ﰡ
مكية، ست وعشرون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١) أي: القيامة؛ لأنها تغشى الناس بأهوالها وأفزاعها. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) ذليلة.(عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) عملت في الدنيا وتعبت بلا نفع (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، أو " عاملة " في النار بجر السلاسل والأغلال، " نَاصِبَةٌ " في الصعود والهبوط في جبال النار وأوديتها. وقل: هؤلاء نُسّاك اليهود والنصارى أصحاب الصوامع كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
(تَصْلَى نَارًا... (٤) تدخلها، وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر بضم التاء على بناء المفعول، من أصليته أدخلته النار وهو أبلغ وأوفق بقوله: " تُسْقَى ". (حَامِيَةً) في غاية الحرارة؛ لأنَّ النار لا تكون إلا حارة. (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥). متناهية.
(لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) مرفوع المحل، أو مجروره على وصف " طعام "، أو " ضَرِيعٍ " أي: مع ما يقاسون منه في التناول لم تترتب فائدة الأكل؛ لأنَّ الغرض منه أحد الأمرّين.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) ذات بهجة ورونق كقوله: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ). ولم يعطف الوجوه على الوجوه عطف أحد الضدين على الآخر؛ لأن الإتيان هما على وجه الاعتراض استطراداً.
(لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) لما رأت من ثوابها. (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) علو المكان والمقدار.
لَا تَسْمَعُ فِيهَا... (١١) في المخاطبة أو الوجوه. (لَاغِيَةً) كلمة ذات لغو أو لغواً أو نفساً تلغو فإن كلام أهل الجنة ذكر وحكم.
(فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) سِمْكاً، أو قدراً.
(وَأَكْوَابٌ... (١٤) أباريق لا عرى لها. (مَوْضُوعَةٌ) عن حدّ الكبر أي: أوساط معتدلة، أو موضوعة بين أيديهم لا يحتاجون إلى الطلب، أو على حافات العيون؛ لأنَّها ألذ منظراً كما يتعاطاه أهل الشرب في مجالسهم.
(وَنَمَارِقُ... (١٥) جمع نُمْرُقة بضم النون والراء وكسرهما وهي الوسادة. (مَصْفُوفَةٌ)
بعضها إلى بعض ليجلس حيث اختار كما يفعله الملوك في قصورهم؛ لئلا يحتاجوا إلى النقل.
(وَزَرَابِيُّ... (١٦) بُسُطٌ عِرَاضٌ فاخِرةٌ. وقيل: ما فيه حمل رقيق، جمع زَرِبيةٌ (مَبْثُوثَةٌ) مبسوطة، أو مفرقة في المجالس.
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) عاد إلى ما افتتح به السورة من ذكر القيامة وأهوالها. ولما كان الكلام مع العرب، وجلّ مالهم هي الإبل، ولم تزل مخيلتهم مشحونة بتخيل الماء والمرعى. فكما انتظم خيالهم الإبل، والمطر النازل من السماء المنبت في الجبال والأراضي الكلأ، انتظم الذكر على نحو ما انتظمه ذلك الخيال. وفي خلق الإبل، وإعضائها، وأخلاقها، من التحمل على المشاق، وسرعة الانقياد، مع عظم الجثة ما يقضي منه العجب. حكى بعض الثقات " أن قطاراً منها افتقدت، فوجدوها قد أخذ فأره بحبل
(وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) بلا عمد (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) نصباً راسخاً لا تميل ولا تزول في تلك المدد المتطاولة (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) حتى صارت مهاداً، سهل التقلب عليها.
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) بمتسلط كقوله: (وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) روى مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول اللَّه - ﷺ - قال: " أُمِرتُ أَنْ أُقَاتِلَ النِّاسَ حَتَّى يَقُولوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه فَإِذا قَالُوا عَصموا مِنِّي دِمَاءَهمْ وَأَموَالَهُم إِلا بِحَقِّهَا وَحسابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قرَأَ: (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ". قرأ خلف عن حمزة بإشمام الصاد زاياً. ولخلاد وجهان: الصاد الخالصة، والإشمام. وهشام بالسين وهو الأصل. والباقون بالصاد وعليه الرسم.
(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) رجوعهم (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦) لا محالة. سبق به الوعد، وفيه تسلية له، وتهديد لهم.
* * *
تمت سورة الغاشية، والحمد على نعمه الوافرة الوافية، والصلاة على من شفاعته كافية، وعلى آله وصحبه صلاة زاكية.
* * *