تفسير سورة العاديات

تفسير السمرقندي
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب بحر العلوم المعروف بـتفسير السمرقندي .
لمؤلفه أبو الليث السمرقندي . المتوفي سنة 373 هـ
سورة العاديات مكية، وهي إحدى عشرة آية.

سورة العاديات
مختلف فيها وهي إحدى عشرة آية مكية
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥)
قوله تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً قال مقاتل: وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعث سرية إلى بني كنانة واستعمل عليهم المنذر به عمرو، الساعدي، فأبطأ عليه، خبرهم فاغتم لذلك فنزل عليه جبريل- عليه السلام- بهذه السورة يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويعلمه عن حالهم فقال: (والعاديات ضبحاً) يعني: أفراس أصحابك يا محمد صلّى الله عليه وسلم إنهم يسبحون في عدوهم فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يعني: النار التي تسطع من حوافر الفرس إذا عدت في مكان ذي صخور وأحجار فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يعني: أصحابك يغيرون على العدوّ عند الصبح فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً يعني: يثيرون بحوافرهن التراب إذا عدت الفرس في مكان سهل يهيج التراب والغبار (نقعاً) يعني: أطراحاً على الأرض فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً يعني: أصحابك أصبحوا في وسط العدو مع الظفر والغنيمة فلا تغتم وقال الكلبي (والعاديات ضبحاً) يعني: أنفاس الخيل حين تتنفس إذا اجتهدت وقال ابن مسعود رضي الله عنه (والعاديات ضبحاً) يعني: الإبل بعرفات إذا دخل الحجاج مكة وروى عطاء عن ابن عباس في قوله (والعاديات ضبحاً) قال الخيل وما أصبح دابة قط إلا كلب أو خنزير وهو يلهث كما يلهث الكلب وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هي الإبل تذهب إلى وقعة بدر.
وقال أبو صالح تقاولت مع عكرمة في قوله وَالْعادِياتِ ضَبْحاً قال عكرمة قال ابن عباس هي الخيل في القتال فقلت مولاي- يعني: علي بن أبي طالب رضي الله عنه- أعلم من مولاك إنه كان يقول هي الإبل التي تكون بمكة حين تفيض من عرفات إلى جمع، وقال أهل اللغة:
الضبح صوت حلوقها إذا عدت، والضبح والضبع واحد، يقال: ضبحت النوق وضبعت إذا عدت في المسير.
وهذا قسم أقسم الله تعالى بهذه الأشياء وجوابه قوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) [العاديات: ٦] وقال بعضهم (فالموريات قدحاً) معناه فالمنجيات عملاً وهذا مثل ضربه الله تعالى فكما أن الأقداح تنجي الرجل المسلم من برد الشتاء والهلاك وإذا لم يكن معه الزند فيهلك في البرد فكذلك العمل الصالح ينجي العبد يوم القيامة ومن العذاب الهلاك وإذا لم يكن معه عمل صالح يهلك في العذاب ويقال (فالموريات قدحاً) يعني: ناراً لأبي حباحب كان رجل في بعض أحياء العرب من أبخل الناس ولم يوقد ناراً حتى ينام كل ذي عين ثم يوقدها فإذا استيقظ أحد أطفأها لكي لا ينتفع بناره أحد بخلاً منه فكذلك الخيل حين اشتدت على الأرض الحصاة فقدحت النار بحوافرها لا ينتفع بها كما لا ينتفع بنار أبي حباحب ثم قال (فالمغيرات صُبْحاً) يعني: الخُصَماء يغيرون على حسنات العبد يوم القيامة بمنزلة ريح عاصف يجيء ويرفع التراب الناقع من حوافر الدواب فذلك قوله تعالى (فأثرن به نقعاً) ويقال هي الإبل ترجع من عرفات إلى مزدلفة ثم يرجعن إلى منى ويذبح هناك ويقسم الخمر ويوجد اللحم كأنهم أغاروها (فأثرن به نقعا) يعني: هيّجن بالوادي غباراً حين يرجعون من مزدلفة إلى منى وقوله تعالى (به) كناية عن الوادي فكأنه يقول (فأثرن به نقعاً) أي: غباراً ثم قال (فوسطن به جمعا) يعني: فوقعن بالوادي ويقال بالمكان جمعاً أي اجتمع الحاج بمنى.
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ٦ الى ١١]
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠)
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
ثم قال إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ فيه جواب القسم أقسم الله تعالى بهذه الأشياء وفيه بين ذكر فضل الغازي وفضل فرس الغازي على تفسير من فسر الآية على الفرس حين أقسم الله تعالى بالتراب الذي يخرج والنار التي تخرج من تحت حوافر فرس الغازي لأنه ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى. ومن فسر الآية على الإبل ففي الآية بيان فضل الحاج وفضل دواب الحاج حيث أقسم الله تعالى بالتراب الذي يخرج من تحت أخفاف إبل الحاج والنار التي تخرج منها حيث صارت في أرض الحجارة إن الإنسان لربه لكنود يعني: لبخيل قال مقاتل نزلت في قرط بن عبد الله وقال معنى «الكنود» بلسان كندة وبني حضرموت هو العاصي سيده وبلسان بني كنانة البخيل ويقال هو الوليد بن المغيرة ويقال هو أبو حباحب ويقال كان ثلاثة نفر في العرب في عصر واحد أحدهم آية في السخاء وهو حاتم الطائي والثاني آية في البخل وهو أبو حباحب والثالث آية في الطمع وهو أشعب، كان طماعاً، وكان من طمعه إذا رأى عروساً تزف إلى موضع جعل يكنس باب داره لكي تدخل داره وكان إذا رأى إنساناً يحك
609
عنقه فيظن أنه ينزع القميص ليدفعه إليه ويقال «الكنود» الذي يمنع وفده ويجمع أهله ويضرب عبده ويأكل وحده ولا يعبأ للنائرة في قومه أي المصيبة، وقال الحسن: الكنود الذي يذكر المصائب وينسى النعم، ويقال الكنود الذي لا خير فيه، ويقال: الأرض التي غلب عليها السبخة ولا يخرج منها البذر أرض كنود.
قوله تعالى وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ يعني: الله تعالى حفيظ على صنعه عالم به وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ يعني: الإنسان على جمع المال حريص وقال القتبي معناه إنه لحب المال لبخيل والشدة البخل ها هنا وقال الزجاج معناه أنه من أجل حب المال لبخيل وهذا موافق لما قال القتبي ثم قال عز وجل أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ يعني: أفلا يعلم هذا البخيل إذا بعث الناس من قبورهم وعرضوا على الله تعالى بعثر يعني: أخرج وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ يعني: بين ما في القلوب من الخير والشر إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ
يعني: عالم بهم وبأعمالهم وبنيَّاتهم ومن أطاعه في الدنيا ومن عصاه فيها وفي الآية دليل أن الثواب يستوجب على قدر النية ويجري به لأنه قال عز وجل (وحصل ما فى الصدور) يعني: يحصل له من الثواب بقدر ما كان في قلبه من النية إن نوى بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة يحصل له الثواب على قدره والله أعلم.
610
Icon