تفسير سورة طه

المختصر في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة طه من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم المعروف بـالمختصر في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه مجموعة من المؤلفين .

١٣ - وأنا اصطفيتك -يا موسى- لتبليغ رسالتي، فاستمع لما أوحيه إليك.
١٤ - إنني أنا الله لا معبود بحق غيري، فاعبدني وحدي، وأدّ الصلاة على أكمل وجه لتذكُرني فيها.
١٥ - إن الساعة آتية لا محالة وواقعة، أكاد أخفيها فلا يعلم وقتها مخلوق، ولكن يعرفون علاماتها بإخبار النبي لهم؛ لكي تُجَازَى كل نفس بما عملته، خيرًا كان أو شرًّا.
١٦ - فلا يصرفنّك عن التصديق بها والاستعداد لها بالعمل الصالح من لا يؤمن بها من الكفار، واتبع ما تهواه نفسه من المحرمات، فتهلك بسبب ذلك.
١٧ - وما تلك التي بيدك اليمنى يا موسى؟
١٨ - قال موسى عليه السلام: هي عصاي؛ أعتمد عليها في المشي، وأخبط بها الشجر ليسقط ورقها لغنمي، ولي فيها منافع غير ما ذكرت.
١٩ - قال الله: ألقها يا موسى.
٢٠ - فألقاها موسى، فانقلبت حية تمشي بسرعة وخفة.
٢١ - قال الله لموسى عليه السلام: خذ العصا، ولا تخف من انقلابها حية، سنعيدها إذا أخذتها إلى حالتها الأولى.
٢٢ - واضمم يدك إلى جنبك تخرج بيضاء من غير برص؛ علامة ثانية لك.
٢٣ - أريناك هاتين العلامتين لنريك -يا موسى- من آياتنا العظمى الدالة على قدرتنا، وعلى أنك رسول من عند الله.
٢٤ - سر -يا موسى- إلى فرعون، فإنه تجاوز الحد في الكفر والتمرد على الله.
٢٥ - قال موسى عليه السلام: رب، وسّع لي صدري لأتحمّل الأذى.
٢٦ - وسهّل لي أمري.
٢٧ - وأقدرني على النطق بالفصيح من الكلام.
٢٨ - ليفهموا كلامي إذا بلّغتهم رسالتك.
٢٩ - واجعل لي معينًا من أهلي يعينني في أموري.
٣٠ - هارون بن عمران أخي.
٣١ - قوِّ به ظهري.
٣٢ - واجعله شريكًا لي في الرسالة.
٣٣ - لكي نسبحك تسبيحا كثيرًا.
٣٤ - ونذكرك ذكرًا كثيرًا.
٣٥ - إنك كنت بنا بصيرًا لا يخفى عليك شيء من أمرنا.
٣٦ - قال الله: قد أعطيناك ما طلبت يا موسى.
٣٧ - ولقد أنعمنا عليك مرة أخرى.
x• وجوب حسن الاستماع في الأمور المهمة، وأهمها الوحي المنزل من عند الله.
• اشتمل أول الوحي إلى موسى على أصلين في العقيدة وهما: الإقرار بتوحيد الله، والإيمان بالساعة (القيامة)، وعلى أهم فريضة بعد الإيمان وهي الصلاة.
• التعاون بين الدعاة ضروري لإنجاح المقصود؛ فقد جعل الله لموسى أخاه هارون نبيًّا ليعاونه في أداء الرسالة.
• أهمية امتلاك الداعية لمهارة الإفهام للمدعوِّين.
٣٨ - إذ ألهمنا أمك ما ألهمناها مما حفظك الله به من مكر فرعون.
٣٩ - فقد أمرناها حين ألهمناها: أن ارميه بعد ولادته في الصندوق، واطرحي الصندوق في البحر، فسيطرحه البحر بالشاطن بأمر منّا، فيأخذه عدو لي وله، وهو فرعون، ووضعت عليك محبّة منّي، فأحبّك الناس، ولتتربى على عيني وفي حفظي ورعايتي.
٤٠ - إذ خرجت أختك تسير كما سار التابوت تتابعه، فقالت لمن أخذوه: هل أرْشِدكم إلى من يحفظه ويرضعه ويربيه؟ فمننّا عليك بإرجاعك إلى أمّك لتسرّ برجوعك إليها، ولا تحزن من أجلك، وقتلت القِبْطِي الذي وَكَزْتَه، فمننّا عليك به. نجائك من العقوبة، وخلصناك مرة بعد مرة من كل امتحان تعرّضت له، فخرجت ومكثت أعوامًا في أهل مَدْين، ثم أتيت في الوقت الذي قُدِّر لك أن تأتي فيه لتكليمك يا موسى.
