تفسير سورة الإنسان

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الإنسان
وهي مكية في قول بعضهم. مدنية في قول بعضهم، وقيل : بعضها مكية وبعضها مدنية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر﴾ مَعْنَاهُ: قد أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر، قَالَه الْفراء.
وَقيل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر، وَالْإِنْسَان هُوَ آدم على قَول أَكثر الْمُفَسّرين.
وَعَن ابْن جريج: أَنه كل إِنْسَان من الْآدَمِيّين.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿حِين من الدَّهْر﴾ هم أَرْبَعُونَ سنة.
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: صور الله آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - ثمَّ تَركه أَرْبَعِينَ سنة ينظر إِلَيْهِ، ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح.
وَفِي رِوَايَة: خلقه من طين ثمَّ بعد أَرْبَعِينَ سنة صَار صلصالا من غير أَن تمسه النَّار.
وَفِي رِوَايَة: كَانَ أَرْبَعِينَ سنة طينا، وَأَرْبَعين سنة حمأ مسنونا، وَأَرْبَعين سنة صلصالا.
وَقَوله: ﴿لم يكن شَيْئا مَذْكُورا﴾ أَي: كَانَ شَيْئا إِلَّا أَنه لم يكن شَيْئا يذكر.
وروى أَنه قَرَأت هَذِه الْآيَة عِنْد عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: يَا ليتها تمت، أَي: تِلْكَ الْحَالة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة أمشاج﴾ أَي: أخلاط.
قَالَ ابْن مَسْعُود: أمشاجها عروقها الَّتِي فِي النُّطْفَة.
وَفِي اللُّغَة: أَن الأمشاج وَاحِدهَا مشيج، وَهُوَ الْخَلْط.
(وَالْمعْنَى) : هُوَ اخْتِلَاط مَاء الرجل بِمَاء الْمَرْأَة، أَو اخْتِلَاط الدَّم بالنطفة.
112
﴿نبتليه فجعلناه سميعا بَصيرًا (٢) إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا (٣) إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرا (٤) ﴾.
وَقيل: إِن الله تَعَالَى خلق الطبائع الَّتِي فِي الْإِنْسَان فِي النُّطْفَة من الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فَهِيَ الأمشاج، ثمَّ عدلها ثمَّ بنى البنية الحيوانية على هَذِه الطبائع المعدلة، ثمَّ نفح فِيهَا الرّوح، ثمَّ شقّ لَهَا السّمع وَالْبَصَر، فسبحان من خلق هَذَا الْخلق من نُطْفَة مهينة أَو علقَة نَجِسَة.
وَقيل: أمشاج أَي: أطوار، فالنطفة طور، والعلقة طور، والمضغة طور، وَكَذَلِكَ مَا بعْدهَا.
وَقيل: أمشاج أَي: ألوان.
وَفِي الْخَبَر: " أَن مَاء الرجل أَبيض غليظ، وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق، فَإِذا علا مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل آنثتت، وَإِذا علا مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة أذكرت ".
وَقَوله: ﴿نبتليه﴾ أَي: نختبره ونمتحنه.
وَقيل: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَمَعْنَاهَا: فجعلناه سمعيا [بَصيرًا] نبتليه ونختبره.
113
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا هديناه السَّبِيل﴾ أَي: الْخَيْر وَالشَّر، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وهديناه النجدين﴾.
وَقيل بَينا لَهُ طَرِيق الْإِيمَان وَالْكفْر.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا﴾ عِنْد الْبَصرِيين أَن " إِمَّا " بِمَعْنى " أَو " وَعند الْكُوفِيّين أَن مَعْنَاهُ: إِمَّا كَانَ شاكرا وَإِمَّا كَانَ كفورا.
وَقيل: إِمَّا شقيا، وَإِمَّا سعيدا.
قَوْله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسلا وأغلالا وسعيرا﴾ وَقُرِئَ: " سلاسل "، وَالْأَصْل سلاسل لَا تَنْصَرِف، وَأما صرفه على (قِرَاءَة) من قَرَأَ " سلاسلا وأغلالا
113
﴿إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافورا (٥) ﴾. وسعيرا " على مُوَافقَة قَوْله: ﴿أغلالا﴾ وَذَلِكَ جَائِز على مَذْهَب الْعَرَب.
والأغلال جمع غل.
وروى جُبَير بن نفير عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه قَالَ: ارْفَعُوا أَيْدِيكُم إِلَى الله قبل أَن تغل بالأغلال.
وَقَوله: ﴿سعيرا﴾ أَي: نَارا موقدة.
وَفِي بعض الْأَخْبَار بِرِوَايَة عَطِيَّة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن الله تَعَالَى يبْعَث سَحَابَة فتقف على رُءُوس أهل النَّار، وَيُقَال لَهُم: مَا تُرِيدُونَ: فَيَقُولُونَ: الشَّرَاب، فيمطرهم الله مِنْهَا السلَاسِل والأغلال وَالْحَمِيم.
قَالَ الْحسن: إِن الله لَا يغل الْكفَّار عَجزا عَن حفظهم، وَلَكِن حَتَّى إِذا خبت النَّار عَنْهُم أرسبتهم [أغلالهم] فِي أَسْفَل النَّار.
114
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الْأَبْرَار يشربون﴾ الْأَبْرَار: هم المطيعون.
وَقيل: هم الَّذين بروا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء.
وَعَن الْحسن: هم الَّذين لَا يُؤْذونَ الذَّر.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " مَا من ولد ينظر إِلَى وَالِده نظر بر وَعطف إِلَّا كتب الله لَهُ بِهِ حجَّة، فَقيل: يَا رَسُول الله، وَإِن نظر فِي الْيَوْم مائَة مرّة! قَالَ: الله أكبر وَأطيب ".
وَقَوله: ﴿من كأس﴾ قَالَ الزّجاج: الْعَرَب لَا تذكر الكأس إِلَّا إِذا كَانَت فِيهَا الْخمر.
قَالَ الشَّاعِر:
114
﴿عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا (٦) يُوفونَ بِالنذرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا (٧).
وَقَوله: {كَانَ مزاجها كافورا﴾
أَي: يمزج بالكافور، وَهُوَ مزاج وجود الرَّائِحَة لَا مزاج وجود الطّعْم.
وَقيل: إِن الكافور والزنجبيل اسمان لعينين من عُيُون الْجنَّة.
115
وَقَوله: ﴿عينا يشرب بهَا عباد الله﴾ النصب على الْمَدْح، أَعنِي عينا ﴿يشرب بهَا عباد الله﴾ أَي: مِنْهَا - عباد الله.
وَقَوله: ﴿يفجرونها تفجيرا﴾ أَي: يجرونها [جراء] على مَا يُرِيدُونَ ويشتهون.
وَقيل: إِن الْآيَة نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد وَأبي عُبَيْدَة.
وَفِي بعض التفاسير: وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وسلمان وَأبي ذَر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يُوفونَ بِالنذرِ﴾ أَي: يُوفونَ بأقوالهم.
وَقيل: هُوَ نفس النّذر.
وَالْأولَى أولى؛ لِأَن النّذر مَكْرُوه على مَا ورد فِي بعض الْأَخْبَار: " أَن النّذر يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل ".
وَالْمعْنَى: أَن الْجواد لَا يحْتَاج إِلَى النّذر، وعَلى الْجُمْلَة الْوَفَاء بِالنذرِ مَحْمُود.
وَقَوله: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا﴾ أَي: فاشيا.
وَقيل: ممتدا.
وَقيل: منتشرا.
قَالَ الشَّاعِر:
(صرفت الكأس عَنَّا أم عَمْرو وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا)
(وَهَان على سراة بَين لؤَي حريق بالبويرة مستطير)
أَي: منتشر، وانتشار شَرّ يَوْم الْقِيَامَة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، أما فِي السَّمَوَات فبتكوير شمسها، وخسوف قمرها، وانتشار كواكبها، وطي السَّمَوَات كطي السّجل،
115
﴿ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكينا ويتيما وأسيرا (٨) إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لَا نُرِيد مِنْكُم جزاءا وَلَا شكُورًا (٩) ﴾. وَمَا أشبه ذَلِك.
وَأما شَره فِي الأَرْض فبقلع جبالها، وطم أنهارها، وإخراب نباتها، وَكسر بَعْضهَا على بعض، وَمَا شبه ذَلِك من تَبْدِيل الأَرْض وإهلاك الْخلق وَغَيره.
