تفسير سورة العاديات

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة العاديات
مكية، وآياتها ١١، نزلت بعد العصر.

سورة العاديات
مكية وآياتها ١١ نزلت بعد العصر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة العاديات) اختلف في العاديات والموريات والمغيرات هل يراد بها الخيل أو الإبل؟ وعلى القول بأنها الخيل اختلف هل يعني خيل المجاهدين أو الخيل على الإطلاق؟ وعلى القول بأنها الإبل اختلف هل يعني إبل غزوة بدر أو إبل المجاهدين مطلقا، أو إبل الحجاج أو الإبل على الإطلاق؟ ومعنى العاديات التي تعدو في مشيها، والضبح هو تصويت جهير عند العدو الشديد، ليس بصهال. وهو مصدر منصوب على تقدير: يضبحن ضبحا أو هو مصدر في موضع الحال تقديره: العاديات في حال ضبحها، والموريات من قولك أوريت النار إذا أوقدتها، والقدح هو صك الحجارة فيخرج منها شعلة نار. وذلك عند ضرب الأرض لأرجل الخيل أو الإبل، وإعراب قدحا كإعراب صبحا، والمغيرات من قولك: أغارت الخيل إذا خرجت للإغارة على الأعداء، وصبحا ظرف زمان لأن عادة أهل الغارة في الأكثر أن يخرجوا في الصباح فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً هذه الجملة معطوفة على العاديات وما بعده لأنه في تقدير التي تعدو، والنقع: الغبار والضمير المجرور للوقت المذكور وهو الصبح، فالباء ظرفية أو لكان الذي يقتضيه المعنى، فالباء أيضا ظرفية أو للعدو، وهو المصدر الذي يقتضيه العاديات. فالباء سببية ومعنى أثرن حركن والضمير الفاعل للإبل أو للخيل أي حركن الغبار عند مشيهن فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً معنى وسطن توسطن، وجمعا اختلف هل المراد به جمع من الناس أو المزدلفة «١» لأن اسمها جمع والضمير المجرور للوقت أو للمكان أو للعدو أو للنقع.
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ هذا جواب القسم والكنود الكفور للنعمة فالتقدير: إن
(١). هكذا وقد ذكرها الطبري أيضا وهي مكان معروف بين عرفات ومنى حيث ينفر إليها الحجاج ليلة النحر.
اختلف في العاديات والموريات والمغيرات : هل يراد بها الخيل أو الإبل ؛ وعلى القول بأنها الخيل اختلف : هل يعني خيل المجاهدين أو الخيل على الإطلاق، وعلى القول بأنها الإبل اختلف : هل يعني إبل غزوة بدر، أو إبل المجاهدين مطلقا، أو إبل الحجاج، أو الإبل على الإطلاق،
والموريات من قولك : أوريت النار إذا أوقدتها، والقدح هو صك الحجارة فيخرج منها شعلة نار، وذلك عند ضرب الأرض لأرجل الخيل أو الإبل، وإعراب قدحا كإعراب ضبحا.
اختلف في العاديات والموريات والمغيرات : هل يراد بها الخيل أو الإبل ؛ وعلى القول بأنها الخيل اختلف : هل يعني خيل المجاهدين أو الخيل على الإطلاق، وعلى القول بأنها الإبل اختلف : هل يعني إبل غزوة بدر، أو إبل المجاهدين مطلقا، أو إبل الحجاج، أو الإبل على الإطلاق،
والمغيرات من قولك : أغارت الخيل إذا خرجت للإغارة على الأعداء، وصبحا ظرف زمان ؛ لأن عادة أهل الغارة في الأكثر أن يخرجوا في الصباح.
﴿ فأثرن به نقعا ﴾ هذه الجملة معطوفة على العاديات وما بعده ؛ لأنه في تقدير التي تعدو، والنقع الغبار، والضمير المجرور للوقت المذكور، وهو الصبح، فالباء ظرفية، أو للمكان الذي يقتضيه المعنى، فالباء أيضا ظرفية، أو للعدو وهو المصدر الذي يقتضيه العاديات، فالباء سببية، ومعنى أثرن حركن، والضمير الفاعل للإبل أو للخيل : أي : حركن الغبار عند مشيهن.
﴿ فوسطن به جمعا ﴾ معنى وسطن : توسطن، وجمعا اختلف هل المراد به جمع من الناس أو المزدلفة ؛ لأن اسمها جمع، والضمير المجرور للوقت، أو للمكان، أو للعدو، أو للبقع.
﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾ هذا جواب القسم، والكنود الكفور للنعمة، فالتقدير : إن الإنسان لنعمة ربه لكفور، والإنسان جنس، وقيل : الكنود : العاصي، وقال بعض الصوفية : الكنود : هو الذي يعبد الله على عوض.
الإنسان لنعمة ربه لكفور، والإنسان جنس، وقيل: الكنود العاصي، وقال بعض الصوفية:
الكنود هو الذي يعبد الله على عوض [بمقابل]
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ الضمير للإنسان أي هو شاهد على نفسه بكنوده، وقيل: هو لله تعالى على معنى التهديد: والأول أرجح لأن الضمير الذي بعده الإنسان باتفاق، فيجري الكلام على نسق واحد وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ الخير هنا المال، كقوله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة: ١٨٠] والمعنى أن الإنسان شديد الحب للمال، فهو ذم لحبه والحرص عليه، وقيل: الشديد: البخيل، والمعنى على هذا أنه بخيل من أجل حب المال، والأول أظهر إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ أي بحث عند ذلك عبارة عن البعث وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي جمع ما في الصحف وأظهر محصلا أو ميز خيره من شره إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ الضمير في ربهم وبهم يعود على الإنسان، لأنه يراد به الجنس وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما أن هذه الجملة معمول أفلا يعلم فكان الأصل أن تفتح إن، ولكنها كسرت من أجل اللام التي في خبرها الثاني أن تكون هذه الجملة مستأنفة ويكون معمول أفلا يعلم محذوفا ويكون الفاعل ضميرا يعود على الإنسان والتقدير: أفلا يعلم الإنسان حاله وما يكون منه إذا بعثر ما في القبور؟ وهذا هو الذي قاله ابن عطية ويحتمل عندي أن يكون فاعل أفلا يعلم ضميرا يعود على الله، والمفعول محذوف والتقدير: أفلا يعلم الله أعمال الإنسان إذا بعثر ما في القبور، ثم استأنف قوله إن ربهم بهم يومئذ لخبير على وجه التأكيد، أو البيان للمعنى المتقدم، والعامل في إذا بعثر على هذا الوجه هو أفلا يعلم والعمل فيه على مقتضى قول ابن عطية هو المفعول المحذوف، وإذا هنا ظرفية بمعنى حين ووقت وليست بشرطية، والعامل في يومئذ خبير، وإنما خص ذلك بيوم القيامة لأنه يوم الجزاء بقصد التهديد، مع أن الله خبير على الإطلاق.
﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾ الخير هنا المال، كقوله :﴿ إن ترك خيرا ﴾ [ البقرة : ١٨٠ ] والمعنى : أن الإنسان شديد الحب للمال، فهو ذم لحبه والحرص عليه، وقيل : الشديد البخيل، والمعنى على هذا أنه بخيل من أجل حب المال، والأول أظهر.
﴿ إذا بعثر ما في القبور ﴾ أي : بحث عند ذلك عبارة عن البعث.
﴿ وحصل ما في الصدور ﴾ أي : جمع ما في الصحف، وأظهر محصلا، أو ميز خيره من شره.
﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ﴾ الضمير في ربهم وبهم يعود على الإنسان ؛ لأنه يراد به الجنس، وفي هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أن هذه الجملة معمول ﴿ أفلا يعلم ﴾ فكان الأصل أن تفتح إن، ولكنها كسرت من أجل اللام التي في خبرها.
والثاني : أن تكون هذه الجملة مستأنفة، ويكون معمول ﴿ أفلا يعلم ﴾ محذوفا ويكون الفاعل ضميرا يعود على الإنسان، والتقدير ﴿ أفلا يعلم الإنسان ﴾ حاله، وما يكون منه ﴿ إذا بعثر ما في القبور ﴾ وهذا هو الذي قاله ابن عطية، ويحتمل عندي أن يكون فاعل ﴿ أفلا يعلم ﴾ ضميرا يعود على الله، والمفعول محذوف، والتقدير ﴿ أفلا يعلم ﴾ الله أعمال الإنسان إذا بعثر ما في القبور ثم استأنف قوله :﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ﴾، على وجه التأكيد، أو البيان للمعنى المتقدم، والعامل في ﴿ إذا بعثر ﴾ على هذا الوجه هو أفلا يعلم، والعامل فيه على مقتضى قول ابن عطية هو المفعول المحذوف، و﴿ إذا ﴾ هنا ظرفية بمعنى حين ووقت، وليست بشرطية، والعامل في ﴿ يومئذ ﴾ خبير، وإنما خص ذلك بيوم القيامة ؛ لأنه يوم الجزاء بقصد التهديد، مع أن الله خبير على الإطلاق.
Icon