٤١ - واخترتك لتكون رسولًا عنّي تبلّغ الناس ما أوحيت به إليك.
٤٢ - اذهب أنت -يا موسى- وأخوك هارون، بآياتنا الدالة على قدرة الله ووحدانيته، ولا تضعفا عن الدعوة إليّ، وعن ذكري.
٤٣ - اذهبا إلى فرعون، فإنه تجاوز الحد في الكفر والتمرّد على الله.
٤٤ - فقولا له قولًا لطيفًا لا عنف فيه؛ رجاء أن يتذكر، ويخاف الله فيتوب.
٤٥ - قال موسى وهارون عليه السلام: إننا نخاف أن يعجّل بالعقوبة قبل إتمام دعوته، أو أن يتجاوز الحد في ظلمنا بالقتل أو غيره.
٤٦ - قال الله لهما: لا تخافا؛ إنني معكما بالنصر والتأييد، أسمع وأرى ما يحدث بينكما وبينه.
٤٧ - فأتياه، فقولا له: إنا رسولا ربك -يا فرعون- فابعث معنا بني إسرائيل، ولا تعذبهم بقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم، قد أتيناك ببرهان من ربك على صدقنا، والأمان من عذابِ الله لمن آمن، واتبع هدى الله.
٤٨ - إنا قد أوحى الله إلينا أن العذاب في الدنيا والآخرة على من كذّب بآيات الله، وأعرض عما جاءت به الرسل.
٤٩ - قال فرعون منكرًا لما جاءا به: فمن ربكما الذي زعمتما أنه أرسلكما إلي يا موسى؟
٥٠ - قال موسى: ربنا هو الذي أعطى كل شيء صورته وشكله المناسب له، ثم هدى المخلوقات لما خلقها له.
٥١ - قال فرعون: فما شأن الأمم السابقة التي كانت على الكفر؟
x• كمال اعتناء الله بكليمه موسى عليه السلام والأنبياء والرسل، ولورثتهم نصيب من هذا الاعتناء على حسب أحوالهم مع الله.
• من الهداية العامة للمخلوقات أن تجد كل مخلوق يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عن نفسه.
• بيان فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضُمِنَت له العصمة.
• الله هو المختص بعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل.
٥٢ - قال موسى عليه السلام لفرعون: عِلْمُ ما كانت عليه تلك الأمم عند ربي، مثبت في اللوح المحفوظ، لا يخطئ ربي في علمها، ولا ينسى ما علمه منها.
٥٣ - عند ربي الذي صيَّر لكم الأرض مُمَهَّدة للعيش عليها، وجعل لكم فيها طرقًا صالحة للسير عليها، وأنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء أصنافًا من النباتات مختلفة.
٥٤ - كلوا -أيها الناس- مما أخرجنا لكم من الطيبات، وارعوا أنعامكم، إن في ذلك المذكور من النعم لدلائل على قدرة الله ووحدانيته لأصحاب العقول.
٥٥ - من تراب الأرض خلقنا أباكم آدم عليه السلام، وفيها نرجعكم بالدفن إذا مُتم، ومنها نخرجكم مرة أخرى للبعث يوم القيامة.
٥٦ - ولقد أظهرنا لفرعون آياتنا التسع كلها، وشاهدها فكذّب بها، وامتنع أن يستجيب إلى الإيمان باللهِ.
٥٧ - قال فرعون: أجئتنا لتخرجنا من مصر بما جئت به من السحر -يا موسى- ليبقى لك ملكها؟
٥٨ - فلنأتينّك -يا موسى- بسحر مثل سحرك، فاجعل بيننا وبينك موعدًا في زمان معلوم ومكان محدد، لا نتخلّف نحن ولا تتخلف أنت عنه، وليكن المكان وسطًا بين الفريقين معتدلًا.
٥٩ - قال موسى عليه السلام لفرعون: الموعد بيننا وبينكم يوم العيد حيث يجتمع الناس محتفلين بعيدهم ضحى.
٦٠ - فأدبر فرعون منصرفًا، وجمع مَكْرَهُ وحِيَلَه، ثم جاء في الزمان والمكان المحددين للمُغَالبة.
٦١ - قال موسى يعظ سحرة فرعون: احذروا، لا تختلقوا على الله كذبًا بما تخدعون به الناس من السحر فيستأصلكم بعذاب من عنده، وقد خسر من اختلق على الله الكذب.
