لما ختمت تلك بأنه لا بد من الإياب والحساب، وكان تغيير الليل والنهار وتجديد كل منهما بعد إعدامه دالاًّ على القدرة على البعث، وكان الحج قد جعله الله في شرعه له على وجه التجرد عن المخيط ولزوم التلبية والسير إلى الأماكن المخصوصة آية مذكرة بذلك قال:
﴿والفجر *﴾ أي الكامل في هذا الوصف لما له من العظمة حتى كأنه لا فجر غيره، وهو فجر يوم النحر الذي هو أول الأيام الآخذة في الإياب إلى
21
بيت الله الحرام بدخول حرمه والتحلل من محارمه وأكل ضيافته.
ولما ذكر هذا اليوم بما العبارة به عنه أدل على البعث لأنه ينفجر عن صبح قد أضاء، ونهار قد انبرم، وانقضى، لا فرق بينه وبين ما مضى، عم فقال معبراً بالمقابل:
﴿وليال عشر *﴾ هي أعظم ليالي العام. وهي آية الله على البعث بالقيام إلى إجابة داعي الله تعالى على هيئة الأموات
﴿والشفع﴾ أي لمن تعجل في يومين
﴿والوتر *﴾ أي لمن أتم - قاله ابن الزبير، وروى أحمد والبزار برجال الصحيح عن عياش بن عقبة وهو ثقة عن جابر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
«العشر الأضحى، والشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة».
ولما كان تعاقب الليل والنهار أدل على القدرة وأظهر في النعمة، قال رادّاً لآخر القسم على أوله، ومذكراً بالنعمة وكمال القدرة، لأن الليل أخفاهما سُرى وسراً، فهو أعظمهما في ذلك أمراً، لأن سير النهار ظاهر لسرايته بخلاف الليل فإنه محوى صرفه فكان أدل على القدرة
﴿والّيل﴾ أي من ليلة النفر
﴿إذا يسر *﴾ أي ينقضي كما
22
ينقضي ليل الدنيا وظلام ظلمها فيخلفه الفجر ويسرى فيه الذين آبوا إلى الله راجعين إلى ديارهم بعد حط أوزارهم، وقد رجع آخر القسم على أوله - وأثبت الياء في يسري ابن كثير ويعقوب وحذفها الباقون، وعلة حذفها قد سأل عنها المؤرج الأخفش فقال: اخدمني سنة، فسأله بعد سنة فقال: الليل يسرى فيه ولا يسري، فعدل به عن معناه فوجب أن يعدل عن لفظه كقوله تعالى:
﴿وما كانت أمك بغيّاً﴾ [مريم: ٢٨] لما عدل عن
«باغية» عدل لفظه فلم يقل: بغية - انتهى، وهو يرجع إلى اللفظ مع أنه يلزم منه رد روايات الإثبات، والحكمة المعنوية فيه - والله أعلم - من جهة الساري وما يقع السرى فيه، فأما من جهة الساري فانقسامهم ليلة النفر إلى مجاور وراجع إلى بلاده، فأشير إلى المجاورين بالحذف حثاً على ذلك لما فيه من جلالة المسالك، فكان ليل وصالهم ما انقضى كله، فهم يغتنمون حلوله ويلتذون طوله من تلك المشاهد والمشاعر والمعاهد، وإلى الراجعين بالإثبات لما سرى الليل بحذافيره عنهم آبوا راجعين إلى ديارهم فيما انكشف من نهارهم، وأما من جهة ما وقع فيه السرى فللاشارة إلى طوله تارة وقصره أخرى، فالحذف إشارة إلى القصير والإثبات إشارة إلى الطويل بما وقع من تمام سراه وما
23
وقع للسارين فيه من قيام وصف الأقدم بين يدي الملك العلام كما قال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله تعالى حيث قال مشيراً لذلك:
كم ليلة فيك وصلنا السرى | لا نعرف الغمض ولا نستريح |
الأبيات المذكورة عنه في المزمل، فقد انقسم الليل إلى ذي طول وقصر، والساري فيه إلى ذي حضر وسفر، فدلت المفاوتة في ذلك وفي جميع أفراد القسم على أن فاعلها قادر مختار واحد قهار، ولذلك أتبعه الدلالة بقهر القهارين وإبارة الجبارين، وأما
«بغي» فذكرت حكمته في مريم.
