تفسير سورة يونس

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة يونس من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
نزلت بمكة إلا ثلاث آيات وهي قوله سبحانه وتعالى :﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ﴾ إلى آخر الثلاثة آيات قاله ابن عباس وبه قال قتادة. وفي رواية أخرى : عن ابن عباس أن فيها من المدني قوله تعالى :﴿ ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به ﴾ الآية، هي مكية إلا آيتين وهي قوله سبحانه وتعالى :﴿ قل بفضل الله وبرحمته ﴾ والتي تليها وهي مائة وتسع آيات وألف وثمانمائة واثنتان وثلاثون كلمة وتسعة آلاف وتسعة وتسعون حرفا.

سورة يونس
نزلت بمكة إلا ثلاث آيات وهي قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ إلى آخر الثلاثة آيات قاله ابن عباس وبه قال قتادة. وفي رواية أخرى: عن ابن عباس أن فيها من المدني قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ الآية، وقال مقاتل: هي مكية إلا آيتين وهي قوله سبحانه وتعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ والتي تليها وهي مائة وتسع آيات وألف وثمانمائة واثنتان وثلاثون كلمة وتسعة آلاف وتسعة وتسعون حرفا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة يونس (١٠): آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١)
قوله عز وجل: الر قال ابن عباس والضحاك معناه أنا الله أرى وقال ابن عباس في رواية أخرى: عنه الر وحم ون حروف الرحمن مقطعة وبه قال سعيد بن جبير وسالم بن عبد الله وقال قتادة: الر اسم من أسماء القرآن وقيل هي اسم للسورة وقد تقدم الكلام في معنى الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما فيه كفاية تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ المراد في لفظ تلك الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة ويكون التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب وهو القرآن الذي أنزله الله إليك يا محمد وذلك أن الله عز وجل وعده أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا تغيره الدهور. وقيل: إن لفظة تلك للإشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن. والمعنى: أن تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم، وفيه قول آخر أن المراد بآيات الكتاب الكتب التي قبل القرآن حكاه الطبري عن قتادة. وروي عن مجاهد أنها التوراة والإنجيل فعلى هذا القول يكون التقدير أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة أو الإنجيل والمراد من الآيات القصص المذكورة في هذه السورة وهذا وإن كان له وجه فهو ضعيف لأن التوراة والإنجيل لم يجر لهما ذكر قريب حتى يشار إليهما وقيل: إن المراد من الآيات حروف الهجاء التي منها الر سميت آيات لأنها افتتاح السور وسر القرآن الْحَكِيمِ يعني المحكم الحلال والحرام والحدود والأحكام. فعيل: بمعنى مفعول. وقيل: الحكيم بمعنى الحاكم فعيل بمعنى فاعل لأن القرآن حاكم يميز بين الحق والباطل ويفصل الحلال من الحرام. وقيل: حكيم بمعنى المحكوم فيه فيعمل بمعنى مفعول. قال الحسن: حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. وقيل: إن الحكيم هو الذي يفعل الحكمة والصواب فمن حيث إنه يدل على الأحكام صار كأنه هو الحكيم في نفسه.

[سورة يونس (١٠): الآيات ٢ الى ٤]

أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤)
قوله سبحانه وتعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً قال ابن عباس: سبب نزول هذه الآية أن الله عز وجل لما بعث محمدا ﷺ رسولا أنكرت العرب ذلك ومن أنكر منهم قال: الله أعظم من أن يكون له رسول بشر مثل محمد فقال الله سبحانه وتعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ وقال سبحانه وتعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا الآية والهمزة في أكان همزة استفهام ومعناه الإنكار والتوبيخ والمعنى لا يكون ذلك عجبا أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ والعجب حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة. وقيل: العجب حالة تعتري الإنسان عند الجهل بسبب الشيء ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف سببه والمراد بالناس هنا أهل مكة وبالرجل محمد ﷺ منهم يعني من أهل مكة من قريش يعرفون نسبه وصدقه وأمانته أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ يعني خوفهم بعقاب الله تعالى إن أصروا على الكفر والمخالفة والإنذار إخبار مع تخويف كما أن البشارة إخبار مع سرور وهو قوله سبحانه وتعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ اختلفت عبارات المفسرين وأهل اللغة في معنى قدم صدق. فقال ابن عباس: أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم. وقال الضحاك: ثواب صدق. وقال مجاهد: الأعمال الصالحة صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم. وقال الحسن: عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه. وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول يعني في اللوح المحفوظ. وقال زيد بن اسلم: هو شفاعة محمد ﷺ وهو قول قتادة. وقيل: لهم منزلة رفيعة عند ربهم وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته كقوله مسجد الجامع وصلاة الأولى وحب الحصيد والفائدة في هذه الإضافة التنبيه على زيادة الفضل ومدح القدم لأن كل شيء أضيف إلى الصدق فهو ممدوح ومثله في مقعد صدق، وقال أبو عبيدة: كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم. يقال: لفلان قدم في الإسلام وقدم في الخير ولفلان عندي قدم صدق وقدم سوء. قال حسان بن ثابت:
لنا القدم العليا إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع
وقال الليث وأبو الهيثم القدم السابق والمعنى أنه قد سبق لهم عند الله خير قال ذو الرمة:
وأنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة لهم قدم معروفة ومفاخر
والسبب في إطلاق لفظ القدم على هذه المعاني أن السعي والسبق لا يحصل إلا بالقدم فسمى المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد. وقال ذو الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر
معناه لكم سابقة عظيمة لا ينكرها الناس وقال آخر:
صل لذي العرش واتخذ قدما تنجيك يوم العثار والزلل
وقوله سبحانه وتعالى: قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ وقرئ: لساحر مبين وفيه حذف تقديره أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم فلما جاءهم بالوحي وأنذرهم قال الكافرون: إن هذا لساحر، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم، وإنما نسبوه إلى السحر لما أتاهم بالمعجزات الباهرات التي لا يقدر أحد من البشر أن يحصل مثلها، ومن قرأ السحر فإنهم عنوا به القرآن المنزل عليه وإنما نسبوه إلى السحر لأن فيه الإخبار بالبعث والنشور وكانوا ينكرون ذلك.
قوله عز وجل :﴿ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ﴾ تقدم تفسير هذا في سورة الأعراف بما فيه كفاية. وقوله سبحانه وتعالى :﴿ يدبر الأمر ﴾ قال مجاهد : يقضيه وحده. وقيل : معنى التدبير، تنزيل الأمور في مراتبها وعلى أحكام عواقبها. وقيل : إنه سبحانه وتعالى يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة وهو النظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي. وقيل : معناه إنه سبحانه وتعالى يدبر أحوال الخلق وأحوال ملكوت السماوات والأرض فلا يحدث حدث في العالم العلوي ولا في العالم السفلي إلا بإرادته وتدبيره وقضائه وحكمته ﴿ ما من شفيع إلا من بعد إذنه ﴾ يعني : لا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له في الشفاعة لأنه عالم بمصالح عباده وبموضع الصواب والحكمة في تدبيرهم فلا يجوز لأحد أن يسأله ما ليس له به علم فإذا أذن له في الشفاعة كان له أن يشفع فيمن يأذن له فيه وفيه رد على كفار قريش في قولهم : إن الأصنام تشفع لهم عند الله يوم القيامة فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لأن له التصرف المطلق في جميع العالم ﴿ ذلكم الله ربكم ﴾ يعني الذي خلق هذه الأشياء ودبرها هو ربكم وسيدكم لا رب لكم سواه ﴿ فاعبدوه ﴾ أي فاجعلوا عبادتكم له لا لغيره لأنه المستحق للعبادة بما أنعم عليكم من النعم العظيمة ﴿ أفلا تذكرون ﴾ يعني أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الدلائل والآيات التي تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى.
﴿ إليه مرجعكم جميعاً ﴾ يعني إلى ربكم الذي خلق جميع المخلوقات مصيركم جميعاً أيها الناس يوم القيامة والمرجع بمعنى الرجوع ﴿ وعد الله حقاً ﴾ يعني وعدكم الله ذلك وعداً حقاً ﴿ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ أي يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم وهذا معنى قول مجاهد فإنه قاله يحييه ثم يميته ثم يحييه.
وفي هذه الآية دليل على إمكان الحشر والنشر والمعاد وصحة وقوعه ورد على منكري البعث ووقوعه، لأن القادر على خلق هذه الأجسام المؤلفة والأعضاء المركبة على غير مثال سبق، قادر على إعادتها بعد تفرقها بالموت والبلى، فيركب تلك الأجزاء المتفرقة تركيباً ثانياً ويخلق الإنسان الأول مرة أخرى وكما لم يمتنع تعلق هذه النفس بالبدن في المرة الأولى لم يمتنع تعلقها بالبدن مرة أخرى وإذا ثبت القول بصحة المعاد والبعث بعد الموت كان المقصود منها إيصال الثواب للمطيع والعقاب للعاصي وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ﴾ يعني بالعدل لا ينقص من أجورهم شيئاً ﴿ والذين كفروا لهم شراب من حميم ﴾ هو ماء حار قد انتهى حره ﴿ وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ﴾.
قوله عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ تقدم تفسير هذا في سورة الأعراف بما فيه كفاية.
وقوله سبحانه وتعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال مجاهد: يقضيه وحده. وقيل: معنى التدبير، تنزيل الأمور في مراتبها وعلى أحكام عواقبها. وقيل: إنه سبحانه وتعالى يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة وهو النظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي. وقيل: معناه إنه سبحانه وتعالى يدبر أحوال الخلق وأحوال ملكوت السموات والأرض فلا يحدث حدث في العالم العلوي ولا في العالم السفلي إلا بإرادته وتدبيره وقضائه وحكمته ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يعني: لا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له في الشفاعة لأنه عالم بمصالح عباده وبموضع الصواب والحكمة في تدبيرهم فلا يجوز لأحد أن يسأله ما ليس له به علم فإذا أذن له في الشفاعة كان له أن يشفع فيمن يأذن له فيه وفيه رد على كفار قريش في قولهم: إن الأصنام تشفع لهم عند الله يوم القيامة فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لأن له التصرف المطلق في جميع العالم ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ يعني الذي خلق هذه الأشياء ودبرها هو ربكم وسيدكم لا رب لكم سواه فَاعْبُدُوهُ أي فاجعلوا عبادتكم له لا لغيره لأنه المستحق للعبادة بما أنعم عليكم من النعم العظيمة أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الدلائل والآيات التي تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً يعني إلى ربكم الذي خلق جميع المخلوقات مصيركم جميعا أيها الناس يوم القيامة والمرجع بمعنى الرجوع وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا يعني وعدكم الله ذلك وعدا حقا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم وهذا معنى قول مجاهد فإنه قال يحييه ثم يميته ثم يحييه.
وفي هذه الآية دليل على إمكان الحشر والنشر والمعاد وصحة وقوعه ورد على منكري البعث ووقوعه، لأن القادر على خلق هذه الأجسام المؤلفة والأعضاء المركبة على غير مثال سبق، قادر على إعادتها بعد تفرقها بالموت والبلى، فيركب تلك الأجزاء المتفرقة تركيبا ثانيا ويخلق الإنسان الأول مرة أخرى وكما لم يمتنع تعلق هذه النفس بالبدن في المرة الأولى لم يمتنع تعلقها بالبدن مرة أخرى وإذا ثبت القول بصحة المعاد والبعث بعد الموت كان المقصود منه إيصال الثواب للمطيع والعقاب للعاصي وهو قوله سبحانه وتعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ يعني بالعدل لا ينقص من أجورهم شيئا وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ هو ماء حار قد انتهى حره وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٥ الى ٧]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً يعني ذات ضياء وَالْقَمَرَ نُوراً يعني ذا نور.
واختلف العلماء أصحاب الكلام في أن الشعاع الفائض من الشمس هل هو جسم أو عرض، والحق أنه عرض وهو كيفية مخصوصة فالنور اسم لأصل هذه الكيفية والضوء اسم لهذه الكيفية إذا كانت كاملة تامة قوية فلهذا خص الشمس بالضياء لأنها أقوى وأكمل من النور وخص القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء ولأنهما لو تساويا لم يعرف الليل من النهار فدل ذلك على أن الضياء المختص بالشمس أكمل وأقوى من النور المختص
تقدم تفسير هذه الآية في نظائرها.
﴿ إن الذين لا يرجون لقاءنا ﴾ يعني لا يخافون لقاءنا يوم القيامة فهم مكذبون بالثواب والعقاب والرجاء يكون بمعنى الخوف تقول العرب : فلان لا يرجو فلاناً بمعنى : لا يخافه، ومنه قوله سبحانه وتعالى ما لكم لا ترجون الله وقاراً ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها. . .
أي لم يخفه. والرجاء يكون بمعنى الطمع، فيكون المعنى : لا يطمعون في ثوابنا ﴿ ورضوا بالحياة الدنيا ﴾ يعني : اختاروها وعملوا في طلبها فهم راضون بزينة الدنيا وزخرفها ﴿ واطمأنوا بها ﴾ يعني وسكنوا إليها مطمئنين فيها وهذه الطمأنينة التي حصلت في قلوب الكفار من الميل إلى الدنيا ولذاتها أزالت عن قلوبهم الوجل والخوف فإذا سمعوا الإنذار والتخويف لم يصل ذلك إلى قلوبهم ﴿ والذين هم عن آياتنا غافلون ﴾ قيل المراد بالآيات أدلة التوحيد.
وقال ابن عباس : عن آياتنا يعني عن محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ؛ غافلون : أي معرضون.
بالقمر وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ قيل: الضمير في وقدّره يرجع إلى الشمس والقمر والمعنى قدر لهما منازل أو قدر لسيرهما منازل لا يجاوزانهما في السير ولا يقصران عنهما وإنما وحد الضمير في وقدره للإيجاز أو اكتفى بذكر أحدهما دون الآخر فهو كقوله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وقيل: الضمير في وقدره يرجع إلى القمر وحده لأن سير القمر في المنازل أسرع وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين وذلك لأن الشهور المعتبرة في الشرع مبنية على رؤية الأهلة والسنة المعتبرة في الشرع هي السنة القمرية لا الشمسية ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة: وهي الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت، فهذه منازل القمر وهي مقسومة على اثني عشر برجا وهي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، لكل برج منزلان وثلث منزل وينزل القمر كل ليلة منزلا منهما إلى انقضاء ثمانية وعشرين ليلة ثم يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين وإن كان تسعا وعشرين اختفى ليلة واحدة لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ يعني قدر هذه المنازل لتعلموا بها عدد السنين ووقت دخولها وانقضائها وَالْحِسابَ يعني: ولتعلموا حساب الشهور والأيام والساعات ونقصانها وزيادتها ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يعني للحق وإظهار قدرته ودلائل وحدانيته ولم يخلق ذلك باطلا ولا عبثا يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني يبين دلائل التوحيد بالبراهين القاطعة لقوم يستدلون بها على قدرة الله ووحدانيته إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ تقدم تفسير هذه الآية في نظائرها إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني لا يخافون لقاءنا يوم القيامة فهم مكذبون بالثواب والعقاب والرجاء يكون بمعنى الخوف تقول العرب: فلان لا يرجو فلانا بمعنى: لا يخافه، ومنه قوله سبحانه وتعالى ما لكم لا ترجون الله وقارا ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها أي لم يخفه. والرجاء يكون بمعنى الطمع، فيكون المعنى: لا يطمعون في ثوابنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا يعني: اختاروها وعملوا في طلبها فهم راضون بزينة الدنيا وزخرفها وَاطْمَأَنُّوا بِها يعني وسكنوا إليها مطمئنين فيها وهذه الطمأنينة التي حصلت في قلوب الكفار من الميل إلى الدنيا ولذاتها أزالت عن قلوبهم الوجل والخوف فإذا سمعوا الإنذار والتخويف لم يصل ذلك إلى قلوبهم وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ قيل المراد بالآيات أدلة التوحيد.
وقال ابن عباس: عن آياتنا يعني عن محمد ﷺ والقرآن غافلون: أي معرضون.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٨ الى ١١]
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني: من الكفر والتكذيب والأعمال الخبيثة.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يعني يهديهم ربهم إلى الجنان
429
ثوابا لهم بإيمانهم وأعمالهم الصالحة وقال مجاهد: يهديهم على الصراط إلى الجنة: يجعل لهم نورا يمشون به.
وقال قتادة: بلغنا أن المؤمن إذا خرج من قبره يصور له عمله في صورة حسنة فيقول له: من أنت فيقول:
أنا عملك. فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة، والكافر بالضد، فلا يزال به عمله حتى يدخله النار وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون المعنى أن الله يزيدهم هداية بخصائص ولطائف وبصائر ينور بها قلوبهم ويزيل بها الشكوك عنهم ويجوز أن يكون المعنى ويثبتهم على الهداية وقيل معناه بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يعني بين أيديهم ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم فهو كقوله سبحانه وتعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا لم يرد به أنه تحتها وهي قاعدة عليه بل أراد بين يديها. وقيل: تجري بأمرهم فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يعني ذلك لهم جنات النعيم دَعْواهُمْ فِيها أي قولهم وكلامهم فيها. وقيل:
الدعوى بمعنى الدعاء أي دعاؤهم فيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وهي كلمة تنزيه لله تعالى من كل سوء ونقيصة. قال أهل التفسير: هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام فإذا أرادوا الطعام قالوا: سبحانك اللهم فيأتونهم في الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل في ميل على كل مائدة سبعون ألف صحفة في كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تبارك وتعالى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وقيل: إن المراد بقوله سبحانك اللهم اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد والتقديس لله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله وفي هذا الذكر والتحميد سرورهم وابتهاجهم وكمال لذتهم ويدل عليه ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وفي رواية التسبيح والحمد» أخرجه مسلم.
قوله جشاء أي يخرج ذلك الطعام جشاء وعرقا.
وقوله سبحانه وتعالى: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يعني يحيي بعضهم بعضا بالسلام. وقيل: تحييهم الملائكة بالسلام وقيل تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قد ذكرنا أن جماعة من المفسرين حملوا التسبيح والتحميد على أحوال أهل الجنة بسبب المأكول والمشروب وأنهم إذا اشتهوا شيئا قالوا: سبحانك اللهم فيحضر ذلك الشيء وإذا فرغوا منه. قالوا: الحمد لله رب العالمين فترفع الموائد عند ذلك وقال الزجاج: أعلم الله أهل الجنة يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه ويختمون بشكره والثناء عليه. وقيل: إنهم يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد. وقيل: إنهم يلهمون ذلك كما ذكر في الحديث قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ يعني ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر بما لهم فيه مضرة ومكروه في نفس أو مال. قال ابن عباس: هذا في قول الرجل لأهله وولده عند الغضب لعنكم الله لا بارك الله فيكم. وقال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وماله وأهله وولده بما يكره أن يستجاب له فيه اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ يعني كاستعجالهم بالخير وكما يحبون أن يعجل لهم إجابة دعائهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ يعني لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعا والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته والاستعجال طلب العجلة.
وقال ابن قتيبة: إن الناس عند الغضب والضجر قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال يقال لو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم يعني: لفرغ من هلاكهم ولكن الله عز وجل بفضله وكرمه يستجيب للداعي بالخير ولا يستجيب له في الشر. وقيل: إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فعلى هذا يكون المعنى ولو يعجل الله للكافرين العذاب كما عجل لهم
430
قوله عز وجل :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ﴾ يعني يهديهم ربهم إلى الجنان ثواباً لهم بإيمانهم وإعمالهم الصالحة وقال مجاهد : يهديهم على الصراط إلى الجنة : يجعل لهم نوراً يمشون به.
وقال قتادة : بلغنا أن المؤمن إذا خرج من قبره يصور له عمله في صورة حسنة فيقول له : من أنت فيقول : أنا عملك. فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة، والكافر بالضد، فلا يزال به عمله حتى يدخله النار وقال ابن الأنباري : يجوز أن يكون المعنى أن الله يزيدهم هداية بخصائص ولطائف وبصائر ينور بها قلوبهم ويزيل بها الشكوك عنهم ويجوز أن يكون المعنى ويثبتهم على الهداية وقيل معناه بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم ﴿ تجري من تحتهم الأنهار ﴾ يعني بين أيديهم ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم فهو كقوله سبحانه وتعالى :﴿ قد جعل ربك تحتك سرياً ﴾ لم يرد به أنه تحتها وهي قاعدة عليه بل أراد بين يديها. وقيل : تجري بأمرهم ﴿ في جنات النعيم ﴾ يعني ذلك لهم جنات النعيم.
﴿ دعواهم فيها ﴾ أي قولهم وكلامهم فيها. وقيل : الدعوى بمعنى الدعاء أي دعاؤهم فيها ﴿ سبحانك اللهم ﴾ وهي كلمة تنزيه لله تعالى من كل سوء ونقيصة. قال أهل التفسير : هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام فإذا أرادوا الطعام قالوا : سبحانك اللهم فيأتونهم في الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل في ميل على كل مائدة سبعون ألف صحفة في كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضاً فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تبارك وتعالى :﴿ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ﴾ وقيل : إن المراد بقوله سبحانك اللهم اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد والتقديس لله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله وفي هذا الذكر والتحميد سرورهم وابتهاجهم وكمال لذتهم ويدل عليه ما روي عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وفي رواية التسبيح والحمد » أخرجه مسلم.
قوله جشاء أي يخرج ذلك الطعام جشاء وعرقاً.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وتحيتهم فيها سلام ﴾ يعني يحيي بعضهم بعضاً بالسلام. وقيل : تحييهم الملائكة بالسلام وقيل تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام ﴿ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ﴾ قد ذكرنا أن جماعة من المفسرين حملوا التسبيح والتحميد على أحوال أهل الجنة بسبب المأكول والمشروب وأنهم إذا اشتهوا شيئاً قالوا : سبحانك الله فيحضر ذلك الشيء وإذا فرغوا منه. قالوا : الحمد لله رب العالمين فترفع الموائد عند ذلك وقال الزجاج : أعلم الله أهل الجنة يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه ويختمون بشكره والثناء عليه. وقيل : إنهم يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد. وقيل : إنهم يلهمون ذلك كما ذكر في الحديث.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر ﴾ يعني ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر بما لهم فيه مضرة ومكروه في نفس أو مال. قال ابن عباس : هذا في قول الرجل لأهله وولده عند الغضب لعنكم الله لا بارك الله فيكم. وقال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وماله وأهله وولده بما يكره أن يستجاب له فيه ﴿ استعجالهم بالخير ﴾ يعني كاستعجالهم بالخير وكما يحبون أن يعجل لهم إجابة دعائهم بالخير ﴿ لقضي إليهم أجلهم ﴾ يعني لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعاً والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته والاستعجال طلب العجلة.
وقال ابن قتيبة : إن الناس عند الغضب والضجر قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال يقال لو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم يعني : لفرغ من هلاكهم ولكن الله عز وجل بفضله وكرمه يستجيب للداعي بالخير ولا يستجيب له في الشر. وقيل : إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فعلى هذا يكون المعنى ولو يعجل الله للكافرين العذاب كما عجل لهم خير الدنيا من المال والولد لعجل قضاء آجالهم ولهلكوا جميعاً ويدل على صحة هذا القول قوله سبحانه وتعالى :﴿ فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ﴾ يعني فندع الذين لا يخافون عقابنا ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت ﴿ في طغيانهم ﴾ يعني في تمردهم وعتوهم ﴿ يعمهون ﴾ يعني يترددون ( ق ).
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اللهم إني اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة واجعل ذلك كفارة له يوم القيامة ».
خير الدنيا من المال والولد لعجل قضاء آجالهم ولهلكوا جميعا ويدل على صحة هذا القول قوله سبحانه وتعالى:
فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني فندع الذين لا يخافون عقابنا ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت فِي طُغْيانِهِمْ يعني في تمردهم وعتوهم يَعْمَهُونَ يعني يترددون (ق).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة واجعل ذلك كفارة له يوم القيامة» قوله عز وجل:
[سورة يونس (١٠): الآيات ١٢ الى ١٤]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ أي الشدة والجهد والمراد بالإنسان في هذه الآية الكافر دَعانا لِجَنْبِهِ أي على جنبه مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يريد جميع حالاته لأن الإنسان لا ينفك عن إحدى هذه الحالات الثلاث والمعنى أن المضرور لا يزال داعيا في جميع حالاته إلى أن ينكشف ضره سواء كان مضطجعا أو قائما أو قاعدا وهذا القول فيه بعد لأن ذكر الدعاء إلى هذه الأحوال أقرب من ذكر الضر فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ يعني فلما أزلنا عنه ما نزل به من الضر ودفعنا عنه مَرَّ يعني على طريقته الأولى قبل مس الضر كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا فيه حذف تقديره كأنه لم يدعنا وإنما أسقط الضمير على سبيل التخفيف إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ والمعنى أنه استمر على حالته الأولى قبل أن يمسه الضر ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء والضيق والفقر كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني مثل ما زين لهذا الكافر هذا العمل القبيح كذلك زين للمسرفين والمزين هو الله سبحانه وتعالى لأنه مالك الملك والخلق كلهم عبيدة يتصرف فيهم كيف يشاء وقيل المزين هو الشيطان وذلك بأقدار الله إياه على ذلك والمسرف هو المجاوز الحد في كل شيء وإنما سمي الكافر مسرفا لأنه أتلف نفسه وضيعها في عبادة الأصنام وأتلف ماله وضيعه في البحائر والسوائب وما كانوا ينفقونه على الأصنام وسدنتها يعني خدامها. وقال ابن جريج: في قوله كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون يعني من الدعاء عند المصيبة وترك الشكر عند الرخاء.
وقيل: كما زين لكم أعمالكم كذلك زين للمسرفين الذين كانوا من قبلكم أعمالهم. وبيان مقصود الآية أن الإنسان قليل الصبر عند نزول البلاء قليل الشكر عند حصول النعماء والرخاء فإذا مسه الضر أقبل على الدعاء والتضرع في جميع حالاته مجتهدا في الدعاء طالبا من الله إزالة ما نزل به من المحنة والبلاء فإذا كشف الله ذلك عنه أعرض عن الشكر ورجع إلى ما كان عليه أولا وهذه حالة الغافل الضعيف اليقين فأما المؤمن العاقل فإنه بخلاف ذلك فيكون صابرا عند البلاء شاكر الله عند الرخاء والنعماء كثير التضرع والدعاء في جميع أوقات الراحة والرفاهية وهاهنا مقام أعلى من هذا وهو أن المؤمن إذا ابتلي ببلية أو نزل به مكروه يكون مع صبره على ذلك راضيا بقضاء الله غير معرض بالقلب عنه بل يكون شاكرا لله عز وجل في جميع أحواله وليعلم العبد المؤمن أن الله تبارك وتعالى مالك الملك على الإطلاق حكيم في جميع أفعاله وله التصرف في خلقه بما يشاء ويعلم أنه إن أبقاه على تلك المحنة فهو عدل وإن أزالها عنه فهو فضل.
قوله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني أهلكنا الأمم الماضية من قبلكم يخوف بذلك كفار مكة لَمَّا ظَلَمُوا يعني لما أشركوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني فكذبوهم وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا
قوله سبحانه وتعال :﴿ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم ﴾ يعني أهلكنا الأمم الماضية من قبلكم يخوف بذلك كفارة مكة ﴿ لما ظلموا ﴾ يعني لما أشركوا ﴿ وجاءتهم رسلهم بالبينات ﴾ يعني فكذبوهم ﴿ وما كانوا ليؤمنوا ﴾ يعني : هذه الأمم برسلهم ويصدقوهم بما جاؤوا به من عند الله ﴿ كذلك نجزي القوم المجرمين ﴾ يعني : كما أهلكنا الأمم الخالية لما كذبوا رسلهم كذلك نهلككم أيها المشركون بتكذيبكم محمداً صلى الله عليه وسلم.
﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ﴾ الخطاب لأهل مكة الذين أرسل فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى ثم جعلناكم أيها الناس خلفاء في الأرض من بعد القرون الماضية الذين أهلكناهم ﴿ لننظر كيف تعملون ﴾ يعني خيراً أو شراً فنعاملكم على حسب أعمالكم والنظر هنا بمعنى العلم يريد لنختبر أعمالكم وهو يعلم ما يكون قبل أن يكون. قال أهل المعاني : معنى النظر، هو طلب العلم وجاز في وصف الله سبحانه وتعالى إظهاراً للعدل لأنه سبحانه وتعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه كقوله تبارك وتعالى :﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ﴾ ذكره الواحدي والرازي ( م ) عن سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الدنيا حلوة خصرة وأن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واحذروا فتنة النساء » أخرجه مسلم قوله فاتقوا الدنيا معناه احذروا فتنة الدنيا واحذروا فتنة النساء.
