في السورة تنويه بتكوين الإنسان ومواهبه، وتنبيه إلى ما يمكن أن يتردى إليه من الانحطاط بالانحراف عن الإيمان والعمل الصالح، وتوكيد بالجزاء الأخروي واتساق ذلك مع عدل الله وحكمته، والسورة عامة التوجيه والعرض.
وقد روت بعض الروايات أنها مدنية، غير أن أكثر الروايات متفقة على مكيتها وأسلوبها يؤيد ذلك.
ﰡ
﴿ والتين والزيتون( ١ ) وطور سنين١ ( ٢ ) وهذا البلد الأمين٢ ( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم٣ ( ٤ ) ثم رددناه أسفل سافلين( ٥ ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون( ٦ ) فما يكذبك بعد بالدين( ٧ ) أليس الله بأحكم الحاكمين( ٨ ) ﴾ [ ١-٨ ].
في السورة قسم رباني بأن الله قد خلق الإنسان في أحسن تكوين وأقومه وأتمه بما أودعه الله فيه من مواهب وقوى، ثم رده إلى أسفل سافلين، باستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين لهم عنده الأجر الدائم. وانتهت آياتها بسؤال استنكاري عن السبب الذي يحمل الناس على التكذيب بالجزاء الأخروي بعد هذا البرهان وبجواب رباني بأسلوب السؤال بأن الله هو أحكم الحاكمين وأن صفته هذه تقتضي ذلك الجزاء.
ولقد تعددت الأقوال المعزوة إلى ابن عباس وعلماء التابعين كالحسن وعكرمة ومقاتل ومجاهد وعطاء.
أولا : في مدلول ﴿ والتين والزيتون ﴾، حيث قيل : إنهما الثمرتان بذاتهما، وقد أقسم الله بهما لكثرة منافعهما. وحيث قيل : إن التين جبل أو مسجد في دمشق والزيتون جبل أو مسجد في بيت المقدس. وحيث قيل : إن المقصود منابتهما في دمشق وبيت المقدس على اعتبار أنهما قد اشتهرا بهما. ولاحظ بعض المفسرين أن طور سينين مهبط وحي موسى عليه السلام، والبلد الأمين مهبط وحي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن فلسطين كانت مشهورة بكروم زيتونها وتينها وهي مهبط وحي عيسى عليه السلام، وأن التساوق يقضي أن يكون المقصود هو فلسطين المشهورة بتينها وزيتونها. وفي هذا وجاهة ظاهرة١.
ثانيا : في مدلول ﴿ أسفل سافلين ﴾ حيث قيل : إنها الشيخوخة التي يرتد فيها الإنسان إلى أرذل العمر بعدما كان عليه من القوة العقلية والجسمية. وحيث قيل : إنها النكال الأخروي الذي يكون نصيب المنحرفين عن سبيل الله من الناس. واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات يسوغ القول : إنه أريد أن يقال : إن الله عز وجل قد خلق الإنسان على أحسن تقويم عقلي وجسمي وجعله موضع اختبار فمن آمن وعمل صالحا كان له الأجر الذي لا ينقطع من الله، ومن شذ من ذلك ارتكس إلى أحط الدركات في الدنيا والآخرة.
ونسبة رد الإنسان الشاذ إلى أسفل سافلين إلى الله لاينقص القول : إن الله قد جعله موضع اعتبار، ورتب ما يستحقه على اختباره على ضوء آيات قرآنية عديدة منها آيات سورة البقرة هذه :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين٢٦ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون٢٧ ﴾.
أما الآيتان الأخريان فهما نتيجة للمقدمة أو البرهان الذي احتوته الآية الرابعة وهو خلق الله الإنسان في أحسن تقويم. والبرهان مستحكم في السامعين ؛ لأنهم يؤمنون به على ما حكته عنهم آيات عديدة منها آية سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون٣١ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه :﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم٩ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه أيضا :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون٨٧ ﴾ والسورة كما هو ظاهر من نوع السور العامة المبشرة المنذرة، وهي قريبة المدى إلى سورة العصر.
ولقد قلنا في التعريف : إن ﴿ البلد الآمين ﴾ هي مكة التي جعلها الله أمانا للناس وحرم سفك الدم فيها. وفي سورة النمل جملة فيها هذا المعنى صريح أكثر وهي :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ﴾ [ ٩١ ] واسم مكة ورد في آية سورة الفتح هذه :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ [ ٢٤ ] وفي القرآن اسم آخر لمكة وهو بكة وقد ورد في آية سورة آل عمران هذه :﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين٩٦ ﴾.
وسنزيد مسألة أمن مكة وحرمها شرحا في سياق تفسير سورة قريش التي تأتي بعد هذه السورة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والتين والزيتون( ١ ) وطور سنين١ ( ٢ ) وهذا البلد الأمين٢ ( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم٣ ( ٤ ) ثم رددناه أسفل سافلين( ٥ ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون( ٦ ) فما يكذبك بعد بالدين( ٧ ) أليس الله بأحكم الحاكمين( ٨ ) ﴾ [ ١-٨ ].
في السورة قسم رباني بأن الله قد خلق الإنسان في أحسن تكوين وأقومه وأتمه بما أودعه الله فيه من مواهب وقوى، ثم رده إلى أسفل سافلين، باستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين لهم عنده الأجر الدائم. وانتهت آياتها بسؤال استنكاري عن السبب الذي يحمل الناس على التكذيب بالجزاء الأخروي بعد هذا البرهان وبجواب رباني بأسلوب السؤال بأن الله هو أحكم الحاكمين وأن صفته هذه تقتضي ذلك الجزاء.
ولقد تعددت الأقوال المعزوة إلى ابن عباس وعلماء التابعين كالحسن وعكرمة ومقاتل ومجاهد وعطاء.
أولا : في مدلول ﴿ والتين والزيتون ﴾، حيث قيل : إنهما الثمرتان بذاتهما، وقد أقسم الله بهما لكثرة منافعهما. وحيث قيل : إن التين جبل أو مسجد في دمشق والزيتون جبل أو مسجد في بيت المقدس. وحيث قيل : إن المقصود منابتهما في دمشق وبيت المقدس على اعتبار أنهما قد اشتهرا بهما. ولاحظ بعض المفسرين أن طور سينين مهبط وحي موسى عليه السلام، والبلد الأمين مهبط وحي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن فلسطين كانت مشهورة بكروم زيتونها وتينها وهي مهبط وحي عيسى عليه السلام، وأن التساوق يقضي أن يكون المقصود هو فلسطين المشهورة بتينها وزيتونها. وفي هذا وجاهة ظاهرة١.
ثانيا : في مدلول ﴿ أسفل سافلين ﴾ حيث قيل : إنها الشيخوخة التي يرتد فيها الإنسان إلى أرذل العمر بعدما كان عليه من القوة العقلية والجسمية. وحيث قيل : إنها النكال الأخروي الذي يكون نصيب المنحرفين عن سبيل الله من الناس. واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات يسوغ القول : إنه أريد أن يقال : إن الله عز وجل قد خلق الإنسان على أحسن تقويم عقلي وجسمي وجعله موضع اختبار فمن آمن وعمل صالحا كان له الأجر الذي لا ينقطع من الله، ومن شذ من ذلك ارتكس إلى أحط الدركات في الدنيا والآخرة.
ونسبة رد الإنسان الشاذ إلى أسفل سافلين إلى الله لاينقص القول : إن الله قد جعله موضع اعتبار، ورتب ما يستحقه على اختباره على ضوء آيات قرآنية عديدة منها آيات سورة البقرة هذه :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين٢٦ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون٢٧ ﴾.
أما الآيتان الأخريان فهما نتيجة للمقدمة أو البرهان الذي احتوته الآية الرابعة وهو خلق الله الإنسان في أحسن تقويم. والبرهان مستحكم في السامعين ؛ لأنهم يؤمنون به على ما حكته عنهم آيات عديدة منها آية سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون٣١ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه :﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم٩ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه أيضا :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون٨٧ ﴾ والسورة كما هو ظاهر من نوع السور العامة المبشرة المنذرة، وهي قريبة المدى إلى سورة العصر.
ولقد قلنا في التعريف : إن ﴿ البلد الآمين ﴾ هي مكة التي جعلها الله أمانا للناس وحرم سفك الدم فيها. وفي سورة النمل جملة فيها هذا المعنى صريح أكثر وهي :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ﴾ [ ٩١ ] واسم مكة ورد في آية سورة الفتح هذه :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ [ ٢٤ ] وفي القرآن اسم آخر لمكة وهو بكة وقد ورد في آية سورة آل عمران هذه :﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين٩٦ ﴾.
وسنزيد مسألة أمن مكة وحرمها شرحا في سياق تفسير سورة قريش التي تأتي بعد هذه السورة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والتين والزيتون( ١ ) وطور سنين١ ( ٢ ) وهذا البلد الأمين٢ ( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم٣ ( ٤ ) ثم رددناه أسفل سافلين( ٥ ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون( ٦ ) فما يكذبك بعد بالدين( ٧ ) أليس الله بأحكم الحاكمين( ٨ ) ﴾ [ ١-٨ ].
في السورة قسم رباني بأن الله قد خلق الإنسان في أحسن تكوين وأقومه وأتمه بما أودعه الله فيه من مواهب وقوى، ثم رده إلى أسفل سافلين، باستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين لهم عنده الأجر الدائم. وانتهت آياتها بسؤال استنكاري عن السبب الذي يحمل الناس على التكذيب بالجزاء الأخروي بعد هذا البرهان وبجواب رباني بأسلوب السؤال بأن الله هو أحكم الحاكمين وأن صفته هذه تقتضي ذلك الجزاء.
ولقد تعددت الأقوال المعزوة إلى ابن عباس وعلماء التابعين كالحسن وعكرمة ومقاتل ومجاهد وعطاء.
أولا : في مدلول ﴿ والتين والزيتون ﴾، حيث قيل : إنهما الثمرتان بذاتهما، وقد أقسم الله بهما لكثرة منافعهما. وحيث قيل : إن التين جبل أو مسجد في دمشق والزيتون جبل أو مسجد في بيت المقدس. وحيث قيل : إن المقصود منابتهما في دمشق وبيت المقدس على اعتبار أنهما قد اشتهرا بهما. ولاحظ بعض المفسرين أن طور سينين مهبط وحي موسى عليه السلام، والبلد الأمين مهبط وحي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن فلسطين كانت مشهورة بكروم زيتونها وتينها وهي مهبط وحي عيسى عليه السلام، وأن التساوق يقضي أن يكون المقصود هو فلسطين المشهورة بتينها وزيتونها. وفي هذا وجاهة ظاهرة١.
ثانيا : في مدلول ﴿ أسفل سافلين ﴾ حيث قيل : إنها الشيخوخة التي يرتد فيها الإنسان إلى أرذل العمر بعدما كان عليه من القوة العقلية والجسمية. وحيث قيل : إنها النكال الأخروي الذي يكون نصيب المنحرفين عن سبيل الله من الناس. واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات يسوغ القول : إنه أريد أن يقال : إن الله عز وجل قد خلق الإنسان على أحسن تقويم عقلي وجسمي وجعله موضع اختبار فمن آمن وعمل صالحا كان له الأجر الذي لا ينقطع من الله، ومن شذ من ذلك ارتكس إلى أحط الدركات في الدنيا والآخرة.
ونسبة رد الإنسان الشاذ إلى أسفل سافلين إلى الله لاينقص القول : إن الله قد جعله موضع اعتبار، ورتب ما يستحقه على اختباره على ضوء آيات قرآنية عديدة منها آيات سورة البقرة هذه :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين٢٦ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون٢٧ ﴾.
أما الآيتان الأخريان فهما نتيجة للمقدمة أو البرهان الذي احتوته الآية الرابعة وهو خلق الله الإنسان في أحسن تقويم. والبرهان مستحكم في السامعين ؛ لأنهم يؤمنون به على ما حكته عنهم آيات عديدة منها آية سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون٣١ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه :﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم٩ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه أيضا :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون٨٧ ﴾ والسورة كما هو ظاهر من نوع السور العامة المبشرة المنذرة، وهي قريبة المدى إلى سورة العصر.
ولقد قلنا في التعريف : إن ﴿ البلد الآمين ﴾ هي مكة التي جعلها الله أمانا للناس وحرم سفك الدم فيها. وفي سورة النمل جملة فيها هذا المعنى صريح أكثر وهي :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ﴾ [ ٩١ ] واسم مكة ورد في آية سورة الفتح هذه :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ [ ٢٤ ] وفي القرآن اسم آخر لمكة وهو بكة وقد ورد في آية سورة آل عمران هذه :﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين٩٦ ﴾.
وسنزيد مسألة أمن مكة وحرمها شرحا في سياق تفسير سورة قريش التي تأتي بعد هذه السورة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والتين والزيتون( ١ ) وطور سنين١ ( ٢ ) وهذا البلد الأمين٢ ( ٣ ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم٣ ( ٤ ) ثم رددناه أسفل سافلين( ٥ ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون( ٦ ) فما يكذبك بعد بالدين( ٧ ) أليس الله بأحكم الحاكمين( ٨ ) ﴾ [ ١-٨ ].
في السورة قسم رباني بأن الله قد خلق الإنسان في أحسن تكوين وأقومه وأتمه بما أودعه الله فيه من مواهب وقوى، ثم رده إلى أسفل سافلين، باستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين لهم عنده الأجر الدائم. وانتهت آياتها بسؤال استنكاري عن السبب الذي يحمل الناس على التكذيب بالجزاء الأخروي بعد هذا البرهان وبجواب رباني بأسلوب السؤال بأن الله هو أحكم الحاكمين وأن صفته هذه تقتضي ذلك الجزاء.
ولقد تعددت الأقوال المعزوة إلى ابن عباس وعلماء التابعين كالحسن وعكرمة ومقاتل ومجاهد وعطاء.
أولا : في مدلول ﴿ والتين والزيتون ﴾، حيث قيل : إنهما الثمرتان بذاتهما، وقد أقسم الله بهما لكثرة منافعهما. وحيث قيل : إن التين جبل أو مسجد في دمشق والزيتون جبل أو مسجد في بيت المقدس. وحيث قيل : إن المقصود منابتهما في دمشق وبيت المقدس على اعتبار أنهما قد اشتهرا بهما. ولاحظ بعض المفسرين أن طور سينين مهبط وحي موسى عليه السلام، والبلد الأمين مهبط وحي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن فلسطين كانت مشهورة بكروم زيتونها وتينها وهي مهبط وحي عيسى عليه السلام، وأن التساوق يقضي أن يكون المقصود هو فلسطين المشهورة بتينها وزيتونها. وفي هذا وجاهة ظاهرة١.
ثانيا : في مدلول ﴿ أسفل سافلين ﴾ حيث قيل : إنها الشيخوخة التي يرتد فيها الإنسان إلى أرذل العمر بعدما كان عليه من القوة العقلية والجسمية. وحيث قيل : إنها النكال الأخروي الذي يكون نصيب المنحرفين عن سبيل الله من الناس. واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات يسوغ القول : إنه أريد أن يقال : إن الله عز وجل قد خلق الإنسان على أحسن تقويم عقلي وجسمي وجعله موضع اختبار فمن آمن وعمل صالحا كان له الأجر الذي لا ينقطع من الله، ومن شذ من ذلك ارتكس إلى أحط الدركات في الدنيا والآخرة.
ونسبة رد الإنسان الشاذ إلى أسفل سافلين إلى الله لاينقص القول : إن الله قد جعله موضع اعتبار، ورتب ما يستحقه على اختباره على ضوء آيات قرآنية عديدة منها آيات سورة البقرة هذه :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين٢٦ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون٢٧ ﴾.
أما الآيتان الأخريان فهما نتيجة للمقدمة أو البرهان الذي احتوته الآية الرابعة وهو خلق الله الإنسان في أحسن تقويم. والبرهان مستحكم في السامعين ؛ لأنهم يؤمنون به على ما حكته عنهم آيات عديدة منها آية سورة يونس هذه :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون٣١ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه :﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم٩ ﴾ وآية سورة الزخرف هذه أيضا :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون٨٧ ﴾ والسورة كما هو ظاهر من نوع السور العامة المبشرة المنذرة، وهي قريبة المدى إلى سورة العصر.
ولقد قلنا في التعريف : إن ﴿ البلد الآمين ﴾ هي مكة التي جعلها الله أمانا للناس وحرم سفك الدم فيها. وفي سورة النمل جملة فيها هذا المعنى صريح أكثر وهي :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ﴾ [ ٩١ ] واسم مكة ورد في آية سورة الفتح هذه :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ [ ٢٤ ] وفي القرآن اسم آخر لمكة وهو بكة وقد ورد في آية سورة آل عمران هذه :﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين٩٦ ﴾.
وسنزيد مسألة أمن مكة وحرمها شرحا في سياق تفسير سورة قريش التي تأتي بعد هذه السورة.