ﰡ
وقيل: ستأتيكم القارعة.
وقيل: القارعة: مبتدأ وما بعده الخبر.
وقيل: معنى الكلام على التحذير.
قال الزجاجُ: والعرب تحذر، وتغري بالرفع كالنصب، وأنشد: [الخفيف]
٥٢٨٧ - لجَدِيرُونَ بالوَفَاءِ إذَا قَا... لَ أخُو النَّجدةِ: السِّلاحُ السِّلاحُ
وقد تقدم ذلك في قوله تعالى: ﴿نَاقَةَ الله﴾ [الشمس: ١٣]، فيمن رفعه، ويدل على ذلك قراءة عيسى: «القَارِعَة ما القارعة» بالنصب، بإضمار فعل، أي: احذروا القارعة و «مَا» زائدة، و «القَارِعَة» تأكيد للأولى تأكيداً لفظيًّا.
والقرعُ: الضرب بشدةٍ واعتماد. والمراد بالقارعة: القيامة، لأنها تقرع الخلائق بأهوالها، وأفزاعها.
وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، إذا وقع الخلائق بأهوالها، وأفزاعها. وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، إذا وقع بهم
قوله تعالى: ﴿مَا القارعة﴾ استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها، كقوله تعالى: ﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ [الحاقة: ١، ٢]، واختلفوا في سبب تسمية القيامة بالقارعة، فقيل: المراد بالقارعة: الصيحة التي يموت منها الخلائقُ؛ لأنها تقرع أسماعهم.
وقيل: إنَّ الأجرام العلوية والسفلية يصطكّان، فيموت العالم بسبب تلك القرعة، فلذلك سميت بالقارعة، [وقيل: تقرع الناس بالأهوال كانشقاق السموات، وأقطارها وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، ودك الجبال ونسفها، وطي الأرض. وقيل: لأنها تقرع أعداء الله بالعذاب]، وقوله تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾، أي: لا علم لك بكنهها؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد، وعلى هذا يكون آخر السورة مطابقاً لأولها.
فإن قيل: هاهنا قال: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾، ثم قال في آخر السورة: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾، ولم يقل: وما أدراك ما هاوية؟
فالجواب: الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، وكونها هاوية ليس كذلك، فظهر الفرق.
قوله: ﴿يَوْمَ يَكُونُ﴾. في ناصب «يَوْمَ» أوجه:
أحدها: مضمر يدلّ عليه القارعة، أي: تقرعهم يوم يكون وقيل: تقديره: تأتي القارعة يوم.
الثاني: أنه اذكر مقدراً، فهو مفعول به لا ظرف.
الثالث: أنه «القَارِعَةُ» قاله ابن عطية، وأبو البقاء، ومكيٌّ.
قال أبو حيان: فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول، فلا يجوز، للفصل بين العاملين وهو في صلة «أل» والمعمول بأجنبي، وهو الخبر، وإن جعل القارعة علماً للقيامة، فلا يعمل أيضاً، وإن عنى الثاني والثالث، فلا يلتئم معنى الظرفية معه.
الرابع: أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى، كأنه قيل: تأتي القارعة يوم يكون. قاله مكي. وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً، وهو بعيد جداً منافر لنظم الكلامِ.
وقرأ زيد بن علي: «يَوْمُ» بالرفع، خبراً لمبتدأ محذوف، أي: وقتها يوم.
وقال قتادة: الفراش: الطَّير الذي يتساقط في النار والسراج، الواحدة: فراشة.
وقال الفراءُ: هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما، وبه يضرب المثل في الطّيش والهوج، يقال: أطيش من فراشة؛ وأنشد: [البسيط]
٥٢٨٨ - فَراشَةُ الحِلْمِ فِرعَوْنُ العَذابُ وإنْ | يَطلُبْ نَداهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كُلُبُ |
٥٢٨٩ - وقَدْ كَانَ أقْوَامٌ رَدَدْتَ قُلوبَهُمْ | عَليْهِمْ وكَانُوا كالفَراشِ مِنَ الجَهْلِ |
٥٢٩٠ - طُويِّشٌ من نَفرٍ أطْيَاشِ | أطْيَشُ من طَائرةِ الفَراشِ |
في تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتَّى: منها الطيشُ الذي يلحقهم، وانتشارهم في الأرض، وركوب بعضهم بعضاً، والكثرة، والضعف، والذلة والمجيء من غير ذهاب، والقصد إلى الداعي من كل جهة، والتطاير إلى النار؛ قال جريرٌ: [الكامل]
٥٢٩١ - إنَّ الفَرزْدَقَ ما عَلمْتَ وقوْمَهُ | مِثْلُ الفَرَاشِ غشيْنَ نَارَ المُصْطَلِي |
فأول حالهم كالفراش لا وجه له يتحير في كل وجه، ثم يكون كالجراد، لأن لها وجهاً تقصده والمبثوث: المتفرق المنتشر، وإنما ذكر على اللفظ كقوله تعالى: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧].
فإن قيل كيف يشبهُ الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً، لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث؟.
فالجواب: أما التشبيه بالفرش، فبذهاب كل واحد إلى جهة الآخر، وأما التشبيه بالجراد، فبالكثرة والتتابع، ويكون كباراً، ثم يكون صغاراً.
قوله: ﴿وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش﴾. أي: الصوف الذي ينفش باليد، أي: تصير هباء وتزول، كقوله تعالى: ﴿هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾ [الواقعة: ٦].
قال أهل اللغة: العهنُ: الصوف المصبوغ. وقد تقدم.
وقيل : إنَّ الأجرام العلوية والسفلية يصطكّان، فيموت العالم بسبب تلك القرعة، فلذلك سميت بالقارعة، [ وقيل : تقرع الناس بالأهوال كانشقاق السموات وافطارها، وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، ودك الجبال ونسفها، وطي الأرض. وقيل : لأنها تقرع أعداء الله بالعذاب ]١.
فإن قيل : هاهنا قال :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة ﴾، ثم قال في آخر السورة :﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾، ولم يقل : وما أدراك ما هاوية ؟
فالجواب : الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، وكونها هاوية ليس كذلك، فظهر الفرق.
أحدها : مضمر يدلّ عليه القارعة، أي : تقرعهم يوم يكون، وقيل : تقديره : تأتي القارعة يوم.
الثاني : أنه " اذكر " مقدراً، فهو مفعول به لا ظرف.
الثالث : أنه «القَارِعَةُ »، قاله ابن١ عطية، وأبو البقاء٢، ومكيٌّ.
قال أبو حيان٣ : فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول، فلا يجوز، للفصل بين العاملين وهو في صلة «أل »، والمعمول بأجنبي، وهو الخبر، وإن جعل القارعة علماً للقيامة، فلا يعمل أيضاً، وإن عنى الثاني والثالث، فلا يلتئم معنى الظرفية معه.
الرابع : أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى، كأنه قيل : تأتي القارعة يوم يكون. قاله مكي. وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً، وهو بعيد جداً، منافر لنظم الكلامِ.
وقرأ زيد٤ بن علي :«يَوْمُ » بالرفع، خبراً لمبتدأ محذوف، أي : وقتها يوم.
قوله :«كالفَراشِ ». يجوز أن يكون خبراً للناقصة، وأن يكون حالاً من فاعل التامة، أي : يؤخذون ويحشرون شبه الفراش، وهو طائر معروف.
وقال قتادة : الفراش : الطَّير الذي يتساقط في النار والسراج، الواحدة : فراشة.
وقال الفراءُ : هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما، وبه يضرب المثل في الطّيش والهوج، يقال : أطيش من فراشة ؛ وأنشد :[ البسيط ]
٥٢٨٨- فَراشَةُ الحِلْمِ فِرعَوْنُ العَذابُ وإنْ | يَطلُبْ نَداهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كُلُبُ٥ |
٥٢٨٩- وقَدْ كَانَ أقْوَامٌ رَدَدْتَ قُلوبَهُمْ*** عَليْهِمْ وكَانُوا كالفَراشِ مِنَ الجَهْلِ٦
وقال آخر :[ الرجز ]
٥٢٩٠- طُويِّشٌ من نَفرٍ أطْيَاشِ*** أطْيَشُ من طَائرةِ الفَراشِ٧
والفراشة : الماءُ القليلُ في الإناء، وفراشة القُفل لشبهها بالفراشة، وروى «مسلم » عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :«مَثلِي ومَثلكُمْ كَمَثلِ رجُلٍ أوْقدَ نَاراً، فجعَلَ الجنَادِبُ والفراشُ يَقعْنَ فِيهَا وهو يذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وأنَا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ، وأنْتُمْ تَفْلتُونَ مِنْ يَدِي »٨.
في تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتَّى : منها الطيشُ الذي يلحقهم، وانتشارهم في الأرض، وركوب بعضهم بعضاً، والكثرة، والضعف، والذلة والمجيء من غير ذهاب، والقصد إلى الداعي من كل جهة، والتطاير إلى النار ؛ قال جريرٌ :[ الكامل ]
٥٢٩١- إنَّ الفَرزْدَقَ ما عَلمْتَ وقوْمَهُ | مِثْلُ الفَرَاشِ غشيْنَ نَارَ المُصْطَلِي٩ |
فأول حالهم كالفراش لا وجه له، يتحير في كل وجه، ثم يكون كالجراد ؛ لأن لها وجهاً تقصده، والمبثوث : المتفرق المنتشر، وإنما ذكر على اللفظ كقوله تعالى :﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٧ ].
قال ابن عباس :«كالفَرَاشِ المبثُوثِ » كغوغاء الجراد، يركب بعضها بعضاً، كذلك الناس، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا١٠.
فإن قيل : كيف يشبهُ الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً ؛ لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث ؟
فالجواب : أما التشبيه بالفراش، فبذهاب كل واحد إلى جهة الآخر، وأما التشبيه بالجراد، فبالكثرة والتتابع، ويكون كباراً، ثم يكون صغاراً.
٢ الإملاء ٢/٢٩٣..
٣ البحر المحيط ٨/٥٠٤..
٤ ينظر: البحر المحيط ٨/٥٠٤، والدر المصون ٦/٥٦٤..
٥ نسب البيت إلى الضحاك بن سعد، ولسعيد بن العاصي. ينظر الحيوان ١/٢٥٧، وديوان المعاني ١/١٩٦، والدرر ٥/٢٩٣، وشرح الأشموني ٢/٣٦٢، وهمع الهوامع ٢/١٠١..
٦ ينظر القرطبي ٢٠/١١٢، والدر المصون ٦/٥٦٤..
٧ ينظر القرطبي ٢٠/١١٢..
٨ أخرجه مسلم (٤/١٧٩٨). وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (١١/٣١٦)، كتاب الرقاق، باب: الانتهاء عن المعاصي حديث (٦٤٨٣)، ومسلم (٤/١٧٨٩)، كتاب الفضائل، باب: شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته رقم (١٨/٢٢٨٣)..
٩ ينظر ديوانه (٣٣٧)، والكشاف ٤/٧٨٩، والبحر ٨/٥٠٤، والدر المصون ٦/٦٥٤..
١٠ ذكره القرطبي في "تفسيره" (٢٠/١١٣)، عن ابن عباس..
قال أهل اللغة : العهنُ : الصوف المصبوغ. وقد تقدم.
أحدهما: أنه جمع موزون، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى، وهذا قول الفراء، ونظيره قولك: له عندي درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك، ويقولون: داري بميزان ووزن دارك، أي: حذاؤها.
والثاني: قال ابن عباس: جمع ميزان لها لسان وكتفان يوزن فيه الأعمال.
[وقد تقدم القول في الميزان في سورة «الأعراف» و «الكهف» و «الأنبياء»، وأنه له كفة ولسان يوزن فيها الصحف المكتوب فيها الحسنات، والسيئات.
ثم قيل: إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام يزن به أعمال بني آدم، فعبر عنه بلفظ الجمع.
وقيل: موازين لكل حادثة ميزان].
وقيل: الموازين: الحجج والدلائل، قاله عبد العزيز بن يحيى.
واستشهد بقول الشاعر: [الكامل]
٥٢٩٢ - قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ | عِنْدِي لكُلّ مُخَاصِم مِيزانهُ |
فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة، فهي فاعلة للرضا كالفرس المرفوعة، وارتفاعها مقدار مائة عام، فإذا دنا منها ولي الله اتضعت حتى يستوي عليها، ثم ترتفع، وكذلك فروع الشجرة تتدلى لارتفاعها للولي، فإذا تناول من ثمرها ترتفع، كقوله تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] وحيثما مشى من مكان إلى مكان جرى معه نهر حيث شاء.
قوله: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾، أي: رجحت سيئاته على حسناته، قال مقاتل وابن حيان: إنما رجحت الحسناتُ؛ لأن الحق ثقيلٌ، والباطل خفيفٌ.
قوله: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾، أي: هالكة، وهذا مثل يقولونه لمن هلك، تقول: هوت أمه لأنه إذا هلك سقطت أمه ثكلاً وحزناً، وعليه قوله فهي هاوية، أي: ثاكلة، قال: [الطويل]
٥٢٩٣ - هَوَتْ أمُّهُ ما يَبْعَثُ الصُّبْحَ غَادِياً | ومَاذَا يُؤدِّي اللَّيلُ حينُ يَثُوبُ |
وقيل: الهاوية من أسماء النار، كأنها النار العميقة يهوي أهل النار فيها والمعنى: فمأواهم النار.
وقيل للمأوى: أم، على سبيل التشبيه بالأم، كما يأوي إلى أمه، قاله ابن زيد.
ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [الكامل]
٥٢٩٤ - فالأرْضُ مَعْقِلُنَا وكَانَتْ أمَّنَا | فِيهَا مَقابِرُنَا وفِيهَا نُولَدُ |
وقال عكرمة: لأنه يهوي فيها على أم رأسه.
وذكر الأخفش والكلبي وقتادة: المهوى والمهواة ما بين الجبلين، ونحو ذلك، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في أثر بعض.
وقرأ طلحة: «فإمّه» بكسر الهمزة، نقل ابن خالوية عن ابن دريد، أنها لغة
وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة «النساء».
قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾، الأصل: «مَا هِيَ» فدخلت الهاء للسكت.
وقرأ حمزة، والكسائي، ويعقوب، وابن محيصن: «مَا هِيَ» بغير هاء في الوصل ووقفوا بها، وقد تقدم في سورة «الحَاقَّة». و «مَا هِيَ» مبتدأ وخبر، سادَّان مسد المفعولين ل «أدْرَاكَ»، وهو من التعليق، وهي ضمير الهاويةِ، إن كانت الهاوية - كما قيل - اسماً لدركه من دركات النَّار، وإلا عادت إلى الداهية المفهومة من الهاوية.
قوله: ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾. «نارٌ» خبر مبتدأ مضمر، أي: هي نار شديدة الحر.
روى مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «» نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جزءٌ من سبعينَ جُزْءاً من حرِّ جَهَنَّم «، قالوا: إنها لكافية يا رسول الله، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -» فإنَّها فُضِّلت عَليْهَا بِتِسْعَةٍ وستِّين جُزءاً كُلُّهَا مِثلُ حرِّهَا «».
روى الثعلبي عن أبيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ ﴿القارعة﴾ ثقل اللهُ مَوَازِينَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» والله أعلم.
وقيل :﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾، أي : فاعله للرضا، وهو اللين والانقياد لأهلها، فالفعل للعيشة ؛ لأنها أعطت الرضا من نفسها، وهو اللين والانقياد.
فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة، فهي فاعلة للرضا كالفرس المرفوعة، وارتفاعها مقدار مائة عام، فإذا دنا منها ولي الله اتضعت حتى يستوي عليها، ثم ترتفع، وكذلك فروع الشجرة تتدلى لارتفاعها للولي، فإذا تناول من ثمرها ترتفع، كقوله تعالى :﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ٢٣ ] وحيثما مشى من مكان إلى مكان جرى معه نهر حيث شاء.
٥٢٩٣- هَوَتْ أمُّهُ ما يَبْعَثُ الصُّبْحَ غَادِياً | ومَاذَا يُؤدِّي اللَّيلُ حينُ يَثُوبُ١ |
وقيل : الهاوية من أسماء النار، كأنها النار العميقة يهوي أهل النار فيها، والمعنى : فمأواهم النار.
وقيل للمأوى : أم، على سبيل التشبيه بالأم، كما يأوي إلى أمه، قاله ابن زيد.
ومنه قول أمية بن أبي الصلت :[ الكامل ]
٥٢٩٤- فالأرْضُ مَعْقِلُنَا وكَانَتْ أمَّنَا | فِيهَا مَقابِرُنَا وفِيهَا نُولَدُ٢ |
وقال عكرمة : لأنه يهوي فيها على أم رأسه٣.
وذكر الأخفش والكلبي وقتادة : المهوى والمهواة ما بين الجبلين، ونحو ذلك، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في أثر بعض.
وقرأ طلحة٤ :«فإمّه » بكسر الهمزة، نقل ابن خالوية عن ابن دريد، أنها لغة النحويين، لا يجيزون ذلك إلا إذا تقدمها كسرة أو ياء.
وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة «النساء ».
٢ ينظر القرطبي ٢٠/١١٤..
٣ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٦٧٧)، عن قتادة وأبي صالح وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٥٥)، عن عكرمة وعزاه إلى ابن أبي حاتم..
٤ ينظر: المحرر الوجيز ٥/٥١٧، والبحر المحيط ٨/٥٠٤، والدر المصون ٦/٥٦٤..
وقرأ حمزة، والكسائي١، ويعقوب، وابن محيصن :«مَا هِيَ » بغير هاء في الوصل، ووقفوا بها، وقد تقدم في سورة «الحَاقَّة ». و «مَا هِيَ » مبتدأ وخبر، سادَّان مسد المفعولين ل «أدْرَاكَ »، وهو من التعليق، وهي ضمير الهاويةِ، إن كانت الهاوية - كما قيل - اسماً لدركة من دركات النَّار، وإلا عادت إلى الداهية المفهومة من الهاوية.
روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جزءٌ من سبعينَ جُزْءاً من حرِّ جَهَنَّم »، قالوا : إنها لكافية يا رسول الله، قال - عليه الصلاة والسلام - «فإنَّها فُضِّلت عَليْهَا بِتِسْعَةٍ وستِّين جُزءاً كُلُّهَا مِثلُ حرِّهَا »١.