116
وَقَوله: ﴿ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكينا﴾ أَي: على حب الطَّعَام وشهوتهم إِيَّاه وحاجتهم إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿مِسْكينا﴾ هُوَ الْمُحْتَاج (ويتيما) هُوَ الَّذِي لَا أَب لَهُ ﴿وأسيرا﴾ قَالَ سعيد بن جُبَير: هُوَ الْمَحْبُوس المسجون.
وَعَن مُجَاهِد وَقَتَادَة وَجَمَاعَة: هُوَ الْأَسير من الْمُشْركين.
وَعَن أبي (سُلَيْمَان) الدَّارَانِي: على حب الله.
وَاخْتلف القَوْل فِيمَن نزلت هَذِه الْآيَة، فأصح الْأَقَاوِيل: أَن الْآيَة على الْعُمُوم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن، رَوَاهُ عمر بن عبيد، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَحكى عَن ابْن عَبَّاس ذَلِك فِي بعض الرِّوَايَات.
وَفِي الْقِصَّة: أَن عليا وَفَاطِمَة أصبحا صَائِمين، فهيأت فَاطِمَة ثَلَاثَة أَقْرَاص من شعير لتأكل قرصا بِنَفسِهَا، وَيَأْكُل عَليّ قرصا، وللحسن وَالْحُسَيْن قرص؛ فَلَمَّا كَانَ الْمسَاء جَاءَ مِسْكين فَأَعْطوهُ أحد الأقراص، ثمَّ جَاءَ يَتِيم فَأَعْطوهُ القرص الثَّانِي، ثمَّ جَاءَ أَسِير فَأَعْطوهُ القرص الثَّالِث وطووا.
وَفِي رِوَايَة: أَن عليا كَانَ أجر نَفسه من يَهُودِيّ يَسْتَقِي لَهُ بِشَيْء من شعير، وَحمل ذَلِك الشّعير إِلَى فَاطِمَة، وَأخذت مِنْهُ الأقراص الثَّلَاثَة.
وَفِي بعض الرِّوَايَات؟ أَن ذَلِك كَانَ فِي ثَلَاث لَيَال.
وَالله أعلم.
وَفِي هَذِه الْقِصَّة خبط كثير تركنَا ذكره.
وَقيل: إِن الْآيَة نزلت فِي أبي الدَّرْدَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لَا نُرِيد مِنْكُم جزاءا وَلَا شكُورًا﴾ أَي: جَزَاء بِالْفِعْلِ، وَلَا ثَنَاء بالْقَوْل.
وَفِي التَّفْسِير: أَنهم لم يَقُولُوا هَذَا القَوْل، وَلكنه كَانَ فِي
116
﴿إِنَّا نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا عبوسا قمطريرا (١٠) فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم ولقاهم نَضرة وسرورا (١١) وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا (١٢) متكئين﴾. ضميرهم فَأخْبر الله تَعَالَى على مَا كَانَ فِي ضميرهم.
117
قَوْله: ﴿إِنَّا نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا عبوسا قمطريرا﴾ لِأَن الْوُجُوه تنعبس فِيهِ، وأضاف العبوس إِلَى الْيَوْم على طَرِيق مجَاز.
وَمعنى " نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا " أَي: من عَذَاب يَوْم.
وَقَوله: ﴿قمطريرا﴾ أَي: شَدِيدا.
يُقَال: يَوْم قمطرير وقماطر إِذا اشْتَدَّ فِيهِ الْأَمر.
قَالَ الشَّاعِر:
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم ولقاهم نَضرة وسرور﴾ أَي: نَضرة فِي الْوَجْه، وسرورا فِي الْقُلُوب.
والنضرة: هِيَ الْحسن فِي الْوُجُوه من النِّعْمَة، وَهِي التنعم.
وَقَوله: ﴿وجزاهم بِمَا صَبَرُوا﴾ على الْأَمر وَالنَّهْي.
وَقيل: على المحن والشدائد، وعَلى الْجُوع مَعَ الإيثار.
وَقَوله: ﴿جنَّة وَحَرِيرًا﴾ أَي: الْبَسَاتِين وَالثيَاب من الديباج.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿متكئين فِيهَا على الأرائك﴾ الأرائك: هِيَ [السرر] فِي الحجال عَلَيْهَا الْفرش، وَالْعرب لَا تسميها أريكة إِلَّا إِذا كَانَت فِي حجلة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لَا يرَوْنَ فِيهَا شمسا وَلَا زمهريرا﴾ أَي: حرا وَلَا بردا.
