تفسير سورة السجدة

حومد
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿أَلِفْ﴾. ﴿لامْ﴾. ﴿مِيمْ﴾.
(١) - اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ
﴿الكتاب﴾ ﴿العالمين﴾.
(٢) - إِنَّ هذا القُرآنَ، الذِي أَنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ لاَ شَكَ فِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ العَالمينَ، وَمَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلاَ هُوَ مُفْتَرىً عَلَى اللهِ.
﴿افتراه﴾ ﴿أَتَاهُم﴾
(٣) - إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّداً افْتَرى القَرآنَ عَلَى رَبِّهِ، وَهذا كَذِبٌ مِنْهُمْ وَتَخَرُّصٌ، فَهُوَ الحَقُّ والصِّدْقُ مِنْ عِندِ رَبِّكَ، أَنزَلَهُ إِليكَ لِتُنْذِرَ بهِ قَوْمَكَ، وَتُخَوِّفَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعَذابِهِ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ، عِقَاباً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَقَوْمُكَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ مِنْ قَبْلِكَ يُبَيِّنُ لَهُمْ سَبيلَ الرَّشَادِ فَأْرْسَلَكَ اللهُ إِلَيْهِمْ لِتُنْذِرَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَيَرْشُدُونَ.
افْتَراهُ - اخْتَلَقَ القُرآنَ مِنْ تَلْقَاء نَفْسِهِ وَنَسَبَهُ إِلى اللهِ.
﴿السماوات﴾
(٤) - لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالى السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيامٍ (وَهذِهِ الأيامُ لا يَعْرفُ أََحَدٌ كُنْهَهَا، وهيَ عَلَى كُلّ حَالٍ لَيْسَتْ مِنْ أيامِ الدُّنيا، لأَنها كَانَتْ قَبلَ أَنْ تُخْلَقَ الدُّنيا، وَقَبلَ أَنْ يُخْلَقَ الليلُ والنَّهَارُ) ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ، واللهُ تَعَالى هُوَ المَالِكُ لأَزِمَّةِ الأُمُورِ، وَهُوَ المُدَبِّرُ لِشْؤُونِ خَلْقِهِ، وَليسَ لِلنَّاسِ مِنْ دُونِهِ مَنْ يَلي أُمُورَهُمْ أَوْ يَنْصُرُهُمْ مِنْهُ إِنْ أَرادَ بِهِمْ ضَرّاً، وَليسَ لَهُمْ مِنَ يَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَهُ إِنْ أَرَادَ عِقَابَهُمْ عَلَى مَعَاصِيهِم. أَفَلا يُدْرِكُ الذِينَ يَعْبُدُونَ غَيرَ اللهِ هذهِ الحَقِيقَةَ فَيَعْتَبِرُ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ عَقْلٌ يُدْرِكُ بِهِ؟
(٥) - وَمِنْ دَلاَئِلِ عَظَمَتِهِ تَعَالى أَنَّهُ أَمْرَ الأَرضِ مِنَ السَّمَاءِ، وَتُرفَعُ إليهِ نَتَائِجُ تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ، وَهُوَ تَعَالى في عُلاهُ، فِي يَومٍ مُقَدّرٍ بأَلفِ سَنةٍ مِنْ سِنِيِّ الدُّنيا التي تَعدُّونَها.
يَعْرُجُ إليهِ - يَصْعَدُ الأَمرُ، يَرْتَفِعُ إِليهِ.
﴿عَالِمُ﴾ ﴿الشهادة﴾
(٦) - ذَلِكَ المَوْصُوفُ بالخَلْقِ والتَّدْبِيرِ لهذِهِ الأُمُورِ، هُوَ العَالِمُ بِمَا يَغِيبُ عَنْ أَبصَارِكُمْ، مِمَّا تُكِنُّهُ الصُّدُورُ، وتُخْفِيهِ النُّفُوسُ، وَهُوَ العَالِمُ بِمَا تُشَاهِدُ الأَبْصَارُ وَتُعَايِنُهُ، وَهُوَ العَزيزُ الذِي قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَهُوَ الرَّحيمَ بِمَنْ تَابَ مِنْ ضَلاِلهِ وَرَجَعَ إِلى الإِيمانِ.
﴿الإنسان﴾
(٧) - وَهُوَ الذِي أَحْسَنَ خَلْقِ الأَشياءِ وَأَتْقَنَها، وَأَحْكَمَهَا، وَقَدْ خَلَقَ آدمَ أَبَا البَشَرِ مِنْ طِينٍ.
أَحْسَن كُلَّ شَيءٍ - أَحْكَمَهُ وَأَتْقَنَهُ.
﴿سُلاَلَةٍ﴾
(٨) - ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَ آدمَ يَتَناسَلُونَ مِنْ نُطْفَةِ ضَعِيفَةٍ، تَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ، وَتَسْتَقِرُّ فِي رَحِمِ الأُنْثَى.
سُلاَلَةٍ - خُلاَصَةٍ.
مَهِينٍ - ضَعِيفٍ، وقليل.
﴿سَوَّاهُ﴾ ﴿الأبصار﴾
(٩) - ثُمَّ عَدَلَهُ وَأَكْمَلَ خَلْقَهُ في الرَّحِمِ، وَصَوَّرَهُ عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فَظَهَرتْ فِيه آثارُ الحَياةِ، وأَنْعَمَ عَلى البَشَر بِمَنْحِهِم السَّمْعَ والأَبْصَارَ، والأَفْئِدَةَ التي يُمَيِّزُونَ بِهَا بَيْنَ الخَيرِ والشَّرِّ، وَبَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، وَمَعَ كُلِّ هذِهِ النِّعَمِ الجَلِيلَةِ فإِنَّ البَشَرَ قَلِيلوُ الشُّكْرِ للهِ تَعَالى على نِعَمِهِ التِي لا تُحْصى.
سَوَّاهُ - قَوَّمَهُ بِتَصْويرِ أَعْضَائِهِ وَتَكْمِيلِهَا.
﴿أَإِذَا﴾ ﴿أَإِنَّا﴾ ﴿كَافِرُونَ﴾
(١٠) - وَقَالَ المُشْرِكُونَ باللهِ، المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ: هَلْ إِذا صَارَتْ لُحُومُنا وَعِظَامُنا تُراباً، وَتَفَرَّقَتْ في الأَرضِ، واخْتَلَطَتْ بِتُرابها فلم تَعُدْ تَتَمَّيزُ عَنْهُ، سَنُبْعَثُ مَرَّةً أُخْرى، ونُخْلَقُ خَلْقاً جَديداً؟ وَهؤلاءِ المُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ قُدرَةَ اللهِ عَلى الخَلْقِ، وَيَكْفُرُونَ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ في الآخِرةِ.
ضَلَلْنا فِي الأَرضِ - ضِعْنا فِيها وَصِرْنا تُرَاباً.
﴿يَتَوَفَّاكُم﴾
(١١) - قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤلاءِ المُشْرِكِينَ: إِنَّ مَلَكَ المَوْتِ، الذِي وُكِّلَ بِقَبْضِ أَرْوَاحِكُمْ، يَقُومُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ، وَيَقْبِضُ الأَرْوَاحَ حِينَما تَسْتَنْفِدُ الخَلاَئِقُ آجَالَها، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُجازِي كُلَّ وَاحدٍ بِعَمَلِهِ.
﴿نَاكِسُواْ﴾ ﴿صَالِحاً﴾ ﴿رُءُوسِهِمْ﴾
(١٢) - وَإِنَّكَ لَتَرى عَجَباً يَا مُحَمَّدُ لَوْ أُتيحَ لَكَ أَنْ تَرَى هؤلاءِ المُجْرِمينَ القَائِلِينَ: (أَئِذا مِتْنَا وَتَفَرَّقَتْ أَجْسَامُنا فِي الأَرضِ سَنُخْلَقُ خَلْقاً جَديداً)، وَهُمْ وَاقِفونَ بَيْنَ يديِ اللهِ، وَهُمْ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ حَيَاءً وخَجَلاً مِنْهُ، لِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ مَعَاصٍ في الدُّنيا، وَيَقُولُونَ: رَبَّنا أَبْصَرْنَا الحَشْرَ، وَسَمِعْنا قَولَ الرَّسُولِ، وَصَدَّقْنَا بهِ، فَارْجِعْنا إِلى الدُّنيا، وَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا الحَشْرَ، وَسَمِعْنا قَولَ الرَّسُولِ، وَصَدَّقْنَا بهِ، فَارْجِعْنا إِلى الدُّنيا نَعْمَلْ صَالِحاً، فَإِنَّنا أَيْقَنَّا الآنَ مَا كُنَّا نَجْهَلُهُ في الدُّنيا مِنْ وَحدَانِيَّتِكَ، وَأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لِلْعِبَادَةِ، سِوَاكَ. ولكِنَّ اللهَ تَعَالى يَعْلَمُ أنهُ لَوْ أَعَادَهُمْ إِلى الدُّنيا لَعَادُوا إِلى مَا كَانُوا فيهِ مِنَ الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ بآياتِ اللهِ.
ناكِسُو رُؤُوسِهِمْ - مُطْرِقُوهَا خِزياً وَنَدَماً.
﴿لآتَيْنَا﴾ ﴿هُدَاهَا﴾
(١٣) - وَلَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يُلْهِمَ كُلَّ نَفْسٍ مَا تَهْتَدِي بهِ، إِلى الإِيمانِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ، لَفَعَلَ، وَلكِنَّ تَدْبيرَهُ تَعَالى لِلْخَلقِ، وَحِكْمَتَهُ، قَضَيَا بِأَنَّ تُوضَعَ كُلُّ نَفْسٍ في المَرْتَبةِ التِي هِيَ أَهْلٌ لَها، بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِها وَقَدْ سَبَقَ الوَعيدُ مِنَ اللهِ تَعَالى بِأَنَّهُ سَيَمْلأُ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ لِعِلْمِهِ تَعَالى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ سَيَخْتَارُونَ الضَّلاَلَة عَلَى الهُدَى.
حَقَّ القَوْلُ - ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ وَنَفَذَ قَضَاءُ اللهِ.
الجِنَّةِ -الجِنِّ.
﴿نَسِينَاكُمْ﴾
(١٤) - وَيُقَالُ لأَهْلِ النَّارِ، عَلَى سَبيلِ التَّقْرِيعِ، وَالتَّوبِيخِ: ذُوقُوا هذا العَذابَ بِسَبَب كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبكُمْ بِهذا اليَومِ، واسْتِبْعَادِكُمْ وَقُوعَهُ. وَسَيُعَامِلُكُمْ رَبُّكُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ نَسِيَكُمْ لأَنَّكُمْ نَسِيتُمْ رَبَّكُمْ، وَنَسِتُمْ لِقَاءَهُ فَذُوقُوا عَذاباً تَخْلُدُونَ فِيهِ أبداً، وَذلِكَ جَزَاءٌ لَكُمْ عَلى كُفرِكُمْ وَمَعَاصِيكُمْ.
﴿بِآيَاتِنَا﴾
(١٥) - إِنَّمَا يُصَدِّقُ بآياتِ اللهِ الذِينَ إِذا وُعِظُوا بها استَمَعوا إِليها خَاشِعين، وأَطَاعُوها مُمْتَثِلينَ، وَخُرُّوا سُجَّداً للهِ خُضُوعاً وَخَشْيَةً، وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن اتِّبَاعِها، وَالانِقِيَادِ إِِليها.
﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾
(١٦) - وَهُمْ يَهْجُرونَ مَضَاجِعَهُمْ لِيَقُومُوا في اللِّيلِ إِلى الصَّلاةِ والنَّاسُ نِيَامٌ، وَلِيَدْعُوا رَبَّهُمْ تَضَرُّعاً إِليهِ، وَخَوْفاً مِنْ سَخطِهِ وَطَمَعاً فِي عَفْوِهِ عَنْهُمْ، وَمَغْفِرَتِهِ لَهُمْ، وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمُ مِنْ مَالٍ.
(وَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ تَتَجَافَى جنُوبَهُمْ عَنِ المَضَاجِع هِي قِيامُ العَبْدِ أَوَّلَ اللَّيلِ).
تَتَجَافى - تَرْتَفِعُ وَتَتَنَحَّى لِلعِبَادَةِ.
المَضَاجِعِ - الفُرُشِ التي يُضْطَجَعُ عَلَيها.
(١٧) - وَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ عَظَمَةَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالى لِهؤلاءِ الكِرامِ البَرَرَةِ وَأَخْفَاهُ فِي الجَنَّاتِ مِنَ النًَّعيمِ المُقِيمِ، واللذَائِذِ التِي لَمْ يَطَّلِعْ أَحَدٌ عَلى مِثْلِها، جَزَاءً وِفَاقاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، لَقَدْ أَخْفَوا أَعْمَالَهُمْ فَأَخْفَى اللهُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَهُ عَيْنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ.
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ - مِنْ مُوجِبَاتِ المَسَرَّةِ وَالفَرَحِ.
﴿يَسْتَوُونَ﴾
(١٨) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى أَنَّهُ لاَ يَسْتَوِي فِي حُكْمِهِ يومَ القِيَامَةِ مَنْ كَانَ مُؤْمِناً باللهِ مُتَّبِعاً رَسُولَهُ، مَعَ مَنْ كَانَ خَارِجاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ (فَاسِقاً)، مُكَذِّباً رُسُلَهُ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾ ﴿جَنَّاتُ﴾
(١٩) - أَمَّا الذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرُسُلِهِ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَ اللهُ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ.. فَهؤلاءِ لَهُمْ الجَنَّاتُ التِي فِيها المَسَاكِنُ، والدُّورُ، وَالغُرَفُ العَالِيَاتُ (جَنَّاتُ المَأْوَى) يَحُلُّونَ فِيها نُزَلاَءَ فِي ضِيَافَةٍ وَكَرَامَةٍ، جَزَاءً لَهُمْ مِنَ اللهِ تَعَالى عَلَى إِيمَانِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، وَصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ.
نُزُلاً - ضِيَافَةً وَعَطَاءً وَتَكْرُمَةً.
﴿فَمَأْوَاهُمُ﴾
(٢٠) - وَأَمَّا الذِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ (فَسَقُوا) وَكَفَرُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ، واجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ.. فَإِنَّ مَأْوَاهُمْ سَيَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَكُلَّما حَاوَلوا الخُرُوجَ مِنَ النَّارِ يُرَدُّونَ إليها، وَيُقَالُ لَهُمْ تَوْبِيخاً وَتَقْرِيعاً: ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ، بِمَ كُنْتُم تُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا، وَلا تَعْتَقِدُونَ أَنَّكُمْ صَائِرُونَ إِليهِ.
(٢١) - وَسَيبتَلِيهِمُ اللهُ تَعَالَى بالمَصَائِبِ في الحَيَاةِ الدُّنيا، مِنَ القَتْلِ، والأَسْرِ والثَّكْلِ، وَفَقْدِ المَالِ، وَالمَرَضَ والمَصَائِبِ الأُخْرَى، لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ إٍِلى اللهِ، وَيَثُوبُونَ إِلى رُشْدِهِمْ، وَيُقْلِعُونَ عَنِ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي، وَهَذا العَذابُ الأَدْنى يَحِلَّ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلى العَذابِ الأَكْبَرِ في نَارِ جَهَنَّمَ.
﴿بِآيَاتِ﴾
(٢٢) - وَلاَ أَحَدَ أَكْثَرُ ظُلْماً مِنْ إِنسَانٍ ذَكَّرَهُ اللهُ تَعَالى بآياتِهِ، وَبَيَّنَها لَهُ وَوَضَّحَها، ثُمَّ جَحَدَها وَأَعْرَضَ عَنْها وَتَنَاسَاهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَلَمْ يَعْرِفْها. وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى إِنَّهُ سَيْنَتَقِمُ مِنَ المُجْرِمينَ الذينَ كَفَروا واجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَشَدَّ الانْتِقَامِ.
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: " ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ أَجْرَمَ: مَنْ عَقَدَ لِواءً فِي غَيْرِ حَق، أَوْ عَقَّ وَالِدَيهِ، أَوْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ يَنْصُرُهُ " يَقُولُ الله تَعَالى: إِنَّا مِنَ المُجْرِمينَ مُنْتَقِمُونَ).
﴿آتَيْنَا﴾ ﴿الكتاب﴾ ﴿لِّقَآئِهِ﴾ ﴿َجَعَلْنَاهُ﴾ ﴿اإِسْرَائِيلَ﴾
(٢٣) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَه ﷺ أَنَّهُ آتَى مُوسَى التَّوْرَاةَ (الكِتَابَ)، لِتَكُونَ هُدىً وعِظَةً لِبني إِسْرائيلَ، كَمَا آتَى عَبْدَهُ مُحَمَّداً القُرآنَ، وأَمَرهُ بأَلاَّ يَكُونَ في شَكٍّ وَرِيبَةٍ مِنْ صِحَّةِ مَا آتاهُ اللهُ مِنَ الكِتَابِ، فَمُحَمَّدٌ لَيْسَ بِدْعاً في الرُّسُلِ، فَقَدْ آتى الله غَيْرَهُ مِنَ الأنبياءِ كُتُباً.
في مِرْيَةٍ - فِي شَكٍّ.
مِنْ لِقَائِهِ - مِنْ تَلَقِّيهِ إِيَّاهُ بِالرِّضَا وَالقَبُولِ.
﴿أَئِمَّةً﴾ ﴿بِآيَاتِنَا﴾
(٢٤) - وَجَعَلَ اللهُ مِنْ بَني إِسْرَائيلَ أَئِمَّةً فِي الدُّنيا، يَهْدُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلى الخَيْرِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، لأَنَّهُم صَبَروا عَلى طَاعَتِهِ، وَعَزَفَتْ نُفُوسُهُمْ عَنْ لَذَّاتِ الدُّنيا وَشَهَواتِها، وَكَانُوا مُؤْمِنينَ بآياتِ اللهِ وَحُجَجِهِ، وَبِمَا اسْتَبَانَ لَهُمْ مِنَ الحَقِّ.
﴿القيامة﴾
(٢٥) - واللهُ تَعَالى يَقْضِي بَينَ خَلْقِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ في الدُّنيا مِنْ أُمورِ الدِّينِ والثَّوابِ والعِقَابِ.. وَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بما يَسْتَحِقُّ.
﴿مَسَاكِنِهِمْ﴾ ﴿لآيَاتٍ﴾
(٢٦) - أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِهؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ، طَريقُ الحَقِّ مِنْ كَثْرَةِ مَا أَهْلَكَ اللهُ قَبْلَهُمْ مِن الأُمَمِ السَّالِفَةِ التِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، وَخَالَفَتْهُمْ فِيما جَاؤُوهُمْ بِهِ، فَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ بَاقِيَةً. وهؤُلاءِ المُكَذِّبُونَ يَرَوْنَ بِأُمِّ أَعْيُنِهِمْ ذَلِكَ، وَهُمْ يَمْشُونَ فِي أرضِ البَائِدينَ، وَيَرَوْنَ مَسَاكِنَهُمْ خَاوِيَةً خَالِيةً، أَفَلا يَسْمَعُونَ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لِيَتَّعِظُوا وَيَعْتَبِرُوا؟
أَوْ لَمْ يَهِدِ لَهُمْ - اَغَفَلُوا وَلَمْ يَتَبَيِّنْ لَهُمْ مَآلُهُمْ.
القُرُونِ - الأُمَمِ الخَالِيَةِ.
﴿أَنْعَامُهُمْ﴾
(٢٧) - أَوْ لَمْ يُشَاهِدْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ والنُّشٌورِ، كَيْفَ يُوَجِّهُ اللهُ تَعَالى بِقُدْرَتِهِ (يَسُوقُ) إِلَى الأَرْضِ القَاحِلَةِ المُجْدِبَةِ التي لاَ نَبَاتَ فِيها (الجُرُزِ) فَتَرتَوِي وَتُنْبِتُ الزُّرُوعَ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا الإِنْسَانُ وَالحَيَوانُ، أَفَلا يُبْصِرُونَ ذَلكَ بِأْمِّ أَعْيُنِهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ القَادِرَ عَلَى إِحْياءِ الأَرْضِ بَعْدَ مَوَاتِها، لَقَادِرٌ عَلَى إِحياءِ الأَمواتِ، وَنَشْرِهِمْ مِن قُبُورِهِمْ؟ الأَرْضِ الجُرُزِ - اليَابِسَةِ الجَرْدَاءِ.
﴿صَادِقِينَ﴾
(٢٨) - وَيَقُولُ هؤُلاءِ المُكَذِّبُونَ اسْتِبْعَاداً لِحُلُولِ غَضَبِ اللهِ بِهِمْ، وَنِقْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَكْذِيباً لِمَا جَاءَهُمْ بهِ رَسُولُ رَبِّهِمْ: مَتَى يَكُونُ هذا النَّصْرُ (الفَتْحُ) الذِي تَقُولُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكَ بهِ عَلَينا، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيما تَقُولُ مِنْ أَنَّنا مُعَاقَبُونَ عَلَى تَكْذِيبِنا الرَّسُولَ، وأَنَّ الله سَيَنْصُرُ دِينَه، وَيُظْهِرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى المُشْرِكِينَ؟
هذَا الفَتْحُ - النّصْرُ عَلَينَا - الفَصْلُ فِي الخُصُومَةِ.
﴿إِيَمَانُهُمْ﴾
(٢٩) - قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: إِذا حَلَّ يَوْمُ الفَتْحِ الذِي سَيَنْصُرُ اللهُ فيهِ رَسُولَهُ والمُؤْمِنينَ، وَيُحِلُّ فيهِ عَذَابَهُ وَنقْمَتَهُ بِالمُشْرِكِينَ، فلا يَنْفَعُ المُشْرِكِينَ حِينَئِذٍ إِيمَانٌ يُحْدِثُونَهُ فيهِ، وَلاَ يُؤَخَّرُونَ لِيَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَلِيَعْمَلُوا صَالِحاً غيرَ الذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ في الدُّنيا مِنْ أَعْمَالٍ وَلا يُمْهَلُونَ لَحْظَةً عَنِ العَذابِ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ.
يُنْظَرُونَ - يُمْهَلُونَ لِيُؤْمِنُوا.
(٣٠) - فَأَعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هؤُلاءِ المُشْرِكِينَ المُسْتَهْزِئِينَ، وَبَلِّغْ رِسَالَتَكَ كَمَا أَمَرَكَ بهِ رَبُّكَ، وَلاَ تُبَالِ بِهِمْ، وانْتَظِرْ مَا سَيَفْعَلُه اللهُ بِهِمْ، فإِنَّ الله سَيَنْصُرُكَ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ وَعَانَدَكَ، واللهُ لا يُخْلِفُ وَعْدَهُ أَبَداً.
Icon