٦٢ - فتناظر السحرة لما سمعوا كلام موسى عليه السلام، وتناجوا بينهم سرا.
٦٣ - قال بعض السحرة لبعضهم سرا: إن موسى وهارون ساحران، يريدان أن يخرجاكم من مصر بسحرهما الذي جاءا به، ويذهبا بسُنَّتكم العليا في الحياة، ومذهبكم الأرقى.
٦٤ - فاحكموا أمركم، لا تختلفوا فيه، ثم تقدموا مُصْطَفين، وارموا ما عندكم دفعة واحدة، وقد ظفر بالمطلوب اليوم من غلب خصمه.
x• إخراج أَصناف من النبات المختلفة الأنواع والألوان من الأرض دليل واضح على قدرة الله تعالى ووجود الصانع.
• ذكرت الآيات دليلين عقليين واضحين على الإعادة: إخراج النبات من الأرض بعد موتها، وإخراج المكلفين منها وإيجادهم.
• كفر فرعون كفر عناد؛ لأنه رأى الآيات عيانا لا خبرًا، واقتنع بها في أعماق نفسه.
• اختار موسى يوم العيد؛ لتعلو كلمة الله، ويظهر دينه، ويكبت الكفر، أمام الناس قاطبة في "المجمع العام ليَشِيع الخبر.
٦٥ - قال السحرة لموسى عليه السلام: يا موسى، اختر أحد أمرين: أن تكون البادئ به. لقاء ما لديك من سحر، أو نكون نحن البادئين بذلك.
٦٦ - قال موسى عليه السلام: بل اطرحوا أنتم ما لديكم أوّلًا، فطرحوا ما عندهم، فإذا حبالهم وعصيهم التي طرحوها يُخَيّل إلى موسى من سحرهم أنها ثعابين تتحرك بسرعة.
٦٧ - فأسرّ موسى في نفسه الخوف مما صنعوا.
٦٨ - قال الله لموسى عليه السلام مطمئنًا إياه: لا تخف مما خُيِّل إليك، إنك -يا موسى- أنت المُسْتَعْلِي عليهم بالغلبة والنصر.
٦٩ - واطرح العصا التي بيدك اليمنى تنقلب حية تبتلع ما صنعوه من السحر، فما صنعوه ليس إلا كيدا سحريًّا، ولا يظفر الساحر بمطلوب أين كان.
٧٠ - فطرح موسى عصاه فانقلبت حية، وابتلعت ما صنعه السحرة، فسجد السحرة لله لما علموا أن ما عند موسى ليس سحرًا، إنما هو من عند الله، قالوا: آمنا برب موسى وهارون، رب جميع المخلوقات.
٧١ - قال فرعون منكِرًا على السحرة إيمانهم ومتوعّدًا: هل آمنتم بموسى قبل أن آذن لكم بذلك؟! إن موسى لهو رئيسكم -أيها السحرة- الذي علّمكم السحر، فلأقطّعنّ من كل واحد منكم رِجْلًا ويدا مخالفا بين جهتيهما، ولأصلّبنّ أبدانكم على جذوع النخل حتى تموتوا، وتكونوا عبرة لغيركم، ولتعلمنّ عند ذلك أينا أقوى عذابًا، وأدوم: أنا أو رب موسى؟!
٧٢ - السحرة لفرعون: لن نفضّل اتّباعك -يا فرعون- على اتباع ما جاءنا من الآيات الواضحات، ولن نفضّلك على الله الذي خلقنا، فاصنع ما أنت صانع بنا، مالك سلطان علينا إلا في هذه الحياة الفانية، وسيزول سلطانك.
٧٣ - إنا آمنّا بربنا رجاء أن يمحو عنا معاصينا السالفة من الكفر وغيره، ويمحو عنا ذنب السحر الذي أجبرتنا على تعلمه وممارسته ومغالبة موسى به، والله خير جزاءً مما وعدتنا به، وأدْوَم عذابًا مما توعّدتنا به من العذاب.
٧٤ - إن الشأن والحاصل أن من يأتي ربه يوم القيامة كافرًا به أن له نار جهنم يدخلها ماكثًا فيها أبدًا، لا يموت فيها فيستريح من عذابها، ولا يحيا حياة طيبة.
٧٥ - ومن يأت ربه يوم القيامة مؤمنا به قد عمل الأعمال الصالحات فأولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة لهم المنازل الرفيعة، والدرجات العليّة.