يعني: هذه الأمم برسلهم ويصدقوهم بما جاءوا به من عند الله كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يعني: كما أهلكنا الأمم الخالية لما كذبوا رسلهم كذلك نهلككم أيها المشركون بتكذيبكم محمدا ﷺ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ الخطاب لأهل مكة الذين أرسل فيهم رسول الله ﷺ والمعنى ثم جعلناكم أيها الناس خلفاء في الأرض من بعد القرون الماضية الذين أهلكناهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني خيرا أو شرا فنعاملكم على حسب أعمالكم والنظر هنا بمعنى العلم يريد لنختبر أعمالكم وهو يعلم ما يكون قبل أن يكون. قال أهل المعاني: معنى النظر، هو طلب العلم وجاز في وصف الله سبحانه وتعالى إظهارا للعدل لأنه سبحانه وتعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه كقوله تبارك وتعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ذكره الواحدي والرازي (م) عن سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واحذروا فتنة النساء» أخرجه مسلم قوله فاتقوا الدنيا معناه احذروا فتنة الدنيا واحذروا فتنة النساء.
[سورة يونس (١٠): الآيات ١٥ الى ١٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
قوله سبحانه وتعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعني وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتابنا الذي أنزلناه إليك يا محمد بينات يعني واضحات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوتك قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يعني قال هؤلاء المشركون الذين لا يخافون عذابنا ولا يرجون ثوابنا لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت وكل من كان منكرا للبعث فإنه لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قال قتادة: قال ذلك مشركو مكة، وقال مقاتل: هم خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام، قال هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن غير هذا ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وإن لم ينزله الله عليك فقل أنت من عند نفسك أو بدله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ومكان حرام حلالا ومكان حلال حراما.
قال الإمام فخر الدين الرازي: اعلم أن إقدام الكفار على هذا الالتماس يحتمل وجهين: أحدهما، أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء وهو قولهم لو جئتنا بقرآن غير هذا القرآن أو بدلته لآمنا بك وغرضهم السخرية والاستهزاء. الثاني: أن يكونوا قالوا ذلك على سبيل التجربة والامتحان حتى أنه لو فعل ذلك علموا أنه كان كاذبا في قوله: إن هذا القرآن ينزل عليه من عند الله. ومعنى قوله: ائت بقرآن غير هذا أو بدله يحتمل أن يأتي بقرآن آخر مع وجود هذه القرآن والتبديل لا يكون إلا مع وجوده وهو أن يبدل بعض آياته بغيرها كما طلبوه ولما سألوا رسول الله ﷺ أمره الله أن يجيبهم بقوله قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يعني أن هذا الذي طلبتموه من التبديل ليس إليّ وما ينبغي لي أن أغيره من قبل نفسي ولم أومر به إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعني فيما آمركم به أو أنهاكم عنه وما أخبركم إلا ما يخبرني الله به وإن الذي أتيتكم به هو من عند الله لا من عندي إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أي: قل لهم يا محمد إني أخشى من الله
432
إن خالفت أمره أو غيرت أحكام كتابه أو بدلته فعصيته بذلك أن يعذبني بعذاب عظيم في يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قوله سبحانه وتعالى: قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ يعني لو شاء الله لم ينزل علي هذا القرآن ولم يأمرني بقراءته عليكم وَلا أَدْراكُمْ بِهِ قال ابن عباس: ولا أدراكم الله به ولا أعلمكم به فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يعني فقد مكثت فيكم قبل أن يوحى إلي هذا القرآن مدة أربعين سنة لم آتكم بشيء ووجه هذا الاحتجاج أن كفار مكة كانوا قد شاهدوا رسول الله ﷺ قبل مبعثه وعلموا أحواله وأنه كان أميا لم يطالع كتابا ولا تعلم من أحد مدة عمره قبل الوحي وذلك أربعون سنة ثم بعد الأربعين جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس العلوم وأخبار الماضين وفيه من الأحكام والآداب ومكارم الأخلاق والفصاحة والبلاغة ما أعجز البلغاء والفصحاء عن معارضته فكل من له عقل سليم وفكر ثاقب يعلم أن هذا لم يحصل إلا بوحي من الله تعالى لا من عند نفسه وهو قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني أن هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ لا من قبل نفسي (ق) عن ابن عباس قال: أنزل على رسول الله ﷺ وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم: وفي رواية أن رسول الله ﷺ أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وفي رواية أن النبي ﷺ أقام بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين يوحى إليه وأقام بالمدينة عشرا أو توفي وهو ابن خمس وستين سنة أخرجاه في الصحيحين (ق) عن عائشة قالت:
توفي رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين سنة. أخرجاه في الصحيحين (م) عن أنس قال: قبض رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين أخرجه مسلم (ق).
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت أنس بن مالك يصف رسول الله ﷺ يقول: كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي وبالمدينة عشرا وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. أخرجاه في الصحيحين قال الشيخ محيي الدين النووي:
ورد في عمره ﷺ ثلاث روايات إحداها أنه ﷺ توفي وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون سنة والثالثة ثلاث وستون سنة وهو أصحها وأشهرها رواها مسلم من حديث أنس وعائشة وابن عباس واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون سنة وتأولوا الباقي عليه فرواية ستين سنة اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضا بأنها حصل فيها اشتباه. قوله: يسمع الصوت، يعني صوت الهاتف من الملائكة ويرى الضوء يعني ضوء الملائكة أو نور آيات الله حتى رأى الملك بعينه وشافه بالوحي من الله عز وجل وقوله ليس بالأبيض الأمهق المراد به الشديد البياض كلون الجص وهو كريه المنظر وربما توهم الناظر أنه برص. والمراد: أنه كان أزهر اللون بين البياض والحمرة.
قوله عز وجل: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعني فزعم أن له شريكا وولدا والمعنى: أني لم أفتر على الله كذبا ولم أكذب عليه في قولي إن هذا القرآن من عند الله وأنتم قد افتريتم على الله الكذب فزعمتم أن له شريكا وولدا والله تعالى منزه عن الشريك والولد وقيل: معناه إن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله لما كان أحد في الدنيا أظلم على نفسه مني من حيث إني افتريته على الله ولما كان هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ وجب أن يقال ليس أحد في الدنيا أجهل ولا أظلم على نفسه منكم من حيث إنكم أنكرتم أن يكون هذا القرآن من عند الله فقد كذبتم بآياته وهو قوله تعالى: أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ يعني جحد بكون القرآن من عند الله وأنكر دلائل
433
قوله سبحانه وتعالى :﴿ قل ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله ﴿ لو شاء الله ما تلوته عليكم ﴾ يعني لو شاء الله لم ينزل علي هذا القرآن ولم يأمرني بقراءته عليكم ﴿ ولا أدراكم به ﴾ قال ابن عباس : ولا أدراكم الله به ولا أعلمكم به ﴿ فقد لبثت فيكم عمراً من قبله ﴾ يعني فقد مكثت فيكم قبل أن يوحى إلي هذا القرآن مدة أربعين سنة لم آتكم بشيء ووجه هذا الاحتجاج أن كفار مكة كانوا قد شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وعلموا أحواله وأنه كان أمياً لم يطالع كتاباً ولا تعلم من أحد مدة عمره قبل الوحي وذلك أربعون سنة ثم بعد الأربعين جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس العلوم وأخبار الماضين وفيه من الأحكام والآداب ومكارم الأخلاق والفصاحة والبلاغة ما أعجز البلغاء والفصحاء عن معارضته فكل من له عقل سليم وفكر ثاقب يعلم أن هذا لم يحصل إلا بوحي من الله تعالى لا من عند نفسه وهو قوله ﴿ أفلا تعقلون ﴾ يعني أن هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ لا من قبل نفسي ( ق ) عن ابن عباس قال : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم : في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وفي رواية أن النبي أقام بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئاً وثمان سنين يوحى إليه وأقام بالمدينة عشراً أو توفي وهو ابن خمس وستين سنة أخرجاه في الصحيحين ( ق ) عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة. أخرجاه في الصحيحين ( م ) عن أنس قال : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين أخرجه مسلم ( ق ).
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت أنس بن مالك يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي وبالمدينة عشراً وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعره بيضاء. أخرجاه في الصحيحين قال الشيخ محيي الدين النووي : ورد في عمره صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات إحداها أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون سنة والثالثة ثلاث وستون سنة وهو أصحها وأشهرها رواها مسلم من حديث أنس وعائشة وابن عباس واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون سنة وتأولوا الباقي عليه فرواية ستين سنة اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضاً بأنها حصل فيها اشتباه. قوله : يسمع الصوت، يعني صوت الهاتف من الملائكة ويرى الضوء يعني ضوء الملائكة أو نور آيات الله حتى رأى الملك بعينه وشافه بالوحي من الله عز وجل وقوله ليس بالأبيض الأمهق المراد به الشديد البياض كلون الجص وهو كريه المنظر وربما توهم الناظر أنه برص. والمراد : أنه كان أزهر اللون البياض والحمرة.
قوله عز وجل :﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ﴾ يعني فزعم أن له شريكاً وولداً والمعنى : أني لم أفتر على الله كذباً ولم أكذب عليه في قولي إن هذا القرآن من عند الله وأنتم قد افترتيم على الله الكذب فزعمتم أن له شريكاً وولداً والله تعالى منزه عن الشريك والولد وقيل : معناه إن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله لما كان أحد في الدنيا أظلم على نفسه مني من حيث إني أفتريته على الله ولما كان هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ وجب أن يقال ليس أحد في الدنيا أجهل ولا أظلم على نفسه منكم من حيث إنكم أنكرتم أن يكون هذا القرآن من عند الله فقد كذبتم بآياته وهو قوله تعالى :﴿ أو كذب بآياته ﴾ يعني جحد بكون القرآن من عند الله وأنكر دلائل التوحيد ﴿ إنه لا يفلح المجرمون ﴾ يعني المشركون وهذا وعيد وتأكيد لما سبق.
التوحيد إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ يعني المشركون وهذا وعيد وتأكيد لما سبق.
[سورة يونس (١٠): الآيات ١٨ الى ٢١]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ يعني: ويعبد هؤلاء المشركون الأصنام التي لا تضرهم إن عصوها وتركوا عبادتها ولا تنفعهم إن عبدوها لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع وإن العبادة أعظم أنواع التعظيم فلا تليق إلا بمن يضر وينفع ويحيي ويميت وهذه الأصنام جماد وحجارة لا تضر ولا تنفع وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ يعني الأصنام التي يعبدونها شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قال أهل المعاني: توهموا أن عبادتها أشد من تعظيم الله من عبادتهم إياه وقالوا لسنا بأهل أن نعبد الله ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام فإنها تكون شافعة لنا عند الله ومنه قوله سبحانه وتعالى إخبارا عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى وفي هذه الشفاعة قولان:
أحدهما: أنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الآخرة قاله ابن جريج عن ابن عباس.
والثاني: أنها تشفع لهم في الدنيا في إصلاح معايشهم قاله الحسن لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثا بعد الموت قُلْ أي قل لهم يا محمد أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يعني: أتخبرون الله أن له شريكا ولا يعلم الله لنفسه شريكا في السموات ولا في الأرض. وهذا على طريق الإلزام. المقصود: نفي علم الله بذلك الشفيع وأنه لا وجود له البتة لأنه لو كان موجودا لعلمه الله وحيث لم يكن معلوما لله وجب أن لا يكون موجودا ومثل هذا مشهور في العرف فإن الإنسان إذا أراد نفي شيء حصل في نفسه يقول: ما علم الله ذلك مني مقصوده أنه ما حصل ذلك الشيء منه قط ولا وقع سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن الشركاء والأضداد والأنداد وتعالى أن يكون له شريك في السموات والأرض ولا يعلمه.
قوله سبحانه وتعالى: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يعني: فتفرقوا إلى مؤمن وكافر يعني كانوا جميعا على الدين الحق وهو دين الإسلام ويدل على ذلك أن آدم عليه السلام وذريته كانوا على دين الإسلام إلى أن قتل قابيل هابيل ثم اختلفوا. وقيل: بقوا على ذلك إلى زمن نوح عليه السلام ثم اختلفوا فبعث الله نوحا.
وقيل: إنهم كانوا على دين الإسلام وقت خروج نوح ومن معه من السفينة ثم اختلفوا بعد ذلك وقيل كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. فعلى هذا القول، يكون المراد من الناس في قوله وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً العرب خاصة.
وقيل: كان الناس أمة واحدة في الكفر. وهذا القول منقول عن جماعة من المفسرين ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وتقديره: أنه لا مطمع في أن يصير الناس على دين واحد فإنهم كانوا أولا على الكفر وإنما أسلم بعضهم ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: كان الناس أمة واحدة. وليس في الآية ما يدل على أي دين كانوا من إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج. وقيل:
434
معناه أنهم كانوا في أول الخلق على الفطرة السليمة الصحيحة ثم اختلفوا في الأديان وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:
«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» والمراد بالفطرة في الحديث، فطرة الإسلام.
قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني أنه سبحانه وتعالى جعل لكل أمة أجلا وقضى بذلك في سابق الأزل، قال الكلبي: هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين وكان ذلك فصلا بينهم فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وقال الحسن: ولولا كلمة سبقت من ربك يعني مضت في حكمة الله أنه لا يقضي عليهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون يوم القيامة لقضى بينهم في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بإيمانهم وأدخل الكافرين النار بكفرهم ولكن سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة وقيل سبق من الله أنه لا يؤاخذ أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه. وقيل: الكلمة التي سبقت من الله هي قوله:
إن رحمتي سبقت غضبي ولولا رحمته، لعجل لهم العقوبة في الدنيا ولكن أخرهم برحمته إلى يوم القيامة ثم يقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون يعني في الدنيا وَيَقُولُونَ يعني كفار مكة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني هلا نزل على محمد ما نقترحه عليه من الآيات فَقُلْ أي: فقل لهم يا محمد إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ يعني إن الذي سألتمونيه هو من الغيب وإنما الغيب لله لا يعلم أحد ذلك إلا هو والمعنى لا يعلم أحد متى نزول الآية إلا هو فَانْتَظِرُوا يعني نزولها إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وقيل معناه فانتظروا قضاء الله بيننا بإظهار المحق على المبطل إني معكم من المنتظرين قوله عز وجل: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً يعني رخاء ونعمة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ يعني من بعد شدة وبلاء وضيق في العيش أصابهم والمراد بالناس هنا: كفار مكة، وذلك أن الله سبحانه وتعالى حبس عنهم المطر سبع سنين حتى هلكوا من الجوع والقحط، ثم إن الله سبحانه وتعالى رحمهم، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد وعاش الناس بعد ذلك الضر فلم يتعظوا بذلك بل رجعوا إلى الفساد والكفر والمكر وهو قوله سبحانه وتعالى: إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قال مجاهد: أي تكذيب واستهزاء وقال مقاتل وابن حيان: لا يقولون هذا رزق الله إنما يقولون سقينا بنوء كذا وكذا. ويدل على صحة هذا القول ما روي عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف، أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» أخرجاه في الصحيحين. قوله: على أثر سماء كانت من الليل أي مطر كان قد وقع في الليل وسمي المطر سماء لأنه يقطر من السماء. والأنواء عند العرب: هي منازل القمر إذا طلع نجم سقط نظيره وكانوا يعتقدون في الجاهلية أنه لا بد عند ذلك من وجود مطر أو ريح كما يزعم المنجمون أيضا فمن العرب من يجعل ذلك التأثير للطالع لأنه ناء أي ظهر وطلع ومنهم من ينسبه للغارب فنفى النبي عليه السلام صحة ذلك ونهى عنه وكفّر معتقده إذا اعتقد أن النجم فاعل ذلك التأثير وأما من يجعله دليلا، فهو جاهل بمعنى الدلالة. وأما من أسند ذلك إلى العادة التي يجوز انخرامها فقد كرهه قوم وحرمه قوم ومنهم من تأول الكفر بكفر نعمة الله والله أعلم وسمى تكذيبهم بآيات الله مكرا لأن المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجهه الظاهر بنوع من الحيلة وكان كفار مكة يحتالون في دفع آيات الله بكل ما يقدرون عليه من المفاسد: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً أي:
قل لهم يا محمد الله أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء وإن عذابه في هلاكهم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ولما قابلوا نعمة الله بالمكر، قابل مكرهم بمكر أشد منه وهو إمهالهم إلى يوم القيامة إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ يعني الحفظة الكرام الكاتبين يكتبون ويحفظون عليهم الأعمال القبيحة السيئة إلى يوم القيامة حتى يفتضحوا بها ويجزون على مكرهم قوله تعالى:
435
قوله سبحانه وتعالى :﴿ وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ﴾ يعني : فتفرقوا إلى مؤمن وكافر يعني كانوا جميعاً الدين الحق وهو دين الإسلام ويدل على ذلك أن آدم عليه السلام وذريته كانوا على دين الإسلام إلى أن قتل قابيل هابيل ثم اختلفوا. وقيل : بقوا على ذلك إلى زمن نوح عليه السلام ثم اختلفوا فبعث الله نوحاً. وقيل : إنهم كانوا على دين الإسلام وقت خروج نوح ومن معه من السفينة ثم اختلفوا بعد ذلك وقيل كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. فعلى هذا القول، يكون المراد من الناس في قوله ﴿ وما كان الناس إلا أمة واحدة ﴾ العرب خاصة.
وقيل : كان الناس أمة واحدة في الكفر. وهذا لقول منقول عن جماعة من المفسرين ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة :﴿ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ﴾ وتقديره : أنه لا مطمع في أن يصير الناس على دين واحد فإنهم كانوا أولاً على الكفر وإنما أسلم بعضهم ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : كان الناس أمة واحدة. وليس في الآية ما يدل على أي دين كانوا من إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج. وقيل : معناه أنهم كانوا في أول الخلق على الفطرة السليمة الصحيحة ثم اختلفوا في الأديان وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم :«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » والمراد بالفطرة في الحديث، فطرة الإسلام. قوله سبحانه وتعالى ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى جعل لكل أمة أجلاً وقضى بذلك في سابق الأزل، وقال الكلبي : هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب ﴿ لقضي بينهم ﴾ يعني بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين وكان ذلك فصلاً بينهم ﴿ فيما فيه يختلفون ﴾ وقال الحسن : ولولا كلمة سبقت من ربك يعني مضت في حكمة الله أنه لا يقضي عليهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة لقضى بينهم في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بإيمانهم وأدخل الكافرين النار بكفرهم ولكن سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة وقيل سبق من الله أنه لا يؤاخذ أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه. وقيل : الكلمة التي سبقت من الله هي قوله :« إن رحمتي سبقت غضبي » ولولا رحمته، لعجل لهم العقوبة في الدنيا ولكن أخرهم برحمته إلى يوم القيامة ثم يقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون يعني في الدنيا.
﴿ ويقولون ﴾ يعني كفار مكة ﴿ لولا أنزل عليه آية من ربه ﴾ يعني هلا نزل على محمد ما نقترحه عليه من الآيات ﴿ فقل ﴾ أي : فقل لهم يا محمد ﴿ إنما الغيب لله ﴾ يعني إن الذي سألتمونيه هو من الغيب وإنما الغيب لله لا يعلم أحد ذلك إلا هو والمعنى لا يعلم أحد متى نزول الآية إلا هو ﴿ فانتظروا ﴾ يعني نزولها ﴿ إني معكم من المنتظرين ﴾ وقيل معناه فانتظروا قضاء الله بيننا بإظهار المحق على المبطل إني معكم من المنتظرين.
قوله عز وجل :﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة ﴾ يعني رخاء ونعمة ﴿ من بعد ضراء مستهم ﴾ يعني من بعد شدة وبلاء وضيق في العيش أصابهم والمراد بالناس هنا : كفار مكة، وذلك أن الله سبحانه وتعالى حبس عنهم المطر سبع سنين حتى هلكوا من الجوع والقحط، ثم إن الله سبحانه وتعالى رحمهم، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد وعاش الناس بعد ذلك الضر فلم يتعظوا بذلك بل رجعوا إلى الفساد والكفر والمكر وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ إذا لهم مكر في آياتنا ﴾ قال مجاهد : أي تكذيب واستهزاء وقال مقاتل وابن حيان : لا يقولون هذا رزق الله إنما يقولون سقينا بنوء كذا وكذا. ويدل على صحة هذا القول ما روي عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف، أقبل على الناس فقال :«هل تدرون ماذا قال ربكم » ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : قال «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بين مؤمن بالكواكب » أخرجاه في الصحيحين. قوله : على أثر سماء كانت من الليل أي مطر كان قد وقع في الليل وسمي المطر سماء لأنه يقطر من السماء. والأنواء عند العرب : هي منازل القمر إذا طلع نجم سقط نظيره وكانوا يعتقدون في الجاهلية أنه لا بد عند ذلك من وجود مطر أو ريح كما يزعم المنجمون أيضاً فمن العرب من يجعل ذلك التأثير للطالع لأنه ناء أي ظهر وطلع ومنهم من ينسبه للغارب فنفى النبي عليه السلام صحة ذلك ونهى عنه وكفَّر معتقده إذا اعتقد أن النجم فاعل ذلك التأثير وأما من يجعله دليلاً، فهو جاهل بمعنى الدلالة. وأما من أسند ذلك إلى العادة التي يجوز انخرامها فقد كرهه قوم وحرمه قوم ومنهم من تأول الكفر بكفر نعمة الله والله أعلم وسمى تكذيبهم بآيات الله مكراً لأن المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجهه الظاهر بنوع من الحيلة وكان كفار مكة يحتالون في دفع آيات الله بكل ما يقدرون عليه من المفاسد :﴿ قل الله أسرع مكراً ﴾ أي : قل لهم يا محمد الله أعجل عقوبة وأشد أخذاً وأقدر على الجزاء وإن عذابه في هلاكهم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ولما قابلوا نعمة الله بالمكر، قابل مكروهم بمكر أشد منه وهو أمهلهم إلى يوم القيامة ﴿ إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ﴾ يعني الحفظة الكرام الكاتبين يكتبون ويحفظون عليهم الأعمال القبيحة السيئة إلى يوم القيامة حتى يفتضحوا بها ويجزون على مكرهم.

[سورة يونس (١٠): الآيات ٢٢ الى ٢٣]

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يعني: هو الله الذي يسيركم يعني يحملكم في البر على ظهور الدواب وفي البحر على الفلك. وقيل: معناه هو الله الهادي لكم في السير في البر والبحر طلبا للمعاش أو هو المهيّئ لكم أسباب السير في البر والبحر حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ يعني: السفن. ولفظة الفلك: تطلق على الواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فإن أريد بها الواحد كان كبناء قفل، وإن أريد بها الجمع كان كبناء أسد والمراد بها هنا الجمع لقوله تعالى: وَجَرَيْنَ بِهِمْ يعني: وجرت السفن بركابها.
فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟ قلت: قال صاحب الكشاف: المقصود منه المبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم مزيد الإنكار والتقبيح وقال غيره إن مخاطبة الله لعباده على لسان نبيه ﷺ بمنزلة الخبر عن الغائب وكل من أقام الغائب مقام المخاطب حسن منه أن يرده إلى الغائب. وقيل: إن الالتفات في الكلام من الغيبة إلى الحضور وبالعكس من فصيح كلام العرب بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ يعني وجرت السفن بريح طيبة ساكنة وَفَرِحُوا بِها يعني وفرح ركبان تلك الفلك بتلك الريح الطيبة، لأن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود حصل له النفع التام والمسرة العظيمة بذلك جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ قيل: إن الضمير في جاءتها يرجع إلى الريح فيكون المعنى: جاءت الريح الطيبة ريح عاصف فأقلبتها. وقيل: الضمير في جاءتها يرجع إلى الفلك. يعني: جاءت الفلك. ريح عاصف. يقال: ريح عاصف وعاصفة، ومعنى عصفت الريح: اشتدت. وأصل العصف: السرعة وإنما قال: عاصف، لأنه أراد به ذات عصوف أو لأجل أن لفظ الريح قد يذكر وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يعني: وجاء ركبان السفينة الموج وهو ما ارتفع وعلا من غوارب الماء في البحر وقيل: هو شدة حركة الماء واختلاطه وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يعني: وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق. وقيل: المراد من الظن اليقين أي وأيقنوا أنه الهلاك. وقيل: بل المراد منه المقاربة من الهلاك والدنو منه والإشراف عليه دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني أنهم أخلصوا في الدعاء لله عز وجل ولم يدعوا أحدا سواه من آلهتهم وقيل في معنى هذا الإخلاص العلم الحقيقي لا إخلاص الإيمان لأنهم كانوا يعلمون حقيقة أنه لا ينجيهم من جميع الشدائد والبلايا إلا الله تعالى فكانوا إذا وقعوا في شدة وضر وبلاء أخلصوا لله الدعاء لَئِنْ أَنْجَيْتَنا أي قائلين لئن أنجيتنا يا ربنا مِنْ هذِهِ يعني من هذه الشدائد التي نحن فيها وهي الريح العاصفة والأمواج الشديدة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ يعني من الشاكرين لك على إنعامك علينا بخلاصنا مما نحن فيه من هذه الشدة فَلَمَّا أَنْجاهُمْ يعني: فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا أنهم أحيط بهم من الشدة التي كانوا فيها إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يعني أنهم أخلفوا الله ما وعدوه وبغوا في الأرض فتجاوزوا فيها إلى غير ما أمر الله به من الكفر والعمل بالمعاصي على ظهرها وأصل البغي مجاوزة الحد.
قال صاحب المفردات: البغي على ضربين، أحدهما محمود وهو مجاوزة العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع.
والثاني مذموم وهو مجاوزة الحق إلى الباطل أو إلى الشبهة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله بغير الحق والبغي لا يكون بحق قلت بلى قد يكون بحق
﴿ فلما أنجاهم ﴾ يعني : فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا أنهم أحيط بهم من الشدة التي كانوا فيها ﴿ إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ﴾ يعني أنهم أخلفوا الله ما وعدوه وبغوا في الأرض فتجاوزوا فيها إلى غير ما أمر الله به من الكفر والعمل بالمعاصي على ظهرها وأصل البغي مجاوزة الحد.
قال صاحب المفردات : البغي على ضربين، أحدهما محمود وهو مجاوزة العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع.
والثاني مذموم وهو مجاوزة الحق إلى الباطل أو إلى الشبهة.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى قوله بغير الحق والبغي لا يكون بحق قلت بلى قد يكون بحق وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة ﴿ يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ﴾ يعني : إن وبال بغيكم راجع عليكم ﴿ متاع الحياة الدنيا ﴾ قيل هو كلام مبتدأ، والمعنى : أن بغي بعضكم على بعض هو متاع الحياة الدنيا لا يصلح لزاد الآخرة وقيل هو كلام متصل بما قبله والمعنى يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم لا يتهيأ أن يبغي بعضكم على بعض إلا أياماً قليلة وهي مدة حياتكم مع قصرها في سرعة انقضائها. والبغي : من منكرات الذنوب العظام. قال بعضهم : لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى شعراً وكان المأمون يتمثل به فقال :
يا صاحب البغي إن البغي مصرعة*** فارجع فخير مقال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوماً على جبل لاندك منه أعاليه وأسفله
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ ثم إلينا مرجعكم ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ فننبئكم ﴾ أي فنخبركم ﴿ بما كنتم تعملون ﴾ يعني في الدنيا من البغي والمعاصي فنجازيكم عليها.
وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم كما فعل رسول الله ﷺ ببني قريظة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ يعني: إن وبال بغيكم راجع عليكم مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا قيل هو كلام مبتدأ، والمعنى: أن بغي بعضكم على بعض هو متاع الحياة الدنيا لا يصلح لزاد الآخرة وقيل هو كلام متصل بما قبله والمعنى يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم لا يتهيأ أن يبغي بعضكم على بعض إلا أياما قليلة وهي مدة حياتكم مع قصرها في سرعة انقضائها. والبغي: من منكرات الذنوب العظام. قال بعضهم: لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى شعرا وكان المأمون يتمثل به فقال:
يا صاحب البغي إن البغي مصرعة فارجع فخير مقال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل لاندك منه أعاليه وأسفله
وقوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ يعني يوم القيامة فَنُنَبِّئُكُمْ أي فنخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعني في الدنيا من البغي والمعاصي فنجازيكم عليها.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٢٤ الى ٢٥]
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)
قوله عز وجل: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني في فنائها وزوالها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ يعني المطر فَاخْتَلَطَ بِهِ أي بالمطر نَباتُ الْأَرْضِ قال ابن عباس: نبت بالماء من كل لون مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ يعني من الحبوب والثمار وَالْأَنْعامُ يعني ومما يأكل الأنعام من الحشيش ونحوه حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها يعني حسنها ونضارتها وبهجتها وأظهرت ألوان زهرها من أبيض وأحمر وأصفر وغير ذلك من الزهور وَازَّيَّنَتْ أي وتزينت وَظَنَّ أَهْلُها يعني أهل تلك الأرض أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها يعني على جذاذها وقطافها وحصادها، رد الكناية إلى الأرض والمراد النبات إذ كان مفهوما. وقيل: رده إلى الثمرة والغلة وقيل: إلى الزينة أَتاها أَمْرُنا أي قضاؤنا بهلاكها لَيْلًا أَوْ نَهاراً يعني في الليل أو النهار فَجَعَلْناها حَصِيداً يعني محصودة مقطوعة كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ يعني: كأن لم تكن تلك الأشجار والنبات والزروع نابتة قائمة على ظهر الأرض وأصله من غنى فلان بالمكان إذا أقام به وهو مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للمتشبثين بالدنيا الراغبين في زهرتها وحسنها وذلك أنه تعالى لما قال: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا، أتبعه بهذا المثل لمن بغى في الأرض وتجبر فيها وركن إلى الدنيا وأعرض عن الآخرة لأن النبات في أول بروزه من الأرض ومبدأ خروجه يكون ضعيفا فإذا نزل عليه المطر واختلط به قوي وحسن واكتسى كمال الرونق والزينة وهو المراد من قوله حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت يعني بالنبات والزخرف عبارة عن كمال حسن الشيء وجعلت الأرض آخذة زخرفها على التشبيه بالعروس إذا لبست الثياب الفاخرة من كل لون حسن من حمرة وخضرة وصفرة وبياض ولا شك أن الأرض متى كانت على هذه الصفة فإنه يفرح بها صاحبها ويعظم رجاؤه في الانتفاع بها وبما فيها ثم إن الله سبحانه وتعالى أرسل على هذه الأرض صاعقة أو بردا أو ريحا فجعلها حصيدا كأن لم تكن من قبل.
قال قتادة: إن المتشبث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون.
437
ووجه التمثيل، أن غاية هذه الحياة الدنيا التي ينتفع بها المرء كناية عن هذا النبات الذي لما عظم الرجاء في الانتفاع به وقع اليأس منه، ولأن المتمسك بالدنيا إذا نال منها بغيته أتاه الموت بغتة فسلبه ما هو فيه من نعيم الدنيا ولذاتها. وقيل: يحتمل أن يكون ضرب هذا المثل لمن ينكر المعاد والبعث بعد الموت وذلك، لأن الزرع إذا انتهى وتكامل في الحسن إلى الغاية القصوى أتته آفة فتلف بالكلية. ثم إن الله سبحانه وتعالى قادر على إعادته كما كان أول مرة فضرب الله سبحانه وتعالى هذا المثل ليدل على أن من قدر على إعادة ذلك النبات بعد التلف كان قادرا على إعادة الأموات أحياء في الآخرة ليجازيهم على أعمالهم فيثيب الطائع ويعاقب العاصي.
كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يعني: كما بينا لكم مثل الحياة الدنيا وعرفناكم حكمها، كذلك نبين حججنا وأدلتنا لمن تفكر واعتبر ليكون ذلك سببا موجبا لزوال الشك والشبهة من القلوب.
قوله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ لما ذكر الله زهرة الحياة الدنيا وأنها فانية زائلة لا محالة دعا إلى داره والله يدعو إلى دار السلام.
قال قتادة: الله هو السلام وداره الجنة فعلى هذا السلام اسم من أسماء الله عز وجل ومعناه أنه سبحانه وتعالى سلم من جميع النقائص والعيوب والفناء والتغيير. وقيل: إنه سبحانه وتعالى يوصف بالسلام لأن الخلق سلموا من ظلمه. وقيل: إنه تعالى يوصف بالسلام بمعنى ذي السلام أي لا يقدر على تخليص العاجزين من المكاره والآفات إلا هو.
وقيل: دار السلام اسم للجنة وهو جمع سلامة. والمعنى: أن من دخلها فقد سلم من جميع الآفات، كالموت والمرض والمصائب والحزن والغم والتعب والنكد. وقيل: سميت الجنة دار السلام لأن الله سبحانه وتعالى يسلم على أهلها أو تسلم الملائكة عليهم. قيل: إن من كمال رحمة الله وجوده وكرمه على عباده، أن دعاهم إلى جنته التي هي دار السلام.
وفيه دليل على أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لأن العظيم لا يدعو إلا إلى عظيم ولا يصف إلا عظيما، وقد وصف الله سبحانه وتعالى الجنة في آيات كثيرة من كتابه: وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني: والله يهدي من يشاء من خلقه إلى صراطه المستقيم وهو دين الإسلام عم بالدعوة أولا إظهارا للحجة وخص بالدعوة ثانيا استغناء عن الخلق وإظهارا للقدرة فحصلت المغايرة بين الدعوتين (خ).
عن جابر قال: «جاءت ملائكة إلى النبي ﷺ وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: العين نائمة والقلب يقظان فقالوا: إن لصاحبكم مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة» ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها يفقهها فإن العين نائمة والقلب يقظان فقال بعضهم الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس وفي رواية: «خرج علينا رسول الله ﷺ فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عليه السلام عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلا» وعن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله ﷺ «إن الله ضرب مثلا صراطا مستقيما على كتفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة على الأبواب ستور وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والأبواب التي على كتفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف الستر والذي يدعو من فوقه واعظ ربه» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
438
قوله سبحانه وتعالى :﴿ والله يدعو إلى دار السلام ﴾ لما ذكر الله زهرة الحياة الدنيا وأنها فانية زائلة لا محالة دعا إلى داره والله يدعو إلى دار السلام. قال قتادة : الله هو السلام وداره الجنة فعلى هذا السلام اسم من أسماء الله عز وجل ومعناه أنه سبحانه وتعالى سلم من جميع النقائص والعيوب والفناء والتغيير. وقيل : إنه سبحانه وتعالى يوصف بالسلام لأن الخلق سلموا من ظلمه. وقيل : إنه تعالى يوصف بالسلام بمعنى ذي السلام أي لا يقدر على تخليص العاجزين من المكاره والآفات إلا هو.
وقيل : دار السلام اسم للجنة وهو جمع سلامة. والمعنى : أن من دخلها فقد سلم من جميع الآفات، كالموت والمرض والمصائب والحزن والغم والتعب والنكد. وقيل : سميت الجنة دار السلام لأن الله سبحانه وتعالى يسلم على أهلها أو تسلم الملائكة عليهم. قيل : إن من كمال رحمة الله وجوده وكرمه على عباده، أن دعاهم إلى جنته التي هي دار السلام.
وفيه دليل على أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لأن العظيم لا يدعو إلا إلى عظيم ولا يصف إلا عظيماً، وقد وصف الله سبحانه وتعالى الجنة في آيات كثيرة من كتابه :﴿ ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ يعني : والله يهدي من يشاء من خلقه إلى صراطه المستقيم وهو دين الإسلام عم بالدعوة أولاً إظهاراً للحجة وخص بالدعوة ثانياً استغناء عن الخلق وإظهاراً للقدرة فحصلت المغايرة بين الدعوتين ( خ ).
عن جابر قال :«جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : العين نائمة والقلب يقظان فقالوا : إن لصاحبكم مثلاً فاضربوا له مثلاً فقالوا مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة » ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها يفقهها فإن العين نائمة والقلب يقظان فقال بعضهم الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس وفي رواية :«خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عليه السلام عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً » وعن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً على كتفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة على الأبواب ستور وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والأبواب التي على كتفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف الستر والذي يدعو من فوقه واعظ ربه » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.

[سورة يونس (١٠): الآيات ٢٦ الى ٢٨]

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨)
قوله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى قال ابن عباس: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله الجنة. وقيل:
معناه للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه وأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم عنه الحسنى، قال ابن الأنباري:
الحسنى في اللغة، تأنيث الأحسن والعرب توقع هذه اللفظة على الخلة المحبوبة والخلصة المرغوب فيها.
وقيل: معناه للذين أحسنوا المثوبة الحسنى وَزِيادَةٌ اختلف المفسرون في معنى هذه الحسنى وهذه الزيادة على أقوال:
القول الأول: إن الحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم وهذا قول جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وهو قول الحسن وعكرمة والضحاك ومقاتل والسدي ويدل على صحة هذا القول المنقول والمعقول أما المنقول فما روي عن صهيب أن رسول الله ﷺ قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى أتريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب قال فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى» زاد في رواية «ثم تلا هذه الآية: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» أخرجه مسلم. وروى الطبري بسنده عن كعب بن عجرة عن النبي ﷺ في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال: الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
وعن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله ﷺ عن قول الله سبحانه وتعالى: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.
قال: الحسنى: الجنة وزيادة: قال النظر إلى وجه الله. وعن أبي موسى الأشعري قال: «إن كان يوم القيامة بعث الله إلى أهل الجنة مناديا ينادي هل أنجزكم الله ما وعدكم به فينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامات فيقولون نعم فيقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى وفي رواية رفعها أبو موسى قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث يوم القيامة» وذكره بمعناه. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله لهم: هل بقي من حقكم شيء لم تعطوه قال: فيتجلى لهم عز وجل قال فيصغر عندهم كل شيء أعطوه ثم قال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال الحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه ربهم» فهذه الأخبار والآثار قد دلت على أن المراد بهذه الزيادة هي النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى. وأما المعقول فنقول:
إن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف فانصرفت إلى المعهود السابق وهو الجنة في قوله سبحانه وتعالى والله يدعو إلى دار السلام فثبت بهذا أن المراد من لفظة الحسنى هي الجنة وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرا مغايرا لكل ما في الجنة من النعيم وإلا لزم التكرار وإذا كان كذلك وجب حمل هذه الزيادة على رؤية الله تبارك وتعالى ومما يؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ فأثبت لأهل الجنة أمرين أحدهما النضارة وهو حسن الوجوه وذلك من نعيم الجنة، والثاني النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى وآيات القرآن يفسر بعضها بعضا فوجب حمل الحسنى على الجنة ونعيمها وحمل الزيادة على رؤية الله تبارك وتعالى. وقالت المعتزلة: لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية، لأن الدلائل العقلية دلت على أن رؤية الله سبحانه وتعالى ممتنعة، ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه ورؤية الله ليست من جنس نعيم الجنة ولأن الأخبار التي تقدمت توجب التشبيه ولأن جماعة من المفسرين حملوا هذه الزيادة على غير الرؤية فانتفى ما قلتم.
439
أجاب أصحابنا عن هذه الاعتراضات بأن الدلائل العقلية قد دلت على إمكان وقوع رؤية الله تعالى في الآخرة وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية الله تعالى وجاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الرؤية وجب المصير إليها وإجراؤها على ظواهرها من غير تشبيه ولا إحاطة.
وأجيب عن قولهم ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه بأن المزيد عليه إذا كان بمقدار معين كانت الزيادة من جنسه وإذا لم يكن بمقدار معين وجب أن تكون الزيادة مخالفة له فالمذكور في الآية لفظ الحسنى وهي الجن ونعيمها غير مقدر بقدر معين فوجب أن الزيادة تكون شيئا مغايرا لنعيم الجنة وذلك المغاير هو الرؤية.
وأجيب عن قولهم ولأن جماعة من المفسرين حملوا الزيادة على غير الرؤية بأنه معارض بقول جماعة من المفسرين: بأن الزيادة هي الرؤية والمثبت مقدم على النافي والله أعلم.
القول الثاني: في معنى هذه الزيادة ما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب.
القول الثالث: إن الحسنى واحدة الحسنات والزيادة التضعيف إلى تمام العشرة إلى سبعمائة.
قال ابن عباس: هو مثل قوله سبحانه وتعالى: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يقول يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله.
قال قتادة: كان الحسن يقول: الزيادة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
القول الرابع: إن الحسنى حسنة مثل حسنة والزيادة مغفرة من الله ورضوان قاله مجاهد.
القول الخامس: قول ابن زيد أن الحسنى هي الجنة والزيادة ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به يوم القيامة وقوله سبحانه وتعالى: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ يعني ولا يغشى وجوه أهل الجنة قَتَرٌ أي كآبة ولا كسوف ولا غبار.
وقال ابن عباس: هو سواد الوجوه وَلا ذِلَّةٌ يعني ولا هوان. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يعني أن هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أصحاب الجنة لا غيرهم وهم فيها مقيمون لا يخرجون منها أبدا.
قوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها اعلم أنه لما شرح الله سبحانه وتعالى أحوال المحسنين وما أعد لهم من الكرامة شرح في الآية حال من أقدم على السيئات والمراد بهم الكفار فقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ. يعني: والذين عملوا السيئات والمراد بها الكفر والمعاصي جزاء سيئة بمثلها يعني فلهم جزاء السيئة التي عملوها مثلها العقاب. والمقصود من هذا التقييد، التنبيه على الفرق بين الحسنات والسيئات لأن الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها من الواحدة إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة وذلك تفضلا منه وتكرما. وأما السيئات، فإنه يجازي عليها بمثلها عدلا منه سبحانه وتعالى: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ قال ابن عباس: يغشاهم ذل وشدة. وقيل: يغشاهم ذل وهوان لعقاب الله إياهم ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني ما لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا نزل بهم كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً يعني كأنما ألبست وجوههم سوادا من الليل المظلم أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قوله سبحانه وتعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً الحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد والمعنى ويوم نجمع الخلائق جميعا لموقف الحساب وهو يوم القيامة ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه حتى تسألوا وفي هذا
440
قوله سبحانه وتعالى :﴿ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ﴾ اعلم أنه لما شرح الله سبحانه وتعالى أحوال المحسنين وما أعد لهم من الكرامة شرح في الآية حال من أقدم على السيئات والمراد بهم الكفار فقال سبحانه وتعالى : والذين كسبوا السيئات. يعني : والذين عملوا السيئات والمراد بها الكفر والمعاصي جزاء سيئة بمثلها يعني فلهم جزاء السيئة التي عملوها مثلها العقاب. والمقصود من هذا التقييد، التنبيه على الفرق بين الحسنات والسيئات لأن الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها من الواحدة إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة وذلك تفضلاً منه وتكرماً. وأما السيئات، فإنه يجازي عليها بمثلها عدلاً منه سبحانه وتعالى :﴿ وترهقهم ذلة ﴾ قال ابن عباس : يغشاهم ذل وشدة. وقيل : يغشاهم ذل وهوان لعقاب الله إياهم ﴿ ما لهم من الله من عاصم ﴾ يعني ما لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا نزل بهم ﴿ كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً ﴾ يعني كأنما ألبست وجوههم سواداً من الليل المظلم ﴿ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ويوم نحشرهم جميعاً ﴾ الحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد والمعنى ويوم نجمع الخلائق جميعاً لموقف الحساب وهو يوم القيامة ﴿ ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ﴾ أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه حتى تسألوا وفي هذا وعيد وتهديد للعابدين والمعبودين ﴿ أنتم وشركاؤكم ﴾ يعني أنتم أيها المشركون والأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله ﴿ فزيلنا بينهم ﴾ يعني : ففرقنا بين العابدين والمعبودين وميزنا بينهم وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
فإن قلت قوله سبحانه وتعالى فزيلنا بينهم جاء على لفظ الماضي بعد قوله ثم نقول للذين أشركوا وهو منتظر في المستقبل فما وجهه.
قلت : السبب فيه، أن الذي حكم الله فيه بأنه سيكون صار كالكائن الآن.
قوله :﴿ وقال شركاؤهم ﴾ يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله وإنما سماهم شركاءهم، لأنهم جعلوا لهم نصيباً من أموالهم أو لأنه سبحانه وتعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله : مكانكم فقد صاروا شركاء في هذا الخطاب ﴿ ما كنتم إيانا تعبدون ﴾ تبرأ المعبودون من العابدين.
فإن قلت : كيف صدر هذا الكلام من الأصنام وهي جماد لا روح فيها ولا عقل لها ؟
قلت : يحتمل أن الله تعالى خلق لها في ذلك اليوم من الحياة والعقل والنطق حتى قدرت على هذا الكلام فإن قلت إذا أحياهم الله في ذلك اليوم فهل يفنيهم أو يبقيهم.
قلت : الكل محتمل ولا اعتراض على الله في شيء من أفعاله وأحوال القيامة غير معلومة إلا ما دل عليه الدليل من كتاب أو سنة.
فإن قلت : إن الأصنام قد أنكرت أن الكفار كانوا يعبدونها وقد كانوا يعبدونها ؟
قلت : قد تقدمت هذه المسألة وجوابها في تفسير سورة الأنعام ونقول هنا قال مجاهد : تكون في يوم القيامة ساعة تكون فيها شدة تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، فتقول الآلهة : والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم تعبدوننا فيقولون والله إياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة.
وعيد وتهديد للعابدين والمعبودين أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ يعني أنتم أيها المشركون والأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ يعني: ففرقنا بين العابدين والمعبودين وميزنا بينهم وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
فإن قلت قوله سبحانه وتعالى فزيلنا بينهم جاء على لفظ الماضي بعد قوله ثم نقول للذين أشركوا وهو منتظر في المستقبل فما وجهه.
قلت: السبب فيه، أن الذي حكم الله فيه بأنه سيكون صار كالكائن الآن.
قوله: وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله وإنما سماهم شركاءهم، لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم أو لأنه سبحانه وتعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله: مكانكم فقد صاروا شركاء في هذا الخطاب ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ تبرأ المعبودون من العابدين.
فإن قلت: كيف صدر هذا الكلام من الأصنام وهي جماد لا روح فيها ولا عقل لها؟
قلت: يحتمل أن الله تعالى خلق لها في ذلك اليوم من الحياة والعقل والنطق حتى قدرت على هذا الكلام فإن قلت إذا أحياهم الله في ذلك اليوم فهل يفنيهم أو يبقيهم.
قلت: الكل محتمل ولا اعتراض على الله في شيء من أفعاله وأحوال القيامة غير معلومة إلا ما دل عليه الدليل من كتاب أو سنة.
فإن قلت: إن الأصنام قد أنكرت أن الكفار كانوا يعبدونها وقد كانوا يعبدونها؟
قلت: قد تقدمت هذه المسألة وجوابها في تفسير سورة الأنعام ونقول هنا قال مجاهد: تكون في يوم القيامة ساعة تكون فيها شدة تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، فتقول الآلهة: والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم تعبدوننا فيقولون والله إياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٢٩ الى ٣٢]
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢)
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ. والمعنى قد علم الله وكفى به شهيدا أما ما علمنا أنكم كنتم تعبدوننا وما كنا عن عبادتكم إيانا من دون لله إلا غافلين ما نشعر بذلك أما قوله سبحانه وتعالى:
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ فهو كالتتمة للآية المتقدمة والمعنى في ذلك المقام أو ذلك الموقف أو ذلك الوقت على معنى استعارة إطلاق اسم المكان على الزمان وفي قوله تبلوا قراءات قرئ بتاءين ولها معنيان أحدهما أنه من تلاه إذا تبعه أي تبع كل نفس ما أسلفت لأن العمل هو الذي يهدي النفس إلى الثواب أو العقاب.
الثاني: أن يكون من التلاوة والمعنى أن كل نفس تقرأ صحيفة عملها من خير أو شر. وقرئ: تبلو بالتاء المثناة والباء الموحدة ومعناه تخبر وتعلم. والبلو: الاختبار ومعناه: اختبارها ما أسلفت يعني: أنه إن قدم خيرا أو شرا قدم عليه وجوزي به وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الرد: عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه. والمعنى: وردوا إلى ما ظهر لهم من الله الذي هو مالكهم ومتولي أمرهم.
أما قوله سبحانه وتعالى :﴿ هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ﴾ فهو كالتتمة للآية المتقدمة والمعنى في ذلك المقام أو ذلك الموقف أو ذلك الوقت على معنى استعارة إطلاق اسم المكان على الزمان وفي قوله تبلو قراءات قرئ بتاءين ولها معنيان أحدهما أنه من تلاه إذا تبعه أي تبع كل نفس ما أسلفت لأن العمل هو الذي يهدي النفس إلى الثواب أو العقاب.
الثاني : أن يكون من التلاوة والمعنى أن كل نفس تقرأ صحيفة عملها من خير أو شر. وقرئ : تبلو بالتاء المثناة والباء الموحدة ومعناه تخبر وتعلم. والبلو : الاختبار ومعناه : اختبارها ما أسلفت يعني : أنه إن قدم خيراً أو شراً قدم عليه وجوزي به ﴿ وردوا إلى الله مولاهم الحق ﴾ الرد : عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه. والمعنى : وردوا إلى ما ظهر لهم من الله الذي هو مالكهم ومتولي أمرهم.
فإن قلت : قد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى ﴿ وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾ فما الفرق ؟
قلت : المولى في اللغة يطلق على المالك ويطلق على الناصر، فمعنى المولى هنا المالك ومعنى المولى هناك الناصر فحصل الفرق بين الآيتين ﴿ وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ يعني وبطل وذهب ما كانوا يكذبون فيه في الدنيا وهو قولهم إن هذه الأصنام تشفع لنا.
قوله عز وجل :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من يرزقكم من السماء يعني المطر والأرض يعني النبات ﴿ أم من يملك السمع والأبصار ﴾ يعني ومن أعطاكم هذه الحواس التي تسمعون بها وتبصرون بها ﴿ ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ﴾ يعني أنه تعالى يخرج الإنسان حياً من النطفة وهي ميتة وكذلك الطير من البيضة وكذلك يخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي ويخرج البيضة الميتة من الطائر الحي. وقيل : معناه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والقول الأول أقرب إلى الحقيقة ﴿ ومن يدبر الأمر ﴾ يعني أن مدبر أمر السماوات ومن فيها ومدبر أمر الأرض وما فيها هو الله تعالى وذلك قوله ﴿ فسيقولون الله ﴾ يعنى أنهم يعترفون أن فاعل هذه الأشياء هو الله وإذا كانوا يقرون بذلك ﴿ فقل ﴾ أي قل لهم يا محمد ﴿ أفلا تتقون ﴾ يعني : أفلا تخافون عقابه حيث تعبدون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء من هذه الأمور.
﴿ فذلكم الله ربكم الحق ﴾ يعني : فذلكم الذي يفعل هذه الأشياء ويقدر عليها هو الله ربكم الحق الي يستحق العبادة لا هذه الأصنام ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾ يعني : إذا ثبت بهذه البراهين الواضحة والدلائل القطعية أن الله هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالاً وباطلاً ﴿ فأنى تصرفون ﴾ يعني : إذا عرفتم هذا الأمر الظاهر الواضح فكيف تستخيرون العدول عن الحق إلى الضلال الباطل.
فإن قلت: قد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ فما الفرق؟
قلت: المولى في اللغة يطلق على المالك ويطلق على الناصر، فمعنى المولى هنا المالك ومعنى المولى هناك الناصر فحصل الفرق بين الآيتين وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يعني وبطل وذهب ما كانوا يكذبون فيه في الدنيا وهو قولهم إن هذه الأصنام تشفع لنا.
قوله عز وجل: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من يرزقكم من السماء يعني المطر والأرض يعني النبات أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ يعني ومن أعطاكم هذه الحواس التي تسمعون بها وتبصرون بها وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ يعني أنه تعالى يخرج الإنسان حيا من النطفة وهي ميتة وكذلك الطير من البيضة وكذلك يخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي ويخرج البيضة الميتة من الطائر الحي. وقيل: معناه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والقول الأول أقرب إلى الحقيقة وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يعني أن مدبر أمر السموات ومن فيها ومدبر أمر الأرض وما فيها هو الله تعالى وذلك قوله فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ يعني أنهم يعترفون أن فاعل هذه الأشياء هو الله وإذا كانوا يقرون بذلك فَقُلْ أي قل لهم يا محمد أَفَلا تَتَّقُونَ يعني: أفلا تخافون عقابه حيث تعبدون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء من هذه الأمور فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ يعني: فذلكم الذي يفعل هذه الأشياء ويقدر عليها هو الله ربكم الحق الذي يستحق العبادة لا هذه الأصنام فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ يعني: إذا ثبت بهذه البراهين الواضحة والدلائل القطعية أن الله هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالا وباطلا فَأَنَّى تُصْرَفُونَ يعني: إذا عرفتم هذا الأمر الظاهر الواضح فكيف تستخيرون العدول عن الحق إلى الضلال الباطل.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٣٣ الى ٣٥]
كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)
كَذلِكَ
أي كما ثبت أنه ليس بعد الحق إلا الضلال حَقَّتْ أي وجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ في الأزل عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قيل: المراد بكلمة الله قضاؤه عليهم في اللوح المحفوظ أنهم لا يؤمنون وقضاؤه لا يرد ولا يدفع قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين هل من شركائكم يعني هذه الأصنام التي تزعمون أنها آلهة مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ يعني من يقدر على أن ينشئ الخلق على غير مثال سبق ثُمَّ يُعِيدُهُ أي ثم يعيده بعد الموت كهيئته أول مرة، وهذا السؤال استفهام إنكار قُلْ أي: قل أنت يا محمد اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يعني أن الله هو القادر على ابتداء الخلق وإعادته فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ يعني فأنى تصرفون عن قصد السبيل والمراد من هذا التعجب من أحوالهم كيف تركوا هذا الأمر الواضح وعدلوا عنه إلى غيره قُلْ أي قل يا محمد هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ يعني هل من هذه الأصنام من يقدر علي أن يرشد إلى الحق فإذا قالوا لا ولا بد لهم من ذل قُلْ أي قل لهم أنت يا محمد اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ يعني أن الله هو الذي يرشد إلى الحق لا غيره أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى يعني أن الله هو الذي يهدي إلى الحق فهو أحق بالاتباع لا هذه الأصنام التي لا تهتدي إلا أن تهدي.
فإن قلت: الأصنام جماد لا تتصور هدايتها ولا أن تهدي فكيف قال إلا أن يهدي.
قلت: ذكر العلماء عن هذا السؤال وجوها.
﴿ قل هل من شركائكم ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين هل من شركائكم يعني هذه الأصنام التي تزعمون أنها آلهة ﴿ من يبدأ الخلق ﴾ يعني من يقدر على أن ينشئ الخلق على غير مثال سبق ﴿ ثم يعيده ﴾ أي ثم يعيده بعد الموت كهيئته أول مرة، وهذا السؤال استفهام إنكار ﴿ قل ﴾ أي : قل أنت يا محمد ﴿ الله يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ يعني أن الله هو القادر على ابتداء الخلق وإعادته ﴿ فأنى تؤفكون ﴾ يعنى فأنى تصرفون عن قصد السبيل والمراد من هذا التعجب من أحوالهم كيف تركوا هذا الأمر الواضح وعدلوا عنه إلى غيره.
﴿ قل ﴾ أي قل يا محمد ﴿ هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ﴾ يعني هل من هذه الأصنام من يقدر علي أن يرشد إلى الحق فإذا قالوا لا ولا بد لهم من ذل ﴿ قل ﴾ أي قل لهم أنت يا محمد ﴿ الله يهدي للحق ﴾ يعني أن الله هو الذي يرشد إلى الحق لا غيره ﴿ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى ﴾ يعني أن الله هو الذي يهدي إلى الحق فهو أحق بالاتباع لا هذه الأصنام التي لا تهتدي إلا أن تهدي.
فإن قلت : الأصنام جماد لا تتصور هدايتها ولا أن تهدي فكيف قال إلا أن يهدي.
قلت : ذكر العلماء عن هذا السؤال وجوهاً.
الأول : أن معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال من مكان إلى مكان فيكون المعنى أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان آخر إلا أن تحمل وتنقل، فبين سبحانه وتعالى بها عجز الأصنام.
الوجه الثاني : أن ذكر الهداية في حق الأصنام على وجه المجاز وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر به عمن يسمع ويعقل ويعلم ووصفها بهذه الصفة وإن كان الأمر ليس كذلك.
الوجه الثالث : يحتمل أن يكون المراد من قوله هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده الأصنام، والمراد من قوله هل من شركائكم من يهدي إلى الحق رؤساء الكفر والضلالة فالله سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الدين بما ظهر من الدلائل الدالة على وحدانيته وأما رؤساء الكفر والضلالة فإنهم لا يقدرون على هداية غيرهم إلا إذا هداهم الله إلى الحق فكان اتباع دين الله والتمسك بهدايته أولى من اتباع غيره.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ فما لكم كيف تحكمون ﴾ قال الزجاج : فما لكم كلام تام كأنه قيل لهم : أي شيء لكم في عبادة هذه الأصنام. ثم قال : كيف تحكمون ؟ يعني : على أي حال تحكمون. وقيل : معناه كيف تقضون لأنفسكم بالجور حين تزعمون أن مع الله شريكاً وقيل معناه بئسما حكمتم إذ جعلتم لله شريكاً من ليس بيده منفعة ولا مضرة ولا هداية.
