تفسير سورة التكوير

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨).
مشرقة مضيئة، وإذا ألقت المرأة نقابها، أَوْ برقعها قيل: سفرت فهي سافرٌ، ولا يُقال:
أسفرت.
وقوله عز وجل: تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١).
ويجوز فِي الكلام: قَتْرة بجزم التاء. ولم يقرأ بها أحد «١».
ومن سورة إذا الشمس كورت
قوله عز وجل: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) ذهب ضوءها.
وقوله تبارك وتعالى: [١٢٨/ ا] وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢).
أي: انتثرت وقعت عَلَى وجه الأرض.
وقوله جل وعز: وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤).
والعشار: لُقُح الإبل عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم.
وقوله عز وجل: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٢» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بْن مسروق عنْ عكرمة قَالَ: حشرها: موتها.
وقوله عز وجل: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦).
أفضى بعضها إلى بعض، فصارت بحرًا واحدًا.
وقوله جل وعز: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٣» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الأحوص سلام ابن سليم عَن سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان عَن عكرمة فِي قوله: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قال:
(١) قرأ بها ابن أبى عبلة (البحر المحيط: ٨/ ٤٣٠).
(٢، ٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
239
يقرن الرجل بقرينه الصالح فِي الدنيا فِي الجنة، ويقرن الرجل الَّذِي كَانَ يعمل العمل السيّء بصاحبه الَّذِي كَانَ يعينه عَلَى ذَلِكَ فِي النار، فذلك تزويج الأنفس. قَالَ الفراء: وسمعت «١» بعض العرب يَقُولُ: زوجت إبلي، ونهى اللَّه أن يقرن بين اثنين، وذلك أن يقرن البعير بالبعير فيعتلفان معا، ويرحلان معا.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٢» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ أبيه «٣» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عباس أنه قرأ: «وإذا الموؤدة سألت «٤» » (٨) «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (٩) وقال: هى «٥» التي تسأل ولا تسأل وقد يجوز أن يقرأ: «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»، وَالْمَعْنَى: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتُ. كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلامِ:
عَبْدَ اللَّهِ بِأَيِّ ذَنْبِ ضُرِبَ، وَبِأَيِّ ذَنْبٍ ضُرِبْتُ. وَقَدْ مرّ لَهُ نظائر من الحكاية، من ذلك [١٢٨/ ب] قول عنترة:
الشاتِمي عِرضي ولم أشتمها والناذرين إِذَا لقيتهما دمي «٦»
والمعنى: أنهما كانا يقولان: إِذَا لقينا عنترة لنقتلنه. فجرى الكلام فِي شعره عَلَى هَذَا المعنى.
واللفظ مختلف، وكذلك قوله
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا إِنَّا رأينا رجلًا عريانًا «٧»
والمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى عَلَى مذهب القول، كما يَقُولُ «٨» : قَالَ عَبْد الله: إنه إنه لذاهب «٩» وإني ذاهب «١٠»، والذهاب لَهُ فِي الوجهين جميعًا.
(١) فى ش: سمعت.
(٢) سقط فى ش.
(٣) سقط فى ش.
(٤) وكذلك هو فى مصحف أبى (تفسير القرطبي: ١٩/ ٢٣٤)، وهى أيضا قراءة ابن مسعود وعلى وجابر ابن زيد ومجاهد (البحر المحيط: ٨/ ٤٣٣).
(٥) فى ش: وقال التي تسأل وقد.
(٦) الشاتماه: هما: ابنا ضمضم: هرم، وحصين اللذان قتل عنترة أباهما، فكانا يتوعدانه. وفى رواية: إذا لم القهما (انظر ص: ٣٤٣) من مختارات الشعر الجاهلى. وص: ١٥٤ من شرح ديوان عنترة.
(٧) انظر المحتسب: ١/ ١٠٩ والخصائص: ٢/ ٣٣٨. [.....]
(٨) فى ش: تقول.
(٩) فى ش: ذاهب.
(١٠) فى ش لذاهب
240
ومن قرأ: «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ» (٨) ففيه وجهان: سئلت: فقيل لها: «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (٩) ثم يجوز قتلت. كما جاز فِي المسألة الأولى، ويكون سئلت: سئل عَنْهَا الَّذِينَ وأدُوها. كأنك قلت:
طلبتْ منهم، فقيل: أَيْنَ أولادُكم؟ وبأي ذنب قتلتموهم؟ وكل الوجوه حسن بيّن إلّا أن الأكثر (سئلت) فهو أحبُّها إلي.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠).
شدّدها يَحيى بْن وثاب، وأصحابه، وخففها آخرون من أهل المدينة «١» وغيرهم. وكلٌّ صواب، قَالَ الله جل وعز «صُحُفاً مُنَشَّرَةً «٢» »، فهذا شاهد لمن شدّد، ومنشورة عربي، والتشديد فِيهِ والتخفيف لكثرته، وأنَّه جمع كما تَقُولُ: مررت بكباش مذبّحة، ومذبوحةٍ، فإذا كَانَ واحدًا لم يجز إلا التخفيف، كما تَقُولُ: رَجُل مقتول، ولا تَقُولُ: مُقَتَّلٌ.
وقوله جل وعز وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١).
نزعت وطويت، وفى [١٢٩/ ا] قراءة عَبْد اللَّه: «قشطت» بالقاف، وهما لغتان، والعرب تَقُولُ:
القافور «٣» والكافور، والقَفُّ والْكَفُّ- إِذَا تقارب الحرفان فِي المخرج تعاقبًا فِي اللغات: كما يقال:
جدف وجدث، تعاقبت الفاء الثاء فى كثير من الكلام، كما قيل: الأثافى والأثاثى «٤»، وثوب فُرْقبي وثُرقبي «٥»، ووقعوا فِي عاثورِ شَرّ، وعافور شر «٦».
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢).
خففها الْأَعْمَش وأصحابه، وشددها الآخرون «٧».
وقوله تبارك وتعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) جواب لقوله «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» (١) ولما بعدها، «وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ» (١٣) قربت.
(١) قرأ بالتخفيف جماعة منهم: أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم (البحر المحيط ٨/ ٤٣٤).
(٢) سورة المدثر: ٥٢.
(٣) ونقدمت قراءة عبد الله: «قافورا» فى «كافُوراً». (البحر المحيط ٨/ ٤٣٤).
(٤) الأثافى: جمع أثفية، وهى الحجر الذي توضع عليه القدر.
(٥) الثرقبية والفرقبية: ثياب كتان بيض وقيل: من ثياب مصر، يقال: ثوب ثرقبى وفرقبى.
(٦) العاثور: ما عثر به، وقعوا فى عاثور شر، أي: فى اختلاط من شر وشدة.
(٧) منهم نافع وابن ذكوان وحفص وأبو بكر (الإتحاف: ٤٣٤).
وقوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥).
وهي النجوم الخمسة تَخنُس فِي مجراها، ترجع وتكنِس: تستتر كما تكنس الظباء فِي المغار، وهو الكنِاسُ. والخمسة: بَهرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرة، والمشترى.
وقَالَ الكلبي: البِرْجيس: يعني المشترى.
وقوله عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧).
اجتمع المفسرون: عَلَى أن معنى «عَسْعَسَ» : أدبر، وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس: دنا من أوله وأظلم، وكان أَبُو البلاد النحوي ينشد فِيهِ «١»
عَسْعسَ حتَّى لو يشاءُ أدّنا كان له من ضوئه مقبس
يريد: إذ دنا، ثُمَّ يلقى همزة إذ «٢»، ويُدغم الذال فِي الدال، وكانوا يرون أن هَذَا البيت مصنوع.
وقوله: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨).
إِذَا ارتفع النهار، فهو تنفس الصبح.
وقوله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩).
يعني: جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وعلى جميع الأنبياء.
وقوله: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظنين [١٢٩/ ب] (٢٤).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «٣» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن عاصم ابن أَبِي النجود عنْ زر بْن حبيش قَالَ: أنتم تقرءون: (بِضَنِينٍ) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) «٤» بِمتَهم. وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بِضَنِينٍ) وهو حسن، يَقُولُ: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس «٥» فيه فلا يضن به عنكم، فلو كَانَ مكان: عَلَى- عنْ- صلح أَوِ الباء
(١) البيت منسوب فى تفسير القرطبي ١٩/ ٢٣٧ إلى امرئ القيس، وقد رجعت إلى ديوانه فلم أجده هناك.
ورواية القرطبي: «كان لنا من ناره» مكان: «كان له من ضوئه». ورواية اللسان متفقة هى ورواية الفراء.
(٢) سقط فى ش.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(٤) وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، والكسائي، ورويس. (الإتحاف: ٤٣٤) [.....]
(٥) فى النسخ منفوش، والتصويب من اللسان، نقلا عن الفراء.
Icon