تفسير سورة الجمعة

تفسير ابن عطية
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية .
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ
( ٦٢ ) سورة الجمعة مدنية
وآياتها إحدى عشرة
تفسير سورة الجمعة١
وهي مدنية وذكر النقاش قولا إنها مكية وذلك خطأ ممن قاله لأن أمر اليهود لم يكن إلا بالمدينة وكذلك أمر الجمعة لم يكن قط بمكة أعني إقامتها وصلاتها وأما أمر الانفضاض فلا مرية في كونه بالمدينة وذكر النقاش عن أبي هريرة قال كنا جلوسا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت سورة الجمعة٢ وهذا أيضا ضعيف لأن أبا هريرة إنما أسلم أيام خيبر.
١ في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)، وأخرجه أيضا الترمذي، وابن مردويه..
٢ ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره أن هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طرق، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وزاد الإمام السيوطي في الدر المنثور نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه كما ذكره السيوطي:(كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة، فتلاها فلما بلغ﴿ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم﴾ قال له رجل: يا رسول الله، من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على رأس سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال: (والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء)، وتأمل قول المؤلف: إن هذا ضعيف..

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الجمعة
وهي مدنية وذكر النقاش قولا إنها مكية، وذلك خطأ ممن قاله، لأن أمر اليهود لم يكن إلا بالمدينة، وكذلك أمر الجمعة لم يكن قط بمكة، أعني إقامتها وصلاتها، وأما أمر الانفضاض فلا مرية في كونه بالمدينة، وذكر النقاش عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند رسول الله ﷺ حين نزلت سورة الجمعة وهذا أيضا ضعيف لأن أبا هريرة إنما أسلم أيام خيبر.
قوله عز وجل:
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)
تقدم القول في لفظ الآية الأولى، واختلفت القراءة في إعراب الصفات في آخرها.
فقرأ جمهور الناس: الْمَلِكِ بالخفض نعتا لِلَّهِ، وكذلك ما بعده، وقرأ أبو وائل شقيق بن سلمة وأبو الدينار: «الملك» بالرفع على القطع، وفتح أبو الدينار القاف من «القدوس»، والْأُمِّيِّينَ: يراد بهم العرب، والأمي في اللغة الذي لا يكتب ولا يقرأ كتابا، قيل هو منسوب إلى الأم، أي هو على الخلقة الأولى في بطن أمه، وقيل هو منسوب إلى الأمة، أي على سليقة البشر دون تعلم، وقيل منسوب إلى أم القرى وهي مكة وهذا ضعيف، لأن الوصف ب الْأُمِّيِّينَ على هذا يقف على قريش، وإنما المراد جميع العرب، وفيهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا».
وهذه الآية تعديد نعمة الله عندهم فيما أولاهم، والآية المتلوة: القرآن يُزَكِّيهِمْ معناه: يطهرهم من الشرك ويمني الخير فيهم، والْكِتابَ: الوحي المتلو، وَالْحِكْمَةَ: السنة التي هي لسانه عليه السلام، ثم أظهر تعالى تأكيد النعمة بذكر حالهم التي كانت في الضد من الهداية، وذلك في قوله تعالى:
وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَآخَرِينَ في موضع خفض عطفا على الْأُمِّيِّينَ وفي موضع نصب عطفا على الضمائر المتقدمة.
واختلف الناس في المعنيين بقوله: وَآخَرِينَ من هم؟ فقال أبو هريرة وغيره: أراد فارسا، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الآخرون؟ فأخذ بيد سلمان وقال: «لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء». أخرجه مسلم. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: أراد الروم والعجم، فقوله تعالى: مِنْهُمْ على هذين القولين: إنما يريد في البشرية والإيمان كأنه قال: وفي آخرين من الناس: وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل: أراد التابعين من أبناء العرب، فقوله: مِنْهُمْ يريد به النسب والإيمان، وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وابن حبان: أراد بقوله: وَآخَرِينَ جميع طوائف الناس، ويكون منهم في البشرية والإيمان على ما قلناه وذلك أنا نجد بعثه عليه السلام إلى جميع الخلائق، وقال ابن عمر لأهل اليمن: أنتم هم، وقوله تعالى: لَمَّا يَلْحَقُوا نفي لما قرب من الحال، والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي «لم» زيدت عليها «ما» تأكيدا. قال سيبويه «لما» نفي قولك قد فعل، و «لن» قولك فعل دون قد، وقوله تعالى: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ الآية، تبيين لموقع النعمة، وتخصيصه إياهم بها.