٧٦ - تلك الدرجات هي جنات إقامة تجري الأنهار من تحت قصورها ماكثين فيها أبدًا، وذلك الجزاء المذكور جزاء كل من تطهّر من الكفر والمعاصي.
x• لا يفوز ولا ينجو الساحر حيث أتى من الأرض أو حيث احتال، ولا يحصل مقصوده بالسحر خَيرًا كان أو شرًّا.
• الإيمان يصنع المعجزات؛ فقد كان إيمان السحرة أرسخ من الجبال، فهان عليهم عذاب الدنيا، ولم يبالوا بتهديد فرعون.
• دأب الطغاة التهديد بالعذاب الشديد لأهل الحق والإمعان في ذلك للإذلال والإهانة.
٧٧ - ولقد أوحينا إلى موسى: أن سر بعبادي ليلًا من مصر حتى لا يشعر بهم أحد، واجعل لهم طريقًا في البحر يابسًا بعد ضرب البحر بالعصا، آمنًا لا تخاف أن يلحق بك فرعون وملؤه، ولا تخشى من الغرق في البحر.
٧٨ - فتبعهم فرعون مصحوبًا بجنوده، فغمره وغمر جنوده من البحر ما غمرهم مما لا يعلم حقيقته إلا الله، فغرقوا جميعًا وهلكوا، ونجا موسى ومن معه.
٧٩ - وأضلّ فرعون قومه بما حسّنه لهم من الكفر، وخدعهم به من الباطل، ولم يرشدهم إلى طريق الهداية.
٨٠ - وقلنا لبني إسرائيل بعد أن أنقذناهم من فرعون وجنوده: يا بني إسرائيل، قد أنقذناكم من عدوّكم، وواعدناكم أن نكلّم موسى بالجهة اليمنى من الوادي الواقع بجانب جبل الطور، ونزّلنا عليكم في التيه من نعمنا شرابًا حلوًا مثل العسل وطائرا صغيرًا طيب اللحم يشبه السمانى.
٨١ - كلوا من المستلذّات ممّا رزقناكم من الأطعمة الحلال، ولا تتجاوزوا ما أبحناه لكم إلى ما حرّمناه عليكم، فينزل عليكم غضبي، ومن ينزل عليه غضبي فقد هلك وشقي في الدنيا والآخرة.
٨٢ - وإني لكثير المغفرة والعفو لمن تاب إليّ وآمن، وعمل عملًا صالحًا، ثم استقام على الحق.
٨٣ - وما الذي جعلك تعجل عن قومك -يا موسى- فتتقدمهم تاركًا إياهم خلفك؟
٨٤ - قال موسى عليه السلام: ها هم ورائي وسيلحقونني، وسبقت قومي إليك لترضى عني بمسارعتي إليك.
٨٥ - قال الله: فإنا قد ابتلينا قومك الذين خلفتهم وراءك بعبادة العجل، فقد دعاهم إلى عبادته السامري، فأضلّهم بذلك.
٨٦ - فعاد موسى إلى قومه غضبان لعبادتهم العجل، حزينًا عليهم، قال موسى عليه السلام: يا قوم، أَمَا وعدكم الله وعدًا حسنًا أن ينزل عليكم التوراة، ويدخلكم الجنة، فهل طال عليكم الزمان فنسيتم؟ أم أردتم بفعلكم هذا أن ينزل عليكم غضب من ربكم، ويقع عليكم عذابه، فلذلك أخلفتم موعدي بالثبات على الطاعة حتى أرجع إليكم؟!
٨٧ - قال قوم موسى: ما أخلفنا موعدك -يا موسى- باختيار منّا، بل باضطرار، فقد حملنا أحمالًا وأثقالًا من حُلِيِّ قوم فرعون، فرميناها في حفرة للتخلص منها، فكما رميناها في الحفرة رمى السامريّ ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل عليه السلام.
x• من سُنَّة الله انتقامه من المجرمين بما يشفي صدور المؤمنين، ويقر أعينهم، ويذهب غيظ قلوبهم.
• الطاغية شؤم على نفسه وعلى قومه؛ لأنه يضلهم عن الرشد، وما يهديهم إلى خير ولا إلى نجاة.
• النعم تقتضي الحفظ والشكر المقرون بالمزيد، وجحودها يوجب حلول غضب الله ونزوله.
• الله غفور على الدوام لمن تاب من الشرك والكفر والمعصية، وآمن به وعمل الصالحات، ثم ثبت على ذلك حتى مات عليه.
• أن العجلة وإن كانت في الجملة مذمومة فهي ممدوحة في الدين.
