تفسير سورة الفيل

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الفيل من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الفيل
مكيّة وهى تسع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ خطاب للنبى - ﷺ - والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد وهو ﷺ وان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها وسمع بالتواتر اخبارها فكانه راها وجاز ان يكون الروية بمعنى العلم والجملة الاستفهامية التي بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة الى نظره - ﷺ - وان يفعل باعدائه مثل ما فعل باصحاب الفيل كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ استفهام للتعجب ولذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله وقدرته وعزة بيته وشرف نبيه - ﷺ - فانها من الارهامات وكانت قصة الفيل توطية لنبوته ومقدمة لظهوره وبعثته والا فاصحاب الفيل كما قال ابن نعيم كانوا نصارى اهل الكتاب وكان دينهم خيرا من دين اهل مكة إذ ذلك لانهم كانوا عبدة الأوثان وكان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم وبه قال ابن عباس ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال كل قول يخالفه وهم وفى ذلك العام ولد النبي - ﷺ - بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الاول من تلك السنة كذا قال الأكثرون وهر الأصح وقيل بعده بثلثين عاما وقال مقاتل بأربعين عاما وقيل بسبعين عاما وقال الكلبي بثلث وعشرين سنة والاول أصح كذا فى خلاصة السير بِأَصْحابِ الْفِيلِ وهم ابرهة ملك اليمن وأصحابه قال الضحاك وكانت الفيلة ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود وانما وحد لانه نسبهم الى الفيل الأعظم وقيل لوفاق رءوس الآي وقصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق عن بعض اهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي ان النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا الى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت طائفة مع ارياط وطائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة ارياطا
341
واجتمعت الحبشة لابرهة وغلب على اليمن وأفرد النجاشي ثم ان ابرهة راى الناس يتجهزون ايام الموسم الى مكة لحج بيت الله فبنى كنيسة بصنعاء وكتب الى النجاشي انى صنعت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها بيت فتهيأ حتى اصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بنى مالك بن كنانة فخرج إليها ليلا فقعد فيها ليلا ولطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك ابرهة فحلف ابرهة ليسيرن الى كعبة حتى يهدمها فكتب الى النجاشي يخبره بذلك وساله ان يبعث اليه بفيلة يقال له محمود ولم ير مثله عظيما وقوة فبعث اليه فخرج ابرهة سايرا الى مكة فسمعت العرب بذلك فعظموه ورأو جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر مقاتله فهزمه ابرهة وأخذ ذا نفر ولم يقتله وأوثقه ثم سار حتى إذا دنى من بلاد خثعم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي فى خثعم واجتمع اليه قبائل اليمن فقاتلوه وأخذ نفيلا فقال نفيل ايها الملك انى دليل بأرض العرب فاستبقاه وخرج معه يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج مسعود بن مغيث الثقفي فى رجال من ثقيف فقال ايها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف انما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا بارغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس يأت ابو رغال وهو الذي يرجم قبره فبعث ابرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود يسوق اليه اموال الحرم وأصاب لعبد المطلب مأتى بعير ثم ان ابرهة بعث بحناطة الحميرى الى اهل مكة فقال أسأل عن شريفها ثم أخبره انى لم ات لقتال انما جئت لاهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقى عبد المطلب وقال له ما قال ابرهة فقال عبد المطلب ماله عندنا قتال فتخلى به وبين ما جاء به فان هذا بيت الله الحرام وبيت خليل عليه السلام فان يمنعه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبين ذلك فو الله ما لنا به قوة فقدم عبد المطلب العسكر لطلب ابله وكان ذو نفر صديقا له فاتاه فقال له ذو نفر الى رجل أسير ولكن سابعثك الى أنيس سائس الفيل فانه لى صديق قال ذو نفر لا تيس هذا سيد القريش وصاحب عير مكة
الذي يطعم الناس فى السهل والوحوش فى الجبال ليستاذن عليك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فاذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه ابرهة أعظمه وأكرمه وكره ان يجلس معه على سريره وان يجلس تحته فهبظ الى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه وقال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير
342
فقال ابرهة لقد كنت أعجبتني حين رايتك ولقد زهدت فيك جيئت الى بيت هو دينك ودين ابائك وهو شرفكم وعصمتكم لاهدمه لم لا تكلمنى فيه وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها فقال عبد المطلب انا رب هذا الإبل وان لهذا البيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنعه منى فأمر بإبله فردت عليه وجاء عبد المطلب واخبر قريشا الخبر وأمرهم ان يتفرقوا فى الشعاب ويتحرزوا فى رؤس الجبال تخوفا عليهم من معرفة الحبش ففعلوا واتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول يا رب لا رجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك ان عدو البيت من عداك امنعهم ان يخربوا قراك وقال ايضا لا هم ان العبد يمنع رحلة فامنع رحالك وانصر على ال الصليب وعابد له اليوم الك لا يغلبن صليبهم ومحالهم وعدو محالك جروا هموع بلادهم والفيل كى يسبو عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك ان كنت تاركهم وكعبتنا فامر ما بدا لك ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه فى بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح ابرهة بالمغمس قد تهيا للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا لم ير مثله فى العظمة والقوة ويقال كانت معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل الى الفيل الأعظم ثم أخذ باذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول راسه فأبى فادخلوا محاجنهم تحت مراثقة ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه الى الحرم فابى ان يقوم وخرج نفيل يشتد حتى صعد الى الجبل وأرسل الله عز وجل طيرا من البحر مثل الخطاطيف مع كل طاير منها ثلثة أحجار حجران فى رجليه وحجر فى منقاره مثل الحمص والعدس فلما غشين القوم ارسلنها عليهم فلم يصب تلك الحجارة أحدا الا هلك وليس كل القوم أصاب وخرجوا هاربين لا يهتدون الى الطريق الذين جاؤا يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم الى الطريق الى اليمن ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال وصرح القوم وماج بعضهم فى بعض يتساقطون كل طريق ويهلكون على كل منهل ما كان على الطريق وبعث الله الى ابرهة داء فى جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت انملة اتبعتها مدة من قيح ودم فانتهى الى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره من قبله ثم هلك قال الواقدي واما محمود فيل النجاشي فركض
343
ولم يشجع على الحرم فنجا والفيل الاخر شجع يضرب اى رمى بالحصاء وزعم مقاتل بن سليمن ان السبب الذي جرى اصحاب الفيل ان فئة من قريش خرجوا تجارا الى الأرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر ثم بيعة النصارى تسميا قريش الهيكل فنزلوا فاججوا نارا فاشتورا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهبت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى النجاشي فاسف غضبا للبيعة فبعث ابرهة لهدم الكعبة وقال انه كان بمكة يومئذ سعيد الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتوا بمكة وكان رجلا نبيها ونبيلا يستقيم الأمور برايه وكان خليل عبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم يستغنى فيه من رايك فقال ابو مسعود اصعد بنا الى حراء وصعد الجبل فقال ابو مسعود لعبد المطلب اعمد الى مائة ابل فاجعلها الله وقلدها فعلا ثم ابعثها فى الحرم لعل بعض هذا السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فياخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم الى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال ابو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه وقد نزل تبع ملك من اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه واظلم عليه ثلثة ايام
فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه ونحر له الجزور فنظر ابو مسعود الى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما اعرفها ما هى نجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا عن عسكر القوم فاذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى
344
وان شئت حفرتك وان شئت فهما لك معا قال ابو مسعود اختر على نفسك قال عبد المطلب انى لم ال ان اجعل أجود المتاع فى حفرتى فهو لك وجلس كل منها على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس فراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا فاعطته القادة فلم يزل عبد المطلب وابو مسعود فى أهلها فى غناء من ذلك المال ودفع الله عن كعبة.
أَلَمْ يَجْعَلْ استفهام للانكار مثل الم تر كَيْدَهُمْ مكرهم وسعيهم فى تخريب البيت فِي تَضْلِيلٍ تضيع وابطال.
وَأَرْسَلَ عطف على مضمون الم يجعل اى جعل عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا ومن هاهنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال ابو عبيد وقال الفراء لا واحد لها من لفظها وقال الكسائي جمع أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل جمع ابل.
تَرْمِيهِمْ اى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير بِحِجارَةٍ كائنة مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل وقيل مشتق من السجل وهو الدلو الكبير او الاسجال وهو إرسال او من السجل ومعناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير واكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس السباع وقال الربيع لها أنياب كانياب السباع وقال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير ورقهم بالحجارة وبعث الله له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على رجل الا خرج من الجانب الاخر وان وقع فى راسه خرج من دبره.
فَجَعَلَهُمْ عطف على أرسل كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ع مفعول ثان لجعل اى جعلهم كزرع وتبن أكلته الدواب فراتّه وتفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث وقال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف ومعنى مأكول يعنى أكلته الدواب- والله تعالى اعلم.
Icon