ﰡ
تتضمن السورة تنديدا بجحود الإنسان واستغراقه في حب المال وتذكيرا بالآخرة وإحاطة الله بأعمال الناس. وأسلوبها عرض عام للدعوة كسابقتها. وقد روي «١» أنها مدنية والجمهور على أنها مكية وأسلوبها وتبكير نزولها مما يؤيد مكيتها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ١ الى ١١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩)
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
(١) العاديات: من العدو وهو الجري السريع، والمقصود بالعاديات الخيل أو الإبل على اختلاف الأقوال والأول أوجه ومتسق مع الآيات الأخرى.
(٢) الضبح: هو صوت نفس الخيل حينما تركض وتتعب، وقيل إنه نوع من السير.
(٣) الموريات: من الوري، وهو إيقاد الشرارة والشعلة والنار.
(٤) قدحا: القدح هو الحك الشديد بالشيء الصلب لبعث الشرر.
(٦) أثرن: من الإثارة وهي التحريك والتهييج.
(٧) النقع: الغبار.
(٨) كنود: جاحد للنعمة.
(٩) حب الخير: جمهور المؤولين يؤولون الجملة بحب المال.
(١٠) بعثر ما في القبور: كناية عن بعث الناس وخروجهم من قبورهم يوم القيامة.
(١١) حصل ما في الصدور: كناية عن مواجهة الناس بما حفظ عنهم وسجل عليهم من أعمال.
في آيات السورة تنديد ببعض أخلاق الإنسان وإنذار له، وقد تضمنت:
١- قسما ربانيا بالخيل وهي تعدو عدوا شديدا حين تعتزم الإغارة فيغدو نفسها ضبحا وينقدح من اصطدام حوافرها بالحجارة الشرر، ويثور الغبار، وتتوسط الجمع المغار عليه على أن الإنسان جاحد لنعمة الله مع ما يشهده من آثار أفضال الله عليه، مستغرق في حب المال.
٢- وتساؤلا في معرض الاستنكار والإنذار والتذكير عما إذا كان الإنسان لا يعرف أن الله محاسبه على ما يقدم من عمل حين يبعث الناس من قبورهم ويواجهون بأعمالهم، ولسوف يظهر لهم جليا أن الله خبير بهم وبأعمالهم.
والمتبادر أنه أريد بوصف الإنسان بما وصف تقرير كون ذلك هو الطبع الغالب على الجبلة الإنسانية وأن الآيات قد استهدفت تنبيه الإنسان إلى ما في هذه الأخلاق من شطط ومجانبة للحق والواجب نحو الله والناس وحمله على تجنبها وتذكيره بنعمة ربه عليه وكونه محيطا بأعماله مراقبا له فيها ومحاسبه عليها في الحياة الأخرى.
وإطلاق الآيات وعدم احتوائها إشارة إلى موقف معين يسوغان القول بأنها بسبيل عرض أهداف الدعوة ومبادئها عرضا عاما كسابقتها، كما يسوغ وصفها بما
والأهداف التي احتوتها جليلة في صدد الأخلاق الشخصية والاجتماعية، حيث إنها ترتفع بالإنسان إلى أن لا يكون المال هو كل شيء لديه فينسيه واجباته نحو ربه بالاعتراف بربوبيته والخضوع له وشكره على نعمه، ونحو الناس بالبر والرحمة.
ويلفت النظر بنوع خاص إلى التنديد بحب المال. وما سبق من مثل ذلك في سورة الفجر حيث يتلاحق الإيذان الرباني بكراهية اكتناز المال واستقطاب الثروة على ما نبهنا عليه في سياق سورة الفجر.
مغزى القسم القرآني بالخيل
وقد يكون القسم القرآني بالخيل متصلا بما كان للخيل والفروسية في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيئته من أهمية بالغة. حيث ينطوي فيه صورة من صور ذلك العصر والبيئة. ولقد روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو داود حديثا عن عروة الباقي قال: «قال النبي صلّى الله عليه وسلّم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» «١» مما قد يكون فيه توكيد لتلك الأهمية البالغة.
تعليق على رواية مدنية السورة
ولقد روى الطبرسي المفسر الشيعي أن السورة مدنية. وروى مناسبتين لنزولها واحدة عن مقاتل جاء فيها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث سرية إلى حي من حنانة عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري فتأخر رجوعهم فقال المنافقون إنهم قتلوا جميعهم فأخبر الله تعالى بما كان من غارتهم ونصرهم. وثانية عن الإمام أبي عبد الله جاء فيها أنها نزلت في مناسبة بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب إلى ذات السلاسل ونصره بعد أن أرسل مرارا غيره فعادوا بدون نصر. وأنها لما نزلت خرج رسول