما يتوسد ويفترش مما له حشو فهو أريكة وإن لم يكن في حجلة، وقوله تعالى: لا يَرَوْنَ فِيها الآية عبارة عن اعتدال مس هوائها وذهاب ضرري الحر والقر عنها، وكون هوائها سجسجا كما في الحديث المأثور ومس الشمس وهو أشد الحر، و «الزمهرير» : هو أشد البرد، وقال ثعلب: «الزمهرير» بلغة طيّىء القمر.
قوله عز وجل:
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ١٤ الى ٢٠]
وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠)
اختلف النحويون في إعراب قوله تعالى: وَدانِيَةً، فقال الزجاج وغيره: هو حال عطفا على مُتَّكِئِينَ [الإنسان: ١٣]، وقال أيضا: ويجوز أن يكون صفة للجنة، فالمعنى وجزاهم جنة دانية. وقرأ جمهور الناس «دانية». وقرأ الأعمش «ودانيا عليهم». وقرأ أبو جعفر «ودانية» بالرفع. وقرأ أبيّ بن كعب
وإن كان مضطجعا فكذلك. فهذا تذليلها لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك. ومن اللفظة قول امرئ القيس:
[الطويل] كأنبوب السقي المذلل ومنه قول الأنصاري: والنخل قد ذللت فهي مطوقة بثمرها. و «القطوف» : جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه. و «آنية» جمع إناء. و «الكوب» ما لا عروة له ولا أذن من الأواني. وهي معروفة الشكل في تلك البلاد. وهو الذي تقول له العامة القب، لكنها تسمي بذلك ما له عروة. وذلك خطأ أيضا. وقال قتادة: الكوب القدح. والقوارير: الزجاج. واختلف القراء فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «قواريرا قواريرا» بالإجراء فيهما على ما قد تقدم في قوله «سلاسلا»، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «قوارير قوارير» بترك الإجراء فيهما. وقرأ ابن كثير «قواريرا» بالإجراء في الأول، «قوارير» بترك الإجراء في الثاني، وقرأ أبو عمرو «قواريرا» ووقف بألف دون تنوين «قوارير» بترك الإجراء في الثاني. وقوله تعالى: مِنْ فِضَّةٍ يقتضي أنها من زجاج ومن فضة وذلك متمكن لكونه من زجاج في شفوفه ومِنْ فِضَّةٍ في جوهره، وكذلك فضة الجنة شفافة. وقال أبو علي جعلها مِنْ فِضَّةٍ لصفائها وملازمتها لتلك الصفة وليست من فضة في حقيقة أمرها. وإنما هذا كما قال الشاعر [البعيث] :[الطويل]
ألا أصبحت أسماء جاذمة الوصل | وضنت عليها والضنين من البخل |
طيب حار، وقال الشاعر [الأعشى] :[الرجز]
كأن جنيا من الزنجبيل | بات بفيها وأريا مشورا |
وكأن طعم الزنجبيل به | إذ ذقته وسلافة الخمر |
سَلْسَبِيلًا أمر للنبي ﷺ ولأمته بسؤال السبيل إليها. وهذا قول ضعيف لأن براعة القرآن وفصاحته لا تجيء هكذا، واللفظة معروفة في اللسان وأن السلسل والسلسبيل، بمعنى واحد ومتقارب. ومُخَلَّدُونَ قال جمهور الناس: معناه باقون من الخلود، وجعلهم ولدانا لأنهم في هيئة الولدان في السن لا يتغيرون عن تلك الحال، وقال أبو عبيدة وغيره مُخَلَّدُونَ معناه مقرطون، والخلدات حلي يعلق في الآذان، ومنه قول الشاعر: [الكامل]
ومخلدات باللجين كأنما | أعجازهن أقاوب الكثبان |
قوله عز وجل:
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٢١ الى ٢٦]
عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦)
قرأ نافع وحمزة وأبان عن عاصم: «عاليهم» على الرفع بالابتداء وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة وابن محيصن وابن عباس بخلاف عنه، وقرأ الباقون وعاصم «عاليهم» بالنصب على الحال، والعامل فيه لَقَّاهُمْ [الإنسان: ١١] أو جَزاهُمْ [الإنسان: ١٢]، وهي قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن ومجاهد والجحدري وأهل مكة، وقرأ الأعمش وطلحة: «عاليتهم»، وكذلك هي في مصحف عبد الله، وقرأ أيضا الأعمش «عاليتهم» بالنصب على الحال، وقد يجوز في النصب في القراءتين أن يكون
قال القاضي أبو محمد: واللفظ أيضا يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين، وقال أبو عبيدة: أَوْ بمعنى الواو وليس في هذا تخيير، ثم أمره تعالى بذكر ربه دأبا بُكْرَةً وَأَصِيلًا ومن الليل بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة، ويحتمل أن يريد قول سبحان الله، وذهب قوم من أهل العلم إلى أن هذه الآية إشارة إلى الصلوات الخمس منهم ابن حبيب وغيره. فالبكرة: صلاة الصبح، والأصيل: الظهر والعصر وَمِنَ اللَّيْلِ: المغرب والعشاء، وقال ابن زيد وغيره كان هذا فرضا ونسخ فلا فرض إلا الخمس، وقال قوم هو محكوم على وجه الندب.
قوله عز وجل:
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٢٧ الى ٣١]
إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١)
أليس ورائي إن تراخت منيتي | أدب مع الولدان إن خف كالنسر |
فأنجاه غداة الموت مني | شديد الأسر عض على اللجام |
من كل محتدب شديد أسره | سلس القياد تخاله مختالا |
قال القاضي أبو محمد: وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه، وليس هذا مما يختص بالعامة بل هو من فصيح كلام العرب. اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة الإسار وهو القيد الذي يشد به الأسير، ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجا على منكري البعث، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته، فكيف تتعذر عليه الإعادة، وقوله تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ يحتمل أن يشير إلى هذه الآية أو إلى السورة بأسرها أو إلى الشريعة بجملتها.
وقوله تعالى: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ ليس على جهة التخيير بل فيه قرينة التحذير، والحض على اتخاذ السبيل، و «السبيل» هنا: ليس النجاة، وقوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب والميل إلى الكفر.
وقرأ عبد الله «وما تشاؤون إلا ما شاء الله». وقرأ يحيى بن وثاب «تشاؤون» بكسر التاء. وقوله تعالى:
عَلِيماً حَكِيماً معناه يعلم ما ينبغي أن ييسر عبده إليه، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو. وَالظَّالِمِينَ نصب بإضمار فعل تقديره ويعذب الظالمين أعد لهم، وفي قراءة ابن مسعود «وللظالمين أعد لهم» بتكرير اللام، وقرأ جمهور السبعة «وما تشاؤون» بالتاء على المخاطبة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يشاؤون» بالياء، وقرأ ابن الزبير وأبان بن عثمان وابن أبي عبلة «والظالمون» بالرفع، قال أبو الفتح: وذلك على ارتجال جملة مستأنفة. (انتهى).
نجز تفسير سورة الْإِنْسانِ بحمد الله وعونه.