٨٨ - فأخرج السامري من تلك الحلي لبني إسرائيل جَسَدَ عجل لا روح فيه، له صياح كصياح البقر، فقال المفتونون منهم بعمل السامري: هذا هو معبودكم ومعبود موسى، نسيه وتركه هنا.
٨٩ - أفلا يرى هؤلاء الذين فُتِنوا بالعجل فعبدوه أن العجل لا يكلمهم ولا يجيبهم، ولا يقدر على دفع ضر عنهم ولا عن غيرهم، ولا جلب نفع له، أو لغيره؟!
٩٠ - ولقد قال لهم هارون قبل رجوع موسى إليهم: ما في صياغة العجل من الذهب وخُوَارِه إلا اختبار لكم ليظهر المؤمن من الكافر، وإن ربّكم -يا قوم- هو من يملك الرحمة لا من لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا فضلًا عن أن يرحمكم، فاتبعوني في عبادته وحده، وأطيعوا أمري بترك عبادة غيره.
٩١ - قال المفتونون بعبادة العجل: لن نزال مقيمين على عبادته حتى يعود إلينا موسى.
٩٢ - قال موسى لأخيه هارون: ما الذي منعك حين رأيتهم ضلّوا بعبادة العجل من دون الله.
٩٣ - أن تتركهم وتلحق بي؟! أفعصيت أمري لك حين استخلفتك عليهم؟!
٩٤ - ولما أخذ موسى بلحية أخيه ورأسه يسحبه إليه مستنكرًا عليه صنيعه قال له هارون مستعطفا إياه: لا تمسك بلحيتي ولا بشعر رأسي، فإن لي عذرًا في بقائي معهم، فقد خفت إن تركتهم وحدهم أن يتفرّقوا، فتقول: إني فرقت بينهم، وإني لم أحفظ وصيتك فيهم.
٩٥ - قال موسى عليه السلام للسامري: فما شأنك أنت يا سامري؟ وما الذي دفعك إلى ما صنعت؟
٩٦ - قال السامري لموسى عليه السلام: رأيت ما لم يروه، فقد رأيت جبريل على فرس، فأخذت قبضة من تراب من أثر فرسه، فطرحتها على الحلي المذاب المسبوك على صورة عجل، فنشأ عن ذلك عجل جَسَد له خُوَار، وكذلك حسّنت لي نفسي ما صنعته.
٩٧ - قال موسى عليه السلام للسامري: فاذهب أنت فإن لك أن تقول ما دمت حيًّا: لا أَمَسّ ولا أُمَسّ، فتعيش منبوذًا، وإن لك موعدًا يوم القيامة تُحَاسَب فيه وتُعَاقَب، لن يخلفك الله هذا الموعد، وانظر إلى عجلك الذي اتخذته معبودك، وأقمت على عبادته من دون الله، لنشعلنّ عليه نارًا حتى ينصهر، ثم لنَذْرِينه في البحر حتى لا يبقى له أثر.
٩٨ - إنما معبودكم بحق -أيها الناس- هو الله الذي لا معبود بحق غيره، أحاط بكل شيء علمًا، فلا يفوته سبحانه علم شيء.
x• خداع الناس بتزوير الحقائق مسلك أهل الضلال.
• الغضب المحمود عند انتهاكِ محارم الله.
• في الآيات أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم، وألا يُخَالَطوا.
• في الآيات وجوب التفكر في معرفة الله تعالى من خلال مفعولاته في الكون.
٩٦ - إن الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات المرضية عند الله، سيجعل لهم الله محبة بحبه إياهم، وبتحبيبهم إلى عباده.
٩٧ - فإنما يسرنا هذا القرآن بإنزاله بلسانك -أيها الرسول- من أجل أن تبشّر به المتقين الذين يمتثلون أوامري، ويجتنبون نواهي، وتخوّف به قومًا أشداء في الخصومة والمكابرة في الإذعان للحق.
٩٨ - وما أكثر الأمم التي أهلكناها من قبل قومك، فهل تشعر اليوم بأحد من تلك الأمم؟! وهل تسمع لهم صوتًا خفيًّا؟! فما أصابهم قد يصيب غيرهم حين يأذن الله.
سورة طه
مكية
zتقوية النبي - ﷺ - لحمل الرسالة والصبر عليها.
y ١ - ﴿طه﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
٢ - ما أنزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن ليكون سببًا في إرهاق نفسك أسفًا على إعراض قومك عن الإيمان بك.
٣ - ما أنزلناه إلا ليكون تذكيرًا لمن وفقهم الله لخشيته.
٤ - نزّله الله الذي خلق الأرض، وخلق السماوات المرتفعة، فهو قرآن عظيم؛ لأنه منزل من عند عظيم.
