بسم الله الرحمن الرحيم
سورة كورت ١ مكية ٢٢ بالإجماع، انظر: تفسير الماوردي ٤/٤٠٦ والمحرر ١٦/٢٣٧ وزاد المسير ٩/٣٧ وتفسير القرطبي ١٩/٢٢٦ وروح المعاني ٣٠/٦٣..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة كورتمكية
- قوله تعالى: ﴿إِذَا الشمس كُوِّرَتْ﴾ إلى آخرها.
معنى كورت: ذهب ضوءها.
وقال ابن عباس: تكويرها: إدخالها في العرش.
قال أبو العالية: حدثني أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة بينا
وقل: ﴿كُوِّرَتْ﴾: جمع بعضها إلى بعض، ورمي بها كما تجمع العمامة إذا كورت على الرأس ولفت.
- وقوله: ﴿وَإِذَا النجوم [انكدرت]﴾.
أي: تناثرت وتساقطت من السماء من أيدي الملائكة، لأنهم يموتون.
يروى أنها معلقة بين السماء والأرض، مثل القناديل، بسلاسل من نور، وتلك [السلاسل] بأيدي ملائكة من نور، فإذا كانت النفخة الأولى مات من في
قال قتادة ومجاهد والربيع: ﴿انكدرت﴾: تناثرت وتساقطت. وقال ابن زيد: ﴿انكدرت﴾: رمي بها من السماء إلى الأرض.
وقال ابن عباس: " ﴿انكدرت﴾: تغيرت "، من قولهم: " ماءٌ كَدِرٌ "، أي: متغير اللون.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الجبال سُيِّرَتْ﴾.
أي: سيَّرها الله، فكانت سراباً وهباءً منبثاً.
قال مجاهد: ﴿سُيِّرَتْ﴾ أي: ذهبت.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا العشار عُطِّلَتْ﴾.
أي: وإذا الحوامل من الإبل التي قد بلغت في الحمل عشرة أشهر، وذلك أعز ما تكون عند أهلها لقرب نفعها من الولد واللبن، قط عطلها أهلها وأهلموها فلا يسألون عنها لهول ما فَجِئَهُم. والعشار: جمع عُشَرَاء، يقال: " ناقةٌ عُشَرَاءٌ ": إذا أتى على حملها عَشَرَةُ أشهر.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ﴾.
قال ابن عباس: حَشْرُ البهائِمِ موتُها.
وقال (أبي) بنُ كعب: ﴿حُشِرَتْ﴾: " اختلطت ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ﴾.
قال أبي بن كعب: ﴿سُجِّرَتْ﴾: اشتعلت ناراً.
وقد سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ رجلاً من اليهود فقال له: أين جهنم؟ فقال: البحر، (فقال): ما أراه إلا [صادقاً]، وقرأ: ﴿والبحر المسجور﴾ [طه: ٦]، ﴿وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ﴾. وقال ابن زيد: ﴿سُجِّرَتْ﴾: أُوقِدَتْ فصارت نيرانا، وقاله سفيان. وقال
وقال الضحاك: " فجرت ".
ودليله قوله في الانفطار: ﴿وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ٣]، فكيف يخبر عنها في هذه السورة بأنها تسعر ناراً، [و] يخبر عنها في [السورة] الأخرى بأنها تفجر؟! بل الخبر في السورتين عن تفجيرها أولى.
وقال قتادة: ﴿سُجِّرَتْ﴾: ذهب ماؤها وغار.
وقال الحسن: " يبست "، وهذا موافق لقول الضحاك وموافق لمعنى ما في السورة الآخرى من ذكر التفجير، لأنها إذا فجرت ذهب ماؤها، وإذا ذهب ماؤها يبست، فالمعنى متَّفِق في ذلك.
وقال ابن عباس: جهنم في البحر الأخضر [تكوَّر] الشمس والقمر فيه،
وقال (أبو) عمران الجوني: بلغنا أن دون العرش بحاراً من نحاس تسجر يوم القيامة.
وقيل: هي بحار في جهنم، إذا كان يوم القيامة سجرت بأنوا العذاب، أي: ملئت [بذلك]. [روي أن الأوزاعي وقف على بحر الشام، فقال: هذا بحر، وتحته نار، وتحت النار بحر، وتحت البحر نار، حتى أتى على سبعة أبحر وسبعة أنوار. ثم قال: ينصب عليه الماء يوم القيامة، تشتعل نيرانه فتصير جهنم].
وقوله: ﴿وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ﴾.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ: هو الرجلان (يعملان) بعمل أهل الجنة أو
وقال عكرمة: يقرن الرجل الصالح بقرينه الصالح - في الدنيا - في الجنة [ويقرن] الرجل الطالح بقرينه [الطالح] الذي كان يعينه في الدنيا على ذلك في النار، ومكذلك تزوج الأنفس.
وقيل: معناه أن نفوس المؤمنين تقرن/ بحور العين. وتقرن نفوس [الكفار] والمنافقين بأنفس الشياطين.
وقال الحسن: ﴿زُوِّجَتْ﴾ " ألحق كل امرئ بشيعته ".
وقال عكرمة: معناه: وإذا النفوس ردت إلى الأجساد، فتقرن كل نفس بجسدها. وهو قول الشعبي.
-[ثم قال تعالى]: ﴿وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ﴾. ﴿بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾.
أي: طلب منها من قتلها؟ توبيخاً له، أي: وقيل لها: من قتلك؟ ولأي شيء قتلت بغير ١ذنب؟ توبيخاً لقاتلها. وأصل الوأد في اللغة: الثِّقْلُ. يقال: وَأَدَهُ [يَئِدُهُ] وَأْداً: إذا أثقله، فكأنه يُثْقِلُ المولودة بالتراب. ومنه: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ [البقرة: ٢٥٥]
وقيل: معناه: سألت ربها عن ذلك على طريق التوبيخ والتقرير للقاتل.
روي أن الجاهلية لما زعمت أن الملائكةَ بناتُ الله، ألقى الله بغض البنات في قلوبهم، فكان بعضهم يكسو بنته جبة صوف [أو شعر] ويجعلها ترعى الغنم
وكان بعضهم يدفنها حية، وبعضهم يقتلها، وبعضهم يلقيها في بئر ويلقي التراب عليها.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ﴾.
أي: وإذا صحف أعمامل العباد نشرت لهم بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب من الحسنات والسيئات.
قال قتادة: " صحيفتك يا ابن آدم تملى [ما] فيها، ثم تطوى، ثم تنشر عليك يوم القيامة ".
وقيل: (المعنى): نُشِرَ مَا فيها من أعمال بني آدم.
روي أن في السماء مَلَكاً (اسمه) " السِّجِلُّ "، تَرفع إليه الملائكةُ الحفظةُ [كل يوم] أعمال بن آدم، ما كتبوا بالليل والنهار، فينظر في تلك الكتب فيرى ما لهم وما عليهم، فيطرح منها قول الرجل: اخْرُجْ، كُلْ [اشْرَبْ]، ونحوه مما ليس فيه
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ﴾.
قال الفراء: " نُزعت وطويت ". وفي قراءة عبد الله: " قُشِطَتْ "، بالقاف. وهما لغتان. والأصل الكاف. قال مجاهد ﴿كُشِطَتْ﴾: " جذبت ".
وقيل: معناه: ﴿كُشِطَتْ﴾ عمن فيها (كما) يكشط الجلد عن الكبش.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الجحيم سُعِّرَتْ﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ﴾.
أي: قربت [وأدنيت] من أهلها.
- ثم قال تعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ﴾.
هذا جواب ﴿إِذَا الشمس كُوِّرَتْ﴾ وما بعده. وإلى هذا أَتَى بالقصة من أولها، أي: إذا وقع كل ما ذكر من الحوادث، علمت (كل) نفس ما أحضرت من خير أو شر، وما أخرت.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ: " إلى هذا جرى الحديث ". والمعنى: ما وَجَدَته حَاضِراً، كما يقال: " أَحْمَدْتَ الرَّجل ": إذا وجدته محموداً.
- ثم قال تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس * الجوار الكنس﴾.
(لا) زائدة مؤكدة، والمعنى: أقسم بالخنس، وهي النجوم الدراري الخمسة،
وقال قتادة كقول الحسن، [قال]: هي النجوم تبدو بالليل وتكنس
وقال عبد الله بن مسعود: هي بقر الوحش. وكذلك قال النخعي وجابر بن زيد.
وقال ابن عباس: هي الظباء، وهو قول ابن جبير والضحاك. وإنما يقال لبقر الوحش والضباء " خُنْسٌ "، لأن الواحد أخنسُ والأنثى خَنْسَاءُ، أي: قصيرات الأنوف.
وقيل للنجوم " خُنَّسٌ "، لأنها تخنس، أي: ترجع في مجراها، من قولهم: خَنَست
ويقال: خَنَسْتَ عن الرجل: إذا استَتَرْتَ عنه، فلذلك قال الحسن: هي النجوم تخنس بالنهار أي: تستتر فيه، والكنس: المستقرة، والكِنَاسُ: أن تتخذ البقرة الوحشية من/ الشجرة القديمة بيتاً تأوي إليه.
وقيل: الكنس سبعة: الشمس والقمر [والمشتري] وعطارد والمريج وزحل والزهرة.
أقسم الله - جل ذكره - بها، والتقدير: فأُقْسِمُ [برب] الخنس، والله - جل ذكره - يقسم بما شاء من خلقه.
- ثم قال تعالى: ﴿والليل إِذَا عَسْعَسَ﴾.
وقال زيد بن أسلم ﴿عَسْعَسَ﴾: ذهب.
وقال الحسن: ﴿عَسْعَسَ﴾: إذا غشي الناس بظلامه. وهو قول الفراء.
والعرب تقول: عسعس الليل وسعسع: إذا أدبر فلم يبق منه إلا اليسير.
وقيل: هو من الأضداد.
- ثم قال تعالى: ﴿والصبح إِذَا تَنَفَّسَ﴾.
ي: أقبل وتبين. والتقدير: وَضَوْءُ الصبح إذا أقبل.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾.
هذا جواب القسم المتقدم.
[وأجاز] الكسائي " أنَّهُ " بالفتح على معنى: أقسم أنَّهُ.
والمعنى: إِنَّ هذا القرآن لقول رسولٍ كريمٍ عن الله بَلَِّغَهُ، يعني جبريل عليه السلام كريم عند مرسله.
وقيل: الرسول [الكريم: محمد] ونسب إليه القرآن فجعل من قوله لأنه
- وقوله: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ﴾.
يعني جبريل، أي: صاحب قوة على ما كُلِّف من تبليغ الوحي، مكين عند رب العرش، أي: متمكن الحال والدرجة عند ربه.
- ثم قال تعالى: ﴿مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾.
أي: مطاع في السماء، تطيعه الملائكة، [أمين] عند الله على وحيه إلى أنبيائه.
قال أبو صالح: ﴿مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ قال: " جبريل أمين على أن يدخل سبعين سُرْادِقاً من نور بغير (إذن] ".
قال ابن عباس والضحاك: هو جبريل.
يعني [محمد] ﷺ، أي: ليس (هو) بمجنون كما قال المبطلون.
- ثم قال: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين﴾.
[أي]: ولقد رأى [محمد] جبريل عليه السلام في صورته في الناحية [التي] تتبين فيها الأشياء، فيرى من قبلها وذلك ناحية مطلع الشمس من قبل المشرق.
وقال قتادة: ﴿بالأفق المبين﴾، كنا نُحَدِّثُ أن الأفق من حيث تطلع الشمس ويجيء النهار.
قال ابن عباس: رأى محمد جبريل على صورته عند الله.
قال ابن مسعود: رأى جبريل له خمسمائة جناح وقد سد الأفق.
من قرأه بالضاد غير مرفوعة فمعناه: وما محمد على القرآن ببخيل، بل [يبذله] ويدعو له ويغظ (به). ويذكر به ويعلمه. ومن قرأه بالظاء مرفوعة فمعنه: بمتهم.
أي: ليس هو بمتهم على القرآن، بل هو أمين عليه وعلى تبليغه كما أوحي إليه.
- ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ﴾.
أي: وما القرآن الذي جاءكم به محمد ﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ﴾، أي]:
- ثم قال تعالى: ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾.
أي: فأين تعدلون عن (هذا) القرآن وعن قبوله وتصديق من جاءكم به؟!
قال قتادة: معناه: فأين " تعدلون عن كتابي وطاعتي "!.
وقال: ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾، ولم يقل (فإلى أين) تذهبون. كما تقول: ذهبت الشام، وذهبت إلى الشام. وذهبت المشرق وذهبت إلى المشرق.
وحكي عن العرب سماعاً: انطلق به [الغَوْرَ أي إلى الغَوْرِ].
- ثم قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾.
أي: ما هذا القرآن إلا ذكر وعظة للعاملين من الجن والإنس.
ثم بين لمن هو ذكر وعظة، فأبدل من " العالمين " بدل البعض من الكل بإعادة الجار [فقال]:
- ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾.
أي: لمن شاء أن يتبع الحق.
(والمعنى: إنْ هذا القرآن إِلاَّ ذكر لمن شاء منكم أن يتبع الحق) [ويستقيم] عليه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّ العالمين﴾.
أي: وما تشاءون - أيها الناس -/، الاستقامة على الحق إلا أن يشاء الله ذلك لكم.
وروي أنه لمَّا [نزل] قوله: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾، قال أبو جهل: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّ العالمين﴾. وفي الكلام معنى التهدد والوعيد.