ولما كان هذا قسماً عظيماً في ذكر تلك الليالي المتضمن لذكر المشاعر وما فيها من الجموع والبكاء كما قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة:
وليلة جمع والمنازل من منى | وهل فوقها من حرمة ومنازل |
وفي تذكيره بالبعث ودلالته عليه دلالة عقلية واضحة بالإيجاد بعد الإعدام مع ما لهذه الأشياء في أنفسها وفي نفوس المخاطبين بها من الجلالة، نبه على ذلك سبحانه وتعالى بقوله:
﴿هل في ذلك﴾ أي المذكور مع ما له من عليّ الأمر وواضح القدر
﴿قسم﴾ أي كاف مقنع
﴿لذي﴾ أي صاحب
﴿حجر *﴾ أي عقل فيحجره ويمنعه عن الهوى في
24
درك الهوى، فيعليه إلى أوج الهدى، في درج العلا، حتى يعلم أن الذي فعل ما تضمنه هذا القسم لا يتركه سدى، وأنه قادر على أن يحيى الموتى، قال ابن جرير: يقال للرجل إذا كان مالكاً نفسه قاهراً لها ضابطاً: إنه لذو حجر - انتهى، فمن بلغ أن يحجره عقله عن المآثم ويحمله على المكارم فهو ذو حجر.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ابتدأ سبحانه لمن تقدم ذكره وجهاً آخر من الاعتبار، وهو أن يتذكروا حال من تقدمهم من الأمم وما أعقبهم تكذيبهم واجترامهم فقال:
﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد﴾ إلى قوله:
﴿إرم ذات العماد﴾ إلى قوله:
﴿إن ربك لبالمرصاد﴾ أي لا يخفى عليه شيء من مرتكبات الخلائق ولا يغيب عنه ما أكنوه
﴿سواء منكم من أسر القول ومن جهر به﴾ [الرعد: ١٠] فهلا اعتبر هؤلاء بما يعاينونه ويشاهدونه من خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض، وكل ذلك لمصالحهم ومنافعهم، فالإبل لأثقالهم وانتقالهم، والسماء لسقيهم وإظلالهم، والجبال لاختزان مياههم وأقلالهم، والأرض لحلهم وترحالهم، فلا بهذه الأمور كلها استبصروا، ولا بمن خلا من القرون اعتبروا،
﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد﴾ على عظيم طغيانها وصميم بهتانها
﴿إن ربك لبالمرصاد﴾ فيتذكرون
25
حين لا ينفع التذكر
﴿إذا دكت الأرض دكاً وجاء ربك والملك صفاً صفاً وجيء يومئذ بجهنم، يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى﴾ - انتهى.
ولما كان التقدير كما هدى إليه السياق: ليبعثن كلهم صاغرين ثم ليحشرن ثم ليحاسبن فيجازى كل أحد بما عمل، فإن آمنوا بذلك نجوا وإلا عذبهم الذي ثبتت قدرته على العذاب الأكبر بعد العذاب الأدنى بسبب قدرته على البعث بسبب قدرته على ما رأيتم من خلق الإبل والسماء والجبال والأرض على ما في كل من العجائب بسبب قدرته على كل شيء، وهذا هو المقصود بالذات، حذف زيادة في تعظيمه واعتماداً على معرفته بما هدى إليه من السياق في جميع السورة وما قبلها. ولما طوى جواب القسم لإرشاد السياق إليه وتعويل المعنى عليه، وتهويلاً له مع العلم بأنه لا يكون قسم بغير مقسم عليه، وكان قد علمت القدرة عليه مما أشير إليه بالمقسم به، أوضح تلك القدرة بأمر العذاب الأدنى - للأمم الماضية، فقال مخاطباً لمن قال له في آخر تلك
﴿فذكر إنما أنت مذكر﴾ [الغاشية: ٢١] تسلية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإشعاراً بأنه لا يتدبره حق تدبره غيره، وتهديداً لمن كذب من قومه:
﴿ألم تر﴾ أي تنظر بعين الفكر يا أشرف رسلنا فتعلم علماً هو في التيقن به كالمحسوس بالبصر، وعبر
26
بالاستفهام إشارة إلى أن ما ندبه إلى رؤيته مما يستحق أن يسأل عنه:
﴿كيف فعل ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك ختاماً لجميع الأنبياء بالأمم الماضية بما شاركوا به هؤلاء من تكذيب الرسل وجعل محط نظرهم الدنيا، وعملوا أعمال من يظن الخلود، وبدأ بأشدهم في ذلك وأعتاهم الذين قالوا: من أشد منا قوة؟ فقال:
﴿بعاد *﴾ أي الذين بلغوا في الشدة أن قالوا: من أشد منا قوة؟ وقال لهم نبيهم هود صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
