تفسير سورة المزّمّل

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

فِي الْخَوْفِ، وَأَرْخَصَ: أَنْ يُصَلِّيَهَا الْمُصَلِّي كَمَا أَمْكَنَتْهُ رِجَالًا وَرُكْبَانًا «١» وَقَالَ: (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً: ٤- ١٠٣) وَكَانَ مَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الْبَالِغِينَ، عَاصِيًا بِتَرْكِهَا: إذَا جَاءَ وَقْتُهَا وَذِكْرُهَا، [وَكَانَ غَيْرَ نَاسٍ لَهَا] «٢» وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً، ذَاكِرَةً لِلصَّلَاةِ، مُطِيقَةً لَهَا وَكَانَ «٣» حُكْمُ اللَّهِ: أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى أَنَّهُ إذَا حَرَّمَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ، حَرَّمَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ-: كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ «٤» [عَلَى] أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عَنْهَا فَإِذَا زَالَ عَنْهَا- وَهِيَ ذَاكِرَةٌ عَاقِلَةٌ مُطِيقَةٌ-:
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ. وَكَيْفَ تَقْضِي مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهَا: بِزَوَالِ فَرْضِهِ عَنْهَا؟! وَهَذَا مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا».
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (رَحِمَهُ اللَّهُ)، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَمِمَّا نَقَلَ بَعْضُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ-: أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ)
(١) عبارَة الْأُم. «رَاجِلا أَو رَاكِبًا». وهى أنسب.
(٢) زِيَادَة عَن الْأُم للايضاح.
(٣) فى الْأُم: «فَكَانَ»، وَمَا هُنَا أصح. دفعا لتوهم أَنه جَوَاب الشَّرْط، الَّذِي سيأتى بعد، وَهُوَ قَوْله. «كَانَ فى هَذَا».
(٤) عبارَة الْأُم. «دَلَائِل»، وَزِيَادَة «على» عَن الْأُم للايضاح.
54
(إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا: ٧٣- ١- ٤). ثُمَّ نَسَخَ هَذَا فِي السُّورَةِ مَعَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) «١» قَرَأَ إلَى: (وَآتُوا الزَّكاةَ) : ٧٣- ٢٠). قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) بَعْدَ أَمْرِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ: نِصْفَهُ إلَّا قَلِيلًا، أَوْ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)، فَخَفَّفَ، فَقَالَ: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ: ٧٣- ٢٠) :- كَانَ «٢» بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ، وَالنُّقْصَانُ مِنْ النِّصْفِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ-: بِقَوْلِهِ عز وَجل: (فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ). ثُمَّ احْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ عز وَجل: (فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)، مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَرْضًا ثَابِتًا، لِأَنَّهُ أُزِيلَ «٣» بِهِ فَرْضٌ غَيْرُهُ. (وَالْآخَرُ) : أَنْ يَكُونَ فَرْضًا مَنْسُوخًا: أُزِيلَ بِغَيْرِهِ، كَمَا أُزِيلَ بِهِ غَيْرُهُ. وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الْآيَةُ «٤»
(١) تَمام الْمَتْرُوك. (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ).
(٢) فى بعض نسخ الرسَالَة (ص ١١٤). «فَكَانَ». فَيكون جَوَاب الشَّرْط قَوْله فِيمَا سبق. «فَخفف». وعَلى مَا هُنَا- وَهُوَ الْأَظْهر- يكون جَوَاب الشَّرْط قَوْله.
«كَانَ». فَلْيتَأَمَّل.
(٣) فى الأَصْل. «أُرِيد». وَهُوَ خطأ وَاضح، والتصحيح عَن الرسَالَة (ص ١١٥)
(٤) تَمامهَا. (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. ١٧- ٧٩).
55
Icon