تفسير سورة البينة

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة البينة من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة البينة مختلف فيها
وهي ثماني آيات.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ﴾ : اليهود والنصارى، ﴿ والمشركين ﴾ : عبدة الأوثان، ﴿ منفكين١ : عن كفرهم، ﴿ حتى تأتيهم البينة ﴾، أي : الرسول أتاهم بالقرآن، فبين ضلالتهم فدعاهم إلى الإيمان، فآمن بعضهم.
١ قال أبو السعود (ابن مسعود): منفكين عما كانوا عليه من الوعد بإتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان، والعزم على إنجازه، وهذا الوعد من أهل الكتاب- مما لا ريب فيه، وأما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم، بعدما شاء ذلك من أهل الكتاب- واعتقدوا صحته، بما شاهدوا من نصرتهم على أسلافهم، وفيه إشارة إلى كمال وكادة عهدهم. انتهى ملخصا، قال الواحدي: ومعنى الآية إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لم ينتهوا عن كفرهم، وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم، فبين لهم ضلالتهم، وجهالتهم، ودعاءهم إلى الإيمان، وهذا بيان عن النعمة، والإنقاذ به عن الجهل والضلالة، والآية فيمن آمن من الفريقين، قال: وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء، وسلكوا في تفسيرها طرقا لا تفضي بهم إلى الصواب، والوجه ما أخبرتك، فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس، ولا إشكال، قال: ويدل على كون البينة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه فسرها وأبدل بقوله الآتي:" رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة"، يعني ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها، وهو القرآن، ويدل على ذلك، أنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب، انتهى كلامه/١٢ فتح..
﴿ رسول من الله ﴾، بدل من البينة، ﴿ يتلو صحفا مطهرة ﴾، أي : ما في الصحف المطهرة، فإنه مكتوب في الملإ الأعلى في الصحف كما مر في سورة عبس.
﴿ فيها ﴾ : في الصحف المطهرة، ﴿ كتب قيمة ﴾ : مكتوبات، مستقيمة، لا خطأ فيها.
﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ﴾، أي : تفرقهم واختلافهم، بعدما أقام الله عليهم الحجج، فإنهم اختلفوا فيما أراده الله من كتبهم، قال تعالى :﴿ لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ﴾( آل عمران : ١٠٥ )، وفي الحديث " اختلف اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة، هي ما أنا عليه وأصحابي "، أو معناه : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد عليه السلام حتى بعثه الله، فلما بعث تفرقوا فآمن بعض، وكفر أكثرهم.
﴿ وما أمروا ﴾، أي : بما في الكتابين، ﴿ إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ﴾، أي : إلا لأجل عبادة الله على هذه الصفة نحو ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾( الأنبياء : ٢٥ )، ﴿ حنفاء ﴾ : مائلين عن كل دين باطل، ﴿ ويقيموا الصلاة ﴾، عطف على يعبدوا، ﴿ ويؤتوا الزكاة ﴾، لكنهم حرفوه، ﴿ وذلك دين القيمة ﴾ : أي دين الملة والشريعة المستقيمة، وقيل : هي جمع القيم، أي : دين الأمة القائمة لله.
﴿ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ﴾، أي : يوم القيامة، ﴿ أولئك هم شر البرية ﴾ : الخليقة.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ﴾، استدل أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل أولياء الله من المؤمنين على الملائكة بهذه الآية.
﴿ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ﴾، فيه مبالغات لا تخفى١ على المتأمل، ﴿ رضي الله عنهم ﴾ استئناف بما حصل لهم زيادة على جزائهم، ﴿ ورضوا عنه ذلك ﴾ أي : هذا الجزاء، ﴿ لمن خشي ربه ﴾ فاتقاه حق تقواه، وإنما يخشى الله من عباده العلماء.
١ تقديم المدح، وذكر الجزاء المؤذن بأن ما منحه في مقابلة ما وصفوا به، والحكم عليه بأنه من عند ربهم، وجمع جنات، وتقييدها إضافة ووصفا بما يزداد لها نعيما، وتأكيد الخلود بالتأييد/١٢ منه..
Icon