﴿وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون﴾ [الشعراء: ١٢٩] ودل على ذلك بناؤهم جنة في هذه الدنيا الفانية التي هي دار الزوال، والقلعة والارتحال، والنكد والبلاء والكدر، والمرض والبؤس والضرر، فقال مبيناً لهم على حذف مضاف:
﴿إرم﴾ أي أهلها وعمدتها، وأطلقها عليهم لشدة الملابسة لما لها من البناء العجيب والشأن الغريب، ثم بينها بقوله:
﴿ذات﴾ أي صاحبة
﴿العماد *﴾ أي البناء العالي الثابت بالأعمدة التي لم يكن في هذه الدار مثلها، ولذا قال:
﴿التي لم يخلق﴾ أي يقدر ويصنع - بناه للمفعول إرادة للتعميم
﴿مثلها﴾ يصح أن يعود الضمير على
«عاد» باعتبار القبيلة، على
«إرم» باعتبار البلدة، وأوضح هذا بقوله معمماً للأرض كلها:
﴿في البلاد *﴾ أي في بنائها ومرافقها
27
وثمارها، وتقسيم مياهها وأنهارها، وطيب أرضها وحسن أطيارها، وما اجتمع بها مما يفوت الحصر ويعجز القوى، ولا مثل أهلها الذين بنوها في قوة أبدانهم وعظيم شأنهم وغير ذلك من أمورهم، وكان صاحبها شداد قد ملك المعمورة كلها فتحيزها فبناها في برية عدن في ثلاثمائة سنة يضاهي بها الجنة على ما زعم - قلوب ضلت وأضلت وأضلها باريها - قال أبو حيان: على أوصاف بعيد أو مستحيل عادة أن يكون في الأرض مثلها، فلما تمت على ما أراد قصدها للسكن وعمره إذ ذاك تسعمائة سنة، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فأهلكهم فكانوا كأمس الذاهب، وأخفى مدينتهم فلم يرها أحد إلا عبد الله بن قلابة، خرج في طلب إبل ضلت له على زمن معاوية رضي الله عنه فوقع عليها، ولما خرج منها وانفصل عنها خفيت عنه، وكان قد حمل معه بعض ما رأى فيها من اللؤلؤ والمسك والزعفران فباعه، وسمع به معاوية رضي الله عنه فأرسل إليه فحدثه، فأرسل، معاوية رضي الله عنه إلى كعب الأحبار فسأله عن ذلك فقال: هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أشقر أحمر قصير، على حاجبيه خال، وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم
28
التفت فأبصر ابن قلابة فقال: هذا والله ذاك الرجل - ذكره شيخنا في تخريج أحاديث الكشاف وقال: وآثار الوضع عليه لائحة، وقال جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما: الأوصاف كلها للقبيلة وهم عاد الأولى، واسمها إرم باسم جدهم، وكانوا عرباً سيارة يبنون بيوتهم على الأعمدة على عادة العرب، ولم يخلق مثلهم أمة من الأمم في جميع البلاد.
29
ولما بدأ بهؤلاء لأن أمرهم كان أعجب، وقصتهم أنزه وأغرب، ثنى بأقرب الأمم إليهم زماناً وأشبههم بهم شأناً لأنهم أترفوا بما حبوا به من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم، فجعلوا موضع ما لزمهم من الشكر الكفر، واستحبوا العمى على الهدى، مع ما في آيتهم، وهي الناقة، من عظيم الدلالة على القدرة فقال:
﴿وثمود الذين جابوا﴾ أي نقبوا وقطعوا قطعاً حقيقاً كأنه عندهم كالواجب
﴿الصخر بالواد *﴾ أي وادي الحجر أو وادي القرى، فجعلوا بيوتاً منقورة في الجبال فعل من يغتال الدهر ويفني الزمان، قال أبو حيان: قيل أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة
29
كلها بالحجارة.
ولما ذكر القبيلتين من العرب، ذكر بعض من جاورهم من طغاة العجم لما في قصتهم من العتو والجبروت مع ما حوته من الغرائب وخوارق العجائب لا سيما في القدرة على البعث بقلب العصا حية وإعادتها جماداً مع التكرر، وبإيجاد الضفادع والقمل من كثبان الأرض وغير ذلك فقال:
﴿وفرعون﴾ أي وفعل بفرعون
﴿ذي الأوتاد *﴾ أي الذي ثبّت ملكه تثبيت من يظن أنه لا يزول بالعساكر والجنود وغيرهم من كل ما يظن أنه يشد أمره من الجنات والعيون والزروع والمقامات الكريمة، فصارت له اليد المبسوطة في الملك.
