بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة ( كورت )١وهي مكية روى عبد الرزاق، عن عبد الله بن بجير، عن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين ذلك اليوم فليقرأ :( إذا الشمس كورت ) و ( إذا السماء انفطرت )٢ و( إذا السماء انشقت )٣. قال رضي الله عنه أخبرنا بهذا الحديث أبو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد القفال، أخبرنا أبو العباس السنجي الطحان٤، أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري، أخبرنا عبد الرزاق٥.
٢ - الانفطار : ١..
٣ - الانشقاق: ١..
٤ - و هو أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج السنجي الطحان. انظرالأنساب (٣/٣١٨).
٥ - رواه الترمذى (٥ /٤٠٣ رقم ٣٣٣٣) و قال : حسن غريب، و أحمد ( ٢ /٢٧ -٣٦ -١٠٠٠)، و ابن أبي الدنيا في الأهوال ( رقم ١٩ )، و الحاكم ( ٤ /٥٧٦ ) و صححه، و أبو النعيم في الحلية ( ٩ /٢٣١).
وقال الهيثمي في المجمع ( ٧ /١٣٧ ) : رواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات، ورواه الطبراني بغسناد أحمد و قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٨ /٥٦٤ ) : حديث جيد..
ﰡ
وروى سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَبِيه، عَن الرّبيع بن خثيم قَالَ: كورت رمى بهَا.
وَعَن سعيد بن جُبَير كور الْعِمَامَة، وَالْمعْنَى: أَنَّهَا لفت وجمعت وَطرح بهَا.
وروى أَن أهل الْأَرْضين يسمعُونَ إدة عَظِيمَة من وُقُوع النُّجُوم على الأَرْض.
وَقد ورد فِي الْخَبَر الْمَشْهُور عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " يقْتَصّ للجماء من القرناء ".
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يحْشر كل شَيْء حَتَّى الذُّبَاب.
وَعَن كَعْب الْأَحْبَار سجرت أَي: ملئت نَارا.
وَقَالَ شمر بن عَطِيَّة: تسجر كَمَا يسجر التَّنور.
وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن عليا - رَضِي الله عَنهُ - سَأَلَ رجلا من الْيَهُود عَن جَهَنَّم؟ فَقَالَ: هُوَ الْبَحْر، فَقَالَ: مَا أرَاهُ إِلَّا صَادِقا، ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا الْبحار سجرت﴾.
وَعَن بَعضهم: أَن بَحر الرّوم وسط الأَرْض، وَفِي أَسْفَله آبار من نُحَاس مطبقة، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة سجرت نَارا، وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْبَحْر الْمَسْجُور﴾ وَقد بَينا، وَيجوز أَن يجمع بَين هَذِه الْأَقَاوِيل، فَيُقَال: إِن الْبحار يدْخل بَعْضهَا فِي بعض فَتَصِير بحرا وَاحِدًا، ثمَّ يفِيض وييبس ثمَّ يمْلَأ نَارا.
وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الصَّالح مَعَ الصَّالح، والفاجر مَعَ الْفَاجِر.
وَعَن بَعضهم: الْمُؤْمِنُونَ يقرنون بالحور الْعين، وَالْكفَّار بالشياطين.
وَذكر بَعضهم.
أَن الْمَرْأَة كَانَت إِذا أَخذهَا الْمَخَاض حُفْرَة حفيرة، وَجَلَست عَلَيْهَا فَإِن ولدت ابْنا حَبسته، وَإِن ولدت بِنْتا ألقتها فِي الحفيرة، وَقد كَانَ بَعضهم يتْرك الْجَارِيَة حَتَّى تصير شَدِيدَة، ثمَّ يَقُول لأمها: طيبيها زينيها، وَقد حفر بِئْرا فِي الصَّحرَاء، ويحملها مَعَ نَفسه، ويأمرها أَن تطلع فِي الْبِئْر، ثمَّ يَدْفَعهَا من خلفهَا فِي الْبِئْر، ويهيل التُّرَاب، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك إِمَّا خشيَة الإملاق، أَو [دفعا] للعار وأنفة عَن أنفسهم.
وَقَوله: ﴿سُئِلت بِأَيّ ذَنْب قتلت﴾ هُوَ سُؤال توبيخ للوائد؛ لِأَن من جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَن يَقُول: قتلت بِغَيْر ذَنْب.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَجَمَاعَة: " وَإِذا الموءودة سَأَلت بِأَيّ ذَنْب قتلت " وَالْمعْنَى مَعْلُوم.
وَذكر بَعضهم فِي تَفْسِيره: أَنَّهَا تَأتي متلطخة بالدماء، وتتعلق بثدي أمهَا وَتقول: يَا رب، هَذِه أُمِّي وَقد قتلتني.
واعم أَنه ورد كثير من الْأَخْبَار فِي أَن أَوْلَاد الْمُشْركين خدم أهل الْجنَّة.
وَعَن النَّبِي أَنه قَالَ: " سَأَلت رَبِّي عَن اللاهين من ذُرِّيَّة الْبشر فأعطانيهم ".
وَعنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَنه سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين؟ فَقَالَ: هم خدم أهل الْجنَّة.
وَقد وَردت أَخْبَار أخر أَن أَوْلَاد الْمُشْركين فِي النَّار، وَقد ذكرنَا بعض ذَلِك فِيمَا سبق، وَعنهُ أَنه قَالَ لعَائِشَة: " لَو شِئْت أسمعتك تضاغيهم فِي النَّار "، وَعنهُ عَلَيْهِ - الصَّلَاة وَالسَّلَام - أَنه قَالَ: " الوائدة والموءودة فِي النَّار "، وَقد ثَبت بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين؟ فَقَالَ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ".
فَالْأولى أَن يتَوَقَّف، ويوكل علم ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى، وهم على مَشِيئَته يفعل بهم مَا يَشَاء.
وَاعْلَم أَنه قد كَانَ فِي الْعَرَب من يحيي الْأَطْفَال الموءودة، وَذَلِكَ بِأَنَّهُم (يفرون) من آبَائِهِم.
وَقَالَ الفرزدق يفتخر:
(وَمنا الَّذِي منع لوائدات | فأحيا الوئيد فَلم يوأد) |
وَقَوله: ﴿كشطت﴾ أَي: قلعت، وَقيل: نزعت.
قَالَ قَتَادَة: سعره غضب الله وخطايا بني آدم.
وَالْمعْنَى: أَنه إِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء علمت نفس مَا أحضرت يَعْنِي: من الْخَيْر وَالشَّر.
وَعَن بَعضهم: أَنَّهَا جَمِيع النُّجُوم.
وَقَوله: ﴿الخنس﴾ أَي: تغيب فِي سَيرهَا، وَقيل: تغيب فِي النَّهَار، وَتظهر بِاللَّيْلِ، وَقيل: ترجع فِي مسيرها من الْمغرب، وَذَلِكَ ظَاهر فِي الْكَوَاكِب الْخَمْسَة.
وَقيل: بالغروب، وَقيل: بِالنَّهَارِ.
وَهَذِه الْكَوَاكِب هِيَ الْكَوَاكِب الَّتِي يسميها المنجمون الْمُتَحَيِّرَة، وَقد تفردت حَيْثُ تسير بِخِلَاف سَائِر الْكَوَاكِب؛ لِأَن سَائِر الْكَوَاكِب تسير من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَهِي تسير من الْمغرب إِلَى الْمشرق، ويحيلون
قَالَ عَمْرو بن شُرَحْبِيل: قَالَ لي عبد الله بن مَسْعُود: أَنْتُم قوم عرب، فَمَا معنى ﴿الخنس الْجوَار الكنس﴾ ؟ قَالَ عَمْرو: هِيَ بقر الْوَحْش، قَالَ ابْن مَسْعُود: وَأَنا أرى ذَلِك وَهُوَ أَيْضا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس، وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمَشْهُور.
والخنس على هَذَا القَوْل: هِيَ صغَار الْأنف، والكنس من استتارها فِي كنسها.
وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف.
وَحمل الْآيَة على مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على الرَّسُول من غير الْقُرْآن.
فعلى هَذَا يجوز أَن يُقَال: هُوَ قَول جِبْرِيل.
وَقيل: إِن قَوْله ﴿رَسُول كريم﴾ وَهُوَ مُحَمَّد وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمَشْهُور.
