ﰡ
(١) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ وَأَوْجَدَهُ مِنْ عَدَمٍ، وَيَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ: أَلاَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ حِينٌ مِنَ الزَّمَانِ؟ قَبْلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئاً يُعْرَفُ فَيُذْكَرُ اسمُهُ؟
(٢) - لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ذَاتِ عَنَاصِرَ شَتَّى، اخْتَلَطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، لِنَخْتَبِرَهُ بِالتَّكْلِيفِ إِذَا شَبَّ وَبَلَغَ الحُلُمَ، وَنَرَى هَلْ يَشْكُرُ رَبَّهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقٍ وَرِزْقٍ وَصِحَّةٍ، أَمْ يَكْفُرُ؟ وَجَعَلْنَاهُ ذَا سَمْعٍ لَيَسْتَطِيعَ سَمَاعَ الآيَاتِ، وَجَعَلْنَاهُ ذَا بَصَرٍ لِيَسْتَطِيعَ رُؤْيَةَ الدَّلاَئِلِ، فَيَتَفَكَّرَ وَيَتَدَبَّرَ.
أَمْشَاجٍ - أَخْلاَطٍ مَمْزُوجَةٍ مُتَبَايِنَةِ الصِّفَاتِ والمَصَادِرِ.
نَبْتَلِيهِ - نَخْتَبِرُهُ بِالتَّكَالِيفِ.
(٣) - وَأَعْطِينَاهُ العَقْلَ والسَّمْعَ والبَصَرَ لِيُدْرِكَ وَيَعْقِلَ، وَبِيَّنَا لَهُ طَرِيقَ الهُدَى وَطَرِيقَ الضَّلاَلِ لِيَخْتَارَ بِطَوْعِهِ بَيْنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، وَبَيْنَ الهُدَى وَالمَعْصِيَةِ، فَمَنْ آمَنَ بِرَبِّهِ شَكَرَ، وَمَنْ كَفَرَ بِرَبِّهِ جَحَدَ وَكَفَرَ النِّعْمَةَ.
هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ - بَيِّنَّا لَهُ طَرِيقَ الهِدَايَةِ وَالضَّلاَلِ.
(٤) - إِنَّا أَعْدَدْنَا وَهَيَّأْنَا لِمَنْ كَفَرَ بِنِعْمَتِنَا، وَخَالَفَ أَمْرَنَا، سَلاَسِلَ يُقَادُ بِهَا إِلَى الجَحِيمِ، وَأَغْلاَلاً تُشَدُّ بِهَا أَيْدِيهِ إِلَى عُنُقِهِ، وَنَاراً يُعَذَّبُ فِيهَا.
الأَغْلاَلُ - جَمْعُ غُلٍّ - القَيْدُ الذِي يَجْمَعُ اليَدَينِ إِلَى العُنُقِ.
السَّعِيرُ - النَّارُ المُلْتَهِبَةُ.
مِنْ كَأْسٍ - مِنْ خَمْرٍ أَوْ مِنْ كَأْسٍ فِيهَا خَمْرٌ.
مِزَاجُهَا - مَا تُمْزَجُ بِهِ.
التَّفْجِيرُ - إِجْرَاءُ المَاءِ إِلَى المَنَازِلِ.
مُسْتَطِيراً - فَاشِياً عَامّاً.
العَبُوسُ - الذِي تَعْبِسُ فِيهِ الوُجُوهُ مِنَ الهَوْلِ.
قَمْطَرِيراً - الطَّوِيلَ، وَقِيلَ هُوَ الشَّدِيدُ العَصِيبُ.
(١١) - فَآمَنَهُمْ اللهُ شَرَّ مَا خَافُوهُ، وَأَعْطَاهُمْ أَمناً تَكُونُ لَهُ وُجُوهُهُمْ نَضِرَةً، وَسُرُوراً تُسَرُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَالقَلْبُ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ الوَجْهُ.
نَضْرَةً وَسُرُوراً - حُسْناً وَبَهْجَةً فِي الوُجُوهِ.
(١٢) - وَجَزَاهُمُ اللهُ بِصَبْرِهِمْ عَلَى الإِيْثَارِ، وَمَا يُؤَدِّي إِلَيهِ مِنَ الجُوعِ وَالعُرْيِ، جَنَّةً لَهُمْ فِيهَا مَنْزِلٌ رَحْبٌ، وَعَيْشٌ رَغْدٌ، وَلِبَاسٌ مِنْ حَرِيرٍ.
(١٣) - وَيَجْلِسُونَ فِي الجَنَّةِ عَلَى السَّرَائِرِ والأَرَائِكِ، وَهُمْ مُتَّكِئُونَ فِي وَضْعِ مَنْ هُوَ مُنَعَّمٌ، لاَ يُقَاسُونَ حَرّاً مُزْعِجاً، وَلاَ بَرْداً مُؤْلِماً.
الزَّمْهَرِيرُ - الشَّدِيدُ البُرُودَةِ.
(١٤) - وَتَدْنُو أَشْجَارُ الجَنَّةِ بِظِلالِهَا عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ السُّعَدَاءِ، وَتُسَخِّرُ قُطُوفَهَا لأَمْرِهِمْ لِيَنَالُوا مِنْهَا مَا شَاؤُوا.
ذُلِّلَتْ - أُخْضِعَتْ وَسُخِّرَتْ وَقُرِّبَتْ مِنْ مُتَنَاوَلِهِمْ.
(١٥) - وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ خَدَمُ الجَنَّةِ بِأَوَانِي الطَّعَامِ، وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ، وَبِأَكْوَابِ الشَّرَابِ، وَهِيَ أَيْضاً مِنْ فِضَّةٍ، وَقَدْ جُعِلَتْ هَذِهِ الأَكْوَابُ جَامِعَةً بَيَاضَ الفِضَّةِ، وَصَفَاءَ الزُّجَاجِ وَشَفَافِيَّتَهُ.
أَكْوَابٍ - أَقْدَاحٍ بِلاَ عُرًى.
قَوَارِيرَ - كَالزُّجَاجَاتِ فِي الصَّفَاءِ.
قَدَّرُوهَا - جَعَلُوا شَرَابَهَا عَلَى قَدَرِ الرّيِّ.
سَلْسَبِيلاً - سَلِساً مُسْتَسَاغاً.
(١٩) - وَيَطُوفُ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ غِلْمَانٌ (وِلْدَانٌ) يَخْدِمُونَهُمْ، وَهُمْ شَبَابٌ، وُجُوهُهُمْ نَضِرَةٌ، كَأَنَّهُمْ لِحُسْنِ أَلْوَانِهِمْ، وَنَضْرَةِ وُجُوهِهِمْ، وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهِمْ فِي قَضَاءِ الحَاجَاتِ، اللًّؤْلُؤْ المَنْثُورُ، وَهُمْ لاَ يَهْرَمُونَ وَلاَ يَشِيبُونَ، وَلاَ تَتَبَدَّلُ أَحْوَالُهُمْ.
مُخَلَّدُونَ - لاَ يَشِيبُونَ وَلاَ يَهْرَمُونَ.
وِلْدَانٌ - غِلْمَانٌ لِلْخِدْمَةِ فِي سَنِّ الشَّبَابِ المُبَكِّرِ.
(٢١) - وَيَلْبَسُ أَهْلُ الجَنَّةِ الرَّفِيعَ مِنَ الحَرِيرِ، مِمَّا يَلِي أَبْدَانَهُمْ كَالقُمْصَانِ وَنَحْوِهَا، وَيَلْبَسُونَ الثِّيَابَ التِي لَهَا لَمَعَانٌ وَبَرِيقٌ، مِمَّا يَلِي الخَارِجَ، وَيَتَحَلَّوْنَ بِأَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ، وَيَسْقِيِهِمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً يُطَهِّرُ بَاطِنَ شَارِبِهِ مِنَ الحَسَدِ، وَالحِقْدِ، وَالغِلِّ، وَرَدِيءِ الأَخْلاَقِ.
السُّنْدُسُ - الرَّفِيعُ مِنْ نَسْجِ الحَرِيرِ.
الإِسْتَبْرَقُ - الثِّيَابُ التِي لَهَا لَمَعَانٌ وَبَرِيقٌ أَوْ هِيَ الدِّيبَاجُ الغَلِيظُ.
(٢٣) - إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ - يَا مُحَمَّدُ - القُرْآنَ مُنَجَّماً بِحَسَبِ الحَوَادِثِ وَالوَقَائِعِ، لِيَكُونَ أَسْهَلَ فَهْماً، وَأَكْثَرَ تَثْبِيتاً لِلْمُؤْمِنِينَ.
تَنْزِيلاً - شَيْئاً فَشَيئاً.
(٢٤) - فَاصْبِرْ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيُدَبِّرُكَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِ، وَلاَ تُطِعِ الكَافِرينَ، وَلاَ تُطِعِ المُنَافقِينَ، إِنْ أَرَادُوا صَدَّكَ عَمَّا أُنْزِلَ إلَيْكَ، بِلْ قُمْ بِإِبْلاَغِ رِسَالَةِ رَبِّكَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّهُ عَاصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
الآثِمُ - الفَاجِرُ فِي أَفْعَالِهِ الكَثِيرُ الإِثْمِ.
الكَفُورُ - الكَافِرُ قَلْبُهُ.
الأَصِيلُ - وَقْتُ مِيْلِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ - العَصْرُ.
البُكْرَةُ - أَوَّلُ النَّهَارِ.
(٢٦) - وَصَلِّ بَعْضَ اللَّيْلِ، كَصَلاَةِ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، وَتَهَجَّدْ لِرَبِّكَ طَائِفَةً مِنَ اللَّيْلِ.
يَوْماً ثَقِيلاً - هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ الشَّدِيدُ الأَهْوَالِ.
(٢٨) - وَكَيْفَ يَغْفُلُ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ عَنْ رَبِّهِمْ، وَهُوَ الذِي خَلَقَهُمْ، وَأَحْكَمَ خَلْقَهُمْ، وَشَدَّ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِأَرْبِطَةٍ وَعَضَلاَتٍ وَأَعْصَابٍ.. وَإِذَا شَاءَ اللهُ أَهْلَكَهُمْ وَاسْتَبْدَلَ غَيْرَهُمْ مِنَ الخَلْقِ بِهِمْ.
شَدَدْنَا أَسْرَهُمْ - أَحْكَمْنَا خَلْقَهُمْ.
(٣١) - وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، فَمَنْ يَهْدِهِ اللهُ وَيُدْخِلْهُ فِي رَحْمَتِهِ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَالذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَمَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَاباً أَلِيماً مُوجِعاً.