ولما كان المراد بفرعون هو وجنوده لآن الرأس يكنى به عن البدن، لأنه جماعة وبه قوامه، وصفه بوصف يجمع قومه وجميع من ذكر هنا فقال:
﴿الذين﴾ أي فرعون وجنوده وكل من ذكر هنا من الكفرة من عاد وثمود وأتباعهم
﴿طغوا﴾ أي تجاوزوا الحدود
﴿في البلاد *﴾ أي التي ملكوها بالفعل وغيرها بالقوة
﴿فأكثروا﴾ عقب طغيانهم وبسببه
﴿فيها الفساد *﴾ بما فعلوا من الكفر والظلم مما صار سنة لمن سمع به.
ولما كان ذلك موجباً للعذاب، سبب عنه قوله:
﴿فصب﴾
30
أي أنزل إنزالاً هو في غاية القوة
﴿عليهم﴾ أي في الدنيا
﴿ربك﴾ أي المحسن إليك المدبر لأمرك الذي جعل ما مضى من أخبار الأمم وآثار الفرق موطئاً لهم
﴿سوط عذاب *﴾ أي جعل عذابهم من الإغراق والرجف وغيرهما في وقته وتمكنه وعلوه وإحاطته كالمصبوب في شدة ضربه ولصوقه بالمضروب وإسراعه إليه والتفافه به كالسوط وفي كونه منوّعاً إلى أنواع متشابكة، وأصله الخلط، وإنما سمي هذا الجلد المضفور الذي يضرب به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، ولأنه يخلط اللحم والدم، وقيل: شبه بالسوط ما أحل بهم في الدنيا إشعاراً بالترديد والتكرير إلى أن يهلك المعذب به وإيذاناً بأنه بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط إذا قيس إلى السيف، هذا سوط الدنيا وسيف الآخرة أشد وأحد وأمضى، ثم علل أخذه لكل ظالم وانتقامه من كل مفسد بأنه رقيب، فقال ممثلاً أن العصاة لا يفوتونه مؤكداً تنبيهاً على أن أعمال من ينكر ذلك أو لا يخطر بباله:
﴿إن ربك﴾ أي مولاك المدبر لأمر نبوتك
﴿لبالمرصاد *﴾ أي لا يفوته شيء، بل هو قادر ومطلع على كل شيء اطلاع من يريده بالإقامة في مكان
31
الرصد وزمانه مع غاية الحفظ والرعي وهو قادر على ما يريد.
ولما ذكر سبحانه أن عادة هؤلاء الفرق كانت الطغيان، وذكر أن عادة الرب سبحانه فيمن تولى وكفر أنه يعذبه كما هدد به آخر تلك، ودل على ذلك بما شوهد في الأمم، وعلل ذلك بأنه لا يغفل، ذكر عادة الإنسان من حيث هو من غير تقييد بهؤلاء الفرق عن الابتلاء في حالي السراء والضراء، فقال مشيراً إلى جواب ما كانت الكفار تقوله من أنهم آثر عند الله من المسلمين لا يساعد عليهم في الدنيا وتقلل الصحابة رضي الله عنهم من الدنيا مسبباً عما مضى عطفاً على ما تقديره: هذه كانت عادة هؤلاء الأمم وعادة الله فيهم:
﴿فأما الإنسان﴾ أي الذي أودع الحجر ليعقل هذه الأقسام وما يراد منه من اعتقاد المقسم عليه بها وجبل على النسيان والأنس بنفسه والمحبة لها والرضى عنها.
ولما كان المقصود التعريف بحاله عند الابتداء، قدم الظرف الدال على ذلك على الخبر فقال:
﴿إذا﴾ وأكد الأمر بالنافي فقال
﴿ما ابتلاه﴾ أي عامله معاملة المختبر بأن خالطه بما أراد مخالطة تميله وتحيله
﴿ربه﴾ أي الذي أبدعه وأحسن إليه بما يحفظ وجوده ليظهر
32
شكره أو كفره
﴿فأكرمه﴾ أي بأن جعله عزيزاً بين الناس وأعطاه ما يكرمونه به من الجاه والمال
﴿ونعمه *﴾ أي بأن جعله متلذذاً مترفاً بما أعطاه غير تعبان - بسببه
﴿فيقول﴾ سروراً بذلك وافتخاراً:
﴿ربي﴾ أي الموجد لي والمدبر لأمري
﴿أكرمن *﴾ أي فيظن أن ذلك عن استحقاق فيرتفع به
﴿وأما﴾ هو
﴿إذا﴾ وأكد على نمط الأول فقال:
﴿ما ابتلاه﴾ أي ربه ليظهر صبره أو جزعه.
ولما كان قوله في الأول
«فأكرمه ونعمه» كناية عن
«فوسع عليه» قابله هنا بقوله:
﴿فقدر﴾ أي ضيق تضييق من يعمل الأمر بحساب وتقدير
﴿عليه رزقه﴾ فهو كناية عن الضيق كما أن العطاء بغير حساب كناية عن السعة، فجعله بمقدار ضرورته الذي لا يعيش عادة بدونه، ولم يجعله فيه فضلاً عن ذلك ولم يقل
«فأهانه» موضع
«قدر عليه» تعليماً للأدب معه سبحانه وتعالى وصوناً لأهل الله عن هذه العبارة لأن أكثرهم مضيق عليه في دنياه، ولأن ترك الإكرام لا ينحصر في كونه إهانة
﴿فيقول﴾ أي الإنسان
33
بسبب الضيق:
﴿ربي﴾ أي المربي لي
﴿أهانن *﴾ فيهتم لذلك ويضيق به ذرعاً، ويكون ذلك أكبر همه.
34
ولما كان نسبة هذا إليه توبيخاً وتقريعاً لقصور نظره فإن الإقتار قد يؤدي إلى سعادة الدارين، والتوسعة قد تؤدي إلى شقاوتهما، وهذا أكثر ما يوجد، قال ردعاً عن مثل هذا القول بأعظم أدوات الزجر معللاً للتوسعة والإقتار:
﴿كلا﴾ أي إني لا أكرم بتكثير الدنيا ولا أهين بتقليلها، لا التوسعة منحصرة في الإكرام ولا التضييق منحصر في الإهانة والصغار، وإنما أتتهم الإهانة من حيث إنهم لا يطيعون الله، وربما كان بالتوسعة، وربما كانت بالإقتار، فربما عصى فوسع عليه إهانة له، وهذا لمن يريد سبحانه به الشقاء فيعجل له طيباته في الدنيا استدراجاً، وربما عصى فضيق عليه إكراماً له لأن ذلك يكفر عنه، وفي الصحيح في حديث أقرع وأبرص وأعمى في بني إسرائيل شاهد عظيم لذلك.
ولما زجر عن اعتقاد أن التوسعة للاكرام والتضييق للاهانة، ذكر أن معيار من جبل على حب الطاعة ومن جبل على حب المعصية بغض الدنيا وحبها، فقال معرباً عن كلام الإنسان في الشقين
34
وأفرد أولاً لأنه أنص على التعميم وجمع ثانياً إعلاماً بأن المراد الجنس
﴿بل﴾ أي يستهينون بأمر الله بما عندهم من العصيان، فيوسع على بعض من جبل على الشقاء إهانة له بالاستدراج ويضيق على بعض من لم يجبل على ذلك إكراماً له وردعاً عن اتباع الهوى ورداً إلى الإحسان إلى الضعفاء، وترجم هذا العصيان الذي هو سبب الخذلان بقوله:
﴿لا يكرمون﴾ أي أكثر الناس
﴿اليتيم *﴾ بالإعطاء ونحوه شفقة عليه ورحمة له لأنه ضعيف لا يرجى من قبله نفع بثناء ولا غيره.
ولما كان الإنسان لا يمنعه من حث غره على الخير إلا حب الدنيا إن كان المحثوث أعظم منه فيدخره لحوائجه وإن كان مثله فإنه يخشى أن يقارضه بذلك فيحثه على مسكين آخر، وكان الإحسان بالحث على الإعطاء أعظم من الإعطاء لأنه يلزم منه الإعطاء بخلاف العكس، قال:
﴿ولا يحضون﴾ أي يحثون حثاً عظيماً لأهلهم ولا لغيرهم
﴿على طعام المسكين *﴾ أي بذله له سخاء وجوداً، فكانت إضافته إليه إشارة إلى أنه شريك للغني في ماله بقدر الزكاة.
35
ولما دل على حب الدنيا بأمر خارجي، دل عليه بأمر في الإنسان فقال تعالى:
﴿ويأكلون﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار
﴿التراث﴾ أي الميراث، أصله وراث أبدلت الواو تاء، وكأنه عبر عنه به دلالة على أخذ الظاهر الذي تشير إليه الواو، والتفتيش عن الباطن المشار إليه بمخرج التاء تفتيشاً ربما أدى إلى أخذ بعض مال الغير:
﴿أكلاً لمّاً *﴾ أي ذا لمٍّ أي جمع وخلط بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يؤرثون النساء ولا الصبيان ويأكلون ما جمعه المؤرث وإن كانوا يعلمون أنه حرام ويقولون: لا يستحق المال إلا من يقاتل ويحمي الحوزة.