الأول: أن معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال من مكان إلى مكان فيكون المعنى أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان آخر إلا أن تحمل وتنقل، فبين سبحانه وتعالى بها عجز الأصنام.
الوجه الثاني: أن ذكر الهداية في حق الأصنام على وجه المجاز وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر به عمن يسمع ويعقل ويعلم ووصفها بهذه الصفة وإن كان الأمر ليس كذلك.
الوجه الثالث: يحتمل أن يكون المراد من قوله هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده الأصنام، والمراد من قوله هل من شركائكم من يهدي إلى الحق رؤساء الكفر والضلالة فالله سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الدين بما ظهر من الدلائل الدالة على وحدانيته وأما رؤساء الكفر والضلالة فإنهم لا يقدرون على هداية غيرهم إلا إذا هداهم الله إلى الحق فكان اتباع دين الله والتمسك بهدايته أولى من اتباع غيره.
وقوله سبحانه وتعالى: فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ قال الزجاج: فما لكم كلام تام كأنه قيل لهم: أي شيء لكم في عبادة هذه الأصنام. ثم قال: كيف تحكمون؟ يعني: على أي حال تحكمون. وقيل: معناه كيف تقضون لأنفسكم بالجور حين تزعمون أن مع الله شريكا وقيل معناه بئسما حكمتم إذ جعلتم لله شريكا من ليس بيده منفعة ولا مضرة ولا هداية.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا يعني: وما يتبع أكثر هؤلاء المشركين إلا ما لا علم لهم بحقيقته وصحته بل هم في شك منه وريبة وقيل المراد بالأكثر الكل لأن جميع المشركين يتبعون الظن في دعواهم أن الأصنام تشفع لهم وقيل المراد بالأكثر الرؤساء إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يعني أن الشك لا يغني عن اليقين شيئا ولا يقوم مقامه وقيل في الآية إن قولهم إن الأصنام آلهة وإنها تشفع لهم ظن منهم لم يرد به كتاب ولا يعني أنها لا تدفع عنهم من عذاب الله شيئا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ يعني من اتباعهم الظن وتكذيبهم الحق اليقين.
قوله تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني وما كان ينبغي لهذا القرآن أن يختلق ويفتعل لأن معنى الافتراء الاختلاق والمعنى ليس وصف القرآن وصف شيء ممكن أن يفترى به على الله لأن المفترى هو الذي يأتي به البشر وذلك أن كفار مكة زعموا أن محمدا ﷺ أتى بهذا القرآن من عند نفسه على سبيل الافتعال والاختلاق فأخبر الله عز وجل أن هذا القرآن وحي أنزله الله عليه وأنه مبرأ عن الافتراء والكذب وأنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.
ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يؤكد هذا بقوله: وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني ولكن الله أنزل هذا القرآن مصدقا لما قبله من الكتب التي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل. وتقرير هذا، أن محمدا ﷺ كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولم يجتمع بأحد من العلماء، ثم إنه ﷺ أتى بهذا القرآن العظيم المعجز وفيه أخبار الأولين وقصص
443
الماضين وكل ذلك موافق لما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة قبله ولو لم يكن كذلك لقدحوا فيه لعداوة أهل الكتاب له ولما لم يقدح فيه أحد من أهل الكتاب علم بذلك أن ما فيه من القصص والأخبار مطابقة لما في التوراة والإنجيل مع القطع بأنه ما علم ما فيها فثبت بذلك أنه وحي من الله أنزله عليه وأنه مصدق لما بين يديه وأنه معجزة له صلى الله عليه وسلم. وقيل في معنى قوله: ولكن تصديق الذي بين يديه يعني من أخبار الغيوب الآتية، فإنها جاءت على وفق ما أخبر وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ يعني وتبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني أن هذا القرآن لا شك فيه أنه من رب العالمين وأنه ليس مفترى على الله وأنه لا يقدر أحد من البشر على الإتيان بمثله وهو قوله سبحانه وتعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ يعني أم يقول هؤلاء المشركون افترى محمد هذا القرآن وخلقه من قبل نفسه وهو استفهام إنكار وقيل أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه قُلْ أي: قل لهم يا محمد إن كان الأمر كما تقولون فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ يعني بسورة شبيهة به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم فأنتم عرب مثلي في الفصاحة والبلاغة.
فإن قلت: قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة فأتوا بسورة من مثله وقال سبحانه وتعالى هنا فأتوا بسورة مثله فما فائدة ذلك وما الفرق بينهما.
قلت لما كان محمد ﷺ أميا لم يقرأ ولم يكتب وأتى بهذا القرآن العظيم كان معجزا في نفسه فقيل لهم فأتوا بسورة من مثله يعني: مع إنسان أمي مثل محمد ﷺ يساويه في عدم الكتابة والقراءة.
وأما قوله سبحانه وتعالى: فأتوا بسورة مثله أي فأتوا بسورة تساوي سور القرآن في الفصاحة والبلاغة وهو المراد بقوله فأتوا بسورة مثله يعني أن السورة في نفسها معجزة فإن الخلق لو اجتمعوا على ذلك لم يقدروا عليه وهو المراد من قوله: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني وادعوا للاستعانة على ذلك من استطعتم من خلقه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
يعني في قولكم إن محمدا افتراه ثم قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ يعني القرآن. أي: كذبوا بما لم يعلموه. قال عطاء: يريد أنه ليس خلق يحيط بجميع علوم القرآن. وقيل: معناه بل كذبوا بما في القرآن من ذكر الجنة والنار والحشر والقيامة والثواب والعقاب وغيرها مما لم يحيطوا بعلمه، لأنهم كانوا ينكرون ذلك كله. وقيل: إنهم لما سمعوا ما في القرآن من القصص وأخبار الأمم الخالية ولم يكونوا سمعوها قبل ذلك أنكروها لجهلهم فرد الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه لأن القرآن العظيم مشتمل على علوم كثيرة لا يقدر أحد على استيعابها وتحصيلها وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يعني أنهم كذبوا به ولم يأتهم بعد بيان ما يؤول إليه ذلك الوعيد الذي توعدهم الله في القرآن به من العقوبة. والمعنى: أنهم لم يعلموا ما تؤول إليه عاقبة أمرهم. وقيل: معناه أنهم لم يعلموه تنزيلا ولا علموه تأويلا فكذبوا به وذلك لأنهم جهلوا القرآن وعلمه وعلم تأويله كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كما كذب هؤلاء بالقرآن كذلك كذب الأمم الماضية أنبياءهم فيما وعدوهم به فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ الخطاب للنبي ﷺ أي: فانظر يا محمد كيف كان عاقبة من ظلم من الأمم كذلك تكون عاقبة من كذبك من قومك ففيه تسلية للنبي ﷺ وقيل يحتمل أن يكون الخطاب لكل فرد من الناس.
والمعنى: فانظر أيها الإنسان كيف كان عاقبة من ظلم فاحذر أن تفعل مثل فعله.
قوله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يعني ومن قومك يا محمد من سيؤمن بالقرآن وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ لعلم الله السابق فيه أنه لا يؤمن وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ يعني الذين لا يؤمنون.
444
قوله تعالى :﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ﴾ يعني وما كان ينبغي لهذا القرآن أن يختلف ويفتعل لأن معنى الافتراء الاختلاق والمعنى ليس وصف القرآن وصف شيء ممكن أن يفترى به على الله لأن المفترى هو الذي يأتي به البشر وذلك أن كفار مكة زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم أتى بهذا القرآن من عند نفسه على سبيل الافتعال والاختلاق فأخبر الله عز وجل أن هذا القرآن وحي أنزل الله عليه وأنه مبرأ من الافتراء والكذب وأنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.
ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يؤكد هذا بقوله ﴿ ولكن تصديق الذي بين يديه ﴾ يعني ولكن الله أنزل هذا القرآن مصدقاً لما قبله من الكتب التي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل. وتقرير هذا، أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولم يجتمع بأحد من العلماء، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتى بها القرآن العظيم المعجز وفيه أخبار الأولين وقصص الماضين وكل ذلك موافق لما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة قبله ولو لم يكن كذلك لقدحوا فيه لعداوة أهل الكتاب له ولما لم يقدح فيه أحد من أهل الكتاب علم بذلك أن ما فيه من القصص والأخبار مطابقة لما في التوراة والإنجيل مع القطع بأنه ما علم ما فيها فثبت بذلك أنه وحي من الله أنزله عليه وأنه مصدق لما بين يديه وأنه معجزة له صلى الله عليه وسلم. وقيل في معنى قوله : ولكن تصديق الذي بين يديه يعني من أخبار الغيوب الآتية، فإنها جاءت على وفق ما أخر ﴿ وتفصيل الكتاب ﴾ يعني وتبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ﴿ لا ريب فيه من رب العالمين ﴾ يعني أن هذا القرآن لا شك فيه أنه من رب العالمين وأنه ليس مفترى على الله وأنه لا يقدر أحد من البشر على الإتيان بمثله. وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ أم يقولون افتراه ﴾
﴿ أم يقولون افتراه ﴾ يعني أم يقول هؤلاء المشركون افترى محمد هذا القرآن وخلقه من قبل نفسه وهو استفهام إنكار وقيل أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه ﴿ قل ﴾ أي : قل لهم يا محمد إن كان الأمر كما تقولون ﴿ فأتوا بسورة مثله ﴾ يعني بسورة شبيهة به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم فأنتم عرب مثلي في الفصاحة والبلاغة.
فإن قلت : قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة فأتوا بسورة من مثله وقال سبحانه وتعالى هنا فأتوا بسورة مثله فما فائدة ذلك وما الفرق بينهما.
قلت لما كان محمداً صلى الله عليه وسلم أمياً لم يقرأ ولم يكتب وأتى بهذا القرآن العظيم كان معجزاً في نفسه فقيل لهم فأتوا بسورة من مثله يعني : مع إنسان أمي مثل محمد صلى الله عليه وسلم في عدم الكتابة والقراءة.
وأما قوله سبحانه وتعالى : فأتوا بسورة مثله أي فأتوا بسورة تساوي سورة القرآن في الفصاحة والبلاغة وهو المراد بقوله فأتوا بسورة مثله يعني أن السورة في نفسها معجزة فإن الخلق لو اجتمعوا على ذلك لم يقدروا عليه وهو المراد من قوله :﴿ وادعوا من استطعتم من دون الله ﴾ يعني وادعوا للاستعانة على ذلك من استطعتم من خلقه ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ يعني في قولكم إن محمداً افتراه.
ثم قال تعالى :﴿ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ﴾ يعني القرآن. أي : كذبوا بما لم يعلموه. قال عطاء : يريد أنه ليس خلق يحيط بجميع علوم القرآن. وقيل : معناه بل كذبوا بما في القرآن من ذكر الجنة والنار والحشر والقيامة والثواب والعقاب وغيرها مما لم يحيطوا بعلمه، لأنهم كانوا ينكرون ذلك كله. وقيل : إنهم لما سمعوا ما في القرآن من القصص وأخبار الأمم الخالية ولم يكونوا سمعوها قبل ذلك أنكروها لجهلهم فرد الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه لأن القرآن العظيم مشتمل على علوم كثيرة لا يقدر أحد على استيعابها وتحصيلها ﴿ ولما يأتهم تأويله ﴾ يعني أنهم كذبوا به ولم يأتهم بعد بيان ما يؤول إليه ذلك الوعيد الذي توعدهم الله في القرآن به من العقوبة. والمعنى : أنهم لم يعلموا ما تؤول إليه عاقبة أمرهم. وقيل : معناه أنهم لم يعلموه تنزيلاً ولا علموه تأويلاً فكذبوا به وذلك لأنهم جهلوا القرآن وعلمه وعلم تأويله ﴿ كذلك كذب الذين من قبلهم ﴾ يعني كما كذب هؤلاء بالقرآن كذلك كذب الأمم الماضية أنبياءهم فيما وعدوهم به ﴿ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي : فانظر يا محمد كيف كان عاقبة من ظلم من الأمم كذلك تكون عاقبة من كذبك من قومك ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل يحتمل أن يكون الخطاب لكل فرد من الناس.
والمعنى : فانظر أيها الإنسان كيف كان عاقبة من ظلم فاحذر أن تفعل مثل فعله.
قوله عز وجل :﴿ ومنهم من يؤمن به ﴾ يعني ومن قومك يا محمد من سيؤمن بالقرآن ﴿ ومنهم من لا يؤمن به ﴾ لعلم الله السابق فيه أنه لا يؤمن ﴿ وربك أعلم بالمفسدين ﴾ يعني الذين لا يؤمنون.

[سورة يونس (١٠): الآيات ٤١ الى ٤٥]

وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ يعني وإن كذبك قومك يا محمد فَقُلْ أي فقل لهم لِي عَمَلِي يعني الطاعة وجزاء ثوابها وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ يعني الشرك وجزاء عقابه أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ قيل: المراد منه الزجر والرجوع. وقال مقاتل والكلبي: هذه الآية منسوخة بآية السيف. قال الإمام فخر الدين الرازي: وهو بعيد لأن شرط الناسخ أن يكون رافعا الحكم المنسوخ. ومدلول الآية: اختصاص كل واحد بأفعاله وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب وآية القتال ما رفعت شيئا من مدلولات هذه الآية فكان القول بالنسخ باطلا.
قوله تعالى: وَمِنْهُمْ يعني ومن هؤلاء المشركين مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يعني بأسماعهم الظاهرة ولا ينفعهم ذلك لشدة بغضهم وعداوتهم لك أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ يعني كما أنك لا تقدر على إسماع الصم فكذلك لا تقدر على إسماع من أصم الله سمع قلبه وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ يعني أن الله سبحانه وتعالى صرف قلوبهم عن الانتفاع بما يسمعون ولم يوفقهم لذلك فهم بمنزلة الجهال إذا لم ينتفعوا بما لم يسمعوا وهم أيضا كالصم الذين لا يعقلون شيئا ولا يفهمونه لعدم التوفيق وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ يعني بأبصارهم الظاهرة أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ يريد عمي القلوب وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ لأن الله أعمى بصائر قلوبهم فلا يبصرون شيئا من الهدى وفي هذا تسلية من الله عز وجل لنبيه ﷺ يقول الله عز وجل إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ولا تقدر أن تهدي من سلبته البصر ولا تقدر أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
قال العلماء: لما حكم الله عز وجل على أهل الشقوة بالشقاوة لقضائه وقدره السابق فيهم أخبر في هذه الآية أن تقدير الشقاوة عليهم ما كان ظلما منه لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء والخلق كلهم عبيدة وكل من تصرف في ملكه لا يكون ظالما وإنما قال ولكن الناس أنفسهم يظلمون لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب وإن كان قد سبق قضاء الله وقدره فيهم.
قوله سبحانه وتعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعني: واذكر يا محمد يوم نجمع هؤلاء المشركين لموقف الحساب. وأصل الحشر: إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يعني كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من النهار. وقيل: معناه كأنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار.
والوجه الأول أولى، لأن حال المؤمن والكافر سواء في عدم المعرفة بمقدار لبثهم في القبور إلى وقت الحشر، فتعين حمله على أمر يختص بحال الكافر وهو أنهم لما لم ينتفعوا بأعمارهم في الدنيا استقلوها. والمؤمن لما انتفع بعمره في الدنيا لم يستقله. وسبب استقلال الكفار: مدة مقامهم في الدنيا أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على ما فيها ولم يعملوا بطاعة الله فيها كان وجود ذلك كالعدم فلذلك استقلوه. وقيل: إنهم لما شاهدوا أهوال يوم القيامة وطال عليهم ذلك، استقلوا مدة مقامهم في الدنيا، لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جدا يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعني: يعرف بعضهم بعضا إذا خرجوا من قبورهم كما كانوا يتعارفون في الدنيا ثم تنقطع المعرفة بينهم إذا عاينوا أهوال يوم القيامة، وفي بعض الآثار: أن الإنسان يوم القيامة يعرف من بجنبه ولا يقدر أن يكلمه هيبة وخشية، وقيل: إن أحوال يوم القيامة مختلفة ففي بعضها يعرف بعضهم بعضا وفي بعضها ينكر بعضهم بعضا لهول ما يعاينون في ذلك اليوم قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ يعني أن
قوله تعالى :﴿ ومنهم ﴾ يعني ومن هؤلاء المشركين ﴿ من يستمعون إليك ﴾ يعني بأسماعهم الظاهرة ولا ينفعهم ذلك لشدة بغضهم وعداوتهم لك ﴿ أفأنت تسمع الصم ﴾ يعني كما أنك لا تقدر على إسماع الصم فكذلك لا تقدر على إسماع من أصم الله سمع قلبه ﴿ ولو كانوا لا يعقلون ﴾ يعني أن الله سبحانه وتعالى صرف قلوبهم عن الانتفاع بما يسمعون ولم يوفقهم لذلك فهم بمنزلة الجهال إذا لم ينتفعوا بما لم يسمعوا وهم أيضاً كالصم الذين لا يعقلون شيئاً ولا يفهمونه لعدم التوفيق.
﴿ ومنهم من ينظر إليك ﴾ يعني بأبصارهم الظاهرة ﴿ أفأنت تهدي العمي ﴾ يريد عمي القلوب ﴿ ولو كانوا لا يبصرون ﴾ لأن الله أعمى بصائر قلوبهم فلا يبصرون شيئاً من الهدى وفي هذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ولا تقدر أن تهدي من سلبته البصر ولا تقدر أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن.
﴿ إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون ﴾. قال العلماء : لما حكم الله عز وجل على أهل الشقوة بالشقاوة لقضائه وقدره السابق فيهم أخبر في هذه الآية أن تقدير الشقاوة عليهم ما كان ظلماً منه لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء والخلق كلهم عبيدة وكل من تصرف في ملكه لا يكون ظالماً وإنما قال ولكن الناس أنفسهم يظلمون لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب وإن كان قد سبق قضاء الله وقدره فيهم.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ويوم يحشرهم ﴾ يعني : واذكر يا محمد يوم نجمع هؤلاء المشركين لموقف الحساب. وأصل الحشر : إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم ﴿ كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ﴾ يعني كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من النهار. وقيل : معناه كأنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار. والوجه الأول أولى، لأن حال المؤمن والكافر سواء في عدم المعرفة بمقدار لبثهم في القبور إلى وقت الحشر، فتعين حمله على أمر يختص بحال الكافر وهو أنهم لما لم ينتفعوا بأعمارهم في الدنيا استقلوها. والمؤمن لما انتفع بعمره في الدنيا لم يستقله. وسبب استقلال الكفار : مدة مقامهم في الدنيا أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على ما فيها ولم يعملوا بطاعة الله فيها كان وجود ذلك كالعدم فلذلك استقلوه. وقيل : إنهم لما شاهدوا أهوال يوم القيامة وطال عليهم ذلك، استقلوا مدة مقامهم في الدنيا، لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جداً ﴿ يتعارفون بينهم ﴾ يعني : يعرف بعضهم بعضاً إذا خرجوا من قبورهم كما كانوا يتعارفون في الدنيا ثم تنقطع المعرفة بينهم إذا عاينوا أهوال يوم القيامة، وفي بعض الآثار : أن الإنسان يوم القيامة يعرف من بجنبه ولا يقدر أن يكلمه هيبة وخشية، وقيل : إن أحوال يوم القيامة مختلفة ففي بعضها يعرف بعضها بعضاً وفي بعضها ينكر بعضهم بعضاً لهول ما يعاينون في ذلك اليوم ﴿ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ﴾ يعني أن من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية قد خسر لأنه أثر الفاني على الباقي ﴿ وما كانوا مهتدين ﴾ يعني إلى ما يصلحهم وينجيهم من هذا الخسار.
من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية قد خسر لأنه أثر الفاني على الباقي وَما كانُوا مُهْتَدِينَ يعني إلى ما يصلحهم وينجيهم من هذا الخسار.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٤٦ الى ٥٠]
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠)
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يعني يا محمد بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يعني ما نعدهم به من العذاب في الدنيا فذاك أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نريك ذلك الوعد في الدنيا فإنك ستراه في الآخرة وهو قوله سبحانه وتعالى: فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ يعني في الآخرة وفيه دليل على أن الله يري رسول الله ﷺ أنواعا من عذاب الكافرين وذلهم وخزيهم في حال حياته في الدنيا وقد أراه ذلك في يوم بدر وغيره من الأيام وسير به ما أعد لهم من العذاب في الآخرة بسبب كفرهم وتكذيبهم ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ فيه وعيد وتهديد لهم يعني أنه سبحانه وتعالى شاهد على أفعالهم التي فعلوها في الدنيا فيجازيهم عليها يوم القيامة.
قوله عز وجل: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ لما بيّن الله عز وجل حال محمد ﷺ مع قومه بيّن أن حال الأنبياء مع أممهم كذلك فقال تعالى: ولكل أمة، يعني قد خلت وتقدمت قبلكم، رسول يعني: مبعوثا إليهم يدعو إلى الله وإلى طاعته والإيمان به فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ في هذا الكلام إضمار تقديره، فإذا جاءهم رسولهم وبلغهم ما أرسل به إليهم فكذبه قوم وصدقه آخرون قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يعني حكم بينهم بالعدل وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان: أحدهما: أنه في الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى كل أمة رسولا لتبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإزالة العذر فإذا كذبوا رسلهم وخالفوا أمر الله قضى بينهم، وبين رسلهم في الدنيا فيهلك الكافرين وينجي رسلهم والمؤمنين ويكون ذلك عدلا لا ظلما لأن قبل مجيء الرسول لا يكون ثوابا ولا عقابا.
القول الثاني: إن وقت القضاء في الآخرة وذلك أن الله إذا جمع الأمم يوم القيامة للحساب والقضاء بينهم والفصل بين المؤمن والكافر والطائع والعاصي جيء بالرسل لتشهد عليهم. والمراد من ذلك، المبالغة في إظهار العدل، وهو قوله تعالى: وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني من جزاء أعمالهم شيئا ولكن يجازي كل أحد على قدر عمله.
وقيل: معناه أنهم لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم وَيَقُولُونَ يعني هؤلاء الكفار مَتى هذَا الْوَعْدُ يعني الذي تعدنا به يا محمد من نزول العذاب وقيل قيام الساعة، وإنما قالوا ذلك على وجه التكذيب والاستبعاد إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني فيما تعدونا به، وإنما قالوا بلفظ الجمع لأن كل أمة قالت لرسولها كذلك أو يكون المعنى: إن كنتم صادقين أنت وأتباعك يا محمد أو ذكروه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم قُلْ أي: قل لهم يا محمد لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعني لا أملك لنفسي دفع ضر أو جلب نفع ولا أقدر على ذلك إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ يعني أن أقدر عليه أو أملكه. والمعنى: أن إنزال العذاب على الأعداء وإظهار النصر للأولياء وعلم قيام الساعة لا يقدر عليه إلا الله فتعيين الوقت إلى الله سبحانه وتعالى بحسب مشيئته ثم إذا حضر ذلك الوقت الذي وقته الله لحدوث هذه الأشياء فإنه يحدث لا محالة وهو قوله سبحانه وتعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي مدة مضروبة ووقت معين إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يعني إذا انقضت مدة أعمارهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ يعني لا يتأخرون عن ذلك الأجل الذي أجل لهم ولا يتقدمونه قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً يعني ليلا يقال بات
قوله عز وجل :﴿ ولكل أمة رسول ﴾ لما بيَّن الله عز وجل حال محمد صلى الله عليه وسلم مع قومه بيَّن أن حال الأنبياء مع أممهم كذلك فقال تعالى : وكل أمة، يعني قد خلت وتقدمت قبلكم، رسول يعني : مبعوثاً إليهم يدعو إلى الله وإلى طاعته والإيمان به ﴿ فإذا جاء رسولهم ﴾ في هذا الكلام إضمار تقديره، فإذا جاءهم رسولهم وبلغهم ما أرسل به إليهم فكذبه قوم وصدقه آخرون ﴿ قضي بينهم بالقسط ﴾ يعني حكم بينهم بالعدل وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان : أحدهما : أنه في الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى كل أمة رسولاً لتبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإزالة العذر فإذا كذبوا رسلهم وخالفوا أمر الله قضى بينهم، وبين رسلهم في الدنيا فيهلك الكافرين وينجي رسلهم والمؤمنين ويكون ذلك عدلاً لا ظلماً لأن قبل مجيء الرسول لا يكون ثواباً ولا عقاباً.
القول الثاني : إن وقت القضاء في الآخرة وذلك أن الله إذا جمع الأمم يوم القيامة للحساب والقضاء بينهم والفصل بين المؤمن والكافر والطائع والعاصي جيء بالرسل لتشهد عليهم. والمراد من ذلك، المبالغة في إظهار العدل، وهو قوله تعالى :﴿ وهم لا يظلمون ﴾ يعني من جزاء أعمالهم شيئاً ولكن يجازي كل أحد على قدر عمله. وقيل : معناه أنهم لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
﴿ ويقولون ﴾ يعني هؤلاء الكفار ﴿ متى هذا الوعد ﴾ يعني الذي تعدنا به يا محمد من نزلو العذاب وقيل قيام الساعة، وإنما قالوا ذلك على وجه التكذيب والاستبعاد ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ يعني فيما تعدونا به، وإنما قالوا بلفظ الجمع لأن كل أمة قالت لرسولها كذلك أو يكون المعنى : إن كنتم صادقين أنت وأتباعك يا محمد أو ذكروه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم.
﴿ قل ﴾ أي : قل لهم يا محمد ﴿ لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً ﴾ يعني لا أملك لنفسي دفع ضر أو جلب نفع ولا أقدر على ذلك ﴿ إلا ما شاء الله ﴾ يعني أن أقدر عليه أو أملكه. والمعنى : أن إنزال العذاب على الأعداء وإظهار النصر للأولياء وعلم قيام الساعة لا يقدر عليه إلا الله فتعيين الوقت إلى الله سبحانه وتعالى بحسب مشيئته ثم إذا حضر ذلك الوقت الذي وقته الله لحدوث هذه الأشياء فإنه يحدث لا محالة وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولكل أمة أجل ﴾ أي مدة مضروبة ووقت معين ﴿ إذا جاء أجلهم ﴾ يعني إذا انقضت مدة أعمارهم ﴿ فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾ يعني لا يتأخرون عن ذلك الأجل الذي أجل لهم ولا يتقدمونه.
﴿ قل ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك ﴿ أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً ﴾ يعني ليلاً يقال بات يفعل كذا إذا فعل بالليل والسبب فيه إن الإنسان في الليل لا يكون إلا في البيت غالباً فجعل الله هذه اللفظة كناية عن الليل ﴿ أو نهاراً ﴾ يعني في النهار ﴿ ماذا يستعجل منه المجرمون ﴾ يعني ما الذي يستعجلون من نزول العذاب وقد وقعوا فيه وحقيقة المعنى أنهم كانوا يستعجلون نزول العذاب كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله ﴿ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ فأجابهم الله سبحانه وتعالى بقوله :﴿ ماذا يستعجل منه المجرمون ﴾ يعني أي شيء يعلم المجرمون ما يطلبون ويستعجلون كما يقول الرجل لغيره وقد فعل فعلاً قبيحاً ماذا جنيت على نفسك.
يفعل كذا إذا فعل بالليل والسبب فيه إن الإنسان في الليل لا يكون إلا في البيت غالبا فجعل الله هذه اللفظة كناية عن الليل أَوْ نَهاراً يعني في النهار ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ يعني ما الذي يستعجلون من نزول العذاب وقد وقعوا فيه وحقيقة المعنى أنهم كانوا يستعجلون نزول العذاب كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فأجابهم الله سبحانه وتعالى بقوله: ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ يعني أي شيء يعلم المجرمون ما يطلبون ويستعجلون كما يقول الرجل لغيره وقد فعل فعلا قبيحا ماذا جنيت على نفسك.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٥١ الى ٥٦]
أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥)
هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)
أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ يعني إذا ما نزل العذاب ووقع آمَنْتُمْ بِهِ يعني آمنتم بالله وقت نزول العذاب وهو وقت اليأس وقيل معناه صدقتم بالعذاب عند نزوله ودخلت همزة الاستفهام على ثم للتوبيخ والتقريع آلْآنَ فيه إضمار تقديره يقال لهم آلآن تؤمنون أي حين وقوع العذاب وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ يعني تكذيبا واستهزاء ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني ظلموا أنفسهم بسبب شركهم وكفرهم بالله ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ يعني في الدنيا من الأعمال.
قوله سبحانه وتعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ يعني ويستخبرونك يا محمد أحق ما تعدنا به من نزول العذاب وقيام الساعة قُلْ إِي وَرَبِّي أي قل لهم يا محمد نعم وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ يعني إن الذي أعدكم به حق، لا شك فيه وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يعني بفائتين من العذاب لأن من عجز عن شيء فقد فاته وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ يعني أشركت ما فِي الْأَرْضِ يعني من شيء لَافْتَدَتْ بِهِ يعني يوم القيامة. والافتداء: بمعنى البذل لما ينجو به من العذاب إلا أنه لا ينفعه الفداء ولا يقبل منه وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ يعني يوم القيامة، وإنما جاء بلفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة، لأن أحوال يوم القيامة لما كانت واجبة الوقوع، جعل الله مستقبلها كالماضي والإسرار يكون بمعنى الإخفاء وبمعنى الإظهار فهو من الأضداد، فلهذا اختلفوا في قوله: وأسروا الندامة. فقال أبو عبيدة: معناه وأظهروا الندامة لأن ذلك اليوم ليس يوم تصبر وتصنع. وقيل: معناه أخفوا، يعني أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء والأتباع خوفا من ملامتهم إياهم وتعبيرهم لهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يعني:
حين عاينوا العذاب وأبصروه وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يعني وحكم بينهم بالعدل قيل بين المؤمن والكافر وقيل:
بين الرؤساء والأتباع. وقيل: بين الكفار لاحتمال أن بعضهم قد ظلم بعضا فيؤخذ للمظلوم من الظالم وهو قوله سبحانه وتعالى: وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني في الحكم لهم وعليهم بأن يخفف من عذاب المظلوم ويشدد في عذاب الظالم أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أن كل شيء في السموات والأرض لله ملك له لا يشركه فيه غيره فليس للكافر شيء يفتدي به من عذاب الله يوم القيامة لأن الأشياء كلها لله وهو أيضا ملك لله فكيف يفتدي من هو مملوك لغيره بشيء لا يملكه أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني ما وعد الله به على لسان نبيه ﷺ من ثواب الطائع وعقاب العاصي حق لا شك فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يعني حقيقة ذلك هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ
﴿ ثم قيل للذين ظلموا ﴾ يعني ظلموا أنفسهم بسبب شركهم وكفرهم بالله ﴿ ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ﴾ يعني في الدنيا من الأعمال.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ويستنبئونك أحق هو ﴾ يعني ويستخبرونك يا محمد أحق ما تعدنا به من نزول العذاب وقيام الساعة ﴿ قل إي وربي ﴾ أي قل لهم يا محمد نعم وربي ﴿ إنه لحق ﴾ يعني إن الذي أعدكم به حق، لا شك فيه ﴿ وما أنتم بمعجزين ﴾ يعني بفائتين من العذاب لأن من عجز عن شيء فقد فاته.
﴿ ولو أن لكل نفس ظلمت ﴾ يعني أشركت ﴿ ما في الأرض ﴾ يعني من شيء ﴿ لافتدت به ﴾ يعني يوم القيامة. والافتداء : بمعنى البذل لما ينجو به من العذاب إلا أنه لا ينفعه الفداء ولا يقبل منه ﴿ وأسرّوا الندامة ﴾ يعني يوم القيامة، وإنما جاء بلفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة، لأن أحوال يوم القيامة لما كانت واجبة الوقوع، جعل الله مستقبلها كالماضي والإسرار يكون بمعنى الإخفاء وبمعنى الإظهار فهو من الأضداد، فلهذا اختلفوا في قوله : وأسروا الندامة. فقال أبو عبيدة : معناه وأظهروا الندامة لأن ذلك اليوم ليس يوم تصبر وتصنع. وقيل : معناه أخفوا، يعني أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء والأتباع خوفاً من ملامتهم إياهم وتعبيرهم لهم ﴿ لما رأوا العذاب ﴾ يعني : حين عاينوا العذاب وأبصروه ﴿ وقضي بينهم بالقسط ﴾ يعني وحكم بينهم بالعدل قيل بين المؤمن والكافر وقيل : بين الرؤساء والأتباع. وقيل : بين الكفار لاحتمال أن بعضهم قد ظلم بعضاً فيؤخذ للمظلوم من الظالم وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ وهم لا يظلمون ﴾ يعني في الحكم لهم وعليهم بأن يخفف من عذاب المظلوم ويشدد في عذاب الظالم.
﴿ ألا إن لله ما في السماوات والأرض ﴾ يعني أن كل شيء في السماوات والأرض لله ملك له لا يشركه فيه غيره فليس للكافر شيء يفتدي به من عذاب الله يوم القيامة لأن الأشياء كلها لله وهو أيضاً ملك لله فكيف يفتدي من هو مملوك لغيره بشيء لا يملكه ﴿ ألا إن وعد الله حق ﴾ يعني ما وعد الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ثواب الطائع وعقاب العاصي حق لا شك فيه ﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ يعني حقيقة ذلك.
﴿ هو يحيي ويميت ﴾ يعني الذي يملك ما في السماوات والأرض قادر على الإحياء والإماتة لا يتعذر عليه شيء مما أراد ﴿ وإليه ترجعون ﴾ يعني بعد الموت للجزاء.
يعني الذي يملك ما في السموات والأرض قادر على الإحياء والإماتة لا يتعذر عليه شيء مما أراد وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني بعد الموت للجزاء قوله عز وجل:
[سورة يونس (١٠): الآيات ٥٧ الى ٦٠]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠)
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ قيل: أراد بالناس قريشا. وقيل: هو على العموم وهو الأصح وهو اختيار الطبري قد جاءتكم موعظة من ربكم يعني القرآن والوعظ زجر مقترن بتخويف. وقال الخليل:
هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب. وقيل: الموعظة، ما يدعو إلى الصلاح بطريق الرغبة والرهبة.
والقرآن داع إلى كل خير وصلاح بهذا الطريق وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ يعني أن القرآن ذو شفاء لما في القلوب من داء الجهل وذلك لأن داء الجهل أضر للقلب من داء المرض للبدن.
وأمراض القلب هي: الأخلاق الذميمة والعقائد الفاسدة والجهالات المهلكة.
فالقرآن مزيل لهذه الأمراض كلها، لأن فيه الوعظ والزجر والتخويف والترغيب والترهيب والتحذير والتذكير فهو الدواء والشفاء لهذه الأمراض القلبية، وإنما خص الصدر بالذكر، لأنه موضع القلب وغلافه وهو أعز موضع في بدن الإنسان لمكان القلب فيه وَهُدىً يعني وهو هدى من الضلالة وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يعني ونعمة على المؤمنين لأنهم هم الذين انتفعوا بالقرآن دون غيرهم قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ الباء في بفضل الله متعلقة بمضمر استغنى عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله قد جاءتكم موعظة من ربكم. والفضل هنا: بمعنى الإفضال ويكون معنى الآية على هذا يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهو القرآن بإفضال الله عليكم ورحمته بكم وإرادته الخير لكم ثم قال سبحانه وتعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أشار بذلك إلى القرآن لأن المراد بالموعظة والشفاء: القرآن فترك اللفظ وأشار إلى المعنى وقيل: فبذلك فليفرحوا إشارة إلى معنى الفضل والرحمة والمعنى فبذلك التطول والإنعام فليفرحوا قال الواحدي الفاء في قوله تعالى: فَلْيَفْرَحُوا زائدة كقول الشاعر:
فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي فالفاء في قوله فاجزعي، زائدة.
وقال صاحب الكشاف في معنى الآية بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك. فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير إيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه والفاء داخلة لمعنى الشرط فكأنه قيل: إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما، والفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب والمشتهى. يقال: فرحت بكذا إذا أدركت المأمول ولذلك أكثر ما يستعمل الفرح في اللذات البدنية الدنيوية واستعمل هنا فيما يرغب فيه من الخيرات ومعنى الآية ليفرح المؤمنون بفضل الله ورحمته أي ما آتاهم الله من المواعظ وشفاء الصدور وثلج اليقين بالإيمان وسكون النفس إليه هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يعني من متاع الدنيا ولذاتها الفانية هذا مذهب أهل المعاني في هذه الآية.
﴿ قل بفضل الله وبرحمته ﴾ الباء في بفضل الله متعلقة بمضمر استغنى عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله قد جاءتكم موعظة من ربكم. والفضل هنا : بمعنى الإفضال ويكون معنى الآية على هذا يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهو القرآن بإفضال الله عليكم ورحمته بكم وإرادته الخير لكم ثم قال سبحانه وتعالى :﴿ فبذلك فليفرحوا ﴾ أشارة بذلك إلى القرآن لأن المراد بالموعظة والشفاء : القرآن فترك اللفظ وأشار إلى المعنى وقيل : فبذلك فليفرحوا إشارة إلى معنى الفضل والرحمة والمعنى فبذلك التطول والإنعام فليفرحوا قال الواحدي الفاء في قوله تعالى : فليفرحوا زائدة كقول الشاعر :
فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ***
فالفاء في قوله فاجزعي، زائدة.
وقال صاحب الكشاف في معنى الآية بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك. فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير إيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه والفاء داخلة لمعنى الشرط فكأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما، والفرح : لذة في القلب بإدراك المحبوب والمشتهى. يقال : فرحت بكذا إذا أدركت المأمول ولذلك أكثر ما يستعمل الفرح في اللذات البدنية الدنيوية واستعمل هنا فيما يرغب فيه من الخيرات ومعنى الآية ليفرح المؤمنون بفضل الله ورحمته أي ما آتاهم الله من المواعظ وشفاء الصدور وثلج اليقين بالإيمان وسكون النفس إليه ﴿ هو خير مما يجمعون ﴾ يعني من متاع الدنيا ولذاتها الفانية هذا مذهب أهل المعاني في هذه الآية.
وأما مذهب المفسرين فغير هذا، فإن ابن عباس والحسن وقتادة قالوا : فضل الله الإسلام ورحمته القرآن وقال أبو سعيد الخدري : فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله.
وقال ابن عمر : فضل الله الإسلام ورحمته تزيينه في قلوبنا. وقيل : فضل الله الإسلام ورحمته الجنة. وقيل : فضل الله القرآن ورحمته السنن. فعلى هذا الباء في بفضل الله تتعلق بمحذوف يفسره ما يعده تقديره قل فليفرحوا بفضل الله وبرحمته.
﴿ قل ﴾ أي قل يا محمد لكفار مكة ﴿ أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ﴾ يعني من زرع وضرع وغيرهما وعبر عما في الأرض بالإنزال لأن جميع ما في الأرض من خير ورزق فإنما هو من بركات السماء ﴿ فجعلتم منه ﴾ يعني من ذلك الرزق ﴿ حراماً وحلالاً ﴾ يعني ما حرموه على أنفسهم في الجاهلية من الحرث والأنعام، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
قال الضحاك : هو قوله سبحانه وتعالى :﴿ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ﴾ ﴿ قل آلله أذن لكم ﴾ يعني : قل لهم يا محمد آلله أذن لكم في هذا التحريم ﴿ أم على الله تفترون ﴾ يعني بل أنتم كاذبون على الله في ادعائكم أن الله أمرنا بهذا.
﴿ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ﴾ يعني : إذا لقوه يوم القيامة أيحسبون أنه لا يؤاخذهم على أعمالهم فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع والوعيد العظيم لمن يفتري على الله الكذب ﴿ إن الله لذو فضل على الناس ﴾ يعني ببعثة الرسل وإنزال الكتب لبيان الحلال والحرام﴿ ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾ يعني : لا يشكرون الله على ذلك الفضل والإحسان.
وأما مذهب المفسرين فغير هذا، فإن ابن عباس والحسن وقتادة قالوا: فضل الله الإسلام ورحمته القرآن وقال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله.
وقال ابن عمر: فضل الله الإسلام ورحمته تزيينه في قلوبنا. وقيل: فضل الله الإسلام ورحمته الجنة.
وقيل: فضل الله القرآن ورحمته السنن. فعلى هذا الباء في بفضل الله تتعلق بمحذوف يفسره ما يعده تقديره قل فليفرحوا بفضل الله وبرحمته قُلْ أي قل يا محمد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ يعني من زرع وضرع وغيرهما وعبر عما في الأرض بالإنزال لأن جميع ما في الأرض من خير ورزق فإنما هو من بركات السماء فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ يعني من ذلك الرزق حَراماً وَحَلالًا يعني ما حرموه على أنفسهم في الجاهلية من الحرث والأنعام، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
قال الضحاك: وهو قوله سبحانه وتعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ يعني: قل لهم يا محمد آلله أذن لكم في هذا التحريم والتحليل أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ
يعني بل أنتم كاذبون على الله في ادعائكم أن الله أمرنا بهذا وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني: إذا لقوه يوم القيامة أيحسبون أنه لا يؤاخذهم ولا يجازيهم على أعمالهم فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع والوعيد العظيم لمن يفتري على الله الكذب إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ يعني ببعثة الرسل وإنزال الكتب لبيان الحلال والحرام وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ يعني: لا يشكرون الله على ذلك الفضل والإحسان.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣)
قوله سبحانه وتعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ الخطاب للنبي ﷺ وحده والشأن الخطب والحال والأمر الذي يتفق ويصلح ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور والجمع الشؤون تقول العرب ما شأن فلان أي ما ماله.
والشأن اسم إذا كان بمعنى الخطب والحال ويكون مصدرا إذا كان معناه القصد والذي في هذه الآية يجوز أن يكون المراد به الاسم. قال ابن عباس: معناه، وما تكون يا محمد في شأن يريد من أعمال البر؟ وقال الحسن: في شأن من شؤون الدنيا وحوائجك ويجوز أن يكون المراد منه القصد يعني قصد الشيء وما تتلو منه من قرآن. اختلفوا في الضمير في منه إلى ماذا يعود فقيل: يعود إلى الشأن إذ تلاوة القرآن شأن من شؤون رسول الله ﷺ بل هو أعظم شؤونه، فعلى هذا يكون داخلا تحت قوله تعالى: وما تكون في شأن إلا أنه سبحانه وتعالى خصه بالذكر لشرفه وعلو مرتبته. وقيل: إنه راجع إلى القرآن لأنه قد تقدم ذكره في قوله سبحانه وتعالى قل بفضل الله وبرحمته، فعلى هذا يكون المعنى وما تتلو من القرآن من قرآن يعني من سورة وشيء منه لأن لفظ القرآن يطلق على جميعه وعلى بعضه. وقيل: الضمير في منه راجع إلى الله والمعنى وما تتلو من الله من قرآن نازل عليك.
وأما قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ فإنه خطاب للنبي ﷺ وأمته داخلون فيه ومرادون به، لأن من المعلوم أنه إذا خوطب رئيس قوم وكبيرهم، كان القوم داخلين في ذلك الخطاب. ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: ولا تعملون من عمل على صيغة الجمع فدل على أنهم داخلون في الخطابين الأولين وقوله
449
سبحانه وتعالى: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً يعني شاهدين لأعمالكم وذلك لأن الله سبحانه وتعالى شاهد على كل شيء وعالم بكل شيء لأنه لا محدث ولا خالق ولا موجد إلا الله تعالى فكل ما يدخل في الوجود من أحوال العباد وأعمالهم الظاهرة والباطنة داخل في علمه وهو شاهد عليه إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ يعني أن الله سبحانه وتعالى شاهد عليكم حين تدخلون وتخوضون في ذلك العمل.
والإفاضة: الدخول في العمل على جهة الانتصاب إليه والانبساط فيه. وقال ابن الأنباري: معناه إذ تدفعون فيه وتبسطون في ذكره. وقيل: الإفاضة: الدفع بكثرة. وقال الزجاج: تنشرون فيه. يقال: أفاض القوم في الحديث، إذا انتشروا فيه وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ يعني: وما يبعد ويغيب عن ربك يا محمد من عمل خلقه شيء لأنه عالم به وشاهد عليه. وأصل العزوب: البعد. يقال منه كلام عازب إذا كان بعيد المطلب مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ يعني وزن ذرة والمثقال: الوزن. والذرّة: النملة الصغيرة الحمراء وهي خفيفة الوزن جدا فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ فإن قلت: لم قدم ذكر الأرض على السماء هنا وقدم ذكر السماء على الأرض في سورة سبأ وما فائدة ذلك؟ قلت: كان حق السماء أن تقدم على الأرض كما في سورة سبأ إلا أنه تعالى لما ذكر في هذه الآية شهادته على أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم، ثم وصل ذلك بقوله وما يعزب عن ربك حسن تقديم الأرض على السماء في هذا الموضع لهذه الفائدة وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ يعني من الذرة وَلا أَكْبَرَ يعني منها إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ يعني في اللوح المحفوظ.
قوله سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ اعلم أننا نحتاج أولا في تفسير هذه الآية أن نبين من يستحق اسم الولاية ومن هو الولي فنقول: اختلف العلماء فيمن يستحق هذا الاسم فقال ابن عباس في هذه الآية هم الذين يذكر الله لرؤيتهم وروى الطبري بسنده عن سعيد بن جبير مرسلا قال: «سئل رسول الله ﷺ عن أولياء الله فقال هم الذين إذ رأوا ذكر الله» وقال ابن زيد: هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ولن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى.
وقال قوم: هم المتحابون في الله. ويدل على ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا بشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم؟. قال: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتقاطعونها فو الله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ هذه الآية: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» أخرجه أبو داود.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» أخرجه مسلم.
عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» أخرجه الترمذي.
وروى البغوي بسنده عن أبي مالك الأشعري. قال: كنت عند النبي ﷺ فقال: «إن لله عبيدا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة. قال: وفي ناحية القوم أعرابي، فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه رسول الله ﷺ البشر فقال هم عباد من عباد الله ومن بلدان شتى وقبائل شتى لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتبادلون بها يتحابون بروح الله يجعل وجوههم نورا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن، يفزع الناس ولا يفزعون ويخاف الناس
450
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾ اعلم أننا نحتاج أولاً في تفسير هذه الآية أن نبين من يستحق اسم الولاية ومن هو الولي فنقول : اختلف العلماء فيمن يستحق هذا الاسم فقال ابن عباس في هذه الآية هم الذين يذكر الله لرؤيتهم وروى الطبري بسنده عن سعيد بن جبير مرسلاً قال :«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله فقال هم الذين إذ رؤوا ذكر الله » وقال ابن زيد : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ولن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى.
وقال قوم : هم المتحابون في الله. ويدل على ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا بشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم ؟. قال : هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتقاطعونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ هذه الآية : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » أخرجه أبو داود.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » أخرجه مسلم.
عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله تعالى : المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء » أخرجه الترمذي.
وروي البغوي بسنده عن أبي مالك الأشعري. قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال :«إن لله عبيداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة » قال : وفي ناحية القوم أعرابي، فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم من هم ؟ قال : فرأيت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم البشر فقال «هم عباد من عباد الله ومن بلدان شتى وقبائل شتى لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتبادلون بها يتحابون بروح الله يجعل وجوههم نوراً ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن، يفزع الناس لو يفزعون ويخاف الناس ولا يخافون » ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«قال الله تبارك وتعالى إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم » هكذا ذكره البغوي بغير سند، وروى الطبري بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من عباد الله عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » الغبطة نوع من الحسد إلا أن الحسد مذموم والغبطة محمودة والفرق بين الحسد والغبطة أن الحاسد يتمنى زوال ما على المحسود من النعمة ونحوها والغبطة هي أن يتمنى الغابط مثل تلك النعمة التي هي على المغبوط من غير زوال عنه.
وقال أبو بكر الأصم : أولياء الله هم الذين تولى الله هدايتهم وتولوا القيام بحق العبودية لله والدعوة إليه. وأصل الولي من الولاء وهو القرب والنصرة فولي الله هو الذي يتقرب إلى الله بكل ما افترض عليه ويكون مشتغلاً بالله مستغرق القلب في معرفة نور جلال الله فإن رأى رأى دلائل قدرة الله وإن سمع سمع آيات الله وإن نطق نطق بالثناء على الله وإن تحرك تحرك في طاعة الله، وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى الله لا يفتر عن ذكر الله ولا يرى بقلبه غير الله، فهذه صفة أولياء الله وإذا كان العبد كذلك كان الله وليه وناصره ومعينه قال الله تعالى :﴿ الله ولي الذين آمنوا ﴾.
وقال المتكلمون : ولي الله من كان آتياً بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتياً بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة وإليه الإشارة بقوله ﴿ الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ وهو أن الإيمان مبني على جميع الاعتقاد والعمل ومقام التقوى هو أن يتقي العبد كل ما نهى الله عنه وقوله سبحانه وتعالى : لا خوف عليهم، يعني في الآخرة إذ خاف غيرهم ولا هم يحزنون يعني على شيء وفاتهم من نعيم الدنيا ولذاتها.
قال بعض المحققين : زوال الخوف والحزن عنهم إنما يحصل لهم في الآخرة لأن الدنيا لا تخلو من هم وغم وأنكاد وحزن.
قال بعض العارفين : إن الولاية عبارة عن القرب من الله ودوام الاشتغال بالله وإذا كان العبد بهذه الحالة فلا يخاف من شيء ولا يحزن على شيء لأن مقام الولاية والمعرفة منعه من أن يخاف أو يحزن.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ فقد تقدم تفسيره وأنه صفة لأولياء الله.
ولا يخافون». ويروى عن النبي ﷺ قال: «قال الله تبارك وتعالى إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم» هكذا ذكره البغوي بغير سند، وروى الطبري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» الغبطة نوع من الحسد إلا أن الحسد مذموم والغبطة محمودة والفرق بين الحسد والغبطة أن الحاسد يتمنى زوال ما على المحسود من النعمة ونحوها والغبطة هي أن يتمنى الغابط مثل تلك النعمة التي هي على المغبوط من غير زوال عنه.
وقال أبو بكر الأصم: أولياء الله هم الذين تولى الله هدايتهم وتولوا القيام بحق العبودية لله والدعوة إليه.
وأصل الولي من الولاء وهو القرب والنصرة فولي الله هو الذي يتقرب إلى الله بكل ما افترض عليه ويكون مشتعلا بالله مستغرق القلب في معرفة نور جلال الله فإن رأى رأى دلائل قدرة الله وإن سمع سمع آيات الله وإن نطق نطق بالثناء على الله وإن تحرك تحرك في طاعة الله وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى الله لا يفتر عن ذكر الله ولا يرى بقلبه غير الله، فهذه صفة أولياء الله وإذا كان العبد كذلك كان الله وليه وناصره ومعينه قال الله تعالى:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا.
وقال المتكلمون: ولي الله من كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتيا بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة وإليه الإشارة بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ وهو أن الإيمان مبني على جميع الاعتقاد والعمل ومقام التقوى هو أن يتقي العبد كل ما نهى الله عنه وقوله سبحانه وتعالى: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، يعني في الآخرة إذ خاف غيرهم ولا هم يحزنون يعني على شيء فاتهم من نعيم الدنيا ولذاتها.
قال بعض المحققين: زوال الخوف والحزن عنهم إنما يحصل لهم في الآخرة لأن الدنيا لا تخلو من هم وغم وأنكاد وحزن.
قال بعض العارفين: إن الولاية عبارة عن القرب من الله ودوام الاشتغال بالله وإذا كان العبد بهذه الحالة فلا يخاف من شيء ولا يحزن على شيء لأن مقام الولاية والمعرفة منعه من أن يخاف أو يحزن.
وأما قوله سبحانه وتعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ فقد تقدم تفسيره وأنه صفة لأولياء الله.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٦٤ الى ٦٥]
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)
وقوله سبحانه وتعالى: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
اختلفوا في هذه البشرى، فروي عن عبادة بن الصامت قال «سألت رسول الله ﷺ عن قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» أخرجه الترمذي.
وله عن رجل من أهل مصر قال «سألت أبا الدرداء عن هذه الآية لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله ﷺ عنها وقال ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» قال الترمذي حديث حسن (خ).
عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة» (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن
451
جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» لفظ البخاري ومسلم «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاث: الرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، قال بعض العلماء: ووجه هذا القول إنا إذا حملنا قوله تبارك وتعالى لهم البشرى على الرؤيا الصالحة الصادقة فظاهر هذا النص يقتضي أن لا تحمل هذه الحالة إلا لهم، وذلك لأن ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلب والروح بذكر الله عز وجل ومن كان كذلك فإنه عند النوم لا يبقى في قلبه غير ذكر الله ومعرفته ومن المعلوم أن معرفة الله في القلب لا تفيد إلا الحق والصدق فإذا رأى الولي رؤيا أو رؤيت له كانت تلك الرؤيا بشرى من الله عز وجل لهذا الولي.
قال الخطابي: في هذه الأحاديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها وإنما كانت جزءا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء عليهم السلام يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، قال الخطابي: قال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء من النبوة وقال الخطابي وغيره في معنى قوله- الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة: أقام النبي ﷺ في النبوة ثلاثا وعشرين سنة على الصحيح وكان قبل ذلك بستة أشهر يرى في المنام الوحي فهي جزء من ستة وأربعين جزءا وقيل إن المنام لعل أن يكون فيه إخبار بغيب وهو أحد مراتب النبوة وهو يسير في جانب النبوة لأنه لا يجوز أن يبعث الله بعد محمد ﷺ نبيا يشرع الشرائع ويبين الأحكام ولا يخبر بغيب أبدا.
فإذا وقع لأحد في المنام الإخبار بغيب يكون هذا القدر جزءا من النبوة لا أنه نبي، وإذا وقع ذلك لأحد في المنام يكون صدقا والله أعلم.
وقيل في تفسير الآية: إن المراد بالبشرى في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة الجنة ويدل على ذلك ما روي عن أبي ذر قال «قيل لرسول الله ﷺ أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن»
أخرجه مسلم قال الشيخ محيي الدين النووي قال العلماء معنى هذا البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل للبشرى المؤخرة له في الآخرة بقوله بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله عنه ومحبته له وتحبيبه إلى الخلق كما قال ثم يوضع له القبول في الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم قال بعض المحققين: إذا اشتغل العبد بالله عز وجل استنار قلبه وامتلأ نورا فيفيض من ذلك النور الذي في قلبه على وجهه فتظهر عليه آثار الخشوع والخضوع يحبه الناس ويثنون عليه فتلك عاجل بشراه بمحبة الله له ورضوانه عليه وقال الزهري وقتادة في تفسير البشرى: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وقال عطاء عن ابن عباس البشرى في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي الآخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى وقال الحسن هي ما بشر الله به المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ويدل عليه قوله تعالى: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
يعني لا خلف لوعد الله الذي وعد به أولياءه وأهل طاعته في كتابه وعلى ألسنة رسله ولا تغيير لذلك الوعدلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
يعني ما وعدهم به في الآخرة وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يقول الله لنبيه محمد ﷺ ولا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين لك ولا يغمك تخويفهم إياك إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً يعني أن القهر والغلبة والقدرة لله جميعا هو المنفرد بها دون غيره وهو ناصرك عليهم والمنتقم لك منهم.
وقال سعيد بن المسيب: إن العزة لله جميعا فيعز من يشاء وهذا كما قال سبحانه وتعالى في آية أخرى «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» ولا منافاة بين الآيتين فإن عزة الرسول ﷺ وعزة المؤمنين بإعزاز الله إياهم فثبت بذلك
452
﴿ ولا يحزنك قولهم ﴾ يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين لك ولا يغمك تخويفهم إياك ﴿ إن العزة لله جميعاً ﴾ يعني أن القهر والغلبة والقدرة لله جميعاً هو المنفرد بها دون غيره وهو ناصرك عليم والمنتقم لك منهم.
وقال سعيد بن المسيب : إن العزة لله جميعاً فيعز من يشاء وهذا كما قال سبحانه وتعالى في آية أخرى ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ﴾ ولا منافاة بين الآيتين فإن عزة الرسول صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين بإعزاز الله إياهم فثبت بذلك أن العزة لله جميعاً وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء. وقيل إن المشركين كانوا يتعززون بكثرة أموالهم وأولادهم وعبيدهم فأخبر الله سبحانه وتعالى أن جميع ذلك لله وفي ملكه فهو قادر على أن يسلبهم جميع ذلك ويذلهم بعد العز ﴿ هو السميع ﴾ لأقوالكم ودعائكم ﴿ العليم ﴾ بجميع أحوالكم لا تخفى عليه خافية.