قوله عز وجل:
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٥ الى ٨]
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحُمِّلُوا معناه: كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها، فهذا كمال حمل الإنسان الأمانة، وليس ذلك من الحمل على الظهر، وإن كان مشتقا منه، وذكر تعالى أنهم لَمْ يَحْمِلُوها، أي لم يطيعوا أمرها، ويقفوا عند حدها حين كذبوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، و «التوراة» تنطق بنبوته، فكان كل حبر لم ينتفع بما حمل كمثل حمار عليه أسفار، فهي عنده والزبل وغير ذلك بمنزلة واحدة، وقرأ يحيى بن يعمر: «حملوا» بفتح الحاء والميم مخففة، وقرأ المأمون العباسي: «يحمّل أسفارا» بضم الياء وفتح الحاء وشد الميم مفتوحة، وفي مصحف ابن مسعود: «كمثل حمار» بغير تعريف، والسفر: الكتاب المجتمع الأوراق منضودة، ثم بين حال مثلهم وفساده بقوله تعالى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ وقوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ الآية، روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول الله ﷺ خاطبوا يهود خيبر في أمره، وذكروا لهم نبوته، وقالوا: إن رأيتم اتباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون: نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن، وأبناء عزير ابن الله ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب، نحن أحق بالنبوة من محمد، ولا سبيل إلى اتباعه، فنزلت الآية بمعنى: أنكم إذا
كنتم من الله تعالى بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الحسية أحب إليكم فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إن كنتم تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة، أخبر تعالى عنهم بأنهم لا يتمنونه ولا يلقونه إلا كرها لعلمهم بسوء حالهم عند الله وبعدهم منه. هذا هو المعنى اللازم من ألفاظ الآية، وروى كثير من المفسرين أن الله تعالى جعل هذه الآية معجزة لمحمد ﷺ فيهم، وآية باهرة، وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودة مات وفارق الدنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمنوا الموت» على جهة التعجيز وإظهار الآية، فما تمناه أحد خوفا من الموت، وثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، ثم توعدهم تعالى بالموت الذي لا محيد لهم عنه، ثم بما بعده من الرد إلى الله تعالى، وقرأ ابن مسعود: «منه ملاقيكم» بإسقاط فَإِنَّهُ، وقوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ أي إنباء معاقب مجاز عليه بالتعذيب، وقرأ ابن أبي إسحاق «فتمنوا الموت» بكسر الواو وكذلك يحيى بن يعمر.
قوله عز وجل:
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٩ الى ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
«النداء بالجمعة» هو في ناحية من المسجد، وكان على الجدار في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال السائب بن يزيد: كان للنبي ﷺ مؤذن واحد على باب المسجد، وفي مصنف أبي داود: كان بين يديه وهو على منبر أذان، وهو الذي استعمل بنو أمية، وبقي بقرطبة إلى الآن، ثم زاد عثمان النداء على الزوراء ليسمع الناس، فقوم عبروا عن زيادة عثمان بالثاني، كأنهم لم يعتدوا الذي كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقوم عبروا عنه بالثالث، وقرأ الأعمش وابن الزبير: «الجمعة» بإسكان الميم وهي لغة، والمأمور بالسعي هو المؤمن الصحيح البالغ الحر الذكر، ولا جمعة على مسافر في طاعة، فإن حضرها أحسن، وأجزأته.
واختلف الناس في الحد الذي يلزم منه السعي، فقال مالك: ثلاثة أميال.
قال القاضي أبو محمد: من منزل الساعي إلى المنادي، وقال فريق: من منزل الساعي إلى أول المدينة التي فيها النداء، وقال أصحاب الرأي: يلزم أهل المدينة كلها السعي من سمع النداء ومن لم يسمع، وإن كانت أقطارها فوق ثلاثة أميال. قال أبو حنيفة: ولا من منزله خارج المدينة كزرارة من الكوفة، وإنما بينهما مجرى نهر، ولا يجوز لهم إقامتها لأن من شروطها الجامع والسلطان القاهر، والسوق القائمة، وقال بعض أهل العلم: يلزم السعي من خمسة أميال، وقال الزهري: من ستة أميال، وقال أيضا: من أربعة
308
أميال وقاله ابن المنكدر، وقال ابن عمر وابن المسيب وابن حنبل: إنما يلزم السعي من سمع النداء، وفي هذا نظر. والسعي في الآية: ليس الإسراع في المشي كالسعي بين الصفا والمروة، وإنما هو بمعنى قوله:
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: ٣٩]، فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشي سعي كله إلى ذكر الله تعالى، قال الحسن وقتادة ومالك وغيرهم: إنما تؤتى الصلاة بالسكينة، فالسعي هو بالنية والإرادة، والعمل والذكر هو وعظ الخطبة قاله ابن المسيب، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة على باب المسجد يوم الجمعة يكتبون الأول فالأول إذا خرج الإمام طويت الصحف وجلست الملائكة يستمعون الذكر»، والخطبة عند جمهور العلماء شرط في انعقاد الجمعة، وقال الحسن: وهي مستحبة، وقرأ عمر بن الخطاب، وعلي وأبي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، وجماعة من التابعين: «فامضوا إلى ذكر الله»، وقال ابن مسعود: لو قرأت «فاسعوا» لأسرعت حتى يقع ردائي.
واختلف الناس في: «البيع» في الوقت المنهي عنه إذا وقع ما الحكم فيه بعد إجماعهم على وجوب امتناعه بدءا، فقال الشافعي: يمضي، وقال مرة: يفسخ ما لم يفت فإن فات صح بالقيمة، واختلف في وقت التقويم، فقيل: وقت القبض، وقيل: وقت الحكم، وقوله تعالى: ذلِكُمْ إشارة إلى السعي وترك البيع، وقوله: فَانْتَشِرُوا أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة، وكذلك قوله تعالى:
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أنه الإباحة في طلب المعاش، وأن ذلك مثل قوله تعالى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة: ٢] إلا ما روي عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: «ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة».
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة، ويكون نحوه صبيحة يوم السبت، قاله جعفر بن محمد الصادق، وقال مكحول: الفضل المبتغي العلم، فينبغي أن يطلب إثر الجمعة، وقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً الآية نزلت بسبب أن رسول الله ﷺ كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عير من الشام تحمل ميرة وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي، قال مجاهد: وكان من عرفهم أن يدخل عير الميرة بالطبل والمعازف والصياح سرورا بها، فدخلت العير بمثل ذلك، فانفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وسماعه وتركوا رسول الله ﷺ قائما على المنبر ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا. قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم.
قال القاضي أبو محمد: ولم تمر بي تسميتهم في ديوان فيما أذكر الآن، إلا إني سمعت أبي رضي الله عنه يقول: هم العشرة المشهود لهم بالجنة، واختلف في الحادي عشر، فقيل: عمار بن ياسر، وقيل:
عبد الله بن مسعود، وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي: بقي معه ثمانية نفر، وروي أن رسول الله ﷺ قال: «لولا هؤلاء لقد كانت الحجارة سومت على المنفضين من السماء»، وفي حديث آخر:
«والذي نفس محمد بيده، ولو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد، أسال عليكم الوادي نارا». وقال قتادة:
بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات، لأن قدوم العير كان يوافق يوم الجمعة يشبه أن المراحل كانت تعطي
309
ذلك. وقال تعالى: إِلَيْها ولم يقل تهمما بالأهم، إذ هي كانت سبب اللهو ولم يكن اللهو سببها، وفي مصحف ابن مسعود: «ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين». وتأمل إن قدمت التجارة مع الرؤية لأنها أهم وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولا على الأبين، وهذه الآية، قيام الخطيب، وأول من استراح في الخطبة عثمان، وأول من جلس معاوية وخطب جالسا، والرازق صفة فعل، وقد يتصف بها بعض البشر تجوزا إذا كان سبب رزق الحيوان، وَاللَّهُ تعالى خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
نجز تفسير سورة الجمعة والحمد لله كثيرا.
310
Icon