[سورة الفاتحة]
فاتحة سورة الفاتحة «١»
[الآيات]
لا يخفى على من أيقظه الله تعالى من منام الغفلة ونعاس النسيان ان العوالم وما فيها انما هي من آثار الأوصاف الإلهية المترتبة على الأسماء الذاتية إذ للذات في كل مرتبة من مراتب الوجود اسم خاص وصفة مخصوصة لها اثر مخصوص هكذا بالنسبة الى جميع مراتب الوجود ولو حبة وذرة وطرفة وخطرة والمرتبة المعبر عنها بالأحدية الغير العددية والعمآء الذي لاحظ لأولى البصائر والنهى منها الا الحسرة والحيرة والوله والهيمان وهي غاية معارج عروج الأنبياء ونهاية مراتب سلوك الأولياء فهم بعد ذلك يسيرون فيه لا به واليه الى ان يستغرقوا فيتحيروا الى ان يفنوا لا اله الا هو كل شيء هالك الا وجهه ثم لما أراد سبحانه ارشاد عباده الى تلك المرتبة ليتقربوا إليها ويتوجهوا نحوها حتى ينتهى توجههم وتقربهم الى العشق والمحبة الحقيقية الحقية المؤدية الى إسقاط الاضافة المشعرة للكثرة والاثنينية وبعد ذلك خلص نيتهم وصح طلبهم للفناء فيه نبه سبحانه الى طريقه إرشادا لهم وتعليما في ضمن الدعاء له والمناجاة معه متدرجا من نهاية الكثرة الى كمال الوحدة المفنية لها متيمنا بِسْمِ اللَّهِ المعبر به عن الذات الاحدية باعتبار تنزلها عن تلك المرتبة العمائية إذ لا يمكن التعبير عنها باعتبار
الْحَمْدُ والثناء الشامل لجميع الاثنية والمحامد الصادرة عن السنة ذرائر الكائنات المتوجهة نحو مبدعها طوعا المعترفة بشكر منعمها حالا ومقالا ازلا وابدا ثابتة مختصة لِلَّهِ اى للذات المستجمع لجميع الأسماء والصفات المظهرة المربية للعوالم وما فيها بأسرها رَبِّ الْعالَمِينَ ولولا تربيته إياها وإمداده لها طرفة لفنى العالم دفعة
الرَّحْمنِ المبدأ المبدع لها في النشأة الاولى بامتداد اظلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا على مرآة العدم المنعكس منها العالم كله وجزؤه شهادته وغيبه أولاه وأخراه بلا تفاوت الرَّحِيمِ المعيد للكل في النشأة الاخرى بطى سماء الأسماء وارض الطبيعة السفلى الى ما منه الابتداء واليه الانتهاء
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ والجزاء المسمى في الشرع بيوم القيامة والطامة الكبرى المندكة فيها الأرض والسماء المطوية عند قيامها سجلات الاولى والاخرى إذ فيها ارتجت الآراء والأفكار وارتفعت الحجب والأستار واضمحلت اعيان السوى والأغيار ولم يبق الا الله الواحد القهار ثم لما تحقق العبد وتمكن في هذا المقام ووصل الى هذا المرام وفوض أموره كلها الى الملك العلام القدوس السّلام حق له ان يلازم ربه ويخاطب معه بلا ستر ولا حجاب تتميما لمرتبة العبودية الى ان يرتفع كاف الخطاب عن البين وينكشف الغين عن العين وعند ذلك قال لسان مقاله مطابقا بلسان حاله
إِيَّاكَ لا الى غيرك إذ لا غير في الوجود معك نَعْبُدُ نتوجه ونسئلك على وجه التذلل والخضوع إذ لا معبود لنا سواك ولا مقصد الا إياك وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اى ما نطلب الإعانة والأقدار على العبادة لك الا منك إذ لا مرجع لنا غيرك
اهْدِنَا بلطفك الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الذي يوصلنا الى ذروة توحيدك
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ من المترددين الشاكين المنصرفين بمتابعة العقل المشوب بالوهم عن الطريق المستبين وَلَا الضَّالِّينَ بتغريرات الدنيا الدنية وتسويلات الشياطين عن منهج الحق ومحجة اليقين آمِّينَ اجابة منك يا ارحم الراحمين
خاتمة سورة الفاتحة
عليك ايها المحمدي المتوجه نحو توحيد الذات يسر الله أمرك وبلغك املك ان تتأمل في الأبحر السبعة المشتملة عليها هذه السبع المثاني من القرآن العظيم المتفرعة على الصفات السبع الذاتية الإلهية الموافقة للسماوات السبع والكواكب السبعة الكونية وتتدبر فيها حق التدبر وتتصف بما رمز فيها من الأخلاق المرضية حتى تتخلص من الأودية السبعة الجهنمية المانعة من الوصول الى جنة الذات المستهلكة عندها جميع الإضافات والكثرات ولا يتيسر لك هذا التأمل والتدبر الا بعد تصفية ظاهرك بالشرائع النبوية والنواميس المصطفوية المستنبطة من الكلم القرآنية وباطنك بعزائمه وأخلاقه صلى الله عليه وسلّم المقتبسة من حكمها المودعة فيها فيكون القرآن الجامع لهما خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم
[سورة البقرة]
فاتحة سورة البقرة
لا يخفى على السالكين المتدرجين في مسالك التحقيق المتعطشين بزلال التوحيد ان الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق إذ ما من ذرة من ذرائر العالم الا وله طريق منها وأقوم الطرق وأحسنها وأوضح السبل وأبينها هو الذي اختاره الله سبحانه لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم ولورثته من الأولياء زاد الله فتوحهم في كتابه