أن العزة لله جميعا وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء. وقيل إن المشركين كانوا يتعززون بكثرة أموالهم وأولادهم وعبيدهم فأخبر الله سبحانه وتعالى أن جميع ذلك لله وفي ملكه فهو قادر على أن يسلبهم جميع ذلك ويذلهم بعد العز هُوَ السَّمِيعُ لأقوالكم ودعائكم الْعَلِيمُ بجميع أحوالكم لا تخفى عليه خافية.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٦٦ الى ٧٠]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)
قوله سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ألا كلمة تنبيه معناه أنه لا ملك لأحد في السموات ولا في الأرض إلا لله عز وجل فهو يملك من في السموات ومن في الأرض.
فإن قلت قال سبحانه وتعالى في الآية التي قبل هذه ألا إن لله ما في السموات بلفظة ما وقال سبحانه وتعالى في هذه الآية بلفظة من فما فائدة ذلك؟ قلت إن لفظة ما تدل على ما لا يعقل ولفظة من تدل على من يعقل فمجموع الآيتين يدل على أن الله عز وجل يملك جميع من في السموات ومن في الأرض من العقلاء وغيرهم وهم عبيده وفي ملكه.
وقيل: إن لفظة من لمن يعقل فيكون المراد بمن في السموات الملائكة والعقلاء ومن في الأرض الإنس والجن وهم العقلاء أيضا وإنما خصهم بالذكر لشرفهم وإذا كان هؤلاء العقلاء المميزون في ملكه وتحت قدرته فالجمادات بطريق الأولى أن يكونوا في ملكه إذا ثبت هذا فتكون الأصنام التي يعبدها المشركون أيضا في ملكه وتحت قبضته وقدرته ويكون ذلك قدحا في جعل الأصنام شركاء لله معبودة دونه وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ لفظة ما استفهاميه معناه وأي شيء يتبع الذي يدعون من دون الله شركاء والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء لأنهم يعبدونها على أنها شركاء لله تشفع لهم وليس الأمر على ما يظنون وهو قوله سبحانه وتعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني أن فعلهم ذلك ظن منهم أنها تشفع لهم وأنها تقربهم إلى الله وذلك ظن منهم لا حقيقة له وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يعني إن هم إلا يكذبون في دعواهم ذلك.
قوله عز وجل: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً يعني هو الله ربكم الذي خلق لكم الليل راحة لتسكنوا فيه وليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وأصل السكون الثبوت بعد الحركة والنهار مبصرا وجعل النهار مضيئا لتهتدوا فيه لحوائجكم وأسباب معايشكم وأضاف الإبصار إلى النهار وإنما يبصر فيه وليس النهار مما يبصر ولكن لما كان مفهوما من كلام العرب معناه خاطبهم بلغتهم وما يفهمونه قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم
فأضاف النوم إلى الليل ووصفه به وإنما عنى نفسه وأنه لم يكن نائما هو ولا بعيره وهذا من باب نقل الاسم من المسبب إلى السبب قال قطرب تقول العرب أظلم الليل وأبصر النهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء.
قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يعني يسمعون سمع اعتبار وتدبر فيعلمون بذلك أن الذي
قوله عز وجل :﴿ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً ﴾ يعني هو الله ربكم الذي خلق لكم الليل راحة لتسكنوا فيه وليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وأصل السكون الثبوت بعد الحركة والنهار مبصراً وجعل النهار مضيئاً لتهتدوا فيه لحوائجكم وأسباب معايشكم وأضاف الإبصار إلى النهار وإنما يبصر فيه وليس النهار مما يبصر ولكن لما كان مفهوماً من كلام العرب معناه خاطبهم بلغتهم وما يفهمونه قال جرير :
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم
فأضاف النوم إلى الليل ووصفه به وإنما عنى نفسه وأنه لم يكن نائماً ولا بعيره وهذا من باب نقل الاسم من المسبب إلى السبب قال قطرب تقول العرب أظلم الليل وأبصر النهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء.
قوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ﴾ يعني يسمعون سمع اعتبار وتدبر فيعلمون بذلك أن الذي خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود المنفرد بالوحدانية في الوجود.
﴿ قالوا ﴾ يعني المشركين ﴿ اتخذ الله ولداً ﴾ يعني به قولهم الملائكة بنات الله ﴿ سبحانه ﴾ نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد ﴿ هو الغني ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه فكيف يليق بجلاله اتخاذ الولد وإنما يتخذ الولد من هو محتاج إليه والله تعالى هو الغني المطلق وجميع الأشياء محتاجة إليه وهو غني عنها ﴿ له ما في السماوات وما في الأرض ﴾ يعني أنه مالك ما في السماوات وما في الأرض وكلهم عبيده وفي قبضته وتصرفه وهو محدثهم وخالقهم.
ولما نزَّه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد عطف على من قال ذلك بالإنكار والتوبيخ والتقريع فقال سبحانه وتعالى :﴿ إن عندكم من سلطان بهذا ﴾ يعني أنه لا حجة عندكم على هذا القول البتة ثم بالغ في الإنكار عليهم بقوله تعالى :﴿ أتقولون على الله ما لا تعلمون ﴾ يعني أتقولون على الله قولاً لا تعلمون حقيقته وصحته وتضيفون إليه ما لا تجوز إضافته إليه جهلاً منكم بما تقولون بغير حجة ولا برهان.
﴿ قل إن الذين يفترون على الله الكذب ﴾ أي : قل يا محمد لهؤلاء الذين يختلقون على الله الكذب فيقولون على الله الباطل ويزعمون أن له ولداً ﴿ لا يفلحون ﴾ يعني لا يسعدون وإن اغتروا بطول السلام والبقاء في النعمة. والمعنى أن قائل هذا القول لا ينجح في سعيه ولا يفوز بمطلوبه بل خاب وخسر قال الزجاج هذا وقف قام يعني قوله لا يفلحون ثم ابتدأ.
قال تعالى :﴿ متاع في الدنيا ﴾ وفيه إضمار تقديره لهم متاع في الدنيا يتمتعون به مدة أعمارهم وانقضاء آجالهم في الدنيا وهي أيام يسيرة بالنسبة إلى طول مقامهم في العذاب وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ ثم إلينا مرجعهم ﴾ يعني بعد الموت ﴿ ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ﴾ يعني ذلك العذاب بسب بما كانوا يجحدون في الدنيا من نعمة الله عليهم ويصفونه بما لا يليق بجلاله.
خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود المنفرد بالوحدانية في الوجود قالُوا يعني المشركين اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً يعني به قولهم الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد هُوَ الْغَنِيُّ يعني أنه سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه فكيف يليق بجلاله اتخاذ الولد وإنما يتخذ الولد من هو محتاج إليه والله تعالى هو الغني المطلق وجميع الأشياء محتاجة إليه وهو غني عنها لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعني أنه مالك ما في السموات وما في الأرض وكلهم عبيده وفي قبضته وتصرفه وهو محدثهم وخالقهم.
ولما نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد عطف على من قال ذلك بالإنكار والتوبيخ والتقريع فقال سبحانه وتعالى: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا يعني أنه لا حجة عندكم على هذا القول البتة ثم بالغ في الإنكار عليهم بقوله تعالى: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يعني أتقولون على الله قولا لا تعلمون حقيقته وصحته وتضيفون إليه ما لا تجوز إضافته إليه جهلا منكم بما تقولون بغير حجة ولا برهان قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يختلقون على الله الكذب فيقولون على الله الباطل ويزعمون أن له ولدا لا يُفْلِحُونَ يعني لا يسعدون وإن اغتروا بطول السلامة والبقاء في النعمة.
والمعنى أن قائل هذا القول لا ينجح في سعيه ولا يفوز بمطلوبه بل خاب وخسر قال الزجاج هذا وقف قام يعني قوله لا يفلحون ثم ابتدأ فقال تعالى: مَتاعٌ فِي الدُّنْيا وفيه إضمار تقديره لهم متاع في الدنيا يتمتعون به مدة أعمارهم وانقضاء آجالهم في الدنيا وهي أيام يسيرة بالنسبة إلى طول مقامهم في العذاب وهو قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ يعني بعد الموت ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ يعني ذلك العذاب بسبب ما كانوا يجحدون في الدنيا من نعمة الله عليهم ويصفونه بما لا يليق بجلاله.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٧١ الى ٧٣]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
قوله سبحانه وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ لما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة أحوال كفار قريش وما كانوا عليه من الكفر والعناد شرع بعد ذلك في بيان قصص الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم ليكون في ذلك لرسول الله ﷺ أسوة بمن سلف من الأنبياء وتسلية له ليخف عليه ما يلقى من أذى قومه وأن الكفار من قومه إذا سمعوا هذه القصص وما جرى لكفار الأمم الماضية من العذاب والهلاك في الدنيا كان ذلك سببا لخوف قلوبهم وداعيا لهم إلى الإيمان.
ولما كان قوم نوح أول الأمم هلاكا وأعظمهم كفرا وجحودا ذكر الله قصتهم وأنه أهلكهم بالغرق ليصير ذلك موعظة وعبرة لكفار قريش، فقال سبحانه وتعالى واتل عليهم نبأ نوح يعني واقرأ على قومك يا محمد خبر قوم نوح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ وهو بنو قابيل إِنْ كانَ كَبُرَ يعني ثقل عَلَيْكُمْ مَقامِي يعني فيكم وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ يعني: ووعظي إياكم بآيات الله: وقيل: معناه إن كان ثقل وشق عليكم طول مقامي فيكم وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ويذكرهم بآيات الله وهو قوله وتذكيري بآيات الله يعني ووعظي بآيات الله وحججه وبيناته فعزمتم على قتلي وطردي فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ يعني فهو حسبي وثقتي فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ يعني فأحكموا أمركم واعزموا عليه، قال الفراء: الإجماع الإعداد والعزيمة
﴿ فإن توليتم ﴾ يعني فإن أعرضتم عن قولي وقبول نصحي ﴿ فما سألتكم من أجر ﴾ يعني من جعل وعوض على تبليغ الرسالة فإذا لم يأخذ على تبليغ الدعوة إلى الله شيئاً كان أقوى تأثيراً في النفس ﴿ إن أجري إلا على الله ﴾ أي : ما ثوابي وجزائي على تبليغ الرسالة إلا على الله ﴿ وأمرت أن أكون من المسلمين ﴾ يعني أني أمرت بدين الإسلام وأنا ماض فيه غير تارك له سواء قبلتموه أم لم تقبلوه وقيل معناه وأمرت أن أكون من المستسلمين لأمر الله ولكل مكروه يصل إلي منكم لأجل هذه الدعوة.
﴿ فكذبوه ﴾ يعني فكذبوا نوحاً عليه السلام ﴿ فنجيناه ومن معه في الفلك ﴾ يعني في السفينة ﴿ وجعلناهم خلائف ﴾ يعني وجعلنا الذين نجيناهم معه في الفلك سكان الأرض بعد الهالكين ﴿ وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ﴾ أي فانظر يا محمد أو يا أيها الإنسان كيف كان آخر أمر من أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا ولم يقبلوا ذلك.
على الأمر قال ابن الأنباري: المراد من الأمر هنا وجوه كيدهم ومكرهم فالتقدير لا تدعوا من أمركم شيئا إلا أحضرتموه وَشُرَكاءَكُمْ يعني وادعوا شركاءكم يعني آلهتكم فاستعينوا بها لتجمع معكم وتعينكم على مطلوبكم وإنما حثهم على الاستعانة بالأصنام بناء على مذهبهم واعتقادهم أنها تضر وتنفع مع اعتقاده أنها جماد لا تضر ولا تنفع فهو كالتبكيت والتوبيخ لهم ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً يعني لا يكن أمركم عليكم خفيا مبهما ولكن ليكن أمركم ظاهرا منكشفا من قولهم غم الهلال فهو مغموم إذا خفي والتبس على الناس ثُمَّ اقْضُوا ثم امضوا إِلَيَّ بما في أنفسكم من مكروه وما توعدوني به من قتل وطرد وافرغوا منه تقول العرب قضى فلان إذا مات ومضى وقيل معناه ثم اقضوا ما أنتم قاضون وَلا تُنْظِرُونِ أي: ولا تؤخروني ولا تمهلوني بعد إعلامكم إياي ما أنتم عليه وهذا الكلام من نوح عليه السلام على طريق التعجيز لهم أخبر الله عز وجل عن نوح عليه السلام أنه كان قد بلغ الغاية في التوكل على الله وأنه كان واثقا بنصره غير خائف من كيدهم علما منه بأنهم وآلهتهم ليس لهم نفع ولا ضر وإن مكرهم لا يصل إليه فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني فإن أعرضتم عن قولي وقبول نصحي فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ يعني من جعل وعوض على تبليغ الرسالة فإذا لم يأخذ على تبليغ الدعوة إلى الله شيئا كان أقوى تأثيرا في النفس إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ أي: ما ثوابي وجزائي على تبليغ الرسالة إلا على الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني أني أمرت بدين الإسلام وأنا ماض فيه غير تارك له سواء قبلتموه أم لم تقبلوه وقيل معناه وأمرت أن أكون من المستسلمين لأمر الله ولكل مكروه يصل إليّ منكم لأجل هذه الدعوة فَكَذَّبُوهُ يعني فكذبوا نوحا عليه السلام فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ يعني في السفينة وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ يعني وجعلنا الذين نجيناهم معه في الفلك سكان الأرض بعد الهالكين وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أي فانظر يا محمد أو يا أيها الإنسان كيف كان آخر أمر من أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا ولم يقبلوا ذلك.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٧٤ الى ٨٠]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد نوح رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ لم يسم هنا من كان بعد نوح من الرسل وقد كان بعد نوح هود وصالح وغيرهما من الرسل فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات التي تدل على صدقهم فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ يعني أن أولئك الأقوام والأمم التي جاءتهم الرسل جروا على منهاج قوم نوح في التكذيب ولم يزجرهم ما جاءتهم به الرسل ولم يرجعوا عما هم فيه من الكفر والتكذيب كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ يعني مثل إغراقنا قوم نوح بسبب تكذيبهم نوحا كذلك نختم على قلوب من اعتدى وسلك سبيلهم في التكذيب.
قوله عز وجل: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد الرسل مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعني أشراف قومه بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا يعني عن الإيمان بما جاء به موسى وهارون وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ يعني مستكسبين للإثم فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يعني فلما جاء فرعون وقومه الحق الذي جاء به موسى من عند
قوله عز وجل :﴿ ثم بعثنا من بعدهم ﴾ يعني من بعد الرسل ﴿ موسى وهارون إلى فرعون وملئه ﴾ يعني أشراف قومه ﴿ بآياتنا فاستكبروا ﴾ يعني عن الإيمان بما جاء به موسى وهارون ﴿ وكانوا قوماً مجرمين ﴾ يعني مستكسبين للإثم.
﴿ فلما جاءهم الحق من عندنا ﴾ يعني فلما جاء فرعون وقومه الحق الذي جاء به موسى من عند الله ﴿ قالوا إن هذا لسحر مبين ﴾ يعني أن هذا الذي جاء به موسى سحر مبين يعرفه كل أحد.
﴿ قال موسى أتقولون للحق لمَّا جاءكم أسحر هذا ﴾ فيه حذف تقديره أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ثم قال أسحر هذا وهو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنه ليس بسحر ثم احتج على صحة قوله فقال ﴿ ولا يفلح الساحرون ﴾ يعني حاصل السحر تمويه وتخييل وصاحب ذلك لا يفلح أبداً.
﴿ قالوا ﴾ يعني قال قوم فرعون لموسى ﴿ أجئتنا لتلفتنا ﴾ يعني لتصرفنا وتلوينا ﴿ عما وجدنا عليه آباءنا ﴾ يعني من الدين ﴿ وتكون لكما الكبرياء ﴾ يعني الملك والسلطان﴿ في الأرض ﴾ يعني في أرض مصر والخطاب لموسى وهارون. قال الزجاج : سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ﴿ وما نحن لكما بمؤمنين ﴾ يعني بمصدقين.
﴿ وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ﴾ يعني أن فرعون أراد أن يعارض معجزة موسى بأنواع من التلبيس أن ما أتى به موسى سحر.
﴿ فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ﴾ إنما أمرهم موسى بإلقاء ما معهم من الحبال والعصي التي فيها سحرهم ليظهر الحق ويبطل الباطل ويتبين أن ما أتوا به فاسد.
الله قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ يعني أن هذا الذي جاء به موسى سحر مبين يعرفه كل أحد قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا فيه حذف تقديره أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ثم قال أسحر هذا وهو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنه ليس بسحر ثم احتج على صحة قوله فقال وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ يعني حاصل السحر تمويه وتخييل وصاحب ذلك لا يفلح أبدا قالُوا يعني قال قوم فرعون لموسى أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا يعني لتصرفنا وتلوينا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يعني من الدين وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ يعني الملك والسلطان فِي الْأَرْضِ يعني في أرض مصر والخطاب لموسى وهارون.
قال الزجاج: سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ يعني بمصدقين وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ يعني أن فرعون أراد أن يعارض معجزة موسى بأنواع من التلبيس ليظهر أن ما أتى به موسى سحر فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ إنما أمرهم موسى بإلقاء ما معهم من الحبال والعصي التي فيها سحرهم ليظهر الحق ويبطل الباطل ويتبين أن ما أتوا به فاسد.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٨١ الى ٨٣]
فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)
فَلَمَّا أَلْقَوْا يعني ما معهم من الحبال والعصي قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ يعني الذي جئتم به هو السحر الباطل وهذا على سبيل التوبيخ لهم إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ يعني يكمله ويظهر فضيحة صاحبه إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ يعني لا يقويه ولا يكمله ولا يحسنه وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ يعني ويظهر الله الحق ويقويه ويعليه بِكَلِماتِهِ يعني وعده الصادق لموسى أنه يظهره وقيل بما سبق من قضائه وقدره لموسى أنه يغلب السحرة وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.
قوله سبحانه وتعالى: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ لما ذكر الله عز وجل ما أتى به موسى عليه السلام من المعجزات العظيمة الباهرة أخبر الله سبحانه وتعالى أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه وإنما ذكر الله عز وجل هذا تسلية لنبيه محمد ﷺ لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به واستمرارهم على الكفر والتكذيب فبين الله سبحانه وتعالى أن له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الذي جاء به موسى عليه السلام من المعجزات كان أمرا عظيما ومع ذلك فما آمن معه إلا ذرية.
والذرية: اسم يقع على القليل من القوم، قال ابن عباس: الذرية القليل وقيل المراد به التصغير وقلة العدد واختلفوا في هاء الكناية في قومه فقيل إنها راجعة إلى موسى وأراد بهم قوم موسى وهم بنو إسرائيل الذين كانوا معه بمصر من أولاده. قال مجاهد: هم أولاد يعقوب الذين أرسل إليهم موسى هلك الآباء وبقي الأبناء وقيل هم قوم نجوا من قتل فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة في بني إسرائيل إذا ولدت ابنا وهبته لقبطية خوفا عليه من القتل فنشؤوا بين القبط فلما كان اليوم الذي غلب موسى فيه السحرة آمنوا به، وقال ابن عباس:
ذرية من قومه يعني من بني إسرائيل. وقيل: إنها راجعة إلى فرعون يعني إلا ذرية من قوم فرعون.
روى عطية عن ابن عباس قال: هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازنه وامرأة خازنه وماشطة ابنته.
﴿ ويحق الله الحق ﴾ يعني ويظهر الله الحق ويقويه ويعليه ﴿ بكلماته ﴾ يعني وعده الصادق لموسى أنه يظهره وقيل بما سبق من قضائه وقدره لموسى أنه يغلب السحرة ﴿ ولو كره المجرمون ﴾.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ﴾ لما ذكر الله عز وجل ما أتى به موسى عليه السلام من المعجزات العظيمة الباهرة أخبر الله سبحانه وتعالى أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه وإنما ذكر الله عز وجل هذا تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به واستمرارهم على الكفر والتكذيب فبين الله سبحانه وتعالى أن له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الذي جاء به موسى عليه السلام من المعجزات كان أمراً عظيماً ومع ذلك فما آمن معه إلا ذرية.
والذرية : اسم يقع على القليل من القوم، قال ابن عباس : الذرية القليل وقيل المراد به التصغير وقلة العدد واختلفوا في هاء الكناية في قومه فقيل إنها راجعة إلى موسى وأراد بها قوم موسى وهم بنو إسرائيل الذين كانوا معه بمصر من أولاده. قال مجاهد : هم أولاد يعقوب الذين أرسل إليه موسى هلك الآباء وبقي الأبناء وقيل هم قوم نجوا من قتل فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة في بني إسرائيل إذا ولدت ابناً وهبته لقبطية خوفاً عليه من القتل فنشؤوا بين القبط فلما كان اليوم الذي غلب موسى فيه السحرة آمنوا به، وقال ابن عباس : ذرية من قومه يعني من بني إسرائيل. وقيل : إنها راجعة إلى فرعون يعني إلا ذرية من قوم فرعون.
روى عطية عن ابن عباس قال : هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازنه وامرأة خازنه وماشطة ابنته.
قال الفراء : سموا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط من آل فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل فكان الرجل يتبع أمه وأخواله في الإيمان وذلك ما يقال لأولاد فارس الذين دخلوا إلى اليمن الأبناء لأن أمهاتهم من غير جنس الآباء ﴿ على خوف فرعون وملئهم ﴾ الملأ : الأشراف فعلى هذا يكون معنى الآية على خوف من فرعون ومن أشرافهم، وهم ملأ الذرية لأنه كان آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل وقيل أراد بالملأ ملأ فرعون وإنما قال سبحانه وتعالى وملئهم بالجمع وفرعون واحد على سبيل التفخيم له ﴿ أن يفتنهم ﴾ أي يصرفهم ويصدهم عن الإيمان وإنما قال أن يفتنهم ولم يقل أن يفتنوهم لأن قوم فرعون كانوا على مراده وتابعين لأمره ﴿ وإن فرعون لعال في الأرض ﴾ يعني أنه لغالب قهار متكبر فيها ﴿ وإنه لمن المسرفين ﴾ يعني من المجاوزين الحد لأنه كان عبداً فادعى الربوبية وكان كثير القتل والتعذيب لبني إسرائيل.
قال الفراء: سموا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط من آل فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل فكان الرجل يتبع أمه وأخواله في الإيمان وذلك كما يقال لأولاد فارس الذين دخلوا إلى اليمن الأبناء لأن أمهاتهم من غير جنس الآباء عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ الملأ: الأشراف فعلى هذا يكون معنى الآية على خوف من فرعون ومن أشرافهم، وهم ملأ الذرية لأنه كان آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل وقيل أراد بالملإ ملأ فرعون وإنما قال سبحانه وتعالى وملئهم بالجمع وفرعون واحد على سبيل التفخيم له أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي يصرفهم ويصدهم عن الإيمان وإنما قال أن يفتنهم ولم يقل أن يفتنوهم لأن قوم فرعون كانوا على مراده وتابعين لأمره وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ يعني أنه لغالب قهار متكبر فيها وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ يعني من المجاوزين الحد لأنه كان عبدا فادعى الربوبية وكان كثير القتل والتعذيب لبني إسرائيل.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٨٤ الى ٨٨]
وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨)
وَقالَ مُوسى يعني لقومه يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا يعني. فيه فثقوا ولأمره فسلموا فإنه ناصر أوليائه ومهلك أعدائه إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ يعني إن كنتم مستسلمين لأمره قيل إنما أعيد قوله إن كنتم مسلمين بعد قوله إن كنتم آمنتم بالله لإرادة إن كنتم موصوفين بالإيمان القلبي وبالإسلام الظاهري ودلت الآية على أن التوكل على الله والتفويض لأمره من كمال الإيمان وأن من كان يؤمن بالله فلا يتوكل إلا على الله لا على غيره فَقالُوا يعني قال قوم موسى مجيبين له عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا يعني عليه اعتمدنا لا على غيره ثم دعوا ربهم فقالوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بذنوبهم فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا وكفرا وقال مجاهد: لا تعذبنا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على حق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا بذلك وقيل معناه لا تسلطهم علينا فيفتنونا وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ يعني وخلصنا برحمتك من أيدي قوم فرعون الكافرين لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة قوله عز وجل: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ هارون أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يعني اتخذا لقومكما بمصر بيوتا للصلاة فيها يقال تبوأ فلان لنفسه بيتا إذا اتخذه مباءة أي وطنا والمعنى اجعلا بمصر لقومكما بيوتا ترجعون إليها للصلاة والعبادة وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً اختلف أهل التفسير في معنى هذه البيوت والقبلة فمنهم من قال أراد بالبيوت المساجد التي يصلى فيها وفسروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة فعلى هذا يكون معنى الكلام واجعلوا بيوتكم مساجد تستقبلونها لأجل الصلاة وقيل معناه اجعلوا بيوتكم إلى القبلة.
واختلفوا في هذه القبلة، وظاهر القرآن لا يدل على تعيينها إلا أنه قد نقل عن ابن عباس أنه قال: كانت الكعبة قبلة لموسى وهارون، وهو قول مجاهد أيضا قال ابن عباس: قالت بنو إسرائيل لموسى لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة فأذن الله لهم أن يصلوا في بيوتهم وأن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة وقيل كانت القبلة إلى جهة المقدس. وقيل: أراد مطلق البيوت وعلى هذا يكون معنى قوله واجعلوا بيوتكم قبلة أي مقابلة يعني يقابل بعضها بعضا وقيل معناه واجعلوا في بيوتكم قبلة تصلون إليها.
457
فإن قلت: إنه سبحانه وتعالى خص موسى وهارون بالخطاب في أول الآية بقوله سبحانه وتعالى: وأخيه أن تبوآ لقومكما ثم إنه عم بهذا الخطاب فقال تعالى: واجعلوا بيوتكم قبلة فما السبب فيه.
قلت: إنه سبحانه وتعالى أمر موسى وهارون بأن يتبوءا لقومهما بيوتا للعبادة وذلك مما يخص به الأنبياء فخصا بالخطاب لذلك.
ثم لما كانت العبادة عامة تجب على الكافة عمّ بالخطاب الجميع فقال تعالى: واجعلوا بيوتكم قبلة وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني في بيوتكم وذلك حين خاف موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل من فرعون وقومه إذا صلوا في الكنائس والبيع الجامعة أن يؤذهم فأمرهم الله سبحانه وتعالى أن يصلوا في بيوتهم خفية من فرعون وقومه، وقيل: كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في الكنائس الجامعة وكانت ظاهرة فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريب تلك الكنائس ومنعهم من الصلاة فيها فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفا من فرعون.
وقيل: إن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى وهارون وأظهرهما على فرعون أمرهم باتخاذ المساجد ظاهرة على رغم الأعداء وتكفل لهم بصونهم من شرهم وهو قوله سبحانه وتعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يعني بأنه لا يصل إليهم مكروه.
قوله سبحانه وتعالى: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا لما أتى موسى عليه السلام بالمعجزات الباهرات ورأى أن القوم مصرون على الكفر والعناد والإنكار لما جاء به أخذ في الدعاء عليهم ومن حق من يدعو على الغير أن يذكر أولا سبب إقدامه على الجرائم التي كانت سبب إصراره على ما يوجب الدعاء عليه.
ولما كان سبب كفرهم وعنادهم هو حب الدنيا وزينتها لا جرم أن موسى لما أخذ في الدعاء قدم هذه المقالة فقال رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا والزينة عبارة عما يتزين به اللباس والدواب والغلمان وأثاث البيت الفاخر والأشياء الجميلة والمال ما زاد على هذه الأشياء من الصامت ونحوه ثم قال تبارك وتعالى: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ اختلفوا في هذه اللام فقال الفراء: هي لام كي فعلى هذا يكون المعنى ربنا إنك جعلت هذه الأموال سببا لضلالهم لأنهم بطروا وطغوا في الأرض واستكبروا عن الإيمان.
وقال الأخفش: إنما هي لما يؤول إليه الأمر والمعنى إنك أتيت فرعون وملأه زينة في الحياة الدنيا فضلوا فعلى هذا هي لام العاقبة يعني فكان عاقبتهم الضلال، وقال ابن الأنباري: هي لام الدعاء وهي لام مكسورة تحزم المستقبل ويفتتح بها الكلام فيكون المعنى ربنا إنك ابتليتهم بالضلال عن سبيلك رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ الطمس: إزالة أثر الشيء بالمحو. ومعنى اطمس على أموالهم أزل صورها وهيئاتها. وقال مجاهد: أهلكها وقال أكثر المفسرين: امسخها وغيرها عن هيئتها، قال قتادة: بلغنا أن أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم صارت حجارة، وقال محمد بن كعب القرظي: صارت صورهم حجارة وكان الرجل مع أهله في فراشه فصارا حجرين والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرا وهذا فيه ضعف لأن موسى عليه السلام دعا على أموالهم ولم يدع على أنفسهم بالمسخ. وقال ابن عباس: بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا.
وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بخريطة فيها شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة. قال السدي: مسخ الله أموالهم حجارة النخل والثمار والدقيق والأطعمة وهذا الطمس هو أحد الآيات التسع التي أوتيها موسى عليه السلام وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ يعني اربط على قلوبهم واطبع عليها
458
﴿ فقالوا ﴾ يعني قال قوم موسى مجيبين له ﴿ على الله توكلنا ﴾ يعني عليه اعتمدنا لا على غيره ثم دعوا ربهم فقالوا ﴿ ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ﴾ يعني لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بذنوبهم فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغياناً وكفراً وقال مجاهد : لا تعذبنا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على حق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا بذلك وقيل معناه لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
﴿ ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ﴾ يعني وخلصنا برحمتك من أيدي قوم فرعون الكافرين لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة.
قوله عز وجل :﴿ وأوحينا إلى موسى وأخيه ﴾ هارون ﴿ أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً ﴾ يعني اتخذا لقومكما بمصر بيوتاً للصلاة فيها يقال تبوأ فلان لنفسه بيتاً إذا اتخذه مباءة أي وطناً والمعنى اجعلا بمصر لقومكما بيوتاً ترجعون إليها للصلاة والعبادة ﴿ واجعلوا بيوتكم قبلة ﴾ اختلف أهل التفسير في معنى هذه البيوت والقبلة فمنهم من قال أراد بالبيوت المساجد التي يصلى فيها وفسروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة فعلى هذا يكون معنى الكلام واجعلوا بيوتكم مساجد تستقبلونها لأجل الصلاة وقيل معناه اجعلوا بيوتكم إلى القبلة. واختلفوا في هذه القبلة، وظاهر القرآن لا يدل على تعيينها إلا أنه قد نقل عن ابن عباس أنه قال : كانت الكعبة قبلة لموسى وهارون، وهو قول مجاهد أيضاً قال ابن عباس : قالت بنو إسرائيل لموسى لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة فأذن الله لهم أن يصلوا في بيوتهم وأن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة وقيل كانت القبلة إلى جهة المقدس. وقيل : أراد مطلق البيوت وعلى هذا يكون معنى قوله واجعلوا بيوتكم قبلة أي مقابلة يعني يقابل بعضها بعضاً وقيل معناه واجعلوا في بيوتكم قبلة تصلون إليها.
فإن قلت : إنه سبحانه وتعالى خص موسى وهرون بالخطاب في أول الآية بقوله سبحانه وتعالى : وأخيه أن تبوآ لقومكما ثم إنه عم بهذا الخطاب فقال تعالى : واجعلوا بيوتكم قبلة فما السبب فيه.
قلت : إنه سبحانه وتعالى أمر موسى وهارون بأن يتبوءا قومهما بيوتاً للعبادة وذلك مما يخص به الأنبياء فخصا بالخطاب لذلك.
ثم لما كانت العبادة عامة تجب على الكافة عمَّ بالخطاب الجميع فقال تعالى : واجعلوا بيوتكم قبلة ﴿ وأقيموا الصلاة ﴾ يعني في بيوتكم وذلك حين خاف موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل من فرعون وقومه إذا صلوا في الكنائس والبيع الجامعة أن يؤذهم فأمرهم الله سبحانه وتعالى أن يصلوا في بيوتهم خفية من فرعون وقومه، وقيل : كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في الكنائس الجامعة وكانت ظاهرة فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريب تلك الكنائس ومنعهم من الصلاة فيها فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفاً من فرعون.
وقيل : إن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى وهارون وأظهرهما على فرعون أمرهم باتخاذ المساجد ظاهرة على رغم الأعداء وتكفل لهم بصونهم من شرهم وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ وبشر المؤمنين ﴾ يعني بأنه لا يصل إليهم مكروه.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ﴾ لما أتى موسى عليه السلام بالمعجزات الباهرات ورأى أن القوم مصرون على الكفر والعناد والإنكار لما جاء به أخذ في الدعاء عليهم ومن حق من يدعو على الغير أن يذكر أولاً سبب إقدامه على الجرائم التي كانت سبب إصراره على ما يوجب الدعاء عليه.
ولما كان سبب كفرهم وعنادهم هو حب الدنيا وزينتها لا جرم أن موسى لما أخذ في الدعاء قدم هذه المقالة فقال ﴿ ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ﴾ والزينة عبارة عما يتزين به اللباس والدواب والغلمان وأثاث البيت الفاخر والأشياء الجميلة والمال ما زاد على هذه الأشياء من الصامت ونحوه ثم قال تبارك وتعالى :﴿ ربنا ليضلوا عن سبيلك ﴾ اختلفوا في هذه اللام فقال الفراء : هي لام كي فعلى هذا يكون المعنى ربنا إنك جعلت هذه الأموال سبب لضلالهم لأنهم بطروا وطغوا في الأرض واستكبروا عن الإيمان.
وقال الأحفش : إنما هي لما يؤول إليه الأمر والمعنى إنك أتيت فرعون وملأه زينة في الحياة الدنيا فضلوا فعلى هذا هي لام العاقبة يعني فكان عاقبتهم الضلال، وقال ابن الأنباري : هي لام الدعاء وهي لام مكسورة تحزم المستقبل ويفتتح بها الكلام فيكون المعنى ربنا إنك ابتليتهم بالضلال عن سبيلك ﴿ ربنا اطمس على أموالهم ﴾ الطمس : إزالة أثر الشيء بالمحو. ومعنى اطمس على أموالهم أزال صورها وهيئاتها. وقال مجاهد : أهلكها وقال أكثر المفسرين : امسخها وغيرها عن هيئتها، قال قتادة : بلغنا أن أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم صارت حجارة، وقال محمد بن كعب القرظي : صارت صورهم حجارة وكان الرجل مع أهله في فراشه فصار حجرين والمرأة قائمة تخبز فصارت حجراً وهذا فيه ضعف لأن موسى عليه السلام دعا على أموالهم ولم يدع على أنفسهم بالمسخ. وقال ابن عباس : بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً.
وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بخريطة فيها شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة. قال السدي : مسخ الله أموالهم حجارة النخل والثمار والدقيق والأطعمة هذا الطمس هو أحد الآيات التسع التي أوتيها موسى عليه السلام ﴿ واشدد على قلوبهم ﴾ يعني اربط على قلوبهم واطبع عليها وقسها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ومعنى الشد على القلوب الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان ؛ قال الواحدي : وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يفعل ذلك لمن يشاء ولولا ذلك لما جسر موسى عليه السلام على هذا السؤال ﴿ فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ﴾ يعني الغرق قاله ابن عباس وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه : قال موسى قبل أن يأتي فرعون ربنا اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فاستجاب الله له دعاءه فحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق فلم ينفعه الإيمان.
قال بعض العلماء : إنما دعا عليهم موسى بهذا الدعاء لما علم أن سابق قضاء الله وقدره فيهم أنهم لا يؤمنون ذلك أن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم في الأزل أنهم لا يؤمنون فوافق دعاء موسى ما قدر وقضى عليهم.
وقسها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ومعنى الشد على القلوب الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان قال الواحدي: وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يفعل ذلك لمن يشاء ولولا ذلك لما جسر موسى عليه السلام على هذا السؤال فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ يعني الغرق قاله ابن عباس وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه: قال موسى قبل أن يأتي فرعون ربنا اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فاستجاب الله له دعاءه فحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق فلم ينفعه الإيمان.
قال بعض العلماء: إنما دعا عليهم موسى بهذا الدعاء لما علم أن سابق قضاء الله وقدره فيهم أنهم لا يؤمنون وذلك أن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم في الأزل أنهم لا يؤمنون فوافق دعاء موسى ما قدر وقضى عليهم.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٨٩ الى ٩٠]
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)
قالَ الله عز وجل لموسى وهارون قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما إنما نسب الدعاء إليهما وأن الداعي هو موسى وحده لأن هارون عليه السلام كان يؤمن والتأمين دعاء لأنه طلب وسؤال أيضا ومعناه اللهم استجب فصار بذلك شريك موسى في الدعاء فلذلك قال تعالى قد أجيب دعوتكما فَاسْتَقِيما يعني على تبليغ الرسالة وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يعني ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي فإن وعدي لا خلف فيه ووعيدي نازل بفرعون وقومه فلا تستعجلا.
قيل: كان بين دعاء موسى عليه السلام وبين الإجابة أربعون سنة.
قال الإمام فخر الدين الرازي: واعلم أن هذا النهي لا يدل على أن ذلك قد صدر من موسى وهارون كما أن قوله لئن أشركت ليحبطن عملك لا يدل على صدور الشرك منه.
قوله عز وجل: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ أي: وقطعنا ببني إسرائيل البحر وعبرناهم إياه حتى جاوزوه وعبروه فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ يعني لحقهم وأدركهم بَغْياً وَعَدْواً أي ظلما وعدوانا وقيل البغي طلب الاستعلاء بغير حق والعدو الظلم وقيل بغيا في القول وعدوا في الفعل.
قال أهل التفسير: اجتمع يعقوب وبنوه إلى يوسف وهم اثنان وسبعون وخرجوا مع موسى من مصر وهم ستمائة ألف وذلك أنه لما أجاب الله دعاء موسى وهارون أمرهما بالخروج ببني إسرائيل من مصر في الوقت الذي أمرهما أن يخرجا فيه بهم ويسر لهم أسباب الخروج وكان فرعون غافلا فلما سمع بخروجهم ومفارقتهم مملكته خرج بجنوده في طلبهم فلما أدركهم قالوا لموسى أين المخلص والمخرج البحر أمامنا وفرعون وراءنا وقد كنا نلقى من فرعون البلاء العظيم فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وكشف الله عن وجه الأرض وأيبس لهم البحر فلحقهم فرعون وكان على حصان أدهم وكان معه في عسكره ثمانمائة ألف حصان على لون حصانه سوى سائر الألوان وكان مقدمهم جبريل وكان على فرس أنثى وديق وميكائيل بسوقهم حتى لا يشد منهم أحد فلما خرج آخر بني إسرائيل من البحر دنا جبريل بفرسه فلما وجد الحصان ريح الأنثى لم يملك فرعون من أمره شيئا فنزل البحر وتبعه جنوده حتى إذا اكتملوا جميعا في البحر وهمّ أولهم بالخروج التطم البحر عليهم فلما أدرك فرعون الغرق أتى بكلمة الإخلاص
قوله عز وجل :﴿ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ﴾ أي : وقطعنا ببني إسرائيل البحر وعبرناهم إياه حتى جاوزوه وعبروه ﴿ فأتبعهم فرعون وجنوده ﴾ يعني لحقهم وأدركهم ﴿ بغياً وعدواً ﴾ أي ظلماً وعدواناً وقيل البغي طلب الاستعلاء بغير حق والعدو الظلم وقيل بغياً في القول وعدواً في الفعل.
قال أهل التفسير : اجتمع يعقوب وبنوه إلى يوسف وهم اثنان وسبعون وخرجوا مع موسى من مصر وهم ستمائة ألف وذلك أنه لما أجاب الله دعاء موسى وهارون أمرهما بالخروج ببني إسرائيل من مصر في الوقت الذي أمرهما أن يخرجا فيه بهم ويسر لهم أسباب الخروج وكان فرعون غافلاً فلما سمع بخروجهم ومفارقتهم مملكته خرج بجنوده في طلبهم فلما أدركهم قالوا لموسى أين المخلص والمخرج البحر أمامنا وفرعون وراءنا وقد كنا نلقى من فرعون البلاء العظيم فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وكشف الله عن وجه الأرض وألبس لهم البحر فلحقهم فرعون وكان على حصان أدهم وكان معه في عسكره ثمانمائة ألف حصان على لون حصانه سوى سائر الألوان وكان مقدمهم جبريل وكان على فرس أنثى وديق وميكائيل بسوقهم حتى لا يشد منهم أحد فلما خرج آخر بني إسرائيل من البحر دنا جبريل بفرسه فلما وجد الحصان ريح الأنثى لم يملك فرعون من أمره شيئاً فنزل البحر وتبعه جنوده حتى إذا اكتملوا جميعاً في البحر وهمّ أولهم بالخروج التطم البحر عليهم فلما أدرك فرعون الغرق أتى بكلمة الإخلاص ظناً منه أنها تنجيه من الهلاك وهو قوله تعالى :﴿ حتى إذا أدركه الغرق قال ﴾ يعني فرعون ﴿ آمنت أنه لا إله إلا لذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ﴾ قال ابن عباس : لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب به وقد كان في مهل.
قال العلماء : إيمانه غير مقبول وذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين ويدل عليه قوله تعالى :﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ﴾.
وقيل : إنه قال هذه الكلمة ليتوصل بها إلى دفع ما نزل به من البلية الحاضرة، ولم يكن قصده بها الإقرار بوحدانية الله تعالى والاعتراف له بالربوبية لا جرم لم ينفعه ما قال في ذلك الوقت.
وقيل : إن فرعون كان من الدهرية المنكرين لوجود الصانع الخالق سبحانه وتعالى : فلهذا قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فلم ينفعه ذلك لحصول الشك في إيمانه ولما رجع فرعون إلى الإيمان والتوبة حين أغلق بابهما بحضور الموت ومعاينة الملائكة قيل له.
ظنا منه أنها تنجيه من الهلاك وهو قوله تعالى: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ يعني فرعون آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قال ابن عباس: لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب به وقد كان في مهل.
قال العلماء: إيمانه غير مقبول وذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين ويدل عليه قوله تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا.
وقيل: إنه قال هذه الكلمة ليتوصل بها إلى دفع ما نزل به من البلية الحاضرة، ولم يكن قصده بها الإقرار بوحدانية الله تعالى والاعتراف له بالربوبية لا جرم لم ينفعه ما قال في ذلك الوقت.
وقيل: إن فرعون كان من الدهرية المنكرين لوجود الصانع الخالق سبحانه وتعالى، فلهذا قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فلم ينفعه ذلك لحصول الشك في إيمانه ولما رجع فرعون إلى الإيمان والتوبة حين أغلق بابهما بحضور الموت ومعاينة الملائكة قيل له.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٩١ الى ٩٣]
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣)
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يعني آلآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية، والمخاطب لفرعون بهذا هو جبريل عليه السلام وقيل الملائكة. وقيل: إن القائل لذلك هو الله تعالى عرف فرعون قبح صنعه وما كان عليه من الفساد في الأرض ويدل على هذا القول قوله سبحانه وتعالى فاليوم ننجيك ببدنك، والقول الأول أشهر ويعضده ما روي عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال «لما أغرق الله فرعون قال آمنت أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة» أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن. وفي رواية أخرى عنه عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ذكر أحدهما عن النبي ﷺ أنه ذكر أن جبريل عليه السلام جعل يدس في فيّ فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه الله أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
((فصل: في الكلام على هذا الحديث)) لأنه في الظاهر مشكل فيحتاج إلى بيان وإيضاح فنقول قد ورد هذا الحديث على طريقين مختلفين عن ابن عباس، ففي الطريق الأول عن ابن زيد بن جدعان وهو وإن كان قد ضعفه يحيى بن معين وغيره فإنه كان شيخا نبيلا صدوقا ولكنه كان سيئ الحفظ ويغلط وقد احتمل الناس حديثه وإنما يخشى من حديثه إذا لم يتابع عليه أو خالفه فيه الثقات وكلاهما منتف في هذا الحديث لأن في الطريق الآخر شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير وهذا الإسناد على شرط البخاري، ورواه أيضا شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير وعطاء بن السائب ثقة قد أخرج له مسلم فهو على شرط مسلم وإن كان عطاء قد تكلم فيه من قبل اختلاطه فإنما يخاف منه ما انفرد به أو خولف فيه وكلاهما منتف فقد علم بهذا أن لهذا الحديث أصلا وأن رواته ثقات ليس فيهم متهم وإن كان فيهم من هو سيئ الحفظ فقد تابعه عليه غيره.
460
فإن قلت ففي الحديث الثاني شك في رفعه إنما هو جزم بأن أحد الرجلين رفعه وشك شعبة في تعيينه هل هو عطاء بن السائب أو عدي بن ثابت وكلاهما ثقة فإذا رفعه أحدهما وشك في تعيينه لم يكن هذا علة في الحديث وقوله من حال البحر أي من طين البحر كما في الرواية الأخرى.
((فصل)) ووجه إشكاله ما اعترض به الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره فقال: هل يصح أن جبريل أخذ يملأ فمه بالطين لئلا يتوب غضبا عليه والجواب الأقرب أنه لا يصح لأن في تلك الحالة، إما أن يقال: التكليف هل كان ثابتا أم لا فإن كان ثابتا لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة وإن كان التكليف زائلا عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نسب إلى جبريل فائدة وأيضا لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر والرضا بالكفر كفر وأيضا فكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان.
ولو قيل: إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله فهذا يبطله قول جبريل وما نتنزل إلا بأمر ربك فهذا وجه الإشكال الذي أورده الإمام على هذا الحديث في كلام أكثر من هذا، والجواب عن هذا الاعتراض أن الحديث قد ثبت عن النبي ﷺ فلا اعتراض عليه لأحد.
وأما قول الإمام: إن التكليف هل كان ثابتا في تلك الحالة أم لا فإن كان ثابتا لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة فإن هذا القول لا يستقيم على أصل المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر، فإنهم يقولون إن الله يحول بين الكافر والإيمان ويدل على ذلك قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وقوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ وقال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه قلب أفئدتهم مثل تركهم الإيمان به أول مرة، وهكذا فعل بفرعون منعه من الإيمان عند الموت جزاء على تركه الإيمان أولا فدس الطين في فم فرعون من جنس الطبع والختم على القلب ومنع الإيمان وصون الكافر عنه وذلك جزاء على كفره السابق وهذا قول طائفة من المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله.
ومن المنكرين لخلق الأفعال من اعترف أيضا أن الله سبحانه وتعالى يفعل هذا عقوبة للعبد على كفره السابق فيحسن منه أن يضله ويطبع على قلبه ويمنعه من الإيمان.
فأما قصة جبريل عليه السلام مع فرعون فإنها من هذا الباب فإن غاية ما يقال فيه إن الله سبحانه وتعالى منع فرعون من الإيمان وحال بينه وبينه عقوبة له على كفره السابق ورده للإيمان لما جاءه.
وأما فعل جبريل من دس الطين في فيه فإنما فعل ذلك بأمر الله لا من تلقاء نفسه.
فأما قول الإمام لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه عليها وعلى كل طاعة هذا إذا كان تكليف جبريل كتكليفنا يجب عليه ما يجب علينا.
وأما إذا كان جبريل إنما يفعل ما أمره الله به والله سبحانه وتعالى هو الذي منع فرعون من الإيمان وجبريل منفذ لأمر الله فكيف لا يجوز له منع من منعه الله من التوبة وكيف يجب عليه إعانة من لم يعنه الله بل قد حكم عليه وأخبر عنه أنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم حين لا ينفعه الإيمان.
وقد يقال: إن جبريل عليه السلام إما أن يتصرف بأمر الله فلا يفعل إلا ما أمر الله به وإما أن يفعل ما يشاء
461
من تلقاء نفسه لا بأمر الله وعلى هذين التقديرين فلا يجب عليه إعانة فرعون على التوبة ولا يحرم عليه منعه منها لأنه إنما يجب عليه فعل ما أمر به ويحرم عليه فعل ما نهي عنه والله سبحانه وتعالى لم يخبر أنه أمره بإعانة فرعون ولا حرم عليه منعه من التوبة وليست الملائكة مكلفين كتكليفنا.
وقوله وإن كان التكليف زائلا عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى هذا الذي نسب إلى جبريل فائدة فجوابه أن يقال إن للناس في تعليل أفعال الله قولين أحدهما أن أفعاله لا تعلل وعلى هذا التقدير فلا يريد هذا السؤال أصلا وقد زال الإشكال.
والقول الثاني: إن أفعاله تبارك وتعالى لها غاية بحسب المصالح لأجلها فعلها وكذا أوامره ونواهيه لها غاية محمودة محبوبة لأجلها أمر بها ونهى عنها وعلى هذا التقدير قد يقال لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وقد علم جبريل أنه ممن حقت عليه كلمة العذاب وأن إيمانه لا ينفعه دس الطين في فيه لتحقق معاينته للموت فلا تكون تلك الكلمة نافعة له وأنه وإن كان قالها في وقت لا ينفعه فدس الطين في فيه تحقيقا لهذا المنع والفائدة فيه تعجيل ما قد قضي عليه وسد الباب عند سدا محكما بحيث لا يبقى للرحمة فيه منفذ ولا يبقى من عمره زمن يتسع للإيمان فإن موسى عليه السلام لما دعا ربه بأن فرعون لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم والإيمان عند رؤية العذاب غير نافع أجاب الله دعاءه.
فلما قال فرعون تلك الكلمة عند معاينة الغرق استعجل جبريل فدس الطين في فيه لييأس من الحياة ولا تنفعه تلك الكلمة وتتحقق إجابة الدعوة التي وعد الله موسى بقوله قد أجيبت دعوتكما فيكون سعي جبريل في تكميل ما سبق في حكم الله أنه يفعله فيكون سعي جبريل في مرضاة الله سبحانه وتعالى منفذا لما أمره به وقدره وقضاه على فرعون.
وأما قوله: لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر والرضا بالكفر كفر، فجوابه ما تقدم من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وجبريل إنما يتصرف بأمر الله ولا يفعل إلا ما أمره الله به وإذا كان جبريل قد فعل ما أمره الله به ونفذه فإنما رضي بالأمر لا بالمأمور به فأي كفر يكون هنا وأيضا فإن الرضا بالكفر إنما يكون كفرا في حقنا لأنا مأمورون بإزالته بحسب الإمكان فإذا أقررنا الكافر على كفره ورضينا به كان كفرا في حقنا لمخالفتنا ما أمرنا به.
وأما من ليس مأمورا كأمرنا ولا مكلفا كتكليفنا بل يفعل ما يأمره به ربه فإنه إذا نفذ ما أمره به لم يكن راضيا بالكفر ولا يكون كفرا في حقه وعلى هذا التقدير فإن جبريل لما دس الطين في في فرعون كان ساخطا لكفره غير راض به والله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد خيرها وشرها وهو غير راض بالكفر فغاية أمر جبريل مع فرعون أن يكون منفذا لقضاء الله وقدره في فرعون من الكفر وهو ساخط له غير راض به وقوله كيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان فجوابه أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وأما قوله وإن قيل إن جبريل إنما فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله فجوابه أنه إنما فعل ذلك بأمر الله منفذا لأمر الله والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
قوله سبحانه وتعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أي نلقيك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع.
قال أهل التفسير: لما أغرق الله سبحانه وتعالى فرعون وقومه أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه فقالت بنو إسرائيل ما مات فرعون وإنما قالوا ذلك لعظمته عندهم وما حصل في قلوبهم من الرعب لأجله فأمر الله عز وجل البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو إسرائيل فعرفوه فمن ذلك الوقت لا يقبل
462
قوله سبحانه وتعالى :﴿ فاليوم ننجيك ببدنك ﴾ أي نلقيك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع.
قال أهل التفسير : لما أغرق الله سبحانه وتعالى فرعون وقومه أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه فقالت بنو إسرائيل ما مات فرعون وإنما قالوا ذلك لعظمته عندهم وما حصل في قلوبهم من الرعب لأجله فأمر الله عز وجل البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيراً كأنه ثور فرآه بنو إٍسرائيل فعرفوه فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتاً أبداً، ومعنى قوله ببدنك يعني نلقيك وأنت جسد لا روح فيه وقيل هذا الخطاب على سبيل التهكم والاستهزاء كأنه قيل له ننجيك ولكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك.
وقيل : أراد بالبدن الدرع وكان لفرعون درع من ذهب مرصع بالجواهر، يعرف به فلما رأوه في درعه ذلك عرفوه ﴿ لتكون لمن خلفك آية ﴾ يعني عبرة وموعظة، وذلك أنهم ادعوا أن مثل فرعون لا يموت أبداً فأظهره الله لهم حتى يشاهدوه وهو ميت لتزول الشبهة من قلوبهم ويعتبروا به لأنه كان في غاية العظمة فصار إلى نهاية الخسة والذلة ملقى على الأرض لا يهابه أحد ﴿ وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون ﴾.
قوله عز وجل :﴿ ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ﴾ يعني أسكناهم مكان صدق وأنزلناهم منزل صدق بعد خروجهم من البحر وإغراق عدوهم فرعون. والمعنى : أنزلناهم منزلاً محموداً صالحاً وإنما وصف المكان بالصدق لأن عادة العرب إذا مدحت شيئاً أضافته إلى الصدق تقول العرب : هذا رجل صدق وقدم صدق والسبب فيه أن الشيء إذا كان كاملاً صالحاً، لا بد أن يصدق الظن فيه وفي المراد بالمكان الذي بوءوا قولان أحدهما أنه مصر فيكون المراد : إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من ناطق وصامت وزرع وغيره.
والقول الثاني : إنه أرض الشام والقدس والأردن لأنها بلاد الخصب والخير والبركة ﴿ ورزقناهم من الطيبات ﴾ يعني تلك المنافع والخيرات التي رزقهم الله تعالى :﴿ فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ﴾ يعني فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل حتى جاءهم ما كانوا به عالمين وذلك أنهم كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مقرين به مجمعين على نبوته غير مختلفين فيه لما يجدونه مكتوباً عندهم فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم واختلفوا فيه فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وكفر به بعضهم بغياً وحسداً.
فعلى هذا المعنى يكون المراد من العلم المعلوم والمعنى فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه حقاً فوضع العلم مكان العلوم وقيل المراد من العلم القرآن النازل على محمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه علماً لأنه سبب العلم وتسمية السبب بالمسبب مجاز مشهور وفي كون القرآن سبباً لحدوث الاختلاف وجهان :
الأول : أن اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته ويفتخرون بذلك على المشركين، فلما بعث كذبوه بغياً وحسداً وإيثاراً لبقاء الرياسة لهم فآمن به طائفة قليلة وكفر به غالبهم.
والوجه الثاني : أن اليهود كانوا على دين واحد قبل نزول القرآن فلما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم آمن به طائفة وكفر به آخرون.
وقوله تعالى :﴿ إن ربك ﴾ يعني يا محمد ﴿ يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾ يعني من أمرك وأمر نبوتك في الدنيا فيدخل من آمن بك الجنة ومن كفر بك وجحد نبوتك النار.
الماء ميتا أبدا، ومعنى قوله ببدنك يعني نلقيك وأنت جسد لا روح فيه وقيل هذا الخطاب على سبيل التهكم والاستهزاء كأنه قيل له ننجيك ولكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك.
وقيل: أراد بالبدن الدرع وكان لفرعون درع من ذهب مرصع بالجواهر، يعرف به فلما رأوه في درعه ذلك عرفوه لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يعني عبرة وموعظة، وذلك أنهم ادعوا أن مثل فرعون لا يموت أبدا فأظهره الله لهم حتى يشاهدوه وهو ميت لتزول الشبهة من قلوبهم ويعتبروا به لأنه كان في غاية العظمة فصار إلى نهاية الخسة والذلة ملقى على الأرض لا يهابه أحد وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ قوله عز وجل: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يعني أسكناهم مكان صدق وأنزلناهم منزل صدق بعد خروجهم من البحر وإغراق عدوهم فرعون.
والمعنى: أنزلناهم منزلا محمودا صالحا وإنما وصف المكان بالصدق لأن عادة العرب إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصدق تقول العرب: هذا رجل صدق وقدم صدق والسبب فيه أن الشيء إذا كان كاملا صالحا، لا بد أن يصدق الظن فيه وفي المراد بالمكان الذي بوءوا قولان أحدهما أنه مصر فيكون المراد: إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من ناطق وصامت وزرع وغيره.
والقول الثاني: إنه أرض الشام والقدس والأردن لأنها بلاد الخصب والخير والبركة وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني تلك المنافع والخيرات التي رزقهم الله تعالى: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل حتى جاءهم ما كانوا به عالمين وذلك أنهم كانوا قبل مبعث النبي ﷺ مقرين به مجمعين على نبوته غير مختلفين فيه لما يجدونه مكتوبا عندهم فلما بعث الله محمدا ﷺ واختلفوا فيه فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وكفر به بعضهم بغيا وحسدا.
فعلى هذا المعنى يكون المراد من العلم المعلوم والمعنى فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه حقا فوضع العلم مكان العلوم وقيل المراد من العلم القرآن النازل على محمد ﷺ وإنما سماه علما لأنه سبب العلم وتسمية السبب بالمسبب مجاز مشهور وفي كون القرآن سببا لحدوث الاختلاف وجهان:
الأول: أن اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمد ﷺ وصفته ونعته ويفتخرون بذلك على المشركين، فلما بعث كذبوه بغيا وحسدا وإيثارا لبقاء الرياسة لهم فآمن به طائفة قليلة وكفر به غالبهم.
