أما ( سورة الفاتحة ) فقد أطلق عليها هذا الاسم لاعتبارات متعددة، أولا أنها سورة تفتتح بها كتابة المصحف الكريم، ثانيا أنها أول سورة تفتتح بها قراءة القرآن العظيم، ثالثا أنها أول ما يتلوه المصلي في صلاته فرضا كانت أم نفلا، وهو يرددها كل يوم وليلة سبع عشرة مرة في صلواته المفروضة.
ثم إنها بالنسبة لكتاب الله كبراعة الاستهلال بالنسبة لغيره، إذ كل كلمة من كلماتها، وكل آية من آياتها، تشير من قريب أو بعيد، إلى جملة محتويات القرآن الكريم، ومقاصده المتعددة، وموضوعاته المتنوعة، بما فيها من عقائد وعبادات، وشرائع وأخلاق، وما يتصل بحياة الإنسان في مبدئه ومعاده، في دنياه وآخرته على السواء، ولهذه المعاني-والله أعلم-أطلق عليها أيضا في الحديث النبوي الشريف ( أم القرآن )، و( أم الكتاب )، كما جاء في حديث خرجه الترمذي في سننه، ووصفه بأنه حديث حسن صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني ).
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد :﴿ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ قال الله : حمدني عبدي، وإذا قال :﴿ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله : أثنى علي عبدي. فإذا قال :﴿ مَلِكِ يَومِ الدّينِ ﴾ قال الله : مجدني عبدي. وإذا قال :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِين ِ ﴾ قال الله : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال :﴿ إِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِم وَلاَ الضَالِّينَ ﴾ قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ".
وفي قوله تعالى :﴿ وَإيَّاكَ نَسْتَعِين( ٥ ) اهْدِنَا ﴾ إشارة إلى ما للمخلوقين من حاجة دائمة إلى إمداد خالقهم، تقتضيهم باستمرار طلب الهداية وطلب المعونة من رب العالمين، الرحمان الرحيم.
و في قوله تعالى :﴿ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ( ٦ ) ﴾ إشارة إلى التوجيه السماوي الذي أكرم الله به المؤمنين والقانون الإلهي الذي شرعه لخيرهم ونفعهم، ضبطا للصلة القائمة بين المخلوق والخالق، وتنظيما للعلاقة القائمة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
وفي قوله تعالى :﴿ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِم وَلاَ الضَالِّينَ( ٧ ) ﴾ إشارة إلى الفئات المنحرفة من بني الإنسان، التي لم تستجب لنداء الرحمان، والتي قابلت الهداية الإلهية بالتمرد والعصيان، والجحود والكفران ﴿ أُولَئِكَ حِزْب ُالشَيطَانِ، ألاَ إِنَّ حِزبَ الشَيطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾..