تفسير سورة طه

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة طه من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية وهي مائة وأربعة، وقيل خمس وثلاثون آية وألف وستمائة وإحدى وأربعون كلمة وخمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفا. عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت السورة التي فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة " النافلة : الزيادة وفقنا الله لفهم ذلك.

سورة طه
وهي مكية وهي مائة وأربعة، وقيل خمس وثلاثون آية وألف وستمائة وإحدى وأربعون كلمة وخمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفا. عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «أعطيت السورة التي فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة» النافلة: الزيادة وفقنا الله لفهم ذلك.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة طه (٢٠): الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤)
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦)
قوله عز وجل طه قيل هو قسم أقسم الله بطوله وهدايته، وقيل هو من أسماء الله فالطاء افتتاح اسمه طاهر والهاء افتتاح اسمه هاد. وقيل معناه يا رجل والمراد به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكذلك يا إنسان، وقيل هو بالسريانية، وقيل بالقبطية، فعلى هذا يكون قد وافقت لغة العرب هذه اللغات في هذه الكلمة، وقيل هو يا إنسان بلغة عك وعك قبيلة من قبائل العرب، وقيل معناه طا الأرض بقدميك يريد به في التهجد وذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه، وكان يصلي الليل كله فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال تعالى طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.
وقيل لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى أي لتتعنى وتتعب إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى أي لكن أنزلنا عظة لمن يخشى وإنما خص من يخشى بالتذكرة لأنهم هم المنتفعون بها تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى أي من الله الذي خلق الأرض والسموات العلية الرفيعة التي لا يقدر على خلقها في عظمتها وعلوها إلا الله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى تقدم الكلام عليه في سورة الأعراف مستوفى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يعني الهواء وَما تَحْتَ الثَّرى أي إنه مالك لجميع ما في الأربعة الأقسام، والثرى هو التراب الندي وقيل معناه ما وراء الثرى من شيء. وقال ابن عباس: إن الأرضين على ظهور النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكرها الله تعالى في قصة لقمان، والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ولا يعلم ما تحت ذلك الثرى إلا الله تعالى، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست. قوله تعالى:
[سورة طه (٢٠): الآيات ٧ الى ١٤]
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤)
200
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ أي تعلن به فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى قال ابن عباس: السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك لا تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غدا والله يعلم ما أسررت به اليوم وما تسر به غدا، وعنه أن السر ما أسر به ابن آدم في نفسه وأخفى ما هو فاعله قبل أن يعلمه، وقيل السر ما أسره الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسره في نفسه، وقيل السر هو العمل الذي يسر من الناس وأخفى هو الوسوسة، وقيل السر أن يعلم الله تعالى أسرار العباد وأخفى هو سره من عباده فلا يعلم أحد سره، وقيل: مقصود الآية زجر المكلف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة والترغيب في الطاعات ظاهرة كانت أو باطنة، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السر والإخفاء على ما فيه ثواب أو عقاب، فالسر هو الذي يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها والإخفاء هو الذي لم يبلغ حد العزيمة ثم وحد نفسه فقال تعالى اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى تأنيث الأحسن والذي فضلت به أسماؤه في الحسن دون سائر الأسماء، دلالتها على معنى التقديس والتحميد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
قوله عز وجل: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى أي وقد أتاك لما قدم ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفاه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود إِذْ رَأى ناراً وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر ليزور والدته وأخاه فأذن له، فخرج بأهله وماله وكانت أيام الشتاء فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل في شهرها لا يدري أليلا تضع أم نهارا، فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن، وذلك في ليلة مظلمة مثلجة شاتية شديدة البرد لما أراد الله من كرامته فأخذ امرأته الطلق فأخذ زنده فجعل يقدح فلا يورى فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أي أقيموا إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي أبصرت نارا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أي شعلة من نار في طرف عود أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً أي أجد عند النار من يدلني على الطريق فَلَمَّا أَتاها أي أتى النار ورأى شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها أطافت بها نارا بيضاء تتقد كأضوء ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار، قيل كانت الشجرة ثمرة خضراء وقيل كانت من العوسج، وقيل كانت من العليق وقيل كانت شجرة من العناب، روي ذلك عن ابن عباس وقال أهل التفسير لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا ذكر بلفظ النار لأن موسى عليه الصلاة والسلام حسبه نارا.
قال ابن عباس: هو من نور الرب سبحانه وتعالى، وقيل هي النار بعينها وهي إحدى حجب الرب تبارك وتعالى، يدل عليه ما روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حجابه النار لو كشفها لأهلكت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» أخرجه مسلم قيل إن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت عنه، وإذا نأى دنت منه، فوقف متحيرا وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة فعند ذلك نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ قال وهب: نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا وما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك منك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله تعالى فأيقن به، وقيل إنه سمعه بكل أجزائه حتى إن كل جارحة منه كانت أذنا وقوله
201
لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه، وكان يصلي الليل كله فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال تعالى ﴿ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾.
وقيل لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت ﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ أي لتتعنى وتتعب.
﴿ إلا تذكرة لمن يخشى ﴾ أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى وإنما خص من يخشى بالتذكرة لأنهم هم المنتفعون بها.
﴿ تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى ﴾ أي من الله الذي خلق الأرض والسموات العلية الرفيعة التي لا يقدر على خلقها في عظمتها وعلوها إلا الله تعالى.
﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ تقدم الكلام عليه في سورة الأعراف مستوفى.
﴿ له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما ﴾ يعني الهواء ﴿ وما تحت الثرى ﴾ أي إنه مالك لجميع ما في الأربعة الأقسام، والثرى هو التراب الندي وقيل معناه ما وراء الثرى من شيء. وقال ابن عباس : إن الأرضين على ظهور النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكرها الله تعالى في قصة لقمان، والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ولا يعلم ما تحت ذلك الثرى إلا الله تعالى، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله البحار بحراً واحداً سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست.
قوله تعالى :﴿ وإن تجهر بالقول ﴾ أي تعلن به ﴿ فإنه يعلم السر وأخفى ﴾ قال ابن عباس : السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك لا تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غداً والله يعلم ما أسررت به اليوم وما تسر به غداً، وعنه أن السر ما أسر به ابن آدم في نفسه وأخفى ما هو فاعله قبل أن يعلمه، وقيل السر ما أسره الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسره في نفسه، وقيل السر هو العمل الذي يسر من الناس وأخفى هو الوسوسة، وقيل السر أن يعلم الله تعالى أسرار العباد وأخفى هو سره من عباده فلا يعلم أحد سره، وقيل : مقصود الآية زجر المكلف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة والترغيب في الطاعات ظاهرة كانت أو باطنة، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السر والإخفاء على ما فيه ثواب أو عقاب، فالسر هو الذي يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها والإخفاء هو الذي يبلغ حد العزيمة.
وحد نفسه فقال تعالى ﴿ الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ﴾ تأنيث الأحسن والذي فضلت به أسماؤه في الحسن دون سائر الأسماء، دلالتها على معنى التقديس والتحميد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
قوله عز وجل ﴿ وهل أتاك حديث موسى ﴾ أي وقد أتاك لما قدم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قفاه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود.
﴿ إذ رأى ناراً ﴾ وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر ليزور والدته وأخاه فأذن له، فخرج بأهله وماله وكانت أيام الشتاء فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل في شهرها لا يدري أليلاً تضع أم نهاراً، فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن، وذلك في ليلة مظلمة مثلجة شاتية شديدة البرد لما أراد الله من كرامته فأخذ امرأته الطلق فأخذ زنده فجعل يقدح فلا يورى فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ﴿ فقال لأهله امكثوا ﴾ أي أقيموا ﴿ إني أنست ناراً ﴾ أي أبصرت ناراً ﴿ لعلي أتيكم منها بقبس ﴾ أي شعلة من نار في طرف عود ﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ أي أجد عند النار من يدلني على الطريق.
﴿ فلما أتاها ﴾ أي أتى النار ورأى شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها أطافت بها ناراً بيضاء تتقد كأضوء ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار، قيل كانت الشجرة ثمرة خضراء وقيل كانت من العوسج، وقيل كانت من العليق وقيل كانت شجرة من العناب، روي ذلك عن ابن عباس وقال أهل التفسير لم يكن الذي رآه موسى ناراً بل كان نوراً ذكر بلفظ النار لأن موسى عليه الصلاة والسلام حسبه ناراً.
قال ابن عباس : هو من نور الرب سبحانه وتعالى، وقيل هي النار بعينها وهي إحدى حجب الرب تبارك وتعالى، يدل عليه ما روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« حجابه النار لو كشفها لأهلكت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » أخرجه مسلم قيل إن موسى أخذ شيئاً من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت عنه، وإذا نأى دنت منه، فوقف متحيراً وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة.
نودي يا موسى ﴿ إني أنا ربك ﴾ قال وهب : نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعاً وما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت ؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك منك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله تعالى فأيقن به، وقيل إنه سمعه بكل أجزائه حتى إن كل جارحة منه كانت أذناً وقوله ﴿ فاخلع نعليك ﴾ كان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعاً في قوله فاخلع نعليك قال كانتا من جلد حمار ميت.
ويروى غير مدبوغ وإنما أمر بخلعها صيانة للوادي المقدس، وقيل أمر بخلعهما ليباشر بقدميه تراب الأرض المقدسة لتناله بركتها فإنها قدست مرتين فخلعها موسى فألقاهما من وراء الوادي ﴿ إنك بالواد المقدس ﴾ أي المطهر ﴿ طوى ﴾ اسم للوادي الذي حصل فيه وقيل طوى واد مستدير عميق مثل المطوي في استدارته.
﴿ وأنا اخترتك ﴾ اصطفيتك برسالاتي وبكلامي ﴿ فاستمع لما يوحى ﴾ فيه نهاية الهيبة والجلال له فكأنه قال له لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له.
﴿ إنني إنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ﴾ ولا تعبد غيري ﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ أي لتذكرني فيها وقيل لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، وقيل لإخلاص ذكري وطلب وجهي ولا ترائي فيها ولا تقصد بها غرضاً آخر، وقيل معناه إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمها، ( ق ) عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك » وتلا قتادة ﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ وفي رواية :« إذا رقد أحدكم في الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول ﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ ».
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ كان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعا في قوله فاخلع نعليك قال كانتا من جلد حمار ميت.
ويروى غير مدبوغ وإنما أمر بخلعها صيانة للوادي المقدس، وقيل أمر بخلعهما ليباشر بقدميه تراب الأرض المقدسة لتناله بركتها فإنها قدست مرتين فخلعها موسى فألقاهما من وراء الوادي إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ أي المطهر طُوىً اسم للوادي الذي حصل فيه وقيل طوى واد مستدير عميق مثل المطوي في استدارته وَأَنَا اخْتَرْتُكَ اصطفيتك برسالاتي وبكلامي فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى فيه نهاية الهيبة والجلال له فكأنه قال له لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ولا تعبد غيري وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي أي لتذكرني فيها وقيل لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، وقيل لإخلاص ذكري وطلب وجهي ولا ترائي فيها ولا تقصد بها غرضا آخر، وقيل معناه إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمها، (ق) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» وتلا قتادة وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وفي رواية: «إذا رقد أحدكم في الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٥ الى ٢٣]
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩)
فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها قال أكثر المفسرين: معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق وكيف أظهرها لكم، ذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في الكتمان للشيء يقولون كتمت سرك في نفسي، أي أخفيته غاية الإخفاء، والله تعالى لا يخفى عليه شيء. والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت على الإنسان لأنه إذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب من ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت الموت، وأنه إذا لم يعرف وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت مخافة معاجلة الأجل.
قوله تعالى لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى أي بما تعمل من خير وشر فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها أي فلا يصرفك عن الإيمان بالساعة ومجيئها من لا يؤمن بها وَاتَّبَعَ هَواهُ أي مراده وخالف أمر الله فَتَرْدى أي فتهلك. قوله عز وجل وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى سؤال تقرير والحكمة فيه تنبيهه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة قالَ هِيَ عَصايَ قيل كان لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن واسمها نبعة أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أي أعتمد عليها إذا مشيت وإذا عييت وعند الوثبة وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي أي أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى أي حاجة ومنافع أخرى، وأراد بالمآرب ما كان يستعمل فيه العصا في السفر فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل ويستقي بها الماء من البئر ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ويستظل بها إذا قعد، وروي عن ابن عباس أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه وتحدثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج له ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وكان إذا اشتهى ثمرة ركزها فتصير غصن تلك الشجرة وتورق وتثمر، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كدلو حتى يستقي، وكانت تضيء بالليل كالسراج وإذا ظهر له
﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ أي فلا يصرفك عن الإيمان بالساعة ومجيئها من لا يؤمن بها ﴿ واتبع هواه ﴾ أي مراده وخالف أمر الله ﴿ فتردى ﴾ أي فتهلك.
قوله عز وجل ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ سؤال تقرير والحكمة فيه تنبيهه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة.
﴿ قال هي عصاي ﴾ قيل كان لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن واسمها نبعة ﴿ أتوكأ عليها ﴾ أي أعتمد عليها إذا مشيت وإذا عييت وعند الوثبة ﴿ وأهش بها على غنمي ﴾ أي أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم ﴿ ولي فيها مآرب أخرى ﴾ أي حاجة ومنافع أخرى، وأراد بالمآرب ما كان يستعمل فيه العصا في السفر فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل ويستقي بها الماء من البئر ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ويستظل بها إذا قعد وروي عن ابن عباس أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه وتحدثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج له ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وكان إذا اشتهى ثمرة ركزها فتصير غصن تلك الشجرة وتورق وتثمر، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كدلو حتى يستقي، وكانت تضيء بالليل كالسراج وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه.
﴿ قال ﴾ الله تعالى ﴿ ألقها يا موسى ﴾ أي انبذها واطرحها.
قال وهب : ظن موسى أنه يقول ارفضها.
﴿ فألقاها ﴾ أي فطرحها على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة ﴿ فإذا هي حية ﴾ صفراء من أعظم ما يكون من الحيات ﴿ تسعى ﴾ أي تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر كأنها جان، وهي الحية الصغيرة الجسم الخفيفة وقال في موضع آخر ثعبان وهو أكبر ما يكون من الحيات ووجه الجمع أن الحية اسم جامع للكبير والصغير والذكر والأنثى فالجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعباناً وهو انتهاء حالها، وقيل إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان، قال محمد بن إسحاق : نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات، وصارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقاً وعرفاً يهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخفة من الإبل، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ويسمع لأنيابها صريفاً عظيماً، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبراً وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف.
﴿ قال خذها ﴾ يعني بيمينك ﴿ ولا تخف ﴾ قيل كان خوفه لما عرف ما لقي آدم من الحية، وقيل لما قال له ربه لا تخف بلغ من طمأنينة نفسه وذهاب الخوف عنه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها ﴿ سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أي إلى هيئتها فنردها عصاً كما كانت، وقيل كان على موسى مدرعة صوف قد خللها بعود فلما قال الله تعالى خذها لف طرف المدرعة على يده فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشفها. وذكر بعضهم أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك أرأيت لو أمر الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً ؟ ؟ قال : لا ولكني ضعيف من ضعف خلقت. قال فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتيها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ.
قال المفسرون : أراد الله تعالى أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق ولئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون.
قوله تعالى ﴿ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ يعني إلى إبطك وقيل تحت عضدك ﴿ تخرج بيضاء ﴾ يعني نيرة مشرقة ﴿ من غير سوء ﴾ يعني من غير عيب والسوء ها هنا بمعنى البرص قال ابن عباس : كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر ﴿ آية أخرى ﴾ أي دلالة أخر على صدقك سوى العصا.
﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ قال ابن عباس : كانت يد موسى أكبر آياته.
عدو كانت تحارب وتناضل عنه قالَ الله تعالى أَلْقِها يا مُوسى أي انبذها واطرحها.
قال وهب: ظن موسى أنه يقول ارفضها فَأَلْقاها أي فطرحها على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ صفراء من أعظم ما يكون من الحيات تَسْعى أي تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر كأنها جان، وهي الحية الصغيرة الجسم الخفيفة وقال في موضع آخر ثعبان وهو أكبر ما يكون من الحيات ووجه الجمع أن الحية اسم جامع للكبير والصغير والذكر والأنثى فالجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعبانا وهو انتهاء حالها، وقيل إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان، قال محمد بن إسحاق: نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات، وصارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقا وعرفا يهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخفة من الإبل، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ويسمع لأنيابها صريفا عظيما، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبرا وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف قالَ خُذْها يعني بيمينك وَلا تَخَفْ قيل كان خوفه لما عرف ما لقي آدم من الحية، وقيل لما قال له ربه لا تخف بلغ من طمأنينة نفسه وذهاب الخوف عنه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى أي إلى هيئتها فنردها عصا كما كانت، وقيل كان على موسى مدرعة صوف قد خللها بعود فلما قال الله تعالى خذها لف طرف المدرعة على يده فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشفها. وذكر بعضهم أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك أرأيت لو أمر الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟؟ قال: لا ولكني ضعيف من ضعف خلقت. قال فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتيها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ. قال المفسرون:
أراد الله تعالى أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق ولئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون قوله تعالى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ يعني إلى إبطك وقيل تحت عضدك تَخْرُجْ بَيْضاءَ يعني نيرة مشرقة مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني من غير عيب والسوء ها هنا بمعنى البرص قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر آيَةً أُخْرى أي دلالة أخر على صدقك سوى العصا لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى قال ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته. قوله عز وجل:
[سورة طه (٢٠): الآيات ٢٤ الى ٤٠]
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣)
وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠)
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى يعني جاوز الحد في العصيان والتمرد وإنما خص فرعون بالذكر مع أن موسى كان مبعوثا إلى الكل لأنه ادعى الإلهية وتكبر متبوعا فكان ذكره الأولى قال وهب: قال الله تعالى لموسى اسمع كلامي واحفظ وصيتي وانطلق برسالتي وإنك بعيني وسمعي وإن معك يدي وبصري وإني ألبسك حلة من
203
سلطاني تستكمل بها القوة في أمري بعثتك بعزتي لولا الحجة التي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار ولكن هان علي وسقط من عيني فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لا يغتر بلباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ولا يتنفس إلا بعلمي قال فسكت موسى فجاء ملك وقال له أجب ربك قالَ.
يعني موسى رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي يعني وسعه للحق، قال ابن عباس: يريد حتى لا أخاف غيرك، وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده، فكان يضيق بما كلف من مقاومة فرعون وحده، فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله تعالى، وإذا علم ذلك لم يخف من فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي أي سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي وذلك أن موسى كان في حجرة فرعون ذات يوم في صغره فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته، فقال فرعون لامرأته آسية إن هذا عدوي وأراد أن يقتله، فقالت له آسية إنه صبي لا يعقل، وقيل إن أم موسى لما فطمته ردته إلى فرعون فنشأ في حجره وحجر امرأته يربيانه واتخذاه ولدا، فبينما هو يلعب بين يدي فرعون وبيده قضيب إذ رفعه فضرب به رأس فرعون فغضب فرعون وتطير منه حتى همّ بقتله، فقالت آسية: أيها الملك إنه صبي لا يعقل جربه إن شئت، فجاءت بطشتين في أحدهما جمر وفي الآخر جوهر فوضعهما بين يدي موسى، فأراد أن يأخذ الجوهر فأخذ جبريل يد موسى فوضعها على الجمر فأخذ جمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت فيه عقدة يَفْقَهُوا قَوْلِي يعني احلل العقدة كي يفهموا قولي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي يعني معينا وظهيرا، والوزير من يوازرك ويحتمل عنك بعض ثقل عملك ثم بين من هو فقال هارُونَ أَخِي وكان هارون أكبر من موسى وأفصح لسانا وأجمل وأوسم وكان أبيض اللون وكان موسى آدم أقنى جعدا اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي يعني قو به ظهري وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي يعني في أمر النبوة وتبليغ الرسالة كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً يعني نصلي كثيرا وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً يعني نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من جميل نعمك إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً يعني خبيرا عليما قالَ الله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى أي أعطيت جميع ما سألته وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى يعني قيل هذه المرة ثم بين تلك المنة بقوله تعالى إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى يعني ما يلهم ثم فسر ذلك الإلهام وعدد نعمه عليه فقال أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ يعني ألهمناها أن اجعليه في التابوت فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ يعني نهر النيل فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يعني شاطئ البحر يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ يعني فرعون.
فأخذت تابوتا وجعلت فيه قطنا ووضعت فيه موسى، وقيرت رأسه وشقوقه ثم ألقته في النيل. وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون. فبينما فرعون جالس على البركة مع امرأته آسية، إذ هو بتابوت يجيء به الماء فأمر الغلمان والجواري بإخراجه، فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا بصبي من أصبح الناس وجها، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك نفسه وعقله فذلك قوله تعالى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي قال ابن عباس: أحبه وحببه إلى خلقه، قيل ما رآه أحد إلا أحبه لملاحة كانت في عيني موسى وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به ونظر إليه إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ واسمها مريم متعرفة خبره فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ أي على امرأة ترضعه وتضمه إليها، وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة فلما قالت لهم أخته ذلك قالوا نعم. فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله تعالى فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها أي بلقائك ورؤيتك وَلا تَحْزَنَ أي وليذهب عنها الحزن وَقَتَلْتَ نَفْساً.
قال ابن عباس: كان قتل قبطيا كافرا قيل كان عمره إذ ذاك اثنتي عشرة سنة فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ أي من غم القتل وكربه وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً قال ابن عباس: اختبرناك اختبارا وقيل ابتليناك ابتلاء، قال ابن عباس: الفتون وقوعه في محنة بعد محنة وخلصه الله تعالى، منها أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم
204
﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ رب اشرح لي صدري ﴾ يعني وسعه للحق، قال ابن عباس : يريد حتى لا أخاف غيرك، وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفاً شديداً لشدة شوكته وكثرة جنوده، فكان يضيق بما كلف من مقاومة فرعون وحده، فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحداً لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله تعالى، وإذا علم ذلك لم يخف من فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده.
﴿ ويسر لي أمري ﴾ أي سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون.
﴿ واحلل عقدة من لساني ﴾ وذلك أن موسى كان في حجرة فرعون ذات يوم في صغره فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته، فقال فرعون لامرأته آسية إن هذا عدوي وأراد أن يقتله، فقالت له آسية إنه صبي لا يعقل، وقيل إن أم موسى لما فطمته ردته إلى فرعون فنشأ في حجره وحجر امرأته يربيانه واتخذاه ولداً، فبينما هو يلعب بين يدي فرعون وبيده قضيب إذ رفعه فضرب به رأس فرعون فغضب فرعون وتطير منه حتى همَّ بقتله، فقالت آسية : أيها الملك إنه صبي لا يعقل جربه إن شئت، فجاءت بطشتين في أحدهما جمر وفي الآخر جوهر فوضعهما بين يدي موسى، فأراد أن يأخذ الجوهر فأخذ جبريل يد موسى فوضعها على الجمر فأخذ جمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت فيه عقدة.
﴿ يفقهوا قولي ﴾ يعني احلل العقدة كي يفهموا قولي.
﴿ واجعل لي وزيراً من أهلي ﴾ يعني معيناً وظهيراً، والوزير من يوازرك ويحتمل عنك بعض ثقل عملك ثم بين من هو.
قال ﴿ هارون أخي ﴾ وكان هارون أكبر من موسى وأفصح لساناً وأجمل وأوسم وكان أبيض اللون وكان موسى آدم أقنى جعداً.
﴿ اشدد به أزري ﴾ يعني قو به ظهري.
﴿ وأشركه في أمري ﴾ يعني في أمر النبوة وتبليغ الرسالة.
﴿ كي نسبحك كثيراً ﴾ يعني نصلي كثيراً.
﴿ ونذكرك كثيراً ﴾ يعني نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من جميل نعمك.
﴿ إنك كنت بنا بصيراً ﴾ يعني خبيراً عليماً.
﴿ قال ﴾ الله تعالى ﴿ قد أوتيت سؤلك يا موسى ﴾ أي أعطيت جميع ما سألته.
﴿ ولقد مننا عليك مرة أخرى ﴾ يعني قيل هذه المرة بين تلك المنة.
قوله تعالى ﴿ إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ﴾ يعني ما يلهم ثم فسر ذلك الإلهام وعدد نعمه عليه في الآية التالية.
قال ﴿ أن اقذفيه في التابوت ﴾ يعني ألهمناها أن اجعليه في التابوت ﴿ فاقذفيه في اليم ﴾ يعني نهر النيل ﴿ فليلقه اليم بالساحل ﴾ يعني شاطئ البحر ﴿ يأخذه عدو لي وعدو له ﴾ يعني فرعون.
فأخذت تابوتاً وجعلت فيه قطناً ووضعت فيه موسى، وقيرت رأسه وشقوقه ثم ألقته في النيل. وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون. فبينما فرعون جالس على البركة مع امرأته آسية، إذ هو بتابوت يجيء به الماء فأمر الغلمان والجواري بإخراجه، فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا بصبي من أصبح الناس وجهاً، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك نفسه وعقله فذلك قوله تعالى ﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾ قال ابن عباس : أحبه وحببه إلى خلقه، قيل ما رآه أحد إلا أحبه لملاحة كانت في عيني موسى ﴿ ولتصنع على عيني ﴾ لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك مراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به ونظر إليه.
﴿ إذ تمشي أختك ﴾ واسمها مريم متعرفة خبره ﴿ فتقول هل أدلكم على من يكفله ﴾ أي على امرأة ترضعه وتضمه إليها، وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة فلما قالت لهم أخته ذلك قالوا نعم. فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله تعالى ﴿ فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ﴾ أي بلقائك ورؤيتك ﴿ ولا تحزن ﴾ أي وليذهب عنها الحزن ﴿ وقتلت نفساً ﴾. قال ابن عباس : كان قتل قبطياً كافراً قيل كان عمره إذ ذاك اثنتي عشرة سنة ﴿ فنجيناك من الغم ﴾ أي من غم القتل وكربه ﴿ وفتناك فتوناً ﴾ قال ابن عباس : اختبرناك اختباراً وقيل ابتليناك ابتلاء، قال ابن عباس : الفتون وقوعه في محنة بعد محنة وخلصه الله تعالى، منها أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم قتله، ثم ناوله الجمرة بدل الجوهرة، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفاً ﴿ فلبثت ﴾ أي مكثت ﴿ سنين في أهل مدين ﴾ هي بلدة شعيب على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى قال وهب : لبث موسى عند شعيب. ثمانياً وعشرين سنة عشر سنين منها يرعى الغنم مهر زوجته صفوراء ابنة شعيب وثمان عشرة سنة أقام عنده بعد ذلك حتى ولد له وخرج من مصر ابن اثنتي عشرة سنة هارباً ﴿ ثم جئت على قدر يا موسى ﴾ أي جئت على القدر الذي قدرت أن تجيء فيه. قيل على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحى إلى الأنبياء فيه.
إلقاؤه في البحر في التابوت، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم قتله، ثم ناوله الجمرة بدل الجوهرة، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفا فَلَبِثْتَ أي مكثت سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ هي بلدة شعيب على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى قال وهب: لبث موسى عند شعيب. ثمانيا وعشرين سنة عشر سنين منها يرعى الغنم مهر زوجته صفوراء ابنة شعيب وثمان عشرة سنة أقام عنده بعد ذلك حتى ولد له وخرج من مصر ابن اثنتي عشرة سنة هاربا ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى أي جئت على القدر الذي قدرت أن تجيء فيه. قيل على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحى إلى الأنبياء فيه.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٤١ الى ٤٨]
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥)
قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على إرادتي ومحبتي. وذلك أن قيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته. وقيل معناه اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني الذي أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي أي بدلائلي. قال ابن عباس:
يعني الآيات التسع الذي بعث بها موسى عليه السلام وَلا تَنِيا أي لا تضعفا وقيل لا تفترا ولا تقصرا فِي ذِكْرِي أي لا تقصرا في ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما ومن ذكر النعمة شكرها اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي دارياه وارفقا به. قال ابن عباس: لا تعنفا في قولكما، وقيل كنياه فقولا له يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقيل أراد بالقول اللين قوله هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وقيل الآية إنما أمرهما باللطافة لماله من حق تربية موسى، وقيل عداه على قبول الإيمان شبابا لا يهرم وملكا لا ينزع منه إلا بالموت وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة فلما أتاه موسى ووعده بذلك أعجبه وكان لا يقطع أمرا دون هامان وكان غائبا فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى وقال أردت أن أقبل منه فقال له هامان كنت أرى أن لك عقلا ورأيا، أنت رب تريد أن تكون مربوبا، وأنت تعبد تريد أن تعبد، فقال فرعون صواب ما قلت فغلبه على رأيه.
وكان هارون بمصر فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحى الله إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقاه إلى مرحلة وأخبره بما أوحي إليه. وقوله تعالى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى أي يتعظ ويخاف ويسلم فإن قلت كيف قال لعله يتذكر وقد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم. قلت معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع وقضاء الله وراء أمركما، وقيل هو إلزام الحجة وقطع المعذرة كقوله تعالى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ، وقيل هو ينصرف إلى غير فرعون مجازه لعله يتذكر متذكرا ويخشى خاش إذا رأى بري وإلطافي بمن خلقته وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية، وقيل لعل من الله واجب ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية وذلك حين ألجمه الغرق وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ الرازي فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً الآية فبكى يحيى وقال إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله قالا يعني موسى وهارون رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا.
قال ابن عباس: يعجل علينا بالقتل والعقوبة أَوْ أَنْ يَطْغى أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا قالَ الله تعالى لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى قال ابن عباس: أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع لست
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ أي بدلائلي. قال ابن عباس : يعني الآيات التسع الذي بعث بها موسى عليه السلام ﴿ ولا تنياً ﴾ أي لا تضعفا وقيل لا تفتراً ولا تقصراً ﴿ في ذكري ﴾ أي لا تقصراً في ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما ومن ذكر النعمة شكرها.
﴿ فقولا له قولاً ليناً ﴾ أي دارياه وارفقا به. قال ابن عباس : لا تعنفا في قولكما، وقيل كنياه فقولا له يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقيل أراد بالقول اللين قوله ﴿ هل لك إلى أن تزكى ﴾ وقيل الآية إنما أمرهما باللطافة لماله من حق تربية موسى، وقيل عداه على قبول الإيمان شباباً لا يهرم وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة فلما أتاه موسى ووعده بذلك أعجبه وكان لا يقطع أمراً دون هامان وكان غائباً فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى وقال أردت أن أقبل منه فقال له هامان كنت أرى أن لك عقلاً ورأياً، أنت رب تريد أن تكون مربوباً، وأنت تعبد تريد أن تعبد، فقال فرعون صواب ما قلت فغلبه على رأيه.
وكان هارون بمصر فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحى الله إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقاه إلى مرحلة وأخبره بما أوحي إليه. وقوله تعالى ﴿ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ أي يتعظ ويخاف ويسلم فإن قلت كيف قال لعله يتذكر وقد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم. قلت معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع وقضاء الله وراء أمركما، وقيل هو إلزام الحجة وقطع المعذرة كقوله تعالى ﴿ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ﴾ وقيل هو ينصرف إلى غير فرعون مجازه لعله يتذكر متذكراً ويخشى خاش إذا رأى بري وإلطافي بمن خلقته وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية، وقيل لعل من الله واجب ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية وذلك حين ألجمه الغرق وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ الرازي ﴿ فقولا له قولاً ليناً ﴾ الآية فبكى يحيى وقال إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فيكف رفقك بمن يقول أنت الإله.
﴿ قالا ﴾ يعني موسى وهارون ﴿ ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ﴾.
قال ابن عباس : يعجل علينا بالقتل والعقوبة ﴿ أو أن يطغى ﴾ أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا.
﴿ قال ﴾ الله تعالى ﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾ قال ابن عباس : أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما.
﴿ فأتياه فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أي أرسلنا إليك ربك ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل ﴾ أي خل عنهم وأطلقهم من أعمالك ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي لا تتعبهم في العمل، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء وقطع الصخور مع قتل الولدان وغير ذلك ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ قال فرعون وما هي فأخرج موسى يده لها شعاع كشعاع الشمس، وقيل معناه قد جئناك بمعجزة وبرهان يدل على صدقنا على ما ادعيناه من الرسالة ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ ليس المراد منه سلام التحية بل إنما معناه سلم من العذاب من أسلم.
﴿ إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ﴾ أي إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه.
بغافل عنكما فلا تهتما فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ أي أرسلنا إليك ربك فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أي خل عنهم وأطلقهم من أعمالك وَلا تُعَذِّبْهُمْ أي لا تتعبهم في العمل، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء وقطع الصخور مع قتل الولدان وغير ذلك قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ قال فرعون وما هي فأخرج موسى يده لها شعاع كشعاع الشمس، وقيل معناه قد جئناك بمعجزة وبرهان يدل على صدقنا على ما ادعيناه من الرسالة وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ليس المراد منه سلام التحية بل إنما معناه سلم من العذاب من أسلم إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أي إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٤٩ الى ٦١]
قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨)
قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١)
قالَ يعني فرعون فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أي فمن إلهكما الذي أرسلكما قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى أي كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، وقيل أعطى كل شيء صلاحه وهداه، وقيل أعطى كل شيء صورته فخلق اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح، وقيل يعني جعل زوجة الرجل المرأة والبعير الناقة والفرس الرمكة وهي الحجرة والحمار الأتان ثم هدى ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى قالَ يعني فرعون فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى أي فما حال القرون الماضية والأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود فإنها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث، وإنما قال فرعون ذلك لموسى حين خوفهم مصارع الأمم الخالية فحينئذ قال فرعون فما بال القرون الأولى قالَ يعني موسى عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها، وقيل إنما رد موسى علم ذلك إلى الله تعالى لأنه لم يعلم ذلك لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وقومه فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا يخطئ وقيل لا يغيب عنه شيء وَلا يَنْسى أي فيتذكر وقيل لا ينسى ما كان من أعمالهم حتى يجازيهم بها الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي فراشا وقيل مهدها لكم وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي أدخل في الأرض لأجلكم طرقا وسهلها لكم لتسلكوها وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر ثم الأخبار عن موسى ثم قال الله تعالى فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بذلك الماء أَزْواجاً أي أصنافا مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي مختلف الألوان والطعوم والمنافع فمنها ما هو للناس ومنها ما هو للدواب كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ أي أخرجنا أصناف النبات للانتفاع بالأكل والرعي إِنَّ فِي ذلِكَ أي الذي ذكر لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول، قيل هم الذين ينتهون عما حرم الله عليهم مِنْها خَلَقْناكُمْ أي من الأرض خلقنا آدم، وقيل إن الملك ينطلق فيأخذ من التراب الذي يدفن فيه فيذره في النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة وَفِيها نُعِيدُكُمْ أي عند الموت والدفن وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى أي يوم القيامة للبعث والحساب.
قوله تعالى وَلَقَدْ أَرَيْناهُ يعني فرعون آياتِنا كُلَّها يعني الآيات التسع التي أعطاها الله موسى فَكَذَّبَ
﴿ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾ أي كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، وقيل أعطى كل شيء صلاحه وهداه، وقيل أعطى كل شيء صورته فخلق اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح، وقيل يعني جعل زوجة الرجل المرأة والبعير الناقة والفرس الرمكة وهي الحجرة والحمار الأتان ثم هدى ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى.
﴿ قال ﴾ يعني فرعون ﴿ فما بال القرون الأولى ﴾ أي فما حال القرون الماضية والأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود فإنها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث، وإنما قال فرعون ذلك لموسى حين خوفهم مصارع الأمم الخالية فحينئذٍ قال فرعون فما بال القرون الأولى.
﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ علمها عند ربي ﴾ أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها، وقيل إنما رد موسى علم ذلك إلى الله تعالى لأنه لم يعلم ذلك لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وقومه ﴿ في كتاب ﴾ يعني اللوح المحفوظ ﴿ لا يضل ربي ﴾ أي لا يخطئ وقيل لا يغيب عنه شيء ﴿ ولا ينسى ﴾ أي فيتذكر وقيل لا ينسى ما كان من أعمالهم حتى يجازيهم بها.
﴿ الذي جعل لكم الأرض مهداً ﴾ أي فراشاً وقيل مهدها لكم ﴿ وسلك لكم فيها سبلاً ﴾ أي أدخل في الأرض لأجلكم طرقاً وسهلها لكم لتسلكوها ﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ يعني المطر ثم الأخبار عن موسى ثم قال الله تعالى ﴿ فأخرجنا به ﴾ أي بذلك الماء ﴿ أزواجاً ﴾ أي أصنافاً ﴿ من نبات شتى ﴾ أي مختلف الألوان والطعوم والمنافع فمنها ما هو للناس ومنها ما هو للدواب.
﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ أي أخرجنا أصناف النبات للانتفاع بالأكل والرعي ﴿ إن في ذلك ﴾ أي الذي ذكر ﴿ لآيات لأولي النهى ﴾ أي لذوي العقول، قيل هم الذين ينتهون عما حرم الله عليهم.
﴿ منها خلقناكم ﴾ أي من الأرض خلقنا آدم، وقيل إن الملك ينطلق فيأخذ من التراب الذي يدفن فيه فيذره في النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة ﴿ وفيها نعيدكم ﴾ أي عند الموت والدفن ﴿ ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ أي يوم القيامة للبعث والحساب.
قوله تعالى ﴿ ولقد أريناه ﴾ يعني فرعون ﴿ آياتنا كلها ﴾ يعني الآيات التسع التي أعطاها الله موسى ﴿ فكذب وأبى ﴾ يعني فرعون وزعم أنها سحر وأبى أن يسلم.
﴿ قال ﴾ يعني فرعون ﴿ أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ﴾ يعني مصر ﴿ بسحرك يا موسى ﴾ يريد أن تغلب على ديارنا فيكون لك الملك وتخرجنا منها.
﴿ فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً ﴾ أي اضرب أجلاً وميقاتاً ﴿ لا نخلفه ﴾ لا نجاوزه ﴿ نحن ولا أنت مكاناً سوىً ﴾ أي مكاناً عدلاً وقال ابن عباس : نصفاً تستوي مسافة الفريقين إليه وقيل معناه سوى هذا المكان.
﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ موعدكم يوم الزينة ﴾ قيل كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة وقيل هو يوم النيروز وقال ابن عباس يوم عاشوراء ﴿ وأن يحشر الناس ضحى ﴾ أي وقت الضحوة نهاراً جهاراً ليكون أبعد من الريبة.
﴿ فتولى فرعون فجمع ﴾ يعني فرعون ﴿ كيده ﴾ يعني مكره وسحره وحيله ﴿ ثم أتى ﴾ يوم المعاد.
﴿ قال لهم موسى ﴾ يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر حبل وعصا وقيل كانوا أربعمائة وقيل كانوا اثني عشر ألفاً ﴿ ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب ﴾ أي فيهلكنكم ويستأصلكم ﴿ وقد خاب من افترى ﴾ أي خسر من ادعى مع الله إلهاً آخر وقيل معناه خسر من كذب على الله تعالى.
وَأَبى
يعني فرعون وزعم أنها سحر وأبى أن يسلم قالَ يعني فرعون أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا يعني مصر بِسِحْرِكَ يا مُوسى يريد أن تغلب على ديارنا فيكون لك الملك وتخرجنا منها فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً أي اضرب أجلا وميقاتا لا نُخْلِفُهُ لا نجاوزه نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً أي مكانا عدلا وقال ابن عباس: نصفا تستوي مسافة الفريقين إليه وقيل معناه سوى هذا المكان قالَ يعني موسى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ قيل كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة وقيل هو يوم النيروز وقال ابن عباس يوم عاشوراء وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي وقت الضحوة نهارا جهارا ليكون أبعد من الريبة فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ يعني فرعون كَيْدَهُ يعني مكره وسحره وحيله ثُمَّ أَتى يوم المعاد قالَ لَهُمْ مُوسى يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنين وسبعين ساحرا مع كل ساحر حبل وعصا وقيل كانوا أربعمائة وقيل كانوا اثني عشر ألفا وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ أي فيهلكنكم ويستأصلكم وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى أي خسر من ادعى مع الله إلها آخر وقيل معناه خسر من كذب على الله تعالى. قوله تعالى:
[سورة طه (٢٠): الآيات ٦٢ الى ٦٤]
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سرا من فرعون وقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه، معناه لما قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا. قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر وَأَسَرُّوا النَّجْوى أي المناجاة قالُوا قال بعضهم لبعض سرا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يعني موسى وهارون يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ يعني من مصر بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم، وقيل معناه يصرفان وجوه الناس عنكم، وقيل أراد أهل طريقتكم المثلى وهم بنو إسرائيل يعني يريد أن يذهبا بهم لأنفسهما، وقيل معناه يذهبا بسنتكم وبدينكم الذي أنتم عليه فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أي لا تدعو شيئا من كيدكم إلا جئتم به، وقيل معناه اعزموا كلكم على كيده مجتمعين له ولا تختلفوا فيختل أمركم ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي جمعا مصطفين ليكون أشد لهيبتكم وقيل معناه ثم ائتوا المكان الموعود به وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى أي فاز من غلب.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٦٥ الى ٧٥]
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤)
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥)
قالُوا يعني السحرة يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي عصاك وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى أي عصينا
﴿ قالوا ﴾ قال بعضهم لبعض سراً ﴿ إن هذان لساحران ﴾ يعني موسى وهارون ﴿ يريدان أن يخرجاكم من أرضكم ﴾ يعني من مصر ﴿ بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾ قال ابن عباس : يعني بسراة قومكم وأشرافكم، وقيل معناه يصرفان وجوه الناس عنكم، وقيل أراد أهل طريقتكم المثلى وهم بنو إسرائيل يعني يريد أن يذهبا بهم لأنفسهما، وقيل معناه يذهبا بسنتكم وبدينكم الذي أنتم عليه.
﴿ فأجمعوا كيدكم ﴾ أي لا تدعو شيئاً من كيدكم إلا جئتم به، وقيل معناه اعزموا كلكم على كيده مجتمعين له ولا تختلفوا فيختل أمركم ﴿ ثم ائتوا صفاً ﴾ أي جمعاً مصطفين ليكون أشد لهيبتكم وقيل معناه ثم ائتوا المكان الموعود به ﴿ وقد أفلح اليوم من استعلى ﴾ أي فاز من غلب.
﴿ قالوا ﴾ يعني السحرة ﴿ يا موسى إما أن تلقي ﴾ أي عصاك ﴿ وإما أن نكون أول من ألقى ﴾ أي عصينا.
﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ بل ألقوا ﴾ يعني أنتم أولاً ﴿ فإذا حبالهم ﴾ فيه إضمار أي فألقوا فإذا حبالهم ﴿ وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ﴾ قيل إنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى كأن الأرض امتلأت حيات وكانت قد أخذت ميلاً في ميل من كل جانب ورآها كأنها تسعى.
﴿ فأوجس ﴾ أي أضمر وقيل وجد ﴿ في نفسه خيفة موسى ﴾ قيل هو طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده، وقيل خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه.
﴿ قلنا لا تخف ﴾ أي قال الله تعالى لموسى لا تخف ﴿ إنك أنت الأعلى ﴾ أي الغالب عليهم ولك الغلبة عليهم والظفر.
﴿ وألق ما في يمينك ﴾ أي عصاك والمعنى لا يخيفنك كثرة حبالهم وعصيهم فإن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها ﴿ تلقف ﴾ أي تلقم وتبتلع ﴿ ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ﴾ أي حيلة ساحر ﴿ ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾ أي من الأرض.
وقال ابن عباس لا يسعد حيث كان ﴿ فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى ﴾ قال صاحب الكشاف سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفرق بين الإلقائين. وقيل إنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وقيل إنهم لما سجدوا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة.
﴿ قال ﴾ يعني فرعون ﴿ آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم ﴾ أي لرئيسكم وعظيمكم يعني أنه أسحركم وأعلاكم في صناعة السحر ومعلمكم ﴿ الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ﴾ يعني أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ﴿ ولأصلبنكم في جذوع النخل ﴾ يعني على جذوع النخل ﴿ ولتعلمن أينا أشد عذاباً ﴾ يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به ﴿ وأبقى ﴾ يعني أدوم.
﴿ قالوا ﴾ يعني السحرة ﴿ لن نؤثرك ﴾ يعني لن نختارك ﴿ على ما جاءنا من البينات ﴾ يعني الدلالات الواضحات، قيل هي اليد البيضاء والعصا وقيل كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحر فأين حبالنا وعصينا. وقيل إنهم لما سجدوا رأوا الجنة والنار ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ﴿ والذي فطرنا ﴾ قيل هو قسم، وقيل معناه لن نؤثرك على الله الذي فطرنا ﴿ فاقض ما أنت قاض ﴾ يعني فاصنع ما أنت صانع ﴿ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ﴾ يعني إنما أمرك وسلطانك في الدنيا سيزول عن قريب.
﴿ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ﴾ فإن قلت كيف قالوا هذا وقد جاؤوا مختارين غير مكرهين.
قلت كان فرعون أكرههم في الابتداء على تعلمهم السحر لكي لا يذهب أصله. وقيل كانت السحرة اثنين وسبعون اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، وكان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر. وقيل قال السحرة لفرعون أرنا موسى إذا هو نام فأراهم موسى نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون هذا ليس بساحر إن الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى عليهم فأكرههم على أن يعملوا فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السحر ﴿ والله خير وأبقى ﴾ يعني خير منك ثواباً وأبقى عقاباً وقيل خير منك إن أطيع وأبقى عذاباً إن عصي وهذا جواب لقوله ﴿ ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى ﴾.
﴿ إنه من يأت ربه مجرماً ﴾ قيل هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل هو من تمام قول السحرة معناه من مات على الشرك ﴿ فإن له جهنم لا يموت فيها ﴾ فيستريح ﴿ ولا يحيى ﴾ حياة ينتفع بها.
﴿ من يأته مؤمناً ﴾ يعني من مات على الإيمان ﴿ قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى ﴾ يعني الرفيعة العلية.
قالَ يعني موسى بَلْ أَلْقُوا يعني أنتم أولا فَإِذا حِبالُهُمْ فيه إضمار أي فألقوا فإذا حبالهم وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى قيل إنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى كأن الأرض امتلأت حيات وكانت قد أخذت ميلا في ميل من كل جانب ورآها كأنها تسعى فَأَوْجَسَ أي أضمر وقيل وجد فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قيل هو طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده، وقيل خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه قُلْنا لا تَخَفْ أي قال الله تعالى لموسى لا تخف إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى أي الغالب عليهم ولك الغلبة عليهم والظفر وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ أي عصاك والمعنى لا يخيفنك كثرة حبالهم وعصيهم فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها تَلْقَفْ أي تلقم وتبتلع ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ أي حيلة ساحر وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى أي من الأرض.
وقال ابن عباس لا يسعد حيث كان فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى قال صاحب الكشاف سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفرق بين الإلقائين. وقيل إنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وقيل إنهم لما سجدوا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة قالَ يعني فرعون آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ أي لرئيسكم وعظيمكم يعني أنه أسحركم وأعلاكم في صناعة السحر ومعلمكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ يعني أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ
يعني على جذوع النخل وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به وَأَبْقى يعني أدوم قالُوا يعني السحرة لَنْ نُؤْثِرَكَ يعني لن نختارك عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ يعني الدلالات الواضحات، قيل هي اليد البيضاء والعصا وقيل كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحر فأين حبالنا وعصينا. وقيل إنهم لما سجدوا رأوا الجنة والنار ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات وَالَّذِي فَطَرَنا قيل هو قسم، وقيل معناه لن نؤثرك على الله الذي فطرنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ يعني فاصنع ما أنت صانع إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا يعني إنما أمرك وسلطانك في الدنيا سيزول عن قريب إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ فإن قلت كيف قالوا هذا وقد جاءوا مختارين غير مكرهين. قلت كان فرعون أكرههم في الابتداء على تعلمهم السحر لكي لا يذهب أصله. وقيل كانت السحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، وكان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر. وقيل قال السحرة لفرعون أرنا موسى إذا هو نام فأراهم موسى نائما وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون هذا ليس بساحر إن الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى عليهم فأكرههم على أن يعملوا فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السحر وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى يعني خير منك ثوابا وأبقى عقابا وقيل خير منك إن أطيع وأبقى عذابا إن عصي وهذا جواب لقوله وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً قيل هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل هو من تمام قول السحرة معناه من مات على الشرك فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا يَحْيى حياة ينتفع بها مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً يعني من مات على الإيمان قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى يعني الرفيعة العلية ثم فسر الدرجات بقوله
[سورة طه (٢٠): الآيات ٧٦ الى ٨٦]
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠)
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)
فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)
208
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى يعني تطهر من الذنوب، وقيل أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» أخرجه الترمذي.
قوله وأنعما يقال أحسن فلان إلى فلان وأنعم يعني أفضل وزاد في الإحسان، والمعنى أنهما منهم وزادوا تناهيا إلى غايته.
قوله تعالى وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي يعني أسر بهم ليلا من أرض مصر فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً يعني اجعل لهم طريقا فِي الْبَحْرِ بالضرب بالعصا يَبَساً يعني يابسا ليس فيه ماء ولا طين وذلك أن الله تعالى أيبس لهم الطريق في البحر لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى يعني لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك فَأَتْبَعَهُمْ يعني فلحقهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ يعني أصابهم مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وهو الغرق وقيل علاهم وسترهم من اليم ما لم يعلم كنهه إلا الله تعالى فغرق فرعون وجنوده ونجا موسى وقومه وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى يعني وما أرشدهم وهو تكذيب لفرعون في قوله وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ.
قوله عز وجل يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ذكرهم الله النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم وفيما وعد موسى من المناجاة بجانب الطور وكتب التوراة في الألواح. وإنما قال وواعدناكم لأنها اتصلت بهم حيث كانت لنبيهم، ورجعت منافعها إليهم وبها قوام دينهم وشريعتهم وفيها أفاض الله عليهم من سائر نعمه وأرزاقه كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس لا تظلموا، وقيل لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين، وقيل لا تتقووا بنعمتي على المعاصي، وقيل لا تدخروا فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي يعني يجب عليكم غضبي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى يعني هلك وسقط في النار وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ قال ابن عباس تاب عن الشرك وَآمَنَ يعني وحد الله وصدق رسوله وَعَمِلَ صالِحاً يعني أدى الفرائض ثُمَّ اهْتَدى قال ابن عباس علم أن ذلك توفيق من الله تعالى، وقيل لزم الإسلام حتى مات عليه، وقيل علم أن لذلك ثوابا، وقيل أقام على السنة. قوله عز وجل وَما أَعْجَلَكَ يعني وما حملك على العجلة عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلا يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة. فسار بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه، وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال الله له وما أعجلك عن قومك يا موسى؟ فأجاب ربه ف قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أي هم بالقرب مني يأتون على أثري من بعدي.
فإن قلت لم يطابق السؤال الجواب فإنه سأله عن سبب العجلة فعدل عن الجواب، فقال هم أولاء بأنه لم يوجد منه إلا تقدم سيره ثم أعقبه بجواب السؤال فقال وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أي لتزداد رضا قالَ فَإِنَّا قَدْ
209
قوله تعالى ﴿ ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ﴾ يعني أسر بهم ليلاً من أرض مصر ﴿ فاضرب لهم طريقاً ﴾ يعني اجعل لهم طريقاً ﴿ في البحر ﴾ بالضرب بالعصا ﴿ يبساً ﴾ يعني يابساً ليس فيه ماء ولا طين وذلك أن الله تعالى أيبس لهم الطريق في البحر ﴿ لا تخاف دركاً ولا تخشى ﴾ يعني لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك.
﴿ فأتبعهم ﴾ يعني فلحقهم ﴿ فرعون بجنوده فغشيهم ﴾ يعني أصابهم ﴿ من اليم ما غشيهم ﴾ وهو الغرق وقيل علاهم وسترهم من اليم ما لم يعلم كنهه إلا الله تعالى فغرق فرعون وجنوده ونجا موسى وقومه.
﴿ وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ يعني وما أرشدهم وهو تكذيب لفرعون في قوله ﴿ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾.
قوله عز وجل ﴿ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ ذكرهم الله النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم وفيما وعد موسى من المناجاة بجانب الطور وكتب التوراة في الألواح. وإنما قال وواعدناكم لأنها اتصلت بهم حيث كانت لنبيهم، ورجعت منافعها إليهم وبها قوام دينهم وشريعتهم وفيها أفاض الله عليهم من سائر نعمه وأرزاقه.
﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه ﴾ قال ابن عباس لا تظلموا، وقيل لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين، وقيل لا تتقووا بنعمتي على المعاصي، وقيل لا تدخروا ﴿ فيجعل عليكم غضبي ﴾ يعني يجب عليكم غضبي ﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ يعني هلك وسقط في النار.
﴿ وإني لغفار لمن تاب ﴾ قال ابن عباس تاب عن الشرك ﴿ وآمن ﴾ يعني وحد الله وصدق رسوله ﴿ وعمل صالحاً ﴾ يعني أدى الفرائض ﴿ ثم اهتدى ﴾ قال ابن عباس علم أن ذلك توفيق من الله تعالى، وقيل لزم الإسلام حتى مات عليه، وقيل علم أن لذلك ثواباً، وقيل أقام على السنة.
قوله عز وجل ﴿ وما أعجبك ﴾ يعني وما حملك على العجلة ﴿ عن قومك يا موسى ﴾ وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلاً يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة. فسار بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقاً إلى ربه، وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال الله له وما أعجلك عن قومك يا موسى ؟
أجاب ربه ف ﴿ قال هم أولاء على أثري ﴾ أي هم بالقرب مني يأتون على أثري من بعدي.
فإن قلت لم يطابق السؤال الجواب فإنه سأله عن سبب العجلة فعدل عن الجواب، فقال هم أولاء بأنه لم يوجد منه إلا تقدم سيره ثم أعقبه بجواب السؤال فقال ﴿ وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي لتزداد رضاً.
﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي فإنا ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفاً ﴿ من بعدك ﴾ أي من بعد انطلاقك إلى الجبل ﴿ وأضلهم السامري ﴾ أي دعاهم وصرفهم إلى الضلال وهو عبادة العجل، وإنما أضاف الضلال إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه وقيل إن جميع المنشآت تضاف إلى منشئها في الظاهر، وإن كان الموجد لها في الأصل هو الله تعالى فذلك قوله هنا وأضلهم السامري، قيل كان السامري من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط وكان جاراً لموسى وآمن به، وقيل كان علجاً من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر.
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً ﴾ أي حزيناً جزعاً ﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً ﴾ أي صدقاً يعطيكم التوراة ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ أي مدة مفارقتي إياكم ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ﴾ أي أردتم أن تفعلوا فعلاً يجب عليكم الغضب من ربكم بسببه ﴿ فأخلفتم موعدي ﴾ يعني ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع.
فَتَنَّا قَوْمَكَ أي فإنا ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا مِنْ بَعْدِكَ أي من بعد انطلاقك إلى الجبل وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ أي دعاهم وصرفهم إلى الضلال وهو عبادة العجل، وإنما أضاف الضلال إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه وقيل إن جميع المنشآت تضاف إلى منشئها في الظاهر، وإن كان الموجد لها في الأصل هو الله تعالى فذلك قوله هنا وأضلهم السامري، قيل كان السامري من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط وكان جارا لموسى وآمن به، وقيل كان علجا من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً أي حزينا جزعا قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أي صدقا يعطيكم التوراة أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي مدة مفارقتي إياكم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي أردتم أن تفعلوا فعلا يجب عليكم الغضب من ربكم بسببه فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي يعني ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٨٧ الى ٩٦]
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)
قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦)
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي بملك أمرنا، وقيل باختيارنا وذلك أن المرء إذا وقع في الفتنة لم يملك نفسه وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي حملنا مع أنفسنا ما كنا قد استعرناه من قوم فرعون، والأوزار الأثقال سميت أوزارا لكثرتها وثقلها وقيل الأوزار الآثام، أي حملنا آثاما وذلك أن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط ولم يردوها وبقيت معهم إلى حين خروجهم من مصر وقيل إن الله لما أغرق فرعون نبذ البحر حليهم فأخذها بنو إسرائيل فكانت غنيمة ولم تكن الغنائم تحل لهم فَقَذَفْناها أي ألقيناها قيل إن السامري قال لهم احفروا حفيرة وألقوها فيها حتى يرجع موسى فيرى رأيه فيها. وقيل إن هارون أمرهم بذلك ففعلوا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ أي ما كان معه من الحلي فيها، قال ابن عباس: أوقد هارون نارا وقال اقذفوا ما معكم فيها، وقيل إن هارون مر على السامري وهو يصوغ العجل فقال له ما هذا قال أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي. فقال هارون اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه. فألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل في فم العجل وقال كن عجلا يخور فكان كذلك. بدعوة هارون فذلك قوله تعالى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ اختلفوا هل كان الجسد حيا أم لا على قولين أحدهما لا لأنه لا يجوز إظهار خرق العادة على يد ضال بل السامري صور صورة على شكل العجل وجعل فيه منافذ ومخاريق بحيث إذا دخل فيها الريح صوت كصوت العجل. الثاني: أنه صار حيا وخار كما يخور العجل فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى يعني قال ذلك السامري ومن تابعه من افتتن به. وقيل عكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا شيئا قط مثله فَنَسِيَ قيل هو إخبار عن قول السامري أي إن موسى نسي إلهه وتركه ها هنا وذهب يطلبه. وقيل معناه أن موسى إنما طلب هذا ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر فأخطأ الطريق وضل. وقيل هو من كلام الله تعالى وكأنه أخبر عن السامري أنه نسي
قوله تعالى ﴿ فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ﴾ اختلفوا هل كان الجسد حياً أم لا على قولين أحدهما لا لأنه لا يجوز إظهار خرق العادة على يد ضال بل السامري صور صورة على شكل العجل وجعل فيه منافذ ومخاريق بحيث إذا دخل فيها الريح صوت كصوت العجل. الثاني : أنه صار حياً وخار كما يخور العجل ﴿ فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ يعني قال ذلك السامري ومن تابعه من افتتن به. وقيل عكفوا عليه وأحبوه حباً لم يحبوا شيئاً قط مثله ﴿ فنسي ﴾ قيل هو إخبار عن قول السامري أي إن موسى نسي إلهه وتركه ها هنا وذهب يطلبه. وقيل معناه أن موسى إنما طلب هذا ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر فأخطأ الطريق وضل. وقيل هو من كلام الله تعالى وكأنه أخبر عن السامري أنه نسي الاستدلال على حدوث الأجسام وأن الإله لا يحل في شيء. ولا يحل فيه شيء بين سبحانه وتعالى المعنى الذي يجب الاستدلال به فقال ﴿ أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ﴾.
بين سبحانه وتعالى المعنى الذي يجب الاستدلال به فقال ﴿ أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ﴾ أي إن العجل لا يرد لهم جواباً إذا دعوه ولا يكلمهم ﴿ ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ﴾ هذا توبيخ لهم إذ عبدوا ما لا يملك ضر من ترك عبادته ولا ينفع من عبده وكان العجل فتنة من الله تعالى ابتلى به بني إسرائيل.
قوله عز وجل ﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل ﴾ أي من قبل رجوع موسى ﴿ يا قوم إنما فتنتم به ﴾ أي ابتليتم بالعجل ﴿ وإن ربكم الرحمن فاتبعوني ﴾ على ديني في عبادة الله ﴿ وأطيعوا أمري ﴾ يعني في ترك عبادة العجل. اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم أولاً عن الباطل بقوله ﴿ إنما فتنتم به ﴾ ثم دعا إلى معرفة الله تعالى بقوله ﴿ إن ربكم الرحمن ﴾ ثم دعاهم إلى معرفة النبوة بقوله ﴿ فاتبعوني ﴾ ثم دعاهم إلى الشرائع بقوله ﴿ وأطيعوا أمري ﴾ فهذا هو الترتيب الجيد لأنه لا بد من إماطة الأذى عن الطريق وهي إزالة الشبهات ثم معرفة الله فإنها هي الأصل ثم النبوة ثم الشريعة. وإنما قال وإن ربكم الرحمن فخص هذا الموضع بهذا الاسم لأنه ينبههم على أنهم متى تابوا قبل الله توبتهم لأنه هو التواب الرحيم فقابلوا هذا القول بالإصرار والجحود.
﴿ قالوا لن نبرح ﴾ يعني لن نزال ﴿ عليه ﴾ يعني على عبادة العجل ﴿ عاكفين ﴾ يعني مقيمين ﴿ حتى يرجع إلينا موسى ﴾ كأنهم قالوا لن نقبل حجتك ولا نقبل إلا قول موسى فاعتزلهم هارون ومعه اثنا عشر ألفاً الذين لم يعبدوا العجل. فلما رجع موسى سمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل فقال للسبعين الذين معه هذا صوت الفتنة، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله.
﴿ قال ﴾ له ﴿ يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ﴾ أي أشركوا.
﴿ ألا تتبعن ﴾ أي تتبع أمري ووصيتي وهلا قاتلتهم وقد علمت أني ولو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم، وقيل معناه ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم فتكون مفارقتك إياهم زجراً لهم عما أتوه ﴿ أفعصيت أمري ﴾ يعني خالفت أمري.
﴿ قال يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ يعني بشعر رأسي وكان قد أخذ بذؤابتيه ﴿ إني خشيت أن تقول ﴾ يعني لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضاً فتقول ﴿ فرقت بين بني إسرائيل ﴾ يعني خشيت إن فارقتهم واتبعتك أن يصيروا أحزاباً فيتقاتلون، فتقول فرقت بني إسرائيل ﴿ ولم ترقب قولي ﴾ يعني لم تحفظ وصيتي حين قلت لك اخلفني في قومي أصلح وأرفق بهم ثم أقبل موسى على السامري.
﴿ قال فما خطبك ﴾ يعني فما أمرك وشأنك وما الذي حملك على ما صنعت.
﴿ قال ﴾ يعني السامري ﴿ بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول ﴾ يعني من تراب حافر فرس جبريل ﴿ فنبذتها ﴾ يعني فقذفتها في فم العجل فخار. فإن قلت كيف عرف السامري جبريل ورآه من بين سائر النار. قلت ذكروا فيه وجهين. أحدهما : أن أمه ولدته في السنة التي كان يقتل فيها البنون فوضعته في كهف حذراً عليه من القتل فبعث الله إليه جبريل ليربيه لما قضى الله على يديه من الفتنة. الوجه الثاني : أنه لما نزل جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الطور رآه السامري من بين سائر الناس، فلما رآه قال إن لهذا لشأناً فقبض القبضة من أصل تربة أثر موطئه، فلما سأله موسى قال قبضت قبضة من أثر الرسول إليك يوم جاء للميعاد. وقيل رآه يوم فلق البحر فأخذ القبضة وجعلها في عمامته لما يريد الله أن يظهره من الفتنة على يديه وهو قوله ﴿ وكذلك سولت ﴾ يعني زينت ﴿ لي نفسي ﴾ وقيل إنه من السؤال والمعنى أنه لم يدعني إلى فعلة غيري واتبعت فيه هواي.
الاستدلال على حدوث الأجسام وأن الإله لا يحل في شيء. ولا يحل فيه شيء ثم بين سبحانه وتعالى المعنى الذي يجب الاستدلال به فقال أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أي إن العجل لا يرد لهم جوابا إذا دعوه ولا يكلمهم وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً هذا توبيخ لهم إذ عبدوا ما لا يملك ضر من ترك عبادته ولا ينفع من عبده وكان العجل فتنة من الله تعالى ابتلى به بني إسرائيل.
قوله عز وجل وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ أي من قبل رجوع موسى يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي ابتليتم بالعجل وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي على ديني في عبادة الله وَأَطِيعُوا أَمْرِي يعني في ترك عبادة العجل.
اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم أولا عن الباطل بقوله إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ثم دعا إلى معرفة الله تعالى بقوله إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ثم دعاهم إلى معرفة النبوة بقوله فَاتَّبِعُونِي ثم دعاهم إلى الشرائع بقوله وَأَطِيعُوا أَمْرِي فهذا هو الترتيب الجيد لأنه لا بد من إماطة الأذى عن الطريق وهي إزالة الشبهات ثم معرفة الله فإنها هي الأصل ثم النبوة ثم الشريعة. وإنما قال وإن ربكم الرحمن فخص هذا الموضع بهذا الاسم لأنه ينبههم على أنهم متى تابوا قبل الله توبتهم لأنه هو التواب الرحيم فقابلوا هذا القول بالإصرار والجحود قالُوا لَنْ نَبْرَحَ يعني لن نزال عَلَيْهِ يعني على عبادة العجل عاكِفِينَ يعني مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى كأنهم قالوا لن نقبل حجتك ولا نقبل إلا قول موسى فاعتزلهم هارون ومعه اثنا عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل. فلما رجع موسى سمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل فقال للسبعين الذين معه هذا صوت الفتنة، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله وقالَ له يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أي أشركوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أي تتبع أمري ووصيتي وهلا قاتلتهم وقد علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم، وقيل معناه ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم فتكون مفارقتك إياهم زجرا لهم عما أتوه أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي يعني خالفت أمري الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي
يعني بشعر رأسي وكان قد أخذ بذؤابتيه نِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ
يعني لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا فتقول رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
يعني خشيت إن فارقتهم واتبعتك أن يصيروا أحزابا فيتقاتلون، فتقول فرقت بني إسرائيل لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
يعني لم تحفظ وصيتي حين قلت لك اخلفني في قومي أصلح وأرفق بهم ثم أقبل موسى على السامري قالَ فَما خَطْبُكَ يعني فما أمرك وشأنك وما الذي حملك على ما صنعت يا سامِرِيُّ قالَ يعني السامري بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ يعني من تراب حافر فرس جبريل فَنَبَذْتُها يعني فقذفتها في فم العجل فخار. فإن قلت كيف عرف السامري جبريل ورآه من بين سائر النار. قلت ذكروا فيه وجهين.
أحدهما: أن أمه ولدته في السنة التي كان يقتل فيها البنون فوضعته في كهف حذرا عليه من القتل فبعث الله إليه جبريل ليربيه لما قضى الله على يديه من الفتنة. الوجه الثاني: أنه لما نزل جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الطور رآه السامري من بين سائر الناس، فلما رآه قال إن لهذا لشأنا فقبض القبضة من أصل تربة أثر موطئه، فلما سأله موسى قال قبضت قبضة من أثر الرسول إليك يوم جاء للميعاد. وقيل رآه يوم فلق البحر فأخذ القبضة وجعلها في عمامته لما يريد الله أن يظهره من الفتنة على يديه وهو قوله وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ يعني زينت لِي نَفْسِي وقيل إنه من السؤال والمعنى أنه لم يدعني إلى فعلة غيري واتبعت فيه هواي.
[سورة طه (٢٠): الآيات ٩٧ الى ١٠٨]
قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦)
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨)
211
قالَ يعني موسى للسامري فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ يعني ما دمت حيا أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ يعني لا تخالط أحدا ولا يخالطك أحد فعوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أوحش منها ولا أعظم وذلك أن موسى أمر بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا مساس لك ولولدك. فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحد وقيل كان إذا مس أحدا. أو مسه أحد حما جميعا فتحامى الناس وتحاموه وكان لا مساس حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وَإِنَّ لَكَ يا سامري مَوْعِداً يعني بعذابك في الآخرة لَنْ تُخْلَفَهُ قرئ بكسر اللام ومعناه لن تغيب عنه ولا مذهب لك عنه بل توافيه يوم القيامة، وقرئ بالفتح أي لن تكذبه ولم يخلفكه الله بل يكافئك على فعلك وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ يعني الذي تزعم الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً يعني دمت عليه مقيما تعبده لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ أي لنذرينه فِي الْيَمِّ يعني في البحر نَسْفاً روي أن موسى أخذ العجل فذبحه فسال منه دم وحرقه في النار ثم ذراه في البحر وقيل معناه لنحرقنه أي لنبردنه فعلى هذا التأويل لم ينقلب لحما ودما فإن ذلك لا يمكن أن يبرد بالمبرد ويمكن أن يقال صار لحما ودما ثم بردت عظامه بالمبرد حتى صارت بحيث يمكن نسفها في البحر فلما فرغ موسى من أمر العجل وإبطال ما ذهب إليه السامري رجع إلى بيان الدين الحق فقال مخاطبا لبني إسرائيل إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ يعني المستحق للعبادة والتعظيم هو الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً يعني وسع علمه كل شيء وقيل يعلم من يعبده.
قوله عز وجل: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ يعني من أخبار ما قَدْ سَبَقَ يعني الأمم الخالية وقيل ما سبق من الأمور وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً وهو القرآن مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ يعني عن القرآن ولم يؤمن به ولم يعمل بما فيه فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً يعني حملا ثقيلا من الإثم خالِدِينَ فِيهِ يعني مقيمين في عذاب الوزر وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا يعني بئس ما حملوا أنفسهم من الإثم يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ قيل هو قرن ينفخ فيه يدعي به الناس للمحشر والمراد بهذه النفخة النفخة الثانية لأنه أتبعه بقوله وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً يعني نحشر المجرمين زرق العيون سود الوجوه وقيل عميا وقيل عطاشا يَتَخافَتُونَ يعني يتشاورون بَيْنَهُمْ ويتكلمون خفية إِنْ لَبِثْتُمْ يعني مكثتم في الدنيا إِلَّا عَشْراً يعني عشر ليال وقيل في القبور وقيل بين النفختين وهو مقدار أربعين سنة وذلك أن العذاب رفع عنهم بين النفختين فاستقصروا مدة لبثهم لهول ما عاينوا فقال الله تعالى نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يعني يتشاورون فيما بينهم إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أي أوفاهم وأعدلهم قولا إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من أهوال يوم القيامة وقيل نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم قوله عز وجل وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً.
قال ابن عباس: سأل رجل من ثقيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال كيف تكون الجبال يوم القيامة فأنزل الله تعالى هذه الآية والنسف هو القلع أي يقلعها من أصولها ويجعلها هباء منثورا فَيَذَرُها أي يدع أماكن الجبال من الأرض قاعاً صَفْصَفاً أي أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً يعني لا انخفاضا ولا
212
فلما فرغ موسى من أمر العجل وإبطال ما ذهب إليه السامري رجع إلى بيان الدين الحق فقال مخاطباً لبني إسرائيل ﴿ إنما إلهكم الله ﴾ يعني المستحق للعبادة والتعظيم هو الله ﴿ الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً ﴾ يعني وسع علمه كل شيء وقيل يعلم من يعبده.
قوله عز وجل :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ﴾ يعني من أخبار ﴿ ما قد سبق ﴾ يعني الأمم الخالية وقيل ما سبق من الأمور ﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكراً ﴾ وهو القرآن.
﴿ من أعرض عنه ﴾ يعني عن القرآن ولم يؤمن به ولم يعمل بما فيه ﴿ فإنه يحمل يوم القيامة وزراً ﴾ يعني حملاً ثقيلاً من الإثم.
﴿ خالدين فيه ﴾ يعني مقيمين في عذاب الوزر ﴿ وساء لهم يوم القيامة حملاً ﴾ يعني بئس ما حملوا أنفسهم من الإثم.
﴿ يوم ينفخ في الصور ﴾ قيل هو قرن ينفخ فيه يدعي به الناس للمحشر والمراد بهذه النفخة النفخة الثانية لأنه أتبعه بقوله ﴿ ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً ﴾ يعني نحشر المجرمين زرق العيون سود الوجوه وقيل عمياً وقيل عطاشاً.
﴿ يتخافتون ﴾ يعني يتشاورون ﴿ بينهم ﴾ ويتكلمون خفية ﴿ إن لبثتم ﴾ يعني مكثتم في الدنيا ﴿ إلا عشراً ﴾ يعني عشر ليال وقيل في القبور وقيل بين النفختين وهو مقدار أربعين سنة وذلك أن العذاب رفع عنهم بين النفختين فاستقصروا مدة لبثهم لهول ما عاينوا.
فقال الله تعالى ﴿ نحن أعلم بما يقولون ﴾ يعني يتشاورون فيما بينهم ﴿ إذ يقول أمثلهم طريقة ﴾ أي أوفاهم وأعدلهم قولاً ﴿ إن لبثتم إلا يوماً ﴾ قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من أهوال يوم القيامة وقيل نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم.
قوله عز وجل ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ﴾، قال ابن عباس : سأل رجل من ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف تكون الجبال يوم القيامة فأنزل الله تعالى هذه الآية والنسف هو القلع أي يقلعها من أصولها ويجعلها هباء منثوراً.
﴿ فيذرها ﴾ أي يدع أماكن الجبال من الأرض ﴿ قاعاً صفصفاً ﴾ أي أرضاً ملساء مستوية لا نبات فيها.
﴿ لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ﴾ يعني لا انخفاضاً ولا ارتفاعاً يعني لا ترى وادياً ولا رابية.
﴿ يومئذ يتبعون الداعي ﴾ أي صوت الداعي ويقف على صخرة بيت المقدس ويقول أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن ﴿ لا عوج له ﴾ أي لا عوج لهم عن دعائه ولا يزيعون عنه يميناً ولا شمالاً بل يتبعونه سراعاً ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن ﴾ يعني سكنت وذلت وخضعت وضعفت والمراد به أصحاب الأصوات وقيل خضعت الأصوات من شدة الفزع ﴿ فلا تسمع إلا همساً ﴾ وهو الصوت الخفي قال ابن عباس : هو تحريك الشفاه من غير نطق وقيل أراد بالهمس صوت وطء الأقدام إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل.
ارتفاعا يعني لا ترى واديا ولا رابية يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ أي صوت الداعي ويقف على صخرة بيت المقدس ويقول أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن لا عِوَجَ لَهُ أي لا عوج لهم عن دعائه ولا يزيعون عنه يمينا ولا شمالا بل يتبعونه سراعا وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ يعني سكنت وذلت وخضعت وضعفت والمراد به أصحاب الأصوات وقيل خضعت الأصوات من شدة الفزع فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وهو الصوت الخفي قال ابن عباس: هو تحريك الشفاه من غير نطق وقيل أراد بالهمس صوت وطء الأقدام إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٠٩ الى ١١٩]
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣)
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨)
وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩)
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ لأحد من الناس إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ يعني إلا من أذن له أن يشفع وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا قال ابن عباس: يعني قال لا إله إلا الله، وفيه دليل على أنه لا يشفع غير المؤمن، وقيل إن درجة الشافع درجة عظيمة فهي لا تحصل إلا لمن يأذن الله له فيها وكان عند الله مرضيا يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ قيل الكناية راجعة إلى الذين يتبعون الداعي، أي يعلم الله ما قدموا من الأعمال وما خلفوا من الدنيا وقيل الضمير يرجع إلى من أذن له الرحمن وهو الشافع، والمعنى لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن أن يشفع ثم قال يعلم ما بين أيديهم أي أيدي الشافعين وما خلفهم وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً قيل الكناية ترجع إلى ما أي هو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وهم لا يعلمونه، والمعنى أن العباد لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم علما وقيل الكناية راجعة إلى الله تعالى أي ولا يحيطون بالله علما وَعَنَتِ الْوُجُوهُ يعني ذلت وخضعت في ذلك اليوم ويصير الملك والقهر لله تعالى دون غيره وذكر الوجوه وأراد بها المكلفين لأن عنت من صفات المكلفين لا من صفات الوجوه وإنما خص الوجوه بالذكر لأن الخضوع بها يتبين وفيها يظهر وقوله تعالى لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ تقدم تفسيره وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً.
قال ابن عباس خسر من أشرك بالله وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً قال ابن عباس معناه لا يخاف أن يزاد على سيئاته ولا ينقص من حسناته، وقيل لا يؤخذ بذنب لم يعمله ولا تبطل عنه حسنة عملها قوله تعالى وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ أي كما بينا في هذه السورة أو هذه الآية المتضمنة للوحيد أنزلنا القرآن كله كذلك وقوله قُرْآناً عَرَبِيًّا أي بلسان العرب ليفهمون ويقفوا على إعجازه وحسن نظمه وخروجه عن كلام البشر وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي كررنا وفصلنا القول فيه بذكر الوعيد ويدخل تحت الوعيد بيان الفرائض والمحارم لأن الوعيد بهما يتعلق فتكريره وتصريفه يقتضي بيان الأحكام فلذلك قال تعالى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يجتنبون الشرك والمحارم وترك الواجبات أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي إنما أنزلنا القرآن ليصبروا متقين مجتنبين ما لا ينبغي ويحدث لهم القرآن ذكرا يرغبهم في الطاعات وفعل ما ينبغي، وقيل معناه يجدد لهم القرآن عبرة وعظة
﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾ قيل الكناية راجعة إلى الذين يتبعون الداعي، أي يعلم الله ما قدموا من الأعمال وما خلفوا من الدنيا وقيل الضمير يرجع إلى من أذن له الرحمن وهو الشافع، والمعنى لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن أن يشفع ثم قال يعلم ما بين أيديهم أي أيدي الشافعين وما خلفهم ﴿ ولا يحيطون به علماً ﴾ قيل الكناية ترجع إلى ما أي هو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وهم لا يعلمونه، والمعنى أن العباد لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم علما وقيل الكناية راجعة إلى الله تعالى أي ولا يحيطون بالله علماً.
﴿ وعنت الوجوه ﴾ يعني ذلت وخضعت في ذلك اليوم ويصير الملك والقهر لله تعالى دون غيره وذكر الوجوه وأراد بها المكلفين لأن عنت من صفات المكلفين لا من صفات الوجوه وإنما خص الوجوه بالذكر لأن الخضوع بها يتبين وفيها يظهر وقوله تعالى ﴿ للحي القيوم ﴾ تقدم تفسيره ﴿ وقد خاب من حمل ظلماً ﴾.
قال ابن عباس خسر من أشرك بالله ﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً ﴾ قال ابن عباس معناه لا يخاف أن يزاد على سيئاته ولا ينقص من حسناته، وقيل لا يؤخذ بذنب لم يعمله ولا تبطل عنه حسنة عملها.
قوله تعالى ﴿ وكذلك أنزلناه ﴾ أي كما بينا في هذه السورة أو هذه الآية المتضمنة للوحيد أنزلنا القرآن كله كذلك وقوله ﴿ قرآناً عربياً ﴾ أي بلسان العرب ليفهمون ويقفوا على إعجازه وحسن نظمه وخروجه عن كلام البشر ﴿ وصرفنا فيه من الوعيد ﴾ أي كررنا وفصلنا القول فيه بذكر الوعيد ويدخل تحت الوعيد بيان الفرائض والمحارم لأن الوعيد بهما يتعلق فتكريره وتصريفه يقتضي بيان الأحكام فلذلك قال تعالى ﴿ لعلهم يتقون ﴾ أي يجتنبون الشرك والمحارم وترك الواجبات ﴿ أو يحدث لهم ذكراً ﴾ أي إنما أنزلنا القرآن ليصبروا متقين مجتنبين ما لا ينبغي ويحدث لهم القرآن ذكراً يرغبهم في الطاعات وفعل ما ينبغي، وقيل معناه يجدد لهم القرآن عبرة وعظة فيعتبرون ويتعظون بذكر عقاب الله الأمم.
قوله تعالى ﴿ فتعالى الله الملك الحق ﴾ أي جل الله وعظم عن إلحاد الملحدين وعما يقوله المشركون والجاحدون وقيل فيه تنبيه على ما يلزم خلقه من تعظيمه وتمجيده، وقيل إنما وصف نفسه بالملك الحق لأن ملكه لا يزول ولا يتغير وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره وأولى به منه ﴿ ولا تعجل بالقرآن ﴾ أراد النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادره فيقرأ معه أن يفرغ جبريل مما يريده من التلاوة ومخافة الانفلات أو النسيان فنهاه الله تعالى عن ذلك فقال تعالى ﴿ ولا تعجل بالقرآن ﴾ أي ولا تعجل بقراءته ﴿ من قبل أن يقضى إليك وحيه ﴾ أي من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ وقيل معناه لا تقرئه أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معناه ﴿ وقل رب زدني علماً ﴾ فيه التواضع والشكر لله والمعنى زدني علماً إلى ما علمت فإن لك في كل شيء علماً وحكمة، قيل ما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم.
وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية يقول اللهم زدني علماً وإيماناً ويقيناً.
قوله عزّ وجلّ ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم ﴾ يعني أمرنا وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة ﴿ من قبل ﴾ أي من هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا الإيمان بي وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى ﴿ لعلهم يتقون ﴾ ﴿ فنسي ﴾ أي فترك ما عهدنا إليه من الاحتراز عن أكل هذه الشجرة وأكل منها، وقيل أراد النسيان الذي هو ضد الذكر ﴿ ولم نجد له عزماً ﴾ أي صبراً عما نهي عنه وحفظاً لما أمر به، وقيل معناه لم نجد له رأياً معزوماً حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له، وقيل معناه لم نجد له عزماً على المقام على المعصية فيكون إلى المدح أقرب.
قوله عز وجل ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ﴾ أن يسجد.
﴿ فقلنا يا آدم إن هذا ﴾ أي إبليس ﴿ عدو لك ولزوجك ﴾ إي حواء وسبب العداوة ما رأى من آثار نعمة الله على آدم فحسده فصار عدواً له ﴿ فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ أسند الخروج إليه، وإن كان الله تعالى هو المخرج لأنه لما كان بوسوسته وفعل آدم ما يترتب عليه الخروج صح ذلك. ومعنى تشقى تتعب وتنصب ويكون عيشك من كد يمينك بعرق جبينك، وهو الحرث والزرع والحصد والطحن والخبز قيل أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فكان ذلك شقاءه. فإن قلت لم أسند الشقاء إلى آدم دون حواء.
قلت فيه وجهان أحدهما : أن في ضمن شقاء الرجل شقاء أهله، كما أن في سعادته سعادتهم لأنه القيم عليهم. الثاني : إنه أريد بالشقاء التعب في طلب القوت وذلك على الرجل دون المرأة لأن الرجل هو الساعي على زوجته.
﴿ إن لك أن لا تجوع فيها ﴾ يعني الجنة.
﴿ وأنك لا تظمأ فيها ﴾ أي تعطش ﴿ ولا تضحى ﴾ أي تبرز للشمس فيؤذيك حرها لأنه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود والمعنى أن الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي يدور عليها كفاف الإنسان. فذكر الله تعالى حصول هذه الأشياء في الجنة وإنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى أهل الدنيا.
فيعتبرون ويتعظون بذكر عقاب الله الأمم قوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ أي جل الله وعظم عن إلحاد الملحدين وعما يقوله المشركون والجاحدون وقيل فيه تنبيه على ما يلزم خلقه من تعظيمه وتمجيده، وقيل إنما وصف نفسه بالملك الحق لأن ملكه لا يزول ولا يتغير وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره وأولى به منه وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادره فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل مما يريده من التلاوة مخافة الانفلات أو النسيان فنهاه الله تعالى عن ذلك فقال تعالى وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ أي ولا تعجل بقراءته مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ وقيل معناه لا تقرئه أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معناه وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فيه التواضع والشكر لله والمعنى زدني علما إلى ما علمت فإن لك في كل شيء علما وحكمة، قيل ما أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم.
وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية يقول اللهم زدني علما وإيمانا ويقينا قوله عزّ وجلّ وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ يعني أمرناه وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة مِنْ قَبْلُ أي من هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا الإيمان بي وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَنَسِيَ أي فترك ما عهدنا إليه من الاحتراز عن أكل هذه الشجرة وأكل منها، وقيل أراد النسيان الذي هو ضد الذكر وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً أي صبرا عما نهي عنه وحفظا لما أمر به، وقيل معناه لم نجد له رأيا معزوما حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له، وقيل معناه لم نجد له عزما على المقام على المعصية فيكون إلى المدح أقرب قوله عز وجل وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أن يسجد فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا أي إبليس عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ أي حواء وسبب العداوة ما رأى من آثار نعمة الله على آدم فحسده فصار عدوا له فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى أسند الخروج إليه، وإن كان الله تعالى هو المخرج لأنه لما كان بوسوسته وفعل آدم ما يترتب عليه الخروج صح ذلك. ومعنى تشقى تتعب وتنصب ويكون عيشك من كد يمينك بعرق جبينك، وهو الحرث والزرع والحصد والطحن والخبز قيل أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فكان ذلك شقاءه. فإن قلت لم أسند الشقاء إلى آدم دون حواء.
قلت فيه وجهان أحدهما: أن في ضمن شقاء الرجل شقاء أهله، كما أن في سعادته سعادتهم لأنه القيم عليهم. الثاني: إنه أريد بالشقاء التعب في طلب القوت وذلك على الرجل دون المرأة لأن الرجل هو الساعي على زوجته إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها يعني الجنة وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها أي تعطش وَلا تَضْحى أي تبرز للشمس فيؤذيك حرها لأنه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود والمعنى أن الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي يدور عليها كفاف الإنسان. فذكر الله تعالى حصول هذه الأشياء في الجنة وإنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إليه أهل الدنيا.
[سورة طه (٢٠): الآيات ١٢٠ الى ١٢٩]
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤)
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)
214
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ أي أنهى إليه الوسوسة فأسر إليه ثم بين تلك الوسوسة ما هي فقال قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ أي على الشجرة التي إن أكلت منها بقيت مخلدا وَمُلْكٍ لا يَبْلى أي لا يبيد ولا يفنى رغبة في دوام الراحة، فكان الشيء الذي رغب الله فيه آدم رغبه إبليس فيه، إلا أن الله تعالى وقف ذلك على الاحتراز عن تلك الشجرة وإبليس وقفه على الإقدام عليها وآدم مع كمال علمه بأن الله تعالى هو خالقه وربه ومولاه وناصره، وإبليس هو عدوه أعرض عن قول الله تعالى ولم يرد المخالفة ومن تأمل هذا السر عرف أنه لا دفع لقضاء الله ولا مانع منه. وقوله تعالى فَأَكَلا مِنْها يعني أكل آدم وحواء من الشجرة فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي عريا من الثياب التي كانت عليهما حتى بدت فروجهما وظهرت عوراتهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي يلزقان بسوءاتهما من ورق التين وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ أي بأكل الشجرة فَغَوى أي فعل ما لم يكن له فعله وقيل أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عنه فخاب ولم ينل مراده وصار من العز إلى الذل ومن الراحة إلى التعب. قال ابن قتيبة: يجوز أن يقال عصى آدم ولا يجوز أن يقال آدم عاص، لأنه إنما يقال لمن اعتاد فعل المعصية كالرجل يخيط ثوبه يقال خاط ثوبه ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك مرارا ويعتاده.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أفتلومني على أمر قدره الله تعالى علي قبل أن يخلقني بأربعين عاما فحج آدم موسى».
وفي رواية لمسلم «قال آدم بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين سنة قال فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى. قال له نعم قال فهل تلومني على أن عملت عملا كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحج آدم موسى».
(الكلام على معنى الحديث وشرحه)
قوله احتج آدم وموسى: المحاجة المجادلة والمخاصمة يقال حاججت فلانا فحججته أي جادلته فغلبته.
قال أبو سليمان الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القدر والقضاء من الله تعالى على معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره، ويتوهم أن قوله فحج آدم وموسى من هذا الوجه وليس كذلك. وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد وإكسابهم وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها شرها.
والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر والقضاء في هذا معناه الخلق وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي عليهم من وراء علم الله فهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم الأمور وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقدم إرادة واختيار.
فالحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها وجماع القول في هذا أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء. فمن رام الفصل بينهما فقد رام هذا البناء ونقضه وإنما موضع الحجة لآدم على موسى أن الله تعالى كان قد علم من آدم أنه يتناول الشجرة ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه وأن يبطله بعد ذلك. وإنما كان تناوله الشجرة سببا لنزوله إلى الأرض التي خلق لها وإنما أدلى آدم بالحجة على هذا المعنى ودفع لائمة موسى عن نفسه ولذلك قال أتلومني على أمر قدره الله علي من قبل أن يخلقني.
(فصل: في بيان عصمة الأنبياء وما قيل في ذلك)
قال الإمام فخر الدين الرازي: اختلف الناس في عصمة الأنبياء وضبط القول فيها يرجع إلى أقسام أربعة،
215
أحدها: ما يقع في باب الاعتقاد وهو اعتقاد الكفر والضلال فإن ذلك غير جائز عليهم. الثاني: ما يتعلق بالتبليغ فقد أجمعت الأمة على كونهم معصومين عن الكذب مواظبين على التبليغ والتحريض. وإلا لارتفع الوثوق بالأداء واتفقوا على أن ذلك لا يجوز وقوعه منهم عمدا ولا سهوا ومن الناس من جوز ذلك سهوا قالوا لأن الاحتراز عنه غير ممكن. الثالث: ما يتعلق بالفتيا فأجمعوا على أنه لا يجوز خطؤهم فيها على سبيل العمد وأجازه لبعضهم على سبيل السهو. الرابع: ما يقع في أفعالهم فقد اختلفت الأمة فيه على خمسة أقوال. أحدها: قول من جوز عليهم الكبائر. الثاني: قول من منع من الكبائر وجوز الصغائر على جهة العمد وهو قول أكثر المعتزلة. الثالث:
لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة البتة بل على جهة التأويل وهو قول الجبائي. الرابع: أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطأ. الخامس: أنه لا يقع منهم لا كبيرة ولا صغيرة لا على سبيل العمد ولا على سبيل السهو ولا على سبيل التأويل، وهو قول الشيعة. واختلفت الناس في وقت العصمة على ثلاثة أقوال: أحدها:
قول من ذهب إلى أنهم معصومون من حين وقت الولادة وهو قول الشيعة. الثاني: قول من ذهب إلى عصمتهم من وقت بلوغهم وهو قول أكثر المعتزلة. الثالث قول من ذهب إلى أن ذلك لا يجوز منهم بعد النبوة وهو قول أكثر أصحابنا وأبي الهزيل وأبي علي من المعتزلة.
قال الإمام والمختار عندنا لم يصدر عنهم ذنب لا صغيرة ولا كبيرة من حين جاءتهم النبوة. ويدل عليه وجوه أحدها: لو صدر الذنب عنهم لكانوا أقل درجة من أحد الأمة وذلك غير جائز لأن درجة الأنبياء غاية في الرفعة والشرف. الثاني: لو صدر منه وجب أن لا يكون مقبول الشهادة فكان أقل حالا من عدول الأمة وذلك غير جائز أيضا لأن معنى النبوة والرسالة هو أنه يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم، وأيضا فإنه يوم القيامة شاهد على الكل. الثالث: لو صدر من النبي ذنب وجب الاقتداء به فيه وذلك محال. الرابع: ثبت ببديهة العقل أنه لا شيء أقبح بمن رفع الله درجته وائتمنه على وحيه وجعله خليفته في عباده وبلاده يسمع ربه يناديه لا تفعل كذا فيقدم عليه ويفعله ترجيحا لغرضه. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء كانوا يأمرون الناس بطاعة الله فلو لم يطيعوه لدخلوا تحت قوله أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وقال وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ. الخامس: قال الله تعالى إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ولفظه للعموم فيتناول الكل ويدل على فعل ما ينبغي فعله وترك ما ينبغي تركه، فثبت أن الأنبياء كانوا فاعلين لكل خير وتاركين لكل منهي وذلك ينافي صدور الذنب عنهم. السادس: قال الله تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ وقال تعالى في حق موسى:
إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي وقال تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ وغير ذلك من الآيات التي تدل على كونهم موصوفين بالاصطفاء والخيرة، وذلك ينافي صدور الذنب عنهم، وذكر غير ذلك من الوجوه. قال وأما المخالف فقد تمسك بآيات منها قصة آدم هذه، والجواب عنها أن نقول إن كلامهم إنما يتم أن لو بينوا بالدلالة أن ذلك كان حال النبوة وذلك ممنوع ولم لا يجوز أن يقال إن آدم حال ما صدرت عنه هذه الأشياء ما كان نبيا وإن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وإن الله تعالى قبل توبته وشرفه بالنبوة والرسالة. وقال القاضي عياض وأما قصة آدم وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى أي جهل وقيل أخطأ فقد أخبر الله تعالى بعذره في قوله:
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً أي نسي عداوة إبليس له وما عهد الله إليه. وقبل لم يقصد المخالفة استحلالا لها ولكنه اغتر بحلف إبليس له إني لكما لمن الناصحين وتوهم أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا، وقيل نسي ولم ينو المخالفة فلذلك قال ولم نجد له عزما أي قصدا للمخالفة، وقيل بل أكل من الشجرة متأولا
216
وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها لأنه تأول نهي الله عن شجرة مخصوصة لا على الجنس، ولهذا قيل إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة وقيل تأول أن الله تعالى لم ينه نهي تحريم.
فإن قلت إذا نفيت عنهم الذنوب والمعاصي فما معنى قوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى وما تكرر في القرآن والحديث من اعتراف الأنبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم وإشفاقهم وبكائهم على ما سلف منهم وهل يتوب ويستغفر من لا شيء عليه. قلت إن درجة الأنبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه، مما يحملهم على الخوف منه جل جلاله والإشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم، وإنهم في تصرفهم بأمور لم ينهوا عنها ولم يؤمروا، وآتوها على وجه التأويل أو السهو وتزيدوا من أمور الدنيا المباحة أو خذوا عليها وعوتبوا بسببها أو حذروا من المؤاخذة بها فهم خائفون وجلون، وهي ذنوب بالإضافة إلى علو منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم، لا أنها ذنوب كذنوب غيرهم ومعاصيهم كان هذا أدنى أفعالهم وأسوأ ما يجري من أحوالهم كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، أي يرونها بالإضافة إلى علو أحوالهم كالسيئات وسنذكر في كل موضع ما يليق به وما قيل فيه إن شاء الله تعالى. قوله عز وجل: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ أي اختاره واصطفاه فَتابَ عَلَيْهِ أي عاد بالعفو والمغفرة وَهَدى أي هداه لرشده حتى رجع إلى الندم والاستغفار قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً قيل الخطاب لآدم ومعه ذريته ولإبليس ومعه ذريته فصح قوله اهبطا لاشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة، وقيل الخطاب لآدم ومعه ذريته ولإبليس ومعه ذريته فصح قوله اهبطا لاشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة، وقيل الخطاب لآدم وحواء لأنهما أصل البشر فجعلا كأنهما البشر فخوطبا بلفظ الجمع بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وقيل في تقوية هذا الظاهر حقه أن يكون إبليس والشياطين أعداء الناس، ويحتمل أن يكون بعض الفريقين لبعض عدوا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً أي كتاب ورسول فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ أي الكتاب والرسول فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى قال ابن عباس: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك لأن الله تعالى يقول فمن اتبع هداي فلا يضل أي في الدنيا ولا يشقى أي في الآخرة وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يعني القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهم قالوا هو عذاب القبر. قال أبو سعيد يضغط في القبر حتى تختلف أضلاعه.
وفي بعض المسانيد مرفوعا يلتئم عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال يعذب حتى يبعث وقيل هو الزقوم والضريع والغسلين في النار، وقيل الحرام والكسب الخبيث. وقال ابن عباس الشقاء وعنه قال كل ما أعطي العبد قل أم كثر فلم يتق فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة. وإن قوما أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين منها فكانت معيشتهم وذلك أنهم يرون أن الله ليس بمخلف لهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله تعالى. وقيل يسلب القناعة حتى لا يشبع وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قال ابن عباس أعمى البصر وقيل أعمى عن الحجة قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً يعني بصيرا العين أو بصير بالحجة قالَ كَذلِكَ يعني كما أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها يعني فطردتها وأعرضت عنها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى يعني تترك في النار وقيل نسوا من الخير والرحمة ولم ينسوا من العذاب وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ يعني كما جزينا من أعرض عن القرآن كذلك نجزي من أسرف أي أشرك وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ يعني مما يعذبهم الله به في الدنيا والقبر وَأَبْقى يعني وأدوم قوله تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ يعني أفلم يبين القرآن لكفار مكة كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ يعني في ديارهم ومنازلهم إذا سافروا وذلك أن قريشا كانوا يسافرون إلى الشام فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر وهم ثمود وقريات قوم لوط إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ أي ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى تقديره ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازما لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة.
217
وقوله تعالى ﴿ فأكلا منها ﴾ يعني أكل آدم وحواء من الشجرة ﴿ فبدت لهما سوءاتهما ﴾ أي عريا من الثياب التي كانت عليهما حتى بدت فروجهما وظهرت عوراتهما ﴿ وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ﴾ أي يلزقان بسوءاتهما من ورق التين ﴿ وعصى آدم ربه ﴾ أي بأكل الشجرة ﴿ فغوى ﴾ أي فعل ما لم يكن له فعله وقيل أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عنه فخاب ولم ينل مراده وصار من العز إلى الذل ومن الراحة إلى التعب. قال ابن قتيبة : يجوز أن يقال عصى آدم ولا يجوز أن يقال آدم عاص، لأنه إنما يقال لمن اعتاد فعل المعصية كالرجل يخيط ثوبه يقال خاط ثوبه ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك مراراً ويعتاده. ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أفتلومني على أمر قدره الله تعالى علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً فحج آدم موسى ».
وفي رواية لمسلم « قال آدم بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين سنة قال فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى. قال له نعم قال فهل تلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحج آدم موسى ».
( الكلام على معنى الحديث وشرحه )
قوله احتج آدم وموسى : المحاجة المجادلة والمخاصمة يقال حاججت فلاناً فحججته أي جادلته فغلبته. قال أبو سليمان الخطابي : قد يحسب كثير من الناس أن معنى القدر والقضاء من الله تعالى على معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره، ويتوهم أن قوله فحج آدم وموسى من هذا الوجه وليس كذلك. وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد وإكسابهم وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها. والقدر اسم لما صدر مقدراً عن فعل القادر والقضاء في هذا معناه الخلق وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي عليهم من وراء علم الله فهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم الأمور وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقدم إرادة واختبار. فالحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها وجماع القول في هذا أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء. فمن رام الفصل بينهما فقد رام هذا البناء ونقضه وإنما موضع الحجة لآدم على موسى أن الله تعالى كان قد علم من آدم أن يتناول الشجرة ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه وأن يبطله بعد ذلك. وإنما كان تناوله الشجرة سبباً لنزوله إلى الأرض التي خلق لها وإنما أدلى آدم بالحجة على هذا المعنى ودفع لائمة موسى عن نفسه ولذلك قال أتلومني على أمر قدره الله علي من قبل أن يخلقني.
( فصل : في بيان عصمة الأنبياء وما قيل في ذلك )
قال الإمام فخر الدين الرازي : اختلف الناس في عصمة الأنبياء وضبط القول فيها يرجع إلى أقسام أربعة، أحدهما : ما يقع في باب الاعتقاد وهو اعتقاد الكفر والضلال فإن ذلك غير جائز عليهم. والثاني : ما يتعلق بالتبليغ فقد أجمعت الأمة على كونهم معصومين عن الكذب مواظبين على التبليغ والتحريض. وإلا لارتفع الوثوق بالأداء واتفقوا على أن ذلك لا يجوز وقوعه منهم عمداً ولا سهواً ومن الناس من جوز ذلك سهواً قالوا لأن الاحتراز عنه غير ممكن. الثالث : ما يتعلق بالفتيا فأجمعوا على أنه لا يجوز خطؤهم فيها على سبيل العمد وأجازه لبعضهم على سبيل السهو. الرابع : ما يقع في أفعالهم فقد اختلفت الأمة فيه على خمسة أقوال. أحدها : قول من جوز عليهم الكبائر. الثاني : قول من منع من الكبائر وجوز الصغائر على جهة العمد وهو قول أكثر المعتزلة. الثالث : لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة البتة بل على جهة التأويل وهو قول الجبائي. الرابع : أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطأ. الخامس : أنه لا يقع منهم لا كبيرة ولا صغيرة لا على سبيل العمد ولا على سبيل السهو ولا على سبيل التأويل، وهو قول الشيعة. واختلفت الناس في وقت العصمة على ثلاثة أقوال : أحدها : قول من ذهب إلى أنهم معصومون من حين وقت الولادة وهو قول الشيعة. الثاني : قول من ذهب إلى عصمتهم من وقت بلوغهم وهو قول أكثر المعتزلة. الثالث : قول من ذهب إلى أن ذلك لا يجوز منهم بعد النبوة وهو قول أكثر أصحابنا وأبي الهزيل وأبي علي من المعتزلة.