فَقَالَ: " أما قوتي فَإِن الله تَعَالَى أَرْسلنِي إِلَى مَدَائِن لوط، وَهِي أَربع مَدَائِن فِي كل مَدِينَة أَرْبَعمِائَة ألف مقَاتل سوى الذُّرِّيَّة فأدخلت جناحي تحتهَا ورفعتها إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حَتَّى سمع أهل السَّمَاء الدُّنْيَا نباح الْكلاب وصياح الديكة ثمَّ قلبتها.
وَأما أمانتي فَإِنِّي لم أعد مَا أمرت بِهِ إِلَى غَيره.
وَقَوله: ﴿مكين﴾ هُوَ بِمَعْنى المكانة أَو الْمنزلَة عِنْد الله تَعَالَى.
وَذي الْعَرْش: هُوَ الله تَعَالَى.
وَقد قيل: إِن مَعْنَاهُ أَنه قَالَ: لرضوان خَازِن الْجنان لَيْلَة الْمِعْرَاج: افْتَحْ الْبَاب لمُحَمد ففتحه.
وَقَالَ لمَالِك خَازِن النَّار: افْتَحْ اللّبَاب لمُحَمد ففتحه.
وَقَوله: ﴿أَمِين﴾ قد ذكرنَا.
وَقيل فِي معنى الْأَمَانَة، أَنه يرفع سبعين سرادقا من غير اسْتِئْذَان.
وَقيل: يلج سبعين حِجَابا من نور من غير اسْتِئْذَان.
وَعَن عَطِيَّة أَن نَبِي الله سَأَلَ جِبْرِيل أَن يرِيه نَفسه على مَا يكون فِي السَّمَاء؟ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ حَتَّى اسْتَأْذن رَبِّي، فَأذن الله تَعَالَى لَهُ فِي ذَلِك.
فَلَمَّا رأى جِبْرِيل على مَا خلقه الله من العظمة وَكَثْرَة الأجنحة على مَا ذكرنَا غشي عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قُرَيْش مغشيا عَلَيْهِ قَالُوا: مَجْنُون مَجْنُون فَأنْزل الله تَعَالَى ﴿وَمَا صَاحبكُم بمجنون﴾.
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: بظنين بالظاء، بمتهم، وبضنين بالضاد، ببخيل.
أوردهُ النّحاس وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْمُفَسّرين والغيب: هُوَ الْوَحْي.
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا مَا رُوِيَ عَن مَالك عَن زيد بن أبي أنيسَة أَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب أخبرهُ عَن مُسلم بن يسَار الْجُهَنِيّ أَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة ﴿وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ﴾ إِلَى أَن قَالَ: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ الْآيَة.
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: سَمِعت رَسُول الله سُئِلَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: " إِن الله خلق آدم فَمسح ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة، فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ، ثمَّ مسح ظَهره فاستخرج، فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، فَفِيمَ الْعَمَل؟ فَقَالَ رَسُول الله: إِن الله تَعَالَى إِذا خلق العَبْد للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يَمُوت على عمل أهل الْجنَّة، فيدخله بِهِ الْجنَّة، وَإِذا خلق العَبْد للنار اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يَمُوت، وَهُوَ على عمل أهل النَّار فيدخله بِهِ النَّار، وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة وكلمهم الْمَوْتَى وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا مَا كَانُوا ليؤمنوا إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله﴾ قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد هياج بن عبيد الخطيبي بِمَكَّة قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن جَمِيع، أخبرنَا جدي، أخبرنَا مُحَمَّد بن عَبْدَانِ الْقَزاز، أخبرنَا أَبُو مُصعب عَن مَالك الحَدِيث.
وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿إِذا السَّمَاء انفطرت (١) وَإِذا الْكَوَاكِب انتثرت (٢) وَإِذا الْبحار فجرت (٣) وَإِذا الْقُبُور بعثرت (٤) علمت نفس مَا قدمت وأخرت (٥) يَا أَيهَا﴾.تَفْسِير سُورَة (انفطرت)
وَهِي مَكِّيَّة
٢ -الأنعام : ١١١..
٣ - يونس : ١٠٠..
٤ - تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف..