ﰡ
مكيّة وهى تسع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ خطاب للنبى - ﷺ - والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد وهو ﷺ وان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها وسمع بالتواتر اخبارها فكانه راها وجاز ان يكون الروية بمعنى العلم والجملة الاستفهامية التي بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة الى نظره - ﷺ - وان يفعل باعدائه مثل ما فعل باصحاب الفيل كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ استفهام للتعجب ولذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله وقدرته وعزة بيته وشرف نبيه - ﷺ - فانها من الارهامات وكانت قصة الفيل توطية لنبوته ومقدمة لظهوره وبعثته والا فاصحاب الفيل كما قال ابن نعيم كانوا نصارى اهل الكتاب وكان دينهم خيرا من دين اهل مكة إذ ذلك لانهم كانوا عبدة الأوثان وكان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم وبه قال ابن عباس ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال كل قول يخالفه وهم وفى ذلك العام ولد النبي - ﷺ - بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الاول من تلك السنة كذا قال الأكثرون وهر الأصح وقيل بعده بثلثين عاما وقال مقاتل بأربعين عاما وقيل بسبعين عاما وقال الكلبي بثلث وعشرين سنة والاول أصح كذا فى خلاصة السير بِأَصْحابِ الْفِيلِ وهم ابرهة ملك اليمن وأصحابه قال الضحاك وكانت الفيلة ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود وانما وحد لانه نسبهم الى الفيل الأعظم وقيل لوفاق رءوس الآي وقصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق عن بعض اهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي ان النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا الى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت طائفة مع ارياط وطائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة ارياطا
الذي يطعم الناس فى السهل والوحوش فى الجبال ليستاذن عليك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فاذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه ابرهة أعظمه وأكرمه وكره ان يجلس معه على سريره وان يجلس تحته فهبظ الى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه وقال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير
فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه ونحر له الجزور فنظر ابو مسعود الى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما اعرفها ما هى نجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا عن عسكر القوم فاذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى
أَلَمْ يَجْعَلْ استفهام للانكار مثل الم تر كَيْدَهُمْ مكرهم وسعيهم فى تخريب البيت فِي تَضْلِيلٍ تضيع وابطال.
وَأَرْسَلَ عطف على مضمون الم يجعل اى جعل عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا ومن هاهنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال ابو عبيد وقال الفراء لا واحد لها من لفظها وقال الكسائي جمع أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل جمع ابل.
تَرْمِيهِمْ اى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير بِحِجارَةٍ كائنة مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل وقيل مشتق من السجل وهو الدلو الكبير او الاسجال وهو إرسال او من السجل ومعناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير واكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس السباع وقال الربيع لها أنياب كانياب السباع وقال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير ورقهم بالحجارة وبعث الله له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على رجل الا خرج من الجانب الاخر وان وقع فى راسه خرج من دبره.
فَجَعَلَهُمْ عطف على أرسل كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ع مفعول ثان لجعل اى جعلهم كزرع وتبن أكلته الدواب فراتّه وتفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث وقال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف ومعنى مأكول يعنى أكلته الدواب- والله تعالى اعلم.