ولما كان ذلك قد يفعل عن ضرورة مع الكراهة قال ما هو صريح في المقصود:
﴿ويحبون﴾ أي على سبيل الاستمرار
﴿المال﴾ أي هذا النوع من أي شيء كان، وأكده بالمصدر والوصف فقال:
﴿حباً جماً *﴾ أي كثيراً مع حرص وشره، فصار قصارى أمرهم النظر الدنيوي، ولم يصرفوا أنفسهم عن حبه إلى ما دعا إليه العقل الذي يعقل النفس عن الهوى، والحجر الذي يحجرها عن الحظوظ، والنهية التي تنهاها عن الشهوات إلى الإقبال على الله.
36
ولما كان السياق هادياً إلى أن التقدير: يحسبون أن ذلك يوفر أموالهم ويحسن أحوالهم ويصلح بالهم، زجر عنه بمجامع الزجر فقال:
﴿كلا﴾ أي ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر، ثم استأنف ذكر ما يوجب ندمهم وينبههم من رقدتهم ويعرفهم أن حب المال لا يقتضي نموه، ولو اقتضى نموه ما اقتضى إيجابه للسعادة فقال:
﴿إذ دكت الأرض﴾ أي حصل دكها ورجها وزلزلتها لتسويتها فتكون كالأديم الممدود بشدة المط لا عوج فيها بوجه، وأشار بالبيناء للمفعول إلى سهولة ذلك لأن الأمر عظيم لعظمة الفاعل الحق، ولذلك قال:
﴿دكاً دكاً *﴾ أي مكرراً بالتوزيع على كل موضع ناتٍ فيها، فيكون لكل جبل وأكمة وثنية وعقبة دك يخصه على حدته ليفيد ذلك أنه دك مبالغ فيه فتصير جبالها وأكمامها هباءً منثوراً ثم تستوي حتى لا يكون فيها شيء من عوج، وهو كناية عن زلازل عظيمة لا تحملها الجبال الرواسي فيكف بغيرها.
ولما دلت التسسوية على مجيء أمر عظيم، فإن العادة في الدنيا أن الطرق لا تعم بالكنس أو الرش أو التسوية إلا لحضور عظيم كالسلطان، قال متلطفاً بالمخاطب من أواخر سورة البروج إلى هنا بذكر صفة الإحسان على وجه يفتت أكباد أضداده،
﴿وجاء ربك﴾ أي أمر المحسن إليك بإظهار رفعتك العظمى في ذلك اليوم الأعظم لفصل القضاء بين العباد
37
بشفاعتك
﴿والملك﴾ أي هذا النوع حال كون الملائكة مصطفين
﴿صفاً صفاً *﴾ أي موزعاً اصطفافهم على أصنافهم كل، صنف صف على حدة، ويحيط أهل السماء الدنيا بالجن والإنس، وأهل كل سماء كذلك، وهم على الضعف ممن أحاطوا به حتى يحيطوا أهل السماء السابعة بالكل وهم على الضعف من جميع من أحاطوا به من الخلائق، ومعنى مجيئه سبحانه وتعالى بعد أن ننفي عنه أن يشبه مجيء شيء من الخلق لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فإذا صححنا العقد في ذلك في كل ما كان من المتشابه قلنا في هذا إنه مثل أمره سبحانه وتعالى في ظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قدرته وقهره وسلطانه يحال الملك إذا حضر بنفسه فظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بظهور عساكره كلها خالية عنه، فمجيئه عبارة عن حكمه وإظهار عظمته وبطشه وكل ما يظهره الملوك إذا جاؤوا إلى مكان، وهو سبحانه وتعالى شأنه حاضر مع المحكوم بينهم بعلمه وقدرته، لم يوصف بغيبة أصلاً أزلاً ولا أبداً، فحضوره في ذلك الحال وبعده كما كان قبل ذلك من غير فرق أصلاً ولم يتجدد شيء
38
غير تعليق قدرته على حسب إرادته بالفصل بين الخلق، ولو غاب في وقت أو أمكنت غيبته بحيث يحتاج إلى المجيء لكان محتاجاً، ولو كان محتاجاً لكان عاجزاً، ولو عجز أو أمكن عجزه في حال من الأحوال لم يصلح للالهية - تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً، وفي تكرير
«صفاً» تنبيه على صرف المجيء عن حقيقته وإرشاد إلى ما ذكرت من التمثيل.
39
ولما كانت جهنم لا تأتي بنفسها لأنها لو أتت بنفسها لربما ظن أنها خارجة عن القدرة بل تقودها الملائكة، فكلما عالجوها ذهاباً وإياباً حصل للناس من ذلك من الهول ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكان المهول نفس المجيء بها لا تعيين الفاعلين، لذلك بني للمفعول قوله:
﴿وجاء﴾ أي بأسهل أمر
﴿يومئذ﴾ أي إذ وقع ما ذكر
﴿بجهنم﴾ أي النار التي تتجهم من يصلاها، روي أنه يؤتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، وهو كقوله تعالى:
﴿وبرزت الجحيم لمن يرى﴾ [النازعات: ٣٦] وأبدل من
«إذا» توضيحاً لطول الفصل وتهويلاً قوله:
﴿يومئذ﴾ أي إذ وقعت هذه الأمور فرأى الإنسان ما أعد للشاكرين وما أعد للكافرين.
ولما قدم هذه الأمور الجليلة والقوارع المهولة اهتماماً بها
39
وتنبيهاً على أنها، لما لها من عظيم الموعظة، جديرة بأن يتعظ بها كل سامع، ذكر العامل في ظرفها وبدله فقال:
﴿يتذكر الإنسان﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما كان ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خساراً، لا زاد بحبها شيئاً لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئاً كما كتب له أو بذلها، وإذا تذكر ذلك هان عليه البذل، وليست تلك الدار دار العمل، فلذلك قال:
﴿وأنى﴾ أي كيف ومن أي وجه
﴿له الذكرى *﴾ أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه، فلا ينفعه أصلاً بوجه من الوجوه لفوات دار العمل، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام.
ولما كان الندم يقتضي أن يعمل الإنسان ما ينافيه، بين أنه ليس هناك عمل إلا إظهار الندم فاستأنف قوله:
﴿يقول﴾ أي متمنياً المحال على سبيل التجديد والاستمرار:
﴿يا ليتني﴾ وهل ينفع شيئاً
«ليت» ﴿قدمت﴾ أي أوقعت التقديم لما ينفعني من الجد والعمل به
﴿لحياتي *﴾ أي أيام حياتي في الدنيا أو لأجل حياتي هذه الباقية التي لا موت بعدها، ويمكن أن يكون سبب تمنيه هذا علمه بأنه كان في الدنيا مختاراً، وأن الطاعات في نفسها كانت ممكنة لا مانع له منها في
40
الظاهر إلا صرف نفسه عنها وعدم تعليق ما أتاه الله من القوى بها.
ولما كان هذا غير نافع له، سبب عنه قوله:
﴿فيومئذ﴾ أي إذ وقعت هذه الأمور كلها
﴿لا يعذب﴾ أي يوقع
﴿عذابه﴾ أي عذاب الله، أي مثل عذابه المطلق المجرد فكيف بتعذيبه. ولما اشتد التشوف إلى الفاعل، أتى به على وجه لا أعم منه أصلاً فقال:
﴿أحد *﴾.
ولما جرت العادة بأن المعذب يستوثق منه بسجن أو غيره، ويمنع من كل شيء يمكن أن يقتل به نفسه، خوفاً من أن يهرب أو يهلك نفسه قال:
﴿ولا يوثق﴾ أي يوجد
﴿وثاقه﴾ أي مثل وثاقه فكيف بإيثاقه
﴿أحد *﴾ والمعنى أنه لا يقع في خيال أحد لأجل انقطاع الأنساب والأسباب أن أحداً يقدر على مثل ما يقدر عليه سبحانه وتعالى من الضر ليخشى كما يقع في هذه الدنيا، بل يقع في الدنيا في أوهام كثيرة أن عذاب من يخشونه أعظم من عذاب الله - وأن عذاب الدنيا بأسره لو اجتمع على إنسان وحده لا يساوي رؤية جهنم بذلك المقام في ذلك المحفل المهول دون دخولها - ولذلك تقدم خوفه على الخوف من الله، وبنى الكسائي ويعقوب الفعلين للمفعول، والمعنى
41
على قراءة الجماعة ببنائها للفاعل: لا يعذب أحد عذاباً مثل عذاب الله أي لا يعذب أحد غير الله أحداً من الخلق مثل عذاب الله له، والحاصل أنه لا يخاف في القيامة من أحد غير الله، فإنه ثبت بهذا الكلام أن عذابه لا مثل له، ولم يذكر المعذب من هو فيرجع الأمر إلى أن المعنى: فيومئذ يخاف الإنسان من الله خوفاً لا مثل له، أي لا يخاف من أحد مثل خوفه منه سبحانه وتعالى، ويجوز أن يكون الضمير في
«عذابه» للإنسان، أي لا يعذب أحد من الزبانية أحداً غير الإنسان مثل عذابه، وفي المبني للمفعول: لا يعذب عذاب الإنسان أحد لكن يبعده أنه يلزم عليه أن يكون عذاب الإنسان أعظم من عذاب إبليس - ويجوز أن يكون المعنى: إنه لا يحمل أحد ما يستحقه من العذاب كقوله تعالى:
﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ [الأنعام: ١٦٤].
ولما علم أن هذا الجزاء المذكور لا يكون إلا للهلوع الجزوع المضطرب النفس الطائش في حال السراء والضراء، الذي لا يكرم اليتيم ولا المسكين ويحب الدنيا، وكان من المعلوم أن من الناس من ليس هو كذلك، تشوفت النفس إلى جزائه فشفى عيّ هذا التشوف بقوله، إعلاماً بأنه يقال لنفوسهم عند النفخ في الصور وبعثرة ما في القبور للبعث والنشور:
﴿يا أيتها النفس المطمئنة *﴾ أي التي هي في غاية
42
السكون لا خوف عليها ولا حزن ولا نقص ولا غبون، لأنها كانت في الدنيا في غاية الثبات على كل ما أخبر به عن الدار الآخرة وغيرها من وعد ووعيد وتحذير وتهديد، فهم راجون لوعده خائفون من وعيده، وإذا كانت هذه حال النفس التي شأنها الميل إلى الدنيا فما ظنك بالروح التي هي خير صرف
﴿ارجعي﴾ أي بالبعث
﴿إلى ربك﴾ أي موعد الذي أوجدك ورباك تربية الموفقين، أو إلى بدنك حال كونك
﴿راضية﴾ أي بما تعطينه. فلا كدر يلحقك بوجه من الوجوه أصلاً كما كنت في دار القلق والاضطراب مطمئنة ساكنة تحت القضاء والقدر سالكة سبيل الرضا إن حصل ابتلاء بالتكريم والتنعيم أو التضييق والتغريم وثوقاً بما عند الله
﴿مرضية *﴾ عند الله وسائر خلقه، فلا شيء يكرهك بسبب ما كنت مطمئنة تعملين الأعمال الصالحة تحت القضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره، ثم بيّن ما أجمل من الرجوع فقال سبحانه:
﴿فادخلي﴾ أي بسبب هذا الأمر
﴿في عبادي *﴾ أي في زمرة الصالحين الوافدين عليَّ، الذين هم أهل للإضافة إليَّ، أو في أجساد عبادي
43
التي خرجت في الدنيا منها، وقراءة
«عبدي» بالتوحيد للجنس الشامل للقليل والكثير تدل على ذلك
﴿وادخلي جنتي *﴾ أي وهي جنة عدن وهي أعلى الجنان، قال البغوي: قال سعيد بن جبير: مات ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم نر على صورة خلقه، فدخل نعشه فلم نر خارجاً منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر فلم ندر من تلاها، وهذا الآخر هو أولها على ما هو ظاهر المقسم عليه بالفجر من البعث المحتوم، الذي لولا هو لكان خلق الخلق من العبث المذموم، المنزه عنه الحي القيوم، فسبحان الملك الأعظم الذي هذا كلامه، علت معانيه عن طعن وشرفت أعلامه، وغر في ذروة الإعجاز تركيبه ونظامه،
«وأين الثريا من يد المتناول».
44
سورة البلد
مقصودها الدلالة على نفي القدرة عن الإنسان، وإثباتها لخالقه الديان ن بذكر المخلص منها، الموصل إلى السعادة في الآخرة، وهو ما هدى إليه ربه سبحانه، وذلك هو معنى اسمها، فإن من تأمل أمان أهل الحرم وماهم فيه من الرزق والخير على قلة الرزق ببلدهم - مع ما فيه غيرهم ممن هم أكثر منهم وأقثوى - من الخوف والجوع علم ذلك) بسم الله (الملك الواحد القهار) الرحمن (الذي أسبغ نعمته على سائر بريته، وفاوت بينهم في عطيته، فكان كل ساخطا لحالته في كبد ما يهمه في خاصته وعامته لحكم تعجز الأفكار) الرحيم (الذي خص أهل ولايته بما يرضيه عنهم من أقضيته فيوصلهم إلى جنته وينجيهم من النار.
45