قَالَ الشَّاعِر:
(منعمة طفلة مهاة... لم تَرَ شمسا وَلَا زمهريرا)
117
﴿فِيهَا على الأرائك لَا يرَوْنَ فِيهَا شمسا وَلَا زمهريرا (١٣) ودانية عَلَيْهِم ضلالها وذللت قطوفها تذليلا (١٤) وَيُطَاف عَلَيْهِم بآنية من فضَّة وأكواب كَانَت قَوَارِير (١٥) قَوَارِير من فضَّة قدروها تَقْديرا (١٦) ويسقون فِيهَا كأسا كَانَ مزاجها زنجبيلا (١٧) عينا فِيهَا تسمى سلسبيلا (١٨) ﴾.
118
قَوْله تَعَالَى: ﴿ودانية عَلَيْهِم﴾ نصب " ودانية " عطفا على قَوْله: ﴿متكئين﴾.
وَقَوله: ﴿عَلَيْهِم ظلالها﴾ أَي: ظلال الحجال.
وَقَوله: ﴿وذللت قطوفها تذليلا﴾ أَي: أدنيت قطوفها إِلَيْهِم.
وَفِي التَّفْسِير: أَنهم إِذا قَامُوا ارْتَفَعت إِلَيْهِم، وَإِذا قعدوا نزلت إِلَيْهِم، وَإِذا اضطجعوا دنت مِنْهُم، وَقيل: لَا يمنعهُم مِنْهَا بعد وَلَا شوك.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَيُطَاف عَلَيْهِم بآنية من فضَّة وأكواب﴾ والأكواب هِيَ الأباريق الَّتِي لَا خراطيم لَهَا، وَاحِدهَا كوب.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿كَانَت قَوَارِير﴾ قَالَ الشّعبِيّ: لَهَا صفاء الْقَوَارِير وَبَيَاض الْفضة.
وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه لَو أخذت قِطْعَة من فضَّة وَجعلت فِي الرقة كجناح ذُبَاب لم ير من دَاخله، وَفِضة الْجنَّة يرى من داخلها، فَهُوَ فِي صفاء الْقَوَارِير على هَذَا الْمَعْنى.
وَعنهُ أَيْضا: أَن الْقَوَارِير فِي الدُّنْيَا أَصْلهَا من الرمل، فَإِذا كَانَ أَصْلهَا من الْفضة فِي الْجنَّة فَكيف تكون فِي الْحسن والصفاء.
وَعنهُ أَيْضا: أَنه لَا يشبه شَيْء فِي الْجنَّة شَيْئا فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا فِي الدُّنْيَا الْأَسَامِي مِمَّا فِي الْجنَّة فَحسب.
وَقَوله: ﴿قَوَارِير من فضَّة قدروها تَقْديرا﴾ أَي: مقدرَة على قدر الرّيّ لَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان.
وَقيل: على قدر الْكَفّ أَي: على مَا يَسعهُ.
وَقيل: ممتلئة.
وَقَوله: ﴿ويسقون فِيهَا كأسا﴾ أَي: من كأس.
وَقَوله: ﴿كَانَ مزاجها زنجبيلا﴾ كَانَت الْعَرَب تستطيب طعم الزنجبيل، فَذكر ذَلِك على مَا [اعتادوه].
وَقيل: الزنجبيل اسْم الْعين لَا أَنه زنجبيل مَعْرُوف فِي الطّعْم
118
﴿وَيَطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون﴾. والرائحة.
فعلى هَذَا قَوْله: ﴿مزاجها زنجبيلا﴾ أَي: مزاجه من عين الزنجبيل.
119
وَقَوله: ﴿عينا فِيهَا تسمى سلسبيلا﴾ يُقَال: إِن السلسبيل هِيَ عين الزنجبيل أَيْضا، وَنصب على الْمَدْح، وَمَعْنَاهُ: أَعنِي عينا.
وَقَوله: ﴿تسمى سلسبيلا﴾ أَي: سلسبيل الجري فِي حُلُوقهمْ.
وَفِي بعض الْآثَار: أَنَّهَا إِذا أدنيت من أَفْوَاههم تسلسلت فِي حُلُوقهمْ.
وَمن قَالَ فِي قَوْله ﴿سلسبيلا﴾ سلني سَبِيلا إِلَيْهَا فقد أبعد، وَهُوَ تَأْوِيل بَاطِل، وَلَيْسَ هُوَ من قَول أهل الْعلم.
وَعَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: لم أسمع سلسبيلا إِلَّا فِي الْقُرْآن.
وَقيل: هُوَ اسْم الْعين على مَا ذكرنَا.
فَإِن قيل: إِذا جعلتهم سلسبيل اسْم الْعين فَكيف ينْصَرف؟ وَالْجَوَاب: إِنَّمَا انْصَرف؛ لِأَنَّهُ رَأس آيَة، وَقد بَينا من قبل.
وروى سُفْيَان، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد قَالَ: سلسبيلا أَي: شَدِيدَة الجري.
وَقَالَ قَتَادَة: سلسة أَي: تجْرِي فِي حُلُوقهمْ على غَايَة السهولة.
وَقَالَ ثَعْلَب: سلسبيلا أَي: لينًا.
وَعَن سعيد بن الْمسيب: السلسبيل عين تجْرِي تَحت الْعَرْش فِي قضيب من ذهب.
وَفِي قَوْله: ﴿كَانَ مزاجها زنجبيلا﴾ كَلَام آخر، وَهُوَ أَنه تمزج لسَائِر أهل الْجنَّة، ويشربه المقربون صرفا، وَهُوَ مثل التسنيم على مَا يَأْتِي من بعد.
وأنشدوا فِي الزنجبيل:
(بنى عمنَا هَل تذكرُونَ بلاءنا عَلَيْكُم إِذا مَا كَانَ يَوْم قماطر)
﴿وَكَأن طعم الزنجبيل بِهِ إِذْ دقته وسلافة الْخمر﴾
وَهَذَا يدل على أَنهم كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ طعم الزنجبيل.
وَقيل فِي السلسبيل أَيْضا: إِنَّه يسيل عَلَيْهِم فِي قصورهم وغرفهم وعَلى مجَالِسهمْ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون﴾ أَي: غلْمَان مخلدون.
وَقَوله: ﴿مخلدون﴾ أَي: لَا يبلون وَلَا يفنون.
وَقيل: مخلدون مقرطون مسورون.
قَالَ الشَّاعِر:
119
﴿إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم لؤلؤا منثورا (١٩) وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيما وملكا كَبِيرا (٢٠) عاليهم ثِيَاب سندس خصر﴾.
(ومخلدات باللجين كَأَنَّمَا أعجازهن أقاوز الكثبان)
وَقَوله: ﴿إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم لؤلؤا منثورا﴾ إِنَّمَا شبه باللآلئ فِي الصفاء وَالْحسن وَالْكَثْرَة.
وَذكر منثورا لِأَن اللُّؤْلُؤ المنثور فِي الْمجْلس أحسن مِنْهُ منظوما.
وَفِي تَفْسِير النقاش: أَنهم ينشرون فِي الْخدمَة، فَلهَذَا قَالَ: ﴿لؤلؤا منثورا﴾ فَلَو كَانَ صفا وَاحِدًا لقَالَ منظوما.
120
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت﴾ فِيهِ حذف، وَالْمعْنَى: إِذا رَأَيْت مَا ثمَّ رَأَيْت ﴿نعيما وملكا كَبِيرا﴾ قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: بلغنَا أَنه تَسْلِيم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم.
وَعَن الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَغَيرهمَا أَنهم قَالُوا: هُوَ اسْتِئْذَان الْمَلَائِكَة للتسليم عَلَيْهِم، فَهُوَ الْملك الْكَبِير.
وَفِي بعض الْأَخْبَار بِرِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ: " أَن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة يكون لَهُ ثَمَانُون ألف خَادِم وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ زَوْجَة ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار أَيْضا: للْوَاحِد مِنْهُم سَبْعُونَ قصرا، فِي كل قصر سَبْعُونَ دَارا، فِي كل دَار سَبْعُونَ بَيْتا، فِي كل بَيت خيمة طولهَا فِي السَّمَاء فَرسَخ، وعرضها فَرسَخ فِي فَرسَخ لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع من ذهب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿عاليهم﴾ وَقُرِئَ: " عَالِيَهُم " فَمن قَرَأَ بِفَتْح الْيَاء أَي: فَوْقهم، وَمن قَرَأَ بِسُكُون الْيَاء فَمَعْنَاه: عَلَيْهِم.
وَيُقَال: عَلَيْهِم أَي: عَال الحجال الْمَذْكُور من قبل.
وَقَوله: ﴿ثِيَاب سندس خضر﴾ وخضر أَي: ألوانها خضر.
فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فَيَنْصَرِف إِلَى الثِّيَاب، وَمن قَرَأَ بِالْكَسْرِ فَهُوَ نعت السندس.
والسندس هُوَ مَا رق من
120
﴿وإستبرق وحلو أساور من فضَّة وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا (٢١) إِن هَذَا كَانَ لكم جَزَاء وَكَانَ سعيكم مشكورا (٢٢) ﴾. الديباج والإستبرق مَا غلط مِنْهُ.
وَقَوله: ﴿وإستبرق﴾ وَقُرِئَ: " وإستبرق " فعلى الرّفْع ينْصَرف إِلَى الثِّيَاب، وعَلى الْخَفْض على تَقْدِير من إستبرق.
وَقَوله: ﴿وحلو أساور من فضَّة﴾ الأساور والأسورة جمع السوار، فَإِن قيل: وَأي زِينَة فِي السوار والأغنياء لَا يبالون بهَا؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه قد ذكر الذَّهَب واللؤلؤ فِي مَوضِع آخر، فيحلون من ذهب تَارَة، وَمن فضَّة (تَارَة)، وَمن لُؤْلُؤ تَارَة؛ ليَكُون أجمع لمحاسن الزِّينَة.
وَيُقَال: الذَّهَب للنِّسَاء، وَالْفِضَّة للرِّجَال.
وَقيل: إِن الذَّهَب إِنَّمَا يفضل الْفضة فِي الدُّنْيَا لِكَثْرَة الْفضة وَعزة الذَّهَب، وَهَذَا التَّفَاوُت لَا يُوجد فِي الْجنَّة، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود عين الزِّينَة، والزينة تُوجد فيهمَا جَمِيعًا.
وَقَوله: ﴿وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا﴾ قَالَ الزّجاج: لَيْسَ برجس كخمر الدُّنْيَا.
وَعَن أبي قلَابَة وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا قَالَا: إِذا فرغ أهل الْجنَّة من الطَّعَام يُؤْتونَ بِالشرابِ الطّهُور، فيطهر أَجْوَافهم، ويضمر بطونهم، وَيُوجد مِنْهُم جشاء وَرشح لَهُ رَائِحَة الْمسك فيشتهون الطَّعَام مرّة أُخْرَى.
وَقيل: إِن الشَّرَاب الطّهُور من عين على بَاب الْجنَّة، فَإِذا شرب مِنْهَا الْمُسلمُونَ طهرت أَجْوَافهم من كل غل وخيانة وحسد، وَهَذَا قَول لِأَن الطّهُور هُوَ الطَّاهِر المطهر على مَا ذكر فِي الْقِصَّة.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام [حِين] سُئِلَ عَن التَّوَضُّؤ بِمَاء الْبَحْر فَقَالَ: " هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ " أَي: المطهر مَاؤُهُ.
121
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن هَذَا كَانَ لكم جزاءا وَكَانَ سعيكم مشكورا﴾ الشُّكْر الْمُضَاف
121
﴿إِنَّا نَحن نزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلا (٢٣) فاصبر لحكم رَبك وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا (٢٤) وَاذْكُر اسْم رَبك بكرَة وَأَصِيلا (٢٥) وَمن اللَّيْل فاسجد لَهُ وسبحه﴾. إِلَى الرب تَعَالَى هُوَ بِمَعْنى قبُول الْحَسَنَات وَالْعَفو عَن السَّيِّئَات.
122
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحن نزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فاصبر لحكم رَبك وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا﴾ فِي التَّفْسِير: أَن الآثم هُوَ عتبَة بن ربيعَة، والكفور هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة.
وَقيل: إِن الآثم هُوَ أَبُو جهل.
وَفِي بعض التفاسير: أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة قَالَ للنَّبِي: لَو تركت دين آبَائِك؟ ولعلك إِنَّمَا تركت للفقر، فَارْجِع إِلَى دين آبَائِك وَأُعْطِيك نصف مَالِي.
وَقَالَ أَبُو البخْترِي بن هِشَام: أَنا أزَوجك ابْنَتي، وَهِي أحسن النِّسَاء جمالا، وأفصحهن منطقا، وأعذبهن لِسَانا.
وَقد علمت قُرَيْش ذَلِك.
فَسكت النَّبِي فَقَالَ: أَبُو مَسْعُود الثَّقَفِيّ: إِن كنت تخَاف من الله فَأَنا أجيرك مِنْهُ.
فحين سمع النَّبِي ذَلِك قَامَ وَذهب؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَهُوَ قَوْله ﴿إِنَّا نَحن نزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلا﴾ إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ.
فَإِن قيل: هلا قَالَ: آثِما وكفورا؟ وأيش معنى " أَو " هَاهُنَا؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن لكلمة " أَو " هَاهُنَا زِيَادَة معنى لَا تُوجد فِي الْوَاو، وَهُوَ الْمَنْع من طَاعَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على الِانْفِرَاد، فَإِن الرجل إِذا قَالَ لغيره: لَا تُطِع فلَانا وَفُلَانًا، فَإِذا أطَاع أَحدهمَا مَا كَانَ عَاصِيا على الْكَمَال، وَإِذا قَالَ: لَا تُطِع فلَانا وَلَا فلَانا أَو فلَانا فَإِذا أطَاع أَحدهمَا كَانَ عَاصِيا على الْكَمَال.
وَهُوَ مثل قَوْلهم: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين مَعْنَاهُ: أَيهمَا جالسته فَأَنت مُصِيب، وَإِذا قَالَ: جَالس الْحسن وَابْن سِيرِين فَلَا تكون مصيبا إِلَّا إِذا جالستهما.
وَكَذَلِكَ يُقَال: اقتد بِمَالك أَو الشَّافِعِي على هَذَا الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاذْكُر اسْم رَبك بكرَة وَأَصِيلا﴾ أَي: بِالْغُدُوِّ والعشي.
وَفِي بعض الغرائب من الْأَخْبَار أَن النَّبِي كَانَ إِذا صلى الْغَدَاة قَالَ: " الله أكبر ثَلَاثًا، وَإِذا صلى الْعَصْر قَالَ: الله أكبر ثَلَاثًا ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن اللَّيْل فاسجد لَهُ﴾ أَي: صل لَهُ.
وَقيل: هُوَ صَلَاة الْمغرب
122
﴿لَيْلًا طَويلا (٢٦) إِن هَؤُلَاءِ يحبونَ العاجلة ويذرون وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثقيلا (٢٧) نَحن خلقناهم وشددنا أسرهم وَإِذا شِئْنَا بدنا أمثالهم تبديلا (٢٨) إِن هَذِه تذكرة فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا (٢٩) ﴾.
وَقَوله: ﴿وسبحه لَيْلًا طَويلا﴾ هُوَ التَّطَوُّع من بعد صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة إِلَى الصُّبْح، وَهَذَا على النّدب والاستحباب.
123
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن هَؤُلَاءِ يحبونَ العاجلة﴾ مَعْنَاهُ: إِن هَؤُلَاءِ الْكفَّار يحبونَ العاجلة أَي: الدُّنْيَا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ويذرون وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثقيلا﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة، وتركهم لَهُ هُوَ تَركهم الْعَمَل وَالسَّعْي لَهُ.
وَقَوله: ﴿ثقيلا﴾ يجوز أَن يكون سَمَّاهُ ثقيلا لشدَّة الهول والفزع فِيهِ، وَيجوز أَن يكون سَمَّاهُ ثقيلا لفصل الْقَضَاء فِيهِ بَين الْعباد وعدله مَعَهم، وَهُوَ فِي غَايَة الثّقل عَلَيْهِم إِلَّا من تَدَارُكه الله بفضله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿نَحن خَلَقْنَاكُمْ وشددنا أسرهم﴾ أَي: قوينا خلقهمْ.
وَقيل شددنا مفاصلهم.
وَقيل: هِيَ الأوصال فشددها بالعروق والأعصاب.
وَعَن مُجَاهِد: أَن الْأسر هُوَ الشرج، وَذَلِكَ مصر الْإِنْسَان (تسترخيان) عِنْد الْغَائِط ليسهل خُرُوج الْأَذَى، فَإِذا خرج انقبضا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا شِئْنَا بدلنا أمثالهم تبديلا﴾ أَي: أهلكناهم وخلقنا خلقا غَيرهم.
قَوْله: ﴿إِن هَذِه تذكرة﴾ أَي: الْآيَات الَّتِي أنزلناها تذكرة أَي: موعظة وعبرة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا﴾ أَي: من شَاءَ مِنْكُم أَيهَا المخاطبون أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا فيسهل ذَلِك عَلَيْهِ لوُجُود الدَّلَائِل وَرفع الْأَعْذَار، فَلْيفْعَل.
123
﴿وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله إِن الله كَانَ عليما حكيما (٣٠) يدْخل من يَشَاء فِي رَحمته والظالمين أعد لَهُم عذَابا أَلِيمًا (٣١) ﴾.
وَقيل: هُوَ بِمَعْنى الْأَمر.
124
وَقَوله: ﴿وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾ رد مشيئتهم إِلَى مَشِيئَته، وَالْمعْنَى: لَا يُرِيدُونَ إِلَّا بِإِرَادَة الله، وَهُوَ مُوَافق لعقائد أهل السّنة، أَنه لَا يفعل أحد شَيْئا وَلَا يختاره وَلَا يشاؤه إِلَّا بِمَشِيئَة الله.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن رجلا كَانَ يَقُول: إِلَّا مَا شَاءَ الله وَشاء مُحَمَّد؛ فَسمع النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - ذَلِك فَقَالَ: " أمثلان؟ ثمَّ قَالَ: قل إِلَّا مَا شَاءَ الله ثمَّ شَاءَ مُحَمَّد ".
وَقَوله: ﴿إِن الله كَانَ عليما حكيما﴾ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يدْخل من يَشَاء فِي رَحمته﴾ أَي: فِي جنته، وَقيل: فِي الْإِسْلَام.
وَالْأول أفضل فِي هَذَا الْموضع، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ عَقِيبه: ﴿والظالمين أعد لَهُم عذَابا أَلِيمًا﴾ أَي: النَّار، وَنصب الظَّالِمين؛ لِأَن تَقْدِيره: وَأعد للظالمين عذَابا أَلِيمًا.
وَأورد أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي تَفْسِيره فِي آخر السُّورَة بِرِوَايَة جَابر الْجعْفِيّ عَن قيس مولى عَليّ أَن الْحسن وَالْحُسَيْن مَرضا مَرضا شَدِيدا، فَنَذر عَليّ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام، ونذرت فَاطِمَة كَذَلِك، وَنذر الْحسن وَالْحُسَيْن كَذَلِك، فَلَمَّا شفاهما الله تَعَالَى ابتدءوا جَمِيعًا الصَّوْم، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الأول خبزت فَاطِمَة ثَلَاثَة أَقْرَاص من شعير، وقدموها عِنْد إفطارهم لِيُفْطِرُوا، فجَاء مِسْكين، وَقَالَ: يَا أهل بَيت رَسُول الله، مِسْكين على الْبَاب أطعموا مِمَّا أطْعمكُم الله.
فَأَعْطوهُ الأقراص وطووا، ثمَّ (إِنَّه) لما كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي اتَّخذت فَاطِمَة - رَضِي الله عَنْهَا - مثل مَا اتَّخذت فِي الْيَوْم الأول، وقدموه عِنْد الْمسَاء لقطروا، فجَاء يَتِيم ودعا كَمَا ذكرنَا، فَأَعْطوهُ وطووا، ثمَّ لما كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث اتَّخذت فَاطِمَة مَا بَينا وقدموه [فِي] الْمسَاء لِيُفْطِرُوا فجَاء أَسِير وَقَالَ: يَا
124

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿والمرسلات عرفا (١) فالعاصفات عصفا (٢) والناشرات نشرا (٣)
تَفْسِير سُورَة المرسلات
وَهِي مَكِّيَّة
وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: قَالَا: هِيَ مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾
وروى إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: نزلت سُورَة والمرسلات على رَسُول الله وَنحن مَعَه على جبل حراء، فأخذتها رطبا من فيِّ رَسُول الله، فَخرجت حَيَّة من جحرها فقصدناها فَدخلت حجره، فَقَالَ النَّبِي: " وقيت شركم كَمَا وقيتم شَرها ".
وَالله أعلم.
125
Icon