٥ - الرحمن علا وارتفع على العرش علوًّا يليق بجلاله سبحانه وتعالى.
٦ - له سبحانه وحده ما في السماوات وما في الأرض وما تحت التراب من مخلوقات، خلقًا وملكًا وتدبيرًا.
٧ - وإن تعلن -أيها الرسول- القول، أو تخفه فإنه سبحانه يعلم ذلك كله، فهو يعلم السر وما هو أخفى من السر مثل خواطر النفس، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
٨ - الله لا معبود بحق غيره، له وحده الأسماء البالغة الكمال في الحسن.
ولما كان النبي - ﷺ - يعاني من قومه الإعراض، جاءت تسليته بقصة موسى عليه السلام، فقال سبحانه:
٩ - ولقد جاءك -أيها الرسول- خبر موسى بن عمران عليه السلام.
١٠ - حين عاين في سفره نارًا، فقال لأهله: أقيموا في مكانكم هذا، إني أبصرت نارًا لعلي آتيكم من هذه النار بشعلة، أو أجد من يهديني إلى الطريق.
١١ - فلما جاء النار ناداه الله سبحانه بقوله: يا موسى.
١٢ - إني أنا ربك فانزع نعليك استعدادًا لمناجاتي، إنك بالوادي المُطَهَّر (طُوَى).
x• ليس إنزال القرآن العظيم لإتعاب النفس في العبادة، وإذاقتها المشقة الفادحة، وإنما هو كتاب تذكرة ينتفع به الذين يخشون ربهم.
• قَرَن الله بين الخلق والأمر، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة؛ فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة.
• على الزوج واجب الإنفاق على الأهل (المرأة) من غذاء وكساء ومسكن ووسائل تدفئة وقت البرد.
٩٩ - مثل ما قصصنا عليك -أيها الرسول- خبر موسى وفرعون، وخبر قومهما نقصّ عليك أخبار من سبقوك من الأنبياء والأمم لتكون تسلية لك، وقد أعطيناك من عندنا قرآنا يتذكر به من تذكر.
١٠٠ - من أعرض عن هذا القرآن المنزل عليك فلم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه؛ فإنه يأتي يوم القيامة حاملًا إثمًا عظيمًا، ومستحقًّا عقابًا أليمًا.
١٠١ - ماكثين في ذلك العذاب دائمًا، وبئس العمل الذي يحملونه يوم القيامة.
١٠٢ - يوم ينفخ المَلَك في الصور النفخة الثانية للبعث، ونحشر الكفار في ذلك اليوم زُرْقًا لتغيّر ألوانهم وعيونهم من شدة ما لاقوه من أهوال الآخرة.
١٠٣ - يتهامسون بقولهم: ما لبثتم في البَرْزَخ بعد الموت إلا عشر ليال.
١٠٤ - نحن أعلم بما يتسارون به، لا يفوتنا منه شيء، إذ يقول أوفرهم عقلا: ما لبثتم في البَرْزَخ إلا يومًا واحدًا لا أكثر.
١٠٥ - ويسألونك -أيها الرسول- عن حال الجبال يوم القيامة، فقل لهم: الجبال يقتلعها ربي من أصولها ويُذْرِيها، فتكون هباءً.
١٠٦ - فيترك الأرض التي كانت تحملها مستوية لا بناء عليها ولا نبات.
١٠٧ - لا ترى -أيها النانظر إليها- في الأرض من تمام استوائها ميلًا ولا ارتفاعًا ولا انخفاضًا.
١٠٨ - في ذلك اليوم يتبع الناس صوت الداعي إلى المحشر، لا معدل لهم عن اتباعه، وسكتت الأصوات للرحمن رهبة، فلا تسمع في ذلك اليوم إلا صوتا خفيًّا.
١٠٩ - في ذلك اليوم العظيم لا تنفع الشفاعة من أي شافع إلا شافعًا أذن له الله أن يشفع، ورضي قوله في الشفاعة.
١١٠ - يعلم الله سبحانه ما يستقبله الناس من أمر الساعة، ويعلم ما استدبروه في دنياهم، ولا يحيط جميع العباد بذات الله وصفاته علمًا.
١١١ - ودلّت وجوه العباد، واستكانت للحي الذي لا يموت، القائم بأمور عباده بتدبيرها وتصريفها، وقد خسر من حمل الإثم بإراده نفسه موارد الهلاك.
١١٢ - ومن يعمل الأعمال الصالحة وهو مؤمن بالله ورسله فسينال جزاءه وافيًا، ولا يخاف ظلمًا بأن يعذّب بذنب لم يفعله، ولا نقصًا لثواب عمله الصالح.
١١٣ - ومثل ما أنزلنا من قصص السابقين أنزلنا هذا القرآن بلسان عربي مبين، وبيَّنا فيه أنواع الوعيد من تهديد وتخويف؟ رجاء أن يخافوا الله، أو ينشئ لهم القرآن موعظة واعتبارًا.
x• القرآن العظيم كله تذكير ومواعظ للأمم والشعوب والأفراد وشرف وفخر للإنسانية.
• لا تنفع الشفاعة أحدًا إلا شفاعة من أذن له الرحمن، ورضي قوله في الشفاعة.
• القرآن مشتمل على أحسن ما يكون من الأحكام التي تشهد العقول والفطر بحسنها وكمالها.
• من آداب التعامل مع القرآن تلقيه بالقبول والتسليم والتعظيم، والاهتداء بنوره إلى الصراط المستقيم، والإقبال عليه بالتعلم والتعليم.
• ندم المجرمين يوم القيامة حيث ضيعوا الأوقات الكثيرة، وقطعوها ساهين لاهين، معرضين عما ينفعهم، مقبلين على ما يضرهم.
١١٤ - فتعالى الله وتقدّس وجَلَّ، الملك الذي له ملك كل شيء، الذي هو حق وقوله حق، تعالى عما يصفه به المشركون، ولا تسرع -أيها السول- بقراءة القرآن مع جبريل قبل أن ينهي إليك إبلاغه، وقيل: رب زدني علمًا إلى ما علّمتني.
ولما ذكر الله قصة موسى وما اشتملت عليه من إعراض فرعون وغفلة بني إسرائيل، ذكر قصة آدم عليه السلام حثًّا على رجوع من نسي إلى طاعة الله فقال:
١١٥ - ولقد وصينا آدم من قبل بعدم الأكل من الشجرة، ونهيناه عن ذلك، وبيّنا له عاقبته، فنسي الوصية وأكل من الشجرة، ولم يصبر عنها، ولم نر له قوة عزم على حفظ ما وصيناه به.
١١٦ - واذكر -أيها الرسول- إذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم سجود تحية، فسجدوا كلهم إلا إبليس -الذي كان معهم ولم يكن منهم- امتنع من السجود تكبرًا.
١١٧ - فقلنا: يا آدم، إن إبليس عدوّ لك وعدو لزوجك، فلا يخرجنّك أنت وزوجك من الجنة بطاعته فيما يوسوس به، فتتحمّل أنت المشاقّ والمكاره.
١١٨ - إن لك على الله أن يطعمك في الجنة فلا تجوع، ويكسوك فلا تعرى.
١١٩ - وأن يسقيك فلا تعطش، ويظلك فلا يصيبك حر الشمس.
١٢٠ - فوسوس الشيطان إلى آدم، وقال له: هل أرشدك إلى شجرة مَنْ أكل منها لا يموت أبدًا، بل يبقى حيًّا مُخَلدا، ويملك ملكًا مستمرا لا ينقطع ولا ينتهي؟!
١٢١ - فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نُهِيا عن الأكل منها، فظهرت لهما عوراتهما بعد أن كانت مستورة، وشرَعا ينزعان من أوراق شجر الجنة، ويستران بها عوراتهما، وخالف آدم أمر ربه إذ لم يمتثل أمره باجتناب الأكل من الشجرة، فتعدّى إلى ما لا يجوز له.
١٢٢ - ثم اختاره الله وقبل توبته، ووفّقه إلى الرشاد.
١٢٣ - قال الله لآدم وحواء: انزلا من الجنة أنتما وإبليس، فهو عدو لكما وأنتما عدوان له، فإن جاءكم مني بيان لسبيلي: فمن اتبع منكم بيان سبيلي وعمل به ولم ينحرف عنه؛ فلا يضلّ عن الحق، ولا يشقى في الآخرة بالعذاب، بل يدخله الله الجنة.
١٢٤ - ومن تولّى عن ذكري ولم يقبله، ولم يستجب له فإن له معيشة ضيقة في الدنيا وفي البَرْزَخ، ونسوقه إلى المحشر يوم القيامة فاقد البصر والحجة.
١٢٥ - يقول هذا المُعْرِض عن الذكر: يا رب، لم حشرتني اليوم أعمى، وقد كنت في الدنيا بصيرًا.
x• الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المُمْلِي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض.
• نسي آدم فنسيت ذريته، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة فغفر الله له، ومن يشابه أباه فما ظلم.
• فضيلة التوبة؛ لأن آدم عليه السلام كان بعد التوبة أحسن منه قبلها.
• المعيشة الضنك في دار الدنيا، وفي دار البَرْزَخ، وفي الدار الآخرة لأهل الكفر والضلال.
١٢٦ - قال الله تعالى ردًّا عليه: مثل ذلك فعلتَه في الدنيا، فقد جاءتك آياتنا فأعرضت عنها وتركتها، وكذلك فإنك تُتْرَك اليوم في العذاب.
١٢٧ - ومثل هذا الجزاء نجزي من انهمك في الشهوات المحرَّمة، وأعرض عن الإيمان بالدلائل الواضحة من ربه. ولعذاب الله في الآخرة أفظع وأقوى من المعيشة الضنْك في الدنيا والبَرْزَخ وأدوم.
١٢٨ - أفلم يتبيّن للمشركين كثرة الأمم التي أهلكناها من قبلهم، يمشون في مساكن تلك الأمم المُهْلَكة، ويعاينون آثار ما أصابهم؟ إن فيما أصاب تلك الأمم الكثيرة من الهلاك والدمار لعبرًا لأصحاب العقول.
١٢٩ - ولولا كلمة سبقت من ربك -أيها الرسول- أنه لا يعذّب أحدًا قبل إقامة الحجة عليه، ولولا أجل مُقَدَّر عنده لهم لعاجلهم العذاب؛ لاستحقاقهم إياه.
١٣٠ - فاصبر -أيها الرسول- على ما يقوله المكذبون بك من أوصاف باطلة، وسبّح بحمد ربك في صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وفي صلاة العصر قبل غروبها، وفي صلاة المغرب والعشاء من ساعات الليل، وفي صلاة الظهر عند الزوال بعد نهاية الطرف الأول من النهار وفي صلاة المغرب بعد نهاية الطرف الثاني منه؛ رجاء أن تنال عند الله من الثواب ما ترضى به.
١٣١ - ولا تنظر إلى ما جعلناه لأصناف هؤلاء المكذبين متعة يتمتعون بها من زهرة الحياة الدنيا لنختبرهم، فإن ما جعلناه لهم من ذلك زائل، وثواب ربّك الذي وعدك به حتى ترضى خير مما متّعهم به في الدنيا من متع زائلة وأدوم؛ لأنه لا ينقطع.
١٣٢ - وأمُرْ -أيها الرسول- أهلك بأداء الصلاة، واصطبر أنت على أدائها، لا نطلب منك رزقًا لنفسك ولا لغيرك، نحن نتكفّل برزقك، والعاقبة المحمودة في الدنيا والآخرة لأصحاب التقوى الذين يخافون الله، فيمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه.
١٣٣ - وقال هؤلاء الكفار المكذبون بالنبي - ﷺ -: هلا يأتينا محمَّد بعلامة من ربه تدلّ على صدقه وأنه رسول، أَوَلم يأت هؤلاء المكذبين القرآنُ الذي هو تصديق للكتب السماوية من قبله؟!
١٣٤ - ولو أنَّا أهلكنا هؤلاء المكذبين بالنبي - ﷺ - بإنزال عذاب عليهم لكفرهم وعنادهم قبل أن نرسل إليهم رسولًا، وننزل عليهم كتابًا لقالوا يوم القيامة معتذرين عن كفرهم: هلا أرسلت -ربنا- إلينا رسولًا في الدنيا، فنؤمن به ونتبع ما جاء به من آيات من قبل أن يحل بنا الهوان والخزي بسبب عذابك؟!
١٣٥ - قل -أيها الرسول- لهؤلاء. المكذبين: كل واحد منّا ومنكم منتظر ما يُجْزيه الله، فانتظروا أنتم، فستعلمون -لا محالة- مَن أصحاب الطريق المستقيم، ومَن المهتدون: نحن أم أنتم؟
x• من الأسباب المعينة على تحمل إيذاء المعرضين استثمار الأوقات الفاضلة في التسبيح بحمد الله.
• ينبغي على العبد إذا رأى من نفسه طموحًا إلى زينة الدنيا وإقبالًا عليها أن يوازن بين زينتها الزائلة ونعيم الآخرة الدائم.
• على العبد أن يقيم الصلاة حق الإقامة، وإذا حَزَبَهُ أمْر صلى وأمَر أهله بالصلاة، وصبر عليهم تأسيًّا بالرسول - ﷺ -.
• العاقبة الجميلة المحمودة هي الجنة لأهل التقوى.
Icon