تفسير سورة التين

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة التين من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
ومن هنا ننتقل إلى سورة " التين " المكية أيضا، معتمدين على الله.

وهذه السورة الكريمة يتصدرها قسم عظيم " بالتين والزيتون، وطور سينين، والبلد الأمين " والمحور الذي يدور عليه القسم فيها هو خلق الإنسان، وما يتعرض له في حياته من فوز أو خذلان، وربح أو خسران.
فالله تعالى يمتن هنا على الإنسان بأنه قد خلقه أحسن خلق، وأبدعه أكمل إبداع، وميزه بمزايا خصوصية على غيره من أنواع الحيوان، عسى أن يعرف فضل الله عليه، فيتحلى بحلية الإيمان، عن اقتناع وإذعان، ويقبل على طاعة الله بكل اغتباط وامتنان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون١ وطور سينين٢ وهذا البلد الأمين٣ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم٤ ﴾، ونقل ابن كثير عن بعض الأئمة أن المقسم به هنا هي محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولى العزم، أصحاب الشرائع الكبار، فالأول محل التين والزيتون وهو بيت المقدس، حيث بعث الله عيسى ابن مريم، والثاني طور سيناء، حيث كلم الله موسى بن عمران، والثالث مكة، وهي البلد الأمين، الذي من دخله كان آمنا، حيث بعث فيه محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ثم ينبه كتاب الله إلى أن الإنسان قد يسيء إلى نفسه بتصرفه تصرف السفهاء، فيما آتاه الله من طاقات، وملكات، وممتلكات، فيتخذها ذريعة للكفر والفساد، بدلا من اتخاذها عونا على الإيمان والصلاح، ويتردى من قمة المكارم والفضائل، إلى هوة الفساد والرذائل، وإذ ذاك ينزل بمحض اختياره من أعلى عليين، فيعاقبه الله على ذلك، ويجعله أسفل سافلين، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :﴿ ثم رددناه أسفل سافلين٥ ﴾.
وختمت هذه السورة الكريمة بذكر ما ينعم به في الجنة المؤمنون٦ من الأجر المتواصل غير الممنون :﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون٦ ﴾، كما ختمت بالتنويه بحكمة الله البالغة، التي لا تماثلها حكمة، وبحكم الله العادل، الذي ليس كمثله حكم :﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين٨ ﴾، بلى. وإنا على ذلك من الشاهدين.
وقوله تعالى :﴿ فما يكذبك بعد بالدين٧ ﴾، سئل مجاهد عن الخطاب الوارد في هذه الآية : هل هو موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : " معاذ الله، إنما عني به الإنسان ". وهكذا قال عكرمة وغيره، أي : إن الخطاب موجه إلى ابن آدم عموما، وإلى من يكذب بيوم الدين على وجه الخصوص.
Icon