قال الإمام والمختار عندنا لم يصدر عنهم ذنب لا صغيرة ولا كبيرة من حين جاءتهم النبوة. ويدل عليه وجوه أحدها : لو صدر الذنب عنهم لكانوا أقل درجة من أحد الأمة وذلك غير جائز لأن درجة الأنبياء غاية في الرفعة والشرف. الثاني : لو صدر منه وجب أن لا يكون مقبول الشهادة فكان أقل حالاً من عدول الأمة وذلك غير جائز أيضاً لأن معنى النبوة والرسالة هو أنه يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم، وأيضاً فإنه يوم القيامة شاهد على الكل. الثالث : لو صدر من النبي ذنب وجب الاقتداء به فيه وذلك محال. الرابع : ثبت ببديهة العقل أنه لا شيء أقبح بمن رفع الله درجته وائتمنه على وحيه وجعله خليفته في عباده وبلاده يسمع ربه يناديه لا تفعل كذا فيقدم عليه ويفعله ترجيحاً لغرضه. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء كانوا يأمرون الناس بطاعة الله فلو لم يطيعوه لدخلوا تحت قوله ﴿ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ﴾ وقال ﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ الخامس : قال الله تعالى ﴿ أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ﴾ ولفظه للعموم فيتناول الكل ويدل على فعل ما ينبغي فعله وترك ما ينبغي تركه، فثبت أن الأنبياء كانوا فاعلين لكل خير وتاركين لكل منهي وذلك ينافي صدور الذنب عنهم. السادس : قال الله تعالى :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير ﴾.
وقال تعالى :﴿ إن الله اصطفى آدم وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ﴾ وقال تعالى في حق موسى :﴿ إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ﴾ وقال تعالى :﴿ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إن أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ﴾ وغير ذلك من الآيات التي تدل على كونهم موصوفين بالاصطفاء والخيرة، وذلك ينافي صدور الذنب عنهم، وذكر غير ذلك من الوجوه. قال وأما المخالف فقد تمسك بآيات منها قصة آدم هذه. والجواب عنها أن نقول إن كلامهم إنما يتم أن لو بينوا بالدلالة أن ذلك كان حال النبوة وذلك ممنوع ولم لا يجوز أن يقال إن آدم حال ما صدرت عنه هذه الأشياء ما كان نبياً وإن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وإن الله تعالى قبل توبته وشرفه بالنبوة والرسالة. وقال القاضي عياض وأما قصة آدم ﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾ أي جهل وقيل أخطأ فقد أخبر الله تعالى بعذره في قوله :﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ﴾ أي نسي عداوة إبليس له وما عهد الله إليه. وقيل لم يقصد المخالفة استحلالاً لها ولكنه اغتر بحلف إبليس له إني لكما لمن الناصحين وتوهم أن أحداً لا يحلف بالله كاذباً، وقيل نسي ولم ينو المخالفة فلذلك قال ولم نجد له عزماً أي قصداً للمخالفة، وقيل بل أكل من الشجرة متأولاً وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها لأنه تأول نهي الله عن شجرة مخصوصة لا على الجنس، ولهذا قيل إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة وقيل تأول أن الله تعالى لم ينه نهي تحريم.
فإن قلت إذا نفيت عنهم الذنوب والمعاصي فما معنى قوله :﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾ وما تكرر في القرآن والحديث من اعتراف الأنبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم وإشفاقهم وبكائهم على ما سلف منهم وهل يتوب ويستغفر من لا شيء عليه. قلت إن درجة الأنبياء من الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه، مما يحملهم على الخوف منه جل جلاله والإشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم، وإنهم في تصرفهم بأمور لم ينهوا عنها ولم يؤمروا، وآتوها على وجه التأويل أو السهو وتزيدوا من أمور الدنيا المباحة أوخذوا عليها وعوتبوا بسببها أو حذروا من المؤاخذة بها فهم خائفون وجلون، وهي ذنوب بالإضافة إلى علو منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم، لا أنها ذنوب كذنوب غيرهم ومعاصيهم كان هذا أدنى أفعالهم وأسوأ ما يجري من أحوالهم كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، أي يرونها بالإضافة إلى علو أحوالهم كالسيئات وسنذكر في كل موضع ما يليق به وما قيل فيه إن شاء الله تعالى.
قوله عز وجل :﴿ ثم اجتباه ربه ﴾ أي اختاره واصطفاه ﴿ فتاب عليه ﴾ أي عاد بالعفو والمغفرة ﴿ وهدى ﴾ أي هداه لرشده حتى رجع إلى الندم والاستغفار.
﴿ قال اهبطا منه جميعاً ﴾ قيل الخطاب لآدم ومعه ذريته ولإبليس ومعه ذريته فصح قوله اهبطا لاشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة، وقيل الخطاب لآدم وحواء لأنهما أصل البشر فجعلا كأنهما البشر فخوطبا بلفظ الجمع ﴿ بعضكم لبعض عدو ﴾ وقيل في تقوية هذا الظاهر حقه أن يكون إبليس والشياطين أعداء الناس، ويحتمل أن يكون بعض الفريقين لبعض عدواً ﴿ فأما يأتينكم مني هدى ﴾ أي كتاب ورسول ﴿ فمن اتبع هدايَ ﴾ أي الكتاب والرسول ﴿ فلا يضل ولا يشقى ﴾ قال ابن عباس : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك لأن الله تعالى يقول فمن اتبع هداي فلا يضل أي في الدنيا ولا يشقى أي في الآخرة.
﴿ ومن أعرض عن ذكري ﴾ يعني القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه ﴿ فإن له معيشة ضنكاً ﴾ روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهم قالوا هو عذاب القبر. قال أبو سعيد يضغط في القبر حتى تختلف أضلاعه.
وفي بعض المسانيد مرفوعاً يلتئم عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال يعذب حتى يبعث وقيل الزقوم والضريع والغسلين في النار، وقيل الحرام والكسب الخبيث. وقال ابن عباس الشقاء وعنه قال كل ما أعطي العبد قل أم كثر فلم يتق فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة. وإن قوماً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين منها فكانت معيشتهم وذلك أنهم يرون أن الله ليس بمخلف لهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله تعالى. وقيل يسلب القناعة حتى لا يشبع ﴿ ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ قال ابن عباس أعمى البصر وقيل أعمى عن الحجة.
﴿ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً ﴾ يعني بصيراً العين أو بصير بالحجة.
﴿ قال كذلك ﴾ يعني كما ﴿ أتتك آياتنا فنسيتها ﴾ يعني فطردتها وأعرضت عنها ﴿ وكذلك اليوم تنسى ﴾ يعني تترك في النار وقيل نسوا من الخير والرحمة ولم ينسوا من العذاب.
﴿ وكذلك نجزي من أسرف ﴾ يعني كما جزينا من أعرض عن القرآن كذلك نجزي من أسرف أي أشرك ﴿ ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد ﴾ يعني مما يعذبهم الله به في الدنيا والقبر ﴿ وأبقى ﴾ يعني وأدوم.
قوله تعالى :﴿ أفلم يهد لهم ﴾ يعني أفلم يبين القرآن لكفار مكة ﴿ كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ﴾ يعني في ديارهم ومنازلهم إذ سافروا وذلك أن قريشاً كانوا يسافرون إلى الشام فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر وهم ثمود وقريات قوم لوط ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾ أي لذوي العقول.
﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ أي ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم ﴿ لكان لزاماً وأجل مسمى ﴾ تقديره ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة.

[سورة طه (٢٠): الآيات ١٣٠ الى ١٣٥]

فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤)
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ نسختها آية السيف وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي صل بأمر ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها أي صلاة العصر وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ أي ومن ساعاته فَسَبِّحْ يعني فصل المغرب والعشاء قال ابن عباس يريد أول الليل وَأَطْرافَ النَّهارِ يعني صلاة الظهر سمي وقت الظهر أطراف النهار لأن وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأول انتهاء وطرف النصف الآخر ابتداء لَعَلَّكَ تَرْضى أي ترضى ثوابه في المعاد، وقيل معناه لعلك ترضى بالشفاعة، وقرئ ترضى بضم التاء أي تعطى ثوابه، وقيل يرضاك ربك (ق) عن جرير بن عبد الله قال: «كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» قوله لا تضامون بتخفيف الميم من الضيم، وهو الظلم والمعنى أنكم ترونه جميعا لا يظلم بعضكم بعضا في رؤيته وروي بتشديد الميم من الانضمام والازدحام، أي لا يزدحم ولا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته والكاف في قوله كما ترون هذا القمر كاف التشبيه للرؤية لا للمرئي وهي فعل الرائي، ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم هذا القمر ليلة البدر ولا ترتابون فيه ولا تشكون قوله عز وجل: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ قال أبو رافع نزل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضيف فبعثني إلى يهودي فقال قل له إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فأتيته فقلت له ذلك فقال والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته فقال والله لئن باعني أو أسلفني لقضيته إني لأمين في السماء وأمين في الأرض أذهب بدرعي الحديد إليه» فنزلت هذه الآية: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي لا تنظر نظرا تكاد تردده استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به وتمنيا له إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أي أعطينا أَزْواجاً أي أصنافا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي زينتها وبهجتها لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنجعل ذلك فتنة بأن تزيد النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا وَرِزْقُ رَبِّكَ أي في المعاد في الجنة خَيْرٌ وَأَبْقى أي أدوم وقال أبي بن كعب من لم يعتز بالله تقطعت نفسه حسرات، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس يطل حزنه ومن ظن أن نعمة الله عليه في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه. ف قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ أي قومك وقيل من كان على دينك بِالصَّلاةِ يعني بالمحافظة عليها وَاصْطَبِرْ عَلَيْها يعني اصبر على الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وقيل اصبر عليها فإن الوعظ بلسان الفعل أبلغ منه بلسان القول لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً أي لا نكلفك أن ترزق أحدا من خلقنا ولا أن ترزق نفسك بل نكلفك عملا نَحْنُ نَرْزُقُكَ أي بل نحن نرزقك ونرزق أهلك وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي الخصلة المحمودة لأهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك واتبعوك وآمنوا بك وفي بعض المسانيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية قوله تعالى وَقالُوا يعني المشركين لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أي الآية المقترحة فإنه كان قد أتاهم بآيات كثيرة أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى أي بيان ما فيها وهو القرآن لأنه أقوى
218
دلالة وأوضح آية وقيل معنى ما في الصحف ما في التوراة والإنجيل وغيرهما من أخبار الأمم أنهم اقترحوا الآيات فلما أتتهم لم يؤمنوا فعجلنا لهم العذاب والهلاك فما يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم كحال أولئك وقيل بينة ما في الصحف الأولى هي البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ونبوته وبعثته وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل إرسال الرسل وإنزال القرآن لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا أي لقالوا يوم القيامة أولا أرسلت إلينا رسولا يدعونا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى بالعذاب والهوان والافتضاح قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ أي منتظر دوائر الزمان وذلك أن المشركين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون وحوادث الدهر فإذا مات تخلصنا قال الله تعالى:
فَتَرَبَّصُوا أي فانتظروا فَسَتَعْلَمُونَ أي إذا جاء أمر الله وقامت القيامة مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ يعني المستقيم وَمَنِ اهْتَدى يعني من الضلالة نحن أم أنتم والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
219
قوله عز وجل :﴿ ولا تمدن عينيك ﴾ قال أبو رافع نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فبعثني إلى يهودي فقال قل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« بعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فأتيته فقلت له ذلك فقال والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال والله لئن باعني أو أسلفني لقضيته إني لأمين في السماء وأمين في الأرض أذهب بدرعي الحديد إليه » فنزلت هذه الآية :﴿ ولا تمدن عينيك ﴾ أي لا تنظر نظراً تكاد تردده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به وتمنياً له ﴿ إلى ما متعنا به ﴾ أي أعطينا ﴿ أزواجاً ﴾ أي أصنافاً ﴿ منهم زهرة الحياة الدنيا ﴾ أي زينتها وبهجتها ﴿ لنفتنهم فيه ﴾ أي لنجعل ذلك فتنة بأن تزيد النعمة فيزيدوا كفراً وطغياناً ﴿ ورزق ربك ﴾ أي في المعاد في الجنة ﴿ خير وأبقى ﴾ أي أدوم وقال أبي بن كعب من لم يعتز بالله تقطعت نفسه حسرات، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس يطل حزنه ومن ظن أن نعمة الله عليه في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه. ف
قوله تعالى :﴿ وأمر أهلك ﴾ أي قومك وقيل من كان على دينك ﴿ بالصلاة ﴾ يعني بالمحافظة عليها ﴿ واصطبر عليها ﴾ يعني اصبر على الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وقيل اصبر عليها فإن الوعظ بلسان الفعل أبلغ منه بلسان القول ﴿ لا نسألك رزقاً ﴾ أي لا نكلفك أن ترزق أحداً من خلقنا ولا أن ترزق نفسك بل نكلفك عملاً ﴿ نحن نرزقك ﴾ أي بل نحن نرزقك ونرزق أهلك ﴿ والعاقبة للتقوى ﴾ أي الخصلة المحمودة لأهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك واتبعوك وآمنوا بك وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية قوله تعالى.
﴿ وقالوا ﴾ يعني المشركين ﴿ لولا يأتينا بآية من ربه ﴾ أي الآية المقترحة فإنه كان قد أتاهم بآيات كثيرة ﴿ أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ﴾ أي بيان ما فيها وهو القرآن لأنه أقوى دلالة وأوضح آية وقيل معنى ما في الصحف ما في التوراة والإنجيل وغيرهما من أخبار الأمم أنهم اقترحوا الآيات فلما أتتهم لم يؤمنوا فعجلنا لهم العذاب والهلاك فما يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم كحال أولئك وقيل بينة ما في الصحف الأولى هي البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وبعثته.
﴿ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ﴾ أي من قبل إرسال الرسل وإنزال القرآن ﴿ لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسلاً ﴾ أي لقالوا يوم القيامة أولاً أرسلت إلينا رسولاً يدعونا ﴿ فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ﴾ بالعذاب والهوان والافتضاح.
﴿ قل كل متربص ﴾ أي منتظر دوائر الزمان وذلك أن المشركين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون وحوادث الدهر فإذا مات تخلصنا قال الله تعالى :﴿ فتربصوا ﴾ أي فانتظروا ﴿ فستعلمون ﴾ أي إذا جاء أمر الله وقامت القيامة ﴿ ومن أصحاب الصراط السوي ﴾ يعني المستقيم ﴿ ومن اهتدى ﴾ يعني من الضلالة نحن أم أنتم والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon