تفسير سورة الفجر

القطان
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

الفجر: ضوء الصبح بعد ذهاب الليل. وليالٍ عشر: العشر الأُول من ذي الحجة. والشَّفع والوتر: العدد الزوجي والفردي. والليل اذا يسر: الليل اذا يمضي ويذهب. لذي حِجر: لذي عقل. عاد: من قبائل العرب البائدة. إِرمَ ذات العماد: ارم ذات البناء الرفيع، كانت في الأحقاف بين عُمان وحضرموت. ثمود: قبيلة من العرب البائدة. جابوا الصخر: قطعوه ونحتوه. وفرعون ذي الأوتاد: فرعون مصر صاحب الاهرام التي تشبه الاوتاد. طغَوا في البلاد: تجاوزوا القدر في الظلم. سوط عذاب: فأنزل الله عليهم ألوانا من العذاب. المرصاد: مكان المراقبة، رصد الأمرَ يرصده: راقبه. ابتلاه. اختبره بكثرة الرزق. فقدَر عليه رزقه: ضيقه عليه.
﴿والفجر وَلَيالٍ عَشْرٍ....﴾
يقسِم الله تعالى بالفجر والليالي العشر المباركة، وبالزوجِ والفردِ من كل شيء، وبالليلِ اذا يمضي بحركة الكون العجيبة ليهلكَ كل معاندٍ جبار. ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ؟﴾ ان في ذكر هذه الأشياء جميعاً قَسَماً عظيماً مقنعاً لذوي العقول، وحجّةً كافية على وجوده وقدرته.
وبعد ان أقسم سبحانه أنه سيعذّب الكافرين - شرع يذكر بعض قصص الجبابرة من الأمم الغابرة: كيف أفسدوا وطغوا، فأوقع بهم أشدّ العذاب فقال:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ....﴾
ألم تعلم يا محمد كيف أنزل ربك عقابَه بعادٍ قوم هود، أهلِ إرَمَ ذاتِ البناء الرفيع، والتي لم يُخلَق مثلها في البلاد ضخامةً وارتفاعا!؟ يوضح ذلك قوله تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ [الشعراء: ١٢٨-١٢٩]. وقد تقدم الكلام على عاد ونبيّهم هود في أكثر من سورة.
﴿وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد....﴾
وثمودُ، قوم صالح، الذين قطعوا الصخرَ ونحتوه، وبنوا منه القصورَ والأبنيةَ العظيمة. وكانت مساكنهم في الحِجر شماليّ الحجاز، ولا تزال بقايا من آثارهم موجودة. كما قال تعالى: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ﴾ [الشعراء: ١٤٩].
كذلك وَرَدَ ذِكر ثمود وبيّهم صالح في عدد من السور.
﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد....﴾
اذكُر كيف أنزلَ ربك عقابَه بفرعون صاحب الأهرام والمباني العظيمة، ووصفُ الأهرامِ بالأوتاد في غاية الدقة.
﴿الذين طَغَوْاْ فِي البلاد فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد﴾
إن جميع هؤلاء: قوم عاد وثمود وفرعون، قد طغَوا وبغَوا، وأفسدوا أشد الفساد.
﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾
فأنزل الله تعالى عليهم الوانا من البلاء والعذاب الشديد، وأهلكهم وأبادهم.
﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾
إنه لَيرقب عمل الناس، ويحصيه عليهم ويجازيهم به.
وبعد أن بيّن سبحانه أنه لا يفوته شيء من شأن عباده، وأنه سيحاسِبهم ويجازيهم - ذكَر هنا طبيعة الإنسان الذي يَبْطَر عند الرخاء ويقنط من رحمة ربه عند الضرّاء فقال:
﴿فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ﴾.
فأما الانسان اذا ما اختبَره ربُّه فأنعم عليه ووسّع له في الرزق والجاه، فيقول مغترًّا بذلك: ربّي فضّلني لأني أستَحِقّ هذا كلَّه.
وأما إذا ما اختبره بضيقِ الرزق فيقول غافلاً عن الحِكمة في ذلك: لقد أهانني ربّي.
قراءات:
قرأ عاصم: والوتر بفتح الواو، والباقون بكسرها. وقرأ ابن عامر فقدّر بفتح الدال بالتشديد. والباقون بدون تشديد.
لا تحاضّون: لأ يأمر بعضكم بعضاً بالمعروف. التراث: الميراث. أكلاً لمّا: شديداً جَمّا: كثيراً. دُكت الارض دَكًّا دَكًّا: مهّدها وسوى العالي والنازل سواء. صَفّاً صف: صفا بعد صف بحسب رتبهم. وجيء يومئذ بجهنّم: كُشفت للناظرين بعد ان كانت غائبة عنهم. وأنّى له الذكرى. لا فائدة له من التذكر فقد فات الأوان. الوثاق: الرباط الشديد. المطمئنة: المؤمنة الطاهرة المستقرة. فادخلي في عبادي: في زمرة عبادي المكرمين.
بعد ان بيَّن الله خطأَ الإنسان فيما يعتقد إذا بسط له الرزقَ أو ضيَّق عليه - أردف ذلك بأن زَجَر الناس عما يرتكبون من المنكرات، وأنهم لو اتّبعوا ما يقولُ الرسُلُ الكرام وكانوا متعاطفين مع الفقيرِ واليتيمِ والمسكين - لما كانوا من أهلِ النار فقال:
﴿كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم وَلاَ تَحَاضُّونَ على طَعَامِ المسكين وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً﴾
ارتدِعوا أيها الغافلون، فلي الأمر كما تظنّون وتقولون. بل أنتم لا تُكرمون اليتيم، ولا يحثُّ بعضُكم بعضاً على إطعام المسكين. إنّكم بعيدون عن عملِ الخير، ومن جَشَعِكم تأكلون المالَ الموروث أكلاً شديدا، لا تميّزون فيه بين الحلال والحرام. كَما تحبُّون المالَ حُبا حثيرا يدفعكم الى الحِرص على جَمْعِه والبُخل بإنفاقه.
﴿كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً....﴾
ارتدِعوا عن تلك الأفعال، فأمامَكم أهوالٌ عظيمة يوم القيامة حين تُزلزَل الأرضُ ولا يبقى على وجهها بناء قائم، وتحطَّم معالمها. (وهو أحد الانقلابات الكونية التي تقع يوم القيامة) ويأتي المَلِك العلاّم جلّ جلاله، والملائكةُ يَصْطَفّون صَفّا وراء صف. ثم يؤتى بجهنم دارِ العذاب. في ذلك اليوم يتذكر الإنسانُ ما فَرَّط فيه، لكنْ من أين له الذِكرى النافعة وقد فات الأوان!
﴿يَقُولُ ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾
يقول نادماً: يا لَيتني قدَّمت في الدنيا أعمالاً صالحةً تنفعُني لحياتي في الآخرة، ولكن أنّى له ذلك!
﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾
في ذلك اليوم العصيب يَحِلُّ بالجاحِدين العذابُ الأكبر، ولا يمكن ان يعذبَ أحدٌ كعذابِ الله ولا يقيِّدُ أحدٌ بالسلاسل والأغلال مثلَ تقييد الله تعالى للكافرين.
وفي وسطِ هذا الهولِ المروّع، وهذا العذابِ والوثاق الذي يتجاوز كلَّ تصوُّرٍ - يأتي النداءُ من الملأ الأعلى للنفس المؤمنة:
﴿ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فادخلي فِي عِبَادِي وادخلي جَنَّتِي﴾
يا أيتها النفس المؤمنةُ المخلِصة الطاهرة، لا يلحقُك اليومَ خوفٌ ولا فزع. ارجِعي الى رضوان ربك راضيةً بما أُوتيتِ من النعم، مرضيّة بما قدَّمتِ من عمل، فادخُلي في زُمرة عبادي وادخلي جنَّتي، دارَ الخُلد وموطن الأبرار الصالحين.
قراءات:
قرأ أهل البصرة: لا يكرمون. ولا يحضون. ويأكلون التراث. ويحبون - كلَّها بالياء. وقرأ الباقون بالتاء، ولا تحاضّون بألف وحاء كما هو في المصحف.
وقرأ الكسائي: لا يعذِّب ولا يوثق بفتح الذال والثاء، وقرأ الباقون بالكسر.
Icon