تفسير سورة البينة

تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة البينة من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ
تفسير سورة لم يكن
وهي مدنية.
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان، حدثنا حماد - وهو ابن سلمة - أخبرنا علي - هو ابن زيد - عن عمار بن أبي عمار قال : سمعت أبا حَيَّة البدري - وهو : مالك بن عمرو بن ثابت الأنصاري - قال : لما نزلت :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ إلى آخرها، قال جبريل : يا رسول الله، إن ربك يأمرك أن تقرئها أُبَيًّا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي :" إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة ". قال أبي : وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال :" نعم ". قال : فبكى أبي١.
حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب :" إن الله أمرني أن أقرأ عليك :" لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " قال : وسمانى لك ؟ قال :" نعم ". فبكى.
ورواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث شعبة، به٢.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا مُؤَمِّل، حدثنا سفيان، حدثنا أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أبيه، عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني أمرت أن أقرأ عليك سورة كذا وكذا ". قلت : يا رسول الله، وقد ذُكرتُ هناك ؟ قال :" نعم ". فقلت له : يا أبا المنذر، فَفَرحت بذلك. قال : وما يمنعني والله يقول :﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [ يونس : ٥٨ ]. قال مؤمل : قلت لسفيان : القراءة في الحديث ؟ قال : نعم. تفرد به من هذا الوجه٣.
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا : حدثنا شعبة، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي :" إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ". قال : فقرأ :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ قال : فقرأ فيها : ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال، فأعطيه٤ لسأل ثانيًا، ولو سأل ثانيًا فأعطيه٥ لسأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وإن ذلك الدين عند الله الحنيفية، غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيرا فلن يكفره.
ورواه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي، عن شعبة، به٦ وقال : حسن صحيح.
طريق أخرى : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب، عن أبيه، عن جده، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا أبا المنذر، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن ". قال : بالله آمنت، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت. قال : فرد النبي صلى الله عليه وسلم القول. [ قال ]٧ فقال : يا رسول الله، أذكرت هناك ؟ قال :" نعم، باسمك ونسبك في الملأ الأعلى ". قال : فاقرأ إذًا يا رسول الله٨. هذا غريب من هذا الوجه، والثابت ما تقدم. وإنما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبيتًا له، وزيادة لإيمانه، فإنه - كما رواه أحمد والنسائي، من طريق أنس، عنه٩ ورواه أحمد وأبو داود، من حديث سليمان بن صُرَد عنه١٠ ورواه أحمد عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عنه١١ ورواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عنه١٢ كان قد أنكر على إنسان، وهو : عبد الله بن مسعود، قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما، وقال، لكل منهما :" أصبت ". قال أبي : فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، قال أبي : فَفضْتُ عَرَقًا، وكأنما أنظر إلى الله فرقًا. وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقلت :" أسأل الله معافاته ومغفرته ". فقال : على حرفين. فلم يزل حتى قال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف. كما قدمنا ذكر هذا الحديث بطرقه وألفاظه في أول التفسير. فلما نزلت هذه السورة الكريمة وفيها :﴿ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار، لا قراءة تعلم واستذكار، والله أعلم.
وهذا كما أن عمر بن الخطاب لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عن تلك الأسئلة، وكان فيما قال : أولم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال :" بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ ". قال : لا، قال :" فإنك آتيه، ومُطوَّف به ". فلما رجعوا من الحديبية، وأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم سورة " الفتح "، دعا عمر بن الخطاب وقرأها عليه، وفيها قوله :﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ الآية [ الفتح : ٢٧ ]، كما تقدم.
وروى الحافظ أبو نُعَيم في كتابه " أسماء الصحابة " من طريق محمد بن إسماعيل الجعفري المدني : حدثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم، عن ابن شهاب، عن إسماعيل بن أبي حكيم المدني، حدثني فُضَيل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله ليسمع قراءة ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فيقول : أبشر عبدي، فوعزتي لأمكننه١٣ لك في الجنة حتى ترضى ". حديث غريب جدًا. وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني وابن الأثير، من طريق الزهري، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن نَظير المزني - أو : المدني - عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله ليسمع قراءة ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ويقول : أبشر عبدي، فوعزتي لا أنساك على حال من أحوال الدنيا والآخرة، ولأمكنن لك في الجنة حتى ترضى " ١٤.
١ - (١) المسند (٣/٤٨٩)..
٢ - (٢) المسند (٣/١٣٠) وصحيح البخاري (٤٩٥٩) وصحيح مسلم برقم (٧٩٩) وسنن الترمذي برقم (٣٧٩٢) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٩١)..
٣ - (٣) المسند (٥/١٢٣)..
٤ - (٤) في أ: "فأعطيته"..
٥ - (٥) في أ: "فأعطيته"..
٦ - (١) المسند (٥/١٣١) وسنن الترمذي برقم (٣٧٩٣)..
٧ - (٢) زيادة من م، أ..
٨ - (٣) المعجم الكبير (١/٢٠٠)..
٩ - (٤) المسند (٥/١٢٢) وسنن النسائي (٢/٥٤)..
١٠ - (٥) المسند (٥/١٢٤) وسنن أبي داود برقم (١٤٧٧)..
١١ - (٦) المسند (٥/١١٤)..
١٢ - (٧) المسند (٥/١٢٧) وصحيح مسلم برقم (٨٢٠) وسنن أبي داود برقم (١٤٧٨) وسنن النسائي (٢/١٥٣)..
١٣ - (١) في م: "لأملأن"، وفي أ: "لأمكنن"..
١٤ - (٢) أسد الغابة لابن الأثير (٤/٥٤٩) وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (٣/٥٢٨) من طريق أبي موسى، وهي من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن سلمة، عن الزهري به، وقال: "عبد الله بن سلمة واهي الحديث"..

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْمَدَنِيِّ، حَدَّثَنِي فُضَيل، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " فَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي، فَوَعِزَّتِي لَأُمَكِّنَنَّهُ (١) لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى".
حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ، مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ نَظير الْمُزَنِيِّ -أَوْ: الْمَدَنِيِّ -عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " وَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي، فَوَعِزَّتِي لَا أَنْسَاكَ عَلَى حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَأُمَكِّنَنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى" (٢).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) ﴾
أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُمُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكُونَ: عَبَدةُ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، مِنَ الْعَرَبِ وَمِنَ الْعَجَمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَكُونُوا ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ يَعْنِي: مُنْتَهِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ثُمَّ فَسَّرَ الْبَيِّنَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُوَ مُكْتَتَبٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فِي صُحُفٍ مُطَهَّرَةٍ كَقَوْلِهِ: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عَبَسَ: ١٣ -١٦].
وَقَوْلُهُ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ فِي الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ كُتُبٌ مِنَ اللَّهِ قِيمَةٌ: عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ قَتَادَةُ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يَذْكُرُ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ مُسْتَقِيمَةٌ مُعْتَدِلَةٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ كقوله:
(١) في م: "لأملأن"، وفي أ: "لأمكنن".
(٢) أسد الغابة لابن الأثير (٤/٥٤٩) وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (٣/٥٢٨) من طريق أبي موسى، وهي من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن سلمة، عن الزهري به، وقال: "عبد الله بن سلمة واهي الحديث".
ثم فسر البينة بقوله :﴿ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴾ يعني : محمدًا صلى الله عليه وسلم، وما يتلوه من القرآن العظيم، الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى، في صحف مطهرة كقوله :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [ عبس : ١٣ - ١٦ ].
وقوله :﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ قال ابن جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة : عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ ؛ لأنها من عند الله، عز وجل.
قال قتادة :﴿ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴾ يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء.
وقال ابن زيد :﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ مستقيمة معتدلة.
وقوله :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ كقوله :﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٥ ] يعني بذلك : أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافًا كثيرًا، كما جاء في الحديث المروي من طرق :" إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ". قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال :" ما أنا عليه وأصحابي " ١.
١ - (١) جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة، وأنس، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن عوف المزني، وعوف بن مالك، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو حديث صحيح مشهور" وانظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (١/٤٤٧ - ٤٥٠)..
وقوله :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ كقوله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ] ؛ ولهذا قال : حنفاء، أي : مُتَحنفين عن الشرك إلى التوحيد. كقوله :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [ النحل : ٣٦ ] وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة " الأنعام " ١ بما أغنى عن إعادته هاهنا.
﴿ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ وهي أشرف عبادات البدن، ﴿ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ﴾ وهي الإحسان إلى الفقراء٢ والمحاويج. ﴿ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ أي : الملة القائمة العادلة، أو : الأمة المستقيمة المعتدلة.
وقد استدل كثير من الأئمة، كالزهري والشافعي، بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان ؛ ولهذا قال :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾
١ - (٢) عند تفسير الآية: ١٦١..
٢ - (٣) في أ: "الفقير"..
﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بَعْدَ مَا أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ وَالْبَيِّنَاتِ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرِقٍ: "أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً". قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" (١).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: حُنَفَاءُ، أَيْ: مُتَحنفين عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النَّحْلِ: ٣٦] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ الْحَنِيفِ فِي سُورَةِ "الْأَنْعَامِ" (٢) بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
﴿وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ وَهِيَ أَشْرَفُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، ﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ (٣) وَالْمَحَاوِيجِ. ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ أَيْ: الْمِلَّةُ الْقَائِمَةُ الْعَادِلَةُ، أَوِ: الْأُمَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ الْمُعْتَدِلَةُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) ﴾
(١) جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة، وأنس، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن عوف المزني، وعوف بن مالك، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو حديث صحيح مشهور" وانظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (١/٤٤٧-٤٥٠).
(٢) عند تفسير الآية: ١٦١.
(٣) في أ: "الفقير".
ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار - الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بأبدانهم - بأنهم خير البرية.
وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء، على تفضيل المؤمنين من البرية١ على الملائكة ؛ لقوله :﴿ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
١ - (١) في أ: "من البشر"..
﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مَآلِ الْفُجَّارِ، مِنْ كَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمُشْرِكِينَ الْمُخَالِفِينَ لَكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُرْسَلَةِ: أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ: مَاكِثِينَ، لَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُولُونَ ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ أَيْ: شَرُّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي بَرَأَهَا اللَّهُ وَذَرَأَهَا.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْأَبْرَارِ -الَّذِينَ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِأَبْدَانِهِمْ-بِأَنَّهُمْ خير
457
الْبَرِيَّةِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، عَلَى تَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْبَرِيَّةِ (١) عَلَى الْمَلَائِكَةِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾
ثُمَّ قَالَ: ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أَيْ: بِلَا انْفِصَالٍ وَلَا انْقِضَاءٍ وَلَا فَرَاغٍ.
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ وَمَقَامُ رِضَاهُ عَنْهُمْ أَعْلَى مِمَّا أُوتُوهُ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ فِيمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ الْعَمِيمِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ أَيْ: هَذَا الْجَزَاءُ حَاصِلٌ لِمَنْ خَشِيَ اللَّهَ وَاتَّقَاهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَعَبَدَهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرَهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ -مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُلَّمَا كَانَتْ هَيْعَة اسْتَوَى عَلَيْهِ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "رَجُلٌ فِي ثُلَّة مِنْ غَنَمِهِ، يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ (٢) الْبَرِيَّةِ؟ ". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "الَّذِي يَسأل بِاللَّهِ، وَلَا يُعطي بِهِ" (٣).
آخِرُ تفسير سورة "لم يكن" (٤).
(١) في أ: "من البشر".
(٢) في أ: "بخير".
(٣) المسند (٢/٣٩٦) وقال الهيثمي في المجمع (٥/٢٧٩) :"أبو معشر -نجيح- ضعيف، وأبو معشر (كذا فيه، والصواب: أبو وهب) مولى أبي هريرة لم أعرفه".
(٤) في م: "آخر تفسيرها".
458
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا زُلْزِلَتْ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدفي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ (١) لَهُ: "اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَاتِ الر". فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: كَبُرَ سِنِّي وَاسْتَدَّ (٢) قَلْبِي، وغَلُظ لِسَانِي. قَالَ: "فَاقْرَأْ مِنْ ذَاتِ (٣) حم"، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى. فَقَالَ: "اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ"، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي -يَا رَسُولَ اللَّهِ-سُورَةً جَامِعَةً. فَأَقْرَأَهُ: " إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا " حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ الرجلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزْيَدُ عَلَيْهَا أَبَدًا. ثُمَّ أَدْبَرَ الرِّجْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ! أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ! " ثُمَّ قَالَ: "عَلَيّ بِهِ". فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: "أمرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ". فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا مَنيحَة أُنْثَى فَأُضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: "لَا وَلَكِنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ شِعْرِكَ، وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَكَ، وَتَقُصُّ شَارِبَكَ، وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ، فَذَاكَ تَمَامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ".
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ (٤) بِهِ (٥).
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الحَرشي الْبَصْرِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سلْم (٦) بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُناني، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ " إِذَا زُلْزِلَتِ " عدلَت لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ (٧) (٨).
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْحَرَشِيِّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ (٩) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعدلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، وَ " إِذَا زُلْزِلَتِ " تَعدلُ رُبْعَ الْقُرْآنِ". هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْر، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْعَنْزِيُّ، حَدَّثَنَا عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " إِذَا زُلْزِلَتِ " تَعْدلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ، وَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، وَ " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ". ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَمَانِ بن المغيرة (١٠).
(١) في م: "فقال".
(٢) في م: "واشتد".
(٣) في أ: "من ذوات".
(٤) في أ: "المقبري".
(٥) المسند (٢/١٦٩) وسنن أبي داود برقم (١٣٩٩) وسنن النسائي (٧/٢١٢).
(٦) في أ: "مسلم".
(٧) في م، أ: "مسلم".
(٨) سنن الترمذي برقم (٢٨٩٣).
(٩) في م، أ: "مسلم".
(١٠) سنن الترمذي برقم (٢٨٩٤).
459
Icon