والوجه الثاني: أن اليهود كانوا على دين واحد قبل نزول القرآن فلما نزل على محمد ﷺ آمن به طائفة وكفر به آخرون.
وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يعني يا محمد يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يعني من أمرك وأمر نبوتك في الدنيا فيدخل من آمن بك الجنة ومن كفر بك وجحد نبوتك النار.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٩٤ الى ٩٨]
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨)
463
قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الشك في موضع اللغة خلاف اليقين والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان لوجود أمارتين أو لعدم الأمارة والشك ضرب من الجهل وهو أخص منه فكل شك جهل وليس كل جهل شكا فإذا قيل فلان شك في هذا الأمر فمعناه توقف فيه حتى يتبين له فيه الصواب أو خلافه وظاهر هذا الخطاب في قوله فإن كنت في شك أنه للنبي ﷺ والمعنى فإن كنت يا محمد في شك مما أنزلنا إليك يعني من حقيقة ما أخبرناك به وأنزلناه يعني القرآن فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ يعني علماء أهل الكتاب يخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وأنك نبي يعرفونك بصفتك عندهم وقد توجه هاهنا سؤال واعتراض وهو أن يقال هل شك النبي ﷺ فيما أنزل عليه أو في نبوته حتى يسأل أهل الكتاب عن ذلك وإذا كان شاكا في نبوة نفسه كان غيره أولى بالشك منه.
قلت: الجواب عن هذا السؤال والاعتراض ما قاله القاضي عياض في كتابه الشفاء فإنه أورد هذا السؤال، ثم قال: احذر ثبت الله قلبك أن يخطر ببالك ما ذكره فيه بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك النبي ﷺ فيما أوحي إليه فإنه من البشر فمثل هذا لا يجوز عليه ﷺ جملة بل قال ابن عباس: لم يشك النبي ﷺ ولم يسأل. ونحوه عن سعيد بن جبير والحسن البصري. وحكي عن قتادة أنه قال: بلغنا أن النبي ﷺ قال «ما أشك ولا أسأل» وعامة المفسرين على هذا، ثم كلام القاضي عياض رحمه الله ثم اختلفوا في معنى الآية ومن المخاطب بهذا الخطاب على قولين أحدهما أن الخطاب للنبي ﷺ في الظاهر والمراد به غيره فهو كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك ومعلوم أن النبي ﷺ لم يشرك فثبت أن المراد به غيره ومن أمثلة العرب:
إياك أعني واسمعي يا جارة. فعلى هذا يكون معنى الآية قل يا محمد، يا أيها الإنسان الشاك إن كنت في شك مما أنزلنا إليك على لسان رسولنا محمد ﷺ فاسأل الذين يقرءون الكتاب يخبروك بصحته ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر هذه السورة قل يا أيها الناس إن كنتم في شك في ديني الآية فبين أن المذكور في هذه الآية على سبيل الرمز هو المذكور في تلك الآية على سبيل التصريح وأيضا لو كان النبي ﷺ شاكا في بنوته لكان غيره أولى بالشك في نبوته وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية معاذ الله من ذلك وقيل إن الله سبحانه وتعالى علم أن النبي ﷺ لم يشك قط فيكون المراد بهذا التهييج فإنه ﷺ إذا سمع هذا الكلام يقول لا أشك يا رب ولا أسأل أهل الكتاب بل أكتفي بما أنزلته علي من الدلائل الظاهرة. وقال الزجاج: إن الله خاطب الرسول ﷺ في قوله فإن كنت في شك وهو شامل للخلق فهو كقوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وهذا وجه حسن لكن فيه بعد وهو أن يقال متى كان الرسول ﷺ داخلا في هذا الخطاب كان الاعتراض موجودا والسؤال واردا، وقيل: إن لفظة إن في قوله فإن كنت في شك للنفي ومعناه وما أنت في شك موجودا والسؤال واردا وقيل إن لفظه إن في قوله فإن كنت في شك للنفي ومعناه وما أنت في شك مما أنزلنا إليك حتى تسأل فلا تسأل ولئن سألت لازددت يقينا.
والقول الثاني: إن هذا الخطاب ليس هو للنبي ﷺ البتة ووجه هذا القول إن الناس كانوا في زمنه على ثلاث فرق فرقة له مصدقون وبه مؤمنون وفرقة على الضد من ذلك والفرقة الثالثة المتوقفون في أمره الشاكون فيه فخاطبهم الله عز وجل بهذا الخطاب، فقال: تمجد وتعالى: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد ﷺ فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحة نبوته وإنما وحد الله الضمير في قوله فإن كنت وهو يريد الجمع لأنه خطاب لجنس الإنسان كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ لم يرد في الآية إنسانا بعينه بل أراد الجمع واختلفوا في المسؤول عنه في قوله تعالى: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ من هم فقال المحققون من أهل التفسير: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه لأنهم هم الموثوق بأخبارهم.
464
وقيل: المراد كل أهل الكتاب سواء مؤمنهم وكافرهم لأن المقصود من هذا السؤال الإخبار بصحة نبوة محمد ﷺ أو أنه مكتوب عندهم صفته ونعته فإذا أخبروا بذلك فقد حصل المقصود والأول أصح. وقال الضحاك يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب ممن أدرك النبي ﷺ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ هذا كلام مبتدأ منقطع عما قبله وفيه معنى القسم تقديره أقسم لقد جاءك الحق اليقين من الخير بأنك رسول الله حقا وأن أهل الكتاب يعلمون صحة ذلك فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ يعني من الشاكين في صحة ما أنزلنا إليك وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني بدلائله وبراهينه الواضحة فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ يعني الذين خسروا أنفسهم.
واعلم أن هذا كله على ما تقدم من أن ظاهره خطاب للنبي ﷺ والمراد به غيره ممن عنده شك وارتياب فإن النبي ﷺ لم يشك ولم يرتب ولم يكذب بآيات الله فثبت بهذا أن المراد به غيره والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ يعني وجبت عليهم كَلِمَتُ رَبِّكَ يعني حكم ربك وهو قوله سبحانه وتعالى: وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي وقال قتادة: سخط ربك وقيل لعنة ربك وقيل هو ما قدره عليهم وقضاه في الأزل لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ فإنهم لا يؤمنون بها حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ فحينئذ لا ينفعهم شيء قوله سبحانه وتعالى: فَلَوْلا يعني فهلا كانَتْ قَرْيَةٌ وقيل معناه فما كانت قرية وقيل لم تكن قرية لأن في الاستفهام معنى الحجة والمراد هل كانت قرية آمَنَتْ يعني عند معاينة العذاب فَنَفَعَها إِيمانُها يعني في حال اليأس إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ هذا استثناء منقطع يعني لكن قوم يونس فإنهم آمنوا فنفعهم إيمانهم في ذلك الوقت وهو قوله لَمَّا آمَنُوا يعني لما أخلصوا الإيمان كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يعني إلى وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في قوم يونس هل رأوا العذاب عيانا أم لا فقال بعضهم رأوا دليل العذاب فآمنوا وقال الأكثرون إنهم رأوا العذاب عيانا بدليل قوله كشفنا عنهم عذاب الخزي والكشف لا يكون إلا بعد الوقوع أو إذا قرب وقوعه.
((ذكر القصة في ذلك)) على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم قالوا: إن قوم يونس كانوا بقرية نينوى من أرض الموصل وكانوا أهل كفر وشرك فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام فدعاهم فأبوا عليه فقيل له أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث فأخبرهم بذلك فقالوا إنا لم نجرب عليه كذبا قط فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كان جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم. قال ابن عباس: إن العذاب كان أهبط على قوم يونس حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشف الله عنهم ذلك.
وقال مقاتل: قدر ميل، وقال سعيد بن جبير: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال وهب: غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشي مدينتهم واسودت أسطحتهم فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم يونس عليه السلام فلم يجدوه فقذف الله سبحانه وتعالى في قلوبهم فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم فلبسوا المسوح وأظهروا الإسلام والتوبة وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب فحن البعض إلى البعض فحن الأولاد إلى الأمهات والأمهات إلى الأولاد وعلت الأصوات وعجوا جميعا إلى الله وتضرعوا إليه وقالوا آمنا بما جاء به يونس وتابوا إلى الله وأخلصوا النية فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب بعد ما أظلهم وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء وكان يوم الجمعة.
465
﴿ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله ﴾ يعني بدلائله وبراهينه الواضحة ﴿ فتكون من الخاسرين ﴾ يعني الذين خسروا أنفسهم. واعلم أن هذا كله على ما تقدم من أن ظاهره خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ممن عنده شك وارتياب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يرتب ولم يكذب بآيات الله فثبت بهذا أن المراد به غيره والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ إن الذين حقت عليهم ﴾ يعني وجبت عليهم ﴿ كلمة ربك ﴾ يعني حكم ربك وهو قوله سبحانه وتعالى : وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي وقال قتادة : سخط ربك وقيل لعنة ربك وقيل هو ما قدره عليهم وقضاه في الأزل ﴿ لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ﴾ فإنهم لا يؤمنون بها.
﴿ لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ﴾ فإنهم لا يؤمنون بها ﴿ حتى يروا العذاب الأليم ﴾ فحينئذ لا ينفعهم شيء.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ فلولا ﴾ يعني فهلا ﴿ كانت قرية ﴾ وقيل معناه فما كانت قرية وقيل لم تكن قرية لأن في الاستفهام معنى الحجة والمراد هل كانت قرية ﴿ آمنت ﴾ يعني عند معاينة العذاب ﴿ فنفعها إيمانها ﴾ يعني في حال اليأس ﴿ إلا قوم يونس ﴾ هذا استثناء منقطع يعني لكن قوم يونس فإنهم آمنوا فنفعهم إيمانهم في ذلك الوقت وهو قوله ﴿ لما آمنوا ﴾ يعني لما أخلصوا الإيمان ﴿ كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ﴾ يعني إلى وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في قوم يونس هل رأوا العذاب عياناً أم لا فقال بعضهم رأوا دليل العذاب فآمنوا ؛ وقال الأكثرون إنهم رأوا العذاب عياناً بدليل قوله كشفنا عنهم عذاب الخزي والكشف لا يكون إلا بعد الوقوع أو إذا قرب وقوعه.
( ذكر القصة في ذلك )
على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم قالوا : إن قوم يونس كانوا بقرية نينوى من أرض الموصل وكانوا أهل كفر وشرك فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام فدعاهم فأبوا عليه فقيل له أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث فأخبرهم بذلك فقالوا إنا لم نجرب عليه كذباً قط فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كان جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم. قال ابن عباس : إن العذاب كان أهبط على قوم يونس حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشف الله عنهم ذلك.
وقال مقاتل : قدر ميل، وقال سعيد بن جبير : غشي قوم يونس العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال وهب : غامت السماء غيماً أسود هائلاً يدخن دخاناً شديداً فهبط حتى غشي مدينتهم واسودت أسطحتهم فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم يونس عليه السلام فلم يجدوه فقذف الله سبحانه وتعالى في قلوبهم فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم فلبسوا المسموح وأظهروا الإسلام والتوبة وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب فحن البعض إلى البعض فحن الأولاد إلى الأمهات والأمهات إلى الأولاد وعلت الأصوات وعجوا جميعاً إلى الله وتضرعوا إليه وقالوا آمنا بما جاء به يونس وتابوا إلى الله وأخلصوا النية فرحمهم ربهم، فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب بعد ما أظلهم، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء وكان يوم الجمعة.
قال ابن مسعود : بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم حتى أن كان الرجل ليأتي إلى الجر وقد وضع أساس بنيانه عليه فيقلعه فيرده.
وروى الطبري بسنده عن أبي الجلد خيلان قال : لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له إنه قد نزل بنا العذاب فما ترى قال قالوا يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف الله عنهم العذاب ومتعوا إلى حين.
وقال الفضيل بن عياض : إنهم قالوا اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم وأجل فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قال : وخرج يونس وجعل ينتظر العذاب فلم ير شيئاً فقيل له ارجع إلى قومك قال وكيف أرجع إليهم فيجدوني كذاباً وكان من كذب ولا بينة له قال فانصرف عنهم مغاضباً فالتقمه الحوت وستأتي القصة في سورة والصافات إن شاء الله تعالى فإن قلت كيف كشف العذاب عن قوم يونس بعد ما نزل بهم وقبل توبتهم ولم يكشف العذاب عن فرعون حين آمن ولم يقبل توبته. قلت : أجاب العلماء عن هذا بأجوبة :
أحدهما : أن ذلك كان خاصاً بقوم يونس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
الجواب الثاني : أن فرعون ما آمن إلا بعد ما باشر العذاب وهو وقت اليأس من الحياة وقوم يونس دننا منم العذاب ولم ينزل بهم ولم يباشرهم فكانوا كالمريض يخاف الموت ويرجو العافية.
الجواب الثالث : أن الله عز وجل علم صدق نياتهم في التوبة فقبل توبتهم بخلاف فرعون فإنه ما صدق في إيمانهم ولا أخلص فلم يقبل منه إيمانه والله أعلم.
قال ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم حتى أن كان الرجل ليأتي إلى الحجر وقد وضع أساس بنيانه عليه فيقلعه فيرده.
وروى الطبري بسنده عن أبي الجلد خيلان قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له إنه قد نزل بنا العذاب فما ترى قال قولوا يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف الله عنهم العذاب ومتعوا إلى حين.
وقال الفضيل بن عياض: إنهم قالوا اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم وأجل فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قال: وخرج يونس وجعل ينتظر العذاب فلم ير شيئا فقيل له ارجع إلى قومك قال وكيف أرجع إليهم فيجدوني كذابا وكان من كذب ولا بينة له قال فانصرف عنهم مغاضبا فالتقمه الحوت وستأتي القصة في سورة والصافات إن شاء الله تعالى فإن قلت كيف كشف العذاب عن قوم يونس بعد ما نزل بهم وقبل توبتهم ولم يكشف العذاب عن فرعون حين آمن ولم يقبل توبته.
قلت: أجاب العلماء عن هذا بأجوبة:
أحدها: أن ذلك كان خاصا بقوم يونس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
الجواب الثاني: أن فرعون ما آمن إلا بعد ما باشر العذاب وهو وقت اليأس من الحياة وقوم يونس دنا منهم العذاب ولم ينزل بهم ولم يباشرهم فكانوا كالمريض يخاف الموت ويرجو العافية.
الجواب الثالث: أن الله عز وجل علم صدق نياتهم في التوبة فقبل توبتهم بخلاف فرعون فإنه ما صدق في إيمانهم ولا أخلص فلم يقبل منه إيمانه والله أعلم.
[سورة يونس (١٠): الآيات ٩٩ الى ١٠١]
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١)
قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً يقول الله عز وجل لنبيه محمد ﷺ ولو شاء ربك يا محمد لآمن بك وصدقك من في الأرض كلهم جميعا ولكن لم يشأ أن يصدقك ويؤمن بك إلا من سبقت له السعادة في الأزل قال ابن عباس: إن رسول الله ﷺ كان يحرص أن يؤمن به جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله عز وجل أنه لا يؤمن به إلا من سبقت له من السعادة في الذكر الأول ولم يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول وفي هذا تسلية للنبي ﷺ لأنه كان حريصا على إيمانهم كلهم فأخبره الله أنه لا يؤمن به إلا من سبقت له العناية الأزلية فلا تتعب نفسك على إيمانهم وهو قوله سبحانه وتعالى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يعني ليس إيمانهم إليك حتى تكرههم عليه أو تحرص عليه إنما إيمان المؤمن وإضلال الكافر بمشيئتنا وقضائنا وقدرنا ليس ذلك لأحد سوانا وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني وما كان ينبغي لنفس خلقها الله تعالى أن تؤمن وتصدق إلا بقضاء الله لها بالإيمان فإن هدايتها إلى الله وهو الهادي المضل.
وقال ابن عباس: معنى بإذن الله، بأمر الله، وقال عطاء: بمشيئة الله قوله تعالى: وَيَجْعَلُ قرئ بالنون على سبيل التعظيم أي ونجعل نحن وقرئ بالياء ومعناه ويجعل الله الرِّجْسَ يعني العذاب، وقال ابن عباس:
﴿ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ﴾ يعني وما كان ينبغي لنفس خلقها الله تعالى أن تؤمن وتصدق إلا بقضاء الله لها بالإيمان فإن هدايتها إلى الله وهو الهادي المضل. وقال ابن عباس : معنى بإذن الله، بأمر الله وقال عطاء : بمشيئة الله قوله تعالى :﴿ ويجعل ﴾ قرئ بالنون على سبيل التعظيم أي ونجعل نحن وقرئ بالياء ومعناه ويجعل الله ﴿ الرجس ﴾ يعني العذاب، وقال ابن عباس : يعني السخط ﴿ على الذين لا يعقلون ﴾ يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه.
قوله عز وجل :﴿ قل انظروا ﴾ أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يسألونك الآيات انظروا يعني انظروا بقلوبكم نظر اعتبار وتفكر وتدبر ﴿ ماذا في السماوات والأرض ﴾ يعني : ماذا خلق الله في السماوات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته ففي السماوات الشمس والقمر وهما دليلان على النهار والليل والنجوم سخرها طالعة وغاربة وإنزال المطر من السماء وفي الأرض الجبال والبحار والمعادن والأنهار والأشجار والنبات كل ذلك آية دالة على وحدانية الله تعالى وأنه خالقها كما قال الشاعر :
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد.
﴿ وما تغني الآيات والنذر ﴾ يعني الرسل ﴿ عن قوم لا يؤمنون ﴾ وهذا في حق أقوام علم الله أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأزل من الشقاء.
يعني السخط عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه.
قوله عز وجل: قُلِ انْظُرُوا أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يسألونك الآيات انظروا يعني انظروا بقلوبكم نظر اعتبار وتفكر وتدبر ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: ماذا خلق الله في السموات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته ففي السموات الشمس والقمر وهما دليلان على النهار والليل والنجوم سخرها طالعة وغاربة وإنزال المطر من السماء وفي الأرض الجبال والبحار والمعادن والأنهار والأشجار والنبات كل ذلك آية دالة على وحدانية الله تعالى وأنه خالقها كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ يعني الرسل عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ وهذا في حق أقوام علم الله أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأزل من الشقاء.
[سورة يونس (١٠): الآيات ١٠٢ الى ١٠٦]
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ يعني مشركي مكة إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من مضى من قبلهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل قال قتادة يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود.
والعرب تسمي العذاب أياما والنعم أياما كقوله تعالى وذكرهم بأيام الله والمعنى فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا يوما يعاينون فيه العذاب مثل ما فعلنا بالأمم السالفة المكذبة أهلكناهم جميعا فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب ف قُلْ فَانْتَظِرُوا يعني: قل لهم يا محمد فانتظروا العذاب إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ يعني: هلاككم، قال الربيع بن أنس: خوفهم عذابه ونقمته ثم أخبرهم أنه إذا وقع ذلك بهم أنجى الله رسله والذين آمنوا معهم من ذلك العذاب وهو قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني من العذاب والهلاك كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ يعني كما أنجينا رسلنا، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب.
قال بعض المتكلمين: المراد بقوله حقا علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئا.
قوله سبحانه وتعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ الخطاب للنبي ﷺ أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي يعني الذي أدعوكم إليه وإنما حصل الشك لبعضهم في أمره ﷺ لما رأى الآيات التي كانت تظهر على يد النبي ﷺ فحصل له الاضطراب والشك فقال إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه لأنه دين إبراهيم عليه السلام وأنتم من ذريته وتعرفونه ولا تشكون فيه وإنما ينبغي لكم أن تشكوا في عبادتكم لهذه الأصنام التي لا أصل لها البتة فإن أصررتم
﴿ ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ﴾ يعني من العذاب والهلاك ﴿ كذلك حقاً علينا ننجي المؤمنين ﴾ يعني كما أنجينا رسلنا، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب.
قال بعض المتكلمين : المراد بقوله حقاً علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئاً.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ قل يا أيها الناس ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك ﴿ إن كنتم في شك من ديني ﴾ يعني الذي أدعوكم إليه وإنما حصل الشك لبعضهم في أمره صلى الله عليه وسلم لما رأى الآيات التي كانت تظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم فحصل له الاضطراب والشك فقال إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه لأنه دين إبراهيم عليه السلام وأنتم من ذريته وتعرفونه ولا تشكون فيه وإنما ينبغي لكم أن تشكوا في عبادتكم لهذا الأصنام التي لا أصل لها البتة فإن أصررتم على ما أنتم عليه ﴿ فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ﴾ يعني هذه الأوثان وإنما وجب تقديم هذا النفي لأن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا تليق لأخس الأشياء وهي الحجارة التي لا تنفع لمن عبدها ولا تضر لمن تركها ولكن تليق العبادة لمن بيده النفع والضر وهو قادر على الإماتة والإحياء وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ﴾ والحكمة في وصف الله سبحانه وتعالى في هذا المقام بهذه الصفة أن المراد أن الذي يستحق العبادة أعبده أنا وأنتم هو الذي خلقكم أولاً ولم تكونوا شيئاً ثم يميتكم ثانياً ثم يحييكم بعد الموت ثالثاً، فاكتفى بذكر الوفاة تنبيهاً على الباقي، وقيل : لما كان الموت أشد الأشياء على النفس ذكر في هذا المقام ليكون أقوى في الزجر والردع وقيل إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم ﴿ وأمرت أن أكون من المؤمنين ﴾ يعني وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بما جاء من عنده قيل لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب.
﴿ وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ﴾ الواو في قوله وأن أقم واو عطف معناه وأمرت أن أقيم وجهي يعني أقم نفسك على دين الإسلام حنيفاً يعني مستقيماً عليه غير معوج عنه إلى دين آخر، وقيل معناه أقم عملك على الدين الحنيفي وقيل أراد بقوله وأن أقم وجهك للدين صرف نفسه بكليته إلى طلب الدين الحنيفي غير مائل عنه ﴿ ولا تكونن من المشركين ﴾ يعني ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه غيره فيهلك وقيل إن النهي عن عبادة الأوثان قد تقدم في الآية المتقدمة فوجب حمل هذا النهي على معنى زائد وهو أن من عرف الله عز وجل وعرف جميع أسمائه وصفاته وأنه المستحق للعبادة لا غيره فلا ينبغي له أن يلتفت إلى غيره بالكلية وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب بالشكر الخفي.
﴿ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ﴾ يعني إن عبدته ودعوته ﴿ ولا يضرك ﴾ يعني إن تركت عبادته ﴿ فإن فعلت ﴾ يعني ما نهيتك عنه فعبدت غيري أو طلبت النفع ودفع الضر من غيري ﴿ فإنك إذاً من الظالمين ﴾ يعني لنفسك لأنك وضعت العبادة في غير موضعها وهذا الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به غيره لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع من دون الله شيئاً البتة فيكون المعنى ولا تدع أيها الإنسان من دون الله ما لا ينفعك، الآية.
على ما أنتم عليه فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني هذه الأوثان وإنما وجب تقديم هذا النفي لأن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا تليق لأخس الأشياء وهي الحجارة التي لا تنفع لمن عبدها ولا تضر لمن تركها ولكن تليق العبادة لمن بيده النفع والضر وهو قادر على الإماتة والإحياء وهو قوله سبحانه وتعالى: وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ والحكمة في وصف الله سبحانه وتعالى في هذا المقام بهذه الصفة أن المراد أن الذي يستحق العبادة أعبده أنا وأنتم هو الذي خلقكم أولا ولم تكونوا شيئا ثم يميتكم ثانيا ثم يحييكم بعد الموت ثالثا، فاكتفى بذكر الوفاة تنبيها على الباقي، وقيل: لما كان الموت أشد الأشياء على النفس ذكر في هذ المقام ليكون أقوى في الزجر والردع وقيل إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بما جاء من عنده قيل لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً الواو في قوله وأن أقم واو عطف معناه وأمرت أن أقيم وجهي يعني أقم نفسك على دين الإسلام حنيفا يعني مستقيما عليه غير معوج عنه إلى دين آخر، وقيل معناه أقم عملك على الدين الحنيفي وقيل أراد بقوله وأن أقم وجهك للدين صرف نفسه بكليته إلى طلب الدين الحنيفي غير مائل عنه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه غيره فيهلك وقيل إن النهي عن عبادة الأوثان قد تقدم في الآية المتقدمة فوجب حمل هذا النهي على معنى زائد وهو أن من عرف الله عز وجل وعرف جميع أسمائه وصفاته وأنه المستحق للعبادة لا غيره فلا ينبغي له أن يلتفت إلى غيره بالكلية وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب بالشكر الخفي وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ يعني إن عبدته ودعوته وَلا يَضُرُّكَ يعني إن تركت عبادته فَإِنْ فَعَلْتَ يعني ما نهيتك عنه فعبدت غيري أو طلبت النفع ودفع الضر من غيري فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ يعني لنفسك لأنك وضعت العبادة في غير موضعها وهذا الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي ﷺ فالمراد به غيره لأنه ﷺ لم يدع من دون الله شيئا البتة فيكون المعنى ولا تدع أيها الإنسان من دون الله ما لا ينفعك، الآية.
[سورة يونس (١٠): الآيات ١٠٧ الى ١٠٩]
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)
قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ يعني وإن يصبك الله بشدة وبلاء فَلا كاشِفَ لَهُ يعني لذلك الضر الذي أنزل بك إِلَّا هُوَ لا غيره وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ يعني بسعة ورخاء فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يعني فلا دافع لرزقه يُصِيبُ بِهِ يعني: بكل واحد من الضر والخير مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قيل إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الأوثان وبين أنها لا تقدر على نفع ولا ضر بين تعالى أنه هو القادر على ذلك كله، وأن جميع الكائنات محتاجة إليه وجميع الممكنات مستندة إليه لأنه هو القادر على كل شيء وأنه ذو الجود والكرم والرحمة ولهذا المعنى ختم الآية بقوله وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وفي الآية لطيفة أخرى وهي أن الله سبحانه وتعالى رجح جانب الخير على جانب الشر وذلك أنه تعالى لما ذكر إمساس الضر بين أنه لا كاشف له إلا هو وذلك يدل على أنه سبحانه وتعالى يزيل جميع المضار ويكشفها لأن الاستثناء من النفي إثبات.
ولما ذكر الخير قال فيه فلا راد لفضله يعني أن جميع الخيرات منه فلا يقدر أحد على ردها لأنه هو الذي
468
يفيض جميع الخيرات على عباده وعضده بقوله وهو الغفور يعني الساتر لذنوب عباده الرحيم يعني بهم.
قوله سبحانه وتعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يعني القرآن والإسلام وقيل الحق هو محمد ﷺ جاء بالحق من الله عز وجل فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لأن نفع ذلك يرجع إليه وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي على نفسه لأن وباله راجع إليه فمن حكم الله له بالاهتداء في الأزل انتفع ومن حكم عليه بالضلال ضل ولم ينتفع بشيء أبدا وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ يعني وما أنا عليكم بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم وقال ابن عباس: هذه الآية منسوخة بآية السيف وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ يعني الأمر الذي يوحيه الله إليك يا محمد وَاصْبِرْ يعني على أذى من خالفك من كفار مكة وهم قومك حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ يعني ينصرك عليهم بإظهار دينك وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يعني أنه سبحانه وتعالى حكم بنصر نبيه وإظهار دينه وبقتل المشركين وأخذ الجزية من أهل الكتاب، وفيها ذلهم وصغارهم والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
469
قوله سبحانه وتعالى :﴿ قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ﴾ يعني القرآن والإسلام وقيل الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالحق من الله عز وجل ﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ﴾ لأن نفع ذلك يرجع إليه ﴿ ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ أي على نفسه لأن وباله راجع إليه فمن حكم الله له بالاهتداء في الأزل انتفع ومن حكم عليه بالضلالة ضل ولم ينتفع بشيء أبداً ﴿ وما أنا عليكم بوكيل ﴾ يعني وما أنا عليكم بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم وقال ابن عباس : هذه الآية منسوخة بآية السيف.
﴿ واتبع ما يوحى إليك ﴾ يعني الأمر الذي يوحيه الله إليك يا محمد ﴿ واصبر ﴾ يعني على أذى من خالفك من كفار مكة وهم قومك ﴿ حتى يحكم الله ﴾ يعني ينصرك عليهم بإظهار دينك ﴿ وهو خير الحاكمين ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى حكم بنصر نبيه وإظهار دينه وبقتل المشركين وأخذ الجزية من أهل الكتاب، وفيه ذلهم وصغارهم والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon